خطر الظاهرة السلفية
في احدث تصريح له، تبرأ رئيس حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي، من التصريحات المنسوبة إليه، والتي تهاجم السلفية الجهادية في تونس، مشيرا إلى ان مهاجمي السفارة الأميركية "إرهابيون" وليسوا سلفيين.
نص التصريح كما بثته وكالة فرانس برس في 22 من الشهر الجاري يقول:"ان السلفيين الجهاديين يشكلون خطراً على تونس، وانه يجب على الدولة التونسية ان تعتمد الحزم بعد الهجوم على السفارة الأميركية."
وقال «في كل مرة تتجاوز فيها احزاب او مجموعات بطريقة واضحة الحرية، يجب اعتماد الحزم والإصرار على فـرض النظـام».
واضاف الغنوشي «هؤلاء الناس يشكلون خطراً ليس فقط على النهضة وانما على الحريات العامة في البلاد وعلى امنها، ولذلك نواجه جميعنا هذه المجموعات لكن بطرق تحترم القانون».
اما نفي الغنوشي في تصريحات تلفزيونية فيقول: "إن الصياغة التي نشرتها وكالة "فرانس برس" ليست دقيقة"، وأشار إلى أن ما نُسب إليه من شأنه أن يعمق حالة التوتر بين النهضة وخصومها، كما يعمق القول السائد بوجود "ازدواجية في الخطاب لدى الحزب الحاكم"، خطاب موجه للعالم الخارجي وآخر للاستهلاك الداخلي.
لا يبدو الفرق كبيرا في ما قاله الغنوشي وفي ما نفاه، سوى القول بان الغنوشي استخدم لفظ "الارهابيين"، فيما نسبت اليه الوكالة الفرنسية انه استخدم لفظ "السلفيين". وقد يكون التكذيب للاستهلاك الداخلي، اكثر منه تعبيرا عن رؤية الغنوشي للمسألة، ذلك انه ربط التكذيب بذرائع محلية، في مقدمتها كما يبدو من النفي "تعميق حالة التوتر بين النهضة وخصومها".
وتظهر صوابية هذا التحليل اذا قارنا نص الوكالة الفرنسية مع تصريحات سابقة للغنوشي للتلفزيون والتي يمكن فيها رؤية الغنوشي وهو يتحدث بصوت مسموع عن ظاهرة السلفية وما تمثله من خطر على تونس، حين يقول ان الظاهرة السلفية ليس لها افق في تونس.
بل ان تكذيب الغنوشي الذي تعلق بلفظ السلفية فقط، لم يشمل قوله ان هذه الظاهرة تشكل "خطراً ليس فقط على النهضة وانما على الحريات العامة في البلاد وعلى امنها".
وهذا هو جوهر المسألة. فنحن نلاحظ الان ان تنامي الظاهرة السلفية في غير بلد عربي يشكل خطرا مباشرا على الحريات العامة في اي بلد تصل اليه، بسبب الرؤية الخاصة التي يملكها السلفيون الى مفاهيم الحريات العامة وحقوق الانسان والدولة المدنية الحديثة، وهي رؤية ترفض بالمطلق هذه المفاهيم استنادا الى رؤية خاصة للاسلام تجعل السلفيين جماعة منغلقة دوغمائية متعصبة لا تتقبل الانفتاح الحضاري على العالم وترفض القبول بمتغيرات الزمان والمكان في فهم الاسلام وتكييف عملية تطبيقه وفقا لذلك.
وفي العراق تمكنا من تذوق طعم السلفية من خلال الخطاب المتشدد و العنفي لها، والذي قاد الى ما شهدته السنوات الماضية من عمليات قتل على الهوية، وبالاستناد الى تكفير الاخرين المخالفين للسلفيين في الفهم والفقه والمذهب والموقف.
وليس من الصعب ان نجد رابطة بين صعود السلفية وبين تراجع روحية التسامح في العالم، لأن السلفية هنا تثير سلفية هناك، والعكس بالعكس، ما يدفع الفرقاء المختلفين الى مزيد من التعصب ورفض الاخر والانغلاق على الذات.
كل هذا يجعلنا نقول، وبسبب ما نشهده في بلدان العالم العربي والاسلامي التي امتدت اليها يد السلفيين، ان الظاهرة السلفية المتنامية تشكل خطرا فعليا على مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة، والتعايش السلمي بين الناس.
واذا كان لابد من مواجهة هذا الخطر الماثل للعيان فان الوسطيين والتنويريين هم الجبهة المقابلة التي يتعين عليها التصدي لهذا الخطر، قبل ان تنفجر "فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"، كما يعبر القرآن الكريم.
محمد عبد الجبار الشبوط
تعليق