الرد على نزول آية (وسيجنبها الاتقى) في ابي بكر للشهيد التستري
الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة
تأليف السيد السند السيد القاضي نور الله التستري
الشهيد في سنه 1019 ه
ص302 - 307
الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة
تأليف السيد السند السيد القاضي نور الله التستري
الشهيد في سنه 1019 ه
ص302 - 307
97 - قال: الفصل الثاني في ذكر فضائل أبي بكر الواردة فيه وحده وفيها آيات واحاديث.
أمّا الايات، فالاولى:
قوله تعالى: سيجنبها الاتقى الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لاحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى، ولسوف يرضى.
قال ابن الجوزي: اجمعوا على انها نزلت في أبي بكر ففيها التصريح بانه اتقى من سائر الامة والاتقى هو الاكرم عند الله لقوله تعالى "ان اكرمكم عند الله اتقاكم" والاكرم عند الله هو الافضل فنتج انه افضل من بقية الامة ولا يمكن حملها على علي خلافا لما افتراه بعض الجهلة؛ لأن قوله تعالى: وما لاحد عنده من نعمة تجزى يصرفه عن حمله على علي؛ لأن النبي رباه فله عليه نعمة، أي نعمة تجزى، فإذا خرج علي تعيّن أبي بكر للاجماع على ان ذلك الاتقى هو احدهما.
واخرج ابن حاتم والطبراني ان أبا بكر اعتق سبعة كلهم يعذب في الله فانزل الله قوله: وسيجنبها الاتقى الذي، . الى آخر السورة انتهى.
اقول: فيه نظر من وجوه:
اما اولا:
فلأنّا لا نسلّم صحة الرواية في شان ابي بكر فضلا عن الاجماع عليه، والسند ما ذكره بعضهم انها نزلت في حق أبي الدحداح، وقد روى هذا أبو الحسن علي بن احمد الواحدي في تفسيره الموسوم باسباب النزول باسناده المرفوع الى عكرمة وابن عباس:
ان رجلا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير وصاحب النخلة يصعد لياخذ منها التمر فربما سقطت تمرة فيأخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى ياخذ التمر من ايديهم فإن وجدها في في احدهم ادخل اصبعه في فيه فشكا الفقير الى النبي صلى الله عليه وآله مما يلقى من صاحب النخلة فقال النبي صلى الله عليه وآله اذهب، ولقى النبي (ص) صاحب النخلة وقال:
اعطني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة، فقال الرجل للنبي (ص): ان لي نخلا كثيرا وما فيها نخلة اعجب الى تمرة فكيف اعطيك؟
ثم ذهب الرجل في شغله، فقال رجل كان يسمع كلام النبي صلى الله عليه وآله: اتعطينى ما اعطيت اعني النخلة التي في الجنة ان انا اخذتها فقال النبي (ص): نعم، فذهب الرجل ولقى صاحب النخلة فساومها منه فقال: تعرف ان محمدا اعطاني نخلة في الجنة فقلت له يعجبني تمرها وان لي نخلا كثيرا وما فيه كله نخلة اعجب الى تمرا منها؟
فقال الرجل لصاحب النخلة اتريد بيعها؟
قال: لا، الا ان اعطى ما لا اظنه اعطى، قال: فما مناك؟ اربعون نخلة، فقال الرجل لصاحب النخلة: لقد جئت بعظيم؟ تطلب بنخلتك المائلة اربعين نخلة؟ ثم قال الرجل: انا اعطيك اربعين نخلة، فقال صاحب النخلة: اشهد لي ان كنت صادقا، فمر الرجل على اناس ودعاهم واشهد لصاحب النخلة، ثم ذهب الى النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا رسول الله (ص) ان النخله صارت في ملكي فهي لك، فذهب رسول الله صلى الله عليه وآله الى الفقير وقال له: النخلة لك ولعيالك، فانزل الله تعالى "والليل إذا يغشى" السورة.
وعن عطاء انه قال: اسم الرجل أبو الدحداح فاما من اعطى واتقى هو أبو الدحداح وأما من بخل واستغنى صاحب النخلة وهو سمرة حبيب وقوله "لا يصليها إلا الاشقى، الذي كذب وتولى" المراد به صاحب النخلة وقوله "سيجنبها الاتقى" هو أبو الدحداح .
ولا يخفى ان مع وجود هذه الرواية ادعاء نزوله في أبي بكر ثم حصر نزوله فيه يكون باطلا مع ما لا يخفى من شدة ارتباط هذه الرواية لمتن الآيه بخلاف ما روى انه نزل في شان أبي بكر حين اشترى جماعة يوذيهم المشركون فاعتقهم في الله تعالى إذ لا يقال لمن يوذى عبده انه بخيل ولا انه كذب وتولى، فتدبّر.
وأما ثانيا:
فلانه يرد على استدلالهم بهذه الاية ما اورده كثير منهم كصاحب المواقف وغيره على استدلالنا بحديث الطير حيث قالوا :
انه لا يدل على ان عليا عليه السلام احب الخلق مطلقا بل يمكن ان يكون احب الخلق بالنظر الى شئ إذ يصح الاستفسار بان يقال احب خلقك في كل شئ أو في بعض الاشياء على غيره الزيادة لا في كل شئ بل جاز ان يكون غيره ازيد ثوابا منه في شئ آخر.
