أوقافها و صدقاتها
كان لها سبعة بساتين وقفتها على بني هاشم و بني المطلب و جعلت النظر فيها و الولاية لعلي عليه السلام مدة حياته و بعده للحسن و بعده للحسين و بعده للأكبر من ولدها. روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق عليه السلام أن فاطمة عليها السلام جعلت صدقتها لبني هاشم و ي المطلب و بسنده عن الباقر عليه السلام أنه أخرج حقا أو سفطا فأخرج منه كتابا فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم.هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه و آله أوصت بحوائطها السبعة العواف و الذلال .و البرقة .و المبيت .و الحسني .و الصافية .و ما لأم هيم إلى علي بن أبي طالب فإن مضى علي فإلى الحسن فإن مضى الحسن فإلى الحسين فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي شهد الله على ذلك و المقداد بن الأسود و الزبير بن العوام و كتب علي بن أبي طالب.
بسنده عن الصادق عليه السلام نحوه إلا أنه قال إلى الأكبر من ولدي دون ولدك و بسنده عن أبي الحسن الثاني عليه السلام أنه سئل عن الحيطان السبعة التي كانت ميراث رسول الله صلى الله عليه و آله لفاطمة فقال: إنما كانت وقفا فكان رسول الله صلى الله عليه و آله ي منها ما ينفق على أضيافه و التابعة تلزمه فيها فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمة فيها فشهد علي و غيره أنها وقف على فاطمة و عدها كما تقدم (و في رواية) عن الصادق عليه السلام أن المبيت هو الذي كاتب عليه سلمان فأفاءه الله على رسوله فهو في صدقتها. (أقول) ربما يتوهم التنافي بين هذه الأخبار فبعضها يدل على أنها تصدقت بها على بني هاشم و بني المطلب أي وقفتها عليها و لازم ذلك أنها كانت ملكا لها إذ لا وقف إلا في ملك و بعضها دال على أن النبي صلى الله عليه و آله كان قد وقفها عليها و حينئذ فكيف تقفها على بهاشم و بني المطلب فإن الوقف لا يوقف و يمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه و آله وقفها عليها في حياتها و بعدها على بني هاشم و بني المطلب و جعل النظر فيها على الترتيب الذي جعلته.أو إنه وقفها عليها ثم على من تختاره بعدها فهي بوصيتها حاكية لا منشئوصيتها
من وصاياها
لما مرضت فاطمة الزهراء عليها السلام مرضها الذي توفيت فيه جعلت توصي عليا عليه السلام و تعهد إليه عهودها (فمما) جاء في وصيتها ما روي أن عليا عليه السلام وجده عند رأسها بعد ما توفيت و هي رقعة فيها :بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله أوصت و هي تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أن الجنة حق و النار حق و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور يا علي حنطني و غسلني و كفني و صل عليادفني بالليل و لا تعلم أحدا و استودعك الله و اقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة.
و ذكر جماعة أنها لما مرضت دعت أم أيمن و أسماء بنت عميس و عليا عليه السلام و أوصت إلى علي بثلاث وصايا : (الأول) أن يتزوج بأمامة بنت أختها زينب لحبها أولادها و قالت إنها تكون لولدي مثلي (و في رواية) قالت بنت أختي و تحني على ولدي.و أمامة هذه هي بنت أبي العاص بن الربيع و هي التي روي أن رسول الله صلى الله عليه و آله كان يحملها في الصلاة و أمها زينب بنت رسول ا صلى الله عليه و آله فلما توفيت الزهراء عليها السلام تزوج أمير المؤمنين عليه السلام أمامة كما أوصته و من أجل ذلك قال: أربعة ليس إلى فراقهن سبيل و عد منهن أمامة قال أوصت بها فاطم (الثانية) أن يتخذ لها نعشا و وصفته له (و في رواية) أن أسماء بنت عميس قالت لها إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئا فإن أعجبك أصنعه لك فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدتها على قوائمه و جعلت عليه نعشا ثم جللته ثوبا فقالت فاطمة عليها السلام اصنعي لي مثله استريني سترك الله من النار.
