إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

ثقافة الجاهل في التطبير وراي العالم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ثقافة الجاهل في التطبير وراي العالم

    ثقافة الجاهل في التطبير وراي العالم

    بقلم |مجاهد منعثر منشد

    امرر على جسد الحسين ... فقل لأعظمه الزّكيّة

    في كل عام من محرم تخرج لنا اراء سلفية بعثية عن طريق السائرين في ركب السلف المخالف .هذا السلف مقسم مابين بعثي ووهابي .والهدف واحد فرض الاراء الدخيلة على الاخرين .

    وتأتي هذه الاراء بعض الاحيان كتسقيط للمذهب الشيعي ,فتراها مكرره في كل عام .ومن يتأمل في هذه الاراء يجدها ليس اكتشاف إبداعي أو فكرة مصلحه أو دليل يظهر عبقرية صاحب الرأي بل في واقعها سخافة تصدر من اناس يجهلون فقه المذهب .

    وهذه الكتابات الساخرة لاتقدم ولاتاخر في اصل الموضوع ,وهي ليس علاج لان دوافعها واهدافها واضحة وضوح الشمس .,فلماذا تنشر في موقع مشبوه؟؟

    وحتى نعرف ان هذه المواقع مشبوهه نرى في هذه المواقع الطعون والتهجم على الشخصيات الاسلامية والعلماء والمناطق الشيعية ,فيتصورالقارىء الكريم ان هذه المواقع تتمتع بثقافة حضارية جديدة ..وواقعها الحقيقي انها تتمتع بالجهل والسذاجة وانعدام المعرفة والثقافة الدينية .والسياسة المتبعة لديهم النقد حيث يتركز على قانون كم الافواه وانعدام حرية العقائد في البلد .

    ومثال على ذلك ماكتب في (موقع كتابات المشبوه) تحت عنوان (التطبير بين الحجة الشرعية وثقافة العوام).

    ونلخص كيفية التهجم على الشخصيات الاسلامية والمناطق الشيعية .بما بينه الكاتب من حقده على الشيعة وعلمائها ومناطقها عن طريق الطعن والتشوبه .

    وكان في المقال من نص كلامه قوله ( (حيث يكفي ان تكون من آل الصدر فتكون زعيماً وقائداً. او من بيت الحكيم فتكون ثرياً , او ان يكون لقبك شيرازي كي تكون عالماً) وقال (لإهل النجف التجارة وعلى اهل الناصرية والبصرة الشراء واللطم , هم يسكنون في الفنادق والمتاجر وغيرهم يفترشون الشوارع . لإيران المرجعية ولاهل العراق والخليج التقليد) ويتهم الشيخ عبد الحميد المهاجر بالخلط في اركان الدين حسب قوله . واتهم صاحب كتاب ((الشعائر الحسينية)) السيد حسن الشيرازي من اصحاب الغلو .ويسخر من سماحة السيد محمد الفالي .ويطعن في تحليله على التطبير ..)) انتهى.

    ونسال ماعلاقة التطبير بالتهجم على هؤلاء الناس ؟ والظاهر اصل الموضوع ليس التطبير !

    كل هذه الاشارات دليل على استهداف المذهب ,فلا تعجبه اسرة علمية .ولا عالم .ولا خطيب .ولا المناطق الشيعية . الشبهات كثيرة على موقع كتابات وبعض كتابها ,فاستهداف المذهب بات واضحا ومكشوف لدى كل المنصفين منذ زمن سقوط هدام ولحد الان .

    ولو بحثنا عن ارائهم كما يسمونها او نقدهم الغير موضوعي ,لاتراهم يتكلمون في يوم من الايام عن جرائم البعثيين او عن الوهابية ونحرهم للابرياء الشيعة او تفجير الجوامع والحسينيات .و لم يكتبوا حرفا عن الحركات الضالة من اذنابهم .

    فاين نقدهم في بعض حريات الشعائر لدى المسلمين مثلا كالمتصوفه (الدراويش ) الذين يضعون الخناجر في رؤسهم والسيوف في بطونهم .وياكلون الزجاج .وهذا الامر متجدد عندهم في كل مناسبة ونهاية مجلس كل فاتحه .فيا ترى ماهو رايهم ؟

    ان الاستهداف واضح عندما يضعون مقالاتهم الاخيره عن التطبير في قسم السياسة مع العلم ان الموضوع اسلامي او ثقافي .وليس سياسي..

    وهذا يكفي لنقول لهم بأن مقالاتكم لاتغني عن الحق شيئا .ولكن لاباس ان نفضح جهلكم وعدم معرفتكم في فقه المذهب الجعفري ,فيكون الموضوع اولى .

    وكما ذكروا في مقالهم (ثقافة العوام) هؤلاء العوام الذي لايصل موقع كتابات بمن فيه الى اخماص اقدامهم يعودون في هذه المواضيع لمرجعياتهم .وليس لافكارالبعثيين وارائهم الدخيلة في الموقع المذكور .

    وهؤلاء العوام لايتبعون الشيطان الذي يجهل الاحكام بل يتبعون العلماء المجتهدين .

    ولكن تختلف الناس في تقليد المجتهد هذا يقول حرام .وذاك يقول حلال لكن فيما بينهما قاعده ثابته في الفقة الشيعي .

    والتي تنص على انه (يجوز العدول لبقية المجتهدين في مسالة واحده ) .

    واصل المذهب يجيز الجزع والبكاء على مصيبة الامام ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) .وهذا ثابت في الحديث الشريف عن الائمة المعصومين (عليهم السلام) .والتي منها هذه الاحاديث:ـ

    1.عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كلّ الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين (عليه السلام).

    المصدر | الأمالي الشيخ الطوسي المجلس السادس ص 161 ح 20.و البحار الشيخ المجلسي ج 44 ب 34 ص 280 ح 9 وكذلك أيضاً في ج 45 ب 46 ص 313 ح 14.

    2. عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنّه فيه مأجور .

    المصدر | في بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 291 ح 32.و كامل الزيارات ب 32 ص 107 ح 2 .

  • #2
    3. عن مسمع بن عبد الملك البصري قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مسمع أنت من أهل العراق؛ أما تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟.. .. قال لي أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله واستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي. قال: رحم الله دمعتك أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا.. .

    المصدر | بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 289 ح 31.و كامل الزيارات ب 32 ص 108 ح 6 .

    4. عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في مراسم يوم عاشوراء: (.. .. ثم ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه .

    المصدر | بحار الأنوار ج 101 ب 24 ص 290 ح 1.و كامل الزيارات ب 71 ص 193 ح 7 .

    5. ما رواه قدامة بن زائدة، عن أبيه، عن إمامنا السجاد (عليه السلام) حيث قال: (فإنه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا.. .. فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي (عليهما السلام) فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يابقية جدي وأبي واخوتي؟!! فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي واخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم، مرملين بالعرى..

    المصدر | كامل الزيارات ب 88 ص 274.

    الجزع في لغة العرب :ـ هو نقيض الصبر وهذا ما عليه كلّ المعاجم اللغوية. لذا فإنّ كلّ فعلٍ يفعله صاحب المصيبة يعبّر به عن عدم تحمّله وعن تأثّره الشديد فهو مصداق من مصاديق الجزع .

    والحديث عن الامام السجاد اعلاه ناخذ مقتطفات منه حيث قال (ع ): (وكيف لا أجزع وأهلع) فهو صريح في استحباب الجزع وأفضليته بل الهلع الذي هو أفحش الجزع في لغة العرب.

    المصدر |مجمع البحرين ج4 ص 411مادة هلع .

    والجزع على مراتب كثيرة أوّلها الصراخ والعويل والنحيب والبكاء المتواصل مع لطم الصدر ولطم الوجه وضرب الرأس باليد أو غيرها، وما التطبير الحسيني إلاّ مرتبة من هذه المراتب التي تقع في الحد الوسط من حيث الشدّة . جزع إمامنا السجّاد (عليه السلام) حين يقول: (فكادت نفسي تخرج). إذ هو قول المعصوم (عليه السلام) وليس قول العوام .

    ويؤيّد هذه المعاني ما نصه في دعاء الندبة الشريف الذي يرويه سيدنا ابن طاووس (قدس سره) في إقبال الأعمال، ومصباح الزائر، وجمال الأسبوع، والشيخ المجلسي (قدس سره) في بحار الأنوار:

    (فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون، أين الحسن؟! أين الحسين؟! أين أبناء الحسين؟!).

    إلى أن يقول الدعاء الشريف:

    (أين الطالب بدخول الأنبياء وأبناء الأنبياء؟! أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟!).

    (هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء؟! هل من جزوع فاساعد جزعه إذا خلا؟! هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى؟! هل إليك يا أبن أحمد سبيل فتلقى؟!).

    وهذا جانب اما الجانب الاخر .والمهم هو راي امام زماننا ولابعده راي مهما كان ..وذكرنا رايه في مقالنا (اخبار النبي (ص) في مقتل الحسين .والبكاء ) ونعيد نصه :ـيقول حجة الله ووليه الامام المهدي (عليه السلام) :ـ «لأندبنك صباحاً ومساءً» و قال: «ولأبكين عليك بدل الدموع دماً».

    فايهما اخف الدموع دما او ضرب الراس فيخرج منه الدم ؟

    العيون عندما تنزف دما انت لاترى لكن عندما يخرج الدم من الراس ,فانك ترى .

    وبعد الائمة المعصومين (عليهم السلام) ياتي نواب ووكلاء الامام الغائب الذين هم المراجع الكرام (رحم الله الاموات وحفظ الاحياء منهم ) :ـ مئات الاستفتائات تجيز التطبير ,فايهما اولى راي الانسان العادي الفارغ من المبدأ او المختص الشاهد والمسؤول عن العباد في دينهم الذي هو حجة الامام بقية الله (عليه السلام) على العباد كما ورد على لسان الامام المهدي (عليه السلام) ::ـ

    ونختصر بعض الفتوى التي أجازة التطبير علما ان العام الماضي وقبله نشرت المئات من الاستفتائات بالموضوع .ومع ذلك نذكر بعضا منها :ـ

    تعليق


    • #3
      1. شيخ الفقهاء آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة.

      ضرب القامات إن كان لا يضر بحال فاعله فلا بأس به، ولا ينبغي لأحد أن ينهى عن ذلك ويمنع منه).

      س: هل يجوز ضرب القامات على الرأس في يوم عاشوراء؟

      ج: إذا لم يكن مضراً بالنفس فجائز. منتخب المسائل للحائري: ص176 ط 1343هـ

      وقد أيد فتوى الحائري عدد كبير من الفقهاء ومراجع الأمة منهم:

      آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني

      آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي

      آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي

      آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني

      آية الله العظمى السيد صادق الروحاني

      آية الله العظمى الشيخ مرزا جواد التبريزي

      آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي

      آية الله العظمى السيد حسن القمي

      آية الله العظمى السيد محمد الشاهرودي

      آية الله العظمى السيد تقي القمي

      2. آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الغروي النائيني

      في التطبير والشعائر الحسينية

      لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور حد الاحمرار والاسوداد، بل يقوى جواز الضرب بالسلاسل أيضا على الأكتاف والظهور إلى الحد المذكور، بل وإن أدى كل من اللطم والضرب إلى خروج دم يسير على الأقوى.

      أما إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات فالأقوى جواز ما كان ضرره مأمونا وكان من مجرد إخراج الدم من الناصية بلا صدمة على عظمها ولا يتعقب عادة بخروج ما يضر خروجه من الدم ونحو ذلك كما يعرف المتدربون العارفون، ولكن لو اتفق خروج الدم قدر ما يضر خروجه لم يكن ذلك موجبا لحرمته ويكون كمن توضأ أو اغتسل أو صام آمنا من ضرره ثم تبين ضرره

      وقد أيد فتوى النائيني عدد كبير من الفقهاء ومراجع الأمة منهم:

      آية الله العظمى السيد محسن الحكيم

      آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

      آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي

      آية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي

      آية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي

      آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر الخاقاني

      آية الله العظمى الشيخ محمد حسن المظفر

      آية الله العظمى السيد عبد الله الشيرازي

      آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني

      آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي

      آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي

      آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني

      آية الله العظمى السيد صادق الروحاني

      آية الله العظمى الشيخ الميرزا جواد التبريزي

      آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي

      آية الله العظمى السيد حسن القمي

      آية الله العظمى السيد محمد الشاهرودي

      آية الله العظمى السيد تقي القمي

      آية الله السيد رضا الصدر وغيرهم كثير( ).

      3.كبار مشاهير علماء حوزة قم المقدسة يفتون بجواز التطبير

      س: ما حكم ضرب القامة على الرأس في يوم عاشوراء، هل يجوز ذلك؟

      ج: إذا لم يضر بالنفس فهو جائز.

      آية الله العظمى السيد محمد الحجة / في رسالته العملية (منتخب الأحكام) ص85.

      آية الله العظمى السيد محمد تقي الخونساري / في رسالته العملية (منتخب الأحكام) ص85.

      آية الله العظمى الميرزا محمد فيض القمي / في رسالته العملية (منتخب الأحكام) ص95.

      آية الله العظمى السيد حسين الطباطبائي البروجردي / في رسالته العملية (وسيلة النجاة ـ صراط النجاة

      4.فتوى آية الله العظمى الأمام السيد أبو الحسن الأصفهاني

      ينقل آية الله الشيخ محمد رضا الطبسي النجفي:

      تعليق


      • #4
        كنت يوم عاشوراء في كربلاء عند كيشوانية أبي الفضل العباس وفي خدمة المرحوم آية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني ـ أعلى الله مقامه ـ حيث كان يقصد الخروج من الحرم الشريف، فجاء شخص وسأله: هل يجوز الضرب بالقامات (التطبير)؟ فقال السيد: نعم جائز.

        5. فتوى آية الله العظمى الامام السيد أبو القاسم الخوئي

        س: هل ثمة إشكال في إدماء الرأس (التطبير) على ما هو المعهود المعروف في بعض مظاهر إظهار الحزن وإشادة العزاء على روح إمامنا المفدى أبي عبد الله الحسين عليه الصلاة والسلام مع فرض أمن الضرر؟

        ج: لا إشكال في ذلك في مفروض السؤال في نفسه والله العالم.

        س: تفضلتم بنفي الإشكال عن إدماء الرأس (التطبير) إذا لم يلزم منه ضرر ، فقيل إنه لا يثبت أكثر من الإباحة ، وعليه فهل إدماء الرأس (التطبير) مستحب لو نوى بذلك تعظيم الشعائر ومواساة أهل البيت عليهم السلام؟

        ج: لا يبعد أن يثيبه الله تعالى على نية المواساة لأهل البيت الطاهرين إذا خلصت النية.

        6. فتوى آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي

        س: ما رأي سماحتكم في إقامة الشعائر الحسينية من : إقامة مجالس العزاء، واللطم على الصدور، وضرب السلاسل على الظهور، والتطبير، والشبيه، ولبس السواد؟

        ج: بسمه تعالى، العزاء في مصائب سيد الشهداء جائز ما لم يشتمل على المحرمات (ضرب الناي ولبس المرأة ثوب الرجل وبالع**) والسلام خير ختام .شهاب الدين المرعشي النجفي.

        7. فتوى زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى الأمام المفدى السيد علي الحسيني السيستاني ((أدام الله ظله الوراف ))

        بسمه تعالى، كلما كان مصداقا لعزاء أبي عبد الله ,فهو مستحب. ولا ينبغي التخلف عنه عما كان عليه السلف الصالح.

        هيئة الاستفتاء في مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني قم.

        وجاء في المسألة رقم 18 من الاستفتاءات العربية الموجودة على الانترنيت في موقع سماحته قسم الشعائر الدينية :

        السؤال : ما هو حكم الضرب بالزنجير ولطم الصدور والدخول في النار في عزاء سيد الشهداء ؟

        الجواب : قال تعالى (ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).

        وجاء في القسم الفارسي من موقع سماحته على الانترنيت:

        س6: هل يجوز في عزاء الإمام الحسين أن يجرح الإنسان جسمه؟ الجواب: لا مانع منه.

        وهناك اراءعلماء مجتهدين اكثر من ان نحصيهم يجيزون التطبير والشعائر الحسينية .وغيرهم .

        والمؤمنين الموالين الشيعة يتقيدون باراء الائمة المعصومين (عليهم السلام ) .وبعدهم المراجع المجتهدين .ومن يخالف المذكورين في رايهم لايعد من المذهب ورايه هواء في شبك .والسلام على من اتبع الهدى .

        تعليق


        • #5
          بارك الله بك ...
          كان الشيعة قبل حوالي 15 سنة يد واحدة.. ولم تكن هذه الخلافات موجودة أبداً..
          فلعن الله من أسس لها ولعن الله من أوجدها وشق عصى المسلمين...

          ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
          ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
          هذا بدل أن يدافعوا عن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بعضهم وقف يدافع عن عائشة المبغضة لأهل البيت عليهم السلام..
          قاتلهم الله..
          وشكراً

          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة الخير لا يفنى
            بارك الله بك ...
            كان الشيعة قبل حوالي 15 سنة يد واحدة.. ولم تكن هذه الخلافات موجودة أبداً..
            فلعن الله من أسس لها ولعن الله من أوجدها وشق عصى المسلمين...

            ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
            ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
            هذا بدل أن يدافعوا عن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بعضهم وقف يدافع عن عائشة المبغضة لأهل البيت عليهم السلام..
            قاتلهم الله..
            وشكراً
            شكرا لتعليقكم وجزاكم الله كل خير

            تعليق


            • #7
              بسم الله الرحمن الرحيم
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
              اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

              فتاوى مراجع الأمة في التطبير والشعائر الحسينية



              ومع السلامة.

