إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مواصفات العالم الرباني -بحث قيم لسماحة اية الله السيدعبدالله المحرقي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مواصفات العالم الرباني -بحث قيم لسماحة اية الله السيدعبدالله المحرقي

    بسم الله الرحمن الرحيم والحمد الله رب العالمين وصل اللهم على المصطفى الامين محمد وعلى اله الاطياب الاخيار
    مواصفات رجل الدين العالم عبارة فصلين من كتاب فضل العلم والعالم لسماحة اية الله السيد عبدالله المحرقي اقتبستهما لتعميم الفائدة
    كتاب فضل العلم والعالم طبع سنة 1990 الموافق 1410

    الصفات الفاضلة للعالم
    لقد تحدثنا لقارئنا الكريم فيما تقدم بإسهاب وتفصيل عن فضل العالم وشرفه واستشهدنا على ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والمعصومية والمقالات المتفرقة المشتملة على النوادر العجيبة والحكايات المفيدة والفكاهيات اللطيفة والأدبيات الجميلة التي تدل على عظمة العالم وفضله وهنا نشير إلى أمر مهم جدا وهو أن العالم المعني بالفضل في الايات والاحاديث الشريفة الي تقدم ذكرها ليس هو كل عالم وانما هو العالم العامل بعلمه والمتصف بالاخلاق العالية والصفات الفاضلة والمزايا الرفيعة لان الشريعة الاسلامية قد ندبت جميع الناس الى التحلي بها والتخلي عن الصفات الرذيلة فينبغي ان يكون العالم اولى بذلك .
    ولكي تشمله الايات والاخبار المذكورة التي تعرضت الى فضل العالم وشرفه فعليه ان يزين نفسه بالصفات الفاضلة التالية :
    1- التواضع : قال مولانا الامام جعفر صادق ال محمد صل الله عليه واله " التواضع كل شرف نفيس ومرتبة رفيعة , ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب والتواضع ينبغي ان يكون من العالم لغيره و من غيره له الا ان العالم اولى بان يتصف بهذه الصفة الجليلة لانه داعية الى الله فعليه ان يتواضع لله , ومن تواضع لله رفعه الله على كثير من عباده عالما كان المتواضع ام غير عالم , ولاهل التواضع سيما , سئل بعضهم عن التواضع ؟ قال هو ان يخضع للحق وينقاد له ولو سمعه من صبي , والتواضع ممدوح على كل حال .
    قال الشاعر :
    تواضع اذا ما شئت في الناس رفعة فان رفيع الناس من يتواضع
    ولا تمشي فوق الارض إلا تواضعا فكم تحتها قوم هموا منك ارفع

    وقال شاعر اخر :
    تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
    ولا تك كالدخان يعلو بنفسه على صفحات الجو وهو وضيع

    روي عن مولانا الامام باب الحوائج موسى بن جعفر عليهما افضل الصلاة والتحية والسلام انه مر برجل من اهل السود دميم المنظر , فسلم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا , ثم عرض عليه نفسه للقيام بحاجة ان عرضت له , فقيل له : يا بن رسول الله اتنزل الى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو اليك احوج ؟ فقال عليه السلام : عبد من عبيد الله واخ في كتاب الله وجار في بلاد الله , يجمعنا واياه خير الاباء ادم , وافضل الاديان الاسلام .

    وعن رجل من اهل بلخ قال : كنت مع سيدي ومولاي الامام الرضا عليه افضل الصلاة والسلام في سفره الى خراسان فدعا يوما بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقلت جعلت فداك , لو عزلت لهؤلاء مائدة ... فقال عليه السلام : مه ان الرب تبارك وتعالى واحد , والام واحدة والاب واحد, والجزاء بالاعمال , فاذا كان ائمة اهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام يتواضعون للناس بهذه الكيفية فمن يا ترى اولى بالتواضع للناس بعدهم غير العلماء الذين هم ورثة علم الرسول صل الله عليه واله .

    ينبغي الا يبلغ التواضع بحيث يخرج عن الحد المعقول ويفضي الى التملق والتزلف هذا من جهة ومن جهة اخرى ينبغي ان يكون الدافع للتواضع هو الشرف والفضيلة واحترام الاخرين لا ضعف النفس والذلة . وبعبارة اوضح ان المتواضع هو الشخص الذي يطمئن الى شخصيته و لا يشعر في نفسه بحقارة او ذلة انما يقوم بواجبه بدافع من الشعور الانساني وعلو النفس .
    يقول مولانا الامام امير المؤمين عليه افضل الصلاة والتحية والسلام في بيان صفات الرجال المؤمنين : ( سهل الخليقة لين العريكة نفسه اصلب من الصلد وهو اذل من العبد ).

    2-الحلم :وينبغي للعالم ان يكون حليما , جاء في مصباح الشريعة لمولانا الامام جعفر بن محمد صادق ال محمد صل الله عليه واله : الحلم سراج الله يستضئ به صاحبه الى جواده , ولا يكون حليما الا المؤيد بانوار المعرفة والتوحيد , قال العالم الامام موسى بن جعفر عليهما افضل الصلاة والسلام : والحلم يدور على خمسة اوجه ان يكون عزيزا فيذل او ان يؤذى بلا جرم او ان يكون صادقا فيتهم او يدعو الى الحق فيستخف به او ان يطلب بالحق يخالفوه فيه فاذا أتيت كلا منهما حقه فقد اصبت فعلى العالم ان يقابل السفيه بالإعراض عنه اذا لم يقبل النصيحة حتى لا يلام لان من حارب السفيه فكأنه قد وضع الحطب على النار .
    ويقارن الحلم بالعلم لان الحلم اشرف الكمالات النفسية بعده بل لا ينتفع العالم من علمه اذا لم يكن حليما والشاهد على ذلك قول رسول الله صل الله عليه واله واقوال اهل بيته عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام في الحلم والرفق المقارنة للعلم نذكر منها ما يلي :
    1- اللهم اغنني بالعلم وزيني بالحلم .
    2-خمس من سنن المرسلين ....وعد منها الحلم .
    3-ابتغوا الرفعة عند الله قالوا : و ما هي يا رسول الله ؟ قال : تصل من قطعك و تعطي من حرمك وتحلم عمن جهل عليك .
    4-ان الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم.
    5-ان الله يحب الحبي الحليم ويبغض الفاحش البذي.
    6- ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشئ من عمله : تقوى تحجزه عن معاصي الله ,وحلم يكف به السفيه , وخلق يعيش به في الناس .
    7-اذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق , نادى مناد : اين اهل الفضل ؟
    فيقوم ناس - وهم يسيرون فينطلقون سراعا الى الجنة , فتتلقاهم الملائكة فيقولون : انا نراكم سراعا الى الجنة فيقولون : نحن اهل الفضل , فيقولون : ما كان فضلكم ؟ فيقولون : اذا ظلمنا صبرنا , واذا اسئ الينا عفونا , واذا جهل علينا حلمنا , قال لهم ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين .
    8-عن مولانا امام المتقين وقائد الغر المحجلين امير المؤمنين عليه افضل الصلاة والسلام قال : ليس الخير ان يكثر مالك وولدك , ولكن الخير ان يكثر عملك ويعظم حلمك .
    9-عن الامام صادق ال محمد عليه السلام قال : كفى بالحلم ناصرا , واذا لم تكن حليما تحلم.
    10- اذا وقعت بين رجلين منازعة نزل ملكان , فيقولون للسفيه منهما : قلت وانت اهل لما قلت , و ستجزى بما قلت , ويقولان للحليم منهما : صبرت وحلمت سيغفر لك إن أتممت ذلك , قال عليه السلام : فان رد الحليم عليه ارتفع الملكان .
    11- بعث مولانا الامام الصادق عليه السلام غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج على اثره فوجده نائما فجلس عند راسه يروحه حتى انتبه فقال له : يا فلان والله ما ذلك لك اتنام الليل والنهار لك الليل ولنا منك النهار .
    12-ينقل العلماء عن رواة الحديث عن رسول الله صل الله عليه واله واهل بيته عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام انهم رووا عن جدهم صل الله عليه واله انه قال في الرفق ( لو كان خلقا يرى ما كان فيما خلق الله شيئا احسن منه ).
    13-قال صل الله عليه واله : ( الرفق لم يوضع على شئ الا زانه ولا ينتزع من شئ الا شانه )
    14-قال صل الله عليه واله : ( لكل شئ قفل وقفل الايمان الرفق)
    15-قال صل الله عليه واله ( ان الله رفيق يحب الرفيق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)
    16-قال صل الله عليه واله ( ما اصطحب اثنان الا كان اعظمهما اجرا واحبهما الى الله تعالى ارفقهما بصاحبه )
    17-قال صل الله عليه واله الرفق يمن والخرق شؤم
    18-قال صل الله عليه واله من كان رفيقا في امره نال ما يريده من الناس
    19-قال صل الله عليه واله (اذا احب الله اهل بيت ادخل عليهم الرفق)
    20-قال صل الله عليه واله وسلم (من اعطي حظه من الرفق اعطي حظه في خير الدنيا والاخرة , ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الدنيا والاخرة )
    21-قال صل الله عليه واله (اذا احب الله عبدا اعطاه الرفق ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله )
    22-قال صل الله عليه واله (أتدرون من يحرم على النار؟ كل هين لين سهل قريب)
    23-قال مولانا باب الحوائج الامام موسى بن جعفر عليهما افضل الصلاة والتحية والسلام : الرفق نصف العيش
    24-وعنه ايضا قال عليه السلام لمن جرى بينه وبين القوم من كلام : ( ارفق بهم فان كفر احدهم في غضبه و لا خير فيمن كان كفره في غضبه ).
    و لا يخفى ان كل انسان ينبغي له ان يكون مطمئن النفس بحيث لا يحركه الغضب بسهوله و لا يزعجه المكروه بسرعة أما الانسان العالم فيلزمه علمه بالحلم حتما وإلا لا ينتفع بعلمه .
    وبالجملة ان هذه المجموعة من الاخبار تؤكد لنا بوضوح عظمة الرفق والحلم وتعرفنا بأنهما من الصفات الحميدة التي ينبغي لكل احد ان يتصف بهما وبالخصوص العالم فلا بد له من التحلي بالحلم لكي يقوى به شخصيته لان الحلم هو طمانينة النفس بحيث لا يحركها الغضب بسهولة و لا يزعجها المكروه والعالم بحاجة الى طمأنيية النفس حتى يتمكن من تعليم الناس وارشادهم وهدايتهم الى مسالك الجنان فهو بحاجة الحلم من هذه الجهة اكثر من غيره .
    ومن جهة اخرى ان الرفق والحلم من صفات الله عزوجل فاذا كان الله سبحانه وتعالى كما في الاخبار يحب ان يرى اثر صفاته في خلقه بأن يتصف بالحلم والرفق الانسان العادي فلا شك و لا ريب انه تعالى يحب ان اثر صفة الحلم في العالم لان العالم الذي يتميز بهذه الصفة بان يكون قادرا على ان يسيطر على نفسه وضبط جماحها وينتزعها عن الطيش والحمق هو العالم الذي في الواقع قابل لان يكون مربيا وعلى العكس الاحمق فهو عاجز حتى عن تربية نفسه .
    قال الحكيم الفرطوسي ناظما قول رسول الله صل الله عليه واله : امرني ربي بمداراة الناس كما امرني بأداء الفرائض .
    كل شئ يزان بالرفق والخرق مشين لسائر الاشياء
    تظهر الكسوة ويكتب بالاحسان للعبد سائر الاعداء
    وانا قد امرت للناس طرا بالمداراة من اله السماء
    مثلما قد امرت منه بتبليغ البرايا رسالة الانبياء
    زينة المرء بالمسكينة تبدو مع ايمانه بدون خباء
    فعلى العالم العارف ان يتحلى من هذه الصفة الفاضلة سيما اذا كان الحلم او العفو مع القدرة على انفاذ العقوبة اما اذا كان الحلم او العفو عن عجز او ضعف فهو ليس من الحلم في شئ و ربما يكون لؤم و جبن .