و في الإستيعاب بسنده أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله قالت لأسماء بنت عميس إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فت فاطمة ما أحسن هذا و أجمله تعرف به المرأة من الرجل ثم قال: فاطمة أول من غطي نعشها في الإسلام على الصفة المذكورة ثم بعدها زينب بنت جحش »اه« و كانت الزهراء عليها السلام لشدة محافظتها على الستر و العفاف حتى أنها لما قال لها أبوها صلى الله عليه و آله ما خير رأة قالت أن لا ترى رجلا و لا يراها رجل مهتمة كثيرا لأمر وضعها على السرير و حملها ظاهرة و شكت ذلك إلى أسماء بنت عميس فوصفت لها النعش فتبسمت فرحا بذلك بعد أن لم تر ضاحكة و لا متبسمة بعد وفاة أبيها إلى ذلك الحين و بذلك يعرف قدر اهتمامها بهذا الأمر.
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس ألا ترين إلى ما بلغت احمل على السرير ظاهرا فقالت أسماء لا لعمري و لكن أصنع لك نعشا كما رأيت يصنع بأرض الحبشة قالت فأرينيه فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة و جعلت على السرير نعشا و هو أول ما كان النعش قالت أسماء فتبسمت فاطمة و ما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلا يومئذ الحديث (و بضدها تتميز الأشياء) .
(الثالثة) أن لا يشهد أحدا جنازتها ممن كانت غاضبة عليهم و أن لا يترك أن يصلي عليها أحد منهم و أن يدفنها ليلا إذا هدأت العيون و نامت الأبصار و يعفي قبرها.
»و كان«مما أوصت به عليا عليه السلام أن تحنط بفاضل حنوط رسول الله صلى الله عليه و آله و كان أربعين درهما فقسمه رسول الله صلى الله عليه و آله أثلاثا ثلثا لنفسه و ثلثا لعلي و ثلثا لفاطمة و أن يغسلها في قميصها و لا يكشفه عنها لأنها كانت قد اغتسلت قبل وفاتر و تنظفت و لبست ثيابها الجدد و من ذلك توهم بعضهم أن المراد أن تدفن بذلك الغسل و هو غير صحيح كما يأتي»و في رواية«أنها أوصت لأزواج النبي صلى الله عليه و آله لكل واحدة منهن باثنتي عشرة أوقية و الأوقية أربعون درهما و لنساء بني هاشم مثل ذلك و أوصت لأمامة بنتتها زينب بشيء.و روى ابن عبد البر في الإستيعاب أن فاطمة عليها السلام قالت لأسماء بنت عميس إذا أنا مت فاغسليني أنت و علي و لا تدخلي علي أحدا.و روى أبو نعيم في الحلية أنها لما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا فاغتسلت و تطهرت و دعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن فلبستها و مست من الحنوط ثم أمرت عليا أن لا تكشف إذا قبضت و أن تدرج كما هي في ثيابها»اه« و الظاهر أن هذا الغسل الذي اغتسلته عليها السلام كان لأجل التنظيف و التطهر لتغسل بعد وفاتها في ثيابها طاهرة نظيفة و لا تكشف لأنه أبلغ في الستر و أقل كلفة على من يغسلها لا أنه كان غسل الأموات لعدم جواز تقديمه على الموت في مثل المقام و توهم بعضهم أنه غسل الأموات و ليس بصواب فلما توفيت صاح أهل المدينة صيحة واحدة و اجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع من صراخهن و هن يقلن يا سيدتاه يا بنت رسول الله و أقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي عليه السلام و هو جالس و الحسن و الحسين عليهما السلام بين يديه يبكيان فبكى الناس لبكائهما و خرجت أم كلثوم و عليها برقعها تجر ذيلها متجللة برداء و هي تبكي و تقول يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده أبدا و جتمع الناس فجلسوا و هم يرجون و ينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلوا عليها فخرج أبو ذر و قال انصرفوا فإن ابنة رسول الله قد أخر إخراجها هذه العشية فقام الناس و انصرفوا.