              تعليق


              • #8
                بسم الله الرحمن الرحيم
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

                رواية نطح السيدة زينب عليها السلام جبينها بمقدم المحمل
                عن مسلم الجصاص قال: دعاني ابن زياد لاصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلتُ على خادم كان معنا فقلت: ما لي أرى الكوفة تضج؟
                قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد، فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي «عليهما السلام».
                فتركت الخادم حتى خرج ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن تذهب، وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملا فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة «عليها السلام» وإذا بعلي بن الحسين «عليهما السلام» على بعير بغير وطاء، وأوداجه تشخب دما، وهو مع ذلك يبكي ويقول:
                يا أمة السوء لا سقيا لربعكم
                يا أمة لم تراع جدنا فينا
                لو أننا ورسول الله يجمعنا
                يوم القيامة ما كنتم تقولونا؟
                تسيّرونا على الأقتاب عاريةً
                كأننا لم نشيّد فيكمُ دينا؟
                بني أمية ما هذا الوقوف على
                تلك المصائب لا تلبون داعينا؟
                تصفقون علينا كفكم فرحًا
                وأنتم في فجاج الأرض تسبونا
                أليس جدي رسول الله ويلكم
                أهدى البرية من سبل المضلينا؟
                يا وقعة الطف قد أورثتني حزنا
                والله يهتك أستار المسيئينا
                وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر و الخبز والجوز، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت: يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض، كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم.
                ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل، وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم ، وتبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء، فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين «عليه السلام» وهو، رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله «صلى الله عليه وآله» ولحيته كسواد السبج قد انتصل منها الخضاب، ووجهه دائرة قمر طالع والرمح تلعب بها يمينا وشمالا، فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول:
                يـا هلالاً لـمّـا اسـتتم كـمالا
                غالـهُ خسـفـه فـأبـدا غـروبـا
                ما توهمت يا شقيقَ فؤادي
                كـان هـذا مـقـــدّراً مـكـتـوبـا
                يا أخي فاطمُ الصغيرة كلّمها
                فـقــد كـاد قـلـبـهـا أن يــذوبا
                يا أخي قلبكَ الشفيق علينا
                ما لهُ قد قسى وصـار صليـبا ؟
                يا أخي لو ترى علياً لدى الأسر
                مـع الـيــتـم لا يــطـيـقُ وجــوبـا
                كلّـمـا أوجـعـوهُ بالضـرب ناداكَ
                بــذلٍ يــفيـضُ دمــعــاً ســكوبا
                يا أخي ضــمّــهُ إليــكَ وقــرّبــهُ
                وسكـّـن فـــؤادهُ المـــرعـــوبــا
                مـا أذلَ اليـتـيــمَ حـيـن يــنــادي
                بأبيـــــــهِ ولا يـــراهُ مـُــجــيــبــا
                المصدر: بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٥ - الصفحة ١١٥.
                ومع السلامة.

                تعليق


                • #9
                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                  اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

                  لماذا الزحف إلى قبر الحسين (عليه السلام) ولماذا التطبير وإسالة الدماء؟
                  منذ زمان حكومة بني أمية، مرورا بحكومة بني العباس وحكومة بني عثمان، إلى أن آلت النوبة إلى حكومة البعث المقبور في العراق؛ كان المؤمنون الذين يتوافدون على زيارة مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء المقدسة يتعرضون إلى صنوف التنكيل والعذاب، فقد كان همّ تلك السلطات الناصبية الغاشمة هو منع هذه الزيارة لمحو ذكر سيد الشهداء والأحرار صلوات الله عليه، فإن تذاكر الناس له ولثورته العظيمة يجعلهم يقتدون به ويستلهمون منه فيثورون على تلك الحكومات الظالمة، وهذا ما كانت تخشاه ولذا كانت تبذل كل ما في وسعها لإرهاب المؤمنين الزوّار بمختلف الوسائل، وكان من تلك الوسائل في عصر من العصور أنهم كانوا يقطعون يديْ ورِجْليْ كل زائر يقبضون عليه! ومع ذلك كان المؤمنون مستمرّين في الزيارة ولو زحفا بأبدانهم! ورفعوا شعارا هو بيت شعر يقول:
                  لو قطعوا أرجلنا واليديْن نأتيك زحفا سيدي يا حسين!
                  وكلما زاد النواصب والمعادون لأهل البيت حربهم الإجرامية ضد زيارة الحسين (عليه السلام) كلما زاد المسلمون المؤمنون إصرارا وتحديا، واليوم يكمل أتباع الأمويين والعباسيين والعثمانيين وأيتام البعثيين ولقطاء الوهابيين حربهم ضد الحسين وأتباعه وشيعته ومحبيه، فيقطعون طريق الزوار بالمفخخات والاغتيالات والأعمال الإرهابية المتنوعة، ومع هذا فإن المؤمنين على عهدهم ووفائهم يمضون قدما في زيارة إمامهم وسيّدهم (صلوات الله عليه) غير آبهين بشيء ولا تزيدهم الأعمال الوحشية التي تُرتكب يوميا ضدهم في العراق إلا شجاعة وعزيمة على ما هم عليه.
                  وفي وسط هذه الأجواء، وكنوع من التحدّي العلني، يقوم جمع من المؤمنين المخلصين بتجسيد حيٍّ للشعار المذكور، فيزحفون نحو ضريح سيد الشهداء (عليه السلام) وهم يهتفون: ”لو قطعوا أرجلنا واليدين؛ نأتيك زحفا سيدي يا حسين“! مُبدين غاية الخضوع والتذلل لإمامهم، مستشعرين آلام أسلافهم الذين قُطعت أيديهم وأرجلهم، موطّنين أنفسهم على تحمّل المشاق في هذا السبيل، ومقدّمين صورة رائعة عن الاستعداد للتضحية ومواجهة الظالمين.
                  فهذه هي الفلسفة العظيمة لهذه الشعيرة وغيرها من الشعائر الحسينية، كلّها تجسيد للمبادئ والمُثُل العليا التي يؤمن بها المسلم الوفيّ المخلص لأهل بيت رسول الله صلوات الله عليهم.
                  وهذا العمل مستحب شرعاً لما فيه من تعظيم لله ولأوليائه عليهم السلام، ولما ينطوي عليه مما ذكرناه من غايات تصبّ في تعميق الروح الإيمانية لدى الأفراد. وإجمالا؛ فإن كثيرا من الشعائر الدينية إنما هي في الحقيقة إعادة تمثيل لما جرى، فإنكِ لو تأمّلتِ في شعائر الحج مثلا؛ لوجدتِ أن الطواف إعادة تمثيل لما صنعه إبراهيم عليه السلام، وكذا الصلاة خلف مقامه، والسعي بين الصفا والمروة تمثيل لما صنعته هاجر عليها السلام، وذبح الهدي تمثيل لما جَرى لفداء إسماعيل عليه السلام، وهكذا رمي الجمار والوقوف بعرفة وغير ذلك.
                  والتطبير الذي هو إسالة الدماء من الرأس إنما هو من هذا القبيل أيضا، فهو إعادة تمثيل لما جرى على الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) في واقعة الطف، استشعارا لآلامهم، ومواساة لهم، واستذكارا لمحنتهم، وإظهارا للاستعداد للتضحية بالنفس لأجل نصرتهم وهي نصرة الدين والحق والعدل.
                  وهذا العمل مستحب شرعاً، وقد أجراه الله تعالى على نبيّه إبراهيم (عليه السلام) فقد ورد في الحديث: ”أن إبراهيم عليه السلام مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرسا فعثرت به وسقط إبراهيم وشُجَّ رأسه وسال دمه! فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل عليه السلام وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه“. (بحار الأنوار ج44 ص243).
                  ثم إن هذا العمل بنفسه مستحب لأنه نوع من أنواع الحجامة التي أوصى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصفها بأنها تغيث الإنسان من الأمراض، وهذا ثابت حتى في مصادر المخالفين، فقد رُوي عن ابن عمر قال: ”كان رسول الله يحتجم هذا الحجم في مقدَّم رأسه ويسمّيه أم مغيث“. (المعجم الأوسط للطبراني ج8 ص16).
                  وعليه فالتطبير بنفسه مستحب، فإذا اقترن أداؤه بالمواساة لسيد الشهداء (عليه السلام) زاد استحبابه وكان خيرا على خير، وهو مفيد طبّياً وهذا ثابت عند الأطباء، فالذين يواظبون على أداء هذه الشعيرة المقدّسة يكونون أقل من غيرهم عُرضة للإصابة بالجلطة الدماغية، بل إننا نعرف بعض الذين نجوا منها بفضل التطبير. وهو أيضا يوطّن النفس على الشجاعة والبطولة وتحمّل الأهوال، فيكون نوعا من التدريب العسكري، وقد استخدمته الجيوش العثمانية في ما مضى لتقوية قلوب أفرادها.
                  ونسألكم الدعاء...~

                  تعليق


                  • #10
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                    اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

                    لماذا الزحف إلى قبر الحسين (عليه السلام) ولماذا التطبير وإسالة الدماء؟
                    منذ زمان حكومة بني أمية، مرورا بحكومة بني العباس وحكومة بني عثمان، إلى أن آلت النوبة إلى حكومة البعث المقبور في العراق؛ كان المؤمنون الذين يتوافدون على زيارة مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء المقدسة يتعرضون إلى صنوف التنكيل والعذاب، فقد كان همّ تلك السلطات الناصبية الغاشمة هو منع هذه الزيارة لمحو ذكر سيد الشهداء والأحرار صلوات الله عليه، فإن تذاكر الناس له ولثورته العظيمة يجعلهم يقتدون به ويستلهمون منه فيثورون على تلك الحكومات الظالمة، وهذا ما كانت تخشاه ولذا كانت تبذل كل ما في وسعها لإرهاب المؤمنين الزوّار بمختلف الوسائل، وكان من تلك الوسائل في عصر من العصور أنهم كانوا يقطعون يديْ ورِجْليْ كل زائر يقبضون عليه! ومع ذلك كان المؤمنون مستمرّين في الزيارة ولو زحفا بأبدانهم! ورفعوا شعارا هو بيت شعر يقول:
                    لو قطعوا أرجلنا واليديْن نأتيك زحفا سيدي يا حسين!
                    وكلما زاد النواصب والمعادون لأهل البيت حربهم الإجرامية ضد زيارة الحسين (عليه السلام) كلما زاد المسلمون المؤمنون إصرارا وتحديا، واليوم يكمل أتباع الأمويين والعباسيين والعثمانيين وأيتام البعثيين ولقطاء الوهابيين حربهم ضد الحسين وأتباعه وشيعته ومحبيه، فيقطعون طريق الزوار بالمفخخات والاغتيالات والأعمال الإرهابية المتنوعة، ومع هذا فإن المؤمنين على عهدهم ووفائهم يمضون قدما في زيارة إمامهم وسيّدهم (صلوات الله عليه) غير آبهين بشيء ولا تزيدهم الأعمال الوحشية التي تُرتكب يوميا ضدهم في العراق إلا شجاعة وعزيمة على ما هم عليه.
                    وفي وسط هذه الأجواء، وكنوع من التحدّي العلني، يقوم جمع من المؤمنين المخلصين بتجسيد حيٍّ للشعار المذكور، فيزحفون نحو ضريح سيد الشهداء (عليه السلام) وهم يهتفون: ”لو قطعوا أرجلنا واليدين؛ نأتيك زحفا سيدي يا حسين“! مُبدين غاية الخضوع والتذلل لإمامهم، مستشعرين آلام أسلافهم الذين قُطعت أيديهم وأرجلهم، موطّنين أنفسهم على تحمّل المشاق في هذا السبيل، ومقدّمين صورة رائعة عن الاستعداد للتضحية ومواجهة الظالمين.
                    فهذه هي الفلسفة العظيمة لهذه الشعيرة وغيرها من الشعائر الحسينية، كلّها تجسيد للمبادئ والمُثُل العليا التي يؤمن بها المسلم الوفيّ المخلص لأهل بيت رسول الله صلوات الله عليهم.
                    وهذا العمل مستحب شرعاً لما فيه من تعظيم لله ولأوليائه عليهم السلام، ولما ينطوي عليه مما ذكرناه من غايات تصبّ في تعميق الروح الإيمانية لدى الأفراد. وإجمالا؛ فإن كثيرا من الشعائر الدينية إنما هي في الحقيقة إعادة تمثيل لما جرى، فإنكِ لو تأمّلتِ في شعائر الحج مثلا؛ لوجدتِ أن الطواف إعادة تمثيل لما صنعه إبراهيم عليه السلام، وكذا الصلاة خلف مقامه، والسعي بين الصفا والمروة تمثيل لما صنعته هاجر عليها السلام، وذبح الهدي تمثيل لما جَرى لفداء إسماعيل عليه السلام، وهكذا رمي الجمار والوقوف بعرفة وغير ذلك.
                    والتطبير الذي هو إسالة الدماء من الرأس إنما هو من هذا القبيل أيضا، فهو إعادة تمثيل لما جرى على الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) في واقعة الطف، استشعارا لآلامهم، ومواساة لهم، واستذكارا لمحنتهم، وإظهارا للاستعداد للتضحية بالنفس لأجل نصرتهم وهي نصرة الدين والحق والعدل.
                    وهذا العمل مستحب شرعاً، وقد أجراه الله تعالى على نبيّه إبراهيم (عليه السلام) فقد ورد في الحديث: ”أن إبراهيم عليه السلام مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرسا فعثرت به وسقط إبراهيم وشُجَّ رأسه وسال دمه! فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل عليه السلام وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه“. (بحار الأنوار ج44 ص243).
                    ثم إن هذا العمل بنفسه مستحب لأنه نوع من أنواع الحجامة التي أوصى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصفها بأنها تغيث الإنسان من الأمراض، وهذا ثابت حتى في مصادر المخالفين، فقد رُوي عن ابن عمر قال: ”كان رسول الله يحتجم هذا الحجم في مقدَّم رأسه ويسمّيه أم مغيث“. (المعجم الأوسط للطبراني ج8 ص16).
                    وعليه فالتطبير بنفسه مستحب، فإذا اقترن أداؤه بالمواساة لسيد الشهداء (عليه السلام) زاد استحبابه وكان خيرا على خير، وهو مفيد طبّياً وهذا ثابت عند الأطباء، فالذين يواظبون على أداء هذه الشعيرة المقدّسة يكونون أقل من غيرهم عُرضة للإصابة بالجلطة الدماغية، بل إننا نعرف بعض الذين نجوا منها بفضل التطبير. وهو أيضا يوطّن النفس على الشجاعة والبطولة وتحمّل الأهوال، فيكون نوعا من التدريب العسكري، وقد استخدمته الجيوش العثمانية في ما مضى لتقوية قلوب أفرادها.
                    ونسألكم الدعاء...~

                    تعليق


                    • #11
                      بسم الله الرحمن الرحيم
                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                      اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

                      التطبير.. إستكمال الرجولة يوم العاشر!
                      يقع في عيني من يمتنع عن مواساة سيد الشهداء (عليه الصلاة والسلام) بدمه يوم العاشر من المحرم بمظهر ناقص الرجولة، سيما إذا لم يكن عنده عذر سوى سوى الخوف أو الحرج أو الوهم، ذلك لأن الرجولة تظهر في مثل هذه المواقف.
                      وليس الأمر تحاملا من عندي، فإني أعلم بأن بعضهم سيشنّعون عليّ كثيرا بسبب هذه الكلمة، وستراهم يقولون: ”انظروا إليه كيف يتهمنا في رجولتنا لأننا فقط لا نطبّر“! ولكن هذه هي الحقيقة وهذا هو الواقع، مع اعتذاري.
                      أما لماذا أقول أن من لا يطبّر فرجولته ناقصة، فبعيدا عن الفلسفة الشرعية للتطبير وبعيدا عن مناقشة استحبابيته التي تدل عليه الأدلة الشرعية، فإن التطبير نوع من أنواع إثبات الاستعداد النفسي والبدني لفداء سيد الشهداء (صلوات الله عليه) ونصرته والتضحية لأجله بالغالي والنفيس، وليس ثمة أغلى من الروح. ومن يمتنع عن ذلك خوفا أو رهبة من مشاهد الدماء المسالة فلا شك بأن رجولته ناقصة.
                      إنه أيضا نوع من التدريب، فهو بمثابة التدريبات العسكرية التي يجريها المجنّدون عسكريا، إذ يكون حسن بلائهم في تلك التدريبات ـ برغم مشقتها ـ دليلا على رجولتهم وشجاعتهم واستعدادهم لخوض الحرب في سبيل الوطن وإثباتا لولائهم له.
                      والذين يزعمون أن التطبير بلا فائدة؛ عليهم أن يدققوا النظر في تلك التدريبات العسكرية وفوائدها، فإن من أعظم فوائدها إزالة الخوف والرهبة من قلوب المجنّدين، وتوطينهم على القتال ومواجهة الحرب، وزرع قيمة الاستبسال في نفوسهم.
                      والذين يرفضون التطبير بزعم أنه يسبب إضرارا في النفس ـ رغم أنه لا إضرار واقعا ـ هلاّ اعترضوا على كل تلك التدريبات العسكرية والمناورات الميدانية وطالبوا بوقفها لأنهم يروْن كمّ الإصابات والأضرار التي تسببها للأفراد والتي تصل في أحيان كثيرة إلى حد القتل الخطأ في المناورات الحربية التدريبية؟! أليس هذا يهون ـ في عرفهم ـ في سبيل التدريب على حمل السلاح والاستعداد لمواجهة أي عدو محتمل؟! فلماذا ينكرون على المطبّرين قيامهم بهذه التدريبات لتطويع النفس وتدريبها على المواجهة والاستعداد لنصرة صاحب العصر (أرواحنا فداه) حال ظهوره الشريف؟! ليكن فيها شيء من الضرر ـ جدلا ـ فما الضير إذا كان الهدف أهم وأولى وأسمى؟!
                      لعلهم سيقولون الآن: ”إنه لو صدق أنه تدريب لسلّمنا.. لكنه استعراض لا أكثر، وإلا فلا يمكن مواجهة الآلات العسكرية الحديثة بآلة السيف القديمة“! وسيكون جوابنا: يبقى السيف رمز القوة والبطولة، وتبقى مزية التطبير في التدريب النفسي أكثر من البدني، فجرح النفس بحد ذاته وإسالة الدم بحد ذاتها يزيلان الخوف من النفس، وهذا ما يُراد. وبعدُ.. يبقى سيف ذو الفقار بيد صاحب العصر (عليه السلام) وبه سينتصر، فالله أعلم كيف ستكون سيوف المطبّرين يوم ظهوره ولعل الله (تبارك وتعالى) يجعل لتلك السيوف التي هي بيد أنصار وليّه ما ينسف آلات العسكرة الحديثة إعجازا. ونزيد في القول: ليكن التطبير استعراضا.. فإن كل شعائر الإسلام استعراض في واقع الأمر لإظهار عظمة وهيبة هذا الدين في عيون الآخرين.
                      لا شك أن من كان يطبّر سيكون أكثر جرأة وشجاعة وأشد بأسا في الحرب حال ظهور الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) وأكثر اقتحاما في المعارك الإلهية، شأنه شأن ذلك المجنّد عسكريا المتلقي تدريبا جيدا، وقد أثبت ذلك أن انقداح شرارة المقاومة والانتصار على الصهاينة اليهود في جنوب لبنان إنما كان بدم المطبّرين في النبطية، فمن هناك ومن ذلك اليوم ومن ذلك الموقف انطلقت المقاومة. فالتطبير إذن يوطّن النفس على القتال، ويحيي الرجولة في الرجال، ويروي الشهامة والبطولة والفتوة في النفوس.
                      أما غير المطبّر فسيعتريه الخوف على الأغلب وسيتراجع عن مواجهة العدو، وحتى لو أقدم على ذلك فلن يحسن بلاءً كما هو شأن المطبر الفدائي. وإن عدوّنا عظيم الخطر يوم يظهر صاحب العصر (صلوات الله عليه) وعلينا أن نستعد جيدا له من الآن، وليس أعظم من الاستعداد النفسي الذي يحققه التطبير، فإن النفس لو استعدت؛ لحقها البدن بالاستعداد.
                      كن جاهزا يا هذا.. طبّر وتطهّر بدمك يوم العاشر فإنها دماء الحسينيين!
                      ونسألكم الدعاء.