    كل حلم اتى بغير اقتدار حجة لاجئ اليها اللئام
    لان بعض النفوس الضعيفة لا يزيدها الحلم الا سفها وحمقا .

    فينبغي للعالم ان يعامل اصحاب النفوس الضعيفة المعاملة المناسبة لأحوالهم من الشدة والغلظة عليهم حتى لا يفجروا في خصومة و يكون الحلم وسيلة من وسائل تحريشهم واغرائهم بالغي والعدوان .
    قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها )
    وفي هذا يقول الشاعر العربي :
    لئن كنت محتاجا الى الحلم انني الى الجهل في بعض الاحايين احوج
    ولي فرس للخير بالخير ملجم ولي فرس للشر بالشر مسرج
    فمن شاء تقويمي فاني مقوم ومن شاء تعويجي فاني معوج
    وما كنت ارضى الجهل جدا ولا أبا ولكنني ارضى به حين احرج
    لئن قال بعض الناس فيه سماجة لقد صدقوا والذل بالحر اسمج

    3-الصبر : وينبغي للعالم ان يتحلى بهذه الصفة الحميدة لكي يتسنى له نشر تعاليم الاسلام الحنيف . قال تعالى ( ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون ) وقال تعالى : (و جعلناهم أئمة يهدون بامرنا لما صبروا )
    وفي الحديث القدسي الشريف : اوحي الله تعالى الى داود : تخلق بأخلاقي انا الصبور وجاء عن مولانا الامام جعفر بن محمد عليه افضل الصلاة والتحية والسلام
    انه قال : اذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبر يظلل عليه ويتنحى الصبر ناحية فاذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة و الزكاة والبر : دونكم صاحبكم فان عجزتم عنه فانا دونه.
    وجاء عنه ايضا انه عليه السلام قال : الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور والصفاء والجزع يظهر ما في بواطنهم من االظلمة والوحشة والصبر يدعيه كل احد وما يثبت عنده الا المخبتون والجزع ينكره كل احد وهو أبين على المنافقين لان نزول المحنة والمصيبة مخبر عن الصادق والكاذب وتفسير الصبر ما يستمر من مذاقه وما كان اضطراب لا يسمى صبرا وتفسير الجزع اضطراب القلب وتحزن الشخص وتغير اللون وتغير الحال وكل نازلة خلت اوائلها من الاخبات والانابة والتضرع الى الله فصاحبها جزوع غير صابر والصبر ما أوله مر وأخره حلو لقوم ولقوم مر أوله و أخره فمن دخله من أواخره فقد دخل ومن دخله من اوائله فقد خرج ومن عرف قدر الصبر لا يصبر عما منه الصبر .
    قال علماء الاخلاق : ينقسم الصبر الى بدني ونفسي فالبدني كتحمل المشاق بالبدن والثبات عليه وهو اما بالفعل كتعاطي الاعمال الشاقة من العبادات واما بالاحتمال كالصبر على الضرب الشديد والمرض العظيم والجراحات الهائلة .
    واما القسم الثاني المسمى بنفسي فهو الصبر على مشتهيات الهوى وهو ان كان عن شهوة البطن والفرج سمي عفة وان كان على احتمال مكروه فان كان في مصيبة اقتصر على اسم الصبر .
    وضده حال يسمى الجزع والهلع وهو اطلاق داعي الهوى ليسترسل في رفع الصوت وضرب الخدود وشق الجيوب وغيرها وان كان في احتمال التي سمي ضبط النفس ويضاد حالة تسمى البطر وان كان في الحرب سمي شجاعة ويضاده الجبن .
    وان كان في كظم الغيظ والغضب سمي حلما ويضاده التذمر والغضب . وان كان في نائبة من نوائب الزمان سمي سعة الصدر ويضاده الضجر والتبرم وضيق الصدر وان كان في اخفاء كلام سمي كتمانا وصاحبه مكتوما وضده الاذاعة وان كان في فضول العيش سمي زهدا ويضاده الحرص وان كان صبرا على قدر يسير من الحظوظ سمي قناعة ويضاده الشره فالصبر جامع لأكثر اخلاق الايمان وهو الرئيس الاعظم والامام الاقوم
    فلذلك لما سئل الرسول الاكرم صل الله عليه واله عن الايمان قال : الصبر
    قال الحكيم الفرطوسي :
    قال ان الايمان نصفان حقا عند تقيسمه بوزن سواء
    منه نصف بالشكر يبدو ويبدو منه نصف في الصبر عند البلاء
    كل حكم في مؤمن قد قضاه هو خير له بوقت القضاء
    سره ام اساءه فهو تكفير ذنوب او حبوة من عطاء

    4-الزهد : وينبغي للعالم ان يكون زاهدا حقا لانه رجل الاخرة والزهد مفتاح باب الاخرة . قال مولانا الامام صادق ال محمد عليه السلام
    الزهد مفتاح باب الاخرة والبراءة من النار وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله تعالى من غير تأسف على فوتها ولا اعجاب في تركها ولا انتظار خرج منها ولا تطلب محمدة عليها ولا غرض لها بل يرى فوتها راحة وكونها آفة ويكون ابد هاربا من الآفة معتصما بالراحة , الزاهد الذي يختار الاخرة والذل على العز والدنيا والجهد على الراحة والجوع على الشبع وعافية الاجل على المحنة العاجل والذكر على الغفلة وتكون نفسه في الدنيا وقلبه في الاخرة .

    وقال النبي المكرم صل الله عليه واله : من اصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه امره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا الا ما كتب له ومن اصبح وهمه الاخرة جمع الله له همه وحفظ عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة .

    وفي الحديث : اوحى الله تعالى الى الدنيا ان اخدمي من خدمني ونغصي وكدري عيش من خدمك
    قال الحكيم الفرطوسي :
    كل ممس منكم ومصبح اضحي اكبر الهم منه يوم البقاء
    ملأ الله بالغنى منه قلبا جامعا امره بخير التقاء
    وهو يمض مستكملا دون تعص كل رزق له بيوم الغناء
    واذا كان اكبر الهم دنياه غرور في صبحه ومساء
    جعل الفقر نصب عينه فيها بعد تشتيت امره كالهباء
    وهو يمضي عنها وما نال إلا ما له من مقدر وحباء

    وقال مولانا المقدس السيد عبدالله شبر رضوان الله تعالى عليه معرفا حقيقة الزهد : الزهد هو صرف الرغبة عن الدنيا وعدم ارادتها بقلبه الا بقدر ضرورة بدنه قال ومنه يعلم ان الزهد في الدنيا لا ينافي كثرة المال والخدم ونحوهما إلا اذا كان محبا لها بقلبه وراعيا فيها وتشغله عن ذكر الله تعالى .

    قال : والزهد في نفسه على ثلاث درجات :
    الاولى : وهي السفلى ان يزهد في الدنيا وهو لها مشتهي وقلبه إليها مائل ونفسه ملتفتة ولكنه يجاهدها ويكفها

    الثانية : ان يترك الدنيا طوعا لاستحقاره اياها الاضافة الى الاخرة المرغوب فيها كالذي يترك درهما لأجل درهمين فأنه لا يشق عليه ذلك وهو يظن بنفسه انه ترك شيئا له قدرا منه

    الثالثة : وهي العليا ان يزهد طوعا ويزهد في زهده فلا يرى زهده اذ لا يرى انه ترك شيئا حيث عرف ان الدنيا لا شئ فيكون كمن ترك نواة واخذ جوهرة فلا يرى ذلك معاوضة وهذا كمال الزهد .
    قال رضوان الله تعالى عليه : وينقسم اخرى بالاضافة الى المرغوب فيه الى ثلاث درجات :
    1-اسفلها ان يكون المرغوب فيه النجاة من النار وسائر الآلام كعذاب القبر ومناقشة الحساب وخطر الصراط وهذا زهد الخائفين .
    2-اوسطها ان يزهد رغبة في ثواب الله تعالى ونعيمه واللذات الموعودة في جنته وهذا زهد الراجين .
    3-اعلاها ان لا يكون له رغبة إلا في الله ولقائه فلا يلتفت قلبه الى الآلام ليقصد الخلاص منها ولا الى اللذات ليقصد نيلها والظفر بها بل هو مستغرق الهم وهو الذي اصبح وهمه هم واحد فهو لا يطلب غير الله لان من طلب من غير الله فقد عبده وكل مطلوب معبود وكل طالب عبد بالاضافة الى مطلوبه وهذا زهد المحبين والعارفين .
    وقال : ينقسم ايضا الى :

    1-فرض
    2-نفل
    3-سلامة
    اما الفرض : فهو الزهد في الحرام والنفل هو الزهد في الحلال واما السلامة فهو الزهد في الشبهات .