وفاة السيدة الزهراء عليها السلام
و في كتاب روضة الواعظين : أن فاطمة عليها السلام لم تزل بعد وفاة أبيها صلى الله عليه و آله مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة باكية ثم مرضت مرضا شديدا و مكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت عليها السلام فلما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن و أسماء بنت عميس و ت خلف علي فأحضرته فقالت يا ابن عم إنه قد نعيت إلي نفسي و إنني لا أرى ما بي إلا إنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة و أنا أوصيك بأشياء في قلبي.قال لها علي عليه السلام أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها و أخرج من كان في البيت ثم قالت يا ابن عم ما عهتني كاذبة و لا خائنة و لا خالفتك منذ عاشرتني فقال عليه السلام معاذ الله أنت أعلم بالله و أبر و أتقى و أكرم و أشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي و قد عز علي مفارقتك و فقدك إلا أنه أمر لا بد منه و الله لقد جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه و آله وعظمت وفاتك و فقدك فإنا لله و إنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها و آلمها و أمضها و أحزنها هذه و الله مصيبة لا عزاء عنها و رزية لا خلف لها ثم بكيا جميعا ساعة و أخذ علي رأسها و ضمها إلى صدره ثم قال أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفيا أمضي كل ما أمرتني به و اختار أمرك على أمري قالت جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم ثم أوصته بما أرادت فقام أمير المؤمنين عليه السلام بجميع ما وصته به فغسلها في قميصها و أعانته على غسلها أسماء بنت عميس . قال ابن عبد البر في الإستيعاب : غسلها علي بن أبي طالب مع أسماء بنت عميس .و روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أسماء بنت عميس قالت غسلت أنا و علي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله »اه« و كان علي هو الذي يباشر غسلها و أسماء تعينه على ذلك و بهذا يرتفع استبعاد بعضهم أن تغسلها أسماء مع علي و هي أجنبية عنه لأنها كانت يومئذ زوجة بكر و في بعض الأخبار أنه أمر الحسن و الحسين عليهما السلام يدخلان الماء و لم يحضرها غيره و غير الحسنين و زينب و أم كلثوم و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس : قال ابن عبد البر في الإستيعاب : فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء لا تدخلي فشكت إلى أبي بكر فقالت إن هذه الخثعمية تحول بيننا و بين بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و قد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء فوقف على الباب فقال يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه و آله أن يدخلن على بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و جعلت لها مثل هودج الت أمرتني أن لا يدخل عليها أحد و أريتها هذا الذي صنعت و هي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها قال أبو بكر فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف»اه« و كفنها علي عليه السلام في سبعة أثواب و حنطها بفاضل حنوط رسول الله صلى الله عليه و آله ثم صلى عليها و كبر خمسا و دفنها في جوليل و عفى قبرها و لم يحضر دفنها و الصلاة عليها إلا علي و الحسنان عليهم السلام و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبو ذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواص علي عليه السلامو اختلف في موضع دفنها فقيل دفنت في بيتها و هو الأصح الذي يقتضيه الاعتبار و قيل دفنت في البقيع و سوى علي عليه السلام حول قبرها قبورا مزورة حتى لا يعرف أحد موضعه.و روى ابن سعد في الطبقات أنه نزل في حفرة فاطمة العباس و علي و الفضل . و روى عدة روايات بعدة أسايد أن عليا عليه السلام هو الذي صلى عليها.