إبتكار مدرسة فنون رسم وتشكيل الآثاراللبنانيّة
بقلم: حسين أحمد سليم
آل الحاج يونس
المُصمّم المُبتكر والمخترعاللبناني, الفنّان التّشكيلي المتمرّس القدير والرّسّام الهندسي الفنّي الخبير
آثارنااللبنانيّة على إختلاف أنواعها وأشكالها وبقاياها, تُعتبر لوحات جمال تتماهى فوقتراب أرضنا... وهي موروثات الأمسالبعيد والوسيط والقريب, من صنوف الهياكل, وبقايا القلاع, ومختلف الحصون, وتنوّععمارات القصور, وأشكال الجدران, وأنواع الأنصاب, وسمات الأعمدة, ومواصفاتالقواميع, وموادّ الحجارة المنحوتة, ووجود المغاور في الصّخور, والكثير من معالموأشكال الصّخور والحجارة الكبيرة الطّبيعيّة وغيرها... وهي ما يُميّز أرضنا عن أرضأخرى, وما يسم ناحية لبنانيّة عن ناحية أخرى, وما يتّصف به بلدنا عن أيّ بلد آخر,وما يعطي وطننا لبنان ميزته عن أيّ وطن آخر... بحيث تُعتبر مثل هذه الموروثات,أينما كان موقعها الجغرافي فوق ترابنا الغالي, وعبر حقب التّاريخ, جزء لا يتجزّأ منثقافة وحضارة وثروة بلدنا والتي هي جزء لا يتجزّأ من أرض لبنان وترابه...
ولبنان يتميّز بآثاره التّاريخيّة والطّبيعيّةوالإجتماعيّة والثّقافيّة, التي تراكمت في حقبات مختلفة من الزّمن الغابر، ما جعلهمركز حضاري وثقافي, تحجّ إليه الوفود من شتّى أقطار العالم...
وتاريخعلم الآثار في لبنان, يعود إلى أيّام المتصرّفيّة، حيث كان المتصرّف واصا باشا(1883 – 1893) أوّل من اهتمّ بالتّنقيب عن الآثار... وهناك الكثير من المواقعالأثريّة التي تمّ الكشف عنها ولا يزال حتّى يومنا هذا، وعدد كبير منها أعيدترميمه وتأهيله ليبقى شاهدا على حضارة لبنان وتراثه الموروث...
ومن أبرز الآثار اللبنانيّة على سبيل المثال لا الحصر:قلعة طرابلس وآثار عرقة وقلعة المسيلحة فيالشّمال, وقلعة ومساجد بعلبك القديمة وقلعة عنجر وقلعة حدث بعلبك وقلعة نيحاوبقايا قلاع تمنين وقصرنبا ونحلة, وقاموع الهرمل ومغارة مار مارون وقاموع إيعاتوقصر البنات, إضافة للأضرحة والمقامات المقدّسة في البقاع, وقلعة صيدا وقلعة صوروقلعة الشّقيف في الجنوب, ومغارة جعيتا ومغارة أفقا وبقايا آثار وقلاع في جبللبنان إضافة لقصر بيت الدّين, وقصور للشّهابيين, وما يزخر به متحف بيروت من قطعومحتويات أثريّة, وما يتماهى من بقايا آثار وزوايا ومساجد في وسط مدينة بيروت,ناهيك عن منحوتة صخرة الرّوشة...
فقصربيت الدّين, يقع في بلدة بيت الدّين في الشّوف, التي ترتفع حوالى 850 م. عن سطحالبحر. وهو قصر إقامة الأمير بشير الثّاني الشّهابي الذي حكم جبل لبنان حوالى نصفقرن من الزّمن. واستمرّ بناء القصر حوالى 30 عاما، ويشكّل نموذج العمارة اللبنانيّةالتّقليديّة في القرن التّاسع عشر. وعام 1942 أصبح القصر المقرّ الصّيفي لرئاسةالجمهوريّة، وكان الرّئيس بشارة الخوري أوّل رئيس لبناني يسكن فيه. والقصر يحتويعلى متحف يحتوي متاعا وألبسة وأسلحة تدلّ على فترة الإقطاع، بالإضافة إلى قطع أثريّةوفخّاريات وزجاجيّات ونواويس وقاعات كبيرة ودور حريم ومطابخ وحمّامات...
وقلعة بعلبك, وهي تقع في بلدة بعلبك فيالبقاع، وتبعد 58 كلم عن بيروت، وانتقلت من يد الأمويين إلى العبّاسيين ثم الطّولونيينوالفاطميين والأيّوبيين، ثمّ نهبها المغول واستردّها المماليك عام 1260. ويتألفمجمع بعلبك الدّيني من 3 صروح: معبد "جوبّيتر" الكبير، معبد صغير منسوبإلى "باخوس" ومعبد مستدير منسوب إلى "الزّهرة". وتعتبر القلعةمن الآثار الرّومانية المميّزة بضخامتها وزخرفتها، وفي أرجائها تقام مهرجاناتعالميّة سنويّة...
وقلعة صيدا وهي في مدينة صيدا الجنوبيّة التيتبعد 48 كلم من بيروت، ومن أشهر معالمها قلعة البحر التي يعود تاريخ بنائها إلىالقرن الثّالث عشر ق. م. وشيّدت على مراحل بين عامي 1227 و1291، عندما سقطتالمدينة في يد المماليك. أمّا الإستراحة في صيدا، فهي مركز سياحي يقع على شاطئالبحر المتوسط مقابل القلعة البحريّة، ولا تزال تحتفظ بعقودها الأثريّة القديمة...