    قال الشاعر :
    والزهد اقسام ثلاثة ورد زهد عن الحرام واجب يعد
    والثاني زهد عن مباح حللا في الشرع لكن تركه قد فضلا
    مخافة الوقوع في الحرام وقد روي عن سيد الانام
    ثالثها زهد أولي العرفان سموا به لارفع المكان
    عن كل ما لا يختشى بأس به يخوف ان يشغله عن ربه
    قد لحظوا الدنيا بعين المعرفة وحققوا ما كان فيها من
    فعرفوها جيفة توسخت لكنها بالطيب قد تضمخت
    وكسيت بفاخر اللباس فاغتر بالظاهر بعض الناس
    والعاقلون العارفون عرفوا باطنها وعن هواها انصرفوا

    فعلى العالم ان يكون زاهدا في الدنيا زهد اولي العرفان الذي سموا به الى ارفع المكان بحيث أولا لا يفرح و لا يحزن على مفقود كما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلام في الاستنباط من قوله تعالى : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم )
    وثانيا :يستوي عنده مادحه وذامه
    وثالثا : ان يكون انسه بالله تعالى والغالب على قلبه حلاوة الطاعة


    5-التفكر : وينبغي للعالم ان يكون متفكرا قال الله تعالى : (الذين يتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا )

    وفي الحديث عن ابن عباس رضوان الله تعالى عليه قال التفكر في الخير يدعو الى العمل به والندم على الشر يدعو الى تركه
    وعن مولانا ابي محمد الحسن انه قال : ان اهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة .

    وقيل : ان التفكر في نعم الله من افضل العبادة ولو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوه لذا ينبغي للعالم ان يفتش صبيحة كل يوم جميع اعضائه السبعة تفصيلا ثم بدنه على الجملة هل هو في الحال ملابس لمعصية بها فيتركها او لابسها بالامس فيتداركها بالترك والندم او هو متعرض لها في نهاره فيستعد للاحتراز والتباعد منها فينظر اولا في اللسان ويقول : انه متعرض للغيبة والكذب وتزكية النفس والاستهزاء بالغير والمماراة والمازحة والخوض فيما لا يعني الى غير ذلك من المكاره فيقرر :
    اولا : في نفسه ان هذه الاحوال مكروهة عند الله تعالى .
    ثانيا :يتفكر في شواهد القران واخبار الرسول والتشديد في النهي عنها وما وعد فاعلها من العذاب
    ثالثا : يتفكر في احواله انه كيف يتعرض لها من حيث لا يشعر
    رابعا : يتفكر في انه كيف يحترز منها
    خامسا : يتفكر في سمعه انه يصغي الى الغيبة وسماع الكذب وفضول الكلام الى اللهو والبدعية وكيف ينبغي ان يحترز منهم .

    سادسا : يتفكر في بطنه انه إنما يعصي الله فيه بالاكل والشرب اما بكثرة الاكل من الحلال فان ذلك مكروه عند الله ومقوي للشهوة التي هي سلاح الشيطان عدو الله واما بأكل الحرام والشبهة فينظر من اين مطعمه وملبسه ومسكنه ويتفكر في طريق الحلال ومداخله ويقرر في نفسه ان البدن متى غذى بالحرام علا منه غشاوة فيقرر في نفسه ان الثواب متى كان حرام لم يتقبل فيه الصلاة وان اكل ولبس الحلال هو اساس العبادات جميعها فهكذا يتفكر في اعضائه جميعها ففي هذا القدر كفاية عن الاستقصاء فمهما حصل بالتفكير حقيقة المعرفة بهذه الاحوال اشتغل بالمراقبة طول النهار حتى يحفظ الاعضاء من جميع القبائح ثم ينظر في الطاعات كيف يؤديها وكيف يحرسها عن النقصان والتقصير وكيف يجبر نقصانها بكثر النوافل ثم يرجع الى كل عضو فيتفكر في الاحوال التي يتعلق بها مما يحبه الله تعالى فيقول مثلا ان العين خلقت للنظر في ملكوت السموات والارض عبرة ولتستعمل في طاعة الله تعالى ولتنظر في كتاب الله وسنة رسول الله صل الله عليه واله انا قادر على اشغل العين بمطالعة القران والسنة فلم لا افعله وانا قادر على ذلك وانا انظر الى فلان المطيع لله فانظر بعين التعظيم فادخل السرور على قلبه وكذلك يقول في سمعه اني قادر على استماع كلام ملهوف او استماع حكمة وعلم او استماع قراءة وذكر فما لي اعطله وقد انعم الله به علي واودعنيه لاشكره فما لي اكفر نعمة الله تعالى بتضييعه وتعطيله وكذلك يتفكر في اللسان ويقول اني قادر ان اتقرب الى الله تعالى بالتعليم والذكر والتودد الى قلوب اهل الصلاح وبالسؤال عن ااحوال الفقراء وادخال السرور على قلوبهم وكذلك يتفكر في ماله فيقول انا قادر على ان اتصدق بالمال الفلاني مستغن عنه ومهما تصدقت رزقني الله وان كنت محتاجا الان فإيثار الثواب اوجب مني ذلك المال
    سابعا : ان يتفكر في الاسباب المهلكات التي محلها القلب وهي البخل والكبر والعجب والرياء والحسد وسوء الظن والغفلة وغير ذلك ويتفقد من قلبه هذه الصفات فان ظن ان قلبه منزه عنها فيتفكر في كيفية امتحانه والاستشهاد بالعلامات عليه فان النفس ابدا تعد بالخير من نفسها وتخلف فاذا ادعت التواضع والبراءة من الكبر يجرب نفسه بحمل حاجته من السوق الى داره لقول النبي صل الله عليه واله من حمل حاجته فقد برئ من الكبر فأذا ادعت الحلم تعرض لغضب يناله من غيره ثم يجربها بكظم الغيظ وهكذا في سائر الصفات كما انه لو رأى في نفسه عجبا بالعمل فيتفكر ويقول انما عملي بيدي وجارحتي وبقدرتي وارادتي وانما هو من خلق الله وفضله فهو الذي خلقني وخلق جارحتي وخلق قدرتي وارادتي فكيف اعجب بعلمي وهذه الالات التي صح مني العمل بها من خلق الله فالفضل والمنة لله في جميع ذلك فاذا احس في نفسه بالكبر فيزري على نفسه ما فيه من الحماقة فيقول لها بم ترين نفسك الكبر والكبير من هو كبير عند الله ويبين لها ان اصله ومبدءه من نطفة قذرة ومنتهاه الى جيفة منتنة فاذا عرف ان الكبر مهلك واصله الحماقة يتفكر في علاج ذلك بان يتعاطى افعال المتواضعين واذا وجد في نفسه شهوة الطعام والميل الى الشهوات تفكر وقال لها ان هذه صفة البهائم ولو كان في شهوة الطعام والوقاع كمال لكان ذلك من صفات الملائكة المقربين ومهما كان الى الشره اقرب هو عليه اغلب كان بالبهائم اشبه وعن الملائكة المقربين ابعد ثم ينظر ويتفكر فيما فيه النجاة من الافعال فهو التوبة والندم على الذنوب والعزم على ترك العود والصبر على بلاء الله والشكر على نعمائه والخوف منه الرجاء له والزهد في الدنيا الاخلاص والصدق في الطاعات فليتفكر العالم في كل يوم في قلبه ما الذي يعوزه من هذه الصفات التي هي المقربة الى الله فاذا افتقر الى شئ منها فليعلم انها احوال لا يثمرها الا العلوم وان العلوم لا يثمرها إلا الافكار فاذا اراد ان يكتسب لنفسه حال التوبة والندم فليفتش ذنوبه أولا وليتفكر فيها وليجمعها على نفسه وليفطمها على قلبه ثم لينظر في الوعيد والتشديد الذي ورد في الشرع وليحقق في نفسه انه متعرض لمقت الله به حتى ينبعث له حال الندم .
    وإذا أراد ان يستبين له من قلبه حال الشكر فلينظر في احسان الله وأياديه عليه واذا اراد فلينظر اولا في ذنوبه الظاهرة ثم لينظر في الموت وسكراته ثم فيما بعده من مسائلة منكر ونكير وعذاب القبر ثم في هول النداء عند نفخة الصور ثم في هول المحشر عند جميع الخلائق على صعيد ثم في المناقشة في الحساب والمضائقة في النقير والقطمير ثم اهوال القيامة ثم يصور في نفسه جهنم ودركها ومقامعها واهوالها وانواع العذاب فيها وقبيح صورة الزبانية وانه كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب وانهم كلما ارادوا ان يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها واذا رأوها من مكان بعيد سمعوا لنا تغيظا وزفيرا .
    واذا اراد ان ينظر الى الرجاء فلينظر الى الجنة ونعيمها وما اعد الله تعالى فيها من الملك الدائم والنعيم والحور واللذات فهكذا طريق الفكر الذي يطلب به العلوم فعلى العالم بقراءته والتفكر فيه فانه جامع لجميع المقامات والاحوال وفيه شفاء للعالمين وفيه ما يورث الخوف والرجاء والصبر والشكر وسائر الصفات وفيه ما يزجر عن جميع الصفات المذمومة فينبغي ان يقرأه العالم ويردد الاية التي هو محتاج الى التفكر فيها مرة بعد اخرى ولو مائة مرة فقراءة اية بتفكر وفهم خير ن ختمة بغير تفكر وفهم وليتوقف في التأمل فيها ولو ليلة واحدة فان تحت كل كلمة منها اسرار لا تنحصر ولا يوقف عليها الا بدقيق الفكر عن صفاء القلب وكذلك مطالعة كلام رسول الله صل الله عليه واله فأنه قد أوتي جوامع الكلم وكل كلمة بحر من بحور كلامه واذا تأملها العالم حق التامل لم ينقطع فيها نظره طول العمر .
    6-الرحمة : وينبغي للعالم ان يكون رحيما من حيث ان الرحمة صفة كريمة وعاطفة انسانية نبيلة تبعث على بذل المعروف واغاثة الملهوف واعانة المحروم وكف العسف والظلم ومنع التعدي والبغي.
    وقد اراد الاسلام ان يطبع الناس بها حتى تمتلئ قلوبهم خيرا وبرا وتفيض على الدنيا رجاءا واملا ...
    فالله رب هذا الدين , هو الرحمن الرحيم وهو الذي وسع كل شئ رحمة وعلما وسبقت رحمته غضبه وجعل الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وانزل في الارض جزءا واحدا.
    فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية ان تصيبه وكتاب الله رحمة : (وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) وجنته رحمة : ( واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) ورسوله رحمة : ( و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين امنوا منكم ) ( محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ) . والراحمون هم الذين يرحمهم الله ....
    والذي يتجرد عن هذه الصفة فهو الشقي : ( من لا يرحم لا يرحم ) ...
    (لا تنزع الرحمة الا من شقي).
    فلابد للعالم من الاتصاف بالرحمة اقتداءا بالنبي صل الله عليه واله واهل بيته عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام .

    يتبع.....