و روى ابن سعد أيضا روايات كثيرة بعدة أسانيد عن الزهري أن عليا عليه السلام دفن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله لو بسنده عن جابر عن الباقر عليه السلام قال دفنت فاطمة ليلا. و روى أيضا عدة روايات عن موسى بن علي عن بعض أصحابه و عن عائشة و عن يحيى بن سعيد أن فاطمة دفنت ليلا بسنده عن علي بن الحسين قال سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة فقال دفناها بليل بعد هدأة قلت فمن صلى علها قال علي (و روى) الحاكم بسنده عن عائشة قالت دفنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ليلا و لم يشعر بها أبو بكر حتى دفنت و صلى عليها علي بن أبي طالو قال ابن عبد البر في الإستيعاب صلى عليها علي بن أبي طالب و هو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس و كانت أشارت عليه أن يدفنها ليلا. و أورد السمهودي في وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى عدة روايات دالة على أنها دفنت ليلا و منها ما حكاه عن البيهقي أنه قال و قد ثبت أن أبا بكر لما يعلم بوفاة فاطمة عليها السلام لما ثبت في الصحيح أن عليا دفنها ليلا و لم يعلم أبا بكر . و عن الطبري في دلائل الإمامة عن محمد بن همام أن عليا عليه السلام دفنها بالروضة و عمى موضع قبرها قال و أصبح البقيع ليلة دفنت و فيه أربعون قبرا جدد.»و روي «أن أمير المؤمنين قام بعد دفنها عليها السلام فحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قال: السلام عليك يا رسول الله عني و عن ابنتك و زائرتك النازلة في جوارك و البائتة في الثرى ببقعتك و المختار الله لها سرعة اللحاق بك قل يا رسول الله عن صف صبري و رق عنها تجلدي إلا أن في التأسي بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعز فلقد وسدتك في ملحود قبرك و فاضت بين نحري و صدري نفسك بلى و في كتاب الله لي نعم القبول إنا لله و إنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة و اختلست الزهراء فما أقبح الخضراء و الغبراء يا رسول الله أما حزني فسرمد و أما ليلي فمسهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد مقيح و هم مهيج سرعان ما فرق بيننا و إلى الله أشكو و ستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها فاحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا و ستقول و يحكم الله و هو خير الحاكمين و السلام عليكما سلام مودع لا قال و لا سئم فإن انصرف فلا عن ملالة و إن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين واها واها و الصبر أيمن و أجمل و لو لا غلبة المستولين لجعلت المقام و اللبث لزاما معكوفا و لأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين الله تدفن ابنتك سرا و تهضم حقها و تمنع إرثها و لم يطل العهد و لم يخلق منك الذكر إلى الله يا رسول الله المشتكى و فيك يا رسول الله أحسن العزاء صلى الله عليك و عليك و عليها السلام و الرضوان. و لما دفنها علي عليه السلام قام علىشفير القبر فأنشأ يقول و قال الحاكم في المستدرك لما ماتت فاطمة قال علي بن أبي طالب :
لكل اجتماع من خليلين فرقة و كل الذي دون الفراق قليل
و إن افتقادي فاطما بعد أحمد دليل على أن لا يدوم خلي
لو عن الطبري في دلائل الإمامة عن محمد بن همام أن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا فأشكل عليهم موضع قبرها من سائر القبور فضج الناس و لام بعضهم بعضا و قالوا لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و الصلاة عليها و لا تعرفوا قبرها ثم قال ولاة الأمر منهم هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نزور قبرها فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فخرج مغضبا قد احمرت عيناه و درت أوداجه و عليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة و هو تكئ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع فسار إلى الناس النذير و قالوا هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآخر فتلقاه بعضهم فقال له ما لك يا أبا الحسن و الله لننبشن قبرها و لنصلين عليها فضرب علي عليه السلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض و قال أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس و أما قبر فاطمة فو الله الذي نفس علي بيده لأن رمت و أصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فأعرض فتلقاه آخر فقال يا أبا الحسن بحق رسول الله و بحق من وق العرش إلا خليت عنه فأنا غير فاعلين شيئا تكرهه فخلى عنه و تفرق الناس و لم يعودوا إلى ذلك.
ونسألكم الدعاء.
