إبتكار مدرسة فنون رسم وتشكيلالصّخور
بقلم: حسين أحمد سليم
آل الحاج يونس
المُصمّم المُبتكروالمخترع اللبناني, الفنّان التّشكيلي المتمرّس القدير والرّسّام الهندسي الفنّيالخبير
تعتبر الصّخور ذات ميزة أخرىمُغايرة لما نعتقده, وهي ثمينة في وجوديّتها التّكوينيّة التي أبدع الله صنعاً فيخلقها وإيجادها, وعدل حكمة سبحانه في صناعة كينونة وعناصر هذه الأرض من عناصروأجزاء الصّخور... سيّما إذا عرفنا علميّاً, أنّ كلّ شيء يجعل الحياة ممكنة, يعودفي أصله إلى هذه الصّخور, وأنّ كلّ أنواع التّربة في هذه الأرض, وجانباً كبيراً منالهواء والماء, أصلها من الصّخور... والتّربة ثمينة أيضاً, وليست بخسة, لأنّ كلّشيء يعيش على البرّ, يُدين بحياته للتّربة, والتّربة ليست إلاّ صخراً متحلّلاًومتفتّتاً بفعل العوامل الطّبيعيّة, ولولا الصّخور ما كان وجود النّبات ولاالحيوان ولا حتّى الإنسان...
وإذا ما نظرنا حولنا, وأجلنافي تطواف أبصارنا قريباً وبعيداً, فإنّنا سنُدهش من قائمة الأشياء المألوفةالمحيطة بنا من كلّ حدب وصوب, والمصنوعة من الصّخور أو من نواتجها... ونحن في زمنالعولمة في كلّ شيء, وفي زمن حضارة ثورة المعلومات, وثورة الثّقافات, وثورةالإكتشافات والإختراعات وغيرها... ما زلنا نعتمد في وجوديّاتنا على هذه الأرض علىأنواع الصّخور وتصنيعها, أكثر ممّا كان يعتمد عليه الأوّلون منّا...
وغالباً ما كنت أثناء تجواليوترحالي في ممارسة نشاطات الحركة الكشفيّة, أتفرّس دائماً في الصّخور وتكويناتهاالطّبيعيّة, التي تتجلّى عظمة وقدرة الله في معالم ومطاوي تكويناتها, ودائماً ومازلت أتفكّر في كيفيّة تكوينها الإعجازيّ, إلى جانب مشهديّات جمالها التّكويني فيالشّكل والهيأة العامّة عبر تعاقب الحقب التّاريخيّة... وغالباً ما كان يتناهىلوجداني, كلّما فتّحتُ عينيّ ونظرت من حولي, وتفحّصت بعض الصّخور, المتواجدة فوقأرض وطني لبنان, أنّها لم تتكوّن فجأةً, وتخضع لنظام الأرض الذي أوجده الخالق حكمةوعدالة, بحيث كيفما أمعنت النّظر والبصيرة في كلّ مكوّنات هذه الأرض تراها منتظمة,سيّما وجوديّات الصّخور فيها, والتي جعلها الله رواسي حتّى لا تميد الأرض بنا...
ومن المعروف علميّاً أنّالمياه تُبلي وتفتّت وتحتّ أقسى وأصلب الصّخور, والموادّ التي تبليها المياه منالصّخور اليوم ستصنع منها صخور الغدّ... وهو ما يتراءى لأبصارنا في الكثير منالمغاور, سيّما في لبنان بمغارة جعيتا على سبيل المثال, حيث تتدلّى أشكال جميلةوفاتنة لا حصر لها في تكويناتها من سقف المغارة, فيما تتعامد أشكال أخرى جميلةومميّزة ولا حصر لها كذلك في تكويناتها فوق أرض المغارة, ممّا يُشكّل متحفاًجماليّاً طبيعيّاً لأبدع وأفتن المنحوتات الفنّيّة الطّبيعيّة, التي من رحمكينونتها تراءى لوجداني العمل على إبتكار تصميم مدرسة فنون الرّسم والتّشكيلوالنّحت الصّخري الطّبيعي...
وعندما كنت أجوب وقرينتيالقدريّة ترافقني أينما توجّهت, في أرحبة وإمتدادات بعض أنحاء بلادي في السّهولوفي الجبال وفي الأودية, بحكم نشاطاتنا الخلويّة ومتابعاتنا البحثيّة وجمعالمعلومات اللازمة... كنت أمارس إطالة التّفرّس في تكوينات أنواع الصّخور,المنتشرة فوق أرض وطني الممتد, والتي تتماهى في التّلال وقمم الجبال وحول مجاريالمياه في الأودية... وكنت أقف طويلاً أمام هذه الصّخور, وخاصّة تلك التي في مناطقجبال لبنان الغربيّة والشّرقيّة الوسطى منها والشّماليّة, وفي أغوار أوديتهالسّحيقة, وما في بطن ترابه من مغاور في بلدة زوجتي القريبة من الهرمل... حيث كنتأسلك الطّريق الجبلي الذي يشقّ في بعض منه غابات من الصّخور على جوانب الطّريق,الذي يمرّ من جونية إلى فاريّا فعيون السّيمان فبلدة الحدث الواقعة ضمن شريط قرىوبلدات غربي بعلبك, تلك البلدة النّموذجيّة فيما تبقّى فوق ترابها من بقاياالصّخور المميّزة والمغاور, إضافة لما في مدينة الشّمس بعلبك وما حولها من مقالعأثريّة قديمة, ما زالت تحتضن أكبر صخور العالم حجر الحبلى الكبير والأحجار الأخرىالقريبة منه... تلك الصّخور الفائقة التّكوين الجمالي, وهي مشرئبّة الرّؤوس تتعالىإلى فضاءات المنطقة التي فيها وكأنّها تتحدّى صلف الطّبيعة, وقد نحتتها وأحالتهامنحوتات تتماهى بالجمال في أحضان الطّبيعة... كنت أقف طويلاً فاغراً فاهي, مذهولاًوأنا في حالة من الثّمل, أغرق في غيبوبة سكرتي, لما يتراءى لي من مشهديّات صخريّة,وآلاف الأفكار تتزاحم في رأسي, ومثلها يحملني ويرتحل بي على صهوات التّفكّر فيالبعد الآخر, تعظيماً للخالق, وكثيراً ما كان الوقت يمضي طويلاً, قبل أن أنتزعنفسي من ذلك الإبحار اللاإرادي وأعود لوعيي القدريّ...