  • #2
    7- الذكر : وينبغي للعالم ان يكون ذاكرا لله تعالى على الحقيقة , قال مولانا الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام : ( فمن كان ذاكرا فهو مطيع ومن كان غافلا فهو عاص)
    والطاعة علامة الهداية والمعصية علامة الضلالة واصلها من الذكر والغفلة فعلى العالم ان يجعل قلبه قبله للسانه لا يحركه الا بإشارة القلب وموافقة العقل ورضى الايمان فان الله تعالى عالم بسره وجهره وعليه ان يكون كالنازع روحه او كالواقف في العرض الاكبر غير شاغل نفسه عما عنده بما كلفه ربه في امره ونهيه ووعده ووعيده ولا يشغلها بدون ما كلفه به ربه وعليه ان يغسل قلبه بماء الحزن والخوف وان يجعل ذكر الله تعالى من اجل ذكره اياه فان ذكره اياه وهو تعالى غني عنه , اجل واشهى واثنى واتم من ذكره له واسبق . والحديث عام كما عن مصباح الشريعة عن مولانا الامام الصادق عليه السلام قال : ومعرفتك بذكره لك تورثك الخضوع والاستحياء والانكسار ويتولد من ذلك رؤية كرمه وفضله السابق .
    الى ان قال عليه السلام والذكر ذكران : ذكر خالص بموافقة القلب وذكر صادق لك بنفي غيره كما قال رسول الله صل الله عليه واله : انا لا احصي ثناء عليك كما اثنيت على نفسك فرسول الله صل الله عليه واله لم يجعل لذكر الله تعالى مقدرا عند علمه بحقيقة سابقة ذكر الله عزوجل قبل ذكره اسمه ومن دونه اولى فمن اراد ان يذكر الله تعالى فليعلم انه ما لم يذكر الله العبد بالتوفيق لذكره لا يقدر العبد على ذكره .

    8-الورع : وينبغي للعالم ان يكون ورعا . قال مولانا الامام صادق آل محمد صل الله عليه واله : أغلق ابواب جوارحك عما يقع ضرره الى قلبك ويذهب بوجاهتك عند الله تعالى ويعقب الحسرة والندامة يوم القيامة والحياء عما اجترحت من السيئات .
    والمتورع يحتاج الى ثلاثة اصول : الصفح عن عثرات الخلق اجمع , وترك خطيته فيهم واستواء المدح والذم , و أصل الورع محاسبة النفس وصدق المقالة وصفاء المعاملة والخروج من كل شبهة ورفض كل عيبة وريبة ومفارقة جميع ما لا يعنيه وترك ابواب لا يدري كيف يغلقها و لا يجالس من يشكل عليه الواضح و لا يصاحب مستخفا بالدين و لا يعارض من العلم ما لا يحتمل قلبه و لا يتفهمه من قائله ويقطعه عمن يقطعه عن الله عزوجل .
    وقال مولانا المقدس محمد مهدي النراقي رضوان الله تعالى عليه : الورع والتقوى عن الحرام اعظم المنجيات وعمدة ما ينال به الى السعادات ورفع الدرجات . ثم ساق اقوال الرسول صل الله عليه واله واقوال اهل البيت عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام المؤيدة لقوله واليكها فيما يلي :
    1-قال رسول الله صل الله عليه واله : خير دينكم الورع
    2-قال رسول الله صل الله عليه واله : من لقي الله سبحانه ورعا اعطاه الله ثواب الاسلام كله .
    3-قال مولانا الامام الاعظم محمد بن علي الباقر عليه الصلاة والسلام : ان اشد العبادة الورع
    4-وقال ايضا عليه التحية والسلام : ما شيعتنا الا من اتقى الله واطاعه فأتقوا الله واعملوا لما عند الله , ليس بين الله وبين احد قرابة .
    احب العباد الى الله تعالى واكرمهم عليه ابقاهم واعملهم بطاعته.
    5-وقال مولانا صادق آل محمد عليهم السلام : اوصيك -لمن كان بحضرته- بتقوى الله والورع والاجتهاد وأعلم انه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه .
    6-قال ايضا عليه السلام : اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع
    7-عنه عليه السلام : عليكم بالورع فانه لا ينال ما عند الله الا بالورع .
    8-وقال عليه السلام : ان الله ضمن لمن اتقاه ان يحول عما يكره الى ما يحب ويرزقه من حيث ما لا يحتسب .

    9- الشكر : وينبغي للعالم ان يكون شكورا . قال مولانا صادق آل محمد عليه التحية والسلام : ( في كل نفس من انفاسك شكر لازم لك بل الف او اكثر , وأدنى الشكر رؤية النعمة من الله تعالى من غير علة يتعلق القلب بها دون الله عزوجل والرضا بما اعطى وان لا تعصيه بنعمة وتخالفه بشئ من امره ونهيه بسبب نعمته فكن لله عبدا شاكرا على كل حال , تجد الله ربا كريما على كل حال , ولو كان عند الله تعالى عبادة تعبد بها عباده المخلصون افضل من الشكر على كل حال لاطلق لفظة فيهم من جميع الخلق بها فلما لم يكن افضل منها خصها من بين العبادات وخص اربابها فقال : ( وقليل من عبادي الشكور) وتمام الشكر الاعتراف بلسان العز خالصا لله عزوجل بالعجز عن بلوغ ادنى شكره لان التوفيق في الشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها وهي اعظم قدرا واعز وجودا من النعمة التي من اجلها وفق له فيلزمك على كل شكر شكرا اعظم منه الى ما لا نهاية له مستغرقا في نعمه عاجزا عن درك غاية شكره فأنى لحق العبد شكر نعمة الله ومتى يلحق صنيعه بصنيعه والعبد ضعيف لا قوة له ابدا إلا بالله تعالى عزوجل والله تعالى غني عن طاعة العبد فهو تعالى قوي على مزيد النعم على الابد فكن لله عبد شاكرا على هذا الوجه ترى العجب ) .

    قال مولانا المقدس السيد عبدالله شبر رضوان الله تعالى عليه : ان الشكر من افضل الاعمال وهو ينتظم من علم وحال وعمل : فالعلم هو الاصل فيورث الحال والعمل والعلم هو معرفة النعمة من المنعم والحال هو الفرح الحاصل بإنعامه والعمل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه ويتعلق ذلك العمل بالقلب وبالجوارح وباللسان .

    وينبغي لمن اراد شكر الله تعالى ان يعلم بان النعم كلها من الله تعالى والوسائط مسخرون سخرهم لك برحمته والقى في قلوبهم من الاعتقاد والرأفة ما صاروا به مضطرين الى الايصال اليك وهو الشكر بالقلب .
    واما العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم فهو يتعلق بالقلب واللسان والجوارح : اما بالقلب فقصد الخير واضماره لكافة الخلق اما باللسان فبإظهار الشكر لله بالتحميدات الدالة عليه واما بالجوارح فاستعمال نعم الله في طاعته والتوقي من الاستعانه بها على معصيته حتى ان شكر العينين ان يستر كل عيب يراه بمسلم وشكر الاذنين ان يستر كل عيب يسمعه لمسلم فيدخل هذا وامثاله في جملة شكر نعمة هذه الاعضاء .

    قال رضوان الله تعالى عليه بل قال ارباب المعرفة : من كفر نعمة العين فقد كفر نعمة الشمس اذ الابصار انما يتم بهما وانما خلقنا ليبصر بهما ما ينفعه في دينه ودنياه ويتقي بهما ما يضره فيهما بل المراد من خلق الارض والسماء وخلق الدنيا بهما ما يضره فيهما بل المراد من خلق الارض والسماء وخلق الدنيا واسبابها ان يستعين الخلق بها على الوصول الى الله تعالى و لا وصول اليه الا بمحبته والانس به في الدنيا والتجافي عن غرورها و لا انس الا بدوام الذكر والفكر الا بالمعرفة الحاصلة بدوام الفكر و لا يمكن الدوام على الذكر والفكر الا ببقاء البدن و لا يبقى البدن الا بالارض والماء والهواء و لا يتم ذلك الا بخلق الارض و السماء وخلق سائر الاعضاء وكل ذلك لاجل البدن والبدن مطية النفس والراجع الى الله تعالى هي المطمئنة بطول العبادة والمعرفة فكل من استعمل شيئا في غير طاعة الله فقد كفر نعمة الله في جميع الاسباب التي لا بد منها قدامه على المعصية ولذا كان الشاكر الحقيقي قليلا .

    والشكر يقارن الذكر كما جاء في الكتاب العزيز في قوله تعالى ( اذكروني اذكركم واشكروا لي و لا تكفرون ) وجاء مدح الشكر في الايات التالية :
    1-قوله تعالى : ( ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وامنتم )
    2-قوله تعالى : ( لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد )
    3-قوله تعالى : ( وسنجزي الشاكرين)
    4-قوله تعالى : ( وقليل من عبادي الشكور)

