وقال الفقيه الاصولي آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني في كتابه مفاهيم القرآن ج 10 ص 281 - 291:
الأصل في ضريبة الخمس، قوله سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ...). ١
نزلت الآية يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان وهي غزوة بدر الكبرى، واختلف المفسرون في تفسير الموصول في «ما غنمتم» هل هو عام لكلّ ما يفوز به الإنسان في حياته، كما عليه الشيعة الإمامية، أو خاص بما يظفر به في الحرب، وهذا بحث مهم لا نحوم حوله، لأنّه خارج عّما نحن بصدده، وقد أشبعنا الكلام فيه في كتابنا «الاعتصام بالكتاب والسنة» وأثبتنا بفضل القرآن والأحاديث النبوية انّ الخمس يتعلَّق بكلّ ما يفوز به الإنسان في حياته، وانّ نزول الآية في مورد الغنائم الحربية لا يُخصص الحكم الكلي. ٢
__________________
١. الأنفال : ٤١.
٢. الاعتصام بالكتاب والسنَّة : ٩١ ـ ١٠٥.
إنّما الكلام في تبيين مواضع الخمس، وقد قسّم الخمس في الآية إلى ستة أسهم، أعني: لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
فالسهمان الأوَّلان واضحان، إنّما الكلام في السهم الثالث وما بعده، فالمراد من ذي القربى هم أقرباء النبي وذلك بقرينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم، وقد سبق منّا القول في تفسير آية المودة: انّ تبيين المراد من القربى رهن القرائن الحافَّة بالآية فربما يراد منها أقرباء الناس، مثل قوله: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى). ١ المراد أقرباء المخاطبين، بقرينة قوله: (قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) نظير قوله: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى) والمراد أقرباء الميت.
وعلى ضوء ذلك فإذا تقدَّم عليه لفظ «الرسول» يكون المراد منه أقرباء الرسول كما في الآية (لِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)، ومثله قوله: (مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). ٢ وقوله: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ). ٣ فالمراد من ذي القربى هم أقرباء الرسول بقرينة توجَّه الخطاب إليه أعني «فآت».
ومنه يعلم المراد من المساكين في الآيتين وآية الخمس، أي مساكين ذي القربى وأيتامهم وأبناء سبيلهم.
هذا هو المفهوم من الآية، وعلى ما ذكرنا فكلّ ما يفوز به الإنسان في مكسبه ومغنمه أو ما يفوز به في محاربة المشركين والكافرين، يُقسّم خمسه بين ستة سهام كما عرفت.
__________________
١. الأنعام : ١٥٢.
٢. الحشر : ٧.
٣. الروم : ٣٨.
ويؤيده الروايات التالية:
١. روي عن ابن عباس: كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقسّم الخمس على ستة: لله وللرسول سهمان وسهم لأقاربه، حتى قبض. ١
٢. وروي عن أبي العالية الرياحي: كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله للكعبة وهو سهم الله، ثم يقسَّم ما بقي، على خمسة أسهم: فيكون سهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. قال: والذي جعله للكعبة فهو سهم الله. ٢
وأمّا تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربى ومن جاء بعدهم من اليتامى والمساكين وابن السبيل، فلأجل الروايات الدالة على أنّه لا تحل لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس.
أخرج الطبري عن مجاهد، انه قال: كان آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم الخمس. ٣
وأخرج أيضاً عنه: قد علم الله أنّ في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة ٤.
كما تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام أنّ السهام الأربعة من الخمس، لآل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. ٥
__________________
١. تفسير النيسابوري : ١٠ / ٤ ، المطبوع بهامش الطبري.
٢. تفسير الطبري : ١٠ / ٤ ؛ أحكام القرآن : ٣ / ٦٠.
٣. الظاهر زيادة لفظ «خمس» بقرينة ما نقله ثانياً عن مجاهد.
٤. تفسيرالطبري : ١٠ / ٥.
٥. الوسائل : ٦ / الباب ٢٩ من أبواب المستحقّين للزَّكاة.
هذا ظاهر الآية ويا للأسف لعب الاجتهاد دوراً كبيراً في تحويل الخمس عن أصحابه وظهرت أقوال لا توافق النص القرآني، وإليك مجملاً من آرائهم:
١. قالت الشافعية والحنابلة: تقسّم الغنيمة، وهي الخمس إلى خمسة أسهم: واحد منها سهم الرسول ويصرف على مصالح المسلمين، وواحد يعطى لذوي القربى وهم من انتسب إلى هاشم بالابوة من غير فرق بين الأغنياء والفقراء، والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا من بني هاشم أو من غيرهم.