                      تعليق


                      • #12
                        بسم الله الرحمن الرحيم
                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                        اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف



                        :: فلسفة الشعائر الحسينيّة - اللطم - الزنجيل - التطبير ::

                        (إحسان الفضلي)
                        المراجعة والتدقيق : الأديب حيدر السلامي

                        ====

                        الإهداء:
                        إلى إمامي وسيدي ومولاي صاحب العصر والزمان ؛ الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه وسهّل مخرجه ؛ وجعلنا من أنصاره) .
                        قالت اُمّ المصائب زينب (عليها السّلام) : فكد كيك ؛ واسعَ سعيك ، وناصب جهدك ؛ فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها . وهل رأيك إلاّ فند ؛ وأيامك إلاّ عدد ؛ وجمعك إلاّ بدد ؛ يوم ينادي المنادي : ألا لعنة الله على الظالمين .

                        فالحمد لله ربِّ العالمين الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ؛ ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .


                        ====

                        المقدّمة
                        بسم الله الرحمن الرحيم
                        لقد اعتاد الباحث في مدرسة أهل البيت (عليهم السّلام) أن يجد إشاراتهم ومعطياتهم في كافة مجالات الحياة ؛ سواء العلميّة منها أو غير العلميّة ، فلا بدّ أن يكون هناك توضيح لطالب العلم وللمتحير في كيفية النهج الواجب اتخاذه لبلوغ الحق والرسوّ في شاطئ اليقين .

                        ومن هنا يتسائل الباحث عمّا أوضحته لنا مدرسة أهل البيت (عليهم السّلام) في المنهج الإعلامي ؛ وكيف لنا أن نستقي المعرفة منها في هذا المجال ؟
                        والمتتبع لتاريخ أهل البيت (عليهم السّلام) يستطيع أن يجد الإشارات الإعلاميّة واضحة بيّنة . ولعل من أوضحها سلاح البكاء الذي استخدمته الزهراء (عليها السّلام) ليكون رسالة إعلاميّة واضحة وصريحة الدلالة على سلب الحقوق ؛ وصرخة مدويّة بوجه الظالمين .

                        وإنّ هذا السلاح هو نفسه الذي استخدمه الإمام زين العابدين (عليه السّلام) (1) أمام الطغيان الاُموي ؛ فنحن نرى أحاديث أهل البيت (عليهم السّلام) العديدة في الحث على البكاء والتباكي ؛ وما هي في الحقيقة إلاّ دعوة صريحة لاستخدام هذا السلاح بوجه الطغاة والمتجبرين في كلِّ زمان ومكان .

                        والغريب أننا نرى اليوم بعض الدعوات والنداءات على ترك هذا السلاح الذي حثّ عليه أهل البيت (عليهم السّلام) في المناسبة تلو الاُخرى ، ونرى أصحاب هذه الدعوات أنفسهم يتقبّلون أساليب الإعلام الغربية بكل رحابة صدر ، في حين إنك ترى الغربيِّين يستخدمون للدلالة على الاحتجاج من وقوع ظلم معين الاعتصام مثلاً . وهو إن تأملت فيه تجده يقع في سياق البكاء للدلالة على الظلم , بل هما من قبيل وجهين لعملة واحدة تصب في مقام إيقاع الألم على النفس للدلالة على أنها تتعرض لألم أكبر هو الظلم .

                        وعندما يقع الاعتصام من أحد الأشخاص ترى الدنيا تقوم وتقعد ؛ لما يشير إليه الاعتصام من دلالة واضحة على سوء الإدارة المعنية ، وأنها مارست الظلم بحق الشخص المعتصم . وهذا ما نتلمسه كذلك من سلاح البكاء الذي هو من الاُمور الفطرية التي جعلها المولى (عزّ وجلّ) من طبيعة الجنس البشري ، وأنه عند تعرضه للألم يبكي .

                        والألم تارة يكون مادياً واُخرى يكون معنوياً ؛ فالإنسان عندما يتعرّض لفقد عزيز ؛ أو يُهضم حقه تراه يبكي بطبيعة الفطرة التي جعلها الله (عزّ وجلّ) فيه ، وهذا الألم المعنوي . وأمّا المادي فهو ما يتعرّض له من حوادث تؤدّي إلى تلف في جسمه ؛ من كسر أو جرح أو قرح وغيرها ، وبنفس الفطرة تراه يبكي عند التعرّض لمثل هذه الحوادث . ويتحول البكاء رمزاً ومتنفساً عندما يكون الألم ـ معنوياً كان أو مادياً ـ من الشدة بمكان .

                        وفي إطار تبيين فلسفة الشعائر الحسينيّة لا بدّ لنا أن نعلم أنّ الشعائر الحسينيّة هي رمز من رموز الاحتجاج الواضحة في وجه الظلم الذي وقع على أهل البيت (عليهم السّلام) ، ونرجو أن يكون لهذا العمل المتواضع ثقلاً في الميزان ، وأن يهدي إلى الحق .

                        كما وأرجو من جميع إخوتي في الإيمان أن يعفوا ويصفحوا عن العثرات والزلات ، وأن لا ينسونا من الدعاء بالتوفيق ؛ لكي نكون جميعاً من أنصار سيدة نساء العالمين ، المواسين لها في مصابها الجلل بما جرى عليها وعلى آل البيت (عليهم السّلام) (2) .

                        1 ـ قال الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) : (( البكّاؤون خمسة : آدم ؛ ويعقوب ؛ ويوسف ؛ وفاطمة بنت محمد ؛ وعلي بن الحسين (عليهم السّلام) ؛ فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّى صار في خدّيه أمثال الأودية ؛ وأمّا يعقوب فبكى على يوسف حتّى ذهب بصره ؛ وحتّى قيل له : (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ) .

                        وأمّا يوسف فبكى على يعقوب حتّى تأذّى به أهلُ السجن ؛ فقالوا له : إمّا أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار ؛ وإمّا أن تبكي بالنهار وتسكت بالليل . فصالحهم على واحدة منهما ؛ وأمّا فاطمة فبكت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتّى تأذّى به أهل المدينة ؛ فقالوا لها : قد آذيتينا بكثرة بكائك . فكانت تخرج إلى المقابر ؛ مقابر الشهداء ؛ فتبكي حتّى تقضي حاجتها ثمّ تنصرف ؛ وأمّا علي بن الحسين فبكى على الحسين (عليه السّلام) عشرين سنة ؛ أو أربعين سنة ؛ ما وُضع بين يديه طعام إلاّ بكى ؛ حتّى قال له مولىً له : جُعلت فداك يابن رسول الله ! إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين . قال : (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) . إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني لذلك عبرة لي )) (بحار الأنوار43 / 155 ـ باب 7) .

                        2 ـ عن أبي بصير قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السّلام) اُحدّثه فدخل عليه ابنهُ ؛ فقال له : (( مرحباً )) . وضمّه وقبّله ؛ وقال : (( حقّر الله مَن حقّركم ؛ وانتقم الله ممّن وتركم ؛ وخذل الله مَن خذلكم ؛ ولعن الله مَن قتلكم ؛ وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً ؛ فقد طال بكاء النساء ؛ وبكاء الأنبياء والصدّيقين ؛ والشهداء وملائكة السماء )) .
                        ثمَّ بكى ؛ وقال : (( يا أبا بصير ؛ إذا نظرت إلى ولد الحسين (عليه السّلام) أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وآلهم . يا أبا بصير ؛ إنّ فاطمة (عليها السّلام) لتبكيه وتشهق ، فتزفر جهنم زفرة لولا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها ؛ وقد استعدّوا لذلك ؛ مخافة أن يخرج منها عنق ... إلى أن قال : فلا تزال الملائكة مشفقين ؛ يبكون لبكائها ؛ ويدعون الله ويتضرعون إليه ... )) .

                        إلى أن قال : قلتُ : جُعلت فداك ! إنّ هذا الأمر عظيم !

                        قال : (( غيره أعظم منه ما لم تسمعه )) .

                        ثم قال : (( يا أبا بصير ؛ أما تحبُّ أن تكون فيمن يُسعد فاطمة (عليها السّلام) ؟ )) .

                        فبكيت حين قالها ؛ فما قدرت على المنطق ؛ وما قدرت على كلامي من البكاء . (مستدرك الوسائل 10 / 314 ـ 315) .

                        وقال الإمام الصادق (عليه السّلام) لزرارة : (( وما عينٌ أحبّ إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه ـ الإمام الحسين (عليه السّلام) ـ . وما من باكٍ يبكيه إلاّ وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ؛ ووصل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ وأدّى حقّنا . وما من عبد يُحشر إلاّ وعيناه باكيةٌ إلاّ الباكين على جدي الحسين (عليه السّلام) ؛ تحت العرش ؛ وفي ظل العرش ؛ لا يخافون سوء يوم الحساب )) . (مستدرك الوسائل 10 / 314) .


                        ====

                        فلسفة الشعائر الحسينيّة:

                        كثر في الآونة الأخيرة الكلام حول الشعائر الحسينيّة ، ولسنا هنا في معرض دراسة ومناقشة الأسباب التي تخفّت وراء هذا الكلام ، بل نسعى إلى أن نميط اللثام عن بعض النقاط غير الواضحة لدى كثيرين ممّن يخوضون في هذه الاُمور الدقيقة ؛ ويثيرون حولها النقاشات والحوارات التي قد تزيد الطين بلة ؛ وتسدل على الحقائق أستاراً وحجباً لعدم استنادها إلى المنهج العلمي ؛ وانحدارها إلى التذوّق الحسّي والانفعال العاطفي ليس غير .

                        ومن [خلال] متابعة هذه الحوارات وتقصّي محاورها وجدناها على الأكثر تنصبّ في شقين :

                        الشق الأوّل :
                        حول الجانب الفقهي ؛ ومدى مشروعيّة هذه الشعائر ؛ ومن خلاله التعرض إلى الجانب التأريخي لها . والمفجع في الأمر تداول هذا الجانب لدى عامة الناس ؛ وإبداء الآراء الشخصية فيه ، وكأن لا وجود لأهل الاختصاص الذين يجب أن نرجع إليهم في مثل هذا النوع من الاُمور ، ونعلم من خلالهم مدى مشروعيّة هذه الشعائر ؛ وكيفية التعامل معها من جهة شرعيّة . وأهل الاختصاص هم مراجعنا في التقليد ؛ رحم الله الماضين منهم ؛ وحفظ الباقين ذخراً لهذه الاُمّة ؛ ولنصرة هذا الدين .

                        والمتتبع لآراء فقهائنا يستطيع أن يرى بوضوح وجلاء تام أنّ مراجعنا ؛ وعلى مدى التسلسل التاريخي لهم ؛ لم يظهر فيهم من يحرّم هذه الشعائر ؛ بل في أقل التقادير ذهبوا إلى إباحتها ؛ والكثير منهم ذهب إلى استحبابها شرعاً ؛ وأنها من الاُمور التي تبيّن مدى مظلومية أهل البيت (عليهم السّلام) .

                        كما إنها من مظاهر الجزع على أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) ، هذا إلى جانب أنه لا يوجد دليل واحد على عدم مشروعيّة هذه الشعائر الحسينيّة ، وأعني دليلاً فقهياً يعتد به . أمّا الحديث عن أدلة من مثل أنّ هذه الشعائر غير إنسانية وما شابه فهو حديث خرافة ساقط عن الاعتبار ؛ وما هذه البالونات المثارة من حوله إلاّ تخرّصات لا يمكن اعتمادها كأدلةٍ فقهيةٍ ؛ وقد نوقشت وأمثالها من قبل فقهائنا الأجلاء بما يكفي الباحث مؤونة الرد عليها . كما أنّ هناك الكثير من المطبوعات التي تشير إلى الأدلة الشرعيّة التي اعتمدها فقهاؤنا في هذه المسألة .

                        والتكليف الشرعي أمام هذه الشعائر بتعدد أنواعها يرجع فيه الشخص إلى مرجع تقليده ، وليس إلى رأيه الشخصي وتشخيصه الموضوعي . فكما نعلم أنّ في جميع الرسائل العملية لمراجعنا (حفظهم الله) العبارة التالية : عمل العامي بلا تقليد باطل .

                        وهذه العبارة لا يذكرها فقهاؤنا إلاّ لأنها تبين أمراً واضحاً وصريحاً ورد في روايات أهل البيت (عليهم السّلام) ؛ ولذا يجب على كلِّ مكلف الرجوع إلى مرجع تقليده في مسألة الشعائر الحسينيّة كما يرجع إليه في جميع العبادات والمعاملات .

                        ولا أظن ولم أسمع يوماً أنّ أحداً أجبر شخصاً آخر على ممارسة إحدى الشعائر ؛ وإنّما الأمر يرجع إلى نفس الشخص ومدى شعوره بالانتماء والولاء لأهل البيت (عليهم السّلام) ؛ ومدى تفاعله الشخصي معها . وهذا أمر واضح نستطيع أن نتلمسه من الواقع العملي لها ؛ فنجد شخصاً يشعر بالمواساة الحقيقية من خلال اللطم ؛ وآخر يشعر بها من خلال الزنجيل وغيرها من الشعائر الاُخرى .

                        ونحن هنا لسنا بصدد بيان الأدلّة الفقهية والتاريخيّة ؛ وسرد آراء المراجع (حفظهم الله ورعاهم) ؛ ففيهم الكفاية لمَن يطلب ذلك ؛ ويستطيع مراجعتهم أو وكلاءهم لتحصيل ذلك .

                        أما الشقّ الثاني :
                        فينحصر حول الجانب الفلسفي لهذه الشعائر ؛ وما هو الغرض منها ؛ وماذا تمثل هذه الشعائر ؟ وسيكون محور حديثنا حول هذا الجانب ؛ محاولين توضيحه بأبسط العبارة وأوضحها ؛ سائلين المولى الأجر والثواب في ذلك .

                        ولكي نبيّن هذا الجانب سنحاول أخذ بعض هذه الشعائر كاُنموذج ؛ ونشير إلى ما تمثّله وما تعنيه كلّ على حدة ؛ لكي يستطيع المتتبع أن يدرك من خلالها عمق وأبعاد المعاني التي تشير إليها .

                        اللطم (اللدم) ، الزنجيل ، التطبير.

                        وقد اخترت هذه الثلاثة بناءً على أنّ اللطم هو أكثر الشعائر انتشاراً ؛ والزنجيل والتطبير الأكثر تداولاً في النقاش . ولم استطع أن اُبيّن جميع الشعائر ؛ كون تعدادها وبيان حكمتها يخرج هذا الكتيب عن الاختصار المنشود . على أمل التعرض لها في مؤلّفات اُخرى إن شاء المولى (عزّ وجلّ) .

                        وقبل بيان حكمة كلٍّ من هذه المفردات الثلاث ، لا بدّ لي من الإشارة إلى العلّة والغاية التي لاجلهما قامت هذه الشعائر ؛ مع أني مهما ذكرت من العلل والغايات فإنها لن تكون سوى قطرة من بحر خضم ؛ لما تحمله هذه الشعائر من أهداف نبيلة سامية ترمي إلى خدمة الاُمّة ورفعتها .

                        ثمرة ممارسة الشعائر الحسينيّة.
                        إنّ العلة الرئيسة التي لأجلها كانت الشعائر الحسينيّة هي الممارسة الإعلاميّة الواضحة والمشيرة إلى الحق المسلوب ، وأنّ جميع الغايات والأهداف الاُخرى تتفرع منها .

                        ويمكن إجمال تلك الأهداف بالنقاط التالية :

                        1 ـ نشر تاريخ وعلوم أهل البيت (عليهم السّلام) وبيان فضلهم . ولا يخفى عظيم الحاجة إلى ذلك ؛ لما تعرّض له هذا التاريخ من تشويه ودس , لا سيما في العصرين الاُموي والعباسي ، وما عملته وتعمله الأقلام المأجورة والضالة إلى يومنا .

                        2 ـ خلق الترابط العاطفي مع أهل بيت العصمة (عليهم السّلام) والذي هو نص صريح في القرآن الحكيم : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (1) .

                        3 ـ تربية وتوعية الجيل الجديد ، وبناء أساس فطري عقائدي متين يستند إليه .

                        ونستطيع تلمّس الحاجة إلى ذلك من خلال مناهج الدراسة في المدارس الأكاديمية ؛ ووسائل الإعلام المرئية على وجه التحديد التي تفتقر إلى ذكر أهل البيت (عليهم السّلام) ؛ وما تخلفه من تأثيرات أساسية في التشكيل العقائدي للجيل الصاعد . ومن هذه النقطة ندرك مدى الحاجة للتمسّك الشديد بهذه الشعائر وتوجيه أجيال المستقبل نحوها .

                        4 ـ تربية النفوس وإعدادها لنصرة إمام العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجه وسهّل مخرجه) من خلال ترسيخ القيم والمبادئ السامية ؛ مثل التضحية ؛ والمواساة ؛ ونصرة الحق وغيرها ، والتحقير والتنفير للصفات المذمومة ؛ مثل الطمع ؛ والظلم ؛ وقسوة القلب وغيرها (2) .

                        5 ـ مخاطبة البشر كافة ، وبغض النظرعن الاختلاف والتباين الثقافي بينهم .

                        ومن المعلوم أنّ الاُمّة الإسلاميّة ـ على سبيل المثال ـ تضم العديد من القوميات والأعراق والجنسيات التي هي بدورها تختلف من حيث الموروث الحضاري والثقافي ، ومخاطبتهم بالإعلام المكتوب لا تتيسر للجميع حتّى في عصر العولمة . أمّا الشعائر فإنها أشبه ما تكون في خطابها إلى اللوحة الفنية التي يستطيع الجميع أن يدرك مدى روعتها وجمال تعبيراتها وإن كان هذا الإدراك يختلف بالدرجة وفقاً للوعي الثقافي .

                        6 ـ خلق عامل وحدوي من خلال المشاركة الجماهيرية في المواساة لأهل البيت (عليهم السّلام) .

                        ولعل هذا العامل من أهم العوامل المستبطنة في أحاديث أهل البيت (عليهم السّلام) التي تحثّ على المواساة والحزن في مصابهم . فمن المعلوم في علم النفس أنّ الإنسان عندما يكون في حالة الحزن يصبح تأثره العاطفي سريعاً ؛ فيكون على سبيل المثال سريع الرضا والحب والانفعال ، وكذلك إنّ وجود شخص آخر يشاركه المصاب معه يؤدّي مع ما ذكرناه إلى زيادة الاُلفة والمحبة والتودد بين المشاركين في الشعائر الحسينيّة ؛ وتقوية أنفسهم على تحمّل أعباء الحياة ، وهذا ما يخلق جو الوحدة بين المشاركين ؛ الوحدة في المصاب ؛ والوحدة في الهدف ؛ والوحدة في التسابق لتحصيل الأجر والثواب في المواساة (3) .