    وجاء عن الرسول صل الله عليه واله واهل بيته عليهم السلام اقوال في مدح الشكر واليك بعضها فيما يلي :
    1-عن صادق آال محمد صل الله عليه واله قال رسول الله : الطاعم الشاكر له من الاجر كأجر الصائم المحتسب والمعافي الشاكر له من الاجر كأجر المحروم القانع .
    2-وعنه عليه السلام قال : قال رسول الله صل الله عليه واله : ما فتح الله على عبد باب شكر مخزن باب الزيادة
    3-وعنه عليه السلام قال : من اعطى الشكر اعطى الزيادة .
    4-وعنه عليه السلام قال ما انعم الله على عبد نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد.
    5-عن مولانا الامام الباقر عليه التحية والسلام قال : كان رسول الله صل الله عليه واله عند عائشة ليلتها فقالت : يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال يا عائشة الا اكون عبدا شكورا .
    6- وعنه قال عليه السلام كان رسول الله يقوم على اصابع رجليه فأنزل الله سبحانه ( طه ما انزلنا عليك القران لتشقى)
    7-سئل الصادق عليه السلام عن قوله تعالى ( واما بنعمة ربك فحدث) ؟ قال الذي انعم الله عليك بما فضلك واعطاك واحسن عليك .
    8-وعنه عليه السلام قال : شكر النعمة اجتناب المحارم وتمام الشكر قول الرجل الحمد لله رب العالمين .
    9-قال عليه السلام : شكر كل نعمة وان عظمت ان يحمد الله عزوجل .
    10-عن عمر بن يزيد قال قلت لابي عبدالله عليه السلام اني سألت الله عزوجل ان يرزقني مالا فرزقني واني سألت الله ان يرزقني ولدا فرزقني وسألته ان يرزقني درا فرزقني وقد خفت ان يكون ذلك استدراجا فقال اما والله مع الحمد فلا .
    فعلى العالم ان ينصب هذه الايات القرانية والاحاديث النبوية امام عينيه حتى لا تغيب عن باله لكي يكون مواظبا على الشكر والذكر .
    10-التقوى : فعلى العالم ان يكون متقيا قال مولانا صادق آال محمد عليه التحية والسلام التقوى على ثلاثة اوجه تقوى بالله وهو ترك الخلاف فضلا عن الشبهة وهو تقوى خاص الخاص وتقوى من الله تعالى وهو ترك الشبهات فضلا عن الحرام وهو تقوى الخاص وتقوى من خوف النار والعقاب وهو ترك الحرام وهو تقوى العام ومثل التقوى مثل ماء يجري في النهر ومثل هذه الصفات الثلاث في معنى التقوى كأشجار مغروسة على حافة ذلك النهر من كل لون وجنس وكل شجرة منها تمتص الماء من ذلك النهر على قدر جوهره وطعمه ولطافته وكثافته ثم منافع الخلق من تلك الاشجار والثمار على قدرها وقيمتها .
    قال الله تعالى : ( صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل ) .
    فالتقوى للطاعات كالماء للاشجار ومثل طبائع الاشجار والاثمار في لونها وطعمها مثل مقادير الايمان فمن كان اعلى درجة في الايمان واصفى جوهرة بالروح كان اتقى ومن كان التقى عبادته اخلص واطهر ومن كان كذلك كان من الله اقرب وكل عبادة مؤسسة على غير التقوى فهي هباءا منثورا .
    قال الله تعالى : ( افمن اسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير امن اسس بنيانه على شفا جرف هاو فانهار به في نار جهنم ) وتفسير التقوى ترك ما ليس بأخذه بأس حذرا مما به البأس وهو في الحقيقة طاعة بلا عصيان وذكر بلا نسيان وعلم بلا جهل مقبول غير مردود .
    والتقوى في اللغة قلة الكلام كما عن ابن الفارس وفي الحديث : ( التقي ملجم والمتقي فوق المؤمن والطائع ) قال الله تعالى ( واتقوا الله ما استطعتم ) .
    و الأفضل للعالم ان يكون متقيا تقوى خاص الخاص لأنه المعلم و المربي للمجتمع الإسلامي .

    11- الحكمة : وينبغي للعالم ان يكون حكيما قال مولانا الامام جعفر بن محمد صادق آال محمد صل الله عليه واله : الحكمة ضياء المعرفة وميزان التقوى وثمرة الصدق , ولو قلت ما انعم الله على عبد بنعمة اعظم واجزل وارفع و ابهى من الحكمة للقلب .
    قال الله تعالى : ( يوتي الحكمة من يشاء ومن يؤتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا وما يذكر الا اولوا الالباب )
    اي لا يعلم ما أودعت وهيأت في الحكمة إلا من استخلصته لنفسي وخصصته بها والحكمة هي نجاة وصفة الحكمة الثبات عند اوائل الامور والوقوف عند عواقبها .
    قال رسول الله صل الله عليه واله للامام امير المؤمنين وقائد الغر المحجلين علي بن ابي طالب عليه السلام : لان يهدي الله على يديك عبدا من عباده خير لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها الى مغاربها .
    وبالمناسبة : ان الحكمة صناعة نظرية يستفاد بها كيفية ما عليه الوجود في نفسه وما عليه الواجب من حيث اكتساب النظريات واقتناء الملكات لتستكمل النفس وتصير عالما معقولا مضاهيا للعالم الموجود فيستعد بذلك للسعادة القصوى وذلك بحسب الطاقة البشرية فهي تنقسم على قسمين :
    الاول : هو الحكمة النظرية ومثاله علمنا بان العالم محدث وان له صانعا قديما قادرا عالما وان السماء كرة وان النفس باقية .
    الثاني : هو الحكمة العلمية العلم بانه كيف يمكن اكتساب الملكات الفاضلة النفسانية وإزالة الملكات الرذيلة النفسانية وكيف يمكن ازالة المرض وتحصيل الصحة فكل واحد من هذين علم الا ان الاول علم لشئ لا تأثير لنا البتة فيه بل المقصود من معرفتة نفس تلك المعرفة فقط والثاني علم بشئ يكون المطلوب من تحصيل العلم به ادخاله في الوجود او منعه من الوجود والحكمة النظرية اشرف من الحكمة العملية لان كل ما يعلم ليعمل كان العلم فيه وسيلة والعمل مقصودا والوسيلة في كل شئ اخس من المقصود فالعلم بالاعمال يكون أدون منزلة من المعارف الالهية والجلايا القدسية وذلك يدل على ان الحكمة العملية أدون منزلة من النظرية وهو الحكمة النظرية ينبغي ان يكون اشرف مما يستكمل به القوة العملية وهو الحكمة العملية لانها الجنبة العالية من النفس وهذه هي الجنبة السافلة منها ولذلك تدوم الاولى بدوامها بخلاف الثانية فانها تزول عنها بالكلية والكلام الالهي ناطق بحصر الكمالات الانسانية
    في هاتين المرتبتين قال الله تعالى حكاية عن الخليل صلوات الله وسلامه عليه و على نبينا واله ( ربي هب لي حكما والحقني بالصالحين) المراد من الحكم تكميل القوة النظرية والمراد من قوله والحقني بالصالحين تكميل القوة العملية وقال الله تعالى خطابا لنبيه موسى على نبينا واله وعليه افضل الصلاة والتحية والسلام : ( فاستمع لما يوحى انني انا الله لا اله الا انا فأعبدني ) قوله تعالى لا اله الا انا اشارة الى كمال القوة النظرية وقوله تعالى فاعبدني اشارة الى كمال القوة العملية وقوله تعالى حكاية عن عيسى على نبينا واله وعليه افضل الصلاة والتحية والسلام قال ( اني عبدالله اتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا اينما كنت )
    كل ذلك اشارة الى كمال القوة النظرية ثم قال ( و اوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) وهو اشارة الى كمال القوة العملية وقال الله تعالى مع الحبيب محمد صل الله عليه واله ( فاعلم انه لا اله الا الله ) اشارة الى كمال القوة النظرية وقال تعالى ( فأستغفر لذنبك وللؤمنين ) اشارة الى كمال القوة العملية وقوله تعالى : ( امنوا وعملوا الصالحات ) اشارة الى كمال القوتين فقد ظهر بنور االوحي وبنور الحكمة ان كمال الانسان منحصر في العلم والعمل وبهما يحصل الاحاطة بالمعقولات والتجرد عن الجسمانيات .

    12-الفلسفة : وينبغي للعالم ان يكون بالاضافة الى ما علمه من اللغة والفقه والحديث والتفسير ان يكون عالما بالفلسفة الالهية . وبالمناسبة ايضا نقول ان العلم الفلسفي ينقسم الى اربعة اقسام :
    1-الرياضيات
    2-المنطقيات
    3-الطبيعيات
    4-الالهيات
    فاما الرياضيات فاربعة انواع : الاول علم الحساب والثاني علم الهندسة والاصل فيه النقطة وهي فيه كالواحد في علم الحساب والثالث علم النجوم والرابع علم الموسيقى وعمل تأليف الالحان
    واما المنطقيات فخمسة انواع الاول معرفة صناعة الشعر وانواع بديعه والثاني معرفة صناعة الخطابه والثالث صناعة الجدل والرابع صناعة البرهان والخامس صناعة المغالطين في المناظرة والجدل .
    اما الطبيعيات فسبعة انواع : الاول علم الجسمانيات الهيول والصورة والزمان والمكان والثاني علم السماء والارض وهي معرفة ماهية جواهر الافلاك والكواكب والفساد كما تقبل الاركان الاربعة التي دون فلك القمر ام لا وما علة حركات الكواكب واختلافها في السرعة و البطئ وما علة سكون الارض في وسط الفلك في المركز وهل خارج العالم جسم اخر ام لا وهل في الكون فضاء فارغ لا شئ فيه وما شاكل هذه المباحث والثالث علم الكون والفساد وهو علم جواهر الاركان التي هي النار والماء والهواء والارض والرابع علم حدوث الجواهر بتغيرات الهواء وتأثيرات الكواكب بحركتها ومطالع شعاعاتها على الاركان الاربعة وانفصالاتها بعضها ببعض بقدرة الله تعالى والخامس علم المعادن التي تنعقد البخارات المخيفة في بطن الارض والعصارات من البخارات المتحللة من الهواء والسادس علم النبات على اختلاف انواعه في هيئاته و اشكاله واختلاف صموغه وطعومه وروائحه وخواصه ومنافعه ومضاره والسابع علم الحيوان وهو معرفة كل جسم يتغذى ويحس ويعيش ويتحرك على اختلاف انواعه وما شاكل ذلك مما ينسب الى الطبيعيات كعلم الطب والبيطرة وسياسة الدواب والسباع والطيور والحرث والنسل وعلم داخل في الطبيعيات .

    اما الالهيات فخمسة انواع : اولها معرفة الباري سبحانه وتعالى بجميع صفاته وانه اول كل شئ والعالم بكل شئ وانه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير والثاني علم الروحانيات من الجواهر البسيطة العقلية وهي الصورة المجردة من الهيولي المستعملة للاجسام المطهرة ومعرفة ارتباط بعضها ببعض وهي افلاك روحانيات محيطات بأفلاك جسمانيات والثالث علم النفوس والارواح السارية في الاجسام الفلكية والطبيعية من لدن الفلك المحيط الى منتهى مركز الارض والرابع علم السياسة وهي خمسة انواع اولها السياسة النبوية , الثاني السياسة الملوكية , الثالث السياسة العامية الرابع السياسة الخاصية والخامسة السياسة الذاتية فاما السياسة النبوية فالله يختص بها من يشاء من عباده ويهدي لاتباعهم من يشاء فلا معقب لحكمه لا يسأل عن ما يفعل وهم يسألون واما السياسة الملوكية فهي حفظ الشريعة على الامة وااحياء السنة والامر بالمعووف والنهي عن المنكر واما السياسة العامية فهي الرياسات على الجماعات كرئاسة الامراء على البلدان وقيادة الجيوش وترتيب احوالهم على ما يجب وينبغي من حزم الامور واتقان التدبير واما السياسة الخاصية فهي معرفة كل انسان نفسه وتدبيره امر غلمانه واولاده وما يليه من اتباعه وقضاء حقوق الاخوان واما السياسة الذاتية فهي ان يتفقد الانسان افعاله واقواله واخلاقه وشهوته فيزمها بزمام عقله وغضبه فيردعه وما شاكل ذلك والخامس من علوم الالهيات علم المعاد وكيفية انبعاث الارواح وقيام الاجسام وحشرها للحساب يوم الدين ومعرفة جزاء المحسنين .
    اذا عرفت هذا فأفهم انه لا بد للعالم ان يكون عالما ولو بالقسم الاخير من العلم الفلسفي وهو علم الالهيات الخمسة المتنوعة التي اشرنا اليها ونذكرها مرة ثانية باختصار فيما يلي :
    1-علم معرفة الله
    2-علم الروحانيات
    3-علم النفوس والارواح
    4-علم السياسة
    5-علم المعاد














    يتبع ....

