بسم الله الرحمن الرحيم والحمد الله رب العالمين وصل اللهم على المصطفى الامين محمد وعلى اله الاطياب الاخيار
مواصفات رجل الدين العالم عبارة فصلين من كتاب فضل العلم والعالم لسماحة اية الله السيد عبدالله المحرقي اقتبستهما لتعميم الفائدة
كتاب فضل العلم والعالم طبع سنة 1990 الموافق 1410
الصفات الفاضلة للعالم
لقد تحدثنا لقارئنا الكريم فيما تقدم بإسهاب وتفصيل عن فضل العالم وشرفه واستشهدنا على ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والمعصومية والمقالات المتفرقة المشتملة على النوادر العجيبة والحكايات المفيدة والفكاهيات اللطيفة والأدبيات الجميلة التي تدل على عظمة العالم وفضله وهنا نشير إلى أمر مهم جدا وهو أن العالم المعني بالفضل في الايات والاحاديث الشريفة الي تقدم ذكرها ليس هو كل عالم وانما هو العالم العامل بعلمه والمتصف بالاخلاق العالية والصفات الفاضلة والمزايا الرفيعة لان الشريعة الاسلامية قد ندبت جميع الناس الى التحلي بها والتخلي عن الصفات الرذيلة فينبغي ان يكون العالم اولى بذلك .
ولكي تشمله الايات والاخبار المذكورة التي تعرضت الى فضل العالم وشرفه فعليه ان يزين نفسه بالصفات الفاضلة التالية :
1- التواضع : قال مولانا الامام جعفر صادق ال محمد صل الله عليه واله " التواضع كل شرف نفيس ومرتبة رفيعة , ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب والتواضع ينبغي ان يكون من العالم لغيره و من غيره له الا ان العالم اولى بان يتصف بهذه الصفة الجليلة لانه داعية الى الله فعليه ان يتواضع لله , ومن تواضع لله رفعه الله على كثير من عباده عالما كان المتواضع ام غير عالم , ولاهل التواضع سيما , سئل بعضهم عن التواضع ؟ قال هو ان يخضع للحق وينقاد له ولو سمعه من صبي , والتواضع ممدوح على كل حال .
قال الشاعر :
تواضع اذا ما شئت في الناس رفعة فان رفيع الناس من يتواضع
ولا تمشي فوق الارض إلا تواضعا فكم تحتها قوم هموا منك ارفع
وقال شاعر اخر :
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه على صفحات الجو وهو وضيع
روي عن مولانا الامام باب الحوائج موسى بن جعفر عليهما افضل الصلاة والتحية والسلام انه مر برجل من اهل السود دميم المنظر , فسلم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا , ثم عرض عليه نفسه للقيام بحاجة ان عرضت له , فقيل له : يا بن رسول الله اتنزل الى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو اليك احوج ؟ فقال عليه السلام : عبد من عبيد الله واخ في كتاب الله وجار في بلاد الله , يجمعنا واياه خير الاباء ادم , وافضل الاديان الاسلام .
وعن رجل من اهل بلخ قال : كنت مع سيدي ومولاي الامام الرضا عليه افضل الصلاة والسلام في سفره الى خراسان فدعا يوما بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقلت جعلت فداك , لو عزلت لهؤلاء مائدة ... فقال عليه السلام : مه ان الرب تبارك وتعالى واحد , والام واحدة والاب واحد, والجزاء بالاعمال , فاذا كان ائمة اهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام يتواضعون للناس بهذه الكيفية فمن يا ترى اولى بالتواضع للناس بعدهم غير العلماء الذين هم ورثة علم الرسول صل الله عليه واله .
ينبغي الا يبلغ التواضع بحيث يخرج عن الحد المعقول ويفضي الى التملق والتزلف هذا من جهة ومن جهة اخرى ينبغي ان يكون الدافع للتواضع هو الشرف والفضيلة واحترام الاخرين لا ضعف النفس والذلة . وبعبارة اوضح ان المتواضع هو الشخص الذي يطمئن الى شخصيته و لا يشعر في نفسه بحقارة او ذلة انما يقوم بواجبه بدافع من الشعور الانساني وعلو النفس .
يقول مولانا الامام امير المؤمين عليه افضل الصلاة والتحية والسلام في بيان صفات الرجال المؤمنين : ( سهل الخليقة لين العريكة نفسه اصلب من الصلد وهو اذل من العبد ).