كان لها سبعة بساتين وقفتها على بني هاشم و بني المطلب و جعلت النظر فيها و الولاية لعلي عليه السلام مدة حياته و بعده للحسن و بعده للحسين و بعده للأكبر من ولدها. روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق عليه السلام أن فاطمة عليها السلام جعلت صدقتها لبني هاشم و ي المطلب و بسنده عن الباقر عليه السلام أنه أخرج حقا أو سفطا فأخرج منه كتابا فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم.هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه و آله أوصت بحوائطها السبعة العواف و الذلال .و البرقة .و المبيت .و الحسني .و الصافية .و ما لأم هيم إلى علي بن أبي طالب فإن مضى علي فإلى الحسن فإن مضى الحسن فإلى الحسين فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي شهد الله على ذلك و المقداد بن الأسود و الزبير بن العوام و كتب علي بن أبي طالب.
بسنده عن الصادق عليه السلام نحوه إلا أنه قال إلى الأكبر من ولدي دون ولدك و بسنده عن أبي الحسن الثاني عليه السلام أنه سئل عن الحيطان السبعة التي كانت ميراث رسول الله صلى الله عليه و آله لفاطمة فقال: إنما كانت وقفا فكان رسول الله صلى الله عليه و آله ي منها ما ينفق على أضيافه و التابعة تلزمه فيها فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمة فيها فشهد علي و غيره أنها وقف على فاطمة و عدها كما تقدم (و في رواية) عن الصادق عليه السلام أن المبيت هو الذي كاتب عليه سلمان فأفاءه الله على رسوله فهو في صدقتها. (أقول) ربما يتوهم التنافي بين هذه الأخبار فبعضها يدل على أنها تصدقت بها على بني هاشم و بني المطلب أي وقفتها عليها و لازم ذلك أنها كانت ملكا لها إذ لا وقف إلا في ملك و بعضها دال على أن النبي صلى الله عليه و آله كان قد وقفها عليها و حينئذ فكيف تقفها على بهاشم و بني المطلب فإن الوقف لا يوقف و يمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه و آله وقفها عليها في حياتها و بعدها على بني هاشم و بني المطلب و جعل النظر فيها على الترتيب الذي جعلته.أو إنه وقفها عليها ثم على من تختاره بعدها فهي بوصيتها حاكية لا منشئوصيتها
من وصاياها
لما مرضت فاطمة الزهراء عليها السلام مرضها الذي توفيت فيه جعلت توصي عليا عليه السلام و تعهد إليه عهودها (فمما) جاء في وصيتها ما روي أن عليا عليه السلام وجده عند رأسها بعد ما توفيت و هي رقعة فيها :بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله أوصت و هي تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أن الجنة حق و النار حق و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور يا علي حنطني و غسلني و كفني و صل عليادفني بالليل و لا تعلم أحدا و استودعك الله و اقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة.
و ذكر جماعة أنها لما مرضت دعت أم أيمن و أسماء بنت عميس و عليا عليه السلام و أوصت إلى علي بثلاث وصايا : (الأول) أن يتزوج بأمامة بنت أختها زينب لحبها أولادها و قالت إنها تكون لولدي مثلي (و في رواية) قالت بنت أختي و تحني على ولدي.و أمامة هذه هي بنت أبي العاص بن الربيع و هي التي روي أن رسول الله صلى الله عليه و آله كان يحملها في الصلاة و أمها زينب بنت رسول ا صلى الله عليه و آله فلما توفيت الزهراء عليها السلام تزوج أمير المؤمنين عليه السلام أمامة كما أوصته و من أجل ذلك قال: أربعة ليس إلى فراقهن سبيل و عد منهن أمامة قال أوصت بها فاطم (الثانية) أن يتخذ لها نعشا و وصفته له (و في رواية) أن أسماء بنت عميس قالت لها إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئا فإن أعجبك أصنعه لك فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدتها على قوائمه و جعلت عليه نعشا ثم جللته ثوبا فقالت فاطمة عليها السلام اصنعي لي مثله استريني سترك الله من النار.