    تعليق


    • #3


      الصفات الذميمة ليست خلق العالم
      وينبغي للعالم ان يتخلى عن الصفات الذميمة التالية :
      1-الحسد : ينبغي للعالم ان لا يحسد اقرانه العلماء ويتذكر قول الله تعالى في كتابه العزيز ( ام يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله ) النساء اية 53 وقوله تعالى (ود كثير من اهل الكتاب لو يردوكم بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم ) وقوله تعالى ( ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها ) آال عمران آية 120 ويتذكر قول رسول الله صل الله عليه واله ( الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) .
      ويتذكر قول الله تعالى لموسى بن عمران : ( يا ابن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي و لا تمدن عينيك الى ذلك و لا تتبعه نفسك فان الحاسد ساخط لنعمي صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يك كذلك فلست منه وليس مني ) .
      ويتذكر ما قاله علماء الاخلاق في وصف الحسد انه اشد الامراض واصعبها واسوأ الرذائل واخبثها ويؤدي بصاحبه الى عقوبة الدنيا وعذاب الاخرة لانه في الدنيا لا يخلو لحظة عن الحزن والالم اذ هو يتألم بكل نعمة يرى لغيره ونعم الله تعالى غير متناهية لا تنقطع عن عباده فيدوم حزنه وتألمه فوبال الحسد يرجع الى نفسه و لا يضر المحسود بل يوجب ازدياد حسناته ورفع درجاته من حيث يعيبه ويقول فيه ما لا يجوز في الشريعة فيكون ظالما عليه فيحمل بعضا من أوزاره وعصيانه وتنقل صالحات اعماله الى ديوانه .
      ويتذكر قول مولانا صادق آل محمد صل الله عليه واله : ( الحاسد يضر بنفسه قبل ان يضر بالمحسود كابليس اورث بحسده لنفسه اللعنة ولادم على نبينا واله وعليه افضل الصلاة والتحية والسلام الاجتباء والهدى والرفع الى محل حقائق العهد والاصطفاء فكن محسودا و لا تكن حاسدا فان ميزان الحاسد ابدا خفيف بثقل ميزان المحسود و الرزق مقسوم فماذا ينفع الحسد الحاسد وماذا يضر المحسود والحسد اصله عمى القلب والجحود بفضل الله تعالى وهما جناحان للكفر وبالحسد وقع ابن ادم في حسرة الابد وهلك مهلكا لا ينجو منه ابدا و لا توبة للحاسد لانه مستمر عليه معتقد به مطبوع فيه يبدو بلا معارض مضر له و لا سبب والطبع لا يغير من الاصل وان عولج .

      وبالجملة يتذكر ايضا بنفسه انه معلم الاخلاق ومربي الناس فكيف يسوغ له ان يتصف بهذه الصفة الذميمة والحال انه ينهى غيره عنها بواسطة وعظه وارشاده :
      لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم
      و لا يخفى ايضا ان العالم يعلم ان بواعث الحسد سبعة :
      اولها : خبث النفس وشحهاا بالخير لعباد الله وثانيها : العداوة والبغضاء وثالثها حب الرئاسة وحب المال والجاه ورابعها : الخوف من المقاصد . وذلك يختص بمزاحمين على مقصود واحد فان كل واحد منهما يحسد صاحبه في وصوله هذا المقصود وخامسها التعزز وهو ان يثقل عليه ان يترفع عليه بعض اقرانه سادسها التكبر وهو ان يكون في طبعه الترفع على بعض الناس ..وسابعها التعجب وهو ان يكون المحسود في نظر الحاسد حقيرا. وهذه البواعث للحسد المذكورة لا شك انها لا توجد عند العالم العارف وليس لها في قلبه مكان بل بالعكس انه يلتذ ويبتهج بكثرة المشاركين في معرفة الله وحبه وانسه فالعالم العارف لا يكون حسودا لانه يطلب الاخيرة وانما يقع التحاسد بين علماء الدنيا وهم الذين يقصدون بعلمهم طلب المال والجاه.
      اذ المال اعيان واجسام اذا وقعت في واحد خلت عنها ايدي الاخرين والجاه ملك القلوب واذا امتلاء قلب شخص بتعظيم عالم انصرف عن تعظيم اخر او نقص عنه لا محالة فيكون ذلك سببا للتحاسد واذا امتلأ قلب عالم الاخرة من الابتهاج بمعرفة الله تعالى فانه يحب ان يمتلئ قلب غيره به واذا وصل الى رتبة عالية في العلوم احب للغير ان يشاركه فيها . ولهذا قال علماء الاخلاق : ان التحاسد لا يكون بين علماء الاخرة والعارفين .

      2-الاستبداد بالرأي : فينبغي للعالم ان لا يكون مستبدا برأيه ويتفطن في قول مولانا الامام الصادق عليه السلام (شاور في امورك مما يقتضي الدين من فيه خمس خصال : عقل وعلم ونصح وتجربة وتقوى وان لم تجد فاستعمل الخمسة واعزم وتوكل على الله تعالى فان ذلك يؤديك الى الصواب وما كان من امور الدنيا التي هي غير عائدة الى الدين فاقضها ولا تتفكر فيها فانك اذا فعلت ذلك اصبت بركة العيش وحلاوة الطاعة وفي المشاورة اكتساب العلم والعاقل من يستفيد منها علما جديد ويستدل به على المحصول من المراد ومثل المشورة مع اهلها مثل التفكر في خلق السماوات والارض وفنائهما وهما غيبان لانه كلما قوي تفكره فيهما غاص في بحار نور المعرفة وازداد بهما اعتبارا ويقينا ولا تشاور من لا يصدقه عقلك وان كان مشهورا بالعقل والورع واذا شاورت من يصدقه قلبك فلا تخالفه فيما يشير به عليك وان كان بخلاف مرادك فان النفس تجمع عن قبول الحق وخلافها عند قبول الحقائق ابين .
      قال الله تعالى : ( وشاورهم في الامر ) وقال تعالى : ( وامرهم شورى بينهم )

      3-التكلف: فينبغي للعالم ان لا يكون متكلفا حتى لا يتخلف عن الصواب وليتأمل فيما قاله مولانا الامام الصادق عليه الصلاة والتحية و السلام : (المتكلف متخلف عن الصواب وان اصاب والمتطوع مصيب وان اخطأ والمتكلف لا يستجلب في عاقبة امره الا الهوان وفي الوقت الا التعب والعناء والشقاء والمتكلف ظاهره رياء وباطنه نفاق وهما جناحان يطير بهما المتكلف وليس في الجملة من اخلاق الصالحين و لا من شعار المؤمنين التكلف في اي باب كان .
      قال تعالى لنبيه صل الله عليه واله : ( قل لا اسألكم عليه من اجر وما انا من المتكلفين )
      وقال صل الله عليه واله : نحن معاشر الانبياء والاتقياء والامناء براء من المتكلف فاتق الله واستقم نفسك عن التكلف فيطبعك بطباع الايمان و لا تشتغل بلباس اخره البلاء وطعام اخره الخلاء ودار اخره الخراب ومال اخره الميراث واخوان اخرهم الفراق وعز اخره الذل ووفاء اخره الجفاء وعيش اخره الحسرة .
      فينبغي للعالم الروحاني ان يضع هذا الحديث وغيره من الاحاديث الناهية عن التكلف امام عينيه حتى لا ينحرف عن الجادة المستقيمة .

      4-العزلة : ينبغي للعالم ان لا يكون معتزلا عن الناس بل عليه بالاهتمام بأمور المسلمين فينظر ويتأمل دائما في الاخبار الدالة على استحباب التزاور والتصافح والمعانقة وعيادة المرضى وتشييع الجنائز وقضاء الحوائج واصلاح ذات البين والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى وحضور الجمعة والجماعة وينظر ويتأمل فيما دل على الامر بالتعليم والتعلم وما دل على الامر بالنفع والانتفاع والكسب والمعاملة وما دل على التأديب والتأدب ومداراة الناس وتحمل اذاهم والاستيناس والايناس وجضور الولائم واجابه الدعوة ومدح التواضع والامر به والتجربة والتجارب ونحو ذلك مما لا يتم الا بالمعاشرة .
      وبالجملة ان المؤمن الف مألوف كما جاء في الخبر فينبغي للعالم ان يخالط الناس ويداريهم ويتحمل هفواتهم ويصبر على ما اصابه من ااذاهم فان ذلك من عزم الامر . نعم اللهم الا ان تحتم عليه الظروف التي يعيشها الاعتزال لمصلحة في الدين فيكون الاعتزال مأمورا به من الشريعة فيتحصن بالعزلة لان الميزان في العزلة والمخالطة هو المصلحة الراجعة للاسلام والمسلمين .
      ويؤيد هذا ما جاء في مصباح الشريعة صفحة 99 عن الامام الصادق عليه السلام في مدح العزلة في بعض الاوقات .
      قال عليه السلام : صاحب العزلة متحصن بحصن الله تعالى محترس بحراسته فيا طوبى لمن تفرد به سرا وعلانية وهو يحتاج الى عشر خصال : علم الحق والباطل وتجنب فقره واختيار الشدة والزهد واغتنام الخلوة والنظر في العواقب ورؤية التقصير في العبادة مع بذل المجهود وترك العجب وكثرة الذكر بلا غفلة فان الغفلة مصطاد الشيطان ورأس كل بلية وسبب كل مجاب وخلوة البيت عما لا يحتاج اليه في الوقت .
      ولما ورد عن مولانا الامام الباقر عليه السلام قال : قال رسول الله صل الله عليه واله : قال الله تبارك وتعالى : ( ان اعبد اوليائي عندي رجل خفيف ذو حظ في صلاة احسن عبادة ربه في الغيب وكان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا فصبر عليه حتى مات فقل ترائه وقلت بواكيه ).
      قال الشاعر :
      انست بوحدتي وزمت بيتي فطاب الانس لي وصفا والسرور
      وادبني الزمان فلا ابالي باني لا ازار و لا ازور
      ولست بسائل ما عشت يوما اسار الجند ام ركب الامير