ومغارة جعيتا وهي من المغاور النّادرة فيالعالم من حيث امتدادها وغناها، وتمّ اكتشافها للمرّة الأولى عام 1836، وتحتوي علىمنحوتات من مياه كلسيّة متسرّبة وأملاح معدنيّة تكوّنت منذ آلاف السّنين، وكونّتمع مرور الزّمن أشكالا كلسيّة منحوتة مدهشة في روعتها...
وتقعالمغارة في وادي نهر الكلب، على بعد حوالى 20 كلم إلى الشّمال من بيروت، يبلغطولها 8300 م. منها 6200 م. للمجرى المائي و2100 م. للدّهاليز العليا. وقد تصلمساحتها بشقّيها المائي والجافّ, وحسب المطّلعين, إلى 11 كلم, ويوجد فيها طبقتان:طبقة عليا جافّة, وطبقة سفلى يجري فيها نهر جوفي يشكّل الجزء المغمور من منابع نهرالكلب...
وتمافتتاح المغارة السّفلى للمرّة الأولى أمام الزّوار في تشرين الأوّل عام 1958، أمّا المغارة العليا فافتتحت في كانونالثّاني عام 1969للميلاد...
وهناك كذلك مراكز أثرية مثل: خان الخيّاطين في طرابلس،وهو مركز لصناعة النّسيج والأنسجة، وأعيد ترميمه ابتداء من عام 1996 للميلاد... وعادالخان بعد ترميمه إلى حلّته الأساسيّة العريقة، وهو لا يزال يقوم بصناعة الألبسةالتّراثيّة التّقليديّة من طرابيش وأرتيزانا وشراويل وعباءات وأقمشة مطرّزة وغيرها...
ويعتبر الخان من أقدم المعالم الأثريّة في المدينة،ويعود إلى ما قبل العهد المملوكي، وربّما إلى ما قبل الإسلام، بعد العثور علىأعمدة بيزنطيّة في الحفريات التي أجريت في الخان عام 1948. وتعود ملكيّة الخان إلى دائرة أوقاف طرابلس،وهو مؤلّف من طبقتين، وتبلغ مساحته الإجماليّة حوالى 1200 متر مربع، ويحتوي على 26محل تجاري و26 غرفة في الطّابق العلوي...
جميع هذه المعالم الأثريّة المكتشفة حتّى يومنا هذاوالظّاهرة فوق ترابنا تتماهى في مواقعها بأحضان السّهول وقمم الجبال وفي الأوديّةوبين بيوت الأحياء في المدن والبلدات والقرى, والتي حالفني الحظّ بزيارتها جميعهالأكثر من مرّة, لأمتّع نظري وقرينتي بمشهديّاتها, وأستقريء تاريخها من خلالبقاياها الهيكليّة... ودائماً كانت تراودني فكرة تصميم وإبتكار مدرسة خاصّة تعنىبفنون رسم وتشكيل وتصوير معالم هذه الآثار, والعمل على تفعيلها لتكون فيما بعدنواة متحف فنّيّ تشكيليّ جامع, يتبارى في نتاجه جميع الفنّانين التّشكيلييناللبنانيين وغيرهم, ترسيخاً ثقافيّاً وفنّيّاً وتراثيّاً لتاريخ لبنان السّالف, منخلال ما تحكيه اللوحات والمشهديّات والخطوط والألوان, بأسلوب واقعي إنطباعي يحاكيالأصل كما هو... فإختمرت الفكرة في ثنايا تفكّري, ولاقت الإستحسان في منظومة وعييوعرفاني, فكان فعل إبتكار مدرسة فنون رسم وتشكيل لبنان الأثري... وهكذا أكون قد ساهمتولو بالقليل في رفد حضارة وثقافة وفنون وطني, بفكرة حرّضتني كثيراً وهي تتألّب فيمكنوناتي, وحفّزتني طويلاً وهي تتفاعل في حناياي, وأثارت شغافي بإستمرار, فإنتعشبها وعيي الباطني, وإرتعش بها عرفاني الذّاتي, فتقلبن عقلي بأفكاره وتصوّراته لها,وتعقلن قلبي بأحاسيسه ومشاعره نحوها, فتلقّف وجداني الفكرة وعمل على بلورتها,فكانت على ما تناهت صورها لخيالتي, وقمت ترافقني قرينتي القدريّة بتصوير ما أمكننيالوصول إليه من هذه البقايا, وتمّ توثيقها وحفظها في وسائط رقميّة, وكانت النّواةالأولى لبلورة فكرة إبتكار مدرسة فنون رسم وتشكيل وتوقيع وتصوير لبنان الأثري...
ولشُدّ ما آلمني ضياع بعض معالم الآثار, لسوء في صيانتهاأو قصور في حمايتها أو لهدم ما تبقّى من بنيانها, أو للصوصيّة في السّطو على بعضهاأو كلّها... وأذكر منها كمثال من دون حصر, قلعة شعبانة في منطقة الحدث من جبل لبنانغربي الجامعة اللبنانيّة, التي لم يبق شيئاً من معالمها وبئرها التّراثي... وقلعةومعبد أبّولون الرّوماني في بلدة الحدث البقاعيّة غربي بعلبك, التي إندثرت حجارتهاوأجرانها وتاجات أعمدتها ولم يبق سوى حجارة مرميّة في المكان... ناهيك عن معالم دينيّة لم يعد لها من أثر حيثكانت قائمة في ضواحي بيروت جنوباً...