و في الإستيعاب بسنده أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله قالت لأسماء بنت عميس إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فت فاطمة ما أحسن هذا و أجمله تعرف به المرأة من الرجل ثم قال: فاطمة أول من غطي نعشها في الإسلام على الصفة المذكورة ثم بعدها زينب بنت جحش »اه« و كانت الزهراء عليها السلام لشدة محافظتها على الستر و العفاف حتى أنها لما قال لها أبوها صلى الله عليه و آله ما خير رأة قالت أن لا ترى رجلا و لا يراها رجل مهتمة كثيرا لأمر وضعها على السرير و حملها ظاهرة و شكت ذلك إلى أسماء بنت عميس فوصفت لها النعش فتبسمت فرحا بذلك بعد أن لم تر ضاحكة و لا متبسمة بعد وفاة أبيها إلى ذلك الحين و بذلك يعرف قدر اهتمامها بهذا الأمر.
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس ألا ترين إلى ما بلغت احمل على السرير ظاهرا فقالت أسماء لا لعمري و لكن أصنع لك نعشا كما رأيت يصنع بأرض الحبشة قالت فأرينيه فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة و جعلت على السرير نعشا و هو أول ما كان النعش قالت أسماء فتبسمت فاطمة و ما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلا يومئذ الحديث (و بضدها تتميز الأشياء) .
(الثالثة) أن لا يشهد أحدا جنازتها ممن كانت غاضبة عليهم و أن لا يترك أن يصلي عليها أحد منهم و أن يدفنها ليلا إذا هدأت العيون و نامت الأبصار و يعفي قبرها.
»و كان«مما أوصت به عليا عليه السلام أن تحنط بفاضل حنوط رسول الله صلى الله عليه و آله و كان أربعين درهما فقسمه رسول الله صلى الله عليه و آله أثلاثا ثلثا لنفسه و ثلثا لعلي و ثلثا لفاطمة و أن يغسلها في قميصها و لا يكشفه عنها لأنها كانت قد اغتسلت قبل وفاتر و تنظفت و لبست ثيابها الجدد و من ذلك توهم بعضهم أن المراد أن تدفن بذلك الغسل و هو غير صحيح كما يأتي»و في رواية«أنها أوصت لأزواج النبي صلى الله عليه و آله لكل واحدة منهن باثنتي عشرة أوقية و الأوقية أربعون درهما و لنساء بني هاشم مثل ذلك و أوصت لأمامة بنتتها زينب بشيء.و روى ابن عبد البر في الإستيعاب أن فاطمة عليها السلام قالت لأسماء بنت عميس إذا أنا مت فاغسليني أنت و علي و لا تدخلي علي أحدا.و روى أبو نعيم في الحلية أنها لما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا فاغتسلت و تطهرت و دعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن فلبستها و مست من الحنوط ثم أمرت عليا أن لا تكشف إذا قبضت و أن تدرج كما هي في ثيابها»اه« و الظاهر أن هذا الغسل الذي اغتسلته عليها السلام كان لأجل التنظيف و التطهر لتغسل بعد وفاتها في ثيابها طاهرة نظيفة و لا تكشف لأنه أبلغ في الستر و أقل كلفة على من يغسلها لا أنه كان غسل الأموات لعدم جواز تقديمه على الموت في مثل المقام و توهم بعضهم أنه غسل الأموات و ليس بصواب فلما توفيت صاح أهل المدينة صيحة واحدة و اجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع من صراخهن و هن يقلن يا سيدتاه يا بنت رسول الله و أقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي عليه السلام و هو جالس و الحسن و الحسين عليهما السلام بين يديه يبكيان فبكى الناس لبكائهما و خرجت أم كلثوم و عليها برقعها تجر ذيلها متجللة برداء و هي تبكي و تقول يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده أبدا و جتمع الناس فجلسوا و هم يرجون و ينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلوا عليها فخرج أبو ذر و قال انصرفوا فإن ابنة رسول الله قد أخر إخراجها هذه العشية فقام الناس و انصرفوا.