2-الحلم :وينبغي للعالم ان يكون حليما , جاء في مصباح الشريعة لمولانا الامام جعفر بن محمد صادق ال محمد صل الله عليه واله : الحلم سراج الله يستضئ به صاحبه الى جواده , ولا يكون حليما الا المؤيد بانوار المعرفة والتوحيد , قال العالم الامام موسى بن جعفر عليهما افضل الصلاة والسلام : والحلم يدور على خمسة اوجه ان يكون عزيزا فيذل او ان يؤذى بلا جرم او ان يكون صادقا فيتهم او يدعو الى الحق فيستخف به او ان يطلب بالحق يخالفوه فيه فاذا أتيت كلا منهما حقه فقد اصبت فعلى العالم ان يقابل السفيه بالإعراض عنه اذا لم يقبل النصيحة حتى لا يلام لان من حارب السفيه فكأنه قد وضع الحطب على النار .
ويقارن الحلم بالعلم لان الحلم اشرف الكمالات النفسية بعده بل لا ينتفع العالم من علمه اذا لم يكن حليما والشاهد على ذلك قول رسول الله صل الله عليه واله واقوال اهل بيته عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام في الحلم والرفق المقارنة للعلم نذكر منها ما يلي :
1- اللهم اغنني بالعلم وزيني بالحلم .
2-خمس من سنن المرسلين ....وعد منها الحلم .
3-ابتغوا الرفعة عند الله قالوا : و ما هي يا رسول الله ؟ قال : تصل من قطعك و تعطي من حرمك وتحلم عمن جهل عليك .
4-ان الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم.
5-ان الله يحب الحبي الحليم ويبغض الفاحش البذي.
6- ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشئ من عمله : تقوى تحجزه عن معاصي الله ,وحلم يكف به السفيه , وخلق يعيش به في الناس .
7-اذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق , نادى مناد : اين اهل الفضل ؟
فيقوم ناس - وهم يسيرون فينطلقون سراعا الى الجنة , فتتلقاهم الملائكة فيقولون : انا نراكم سراعا الى الجنة فيقولون : نحن اهل الفضل , فيقولون : ما كان فضلكم ؟ فيقولون : اذا ظلمنا صبرنا , واذا اسئ الينا عفونا , واذا جهل علينا حلمنا , قال لهم ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين .
8-عن مولانا امام المتقين وقائد الغر المحجلين امير المؤمنين عليه افضل الصلاة والسلام قال : ليس الخير ان يكثر مالك وولدك , ولكن الخير ان يكثر عملك ويعظم حلمك .
9-عن الامام صادق ال محمد عليه السلام قال : كفى بالحلم ناصرا , واذا لم تكن حليما تحلم.
10- اذا وقعت بين رجلين منازعة نزل ملكان , فيقولون للسفيه منهما : قلت وانت اهل لما قلت , و ستجزى بما قلت , ويقولان للحليم منهما : صبرت وحلمت سيغفر لك إن أتممت ذلك , قال عليه السلام : فان رد الحليم عليه ارتفع الملكان .
11- بعث مولانا الامام الصادق عليه السلام غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج على اثره فوجده نائما فجلس عند راسه يروحه حتى انتبه فقال له : يا فلان والله ما ذلك لك اتنام الليل والنهار لك الليل ولنا منك النهار .
12-ينقل العلماء عن رواة الحديث عن رسول الله صل الله عليه واله واهل بيته عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام انهم رووا عن جدهم صل الله عليه واله انه قال في الرفق ( لو كان خلقا يرى ما كان فيما خلق الله شيئا احسن منه ).
13-قال صل الله عليه واله : ( الرفق لم يوضع على شئ الا زانه ولا ينتزع من شئ الا شانه )
14-قال صل الله عليه واله : ( لكل شئ قفل وقفل الايمان الرفق)
15-قال صل الله عليه واله ( ان الله رفيق يحب الرفيق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)
16-قال صل الله عليه واله ( ما اصطحب اثنان الا كان اعظمهما اجرا واحبهما الى الله تعالى ارفقهما بصاحبه )
17-قال صل الله عليه واله الرفق يمن والخرق شؤم
18-قال صل الله عليه واله من كان رفيقا في امره نال ما يريده من الناس
19-قال صل الله عليه واله (اذا احب الله اهل بيت ادخل عليهم الرفق)
20-قال صل الله عليه واله وسلم (من اعطي حظه من الرفق اعطي حظه في خير الدنيا والاخرة , ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الدنيا والاخرة )
21-قال صل الله عليه واله (اذا احب الله عبدا اعطاه الرفق ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله )
22-قال صل الله عليه واله (أتدرون من يحرم على النار؟ كل هين لين سهل قريب)
23-قال مولانا باب الحوائج الامام موسى بن جعفر عليهما افضل الصلاة والتحية والسلام : الرفق نصف العيش
24-وعنه ايضا قال عليه السلام لمن جرى بينه وبين القوم من كلام : ( ارفق بهم فان كفر احدهم في غضبه و لا خير فيمن كان كفره في غضبه ).