      وايضا غير هذين الحديثين الشريفين وردت احاديث كثيرة عن ائمة اهل البيت عليهم السلام في مدح العزلة في بعض الاوقات .
      قال العارف المحقق سيدنا المقدس السيد عبد الله شبر رضوان الله تعالى عليه : وفي العزلة فوائد كثيرة :
      منها : التفرغ للعبادة والفكر والاستيناس بمناجاة الله تعالى عن مناجاة الخلق .
      ومنها : التخلص من المهلكات والاخلاق الرذيلة كالغيبة وسماعها والرياء والتكبر والحقد والحسد والسكوت عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتخلص من الفتن والخصومات وصيانة الدين والنفس عن الخوض فيها والتعرض لاخطارها والخلاص من شر اعداء الدين ومن انقطاع طمع الناس عنه وانقطاع طمعه عنهم والخلاص من مشاهدة الثقلاء والحمقاء واخلاقهم الرديئة وغير ذلك .
      قال رضوان الله تعالى عليه بعد ذلك : وتحقيق المقام على وجه انيق وطرز رشيق تلتئم عليه الاخبار الواردة في هذا المضمار بوجوه :
      الاول ان العزلة الممدوحة انما هي عزلة بالقلب دون البدن كما يرشد الى ذلك ما رواه عبدالله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام : طوبى لعبد عرف الناس فصاحبهم ببدنه ولم يصاحبهم بقلبه فعرفوه في الظاهر وعرفهم في الباطن .
      الثاني : ان يراد بالعزلة عن اهل الدنيا الذين يشغلون الانسان عن ذكر الله تعالى لا اهل الاخرة من العلماء والعقلاء والعرفاء الذين يكتسب من اخلاقهم ويستفيد من علومهم واحوالهم ويتوصل الى الاجر والثواب بمخالطتهم ويشهد بذلك قول الامام الكاظم عليه السلام : يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل فمن عقل عن الله اعتزل الدنيا والراغبين فيها ورغب فيما عند الله ومن رغب فيما عند الله كان انيسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة وغناه في العيلة ومعزه من غير عشيرة .
      الثالث : ان يقال ان العزلة لا بد فيها من العلم والزهد كما تنبئ عنه عينها وزاؤها . فالعزلة بدون عين العلم ذلة وبدون زاء الزهد علة وبدون لام الجهل عزة فالجاهل لا يليق له العزلة ففي الكافي عن الامام الصادق عليه السلام انه قيل له : رجل عرف هذا الامر -اي الامامة- لزم بيته ولم يتعرف الى احد اخوانه قال فقال : كيف يتفقه هذا في دينه ؟
      ثم هذا العالم ان كان ذا نفس قدسية وقوة ملكوتية خشن في ذات الله قادر على الامر بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وارشاد الضال ومعاونة الضعيف وادراك اللهيف ونصرة المظلوم ونحو ذلك و لا تأخذه في الله لومة لائم فالاولى بحاله المخالطة وإلا فالعزلة .
      الرابع : ان يقال ان الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة والانبساط اليهم مجلبة لقرناء السوء فليكن الانسان بين المنقبض والمنبسط وكذلك يجب الاعتدال في المخالطة والعزلة ويختلف ذلك بحسب الاحوال بملاحظة الفوائد والافات فليلحظ كل ما يصلحه وما يليق بحاله .

      5- الغرور : وينبغي للعالم ان لا يكون متصفا بهذه الصفة الذميمة التي تبعده عن الله عزوجل وتجعله محتقرا عند عباده ولا يخفى اننا فيما تقدم قد ذكرنا شيئا يسيرا عن غرور اهل العلم وهنا نقول ان المتصفين بهذه الصفة فرق نذكر بعضها فيما يلي :
      الفرقة الاولى : من احكم العلوم العقلية والشرعية وتعمق فيها وغفل عن تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصي والزامها الطاعات وغفل عن ان العلم يهتف بالعمل فان اجابه و الا ارتحل و ان اشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه .
      الفرقة الثانية : من احكم العلم والعمل وواظب على الطاعات وترك المعاصي الظاهرة من الجوارح واهمل تفقد الرئيس ليمحو عنه المعاصي المهلكة والسموم القاتلة التي تفوت حياة الابد كالحسد والرياء والحقد والكبر والعجب وحب الجاء ونحوها وربما لم يعرف حقائق هذه الامور فضلا عن علاجها ومعالجتها وقد اكب على الفضول وترك الفرض وهو لم يتصف بحقيقته الانسانية ويظن انه قد بلغ من العلم مبلغا لا يعذب الله مثله بل يقبل في الخلق شفاعته وانه لا يطالبه بذنوبه لكرامته عند الله
      الفرقة الثالثة : من علموا هذه الاخلاق الباطنة وعلموا افاتها وكيفياتها الا انهم للعجب بانفسهم يظنون انهم منفكون عن الاخلاق المذمومة وانهم ارفع عند الله من ان يبتليهم بها وانما يبتلي بها العوام ثم اذا ظهر على احدهم مخايل الكبر والرئاسة وطلب العلو والشرف قال : ما هذا كبر انما هذا طلب عز الدين واظهار شرف العلم ونصرة دين الله وارغام انف المخالفين . ومهما انطلق اللسان بالحسد في اقرانه وفي من رد عليه شيئا من كلامه لم يظن بنفسه ان ذلك حسد ولكن قال : انما هذا غضب للحق ورد على المبطل في عدواته وظلمه .
      ثم لو طعن عليه غيره من اهل العلم لم يكن غضبه مثل غضبه الان بل ربما يفرح به واذا خطر له خاطر الرياء قال هيهات انما غرضي من اظهار العلم والعمل اقتداء الخلق بي ليهتدوا الى دين الله ويتخلصوا من عقاب الله .
      و لا يتأمل المغرور انه ليس يفرح باقتداء الناس بغيره كما يفرح باقتدائهم به فلو كان غرضه صلاح الخلق لفرح بصلاحهم على يد من كان .
      وربما يتذكر هذا المعنى فلا يخليه الشيطان ايضا بل يقول انما ذاك لانهم اذا اهتدوا بي كان الاجر والثواب لي وانما فرحي بثواب الله لا بقول الخلق , هذا ما يظنه بنفسه والله مطلع على سريرته وقد زين له سوء عمله فرآه حسنا وضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب انه يحسن صنعا .
      الفرقة الرابعة : قوم اقتصروا على علم الفتاوى والحكومات والخصومات وتفاصيل المعاملات الدنيوية الجارية بين الخلق لمصالح المعائش وصرفوا اعمارهم في معرفة دقائق السلم والاجارة والظهار واللعان والجراحات والدعاوى والبينات والحيض والاستحاضة وضيعوا الاعمال الظاهرة والباطنة ولم يتفقدوا الجوارح ولم يحرسوا اللسان عن الغيبة والبطن عن الحرام و لا الرجل عن المشي الى السلاطين ولم يعالجوا امراض قلوبهم بالكبر والرياء والحقد والعجب والحسد وسائر المهلكات مما هو من الواجبات العينية واشتغل بفرض الكفاية والاشتغال بالكفائي قبل الفراغ من العيني معصية .
      ومثلهم مثال من به علة البواسير والسرسام وهو مشرف على الهلاك محتاج الى تعلم الدواء واستعماله فاشتغل بتعليم دواء الاستحاضة وبتكرار ذلك ليلا ونهارا مع علمه بانه رجل لا يحيض و لا يستحيض ولكن يقول ربما وقعت الاستحاضة او الحيض لامرأة تسألني وذلك غاية الغرور.
      وكذلك المتفقه المسكين الذي تسلط عليه حب الدنيا واتباع الشهوات والحسد والكبر والرياء وسائر المهلكات الباطنة , وربما يختطفه الموت قبل التوبة والتلافي فيلقى الله وهو عليه غضبان .
      الفرقة الخامسة : من اشتغل بعلم الكلام والمجادلة في الأهواء والرد على المخالفين وتتبع مناقضاتهم واعتقدوا انه لا يكون للعبد عمل إلا بالايمان و لا يصلح الايمان إلا بأن يتعلم جدلهم وما يسمونه أدلة عقائدهم وظنوا انه لا احد اعرف بالله وصفاته منهم وانه لا يمان لمن لا يعتقد مذهبهم ولا يتعلم علمهم ودعى كل فرقة منهم الى نفسه وهم فرق كثيرة يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا فيهم الاشاعرة والمعتزلة والخوارج والنواصب وهؤلاء مغرورون .
      اما الفرقة الضالة منهم فغفلتها عن ضلالها وظنها بنفسها النجاة واما الفرقة المحقة فإنما اغترارها من حيث انها ظنت ان الجدل اهم الامور وافضل القربات وقد ورد في الحديث النبوي الشريف ما ضل قوم قط بعد هدى إلا أوتوا الجدال وحرموا العمل .


      الفرقة السادسة : من اشتغل بالوعظ والارشاد واعلاهم رتبة من يتكلم في اخلاق النفس وصفات القلب من الخوف والرجاء والصبر والشكر والتوكل والزهد واليقين والاخلاص والصدق ونظائرها ويظن بنفسه انه اذا تكلم بهذه الصفات ودعى الخلق إليها صار موصوفا بها وهو منفك عنها عندالله الا عن قدر يسير لا ينفك عنه عوام المسلمين والاكياس يمتحنون في هذه الصفات ويطالبونها بالحقيقة و لا يقنعون منها بالتزويق .
      الفرقة السابعة : من قنع بحفظ كلام الزهاد واحاديثهم فهو حافظ للكلمات جاهل بالمعاني غير متصف بما يقول .
      الفرقة الثامنة : من استغرق اوقاته في علم الحديث وسماعه وطلب الاسانيد الغريبة العالية وغفل عن التدبر في دقائق معانيه .
      الفرقة التاسعة : من اشتغل بعلم النحو والفقه والشعر وغريب اللغة زاعما انه من علماء الامة المغفور لهم إذ قوام الدين بالكتاب والسنة وقوام الكتاب والسنة بعلم النحو فأفنى هؤلاء اعمارهم في دقائق العربية وغريب اللغة ومثالهم كمن يفني عمره في تعلم الخط وتصحيح الحروف وتحسينها ويزعم ان العلوم لا يمكن حفظها إلا بالكتابة فلا بد من تعلمها ولو عقل لعلم انه يكفيه اصل الخط بحيث يمكن ان يقرأ كيفما كان والباقي زائد على الكفاية بل مثالهم مثال من ضيع العمر في تصحيح مخارج الحروف في القران واقتصر عليه وهو غرور إذ المقصود من الحروف المعاني .