وفاة السيدة الزهراء عليها السلام
و في كتاب روضة الواعظين : أن فاطمة عليها السلام لم تزل بعد وفاة أبيها صلى الله عليه و آله مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة باكية ثم مرضت مرضا شديدا و مكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت عليها السلام فلما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن و أسماء بنت عميس و ت خلف علي فأحضرته فقالت يا ابن عم إنه قد نعيت إلي نفسي و إنني لا أرى ما بي إلا إنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة و أنا أوصيك بأشياء في قلبي.قال لها علي عليه السلام أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها و أخرج من كان في البيت ثم قالت يا ابن عم ما عهتني كاذبة و لا خائنة و لا خالفتك منذ عاشرتني فقال عليه السلام معاذ الله أنت أعلم بالله و أبر و أتقى و أكرم و أشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي و قد عز علي مفارقتك و فقدك إلا أنه أمر لا بد منه و الله لقد جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه و آله وعظمت وفاتك و فقدك فإنا لله و إنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها و آلمها و أمضها و أحزنها هذه و الله مصيبة لا عزاء عنها و رزية لا خلف لها ثم بكيا جميعا ساعة و أخذ علي رأسها و ضمها إلى صدره ثم قال أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفيا أمضي كل ما أمرتني به و اختار أمرك على أمري قالت جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم ثم أوصته بما أرادت فقام أمير المؤمنين عليه السلام بجميع ما وصته به فغسلها في قميصها و أعانته على غسلها أسماء بنت عميس . قال ابن عبد البر في الإستيعاب : غسلها علي بن أبي طالب مع أسماء بنت عميس .و روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أسماء بنت عميس قالت غسلت أنا و علي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله »اه« و كان علي هو الذي يباشر غسلها و أسماء تعينه على ذلك و بهذا يرتفع استبعاد بعضهم أن تغسلها أسماء مع علي و هي أجنبية عنه لأنها كانت يومئذ زوجة بكر و في بعض الأخبار أنه أمر الحسن و الحسين عليهما السلام يدخلان الماء و لم يحضرها غيره و غير الحسنين و زينب و أم كلثوم و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس : قال ابن عبد البر في الإستيعاب : فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء لا تدخلي فشكت إلى أبي بكر فقالت إن هذه الخثعمية تحول بيننا و بين بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و قد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء فوقف على الباب فقال يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه و آله أن يدخلن على بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و جعلت لها مثل هودج الت أمرتني أن لا يدخل عليها أحد و أريتها هذا الذي صنعت و هي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها قال أبو بكر فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف»اه« و كفنها علي عليه السلام في سبعة أثواب و حنطها بفاضل حنوط رسول الله صلى الله عليه و آله ثم صلى عليها و كبر خمسا و دفنها في جوليل و عفى قبرها و لم يحضر دفنها و الصلاة عليها إلا علي و الحسنان عليهم السلام و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبو ذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواص علي عليه السلامو اختلف في موضع دفنها فقيل دفنت في بيتها و هو الأصح الذي يقتضيه الاعتبار و قيل دفنت في البقيع و سوى علي عليه السلام حول قبرها قبورا مزورة حتى لا يعرف أحد موضعه.و روى ابن سعد في الطبقات أنه نزل في حفرة فاطمة العباس و علي و الفضل . و روى عدة روايات بعدة أسايد أن عليا عليه السلام هو الذي صلى عليها.