                        ومن هنا كانت هذه الشعائر تمثّل أحد الأعمدة التي يقوم عليها المذهب جنباً إلى جنب مع المرجعيّة التي تمثّل الإدارة والعقل الموجّه ؛ في حين أنّ الشعائر تمثّل العنصر الجامع والموحّد بين أبناء المذهب على اختلاف جنسياتهم وقومياتهم .

                        وعليه ندرك أن المحارب لهذه الشعائر لا يخلو من أحد أمرين : إمّا جاهل مغرور أو طامع معادي يهدف إلى تمزيق وحدة أبناء المذهب . قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) : (( قصم ظهري رجلان ؛ جاهل متنسك ؛ وعالم متهتّك )) (4) .

                        ــــــــــــ
                        (1) سورة الشورى / 23 .
                        (2) عن الإمام الباقر (عليه السّلام) قال : (( يا علقمة ؛ واندبوا الحسين (عليه السّلام) وابكوه ؛ وليأمر أحدكم مَن في داره بالبكاء عليه ؛ وليقم عليه في داره المصيبة بإظهار الجزع والبكاء ؛ وتلاقوا يومئذ بالبكاء بعضكم إلى بعض في البيوت ؛ وحيث تلاقيتم ؛ وليعزِّ بعضكم بعضاً بمصاب الحسين (عليه السّلام) )) .
                        قلتُ : أصلحك الله ! كيف يعزَّي بعضنا بعضاً ؟
                        قال : (( تقولون : أحسن الله أجورنا بمصابنا بأبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) ؛ وجعلنا من الطالبين بثأره مع الإمام المهدي إلى الحقِّ من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وعليهم أجمعين) . وإن استطاع أحدكم أن لا يمضي يومه في حاجة فافعلوا ؛ فإنه يوم نحس لا تُقضى فيه حاجة مؤمن ؛ وإن قُضيت لم يُبارك فيها ؛ ولم يُرشد . ولا يدّخرن أحدكم لمنزله في ذلك اليوم شيئاً ؛ فإنه مَن فعل ذلك لم يُبارك فيه )) .
                        قال الإمام الباقر (عليه السّلام) : (( أنا ضامن لمَن فعل ذلك له عند الله (عزّ وجلّ) ما تقدم به الذكر من عظيم الثواب ؛ وحشره الله في جملة المستشهدين مع الحسين (عليه السّلام) )) . (مستدرك الوسائل 10 / 316 ـ 317) .
                        (3) عن ابن خارجة ؛ عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) ؛ قال : كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي (عليه السّلام) ؛ وعلى قاتله لعنة الله ؛ فبكى أبو عبد الله (عليه السّلام) وبكينا ؛ قال : ثم رفع رأسه فقال : (( قال الحسين بن علي (عليه السّلام) : أنا قتيل العبرة ؛ لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى )) . (مستدرك الوسائل 10 / 311) .
                        (4) شرح نهج البلاغة 20 / 284 .

                        ====

                        أولاً: اللطم (اللدم).

                        وهو من أقدم الشعائر التي مارستها الشيعة لإظهار حالة التفجّع والحزن لمصيبة سيد الشهداء الحسين ؛ ومصائب الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) .

                        إذ يجتمع حشد من الموالين في مكان مقدس ؛ كالمسجد أو الحسينيّة أو بعض الأوقاف ؛ فيجرّدون نصف أبدانهم ويبدؤون بلدم الصدور ؛ ولطم الخدود ؛ وضرب الرؤوس بأساليب منسقة حزينة .

                        ولتنسيق الضربات التي ينهالون بها على صدورهم يصعد شاعر أو حافظ للشعر وينشد قصائد منظمة باُسلوب خاص تذكّر اللاطمين بمصائب أهل البيت (عليهم السّلام) ؛ وتحافظ نبراتها على وحدة الضرب ؛ وهم يتجاوبون مع الراثي في ترديد بعض الأبيات الشعرية (1) ؛ والضرب باليد يكون على الجانب الأيسر من الصدر ؛ أي فوق منطقة القلب .

                        واللطم هو أحد أهم وسائل إظهار الجزع على المعصومين (عليهم السّلام) وأكثرها انتشاراً ؛ ولتوضيح ذلك يجب علينا أن نعرف أنّ من طبيعة الجسم البشري أنه عندما يتعرّض إلى الألم المعنوي ـ الظلم تحديداً ـ يفرز هرمونات تعمل على زيادة الطاقة لديه ؛ ليكون مستعداً للدفاع عن نفسه .

                        واللطم هو إحدى الوسائل للتنفيس عن هذه الطاقة والتي بدورها تشير إلى أن هناك ظلماً واقعاً وحقاً مسلوباً . وإنّ الذين يلطمون يشيرون من خلال اللطم إلى ذلك الظلم والحق .

                        تعليق


                        • #13
                          وجُعل ليكون جزءاً مهماً من الشعائر الحسينيّة كونه يمثل مواساة للزهراء (عليها السّلام) ، كما أن فيه إشارة إلى أن أهم ما ينبض بالحياة ـ القلب ـ ليرخص ويحزن لما جرى على آل محمد (عليهم السّلام) ، وأنّ مصدر الحياة هذا أضربه بنفسي دون خوف أو وجل ؛ دلالة على عظيم المصاب ؛ أي عظيم الحق المسلوب والظلم الواقع .

                          ومن الأدلة على ذلك ما يشير إليه علم الأدلة الجنائية ، أنّ المجني عليه إذا كان مضروباً في قلبه ؛ أو في منطقة قريبة عليه يُعرف أنّ الجاني كان ينوي قتل المجني عليه ، بخلاف ما لو كانت الإصابة في البطن أو الأطراف .

                          كما وأنّ التركيبة الجماعية في اللطم تشير إلى الوحدة والاشتراك في الإشارة إلى الحقِّ والمطالبة به . هذا هو الجانب الفلسفي لللطم بأبسط صورة ممكنة أستطيع أن اُقدّمها لك أخي القارئ .

                          ـــــ
                          (1) قاموس الشعائر الحسينيّة ـ لمؤلفه حيدر السلامي .

                          ثانياً: الزنجيل (ضرب السلاسل).

                          موكب يتكون بتجمّع عدد غفير من الناس في مركز معيّن يقيمون فيه مأتماً على الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ ثمّ يجردون ظهورهم ـ بلبس خاص من القماش الأسود الذي فُصّل خصيصاً لهذا الغرض ـ ويقبضون بأيديهم مقابض حزمة من السلاسل الرقيقة ؛ فيضربون أكتافهم بها باُسلوب رتيب ينظّمه قرع الطبول والصنوج ؛ بطور حربي عنيف ؛ وينطلقون من مركز تجمعهم ؛ ويسيرون عبر الشوارع إلى مكان مقدّس ينفضون فيه ؛ وهم يهزجون في كلِّ ذلك بأناشيد حزينة ؛ أو يهتفون : (مظلوم .. حسين .. شهيد .. عطشان .. يا حسين) (1) .

                          والناظر لهذا الموكب يستشعر مدى قوة التحمّل لدى الضاربين وصبرهم .

                          والتحليل الفلسفي لهذا الموكب هو أنّ الزنجيل في كلِّ البلدان الحضارية يشير إلى الظلم والاضطهاد ؛ ويستطيع أي شخص أن يتلمس ذلك واضحاً وجلياً في معارض كبار الرسّامين ؛ وفي الاُطروحات الأدبيّة قديماً وحديثاً . فعندما يضرب به على الظهر يراد الإشارة إلى أنّ الظلم والاضطهاد الذي جرى على أهل البيت (عليهم السّلام) وعلى شيعتهم لن يحيدنا عن خطِّهم وعن طريقهم ، وأنّ اضطهادكم أيها الظالمون نجعله وراء ظهورنا ؛ ولا قيمة له ؛ ولذا كان الضرب بالزنجيل على الظهور وليس على الصدور .

                          كما أنه يبعث بالرسالة الآتية : أيها الظالمون ؛ إن كنتم تظنون أنكم تخيفوننا بالظلم والجور وكافة أنواع الاضطهاد ، فها نحن نضرب أنفسنا لكي نريكم أننا على استعداد لتحمّل ظلمكم ؛ واضطهادكم لنا ؛ في سبيل البقاء على العهد مع أهل البيت (عليهم السّلام) .

                          هذه هي الحكمة التي تستطيع أن تستشعرها بوضوح أيها الموالي لأهل البيت (عليهم السّلام) ، كما يستطيع ذلك المعادي لهم .

                          ــــــ
                          (1) المصدر السابق نفسه .

                          ====

                          ثالثاً: التطبير المقدس.

                          والتطبير هو لبس الأكفان ؛ وحلق الرأس في صبيحة اليوم العاشر من محرم الحرام ؛ يوم استشهاد أبي الأحرار أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) ؛ إذ يضرب المتطبّر رأسه بالسيف وينزل الدم من رأسه ، ويكون ذلك في موكب يسير فيه المتطبرون وهم ينادون : حيدر ؛ حيدر ، مع قرع الطبول ؛ والرايات البيضاء الملطّخة بالأحمر ؛ ومزامير الحرب .

                          وهذه الشعيرة الحسينيّة هي أكثر الشعائر التي اُثير الجدل حولها مع بعد وعمق المعنى الذي تشير إليه .

                          وقبل بيان فلسفة هذه الشعيرة أعود فأذكر أنّ كلَّ مكلّف يرجع إلى مرجع تقليده في جميع اُموره من العبادات والمعاملات ، ولا يجوز له أن يرجع إلى نفسه في تشخيص صحة هذا العمل أو ذاك من جهة شرعيّة .

                          كما أنّ مراجعنا العظام (دام ظلهم) على درجة من التقوى والإيمان ما يجعلهم يبحثون ويمحّصون كثيراً لكي يتوصلوا إلى الأحكام الشرعيّة ، وأنّهم أهل الاختصاص الذين يجب الرجوع إليهم في كافة التكاليف الشرعيّة ، وأنّ الدين الإسلامي ليس دين الانتقائية والمزاجية التي يجنح إليها البعض نتيجة التأثر بالأفكار الدخيلة على الدين والمذهب ؛ (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (1) .

                          والآن نوضّح الحكمة من هذا الموكب من خلال التعرّض للمفردات التي وردت في تعريفه ، وهي : لبس الأكفان ؛ وحلق الرؤس ، وضرب الرأس بالسيف ؛ والمناداة بـ (حيدر) .

                          عُرف منذ القدم عند العرب وخصوصاً في العصر الإسلامي أنّ حلق الرأس ولبس الكفن يرمز إلى الاستعداد والمبايعة على الموت . والدارس للتاريخ الإسلامي يستطيع أن يرى ذلك بوضوح (2) ؛ فالمتطبر عندما يحلق رأسه ويرتدي الكفن إنما يشير بذلك إلى البيعة على الموت ، ولكن لمن هذه البيعة ؟

                          قد يرد هذا السؤال على ذهن القارئ الكريم ، والجواب عليه هو : أننا نعلم من خلال الروايات عن أهل البيت (عليهم السّلام) أنّ إمام العصر والزمان الحجة القائم (عجّل الله تعالى فرجه وسهّل مخرجه وجعلنا من أنصاره) يظهر في يوم العاشر من محرم الحرام (3) ؛ ومن هنا كان المتطبر عندما يحلق راسه ويرتدي الكفن في يوم العاشر من محرم الحرام يشير إلى البيعة على الموت لإمام العصر والزمان ، وهذا هو ما تشير إليه المفردة الاُولى .

                          أمّا المفردة الثانية ؛ وهي ضرب الرأس بالسيف والمناداة بـ (حيدر) ؛ فتشير بجنب البيعة على الموت مع الإمام إلى أنني اُبايعك يا سيدي ومولاي يا صاحب الزمان على الأخذ بالثأر معك ممّن اغتصب حقَّ جدك الكرار (عليه السّلام) ، وإنّ القوم قد بدا منهم ما بدا ؛ وتجرؤوا ما تجرؤوا منذ نادى جبرائيل : تهدمت والله أركان الهدى (4) ؛ ولذا ترى المتطبر ينادي : حيدر حيدر ؛ في حين أنه في يوم العاشر من محرم الحرام .

                          وإنّ المتطبر يشير في مجمل ذلك إلى أنّه يبايع كما بايع أصحاب الحسين الشهيد (عليه السّلام) . وهل هناك بيعة أصدق من بيعتهم (رضوان الله تعالى عليهم) (5) ؟ وهل هناك بيعة أنبل من بيعتهم ؟ لا والله ؛ يقولها كلُّ صادق مدرك لما جرى على سيد الشهداء (عليه السّلام) ، يقولها كلُّ مَن رضع عشق الحسين (عليه السّلام) ، يقولها كلُّ مَن أصدق النية مع ربه ، يقولها كلُّ مَن يرجو شفاعة أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة (عليهم السّلام) ، يقولها كلُّ مَن يرجو لقاء ربه بوجه كريم .

                          ــــــــــ
                          (1) سورة الذاريات / 55 .
                          (2) قال : فلما أمسى بايعه ثلاثمئة وستّون رجلاً على الموت ؛ فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السّلام) : (( اغدوا بنا إلى أحجار الزيت مُحلقين )) . وحلق أمير المؤمنين (عليه السّلام) ؛ فما وافى من القوم محلقاً إلاّ أبو ذر ؛ والمقداد ؛ وحذيفة بن اليمان ؛ وعمار بن ياسر ؛ وجاء سلمان في آخر القوم . فرفع (عليه السّلام) يده إلى السماء فقال : (( اللهمَّ إنّ القوم استضعفوني كما استضعفت بنو إسرائيل هارون )) . (الكافي ـ الخطبة الطالوتية) .
                          (( أتاني أربعون رجلاً من المهاجرين والأنصار فبايعوني ؛ وفيهم الزبير ؛ فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين رؤسهم ؛ عليهم السلاح ؛ فما وافى منهم أحد ؛ ولا صبّحني منهم غير أربعة ؛ سلمان والمقداد ؛ وأبو ذر والزبير )) . (مستدرك الوسائل 11 / 74 ـ باب28) .
                          فما استجاب له من جميعهم إلاّ أربعة وعشرون رجلاً ؛ فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤسهم ؛ مع سلاحهم ؛ قد بايعوه على الموت ؛ فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة .
                          قلت لسلمان : مَن الأربعة
                          قال : أنا وأبو ذر ؛ والمقداد والزبير بن العوام . (بحار الأنوار 22 / 328 ـ باب10) .
                          (3) عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله (عليه السّلام) : (( يُنادى باسم القائم (عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه) في ليلة ثلاث وعشرين ، ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قُتل فيه الحسين بن علي (عليهما السّلام) . لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام ؛ جبرائيل (عليه السّلام) عن يده اليمنى ينادي : البيعة لله . فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض ؛ تُطوى لهم طياً حتّى يبايعوه ؛ فيملأ الله به الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً )) . (الإرشاد 2 / 378) .
                          (4) ونادى جبرائيل بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ : تهدّمت والله أركان الهدى ؛ وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى ؛ وانفصمت والله العروة الوثقى ؛ قُتل ابن عمِّ محمّد المصطفى ؛ قُتل الوصي المُجتبى ؛ قُتل عليٌّ المرتضى ؛ قتلُ والله سيدُ الأوصياء ؛ قتله أشقى الأشقياء . (بحار الأنوار 42 / 280 ـ باب 127) .
                          (5) (( السّلام عليكم يا أولياء الله وأحباءه ؛ السّلام عليكم يا أصفياء الله وأوداءه ؛ السّلام عليكم يا أنصار دين الله ... )) . (زيارة وارث)

                          ====

                          قد يورد بعض الإشكالات ثلة من الناس الذين عاشوا بعيداً عن أجواء العشق الحسيني ؛ منها :

                          أوّلاً : ليس جميع المشاركين في هذه الشعائر يدركون فلسفة الشعائر ؛ وإنّ الكثير منهم لا يستطيع أن يدرك هذه الفلسفة مع أنّه يشارك في هذه الشعائر ؛ وبنية غير النية التي تحدّثنا عنها .

                          والجواب على ذلك : إن لم يكن جميع المشاركين في الشعائر الحسينيّة يدركون العمق الفلسفي لها فهذا لا يعني أنها خالية من هذا العمق ، مَثَلها مثل أمر الوالد لولده بأن يفعل أمراً ما يرى فيه الوالد مصلحة لولده في فعله ؛ في حين إنّ الولد يرى عكس ذلك ؛ فهل رؤية الولد تعني أنّ أمر الوالد خالي من المصلحة ؟

                          كما إننا نستطيع أن نجد تأثيرات هذه الفلسفة ؛ وكيف إنها جلية وواضحة لدى الكثيرين ممّن ينقمون علينا بسببها . وأقول لك وبوضوح : إنّ سبب نقمتهم على هذه الشعائر إنما هو الدليل الأوضح على استيعابهم لما فيها من إشارات واضحة وبيّنة استشعروها ، وعرفوا مغزاها ؛ ولذا كان منهم عدم تقبّلها ؛ لما تمسّ من تحريفاتهم وتضليلهم على حقائق آل البيت (عليهم السّلام) .

                          وإلاّ فما معنى إنزعاجهم من أن أفعل بنفسي ما اُريد وفق الحدود الشرعيّة التي بيّنها لنا مراجعنا أيّدهم الله ، في حين يفترض وفق المنطق العقلي أنهم يسعدوا من تألمي وضربي لنفسي وأنا اُمثّل حقيقة يرفضونها ؟! ولكنها الحقيقة المرة التي تطفح على وجوه معانديها رغم أنوفهم .

                          ثانياً : إنّ هذه الشعائر لم تقم في عصر الأئمة (عليهم السّلام) ؛ فلا توجد عندنا رواية واحدة على أنّ أحد الأئمة قام بضرب رأسه بالسيف ؛ أو ضرب ظهره بالسلاسل ؛ أو لدم صدره ؛ وبالتالي فهي بدعة وليست من الدين بشيء .

                          والجواب ذُكر ضمناً في صفحات هذا الكتيب ، وهو : إنّ تقييم أنّ هذه الشعائر بدعة أو لا نرجع به إلى أهل الاختصاص ؛ وليس إلى انفعالاتنا الشخصيّة وذوقنا الخاص . وأهل الاختصاص مراجعنا (حفظ الله الباقين منهم ورحم الماضين) ؛ وليس من قائل منهم بأنها بدعة ، هذا أولاً .