      6-الحرص : وينبغي للعالم ان لا يكون حريصا على شئ لو تركه لوصل اليه قال صادق ال محمد صل الله عليه واله : لا تحرص على شئ لو تركته لوصل اليك وكنت عند الله تعالى مستريحا محمودا بتركه ومذموما باستعجالك في طلبه وترك التوكل عليه والرضا بالقسم فان الدنيا خلقها الله تعالى بمنزلة الظل ان طلبته اتعبك و لا تلحقه ابدا وان تركته تبعك وانت مستريح .
      قال مولانا رسول الله صل الله عليه واله الحريص محروم وهو مع حرمانه مذموم في اي مكان وكيف لا يكون محروما وقد فر من وثاق الله تعالى عزوجل وخالف قول الله تعالى ( الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم )

      7-المداهنة : فينبغي للعالم ان لا يكون مداهنا في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لان المداهنة منشأها اما ضعف النفس وصغرها او من الطمع المالي ممن يسامحه فيكون من رذائل القوة الغضبية من جانب التفريط او من رذائل القوة الشهوية من جانب الافراط . وهو من المهلكات التي يعم فسادها وضررها ويسري الى معظم الناس اثرها وشرها . كيف ولو طوي بساط الامر بالمعروف و النهي عن المنكر , أضمحلت الديانة وتعطلت النبوة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة وضاعت احكام الدين واندرست اثار شريعة رب العالمين وهلك العباد وخربت البلاد ولذا ترى وتسمع ان في كل عمر نهض باقامة هذه السنة بعض المؤيدين من غير ان تأخذهم في الله لومة لائمين من أقوياء العلماء المتكفلين لعلمها وإلقائها ومن سعداء المؤمنين الساعين في إجرائها وإمضائها رغب الناس الى ضروب الطاعات والخيرات وفتحت عليهم بركات الارض والسماوات وفي كل قرن لم يقم بأحيائها عالم عامل و لا مؤمنين عدول استشرى العناد واتسع الخرق وخربت البلاد واسترسل الناس في اتباع الشهوات والهوى وانمحت اعلام الهداية والتقوى وعليه انه لا ينبغي للعالم بدين الله تعالى ان يكون مداهنا في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وظيفة العالم فكيف يصح لصاحب الوظيفة ان يتخلى عن وظيفته او يتهاون في تأديتها او يكون مداهنا في ذلك وهو العالم بما اوجبه الله تعالى عليه بقوله تعالى : ( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون ) وبقوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) و العالم بقوله تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او صلاح بين الناس )
      والعالم ايضا يقول الرسول صل الله عليه واله ما اعمال البر عند الجهاد في سبيل الله الا كنفثة في بحر لجي وما جميع اعمال البر والجهاد في سبيل الله عند الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الا كنفثة في بحر لجي .
      وهناك العديد من الاحاديث التي ذكرها ائمة اهل البيت عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام والتي تحث العالم على الامر بالمعروف والنهي وعدم المداهنة في ذلك وكلها معلومة ومفهومة لدى العالم الديني فكيف يصح له ان يضرب بتلك الاحاديث والايات المكرمة صفحا ويترك وظيفته او يتهاون في التبليغ ويتصف بالمداهنة كما قلنا .
      8-العنف : وينبغي للعالم ان لا يكون عنيفا في حالة وعظه وارشاده للناس بل عليه ان يستعمل الرفق واللين فيتذكر قول الله تعالى لنبيه الكريم : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ويتذكر قول الرسول صل الله عليه واله : امرني ربي بمداراة الناس .
      ويتذكر ايضا انه من حملة النور الالهي فلا بد وان يتميز عن غيره بسعة ولين حتى يصدق عليه حقيقة انه من الهداة الى الله والدعاة الى كلمته الذائدون عن حرماته الذين وقفوا على مفترق الطريق يرشدون الحيارى ويبصرونهم اعلام الطريق فيتأدب بأدب الله ويتخلق باخلاقه ويعتز بسلطانه تعالى فلا يرى لغيره سلطانا فيصدع بالحق وينابذ الباطل وينادي في المستضعفين اتقوا وفي المستعبدين أن يحطموا سلطان كل طاغية جبار .
      يدعوهم الى ذلك باسلوب سليم وفكر واع رحيم مقتديا بالنبي الكريم صل الله عليه واله حيث مدحه الرب العظيم بقوله تعالى : ( وانك لعلى خلق عظيم ) نابذا وراه صفة العنف الذميم الذي هو من عمل الشيطان الرجيم متوكلا على الله تعالى وواثقا به في كل اموره .
      بالاضافة الى هذا كله عليه ان يلتزم بالامور التالية :
      اولا : ان يعرف النفوس البشرية معرفة تمكنه من هدايتها وعلاج ادوائها فيعالجها معالجة الطبيب لمريضه الذي يأخذه بالرحمة ويذيقه مرارة الدواء باللين والكلمة الطيبة .
      ثانيا : عليه ان يركز في وعظه و ارشاده كثيرا على جمع الشتات وتوحيد الكلمة وتقويم الصف وان يحمل الهفوات الصادرة من الناس بالنسبة إليه على محمل الصحة ما وجد الى ذلك في الخير مذهبا . فيوسعهم على اختلاف درجاتهم ببسط الوجه والمسامحة .
      ثالثا :عليه ان لا يأنف فيما لو صدر منه الخطأ فوعظه غيره لانه قابل لان تصدر منه الهفوات والزلات .
      رابعا : عليه ان يكون باذلا علمه لعامة الناس غير متحيز الى فئة دون اخرى بان يتخذ له جماعة من اهل الشرف او المناصب بل عليه ان يبذل علمه لكل احد .
      خامسا : ان لا ينصب نفسه للفتوى اذا لم يكن له اهلية ذلك بحيث كان فاقدا لشرائطها .
      فقد جاء في الحديث المروي من طرق العامة عن النبي صل الله عليه واله انه قال سبعة من اصناف العلماء في جهنم الخازن لعلمه الذي لا يبذله للغير والعالم المتخير لبعض اهل الشرف والمناصب العالية دون غيرهم من الناس والعالم الذي يعنف في وعظه والعالم الذي يأنف اذا وعظ والعالم الذي نصب نفسه للفتوى بدون علم والعالم المباهي بعلمه .
      قال جميل السيابي احد علماء اخواننا اهل التسنن هذه الابيات المتضمنة لما قاله رسول الله صل الله عليه واله :

      والعلمء ان فسدوا شر الورى يروي عن الرسول هذا خبرا
      لانهم بذاك خانوا الرسلا فيما عليه استخلفوا هم للملا
      وزلة العالم لا تقال كذاك ايضا ليس تسقال
      وزلة العالم كالسفينة تغرق مع ركابها مسكينة
      قلت ولكن اهلكت لبعض واهلك العالم اهل الارض
      وسبعة في العلماء يصلونا نار السعير ليس يخرجونا
      من يخزن العلم عن المحتاج له يراه تضييعا له ان بذله
      وعالم تخير الاشراف به وعن سواهم تجافا
      يرى ضعاف الناس ليسوا اهلا لعلمه والعطاء اولى
      او يبتغي عطاؤهم والمنزلة بالعلم ما اخسه وارذله
      وعالم يغضب مهما قصرا في حقه تكبرا تجبرا
      وعالم يجعل ما قد علما مروة وعفة وكرما
      تصنعا للناس كي ينالا منزلة ويفتدي مختالا
      وعالم في وعظه يعنف او وعظو فتراه يأنف
      وعالم منتصب للفتوى بدون علم يا لها من بلوى
      وعالم قد طلب استكثارا لعلمه بلغة النصارى
      ولغة اليهود كي يقالا حوى علوما جمة ونالا
      من طلب العلم لكي يرتفعا به على الناس ويجني الطمعا
      اقامه الله مقام الذي مع الهوان عند يوم الفصل
      وعاد بالحسرة والندامة مما جنى في موقف القيامة
      قال النبي المصطفى العدناني انكم في اخر الزمان
      ترون عبادا اولي جهالة لم يعرفوا الهدى من الضلالة
      وعلماؤهم فاق نطقهم حلو اذا يذاق
      اما القلوب فهي ملح مجدية عن طرق الهداية منكبة
      فتنتهم على جميع الامة اخوف شئ انها المهمة

      ثم قال بعد ابيات تركناها ....وبعدها قال ولنعم ما قال :
      وقيل ان اخر الزمان يظهر قوم علما اللسان
      يزهدون الناس في الدنيا وهم اشد فيها رغبة من غيرهم
      يخوفون الناس سوء العاقبة وما لهم خوف ولا مراقبة
      ينهون عن عشيان ارباب الدول وهم لهم ملازمون في العمل

      وبالجملة ينبغي لاهل العلم اكرام انفسهم واعزاز العلم وصيانته وانزاله حيث انزله الله تعالى حتى تخضع لهم رقاب الجبابرة وينقاد لهم جميع الناس فاذا عظم العلم في نفس العالم عظمه الله تعالى وعظمه عباده . قال ابو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني ولنعم ما قال :
      ولم اقض حق العلم ان كنت كلما كدا طمعا صيرته لي سلما
      ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي لاخدم ما لاقيت لكن لاخدما
      أاشقى به غرسا و اجنيه ذلة اذا فاتباع الجهل قد كان اسلما
      فان قلت زند العلم كاب فانما كبا حيث لم تحرس حماة واظلما
      ولو ان اهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما
      ولكن اهانوه فهانوا ودنسوا محياه بالاطماع حتى تجهما

      فالصفات الذميمة الانفة الذكر لا يصح للعالم ان يتصف بها والحال انه معلم ولا بد للمعلم ان يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه .
      وقديما قيل : مؤدب نفسه ومعلمها احق بالاجلال من مؤدب الناس ومعلمهم وانشدوا :

      يا ايها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كا ذا التعليما
      تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كي ما يصح به وانت سقيم
      ونراك تصلح بالرشاد عقولنا ابدا وانت من الرشاد عديم
      فابدأ بنفسك فانهها عن غيها فاذا انتهت عنه فانت حكيم
      فهناك يقبل ما تقول ويهتدي بالقول منك وينفع التعليم
      لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم

      ويعجبني في وصف العالم ما قاله الشاعر البحراني المعروف السيد رضي الموسوي البلادي وهو يمتدح مولانا المعظم الشيخ محمد امين دامت بركاته العالية قال :
      انما العالم من يعمل لليوم وللغد يتحرى الحق كالشاهد بمرصد
      ويرى الافراط والتفريط اغفالا عن الحق ليس بالعالم من حاد عن الحق فابعد
      انما العالم من اوضح في الدنيا ومهد سبل الخير الى الناس ولو انهكه الجد










      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
      استجابة 1
      11 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
      بواسطة ibrahim aly awaly
       
      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
      ردود 2
      13 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
      بواسطة ibrahim aly awaly
       
      يعمل...
      X