الأرض أقدم بكثير ممّا نظنّ,والطّبيعة بأمر الخالق تصنع الكثير من أشكال الصّخور, وتحيل بعضها الآخر حطاماً...فمياه أمواج البحار تنحت من الشّواطيء الصّخريّة, وتصنع ما يحلو لها من تكويناتنحتيّة فنّيّة مستحدثة, وهو ما يظهر كمثال عند شاطيء مدينة الغدّ بيروت عاصمةلبنان, حيث منحوتة صخرة الرّوشة, التي تظهر فيها عوامل نحت المياه جليّة وواضحة,وكيف أحالتها تلك المياه بالتّعاون مع قوى الطّبيعة كالرّياح والهواء والشّمسوالأمطار وغيرها أحالتها منحوتة صخريّة فاتنة الجمال, يقصدها الزّوّار والسّوّأحمن كلّ حدب وصوب للتّمتّع برؤية شكلها المميّز...
وقمم الجبال تتغيّر أيضاًبحكم التّأثير الجوّي, بحيث ترى عند سفح الجبل كوماً من الصّخور تتغيّر بحكمالتّأثير الجوي, والتي بليت قليلا قليلا بفعل تأثير الهواء والرّياح وبرودة الطّقسوحرارة الشّمس, بحيث يعتبر الهواء هو عدو كبير للصّخور, إنّه ينحت موادّ الجبلبإستمرار... وكذلك الشّمس التي تلفح الصّخور نهاراً, لتعود فتنكمش ليلاً منالبرودة... والثّلوج كذلك لها فعلها في تشكيل الصّخور وأيضاً الجليد... فالمثالجهي عدوّ الصّخور الدّائم... فالصّخور تتكوّن كما أنّها تتفكّك أيضاً, وهي ترتفع وتشمخ كما تندكّ وتُسوّى مع الأرض...وبالرّإم من أنّ الصّخور تُبلى وتزول, فإنّ صخوراً جديدة تقوم وترتفع في مكان مافوق هذه الأرض...
هذا, وألوان الصّخور قد تكونرماديّة فاتحة أو قاتمة, وقد تكون خضراء قاتمة, وقد تكون مائلة للبياض والسّوادواللون البنّي... وأنواعها كثيرة, منها الصّخور الخفّافة والصّخور الرّمليّةوالصّلبة والقاسية, ومنها الصّخور الكسيّة والصّوّانيّة والصّخور الجبسيّةوالجيريّة, ومنها الصّخور الرّخاميّة...
وعليه, تتجلّى جماليّاتالصّخور في تلك الأعمدة الجميلة المتدلّية من رحم الصّخور المسمّاة بالهابطة أوالإستلاكتيت, وهناك الصّخور القائمة والّنامية كما الأعمدة والمسمّاة بالصّأعدة أوالإستلاجميت... وهي في تشكيلاتها المتنوّعة والمختلفة الألوان, تعكس جمايّاتهاالطّبيعيّة, لترفل أمامها عيون النّاظرين والمتلقّين...
والصّخور من ناحية أخرى,بأنواعها وأشكالها وحجومها, فوق الأرض أو في جوف البحار والمحيطات, وما تكتنز فيجوفها من متحجّرات نباتيّة وأحياء حيوانيّة وسمكيّة وأشياء أخرى منقرضة... تُعتبرمتحفاً غريباً وعجيباً, يعكس أنّ هناك قوّة عظمى صانعة لهذه الصّخور, بحيث تتجلّىعظمة الخالق وقدرته ووحدانيّته من خلال ما يتراءى لنا من عظمة الخلق والإبداع فيصنع مخلوقات الله وتكوينات الأشياء في هذه الكينونة ومنها هذه الصّخور المتنوّعةالأشكال والألوان والأحجام في المكان التي هي فيه بأمر الخالق سبحانه وتعالى....
من هنا, من هذا الإبحار فيالبعد الآخر, لعظمة تكوينات أشكال الصّخور وألوانها وأحجامها, وإنتشارها في هذهالأرض التي شاء الله أن تكون لنا ممرّاً إلى ذلك المستقرّ القدريّ, تلك الصّخورالتي أشار لها الله في محكم كتابه, وجعلها رواسي في هذه الأرض حتّى لا تميد بنا...من رحم هذه الرّؤى كانت الفكرة التي تناهت إلى وجداني والتي قضت بإبتكار تصميممدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الصّخري الطّبيعي...