٢. وقالت الحنفية: إنّ سهم الرسول سقط بموته، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.
٣. وقالت المالكية: يرجع أمر الخمس إلى الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة.
٤. وقالت الإمامية: إنّ سهم الله وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوِّض أمرها إلى الإمام أو نائبه، يضعها في مصالح المسلمين، والأسهم الثلاثة الباقية تعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يشاركهم فيها غيرهم. ١
٥. وقال ابن قدامة في المغني بعدما روى أنّ أبا بكر وعمر قسَّما الخمس على ثلاثة أسهم: وهو قول أصحاب الرأي أبي حنيفة وجماعته، قالوا: يقسم الخمس على ثلاثة: اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول الله بموته وسهم قرابته أيضاً.
٦. وقال مالك: الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال.
٧. وقال الثوري: والخمس يضعه الإمام حيث أراه الله عزّوجلّ.
__________________
١. الفقه على المذاهب الخمسة: ١٨٨.
وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية فإنّ الله تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقاً، كما سمّى الثلاثة أصناف الباقية، فمن خالف ذلك فقد خالف نصّ الكتاب، وأمّا جعل أبي بكر وعمر سهم ذي القربى، في سبيل الله، فقد ذُكر لأحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه، ورأى أنّ قول ابن عباس ومن وافقه أولى، لموافقته كتاب الله وسنة رسوله. ١
وقد أجمع أهل القبلة كافة على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه، وأنّه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه الله إليه، واختار الله له الرفيق الأعلى.
فلمّا ولى أبوبكر تأوّل الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم، ومنع بني هاشم من الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم.
قال الزمخشري عن ابن عباس: الخمس على ستة أسهم: لله ولرسوله سهمان، وسهم لأقاربه، حتى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة، وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء، قال: وروي أنّ أبابكر منع بني هاشم الخمس. ٢
وروي البخاري في صحيحه عن عائشة أنَّ فاطمة عليهاالسلام أرسلت إلى أبي بكر، تسأله ميراثها من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ستة أشهر،
__________________
١. الشرح الكبير على هامش المغني : ١٠ / ٤٩٣ ـ ٤٩٤.
٢. الكشاف : ٢ / ١٢٦.
فلمّا توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها. ١
وفي صحيح مسلم عن بريد بن هرمز، قال: كتب نجدة بن عامر (الحروري الخارجي) إلى ابن عباس، قال ابن هرمز: فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه، وقال ابن عباس: والله لولا أن أرد عن نَتْن يقع فيه، ما كتبت إليه ولا نُعْمةَ عينٍ، قال: فكتب إليه إنّك سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكرهم الله من هم؟ وإنّا كنّا نرى أنّ قرابة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هم نحن فأبى ذلك علينا قومنا. ٢
__________________
١. صحيح البخاري: ٥ / ١٣٩، باب غزوة خيبر.
٢. صحيح مسلم: ٢ / ١٠٥، كتاب الجهاد و ١٦٧ السير، باب النساء الغازيات.
الفيء عبارة عن الغنائم التي يحصل عليها المسلمون بلا خيل ولا ركاب، فإنّ هذه الأموال تقع تحت تصرّف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم باعتباره رئيساً للدولة الإسلامية، وكان الفيء في حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أمراً هاماً في تنمية الثروة في المجتمع الإسلامي ولا سيَّما انتقال الثروة من يد الأغنياء إلى يد الفقراء.
والأساس فيه قوله سبحانه: (وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). ١
(مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). ٢
بيَّن سبحانه أحكام الفيء، وقال: (وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ)
__________________
١. الحشر : ٦.
٢. الحشر : ٧.
الضمير يرجع إلى اليهود، ولكن الحكم سار على جميع الكفّار.
(فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ) أي الفيء عبارة عن الأموال التي استوليتم عليها بلا إيجاف خيل ولا إبل ولم تسيروا إليها على خيل ولا إبل.
هذا هو الفيء، وأمّا المواضع التي يصرف بها هذا الفيء فقد بيَّنها سبحانه في الآية الثانية، وقال: (مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى)، أي ما ردَّ ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله إيّاهم ذلك، (فَلِلَّهِ) و(لِلرَّسُولِ) و(لِذِي الْقُرْبَى) ، فهو لله بالذات وللرسول ولذي القربى بتمليك الله إيّاهم.