                          وثانياً : إنّه على القياس المذكور ـ أي إنّ الشيء الذي لم يقم به الإمام (عليه السّلام) ؛ أو [لم يرد] فيه حكم فهو بدعة ـ يكون حكم المجتهد في قضية مثل الاستنساخ البشري ؛ أو أطفال الأنابيب مثلاً بدعة ؛ وحكم المجتهد في قضية مثل التلفزيون واستخدامه بدعة ؛ وحكم المجتهد في الصلاة في طائرة بدعة ؛ و ... إلخ ؛ فكلها لم ينصّ فيها برواية واحدة على أنّ أحد الأئمة (عليهم السّلام) قام بها ؛ أو أعطى حكماً على إحداها .

                          فانتبه أخي القائل بالبدعة ؛ لئلاّ تبتدع أمراً تريد به نفي البدعة .

                          ثالثاً : إنّ سير المواكب في الشوارع في عصرنا الحالي يجعل الأجانب ينظرون إلينا بعين السخرية والاستهزاء ؛ ويرموننا بالتخلف والرجعية .

                          والجواب : إنّ الدين ليس قائماً على حسن نظرة الأجانب إلينا أو عدم استهزائهم بنا ؛ فهم يستهزؤون بنا كوننا نسجد على التراب ؛ وهم يستغربون منّا عدم مصافحتنا للنساء ؛ وينظرون إلينا بعين الاستصغار لذلك ؛ فهل يدعو الأمر إلى أن لا نسجد على التراب ؛ وأن نصافح النساء ؟ هذا أوّلاً .

                          أمّا ثانياً : إنّ لهم من عاداتهم ومراسيمهم الدينية والاجتماعية ما يوجب استهزاءنا بهم ؛ فهل أعاروا ذلك أهمية ؟ كلا ، بل يمارسونها ويفتخرون بها ؛ سواء رضينا أم لم نرضَ .

                          أمّا ثالثاً : فأيهما أهم ؛ أن نحافظ على أبنائنا ونؤدّبهم بالأدب الحسيني أم نرضي الأجانب وندع جيلنا الجديد ضعيفاً في بحر التيارات والأفكار المنحرفة ؟

                          رابعاً : إنّ المشاركين في هذه الشعائر يبذلون جهودهم وأموالهم ؛ في حين لو أنهم بذلوها على تزويج الشباب ؛ وإصلاح المجتمع ؛ وتدعيم الاُمّة الإسلاميّة فهو أصلح وأولى .

                          والجواب : إنّ بذل الجهد والأموال في هذه الشعائر هو إصلاح للمجتمع وتدعيم للاُمّة ؛ وليس العكس ـ طبعاً لا يمكن إدراك ذلك لمَن لا يعي أبعاد هذه الشعائر وأهدافها ـ على أن لا منافاة بين الأمرين ؛ وليس ثمة تلازم .

                          فكما أن تزويج الشباب مستحب ، فإنّ إقامة ودعم الشعائر مستحب ؛ كذلك مع فرق أنّ تزويج الشباب يعود بالفائدة على بعض الأفراد ؛ في حين إنّ إقامة الشعائر تعود بالفائدة على المجتمع ؛ فالمال والجهد المبذول لإقامة إحدى الشعائر في إحدى الحسينيات الكبيرة قد يكفي لتزويج أربعة أشخاص ؛ أو حتّى ثمانية ، في حين إن المشاركين في الحسينيّة قد يصل عددهم إلى مئات ؛ فأيهم أولى ؟

                          وهذا كما ذكرت أعلاه لا يعني عدم استحباب تزويج الشباب والسعي بذلك ؛ ولكنه لا يتنافى . كما لا منافاة بين غسل الجمعة الذي هو من المستحبات المؤكدة ؛ وبين غسل اليدين قبل الطعام الذي هو مستحب أيضاً ، فلا يمكن أن نقول : إنّ الماء المبذول في غسل الجمعة نستخدمه في غسل اليدين ؛ لان غسل اليدين يمنع الأمراض فهو أولى (1) .

                          خامساً : إنّ الكثير من المشاركين في هذه الشعائر ليسوا من المتمسكين دينياً ؛ بل تراهم من البعيدين عن الدين ؛ ولا يتخذون هذه الشعائر إلاّ طريقاً للرياء .

                          والجواب على ذلك : إنّ اتخاذ بعضهم ـ وليس الكثير ـ هذه الشعائر طريقاً للرياء لا يعني خلوّها من الفائدة والحكمة ؛ فكما إنّ البعض يتخذ الصلاة والجلوس في المساجد والتسبيح طريقاً للرياء , فلا يعني هذا خلوها من الحكمة .

                          وذكرت البعض ـ وليس الكثير ـ من الواقع العملي كون الرياء في الصلاة والتسبيح وغيرها من العبادات أسهل بكثير للمرائي من ضرب الظهر بالسلاسل ؛ وشق الرأس بالسيف ؛ ولدم الصدر ، هذا أوّلاً .

                          أمّا ثانياً : فإنّ الشبهة المذكورة تُحسب للشعائر لا عليها ؛ فهي تدل على عمق التأثير الإيجابي لهذه الشعائر في المجتمع بحيث يسعى المراؤون إليها ، فلو كان تأثيرها فرضاً سلبياً وضعيفاً لما سعى اليها المراؤون .

                          كما إنّ المهم توضيحه : إنّ مقولة هؤلاء إنما هي لعدم إدراكهم العشق الحسيني الذي يذوب فيه العاشق في معشوقه ؛ وينسى كل ما دون هذا العشق الذي هو لله وفي الله تعالى .

                          وقبل أن أنهي هذا الموضوع لا بدّ لي من الإشارة إلى أنه في أحد الأيام دار حوار بيني وبين أحد المبلّغين ، فقال : إنه لو يتم إلغاء موكب التطبير يكون أفضل .

                          فقلت له : لماذا ؟

                          أجاب : إنّ من أصعب الاُمور التي اُواجهها في التبليغ السؤال عن موكب التطبير ؛ وأغلبهم لا يستطيعون إدراك حكمته ، خصوصاً هم جديدون على المذهب .

                          فأجبته : فماذا تقول لهم ؟

                          فقال : أقول لهم : هذا من فعل بعض الأفراد وليس أمراً عاماً .

                          فأجبته : وهذا خير ما تفعل في إطار التبليغ ، فكما إنه في هذا الإطار يقال لمن يدخل جديداً على الدين عندما يُسأل : هل يجب أن اُصلّي ؟ نعم إذا كنت تستطيع وتريد ذلك ؛ فإن فيها فائدة كبيرة لك . ويتدرجون معه شيئاً فشيئاً حتّى يصلوا معه خلال فترة زمنية إلى الصلوات المستحبة وغيرها من المستحبات ، كذلك الأمر في الشعائر الحسينيّة ؛ سوف يدركها تدريجياً ويفهم الغاية والحكمة منها ، ثمّ تراه مستقبلاً من أول المشاركين فيها .

                          ولا بدّ لي أن أذكر هذه القصة التي وردت في كتاب بحار الأنوار عن لسان العلامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) : ورأيت في بعض مؤلّفات أصحابنا أنه حكي عن السيد علي الحسيني قال : كنت مجاوراً في مشهد مولاي علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) مع جماعة من المؤمنين ؛ فلما كان اليوم العاشر من شهر عاشوراء ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين (عليه السّلام) ؛ فوردت رواية عن الباقر (عليه السّلام) أنه قال : (( مَن ذرفت عيناه على مصابِ الحسين ولو مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبَه ولو كانت مثلَ زبد البحر )) .

                          وكان في المجلس معنا جاهل مركّب يدّعي العلم ولا يعرفه ؛ فقال : ليس هذا بصحيح ؛ والعقل لا يعتقده .

                          وكثر البحث بيننا ؛ وافترقنا على ذلك المجلس وهو مصرّ على العناد في تكذيب الحديث ؛ فنام ذلك الرجل تلك الليلة ؛ فرأى في منامه كأنّ القيامة قد قامت ؛ وحُشر الناس في صعيد صفصف ؛ (لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلاَ أَمْتاً) ؛ وقد نُصبت الموازين ؛ وامتد الصراط ؛ ووُضع الحساب ؛ ونُشرت الكتب ؛ واُسعرت النيران ؛ وزخرفت الجنان ؛ واشتد الحر عليه ؛ وإذا هو قد عطش عطشاً شديداً ؛ وبقي يطلب الماء فلا يجده ؛ فالتفت يميناً وشمالاً وإذا هو بحوض عظيم الطول والعرض .

                          قال : قلتُ في نفسي : هذا هو الكوثر . فإذا فيه ماء أبرد من الثلج ؛ وأحلى من العذب ؛ وإذا عند الحوض رجلان وامرأة ، أنوارهم تشرق على الخلائق ؛ ومع ذلك لبسهم السواد ؛ وهم باكون محزونون ؛ فقلت : مَن هؤلاء ؟

                          فقيل لي : هذا محمّد المصطفى ؛ وهذا الإمام علي المرتضى ؛ وهذه الطاهرة فاطمة الزهراء .

                          فقلتُ : ما لي أراهم لابسين السواد ؛ وباكين ومحزونين ؟

                          فقيل لي : أليس هذا يوم عاشوراء ، يوم مقتل الحسين ؟ فهم محزونون لأجل ذلك.

                          قال : فدنوت إلى سيدة النساء فاطمة ؛ وقلت لها : يا بنت رسول الله ؛ إني عطشان .

                          فنظرت إلي شزرا وقالت لي : (( أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين ؛ ومهجة قلبي ؛ وقرة عيني الشهيد المقتول ظلماً وعدواناً ؛ لعن الله قاتليه وظالميه ومانعيه من شرب الماء ! )) .

                          قال الرجل : فانتبهت من نومي فزعاً مرعوباً ؛ واستغفرت الله كثيراً ؛ وندمت على ما كان مني ؛ وأتيت إلى أصحابي الذين كنت معهم ؛ وخبّرت برؤياي ؛ وتبت إلى الله (عزّ وجلّ) .

                          اللهمّ صلِّ على محمّد وآله ؛ وأرني الحقَّ حقاً حتّى أتبعه ؛ والباطل باطلاً حتّى أجتنبه ؛ ولا تجعله عليَّ متشابهاً فأتّبع هواي بغير هدىً منك ؛ واجعل هواي تبعاً لرضاك وطاعتك ؛ وخذ لنفسك رضاها من نفسي ؛ واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم ؛ والحمد لله ربِّ العالمين ؛ وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين .

                          ـــــــــــ
                          (1) مناجاة موسى (عليه السّلام) ؛ وقد قال : يا ربِّ ؛ لم فضّلت اُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) على سائر الاُمم ؟
                          فقال الله تعالى : ( فضلتهم لعشر خصال ) .
                          قال موسى (عليه السّلام) : وما تلك الخصال التي يعملونها حتّى آمر بني إسرائيل يعملونها ؟
                          قال الله تعالى : ( الصلاة والزكاة ؛ والصوم والحج ؛ والجهاد ؛ والجمعة والجماعة ؛ والقرآن والعلم ؛ والعاشوراء ) .
                          قال موسى (عليه السّلام) : يا رب ؛ وما العاشوراء ؟
                          قال : ( البكاء والتباكي على سبط محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؛ والمرثية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى . يا موسى ؛ ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى ؛ وتعزّى على ولد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) إلاّ وكانت له الجنة ثابتاً فيها . وما من عبد أنفق من ماله في محبّة ابن بنت نبيّه طعاماً ؛ وغير ذلك درهماً إلاّ وباركت له في الدار الدنيا ؛ الدرهم بسبعين درهماً ؛ وكان معافاً في الجنّة ؛ وغفرت له ذنوبه .
                          وعزّتي وجلالي ؛ ما من رجل أو امرأة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره قطرةً واحدةً إلاّ وكُتب له أجر مئة شهيد ) . (مستدرك الوسائل10 / 318 ـ 319) .

                          ونسألكم الدعاء...~

                          تعليق


                          • #14
                            بسم الله الرحمن الرحيم
                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                            اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