وذلك ان للمعارض ان يقول: ان هذه الاية لا تدل على ان أبا بكر اتقى الخلق مطلقا لجواز الترديد والاستفسار بانه اتقى الكل أو البعض ومن كل وجه أو من بعض الوجوه كما ذكرتم في حديث الطير حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.
وأما ثالثا:
فلأنّا لا نسلم ان معنى قوله تعالى "ان اكرمكم عند الله اتقيكم" ما فهمه بل المراد به كما صرحه به بعض المفسرين "ان اكرمكم عند الله اعملكم بالتقية".
واما رابعا:
فلأنّه ان اريد بالاتقى من كان اتقى من جميع المؤمنين عند نزول الآية فينحصر في النبي صلى الله عليه وآله وان ارتكب التخصيص، وان اريد به كان اتقى من بعض المؤمنين فلا يلزم منه افضلية أبي بكر واكرميته مطلقا فضلا عن علي عليه السلام لوجهين:
الاول: انا لا نسلم حينئذ ان عليا عليه السلام داخل في ذلك البعض حتى يكون أبو بكر منه.
الثاني: ان الاكرم عند الله هو الذي يكون اتقى جميع المؤمنين كما قال الله تعالى ان اكرمكم عند الله اتقيكم لا الاتقى من بعض المؤمنين وبالجملة إذا تطرق التخصيص في الاتقى سقط الاستدلال بظاهر المقال.
وأما خامسا:
فلانا لا نسلم رواية الشيعة ذلك في شأن علي عليه السلام بل إنما ذكروا ذلك على سبيل الاحتمال في مقام البحث والجدال ولهذا لا يوجد في تفاسيرهم المتداولة عن هذه الرواية عين ولا اثر وانما احتملوا ذلك لمناسبة قوله تعالى "ويؤتون الزكوة وهم راكعون" في حق علي عليه السلام اتفاقا لقوله تعالى ههنا "الاتقى الذي يؤتي ماله يتزكى" ومناسبة ما ورد في حقه عليه السلام ايضا من قوله "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا" لقوله "وما لأحد عنده من نعمة تجزى الا ابتغاء وجه ربه الاعلى"
وأما سادسا:
فلأنّه ان كان المراد بقوله تعالى "وما لأحد عنده من نعمة تجزى" ان لا يكون عنده نعمة يكافئ عليها اعم من يكون ذلك الاحد من الذين آتاهم شيئا ام لا فلا نسلم ان أبا بكر كان بهذه المثابة؛ إذ الظاهر انه لا يوجد شخص لا يكون لاحد في حقه حق نعمة من طعام أو شراب ونحوهما مع ان النبي صلى الله عليه وآله لم يسلم من ذلك لكونه في حجر تربية عمه ابي طالب رضي الله عنه ومع ان النبي (ص) كان يحرض اصحابه على التحبب والاتحاد واكل بعضهم من بيوت بعض. والقول بان مثل ذلك ليس نعمة تجزى مكابرة ظاهرة وغاية الامر ان يكون جزاءه اقل، وان كان المراد به ان لا يكون عنده لاحد من الذين آتاهم النعمة نعمة تجزى - كما هو الظاهر ويدل عليه سياق الاية - أي لم يفعل الاتقى ما يفعل من ايتاء المال وانفاقه في سبيل الله إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى فلا نسلم انه لا يجوز ان يكون المراد به عليا عليه السلام خصوصا مع قيام القرائن والمناسبات التي مر ذكرها.
واما سابعا:
فلأن استدلاله على صرف حمله عن علي عليه السلام بقوله "ان النبي صلى الله عليه وآله رباه، . الى آخره" مدخول بانه مر منا انه ليس المقصود في الاية نفي مجرد نعمة النبي (ص) عن ذلك الاتقى بل نفي نعمة كل واحد من آحاد الناس وكما ان عليا عليه السلام كان في حجر تربية النبي (ص) كان أبو بكر في حجر تربية أبيه وامه والفرق بين التربيتين تهكم صرف لا يقول به إلا بليد، أو مكابر عنيد.
وأما ثامنا:
فلأنّ اقل الامر ان عند ابي بكر نعمة هداية النبي (ص) فكيف ينفى عنه نعمة الكل حتى النبي صلى الله عليه واله وما توهمه رئيس المشككين فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير من ان نعمة الهداية لا تجزى مستدلا عليه بقوله تعالى "قل لا اسئلكم عليه اجرا" معارض بل مخصص بقوله تعالى ايضا "قل لا اسئلكم عليه اجرا إلا المودة في القربى" ويدل على ان المراد من الاجر المنفي في هذه مثل الاية هو المال لا مطلق الاجر قوله تعالى في سورة هود حكاية عن نوح عليه السلام "ويا قوم لا اسئلكم عليه مالا ان اجرى الا على الله، . الاية" والضمير في عليه راجع الى ما سبق من قوله "اني لكم نذير مبين".
وأما تاسعا:
فلأنّ قوله آخرا "للاجماع على ان ذلك الاتقى هو احدهما لا غير" يناقض ظاهر قوله اولا "اجمعوا على انها نزلت في أبي بكر" لأن الاجماع على الواحد المعين غير الاجماع على المردد بين الاثنين كما لا يخفى ولنعم ما قيل "الكذوب لا حافظة له" فاحفظ هذا.
المصدر
تعليق