و لا يخفى ان كل انسان ينبغي له ان يكون مطمئن النفس بحيث لا يحركه الغضب بسهوله و لا يزعجه المكروه بسرعة أما الانسان العالم فيلزمه علمه بالحلم حتما وإلا لا ينتفع بعلمه .
وبالجملة ان هذه المجموعة من الاخبار تؤكد لنا بوضوح عظمة الرفق والحلم وتعرفنا بأنهما من الصفات الحميدة التي ينبغي لكل احد ان يتصف بهما وبالخصوص العالم فلا بد له من التحلي بالحلم لكي يقوى به شخصيته لان الحلم هو طمانينة النفس بحيث لا يحركها الغضب بسهولة و لا يزعجها المكروه والعالم بحاجة الى طمأنيية النفس حتى يتمكن من تعليم الناس وارشادهم وهدايتهم الى مسالك الجنان فهو بحاجة الحلم من هذه الجهة اكثر من غيره .
ومن جهة اخرى ان الرفق والحلم من صفات الله عزوجل فاذا كان الله سبحانه وتعالى كما في الاخبار يحب ان يرى اثر صفاته في خلقه بأن يتصف بالحلم والرفق الانسان العادي فلا شك و لا ريب انه تعالى يحب ان اثر صفة الحلم في العالم لان العالم الذي يتميز بهذه الصفة بان يكون قادرا على ان يسيطر على نفسه وضبط جماحها وينتزعها عن الطيش والحمق هو العالم الذي في الواقع قابل لان يكون مربيا وعلى العكس الاحمق فهو عاجز حتى عن تربية نفسه .
قال الحكيم الفرطوسي ناظما قول رسول الله صل الله عليه واله : امرني ربي بمداراة الناس كما امرني بأداء الفرائض .
كل شئ يزان بالرفق والخرق مشين لسائر الاشياء
تظهر الكسوة ويكتب بالاحسان للعبد سائر الاعداء
وانا قد امرت للناس طرا بالمداراة من اله السماء
مثلما قد امرت منه بتبليغ البرايا رسالة الانبياء
زينة المرء بالمسكينة تبدو مع ايمانه بدون خباء
فعلى العالم العارف ان يتحلى من هذه الصفة الفاضلة سيما اذا كان الحلم او العفو مع القدرة على انفاذ العقوبة اما اذا كان الحلم او العفو عن عجز او ضعف فهو ليس من الحلم في شئ و ربما يكون لؤم و جبن .
كل حلم اتى بغير اقتدار حجة لاجئ اليها اللئام
لان بعض النفوس الضعيفة لا يزيدها الحلم الا سفها وحمقا .
فينبغي للعالم ان يعامل اصحاب النفوس الضعيفة المعاملة المناسبة لأحوالهم من الشدة والغلظة عليهم حتى لا يفجروا في خصومة و يكون الحلم وسيلة من وسائل تحريشهم واغرائهم بالغي والعدوان .
قال تعالى
وجزاء سيئة سيئة مثلها )
وفي هذا يقول الشاعر العربي :
لئن كنت محتاجا الى الحلم انني الى الجهل في بعض الاحايين احوج
ولي فرس للخير بالخير ملجم ولي فرس للشر بالشر مسرج
فمن شاء تقويمي فاني مقوم ومن شاء تعويجي فاني معوج
وما كنت ارضى الجهل جدا ولا أبا ولكنني ارضى به حين احرج
لئن قال بعض الناس فيه سماجة لقد صدقوا والذل بالحر اسمج
3-الصبر : وينبغي للعالم ان يتحلى بهذه الصفة الحميدة لكي يتسنى له نشر تعاليم الاسلام الحنيف . قال تعالى ( ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون ) وقال تعالى : (و جعلناهم أئمة يهدون بامرنا لما صبروا )
وفي الحديث القدسي الشريف : اوحي الله تعالى الى داود : تخلق بأخلاقي انا الصبور وجاء عن مولانا الامام جعفر بن محمد عليه افضل الصلاة والتحية والسلام
انه قال : اذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبر يظلل عليه ويتنحى الصبر ناحية فاذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة و الزكاة والبر : دونكم صاحبكم فان عجزتم عنه فانا دونه.