                            لماذا التطبير ؟!!
                            التطبير..
                            حشود من الفدائيين يتجمعون ليلة عاشوراء هنا وهناك في مراكز مهيبة قد جلل جدرانها السواد، واشتعلت في جوانبها الأنوار الخافتة الحمراء، فيحلقون رؤوسهم بالمواسي، ويلبسون الأكفان البيض قطعتين: إزار ورداء، ويشدون في أوساطهم السيوف، ثم يخرجون في مواكب منظمة تتقدمها مشاعل حمراء، وتتقدم كل موكب جوقة من أصحاب الطبول والصنوج والأبواق، فيقرعون الطبول والصنوج، وينفخون في الأبواق، بقوة وعنف، ويهتفون من الصميم: ((حسين.. حيدر)) بطور حربي تزلزل الأرض، فتقشعر لها الجلود، وتنتصب لها كل شعرة في جلد كل من يسمعها من قريب أو بعيد. وتتجول المواكب أواخر الليل العاشر من المحرم بين مراكزها والعتبات أو الأماكن المقدسة الموجودة في بلادها، حتى إذا لاح الفجر وارتفع صوت الأذان خشعت الأصوات، فلا تسمع إلا همس المصلين، وإذا قرب طلوع الشمس تتجمع المواكب من جديد، فتصك الطبول والصنوج، وتزعق الأبواق، ويهتفون: (حسين.. حيدر) وتزلزل الأرض، وتقشعر الجلود، وينتصب كل شعرة في جلد من يسمعها من قريب أو بعيد، وتهب المدينة عن بكرة أبيها على الطامة الكبرى، وتزدلف الحشود على جوانب الطرق التي تجوبها المواكب، وتخرج المواكب من مراكزها.
                            وفي كربلاء المقدسة تخرج عادة من مبنى المخيم منسابة إلى الأماكن المقدسة التي تنفض فيها، ثم لا ترى إلا السيوف التي تقطر الدم، والرؤوس المخضبة، والأكفان الحمر، والدموع التي تتحادر بلا استئذان، ولا تسمع سوى دوي الطبول والصنوج، وعربدة الأبواق، وأصوات الهاتفين: (حسين .. حيدر) وعويل النساء، ونشيد الرجال، وتنقلب المدينة كلها ملحمة هادئة حزينة يختلط فيها الدمع بالدم، وتتمزق القلوب أسفاً على أنّها لم تدرك الحسين (عليه السلام) فتنصره، ثم تسلي نفسها بأنّها إن لم تدرك شخصه لتنصره فقد أدركت تأريخه لتنصره فيه، وتواسيه في المصاب، وتقاسمه المأساة، ثم يتفرق الناس وكل فرد بركان صغير في صميمه النار، وفي قلبه ثورة، وفي عقله عبر وعظات لا تمسح لو عصف بها الدهر كله، وتصببت عليها البحار.
                            وإنّني أتصور أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لو بعث لوجد في هذه المواكب أنصاراً إن لم يكونوا كثيرين فإنّهم لا يكونون أقل من الأنصار الذين يجدهم في غير هذه المواكب.
                            وموكب التطبير أقدر موكب على إعادة ثورة الحسين (عليه السلام) إلى الحياة، لأنّ فيها كل ما في الحرب: الطبول، والصنوج، والأبواق، والسيوف التي تقطر دماً، والرؤوس المخضبة، والأكفان الحمر.
                            والهيجة التي يحدثها موكب التطبير لا يحدثها أي خطيب ولا موكب، بما في ذلك موكب التمثيل، لأنّ موكب التمثيل وإن كان أدق في استعراض المأساة إلا أنّه تعوزه الواقعية، فكل من ينظر إليها يعلم أنّها تمثيلية لا واقع فيها، بينما يكون موكب التطبير غنياً بالواقعية، فها هي السيوف التي تقطر دماً، والرؤوس المخضبة، والأكفان الحمر.
                            وهذه الواقعية الملموسة هي التي توفق موكب التطبير لأن يجلب الدموع الغزار أكثر من غيره، ويركز ثورة الحسين (عليه السلام) في الأعماق أقوى من غيره.
                            وأما جواز التطبير على الإمام الحسين (عليه السلام) فهو جائز ذاتاً، ومستحب عرضاً، ولا يناقش فيه فقيه تأمّل وتدبّر، ولكن حيث وقعت حوله مناقشات بدوية نعمد فيه إلى شيء من التفصيل.
                            وقبل كل شيء لابد أن نوضح جانباً من عظمة فاجعة الطف.
                            فمأساة الإمام الحسين (عليه السلام) لم تكن من نوع بقية المآسي التي وردت على الأنبياء والأوصياء، فإنّ النبي والوصي والزهراء والزكي وثمانية من الأئمة من ذرية الحسين (عليهم السلام) قتلوا بالسيف أو السم، وكثير من الأنبياء والأوصياء وخيار المؤمنين الصالحين نشروا بالمناشير، أو قرضوا بالمقاريض، أو سلخت جلودهم، أو أحرقوا، أو طرحوا في الزيت المغلي حتى تفرقت لحومهم وعظامهم، فما بكت عليهم السماء والأرض كما بكت على الحسين (عليه السلام)، ولم يتغير الكون كما تغير على الحسين (عليه السلام).
                            بكى الحسين (عليه السلام) كل شيء
                            ففي العلل عن ميثم التمار، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ((يبكي عليه كل شيء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جو السماء، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجنّ، وجميع ملائكة السماوات، ورضوان ومالك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً)).
                            وروى الشيخ في الأمالي عن الحسين بن أبي فاختة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ((إن أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) لما قتل بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن، ومن تتقلب في الجنة والنار، وما يرى وما لا يرى)).
                            وفي جلاء العيون عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أنّ الحسين (عليه السلام) بكى لقتله السماء والأرض واحمرتا، ولم يبكيا على أحد قط إلا على يحيى بن زكريا، والحسين بن علي (عليه السلام)).
                            وفي جلاء العيون ـ أيضاً ـ عن علي بن مسهر القرشي قال: حدثتني جدتي أنّها أدركت الحسين بن علي (عليهما السلام) حين قُتل. قالت: فمكثنا سنة وتسعة أشهر والسماء مثل العلقة، مثل الدم ما ترى الشمس.
                            وعن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: ((إنّ السماء لم تبك منذ وضعت إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي (عليهما السلام)) قلت: أي شيء بكاؤها؟ قال: ((كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثواب شبه أثر البراغيث من الدم)).
                            وروى ابن شهر آشوب في المناقب، عن نظرة الأزدية قالت: لما أن قتل الحسين (عليه السلام) مطرت السماء دماً، وأصبحت وكل شيء لنا ملئ دماً.
                            وعنها : ((لما قتل الحسين (عليه السلام) أمطرت السماء دماً وحبابنا وجرارنا صارت مملوءة دماً)) .
                            وعن قَرَضَة بن عبيد الله، قال: مطرت السماء يوماً نصف النهار على شملة بيضاء، فنظرت فإذا هو دم، وذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم، وإذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام).
                            وعن أم سليم قالت: لما قتل الحسين (عليه السلام) مطرت السماء مطراً كالدم احمرَّت منه البيوت والحيطان .
                            ومن خطبة العقيلة زينب في الكوفة: أفعجبتم إن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون.
                            وفي بعض زياراته: بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها.. قتيل العَبرة .
                            وفي تأريخ ابن عساكر والصواعق المحرقة لابن حجر: أن السماء مطرت دماً يوم قتل الحسين (عليه السلام) حتى صبغ البيوت والحيطان، وبقي أثره مدة طويلة.
                            وفي تأريخ ابن عساكر والصواعق المحرقة لابن حجر: لما قتل الحسين (عليه السلام) لم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط.
                            في جلاء العيون عن أم حيان، قالت: يوم قتل الحسين (عليه السلام) أظلمت علينا ثلاثاً، ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئاً فجعله على وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجراً في بيت المقدس إلا أصبح تحته دماً عبيطاً.
                            وفي تأريخ ابن عساكر والصواعق: لما جيء برأس الحسين (عليه السلام) إلى دار زياد سالت حيطانها دماً.
                            وفي كامل ابن الأثير: وخرجت نار من بعض جدران قصر الإمارة، وقصدت عبيد الله بن زياد، فقال لمن حضر عنده: أكتمه، وولى هارباً.
                            وفي الكامل في التأريخ: ومكث الناس شهرين أو ثلاثة، كأنما تُلطّخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع.
                            وفي الكامل والصواعق وتأريخ ابن عساكر وتذكرة الخواص وعدد كبير من التواريخ والمقاتل جمل متفرقة نجمعها فيما يلي: "ولما قتل الحسين أظلمت الدنيا ثلاثة أيام، واسودت سواداً عظيماً حتى ظن الناس أنّ القيامة قامت، وبدت الكواكب نصف النهار، وأخذ بعضها يضرب بعضاً، ودامت الدنيا على هذا ثلاثة أيام".
                            وفي تأريخ النسوي عن الأسود بن قيس قال: لما قتل الحسين (عليه السلام) ارتفعت حمرة من قبل المشرق وحمرة من قبل المغرب، فكادتا تلتقيان في كبد السماء ستة أشهر.
                            وعن الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ ). قال: إن الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين (عليه السلام) .
                            وقال السيد ابن طاووس: .. فلما قتل الحسين (عليه السلام) ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا ترى فيها عين ولا أثر، حتى ظن القوم أنّ العذاب قد جاءهم، فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم.
                            وفي جلاء العيون عن الفتح بن عابد: (كنت في كل يوم افتت الخبز لتأكله العصافير فتأكله، فلما كان يوم عاشوراء فتت لها الخبز فلم تأكله، فعلمت أنّها لم تأكله لعزائها على الحسين (عليه السلام).
                            وفي الكامل عن الحارث الأعور. قال علي (عليه السلام): بأبي وأمي الحسين المقتول بظهر الكوفة، والله كأني أنظر إلى الوحوش مادة أعناقها على قبره ـ من أنواع الوحش ـ يبكونه ويرثونه ليلاً حتى الصباح، فإذا كان كذلك فإياكم والجفاء.
                            وروى ابن قولويه في الكامل عن رجل من أهل بيت المقدس أنّه قال: والله لقد عرفنا ـ أهل بيت المقدس ونواحيها ـ عشية قتل الحسين بن علي (عليه السلام) . قلت: وكيف ذلك؟ قال: ما رفعنا حجراً ولا مدراً ولا صخراً إلا ورأينا تحتها دماً عبيطاً يغلي، واحمرت الحيطان كالعلق، ومطرنا ثلاثة أيام دماً عبيطاً).
                            وفي الكامل ـ أيضاً ـ : (وانكسفت الشمس ثلاثة أيام ثم تجلّت عنها) .
                            وروى الصدوق في الأمالي والعلل عن جبلة المكية، عن ميثم التمار أنه قال: يا جبلة، إذا نظرت السماء حمراء كأنّها دم عبيط فاعلمي أنّ سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) قد قتل. قالت جبلة: فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة، فصحت حينئذ وبكيت، وقلت: قد والله قتل سيدنا الحسين بن علي (عليهما السلام) .
                            وفي الصواعق المحرقة، والمقتل للخوارزمي، والكواكب الدرية، والإتحاف، وتأريخ الخلفاء، ومجمع الزوائد كثير من المقاتل: لما قتل الحسين بن علي (عليهما السلام) كسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار، وزاد في مجمع الزوائد بعد كلمة انكسفت الشمس كلمة ((كسفة)) وفي الصواعق ذكر انكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار.
                            وذكر أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة: مما ظهر يوم قتله الحسين (عليه السلام) من الآيات ـ أيضاً ـ أنّ السماء اسودت اسوداداً عظيماً حتى رئيت النجوم نهاراً.
                            وفي الصواعق المحرقة: وأخرج أبو الشيخ: وأنّ السماء احمرت لقتله ـ الحسين (عليه السلام) ـ وانكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار، وظن الناس أنّ القيامة قد قامت.
                            وفي الأحاديث الكثيرة أنّ الأئمة كانوا يحزنون أيام عشرة عاشوراء حتى إذا كان يوم عاشوراء ازداد حزنهم، وجلسوا في بيوتهم يبكون وينحبون، ويدعون كل شاعر إلى إنشاد مرثية عن الإمام الحسين (عليه السلام)، وكل موالٍ يزورهم يدعونه إلى البكاء على الحسين (عليه السلام)، وزيارة قبره.
                            وفي عديد من الأخبار دلالة على محبوبية مشاطرة الإمام الحسين (عليه السلام) في كافة مصائبه من الحزن والخوف والجوع والعطش وغيرها. فيستحب صوم يوم عاشوراء من الصباح حتى ما بعد العصر مشاطرة للإمام الحسين (عليه السلام) في جوعه وعطشه.
                            فقد روى الشيخ في المصباح عن عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في خصائص يوم عاشوراء: (صمُه من غير تبييت، وافطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كمُلا، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء) .
                            مع العلم بأنّ هذا النوع من الإمساك ليس صوماً، لأنّ الصوم لا بد أن يبتدئ من الفجر حتى المغرب، وإنّما هو مشاطرة للحسين (عليه السلام) في جوعه وعطشه يوم عاشوراء، وقد دعا الإمام الصادق (عليه السلام) لمن يقوم بهذه المشاطرة قائلاً: رحم الله شيعتنا، شيعتنا والله المؤمنون، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة. ولو كان صوماً لكان مكروهاً، لما ورد في الكافي في الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام): أنّه سئل عن صوم تاسوعاء وعاشوراء فقال: (وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين (عليه السلام) صريعاً بين أصحابه، وأصحابه صرعى، أفصوم يكون ذلك اليوم؟ كلا ورب البيت الحرام، ما هو يوم صوم، وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام) .
                            إذاً فلا صوم في يوم عاشوراء، وإنّما تستحب مشاطرة الحسين (عليه السلام) في مصابه، وإنّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا يشاطرون جدهم الإمام الحسين (عليه السلام)، فلا يشربون الماء في يوم عاشوراء.
                            وقد شاطرته من قبله أغنام النبي إسماعيل (عليه السلام) ففي حديث أنّ أحد الرعاة كان يرعى قطيعاً لإسماعيل على ضفاف الفرات، فأخبره يوماً بأنّ الأغنام منذ أيام لا ترعى ولا تنهل، فناجى إسماعيل ربه في شأنها، فنزل جبرئيل وقال: يا إسماعيل اسأل الغنم عن سبب امتناعها عن الرعي والنهل، فسألها إسماعيل (عليه السلام) فأجابت بأنّ في هذه الأرض يذبح ابنك كبد رسول الله الحسين (عليه السلام) عطشاناً، ونحن لا نشرب الماء حتى نواسيه في عطشه.
                            وحتى فرس الحسين (عليه السلام) شاطره في عطشه، ففي المقاتل: أنّ الحسين (عليه السلام) لما أقحم فرسه على الماء رفع الجواد رأسه وأبى أن يشرب الماء قبل الحسين (عليه السلام) .
                            وقد شاطره في عطشه قبل استشهاده ابن عمه مسلم بن عقيل من حيث يعلم أولا يعلم، ففي عامة المقاتل: ولما أتي بمسلم بن عقيل إلى دار الإمارة طلب الماء، فأتي به، فكلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دماً من الجرح الذي أصاب فمه، وفي الثالثة ذهب ليشرب فامتلأ القدح دماً، وسقطت فيه ثناياه، فتركه وقال: لو كان من الرزق المقسوم لشربته.
                            وإن أبا الفضل العباس (عليه السلام) لما خاض الشريعة وأخذ كفاً من الماء ليشرب تذكر عطش أخيه الحسين (عليه السلام) نفض الماء من يده مواساة للحسين (عليه السلام) فاستحق أن يقف الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم خاشعين أمام قبره إلى يوم القيامة ليرددوا: فنعم الأخ المواسي.
                            وهل تستكثر على أبي الفضل مواساته لأخيه في عطشه، وقد ذكر الشيخ هادي الخراساني النجفي، في كتابه ـ عدة الشهور ـ: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وفاته دعا العباس (عليه السلام) فضمه إليه، وقبّل عينيه، وأوصاه، وأخذ عليه العهد: أنّه إذا ملك الماء يوم الطف أن لا يذوق منه قطرة وأخوه الحسين (عليه السلام) عطشان، وكيف يشرب أبو الفضل الماء، ومن جفاء المؤمن على أخيه أن يروى وهو ظمآن.
                            ففي الكافي روى معلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) في تعداد حق المؤمن على أخيه المؤمن: ((والخامس: أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى)) .
                            ولقد تعود المسلمون الإيثار في ساعة العسرة كما وصفهم القرآن بقوله: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).
                            ففي غزوة (بدر) سقط عشرة من المسلمين صرعى يلفظون أنفاسهم الأخيرة، فحمل أحدهم الماء إلى أول صريع فآثر صاحبه، فجاء إلى الثاني ليسقيه فرفض أن يشرب قبل الثالث، ولما أتى نحو الثالث امتنع أن يستأثر بالماء دون الرابع، وهكذا أبى كل إلا إيثار الآخر على نفسه، حتى أتى على العاشر أمره بالرجوع إلى الأول، وعندما رجع وجده ميتاً، فأسرع نحو الثاني وكان ميتاً، وكذلك طاف عليهم واحداً بعد واحد فوجدهم قد ماتوا جميعاً عطاشى، وأصر كل واحد على أن لا يشرب الماء دون أصحابه.
                            بل في تفسير علي بن إبراهيم في ذيل آيات المتخلفين عن غزوة تبوك: أنّ أبا ذر الغفاري مر بغدير فيه ماء بارد عذب وكان ظمآن، ولكنه أبى أن يشرب منه قبل رسول الله (ص) فاحتمل منه في قربة، وسار حتى إذا دنا من معسكر المسلمين أمر رسول الله (ص) بأن يحمل إليه الماء كيلا يضر به العطش.
                            ويظهر من بعض الأحاديث أن الله أحب مواساة الحسين (عليه السلام) في مصائبه، فأشرك بعض أنببائه في بعضها.
                            فإنّ سفينة نوح (عليه السلام) لما وصلت إلى كربلاء وجاءها موج فاضطربت حتى كادت أن تغرق، فنزل جبرئيل وقال: يا نوح، إنّ هذه أرض يقتل فيها سبط نبي آخر الزمان، وابن خير الأوصياء.
                            وإنّ سليمان (عليه السلام) كان على بساط الريح يجوب الآفاق، تجري به الريح رخاءً حيث أصاب، إذ وصل إلى كربلاء فطافت به الريح حول نفسه ثلاثاً، ولما عاتب سليمان الريح أجابت: بأنّ في هذا المكان يقتل سبط أحمد المختار.
                            وهكذا أشرك الله نوحاً وسليمان في أهوال هذه الأرض مع السبط الشهيد، كما أشرك الله عدداً من الأنبياء مع الحسين (عليه السلام) في إسالة دمائهم على تربة كربلاء.
                            ففي أخبار معتبرة: أنّ آدم لما وصل إلى كربلاء وبلغ مقتل الحسين (عليه السلام) عثر بصخرة، فجرى الدم من قدمه، ثم أوحى الله إليه: أنّ في هذه الأرض سيقتل ولدك الحسين (عليه السلام) فأردت أن تشاركه في الألم والحزن، ويراق دمك عليها كما يراق عليها دمه.
                            وإن إبراهيم (عليه السلام) كان يوماً راكباً جواده ماراً بصحراء كربلاء إذ كبا فرسه، وانقلب على الأرض، فأصيب رأسه بصخرة، وجرى منه الدم، فبدأ إبراهيم (عليه السلام) بالاستغفار، وقال: يا رب، أي ذنب صدر مني حتى استوجبت التأديب؟ فنزل جبرائيل وقال: يا إبراهيم، لم يصدر منك ذنب، ولكنه موضع يقتل فيه سبط محمد المصطفى ونجل علي المرتضى ظلماً وجوراً، فأراد الله أن تواسيه، ويراق دمك فيه.
                            وإن موسى بن عمران مر بصحراء كربلاء مع وصيه يوشع بن نون، فلما دخلها انقطع شسع نعله، وأدمت الأشواك قدمه، فسأل الله عن سبب ذلك، فأوحى الله إليه: أنّ في هذه الأرض يراق دم عبدي الحسين (عليه السلام)، فأردت أن يراق دمك فيها.
                            ففي مجموع هذه الأخبار دلالة على أنّ مصيبة الحسين (عليه السلام) لم تكن كباقي مصائب الأولين والآخرين، بل كانت مصيبة فجع بها كل ما خلق الله مما يرى وما لا يرى، وأصابت الناس والحيوانات والجمادات، وبكته الأرض والسماء، وسرت المصيبة إلى الآخرة، فبكى لها رضوان ومالك ولطمت الحور العين، وبكى كل من يتقلب في الجنة والنار، وندب عليها الأنبياء والأوصياء قبل ميلاده، وأقيمت له المآتم يوم ولادته، فلا بد أن يقام لها مقياس آخر غير مقاييس بقية المصائب مهما عظمت وعظم من يصاب بها.
                            وفي الأخبار الأخيرة إشعار بأنّ الله أحب أن يشارك أنبياؤه الحسين (عليه السلام) في إراقة دمائهم على تربة كربلاء ولو كان عن غير قصد، فتكون في هذه الأخبار وحدها كفاية للدلالة على رجحان التطبير مواساة للحسين (عليه السلام) وأصحابه.
                            وقد روى الصدوق في العلل، وابن قولويه في الكامل عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه: (وذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً) (لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)، بل كان نبياً من الأنبياء بعثه الله إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك عن الله تبارك وتعالى فقال: إن الله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين (عليه السلام) .
                            وإذا كان صبر إسماعيل على سلخ جلدة وجهه ورأسه أسوة بالحسين (عليه السلام) مع أنّه لم يتعمد فعل ذلك بقصد الأسوة، بل سلخها قومه كرهاً، فإنّ التطبير بقصد الأسوة، يكون من أنواع الأسوة.
                            وفي الحديث: ((أنّ رسول الله (ص) لما استوحش من عدم البكاء على عمه حمزة اجتمع نساء الأنصار يبكين على باب المسجد، وقد ذهب ثلث الليل، فلما خرج رسول الله (ص) ورآهن يبكين ويندبن عمه قال لهن: ارجعن يرحمكنّ الله، فقد واسيتن بأنفسكن)).
                            وقد ورد في البكاء: أنّه إسعاد للزهراء (ع)، وصلة لرسول الله(ص) وأداء لحقه وحقوق الأئمة، ونصرة للحسين (عليه السلام) وأسوة بالأنبياء والأئمة والملائكة.
                            وإذا كان بكاء أحد على ميت مواساة لأهله وإسقاطاً لحقوقهم لأنّه من مظاهر الحزن عليه فإنّ الإدماء الذي هو أظهر مصاديق الجزع أولى بأن يكون أسوة ومواساة، ومشمولاً بالحديث الذي رواه السيد ابن طاووس في كتابه المقتل عن الإمام السجاد: (أيما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.
                            ويدل على جواز التطبير أمور:
                            (1) أصل الإباحة الحكم عند عدم وجدان نص على الخلاف، وليس في المصادر الفقهية الموجودة بأيدينا دليل على حرمة الجرح أو الإدماء.
                            (2) صدور الإدماء من بعض أهل بيت الحسين (عليه السلام) وتقرير الإمام السجاد (عليه السلام)، ففي الخبر المصحح: أن زينب الكبرى (عليها السلام) لما رأت في الكوفة رأس أخيها على رأس رمح، نطحت جبينها بمقدم المحمل حتى رئي الدم يخرج من تحت قناعها.. وكان في وسع الإمام السجاد (عليه السلام) أن ينهاها عن هذه العملية، ولكنه لم ينهها، وعدم نهيه دليل موافقته.
                            (3) ورود الأدلة بجواز خمش الوجوه في مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام)، وخمش الوجه يلازم الإدماء، فإذا جاز خمش الوجه فقد جاز الإدماء.
                            فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث موثق أنّه قال: (على مثل الحسين (عليه السلام) فلتشق الجيوب، ولتخمش الوجوه،ولتلطم الخدود).
                            (4) صدور الإدماء من الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقد روى المجلسي في البحار وفي جلاء العيون: (أن زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة صائماً نهاره قائماً ليله، فإذا حضر الإفطار جاءه غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول: كُلْ يا مولاي، فيقول: (قُتل ابن رسول الله (ص) جائعاً، قُتل ابن رسول الله (ص) عطشاناً)، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبّل طعامه من دموعه، ثم يمزج شرابه بدموعه، فلَمْ يزل كذلك حتى لحِقَ بالله عزّ وجل وإذا جاز إدماء العيون التي هي أهم وأرقّ الأعضاء فقد جاز التطبير بطريق أولى.
                            والبكاء بدل الدمع دماً قسمان:
                            القسم الأول: أن تشتد حرارة الباكي وتتدفق دموعه حتى تمزق الشرايين الرقيقة في الأجفان، فيهمي منها الدم.
                            القسم الثاني: أن ينشج الباكي بالبكاء وتتدفق دموعه حتى لا تتاح الفرصة للدم حتى ينقلب دمعاً، لأنّ الدمع هو بخار الدم، فإذا قلت الرطوبة وكثر البكاء أو أسرع أكثر من قابلية تبخر رطوبات الدم فإنّ الدم نفسه يجري من عروق الأجفان.
                            (5)صدور الإدماء من الإمام المنتظر (عليه السلام) كما في زيارة الناحية: (ولأبكيّن عليك بدل الدموع دماً) .
                            (6)صدور الإدماء من عدد من المعصومين (عليهم السلام) ففي أمالي الصدوق عن إبراهيم بن أبي محمود، عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ يوم الحسين (عليه السلام) أقرح جفوننا) .
                            (7) تقرير الإمام زين العابدين (عليه السلام) للإدماء، فقد روى السيد ابن طاووس في كتابه اللهوف: ولما أخبر بشير بن حذلم، أهل المدينة بمقتل الحسين (عليه السلام) ورجوع زين العابدين فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهنّ، مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل والثبور.
                            (8)تحبيب الأئمة الجزع على الحسين (عليه السلام)، فقد روى الشيخ في المصابيح مسنداً عن أبي جعفر (عليه السلام) فيمن يزور الحسين (عليه السلام) عن بعد في عاشوراء: (ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه).
                            وقد جزع الإمام السجاد (عليه السلام) يوم الحادي عشر كما في كامل الزيارات، من قوله (عليه السلام) لعمته: (وكيف لا أجزع ولا أهلع وقد أرى سيدي وأُخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرَّعين بدمائهم، مرملين بالعراء، مسلّبين، لا يكفنون ولا يوارون).
                            وقد مدح الإمام الصادق (عليه السلام) مسمع كردين بقوله: (أما إنّك من الذين يعدُّون من أهل الجزع لنا) والجزع ضد الصبر، وليس التطبير إلا من أهون معاني الجزع.
                            (9) استحباب الإدماء في كثير من الموارد في الشريعة كالحجامة، ففي الحديث عن النبي (ص): (ما مررت بملك من الملائكة ليلة المعراج إلا وأوصاني بحب علي بن أبي طالب (عليه السلام) والحجامة وكذلك الاختتان .
                            (10) ففي خبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال علي(عليه السلام): إذا أسلم الرجل اختتن ولو بلغ الثمانين).
                            وكثقب أذن الغلام، ففي خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله(عليه السلام): (أن ثقب أذن الغلام من السُّنة).
                            وكخفض الجواري، ففي عديد من الأخبار (أنّ الختان سنة، وأنّه من الحنفية، وأنّ خفض النساء مكرمة).
                            وكخرم أنوف النساء للخزائم، وغير ذلك من الموارد الكثيرة التي يجدها المتتبع في غضون الفقه، ولو كان الإدماء حراماً ذاتاً لم يكن مجال لتقدم الاستحباب عليه.
                            إذاً، فالتطبير مباح ذاتاً،ومستحب تأسياً بالحسين (عليه السلام) ومواساة له.
                            وكل ما سبق كان استدلالاً فقهياً على جواز التطبير، وهنالك دليل غير فقهي لا يدل على جواز التطبير فحسب، ولا يدل على تقدير الإمام الحسين (عليه السلام) لكل من يتطبر بغض النظر عن جميع خصوصياته فقط، وإنما يدل على وجود نوع من المعجزة فيه، فإنّ الضرب القاسي، بالسيف المسلول على الرأس المحلوق ونزول السيف حتى العظم لا بد أن يقضي على الإنسان كما يؤكده الطب القديم والحديث، ونحن نرى ألوف المتطبرين يتطبرون صباحاً، ثم ينظمون أنفسهم في مواكب تطوف كربلاء من المخيم إلى حرم الإمام الحسين (عليه السلام)، ومنه إلى حرم العباس (عليه السلام) ثم تعود إلى حمام المخيم، وتطوف بقية البلاد أكثر من مسافة ميل في لفح الصيف وعواصف الشتاء، وعندما يدخلون الحمام يغسلون رؤوسهم بلا مبالاة طبية، ثم يخرجون ويشتركون في مواكب اللطم والسلاسل حتى الليل، ولا يصاب أحدهم بمكروه، ولئن سقط أحدهم حين الضرب لكثرة نزف الدماء وتغلب الضعف عليه فسرعان ما ينهض، يواصل دوره في موكب التطبير وبقية المواكب، وإنّني شخصياً لم أسمع برجل سقط فمات إلا وتتبعته فإذا به يمشي في الشوارع، ويلعن أعداءه الذين أشاعوا موته كذباً.
                            يقول الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه الآيات البينات لا ريب أنّ جرح الإنسان نفسه وإخراج دمه بيده في حد نفسه من المباحات الأصلية، ولكنه قد يجب تارة وقد يحرم أخرى، وليس وجوبه أو حرمته إلا بالعناوين الثانوية الطارئة عليه وبالجهات والاعتبارات، فيجب كما لو توقفت الصحة على إخراجه كما في الفصد والحجامة، وقد يحرم كما لو كان موجباً للضرر والخطر من مرض أو موت، وقد تعرض له جهة تحسنه ولا توجبه، وناهيك بقصد مواساة أهل الإباء، وخامس أصحاب العباء، وسبعين باسل من صحبه وذويه، حسبك بقصد مواساتهم، وإظهار التفجع والتلهف عليهم، وتمثيل شبح من حالتهم مجسمة أمام عيون محبيهم، ناهيك بهذه الغايات والمقاصد جهات محسنة، وغايات شريفة.
                            أما ترتب الضرر أحياناً بنزف الدم المؤدي إلى الموت أو إلى المرض المقتضي لتحريمه فذاك كلام لا ينبغي أن يصدر من ذي لب فضلاً عن فقيه أو متفقه.
                            أما أولاً: فلقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين، وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية وما رأينا شخصاً مات بها أو تضرر، ولا سمعنا به في الغابرين.
                            وأما ثانياً: فتلك الأمور على فرض حصولها إنّما هي عوارض وقتية ونوادر شخصية لا يمكن ضبطها ولا جعلها مناطاً لحكم أو ملاكاً لقاعدة، وليس على الفقيه إلا بيان الأحكام الكلية، أما الجزئيات فليست من شأن الفقيه ولا من وظيفته، والذي علينا أن نقول: إن كل من يخاف الضرر على نفسه من عمل من الأعمال يحرم عليه ارتكاب ذلك العمل.
                            والواقع: أنّ وجود هذه المعجزة البينة وفي موكب التطبير يكشف عن أن الإمام الحسين (عليه السلام) يوليه عناية خاصة، وكفاه دليلاً على الرجحان.