والمراد من ذي القربى بقرينة الرسول أهل بيت رسول الله وقرابته، وهم بنو هاشم.
(وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) أي منهم، بقرينة الرسول، فيكون المعنى ويتامى أهل بيته ومساكينهم وأهل السبيل منهم.
وعلى ذلك فالفيء يقسّم على ستة أسهم:
١. سهم لله المالك لكلّ شيء غير محتاج لشيء، جعل نفسه قريناً لسائر الاسماء تكريماً لهم.
٢. سهم الرسول وهو يؤمّن بذلك حاجاته وحاجة الدولة الإسلامية.
٣. سهم ذوي القربى أي أقرباء الرسول، فبما أنّ الصدقة تحرم عليهم حلّ ذلك محلّه.
٤. سهم اليتامى.
٥. سهم المساكين.
٦. سهم أبناء السبيل.
وبكلمة جامعة:
«الغنيمة» ـ كلّ ما أُخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله إلى دار الإسلام، ومالا يمكن نقله إلى دار الإسلام ـ لجميع المسلمين ينظر فيه الإمام، ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين.
«الفيء» ـ كلّ ما أُخذ من الكفّار بغير قتال أو انجلاء أهلها ـ للنبي، يضعه في المذكورين في هذه الآية، ولمن قام مقامه من الأئمّة وقد بيّنه سبحانه في ضمن الآيتين. ١
__________________
١. التبيان : ٩ / ٥٦٤.
وردت لفظة «الأنفال» في القرآن مرتين في آية واحدة، قال سبحانه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). ١
أقول: إنَّ الضرائب الواردة في القرآن الكريم لا تتجاوز الأربع:
أ: الزكاة ومقسمها ثمانية.
ب: الخمس ومقسمه هو الستة.
ج: الفيء ومقسمه مقسم الخمس كما عرفت.
د: الأنفال ومقسمها اثنان، وهما ما ذكر في الآية من قوله: (للهِ وَالرَّسُولِ)، لكن الكلام في بيان المراد من الأنفال.
اختلف المفسّرون في تفسير الأنفال اختلافاً كثيراً، والذي يمكن أن يقال انّ الأنفال من النفل وهو الزائد من الأموال، فيشمل كلّ زائد عن حاجات
__________________
١. الأنفال : ١.
الحياة، ولكن السنَّة المروية عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام فسرته بالنحو التالي:
١. روى حفص البختري عن الإمام الصادق عليهالسلام قال: «الأنفال مالم يوجف عليه بخيل أو ركاب ١ أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول الله، وهو للإمام بعده يضعه حيث يشاء». ٢
٢. وروى حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن الإمام الكاظم عليهالسلام في حديث: «والأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال، وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية والآجام، وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود، وهو وارث من لا وارث له، يعول من لا حيلة له». ٣
٣. موثقة إسحاق بن عمّار المروية في تفسير القمي قال: سألت أبا عبدالله عليهالسلام عن الأنفال، فقال عليهالسلام: «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها، من مات وليس له مولى فماله من الأنفال». ٤
إلى غير ذلك من الروايات.
وعلى الرواية الأُولى يكون الفيء من أقسام الأنفال، ولم نجد في تفاسير أهل السنَّة من يوافق الشيعة الإمامية في تفسير الأنفال إلا شيئاً قليلاً، فقد عقد أبو
__________________
١. وعلى هذا يكون الفيء قسماً من الأنفال.
٢ و٣ و٤. وسائل الشيعة: ٦، الباب الأوّل من أبواب الأنفال، الحديث ١، ٤، ٢٠.
إسحاق الشيرازي باباً للأنفال وفسرها بقوله: يجوز لأمير الجيش أن ينفل لمن فعل فعلاً يفضي إلى الظفر بالعدو، كالتجسيس، والدلالة على طريق أو قلعة، أو التقدم بالدخول إلى دار الحرب أو الرجوع إليها بعد خروج الجيش منها. ١
__________________
١. المهذَّب في فقه الإمام الشافعي : ٢ / ٢٤٣.