وجاء عنه ايضا انه عليه السلام قال : الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور والصفاء والجزع يظهر ما في بواطنهم من االظلمة والوحشة والصبر يدعيه كل احد وما يثبت عنده الا المخبتون والجزع ينكره كل احد وهو أبين على المنافقين لان نزول المحنة والمصيبة مخبر عن الصادق والكاذب وتفسير الصبر ما يستمر من مذاقه وما كان اضطراب لا يسمى صبرا وتفسير الجزع اضطراب القلب وتحزن الشخص وتغير اللون وتغير الحال وكل نازلة خلت اوائلها من الاخبات والانابة والتضرع الى الله فصاحبها جزوع غير صابر والصبر ما أوله مر وأخره حلو لقوم ولقوم مر أوله و أخره فمن دخله من أواخره فقد دخل ومن دخله من اوائله فقد خرج ومن عرف قدر الصبر لا يصبر عما منه الصبر .
قال علماء الاخلاق : ينقسم الصبر الى بدني ونفسي فالبدني كتحمل المشاق بالبدن والثبات عليه وهو اما بالفعل كتعاطي الاعمال الشاقة من العبادات واما بالاحتمال كالصبر على الضرب الشديد والمرض العظيم والجراحات الهائلة .
واما القسم الثاني المسمى بنفسي فهو الصبر على مشتهيات الهوى وهو ان كان عن شهوة البطن والفرج سمي عفة وان كان على احتمال مكروه فان كان في مصيبة اقتصر على اسم الصبر .
وضده حال يسمى الجزع والهلع وهو اطلاق داعي الهوى ليسترسل في رفع الصوت وضرب الخدود وشق الجيوب وغيرها وان كان في احتمال التي سمي ضبط النفس ويضاد حالة تسمى البطر وان كان في الحرب سمي شجاعة ويضاده الجبن .
وان كان في كظم الغيظ والغضب سمي حلما ويضاده التذمر والغضب . وان كان في نائبة من نوائب الزمان سمي سعة الصدر ويضاده الضجر والتبرم وضيق الصدر وان كان في اخفاء كلام سمي كتمانا وصاحبه مكتوما وضده الاذاعة وان كان في فضول العيش سمي زهدا ويضاده الحرص وان كان صبرا على قدر يسير من الحظوظ سمي قناعة ويضاده الشره فالصبر جامع لأكثر اخلاق الايمان وهو الرئيس الاعظم والامام الاقوم
فلذلك لما سئل الرسول الاكرم صل الله عليه واله عن الايمان قال : الصبر
قال الحكيم الفرطوسي :
قال ان الايمان نصفان حقا عند تقيسمه بوزن سواء
منه نصف بالشكر يبدو ويبدو منه نصف في الصبر عند البلاء
كل حكم في مؤمن قد قضاه هو خير له بوقت القضاء
سره ام اساءه فهو تكفير ذنوب او حبوة من عطاء
4-الزهد : وينبغي للعالم ان يكون زاهدا حقا لانه رجل الاخرة والزهد مفتاح باب الاخرة . قال مولانا الامام صادق ال محمد عليه السلام
الزهد مفتاح باب الاخرة والبراءة من النار وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله تعالى من غير تأسف على فوتها ولا اعجاب في تركها ولا انتظار خرج منها ولا تطلب محمدة عليها ولا غرض لها بل يرى فوتها راحة وكونها آفة ويكون ابد هاربا من الآفة معتصما بالراحة , الزاهد الذي يختار الاخرة والذل على العز والدنيا والجهد على الراحة والجوع على الشبع وعافية الاجل على المحنة العاجل والذكر على الغفلة وتكون نفسه في الدنيا وقلبه في الاخرة .
وقال النبي المكرم صل الله عليه واله : من اصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه امره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا الا ما كتب له ومن اصبح وهمه الاخرة جمع الله له همه وحفظ عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة .
وفي الحديث : اوحى الله تعالى الى الدنيا ان اخدمي من خدمني ونغصي وكدري عيش من خدمك
قال الحكيم الفرطوسي :
كل ممس منكم ومصبح اضحي اكبر الهم منه يوم البقاء
ملأ الله بالغنى منه قلبا جامعا امره بخير التقاء
وهو يمض مستكملا دون تعص كل رزق له بيوم الغناء
واذا كان اكبر الهم دنياه غرور في صبحه ومساء
جعل الفقر نصب عينه فيها بعد تشتيت امره كالهباء
وهو يمضي عنها وما نال إلا ما له من مقدر وحباء
وقال مولانا المقدس السيد عبدالله شبر رضوان الله تعالى عليه معرفا حقيقة الزهد : الزهد هو صرف الرغبة عن الدنيا وعدم ارادتها بقلبه الا بقدر ضرورة بدنه قال ومنه يعلم ان الزهد في الدنيا لا ينافي كثرة المال والخدم ونحوهما إلا اذا كان محبا لها بقلبه وراعيا فيها وتشغله عن ذكر الله تعالى .
قال : والزهد في نفسه على ثلاث درجات :
الاولى : وهي السفلى ان يزهد في الدنيا وهو لها مشتهي وقلبه إليها مائل ونفسه ملتفتة ولكنه يجاهدها ويكفها
الثانية : ان يترك الدنيا طوعا لاستحقاره اياها الاضافة الى الاخرة المرغوب فيها كالذي يترك درهما لأجل درهمين فأنه لا يشق عليه ذلك وهو يظن بنفسه انه ترك شيئا له قدرا منه
الثالثة : وهي العليا ان يزهد طوعا ويزهد في زهده فلا يرى زهده اذ لا يرى انه ترك شيئا حيث عرف ان الدنيا لا شئ فيكون كمن ترك نواة واخذ جوهرة فلا يرى ذلك معاوضة وهذا كمال الزهد .
قال رضوان الله تعالى عليه : وينقسم اخرى بالاضافة الى المرغوب فيه الى ثلاث درجات :
1-اسفلها ان يكون المرغوب فيه النجاة من النار وسائر الآلام كعذاب القبر ومناقشة الحساب وخطر الصراط وهذا زهد الخائفين .
2-اوسطها ان يزهد رغبة في ثواب الله تعالى ونعيمه واللذات الموعودة في جنته وهذا زهد الراجين .
3-اعلاها ان لا يكون له رغبة إلا في الله ولقائه فلا يلتفت قلبه الى الآلام ليقصد الخلاص منها ولا الى اللذات ليقصد نيلها والظفر بها بل هو مستغرق الهم وهو الذي اصبح وهمه هم واحد فهو لا يطلب غير الله لان من طلب من غير الله فقد عبده وكل مطلوب معبود وكل طالب عبد بالاضافة الى مطلوبه وهذا زهد المحبين والعارفين .
وقال : ينقسم ايضا الى :
1-فرض
2-نفل
3-سلامة
اما الفرض : فهو الزهد في الحرام والنفل هو الزهد في الحلال واما السلامة فهو الزهد في الشبهات .
قال الشاعر :
والزهد اقسام ثلاثة ورد زهد عن الحرام واجب يعد
والثاني زهد عن مباح حللا في الشرع لكن تركه قد فضلا
مخافة الوقوع في الحرام وقد روي عن سيد الانام
ثالثها زهد أولي العرفان سموا به لارفع المكان
عن كل ما لا يختشى بأس به يخوف ان يشغله عن ربه
قد لحظوا الدنيا بعين المعرفة وحققوا ما كان فيها من
فعرفوها جيفة توسخت لكنها بالطيب قد تضمخت
وكسيت بفاخر اللباس فاغتر بالظاهر بعض الناس
والعاقلون العارفون عرفوا باطنها وعن هواها انصرفوا
فعلى العالم ان يكون زاهدا في الدنيا زهد اولي العرفان الذي سموا به الى ارفع المكان بحيث أولا لا يفرح و لا يحزن على مفقود كما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلام في الاستنباط من قوله تعالى : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم )
وثانيا :يستوي عنده مادحه وذامه
وثالثا : ان يكون انسه بالله تعالى والغالب على قلبه حلاوة الطاعة
5-التفكر : وينبغي للعالم ان يكون متفكرا قال الله تعالى : (الذين يتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا )
وفي الحديث عن ابن عباس رضوان الله تعالى عليه قال التفكر في الخير يدعو الى العمل به والندم على الشر يدعو الى تركه
وعن مولانا ابي محمد الحسن انه قال : ان اهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة .
وقيل : ان التفكر في نعم الله من افضل العبادة ولو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوه لذا ينبغي للعالم ان يفتش صبيحة كل يوم جميع اعضائه السبعة تفصيلا ثم بدنه على الجملة هل هو في الحال ملابس لمعصية بها فيتركها او لابسها بالامس فيتداركها بالترك والندم او هو متعرض لها في نهاره فيستعد للاحتراز والتباعد منها فينظر اولا في اللسان ويقول : انه متعرض للغيبة والكذب وتزكية النفس والاستهزاء بالغير والمماراة والمازحة والخوض فيما لا يعني الى غير ذلك من المكاره فيقرر :
اولا : في نفسه ان هذه الاحوال مكروهة عند الله تعالى .
ثانيا :يتفكر في شواهد القران واخبار الرسول والتشديد في النهي عنها وما وعد فاعلها من العذاب
ثالثا : يتفكر في احواله انه كيف يتعرض لها من حيث لا يشعر
رابعا : يتفكر في انه كيف يحترز منها
خامسا : يتفكر في سمعه انه يصغي الى الغيبة وسماع الكذب وفضول الكلام الى اللهو والبدعية وكيف ينبغي ان يحترز منهم .
سادسا : يتفكر في بطنه انه إنما يعصي الله فيه بالاكل والشرب اما بكثرة الاكل من الحلال فان ذلك مكروه عند الله ومقوي للشهوة التي هي سلاح الشيطان عدو الله واما بأكل الحرام والشبهة فينظر من اين مطعمه وملبسه ومسكنه ويتفكر في طريق الحلال ومداخله ويقرر في نفسه ان البدن متى غذى بالحرام علا منه غشاوة فيقرر في نفسه ان الثواب متى كان حرام لم يتقبل فيه الصلاة وان اكل ولبس الحلال هو اساس العبادات جميعها فهكذا يتفكر في اعضائه جميعها ففي هذا القدر كفاية عن الاستقصاء فمهما حصل بالتفكير حقيقة المعرفة بهذه الاحوال اشتغل بالمراقبة طول النهار حتى يحفظ الاعضاء من جميع القبائح ثم ينظر في الطاعات كيف يؤديها وكيف يحرسها عن النقصان والتقصير وكيف يجبر نقصانها بكثر النوافل ثم يرجع الى كل عضو فيتفكر في الاحوال التي يتعلق بها مما يحبه الله تعالى فيقول مثلا ان العين خلقت للنظر في ملكوت السموات والارض عبرة ولتستعمل في طاعة الله تعالى ولتنظر في كتاب الله وسنة رسول الله صل الله عليه واله انا قادر على اشغل العين بمطالعة القران والسنة فلم لا افعله وانا قادر على ذلك وانا انظر الى فلان المطيع لله فانظر بعين التعظيم فادخل السرور على قلبه وكذلك يقول في سمعه اني قادر على استماع كلام ملهوف او استماع حكمة وعلم او استماع قراءة وذكر فما لي اعطله وقد انعم الله به علي واودعنيه لاشكره فما لي اكفر نعمة الله تعالى بتضييعه وتعطيله وكذلك يتفكر في اللسان ويقول اني قادر ان اتقرب الى الله تعالى بالتعليم والذكر والتودد الى قلوب اهل الصلاح وبالسؤال عن ااحوال الفقراء وادخال السرور على قلوبهم وكذلك يتفكر في ماله فيقول انا قادر على ان اتصدق بالمال الفلاني مستغن عنه ومهما تصدقت رزقني الله وان كنت محتاجا الان فإيثار الثواب اوجب مني ذلك المال
سابعا : ان يتفكر في الاسباب المهلكات التي محلها القلب وهي البخل والكبر والعجب والرياء والحسد وسوء الظن والغفلة وغير ذلك ويتفقد من قلبه هذه الصفات فان ظن ان قلبه منزه عنها فيتفكر في كيفية امتحانه والاستشهاد بالعلامات عليه فان النفس ابدا تعد بالخير من نفسها وتخلف فاذا ادعت التواضع والبراءة من الكبر يجرب نفسه بحمل حاجته من السوق الى داره لقول النبي صل الله عليه واله من حمل حاجته فقد برئ من الكبر فأذا ادعت الحلم تعرض لغضب يناله من غيره ثم يجربها بكظم الغيظ وهكذا في سائر الصفات كما انه لو رأى في نفسه عجبا بالعمل فيتفكر ويقول انما عملي بيدي وجارحتي وبقدرتي وارادتي وانما هو من خلق الله وفضله فهو الذي خلقني وخلق جارحتي وخلق قدرتي وارادتي