                            ونسألكم الدعاء.

                            تعليق


                            • #15
                              بسم الله الرحمن الرحيم
                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                              اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

                              لماذا التطبير ؟!!
                              التطبير..
                              حشود من الفدائيين يتجمعون ليلة عاشوراء هنا وهناك في مراكز مهيبة قد جلل جدرانها السواد، واشتعلت في جوانبها الأنوار الخافتة الحمراء، فيحلقون رؤوسهم بالمواسي، ويلبسون الأكفان البيض قطعتين: إزار ورداء، ويشدون في أوساطهم السيوف، ثم يخرجون في مواكب منظمة تتقدمها مشاعل حمراء، وتتقدم كل موكب جوقة من أصحاب الطبول والصنوج والأبواق، فيقرعون الطبول والصنوج، وينفخون في الأبواق، بقوة وعنف، ويهتفون من الصميم: ((حسين.. حيدر)) بطور حربي تزلزل الأرض، فتقشعر لها الجلود، وتنتصب لها كل شعرة في جلد كل من يسمعها من قريب أو بعيد. وتتجول المواكب أواخر الليل العاشر من المحرم بين مراكزها والعتبات أو الأماكن المقدسة الموجودة في بلادها، حتى إذا لاح الفجر وارتفع صوت الأذان خشعت الأصوات، فلا تسمع إلا همس المصلين، وإذا قرب طلوع الشمس تتجمع المواكب من جديد، فتصك الطبول والصنوج، وتزعق الأبواق، ويهتفون: (حسين.. حيدر) وتزلزل الأرض، وتقشعر الجلود، وينتصب كل شعرة في جلد من يسمعها من قريب أو بعيد، وتهب المدينة عن بكرة أبيها على الطامة الكبرى، وتزدلف الحشود على جوانب الطرق التي تجوبها المواكب، وتخرج المواكب من مراكزها.
                              وفي كربلاء المقدسة تخرج عادة من مبنى المخيم منسابة إلى الأماكن المقدسة التي تنفض فيها، ثم لا ترى إلا السيوف التي تقطر الدم، والرؤوس المخضبة، والأكفان الحمر، والدموع التي تتحادر بلا استئذان، ولا تسمع سوى دوي الطبول والصنوج، وعربدة الأبواق، وأصوات الهاتفين: (حسين .. حيدر) وعويل النساء، ونشيد الرجال، وتنقلب المدينة كلها ملحمة هادئة حزينة يختلط فيها الدمع بالدم، وتتمزق القلوب أسفاً على أنّها لم تدرك الحسين (عليه السلام) فتنصره، ثم تسلي نفسها بأنّها إن لم تدرك شخصه لتنصره فقد أدركت تأريخه لتنصره فيه، وتواسيه في المصاب، وتقاسمه المأساة، ثم يتفرق الناس وكل فرد بركان صغير في صميمه النار، وفي قلبه ثورة، وفي عقله عبر وعظات لا تمسح لو عصف بها الدهر كله، وتصببت عليها البحار.
                              وإنّني أتصور أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لو بعث لوجد في هذه المواكب أنصاراً إن لم يكونوا كثيرين فإنّهم لا يكونون أقل من الأنصار الذين يجدهم في غير هذه المواكب.
                              وموكب التطبير أقدر موكب على إعادة ثورة الحسين (عليه السلام) إلى الحياة، لأنّ فيها كل ما في الحرب: الطبول، والصنوج، والأبواق، والسيوف التي تقطر دماً، والرؤوس المخضبة، والأكفان الحمر.
                              والهيجة التي يحدثها موكب التطبير لا يحدثها أي خطيب ولا موكب، بما في ذلك موكب التمثيل، لأنّ موكب التمثيل وإن كان أدق في استعراض المأساة إلا أنّه تعوزه الواقعية، فكل من ينظر إليها يعلم أنّها تمثيلية لا واقع فيها، بينما يكون موكب التطبير غنياً بالواقعية، فها هي السيوف التي تقطر دماً، والرؤوس المخضبة، والأكفان الحمر.
                              وهذه الواقعية الملموسة هي التي توفق موكب التطبير لأن يجلب الدموع الغزار أكثر من غيره، ويركز ثورة الحسين (عليه السلام) في الأعماق أقوى من غيره.
                              وأما جواز التطبير على الإمام الحسين (عليه السلام) فهو جائز ذاتاً، ومستحب عرضاً، ولا يناقش فيه فقيه تأمّل وتدبّر، ولكن حيث وقعت حوله مناقشات بدوية نعمد فيه إلى شيء من التفصيل.
                              وقبل كل شيء لابد أن نوضح جانباً من عظمة فاجعة الطف.
                              فمأساة الإمام الحسين (عليه السلام) لم تكن من نوع بقية المآسي التي وردت على الأنبياء والأوصياء، فإنّ النبي والوصي والزهراء والزكي وثمانية من الأئمة من ذرية الحسين (عليهم السلام) قتلوا بالسيف أو السم، وكثير من الأنبياء والأوصياء وخيار المؤمنين الصالحين نشروا بالمناشير، أو قرضوا بالمقاريض، أو سلخت جلودهم، أو أحرقوا، أو طرحوا في الزيت المغلي حتى تفرقت لحومهم وعظامهم، فما بكت عليهم السماء والأرض كما بكت على الحسين (عليه السلام)، ولم يتغير الكون كما تغير على الحسين (عليه السلام).
                              بكى الحسين (عليه السلام) كل شيء
                              ففي العلل عن ميثم التمار، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ((يبكي عليه كل شيء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جو السماء، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجنّ، وجميع ملائكة السماوات، ورضوان ومالك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً)).
                              وروى الشيخ في الأمالي عن الحسين بن أبي فاختة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ((إن أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) لما قتل بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن، ومن تتقلب في الجنة والنار، وما يرى وما لا يرى)).
                              وفي جلاء العيون عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أنّ الحسين (عليه السلام) بكى لقتله السماء والأرض واحمرتا، ولم يبكيا على أحد قط إلا على يحيى بن زكريا، والحسين بن علي (عليه السلام)).
                              وفي جلاء العيون ـ أيضاً ـ عن علي بن مسهر القرشي قال: حدثتني جدتي أنّها أدركت الحسين بن علي (عليهما السلام) حين قُتل. قالت: فمكثنا سنة وتسعة أشهر والسماء مثل العلقة، مثل الدم ما ترى الشمس.
                              وعن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: ((إنّ السماء لم تبك منذ وضعت إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي (عليهما السلام)) قلت: أي شيء بكاؤها؟ قال: ((كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثواب شبه أثر البراغيث من الدم)).
                              وروى ابن شهر آشوب في المناقب، عن نظرة الأزدية قالت: لما أن قتل الحسين (عليه السلام) مطرت السماء دماً، وأصبحت وكل شيء لنا ملئ دماً.
                              وعنها : ((لما قتل الحسين (عليه السلام) أمطرت السماء دماً وحبابنا وجرارنا صارت مملوءة دماً)) .
                              وعن قَرَضَة بن عبيد الله، قال: مطرت السماء يوماً نصف النهار على شملة بيضاء، فنظرت فإذا هو دم، وذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم، وإذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام).
                              وعن أم سليم قالت: لما قتل الحسين (عليه السلام) مطرت السماء مطراً كالدم احمرَّت منه البيوت والحيطان .
                              ومن خطبة العقيلة زينب في الكوفة: أفعجبتم إن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون.
                              وفي بعض زياراته: بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها.. قتيل العَبرة .
                              وفي تأريخ ابن عساكر والصواعق المحرقة لابن حجر: أن السماء مطرت دماً يوم قتل الحسين (عليه السلام) حتى صبغ البيوت والحيطان، وبقي أثره مدة طويلة.
                              وفي تأريخ ابن عساكر والصواعق المحرقة لابن حجر: لما قتل الحسين (عليه السلام) لم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط.
                              في جلاء العيون عن أم حيان، قالت: يوم قتل الحسين (عليه السلام) أظلمت علينا ثلاثاً، ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئاً فجعله على وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجراً في بيت المقدس إلا أصبح تحته دماً عبيطاً.
                              وفي تأريخ ابن عساكر والصواعق: لما جيء برأس الحسين (عليه السلام) إلى دار زياد سالت حيطانها دماً.
                              وفي كامل ابن الأثير: وخرجت نار من بعض جدران قصر الإمارة، وقصدت عبيد الله بن زياد، فقال لمن حضر عنده: أكتمه، وولى هارباً.
                              وفي الكامل في التأريخ: ومكث الناس شهرين أو ثلاثة، كأنما تُلطّخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع.
                              وفي الكامل والصواعق وتأريخ ابن عساكر وتذكرة الخواص وعدد كبير من التواريخ والمقاتل جمل متفرقة نجمعها فيما يلي: "ولما قتل الحسين أظلمت الدنيا ثلاثة أيام، واسودت سواداً عظيماً حتى ظن الناس أنّ القيامة قامت، وبدت الكواكب نصف النهار، وأخذ بعضها يضرب بعضاً، ودامت الدنيا على هذا ثلاثة أيام".
                              وفي تأريخ النسوي عن الأسود بن قيس قال: لما قتل الحسين (عليه السلام) ارتفعت حمرة من قبل المشرق وحمرة من قبل المغرب، فكادتا تلتقيان في كبد السماء ستة أشهر.
                              وعن الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ ). قال: إن الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين (عليه السلام) .
                              وقال السيد ابن طاووس: .. فلما قتل الحسين (عليه السلام) ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا ترى فيها عين ولا أثر، حتى ظن القوم أنّ العذاب قد جاءهم، فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم.
                              وفي جلاء العيون عن الفتح بن عابد: (كنت في كل يوم افتت الخبز لتأكله العصافير فتأكله، فلما كان يوم عاشوراء فتت لها الخبز فلم تأكله، فعلمت أنّها لم تأكله لعزائها على الحسين (عليه السلام).
                              وفي الكامل عن الحارث الأعور. قال علي (عليه السلام): بأبي وأمي الحسين المقتول بظهر الكوفة، والله كأني أنظر إلى الوحوش مادة أعناقها على قبره ـ من أنواع الوحش ـ يبكونه ويرثونه ليلاً حتى الصباح، فإذا كان كذلك فإياكم والجفاء.
                              وروى ابن قولويه في الكامل عن رجل من أهل بيت المقدس أنّه قال: والله لقد عرفنا ـ أهل بيت المقدس ونواحيها ـ عشية قتل الحسين بن علي (عليه السلام) . قلت: وكيف ذلك؟ قال: ما رفعنا حجراً ولا مدراً ولا صخراً إلا ورأينا تحتها دماً عبيطاً يغلي، واحمرت الحيطان كالعلق، ومطرنا ثلاثة أيام دماً عبيطاً).
                              وفي الكامل ـ أيضاً ـ : (وانكسفت الشمس ثلاثة أيام ثم تجلّت عنها) .
                              وروى الصدوق في الأمالي والعلل عن جبلة المكية، عن ميثم التمار أنه قال: يا جبلة، إذا نظرت السماء حمراء كأنّها دم عبيط فاعلمي أنّ سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) قد قتل. قالت جبلة: فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة، فصحت حينئذ وبكيت، وقلت: قد والله قتل سيدنا الحسين بن علي (عليهما السلام) .
                              وفي الصواعق المحرقة، والمقتل للخوارزمي، والكواكب الدرية، والإتحاف، وتأريخ الخلفاء، ومجمع الزوائد كثير من المقاتل: لما قتل الحسين بن علي (عليهما السلام) كسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار، وزاد في مجمع الزوائد بعد كلمة انكسفت الشمس كلمة ((كسفة)) وفي الصواعق ذكر انكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار.
                              وذكر أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة: مما ظهر يوم قتله الحسين (عليه السلام) من الآيات ـ أيضاً ـ أنّ السماء اسودت اسوداداً عظيماً حتى رئيت النجوم نهاراً.
                              وفي الصواعق المحرقة: وأخرج أبو الشيخ: وأنّ السماء احمرت لقتله ـ الحسين (عليه السلام) ـ وانكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار، وظن الناس أنّ القيامة قد قامت.
                              وفي الأحاديث الكثيرة أنّ الأئمة كانوا يحزنون أيام عشرة عاشوراء حتى إذا كان يوم عاشوراء ازداد حزنهم، وجلسوا في بيوتهم يبكون وينحبون، ويدعون كل شاعر إلى إنشاد مرثية عن الإمام الحسين (عليه السلام)، وكل موالٍ يزورهم يدعونه إلى البكاء على الحسين (عليه السلام)، وزيارة قبره.
                              وفي عديد من الأخبار دلالة على محبوبية مشاطرة الإمام الحسين (عليه السلام) في كافة مصائبه من الحزن والخوف والجوع والعطش وغيرها. فيستحب صوم يوم عاشوراء من الصباح حتى ما بعد العصر مشاطرة للإمام الحسين (عليه السلام) في جوعه وعطشه.
                              فقد روى الشيخ في المصباح عن عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في خصائص يوم عاشوراء: (صمُه من غير تبييت، وافطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كمُلا، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء) .
                              مع العلم بأنّ هذا النوع من الإمساك ليس صوماً، لأنّ الصوم لا بد أن يبتدئ من الفجر حتى المغرب، وإنّما هو مشاطرة للحسين (عليه السلام) في جوعه وعطشه يوم عاشوراء، وقد دعا الإمام الصادق (عليه السلام) لمن يقوم بهذه المشاطرة قائلاً: رحم الله شيعتنا، شيعتنا والله المؤمنون، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة. ولو كان صوماً لكان مكروهاً، لما ورد في الكافي في الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام): أنّه سئل عن صوم تاسوعاء وعاشوراء فقال: (وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين (عليه السلام) صريعاً بين أصحابه، وأصحابه صرعى، أفصوم يكون ذلك اليوم؟ كلا ورب البيت الحرام، ما هو يوم صوم، وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام) .
                              إذاً فلا صوم في يوم عاشوراء، وإنّما تستحب مشاطرة الحسين (عليه السلام) في مصابه، وإنّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا يشاطرون جدهم الإمام الحسين (عليه السلام)، فلا يشربون الماء في يوم عاشوراء.
                              وقد شاطرته من قبله أغنام النبي إسماعيل (عليه السلام) ففي حديث أنّ أحد الرعاة كان يرعى قطيعاً لإسماعيل على ضفاف الفرات، فأخبره يوماً بأنّ الأغنام منذ أيام لا ترعى ولا تنهل، فناجى إسماعيل ربه في شأنها، فنزل جبرئيل وقال: يا إسماعيل اسأل الغنم عن سبب امتناعها عن الرعي والنهل، فسألها إسماعيل (عليه السلام) فأجابت بأنّ في هذه الأرض يذبح ابنك كبد رسول الله الحسين (عليه السلام) عطشاناً، ونحن لا نشرب الماء حتى نواسيه في عطشه.
                              وحتى فرس الحسين (عليه السلام) شاطره في عطشه، ففي المقاتل: أنّ الحسين (عليه السلام) لما أقحم فرسه على الماء رفع الجواد رأسه وأبى أن يشرب الماء قبل الحسين (عليه السلام) .
                              وقد شاطره في عطشه قبل استشهاده ابن عمه مسلم بن عقيل من حيث يعلم أولا يعلم، ففي عامة المقاتل: ولما أتي بمسلم بن عقيل إلى دار الإمارة طلب الماء، فأتي به، فكلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دماً من الجرح الذي أصاب فمه، وفي الثالثة ذهب ليشرب فامتلأ القدح دماً، وسقطت فيه ثناياه، فتركه وقال: لو كان من الرزق المقسوم لشربته.