من حقوق أهل البيت عليهمالسلام
٥
دفع الخمس إليهم
٥
دفع الخمس إليهم
الأصل في ضريبة الخمس، قوله سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ...). ١
نزلت الآية يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان وهي غزوة بدر الكبرى، واختلف المفسرون في تفسير الموصول في «ما غنمتم» هل هو عام لكلّ ما يفوز به الإنسان في حياته، كما عليه الشيعة الإمامية، أو خاص بما يظفر به في الحرب، وهذا بحث مهم لا نحوم حوله، لأنّه خارج عّما نحن بصدده، وقد أشبعنا الكلام فيه في كتابنا «الاعتصام بالكتاب والسنة» وأثبتنا بفضل القرآن والأحاديث النبوية انّ الخمس يتعلَّق بكلّ ما يفوز به الإنسان في حياته، وانّ نزول الآية في مورد الغنائم الحربية لا يُخصص الحكم الكلي. ٢
__________________
١. الأنفال : ٤١.
٢. الاعتصام بالكتاب والسنَّة : ٩١ ـ ١٠٥.
٢٨١
إنّما الكلام في تبيين مواضع الخمس، وقد قسّم الخمس في الآية إلى ستة أسهم، أعني: لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
فالسهمان الأوَّلان واضحان، إنّما الكلام في السهم الثالث وما بعده، فالمراد من ذي القربى هم أقرباء النبي وذلك بقرينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم، وقد سبق منّا القول في تفسير آية المودة: انّ تبيين المراد من القربى رهن القرائن الحافَّة بالآية فربما يراد منها أقرباء الناس، مثل قوله: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى). ١ المراد أقرباء المخاطبين، بقرينة قوله: (قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) نظير قوله: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى) والمراد أقرباء الميت.
وعلى ضوء ذلك فإذا تقدَّم عليه لفظ «الرسول» يكون المراد منه أقرباء الرسول كما في الآية (لِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)، ومثله قوله: (مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). ٢ وقوله: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ). ٣ فالمراد من ذي القربى هم أقرباء الرسول بقرينة توجَّه الخطاب إليه أعني «فآت».
ومنه يعلم المراد من المساكين في الآيتين وآية الخمس، أي مساكين ذي القربى وأيتامهم وأبناء سبيلهم.
هذا هو المفهوم من الآية، وعلى ما ذكرنا فكلّ ما يفوز به الإنسان في مكسبه ومغنمه أو ما يفوز به في محاربة المشركين والكافرين، يُقسّم خمسه بين ستة سهام كما عرفت.
__________________
١. الأنعام : ١٥٢.
٢. الحشر : ٧.
٣. الروم : ٣٨.
٢٨٢
ويؤيده الروايات التالية:
١. روي عن ابن عباس: كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقسّم الخمس على ستة: لله وللرسول سهمان وسهم لأقاربه، حتى قبض. ١
٢. وروي عن أبي العالية الرياحي: كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله للكعبة وهو سهم الله، ثم يقسَّم ما بقي، على خمسة أسهم: فيكون سهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. قال: والذي جعله للكعبة فهو سهم الله. ٢
وأمّا تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربى ومن جاء بعدهم من اليتامى والمساكين وابن السبيل، فلأجل الروايات الدالة على أنّه لا تحل لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس.
أخرج الطبري عن مجاهد، انه قال: كان آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم الخمس. ٣
وأخرج أيضاً عنه: قد علم الله أنّ في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة ٤.
كما تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام أنّ السهام الأربعة من الخمس، لآل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. ٥
__________________
١. تفسير النيسابوري : ١٠ / ٤ ، المطبوع بهامش الطبري.
٢. تفسير الطبري : ١٠ / ٤ ؛ أحكام القرآن : ٣ / ٦٠.
٣. الظاهر زيادة لفظ «خمس» بقرينة ما نقله ثانياً عن مجاهد.
٤. تفسيرالطبري : ١٠ / ٥.
٥. الوسائل : ٦ / الباب ٢٩ من أبواب المستحقّين للزَّكاة.
٢٨٣
هذا ظاهر الآية ويا للأسف لعب الاجتهاد دوراً كبيراً في تحويل الخمس عن أصحابه وظهرت أقوال لا توافق النص القرآني، وإليك مجملاً من آرائهم:
١. قالت الشافعية والحنابلة: تقسّم الغنيمة، وهي الخمس إلى خمسة أسهم: واحد منها سهم الرسول ويصرف على مصالح المسلمين، وواحد يعطى لذوي القربى وهم من انتسب إلى هاشم بالابوة من غير فرق بين الأغنياء والفقراء، والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا من بني هاشم أو من غيرهم.
٢. وقالت الحنفية: إنّ سهم الرسول سقط بموته، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.