و روى ابن سعد أيضا روايات كثيرة بعدة أسانيد عن الزهري أن عليا عليه السلام دفن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله لو بسنده عن جابر عن الباقر عليه السلام قال دفنت فاطمة ليلا. و روى أيضا عدة روايات عن موسى بن علي عن بعض أصحابه و عن عائشة و عن يحيى بن سعيد أن فاطمة دفنت ليلا بسنده عن علي بن الحسين قال سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة فقال دفناها بليل بعد هدأة قلت فمن صلى علها قال علي (و روى) الحاكم بسنده عن عائشة قالت دفنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ليلا و لم يشعر بها أبو بكر حتى دفنت و صلى عليها علي بن أبي طالو قال ابن عبد البر في الإستيعاب صلى عليها علي بن أبي طالب و هو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس و كانت أشارت عليه أن يدفنها ليلا. و أورد السمهودي في وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى عدة روايات دالة على أنها دفنت ليلا و منها ما حكاه عن البيهقي أنه قال و قد ثبت أن أبا بكر لما يعلم بوفاة فاطمة عليها السلام لما ثبت في الصحيح أن عليا دفنها ليلا و لم يعلم أبا بكر . و عن الطبري في دلائل الإمامة عن محمد بن همام أن عليا عليه السلام دفنها بالروضة و عمى موضع قبرها قال و أصبح البقيع ليلة دفنت و فيه أربعون قبرا جدد.»و روي «أن أمير المؤمنين قام بعد دفنها عليها السلام فحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قال: السلام عليك يا رسول الله عني و عن ابنتك و زائرتك النازلة في جوارك و البائتة في الثرى ببقعتك و المختار الله لها سرعة اللحاق بك قل يا رسول الله عن صف صبري و رق عنها تجلدي إلا أن في التأسي بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعز فلقد وسدتك في ملحود قبرك و فاضت بين نحري و صدري نفسك بلى و في كتاب الله لي نعم القبول إنا لله و إنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة و اختلست الزهراء فما أقبح الخضراء و الغبراء يا رسول الله أما حزني فسرمد و أما ليلي فمسهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد مقيح و هم مهيج سرعان ما فرق بيننا و إلى الله أشكو و ستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها فاحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا و ستقول و يحكم الله و هو خير الحاكمين و السلام عليكما سلام مودع لا قال و لا سئم فإن انصرف فلا عن ملالة و إن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين واها واها و الصبر أيمن و أجمل و لو لا غلبة المستولين لجعلت المقام و اللبث لزاما معكوفا و لأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين الله تدفن ابنتك سرا و تهضم حقها و تمنع إرثها و لم يطل العهد و لم يخلق منك الذكر إلى الله يا رسول الله المشتكى و فيك يا رسول الله أحسن العزاء صلى الله عليك و عليك و عليها السلام و الرضوان. و لما دفنها علي عليه السلام قام علىشفير القبر فأنشأ يقول و قال الحاكم في المستدرك لما ماتت فاطمة قال علي بن أبي طالب :
لكل اجتماع من خليلين فرقة و كل الذي دون الفراق قليل
و إن افتقادي فاطما بعد أحمد دليل على أن لا يدوم خلي
لو عن الطبري في دلائل الإمامة عن محمد بن همام أن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا فأشكل عليهم موضع قبرها من سائر القبور فضج الناس و لام بعضهم بعضا و قالوا لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و الصلاة عليها و لا تعرفوا قبرها ثم قال ولاة الأمر منهم هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نزور قبرها فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فخرج مغضبا قد احمرت عيناه و درت أوداجه و عليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة و هو تكئ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع فسار إلى الناس النذير و قالوا هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآخر فتلقاه بعضهم فقال له ما لك يا أبا الحسن و الله لننبشن قبرها و لنصلين عليها فضرب علي عليه السلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض و قال أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس و أما قبر فاطمة فو الله الذي نفس علي بيده لأن رمت و أصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فأعرض فتلقاه آخر فقال يا أبا الحسن بحق رسول الله و بحق من وق العرش إلا خليت عنه فأنا غير فاعلين شيئا تكرهه فخلى عنه و تفرق الناس و لم يعودوا إلى ذلك.
ونسألكم الدعاء.
تعليق