                              وإن أبا الفضل العباس (عليه السلام) لما خاض الشريعة وأخذ كفاً من الماء ليشرب تذكر عطش أخيه الحسين (عليه السلام) نفض الماء من يده مواساة للحسين (عليه السلام) فاستحق أن يقف الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم خاشعين أمام قبره إلى يوم القيامة ليرددوا: فنعم الأخ المواسي.
                              وهل تستكثر على أبي الفضل مواساته لأخيه في عطشه، وقد ذكر الشيخ هادي الخراساني النجفي، في كتابه ـ عدة الشهور ـ: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وفاته دعا العباس (عليه السلام) فضمه إليه، وقبّل عينيه، وأوصاه، وأخذ عليه العهد: أنّه إذا ملك الماء يوم الطف أن لا يذوق منه قطرة وأخوه الحسين (عليه السلام) عطشان، وكيف يشرب أبو الفضل الماء، ومن جفاء المؤمن على أخيه أن يروى وهو ظمآن.
                              ففي الكافي روى معلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) في تعداد حق المؤمن على أخيه المؤمن: ((والخامس: أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى)) .
                              ولقد تعود المسلمون الإيثار في ساعة العسرة كما وصفهم القرآن بقوله: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).
                              ففي غزوة (بدر) سقط عشرة من المسلمين صرعى يلفظون أنفاسهم الأخيرة، فحمل أحدهم الماء إلى أول صريع فآثر صاحبه، فجاء إلى الثاني ليسقيه فرفض أن يشرب قبل الثالث، ولما أتى نحو الثالث امتنع أن يستأثر بالماء دون الرابع، وهكذا أبى كل إلا إيثار الآخر على نفسه، حتى أتى على العاشر أمره بالرجوع إلى الأول، وعندما رجع وجده ميتاً، فأسرع نحو الثاني وكان ميتاً، وكذلك طاف عليهم واحداً بعد واحد فوجدهم قد ماتوا جميعاً عطاشى، وأصر كل واحد على أن لا يشرب الماء دون أصحابه.
                              بل في تفسير علي بن إبراهيم في ذيل آيات المتخلفين عن غزوة تبوك: أنّ أبا ذر الغفاري مر بغدير فيه ماء بارد عذب وكان ظمآن، ولكنه أبى أن يشرب منه قبل رسول الله (ص) فاحتمل منه في قربة، وسار حتى إذا دنا من معسكر المسلمين أمر رسول الله (ص) بأن يحمل إليه الماء كيلا يضر به العطش.
                              ويظهر من بعض الأحاديث أن الله أحب مواساة الحسين (عليه السلام) في مصائبه، فأشرك بعض أنببائه في بعضها.
                              فإنّ سفينة نوح (عليه السلام) لما وصلت إلى كربلاء وجاءها موج فاضطربت حتى كادت أن تغرق، فنزل جبرئيل وقال: يا نوح، إنّ هذه أرض يقتل فيها سبط نبي آخر الزمان، وابن خير الأوصياء.
                              وإنّ سليمان (عليه السلام) كان على بساط الريح يجوب الآفاق، تجري به الريح رخاءً حيث أصاب، إذ وصل إلى كربلاء فطافت به الريح حول نفسه ثلاثاً، ولما عاتب سليمان الريح أجابت: بأنّ في هذا المكان يقتل سبط أحمد المختار.
                              وهكذا أشرك الله نوحاً وسليمان في أهوال هذه الأرض مع السبط الشهيد، كما أشرك الله عدداً من الأنبياء مع الحسين (عليه السلام) في إسالة دمائهم على تربة كربلاء.
                              ففي أخبار معتبرة: أنّ آدم لما وصل إلى كربلاء وبلغ مقتل الحسين (عليه السلام) عثر بصخرة، فجرى الدم من قدمه، ثم أوحى الله إليه: أنّ في هذه الأرض سيقتل ولدك الحسين (عليه السلام) فأردت أن تشاركه في الألم والحزن، ويراق دمك عليها كما يراق عليها دمه.
                              وإن إبراهيم (عليه السلام) كان يوماً راكباً جواده ماراً بصحراء كربلاء إذ كبا فرسه، وانقلب على الأرض، فأصيب رأسه بصخرة، وجرى منه الدم، فبدأ إبراهيم (عليه السلام) بالاستغفار، وقال: يا رب، أي ذنب صدر مني حتى استوجبت التأديب؟ فنزل جبرائيل وقال: يا إبراهيم، لم يصدر منك ذنب، ولكنه موضع يقتل فيه سبط محمد المصطفى ونجل علي المرتضى ظلماً وجوراً، فأراد الله أن تواسيه، ويراق دمك فيه.
                              وإن موسى بن عمران مر بصحراء كربلاء مع وصيه يوشع بن نون، فلما دخلها انقطع شسع نعله، وأدمت الأشواك قدمه، فسأل الله عن سبب ذلك، فأوحى الله إليه: أنّ في هذه الأرض يراق دم عبدي الحسين (عليه السلام)، فأردت أن يراق دمك فيها.
                              ففي مجموع هذه الأخبار دلالة على أنّ مصيبة الحسين (عليه السلام) لم تكن كباقي مصائب الأولين والآخرين، بل كانت مصيبة فجع بها كل ما خلق الله مما يرى وما لا يرى، وأصابت الناس والحيوانات والجمادات، وبكته الأرض والسماء، وسرت المصيبة إلى الآخرة، فبكى لها رضوان ومالك ولطمت الحور العين، وبكى كل من يتقلب في الجنة والنار، وندب عليها الأنبياء والأوصياء قبل ميلاده، وأقيمت له المآتم يوم ولادته، فلا بد أن يقام لها مقياس آخر غير مقاييس بقية المصائب مهما عظمت وعظم من يصاب بها.
                              وفي الأخبار الأخيرة إشعار بأنّ الله أحب أن يشارك أنبياؤه الحسين (عليه السلام) في إراقة دمائهم على تربة كربلاء ولو كان عن غير قصد، فتكون في هذه الأخبار وحدها كفاية للدلالة على رجحان التطبير مواساة للحسين (عليه السلام) وأصحابه.
                              وقد روى الصدوق في العلل، وابن قولويه في الكامل عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه: (وذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً) (لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)، بل كان نبياً من الأنبياء بعثه الله إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك عن الله تبارك وتعالى فقال: إن الله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين (عليه السلام) .
                              وإذا كان صبر إسماعيل على سلخ جلدة وجهه ورأسه أسوة بالحسين (عليه السلام) مع أنّه لم يتعمد فعل ذلك بقصد الأسوة، بل سلخها قومه كرهاً، فإنّ التطبير بقصد الأسوة، يكون من أنواع الأسوة.
                              وفي الحديث: ((أنّ رسول الله (ص) لما استوحش من عدم البكاء على عمه حمزة اجتمع نساء الأنصار يبكين على باب المسجد، وقد ذهب ثلث الليل، فلما خرج رسول الله (ص) ورآهن يبكين ويندبن عمه قال لهن: ارجعن يرحمكنّ الله، فقد واسيتن بأنفسكن)).
                              وقد ورد في البكاء: أنّه إسعاد للزهراء (ع)، وصلة لرسول الله(ص) وأداء لحقه وحقوق الأئمة، ونصرة للحسين (عليه السلام) وأسوة بالأنبياء والأئمة والملائكة.
                              وإذا كان بكاء أحد على ميت مواساة لأهله وإسقاطاً لحقوقهم لأنّه من مظاهر الحزن عليه فإنّ الإدماء الذي هو أظهر مصاديق الجزع أولى بأن يكون أسوة ومواساة، ومشمولاً بالحديث الذي رواه السيد ابن طاووس في كتابه المقتل عن الإمام السجاد: (أيما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.
                              ويدل على جواز التطبير أمور:
                              (1) أصل الإباحة الحكم عند عدم وجدان نص على الخلاف، وليس في المصادر الفقهية الموجودة بأيدينا دليل على حرمة الجرح أو الإدماء.
                              (2) صدور الإدماء من بعض أهل بيت الحسين (عليه السلام) وتقرير الإمام السجاد (عليه السلام)، ففي الخبر المصحح: أن زينب الكبرى (عليها السلام) لما رأت في الكوفة رأس أخيها على رأس رمح، نطحت جبينها بمقدم المحمل حتى رئي الدم يخرج من تحت قناعها.. وكان في وسع الإمام السجاد (عليه السلام) أن ينهاها عن هذه العملية، ولكنه لم ينهها، وعدم نهيه دليل موافقته.
                              (3) ورود الأدلة بجواز خمش الوجوه في مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام)، وخمش الوجه يلازم الإدماء، فإذا جاز خمش الوجه فقد جاز الإدماء.
                              فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث موثق أنّه قال: (على مثل الحسين (عليه السلام) فلتشق الجيوب، ولتخمش الوجوه،ولتلطم الخدود).
                              (4) صدور الإدماء من الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقد روى المجلسي في البحار وفي جلاء العيون: (أن زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة صائماً نهاره قائماً ليله، فإذا حضر الإفطار جاءه غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول: كُلْ يا مولاي، فيقول: (قُتل ابن رسول الله (ص) جائعاً، قُتل ابن رسول الله (ص) عطشاناً)، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبّل طعامه من دموعه، ثم يمزج شرابه بدموعه، فلَمْ يزل كذلك حتى لحِقَ بالله عزّ وجل وإذا جاز إدماء العيون التي هي أهم وأرقّ الأعضاء فقد جاز التطبير بطريق أولى.
                              والبكاء بدل الدمع دماً قسمان:
                              القسم الأول: أن تشتد حرارة الباكي وتتدفق دموعه حتى تمزق الشرايين الرقيقة في الأجفان، فيهمي منها الدم.
                              القسم الثاني: أن ينشج الباكي بالبكاء وتتدفق دموعه حتى لا تتاح الفرصة للدم حتى ينقلب دمعاً، لأنّ الدمع هو بخار الدم، فإذا قلت الرطوبة وكثر البكاء أو أسرع أكثر من قابلية تبخر رطوبات الدم فإنّ الدم نفسه يجري من عروق الأجفان.
                              (5)صدور الإدماء من الإمام المنتظر (عليه السلام) كما في زيارة الناحية: (ولأبكيّن عليك بدل الدموع دماً) .
                              (6)صدور الإدماء من عدد من المعصومين (عليهم السلام) ففي أمالي الصدوق عن إبراهيم بن أبي محمود، عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ يوم الحسين (عليه السلام) أقرح جفوننا) .
                              (7) تقرير الإمام زين العابدين (عليه السلام) للإدماء، فقد روى السيد ابن طاووس في كتابه اللهوف: ولما أخبر بشير بن حذلم، أهل المدينة بمقتل الحسين (عليه السلام) ورجوع زين العابدين فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهنّ، مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل والثبور.
                              (8)تحبيب الأئمة الجزع على الحسين (عليه السلام)، فقد روى الشيخ في المصابيح مسنداً عن أبي جعفر (عليه السلام) فيمن يزور الحسين (عليه السلام) عن بعد في عاشوراء: (ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه).
                              وقد جزع الإمام السجاد (عليه السلام) يوم الحادي عشر كما في كامل الزيارات، من قوله (عليه السلام) لعمته: (وكيف لا أجزع ولا أهلع وقد أرى سيدي وأُخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرَّعين بدمائهم، مرملين بالعراء، مسلّبين، لا يكفنون ولا يوارون).
                              وقد مدح الإمام الصادق (عليه السلام) مسمع كردين بقوله: (أما إنّك من الذين يعدُّون من أهل الجزع لنا) والجزع ضد الصبر، وليس التطبير إلا من أهون معاني الجزع.
                              (9) استحباب الإدماء في كثير من الموارد في الشريعة كالحجامة، ففي الحديث عن النبي (ص): (ما مررت بملك من الملائكة ليلة المعراج إلا وأوصاني بحب علي بن أبي طالب (عليه السلام) والحجامة وكذلك الاختتان .
                              (10) ففي خبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال علي(عليه السلام): إذا أسلم الرجل اختتن ولو بلغ الثمانين).
                              وكثقب أذن الغلام، ففي خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله(عليه السلام): (أن ثقب أذن الغلام من السُّنة).
                              وكخفض الجواري، ففي عديد من الأخبار (أنّ الختان سنة، وأنّه من الحنفية، وأنّ خفض النساء مكرمة).
                              وكخرم أنوف النساء للخزائم، وغير ذلك من الموارد الكثيرة التي يجدها المتتبع في غضون الفقه، ولو كان الإدماء حراماً ذاتاً لم يكن مجال لتقدم الاستحباب عليه.
                              إذاً، فالتطبير مباح ذاتاً،ومستحب تأسياً بالحسين (عليه السلام) ومواساة له.
                              وكل ما سبق كان استدلالاً فقهياً على جواز التطبير، وهنالك دليل غير فقهي لا يدل على جواز التطبير فحسب، ولا يدل على تقدير الإمام الحسين (عليه السلام) لكل من يتطبر بغض النظر عن جميع خصوصياته فقط، وإنما يدل على وجود نوع من المعجزة فيه، فإنّ الضرب القاسي، بالسيف المسلول على الرأس المحلوق ونزول السيف حتى العظم لا بد أن يقضي على الإنسان كما يؤكده الطب القديم والحديث، ونحن نرى ألوف المتطبرين يتطبرون صباحاً، ثم ينظمون أنفسهم في مواكب تطوف كربلاء من المخيم إلى حرم الإمام الحسين (عليه السلام)، ومنه إلى حرم العباس (عليه السلام) ثم تعود إلى حمام المخيم، وتطوف بقية البلاد أكثر من مسافة ميل في لفح الصيف وعواصف الشتاء، وعندما يدخلون الحمام يغسلون رؤوسهم بلا مبالاة طبية، ثم يخرجون ويشتركون في مواكب اللطم والسلاسل حتى الليل، ولا يصاب أحدهم بمكروه، ولئن سقط أحدهم حين الضرب لكثرة نزف الدماء وتغلب الضعف عليه فسرعان ما ينهض، يواصل دوره في موكب التطبير وبقية المواكب، وإنّني شخصياً لم أسمع برجل سقط فمات إلا وتتبعته فإذا به يمشي في الشوارع، ويلعن أعداءه الذين أشاعوا موته كذباً.
                              يقول الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه الآيات البينات لا ريب أنّ جرح الإنسان نفسه وإخراج دمه بيده في حد نفسه من المباحات الأصلية، ولكنه قد يجب تارة وقد يحرم أخرى، وليس وجوبه أو حرمته إلا بالعناوين الثانوية الطارئة عليه وبالجهات والاعتبارات، فيجب كما لو توقفت الصحة على إخراجه كما في الفصد والحجامة، وقد يحرم كما لو كان موجباً للضرر والخطر من مرض أو موت، وقد تعرض له جهة تحسنه ولا توجبه، وناهيك بقصد مواساة أهل الإباء، وخامس أصحاب العباء، وسبعين باسل من صحبه وذويه، حسبك بقصد مواساتهم، وإظهار التفجع والتلهف عليهم، وتمثيل شبح من حالتهم مجسمة أمام عيون محبيهم، ناهيك بهذه الغايات والمقاصد جهات محسنة، وغايات شريفة.
                              أما ترتب الضرر أحياناً بنزف الدم المؤدي إلى الموت أو إلى المرض المقتضي لتحريمه فذاك كلام لا ينبغي أن يصدر من ذي لب فضلاً عن فقيه أو متفقه.
                              أما أولاً: فلقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين، وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية وما رأينا شخصاً مات بها أو تضرر، ولا سمعنا به في الغابرين.
                              وأما ثانياً: فتلك الأمور على فرض حصولها إنّما هي عوارض وقتية ونوادر شخصية لا يمكن ضبطها ولا جعلها مناطاً لحكم أو ملاكاً لقاعدة، وليس على الفقيه إلا بيان الأحكام الكلية، أما الجزئيات فليست من شأن الفقيه ولا من وظيفته، والذي علينا أن نقول: إن كل من يخاف الضرر على نفسه من عمل من الأعمال يحرم عليه ارتكاب ذلك العمل.
                              والواقع: أنّ وجود هذه المعجزة البينة وفي موكب التطبير يكشف عن أن الإمام الحسين (عليه السلام) يوليه عناية خاصة، وكفاه دليلاً على الرجحان.

                              ونسألكم الدعاء.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X