٣. وقالت المالكية: يرجع أمر الخمس إلى الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة.
٤. وقالت الإمامية: إنّ سهم الله وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوِّض أمرها إلى الإمام أو نائبه، يضعها في مصالح المسلمين، والأسهم الثلاثة الباقية تعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يشاركهم فيها غيرهم. ١
٥. وقال ابن قدامة في المغني بعدما روى أنّ أبا بكر وعمر قسَّما الخمس على ثلاثة أسهم: وهو قول أصحاب الرأي أبي حنيفة وجماعته، قالوا: يقسم الخمس على ثلاثة: اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول الله بموته وسهم قرابته أيضاً.
٦. وقال مالك: الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال.
٧. وقال الثوري: والخمس يضعه الإمام حيث أراه الله عزّوجلّ.
__________________
١. الفقه على المذاهب الخمسة: ١٨٨.
٢٨٤
وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية فإنّ الله تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقاً، كما سمّى الثلاثة أصناف الباقية، فمن خالف ذلك فقد خالف نصّ الكتاب، وأمّا جعل أبي بكر وعمر سهم ذي القربى، في سبيل الله، فقد ذُكر لأحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه، ورأى أنّ قول ابن عباس ومن وافقه أولى، لموافقته كتاب الله وسنة رسوله. ١
وقد أجمع أهل القبلة كافة على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه، وأنّه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه الله إليه، واختار الله له الرفيق الأعلى.
فلمّا ولى أبوبكر تأوّل الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم، ومنع بني هاشم من الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم.
قال الزمخشري عن ابن عباس: الخمس على ستة أسهم: لله ولرسوله سهمان، وسهم لأقاربه، حتى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة، وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء، قال: وروي أنّ أبابكر منع بني هاشم الخمس. ٢
وروي البخاري في صحيحه عن عائشة أنَّ فاطمة عليهاالسلام أرسلت إلى أبي بكر، تسأله ميراثها من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ستة أشهر،
__________________
١. الشرح الكبير على هامش المغني : ١٠ / ٤٩٣ ـ ٤٩٤.
٢. الكشاف : ٢ / ١٢٦.
٢٨٥
فلمّا توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها. ١
وفي صحيح مسلم عن بريد بن هرمز، قال: كتب نجدة بن عامر (الحروري الخارجي) إلى ابن عباس، قال ابن هرمز: فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه، وقال ابن عباس: والله لولا أن أرد عن نَتْن يقع فيه، ما كتبت إليه ولا نُعْمةَ عينٍ، قال: فكتب إليه إنّك سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكرهم الله من هم؟ وإنّا كنّا نرى أنّ قرابة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هم نحن فأبى ذلك علينا قومنا. ٢
__________________
١. صحيح البخاري: ٥ / ١٣٩، باب غزوة خيبر.
٢. صحيح مسلم: ٢ / ١٠٥، كتاب الجهاد و ١٦٧ السير، باب النساء الغازيات.
٢٨٦
من حقوق أهل البيت عليهمالسلام
٦
الفيء لأهل البيت عليهمالسلام
٦
الفيء لأهل البيت عليهمالسلام
الفيء عبارة عن الغنائم التي يحصل عليها المسلمون بلا خيل ولا ركاب، فإنّ هذه الأموال تقع تحت تصرّف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم باعتباره رئيساً للدولة الإسلامية، وكان الفيء في حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أمراً هاماً في تنمية الثروة في المجتمع الإسلامي ولا سيَّما انتقال الثروة من يد الأغنياء إلى يد الفقراء.
والأساس فيه قوله سبحانه: (وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). ١
(مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). ٢
بيَّن سبحانه أحكام الفيء، وقال: (وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ)
__________________
١. الحشر : ٦.
٢. الحشر : ٧.
٢٨٧
الضمير يرجع إلى اليهود، ولكن الحكم سار على جميع الكفّار.
(فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ) أي الفيء عبارة عن الأموال التي استوليتم عليها بلا إيجاف خيل ولا إبل ولم تسيروا إليها على خيل ولا إبل.
هذا هو الفيء، وأمّا المواضع التي يصرف بها هذا الفيء فقد بيَّنها سبحانه في الآية الثانية، وقال: (مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى)، أي ما ردَّ ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله إيّاهم ذلك، (فَلِلَّهِ) و(لِلرَّسُولِ) و(لِذِي الْقُرْبَى) ، فهو لله بالذات وللرسول ولذي القربى بتمليك الله إيّاهم.
والمراد من ذي القربى بقرينة الرسول أهل بيت رسول الله وقرابته، وهم بنو هاشم.
(وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) أي منهم، بقرينة الرسول، فيكون المعنى ويتامى أهل بيته ومساكينهم وأهل السبيل منهم.
وعلى ذلك فالفيء يقسّم على ستة أسهم:
١. سهم لله المالك لكلّ شيء غير محتاج لشيء، جعل نفسه قريناً لسائر الاسماء تكريماً لهم.
٢. سهم الرسول وهو يؤمّن بذلك حاجاته وحاجة الدولة الإسلامية.
٣. سهم ذوي القربى أي أقرباء الرسول، فبما أنّ الصدقة تحرم عليهم حلّ ذلك محلّه.
٤. سهم اليتامى.
٥. سهم المساكين.
٦. سهم أبناء السبيل.
٢٨٨
وبكلمة جامعة:
«الغنيمة» ـ كلّ ما أُخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله إلى دار الإسلام، ومالا يمكن نقله إلى دار الإسلام ـ لجميع المسلمين ينظر فيه الإمام، ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين.
«الفيء» ـ كلّ ما أُخذ من الكفّار بغير قتال أو انجلاء أهلها ـ للنبي، يضعه في المذكورين في هذه الآية، ولمن قام مقامه من الأئمّة وقد بيّنه سبحانه في ضمن الآيتين. ١
__________________
١. التبيان : ٩ / ٥٦٤.
٢٨٩
من حقوق اهل البيت عليهمالسلام
٧
الأنفال لأهل البيت عليهمالسلام
من حقوق اهل البيت عليهمالسلام
٧
الأنفال لأهل البيت عليهمالسلام
وردت لفظة «الأنفال» في القرآن مرتين في آية واحدة، قال سبحانه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). ١
أقول: إنَّ الضرائب الواردة في القرآن الكريم لا تتجاوز الأربع:
أ: الزكاة ومقسمها ثمانية.
ب: الخمس ومقسمه هو الستة.
ج: الفيء ومقسمه مقسم الخمس كما عرفت.
د: الأنفال ومقسمها اثنان، وهما ما ذكر في الآية من قوله: (للهِ وَالرَّسُولِ)، لكن الكلام في بيان المراد من الأنفال.
اختلف المفسّرون في تفسير الأنفال اختلافاً كثيراً، والذي يمكن أن يقال انّ الأنفال من النفل وهو الزائد من الأموال، فيشمل كلّ زائد عن حاجات
__________________
١. الأنفال : ١.
٢٩٠
الحياة، ولكن السنَّة المروية عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام فسرته بالنحو التالي:
١. روى حفص البختري عن الإمام الصادق عليهالسلام قال: «الأنفال مالم يوجف عليه بخيل أو ركاب ١ أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول الله، وهو للإمام بعده يضعه حيث يشاء». ٢
٢. وروى حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن الإمام الكاظم عليهالسلام في حديث: «والأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال، وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية والآجام، وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود، وهو وارث من لا وارث له، يعول من لا حيلة له». ٣
٣. موثقة إسحاق بن عمّار المروية في تفسير القمي قال: سألت أبا عبدالله عليهالسلام عن الأنفال، فقال عليهالسلام: «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها، من مات وليس له مولى فماله من الأنفال». ٤
إلى غير ذلك من الروايات.
وعلى الرواية الأُولى يكون الفيء من أقسام الأنفال، ولم نجد في تفاسير أهل السنَّة من يوافق الشيعة الإمامية في تفسير الأنفال إلا شيئاً قليلاً، فقد عقد أبو
__________________
١. وعلى هذا يكون الفيء قسماً من الأنفال.
٢ و٣ و٤. وسائل الشيعة: ٦، الباب الأوّل من أبواب الأنفال، الحديث ١، ٤، ٢٠.
٢٩١
إسحاق الشيرازي باباً للأنفال وفسرها بقوله: يجوز لأمير الجيش أن ينفل لمن فعل فعلاً يفضي إلى الظفر بالعدو، كالتجسيس، والدلالة على طريق أو قلعة، أو التقدم بالدخول إلى دار الحرب أو الرجوع إليها بعد خروج الجيش منها. ١
__________________
١. المهذَّب في فقه الإمام الشافعي : ٢ / ٢٤٣.
تعليق