فكيف اعجب بعلمي وهذه الالات التي صح مني العمل بها من خلق الله فالفضل والمنة لله في جميع ذلك فاذا احس في نفسه بالكبر فيزري على نفسه ما فيه من الحماقة فيقول لها بم ترين نفسك الكبر والكبير من هو كبير عند الله ويبين لها ان اصله ومبدءه من نطفة قذرة ومنتهاه الى جيفة منتنة فاذا عرف ان الكبر مهلك واصله الحماقة يتفكر في علاج ذلك بان يتعاطى افعال المتواضعين واذا وجد في نفسه شهوة الطعام والميل الى الشهوات تفكر وقال لها ان هذه صفة البهائم ولو كان في شهوة الطعام والوقاع كمال لكان ذلك من صفات الملائكة المقربين ومهما كان الى الشره اقرب هو عليه اغلب كان بالبهائم اشبه وعن الملائكة المقربين ابعد ثم ينظر ويتفكر فيما فيه النجاة من الافعال فهو التوبة والندم على الذنوب والعزم على ترك العود والصبر على بلاء الله والشكر على نعمائه والخوف منه الرجاء له والزهد في الدنيا الاخلاص والصدق في الطاعات فليتفكر العالم في كل يوم في قلبه ما الذي يعوزه من هذه الصفات التي هي المقربة الى الله فاذا افتقر الى شئ منها فليعلم انها احوال لا يثمرها الا العلوم وان العلوم لا يثمرها إلا الافكار فاذا اراد ان يكتسب لنفسه حال التوبة والندم فليفتش ذنوبه أولا وليتفكر فيها وليجمعها على نفسه وليفطمها على قلبه ثم لينظر في الوعيد والتشديد الذي ورد في الشرع وليحقق في نفسه انه متعرض لمقت الله به حتى ينبعث له حال الندم .
وإذا أراد ان يستبين له من قلبه حال الشكر فلينظر في احسان الله وأياديه عليه واذا اراد فلينظر اولا في ذنوبه الظاهرة ثم لينظر في الموت وسكراته ثم فيما بعده من مسائلة منكر ونكير وعذاب القبر ثم في هول النداء عند نفخة الصور ثم في هول المحشر عند جميع الخلائق على صعيد ثم في المناقشة في الحساب والمضائقة في النقير والقطمير ثم اهوال القيامة ثم يصور في نفسه جهنم ودركها ومقامعها واهوالها وانواع العذاب فيها وقبيح صورة الزبانية وانه كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب وانهم كلما ارادوا ان يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها واذا رأوها من مكان بعيد سمعوا لنا تغيظا وزفيرا .
واذا اراد ان ينظر الى الرجاء فلينظر الى الجنة ونعيمها وما اعد الله تعالى فيها من الملك الدائم والنعيم والحور واللذات فهكذا طريق الفكر الذي يطلب به العلوم فعلى العالم بقراءته والتفكر فيه فانه جامع لجميع المقامات والاحوال وفيه شفاء للعالمين وفيه ما يورث الخوف والرجاء والصبر والشكر وسائر الصفات وفيه ما يزجر عن جميع الصفات المذمومة فينبغي ان يقرأه العالم ويردد الاية التي هو محتاج الى التفكر فيها مرة بعد اخرى ولو مائة مرة فقراءة اية بتفكر وفهم خير ن ختمة بغير تفكر وفهم وليتوقف في التأمل فيها ولو ليلة واحدة فان تحت كل كلمة منها اسرار لا تنحصر ولا يوقف عليها الا بدقيق الفكر عن صفاء القلب وكذلك مطالعة كلام رسول الله صل الله عليه واله فأنه قد أوتي جوامع الكلم وكل كلمة بحر من بحور كلامه واذا تأملها العالم حق التامل لم ينقطع فيها نظره طول العمر .
6-الرحمة : وينبغي للعالم ان يكون رحيما من حيث ان الرحمة صفة كريمة وعاطفة انسانية نبيلة تبعث على بذل المعروف واغاثة الملهوف واعانة المحروم وكف العسف والظلم ومنع التعدي والبغي.
وقد اراد الاسلام ان يطبع الناس بها حتى تمتلئ قلوبهم خيرا وبرا وتفيض على الدنيا رجاءا واملا ...
فالله رب هذا الدين , هو الرحمن الرحيم وهو الذي وسع كل شئ رحمة وعلما وسبقت رحمته غضبه وجعل الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وانزل في الارض جزءا واحدا.
فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية ان تصيبه وكتاب الله رحمة : (وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) وجنته رحمة : ( واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) ورسوله رحمة : ( و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين امنوا منكم ) ( محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ) . والراحمون هم الذين يرحمهم الله ....
والذي يتجرد عن هذه الصفة فهو الشقي : ( من لا يرحم لا يرحم ) ...
(لا تنزع الرحمة الا من شقي).
فلابد للعالم من الاتصاف بالرحمة اقتداءا بالنبي صل الله عليه واله واهل بيته عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام .
يتبع.....
مواصفات رجل الدين العالم عبارة فصلين من كتاب فضل العلم والعالم لسماحة اية الله السيد عبدالله المحرقي اقتبستهما لتعميم الفائدة
كتاب فضل العلم والعالم طبع سنة 1990 الموافق 1410
الصفات الفاضلة للعالم
لقد تحدثنا لقارئنا الكريم فيما تقدم بإسهاب وتفصيل عن فضل العالم وشرفه واستشهدنا على ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والمعصومية والمقالات المتفرقة المشتملة على النوادر العجيبة والحكايات المفيدة والفكاهيات اللطيفة والأدبيات الجميلة التي تدل على عظمة العالم وفضله وهنا نشير إلى أمر مهم جدا وهو أن العالم المعني بالفضل في الايات والاحاديث الشريفة الي تقدم ذكرها ليس هو كل عالم وانما هو العالم العامل بعلمه والمتصف بالاخلاق العالية والصفات الفاضلة والمزايا الرفيعة لان الشريعة الاسلامية قد ندبت جميع الناس الى التحلي بها والتخلي عن الصفات الرذيلة فينبغي ان يكون العالم اولى بذلك .
ولكي تشمله الايات والاخبار المذكورة التي تعرضت الى فضل العالم وشرفه فعليه ان يزين نفسه بالصفات الفاضلة التالية :
1- التواضع : قال مولانا الامام جعفر صادق ال محمد صل الله عليه واله " التواضع كل شرف نفيس ومرتبة رفيعة , ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب والتواضع ينبغي ان يكون من العالم لغيره و من غيره له الا ان العالم اولى بان يتصف بهذه الصفة الجليلة لانه داعية الى الله فعليه ان يتواضع لله , ومن تواضع لله رفعه الله على كثير من عباده عالما كان المتواضع ام غير عالم , ولاهل التواضع سيما , سئل بعضهم عن التواضع ؟ قال هو ان يخضع للحق وينقاد له ولو سمعه من صبي , والتواضع ممدوح على كل حال .
قال الشاعر :
تواضع اذا ما شئت في الناس رفعة فان رفيع الناس من يتواضع
ولا تمشي فوق الارض إلا تواضعا فكم تحتها قوم هموا منك ارفع
وقال شاعر اخر :
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه على صفحات الجو وهو وضيع
روي عن مولانا الامام باب الحوائج موسى بن جعفر عليهما افضل الصلاة والتحية والسلام انه مر برجل من اهل السود دميم المنظر , فسلم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا , ثم عرض عليه نفسه للقيام بحاجة ان عرضت له , فقيل له : يا بن رسول الله اتنزل الى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو اليك احوج ؟ فقال عليه السلام : عبد من عبيد الله واخ في كتاب الله وجار في بلاد الله , يجمعنا واياه خير الاباء ادم , وافضل الاديان الاسلام .
وعن رجل من اهل بلخ قال : كنت مع سيدي ومولاي الامام الرضا عليه افضل الصلاة والسلام في سفره الى خراسان فدعا يوما بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقلت جعلت فداك , لو عزلت لهؤلاء مائدة ... فقال عليه السلام : مه ان الرب تبارك وتعالى واحد , والام واحدة والاب واحد, والجزاء بالاعمال , فاذا كان ائمة اهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام يتواضعون للناس بهذه الكيفية فمن يا ترى اولى بالتواضع للناس بعدهم غير العلماء الذين هم ورثة علم الرسول صل الله عليه واله .
ينبغي الا يبلغ التواضع بحيث يخرج عن الحد المعقول ويفضي الى التملق والتزلف هذا من جهة ومن جهة اخرى ينبغي ان يكون الدافع للتواضع هو الشرف والفضيلة واحترام الاخرين لا ضعف النفس والذلة . وبعبارة اوضح ان المتواضع هو الشخص الذي يطمئن الى شخصيته و لا يشعر في نفسه بحقارة او ذلة انما يقوم بواجبه بدافع من الشعور الانساني وعلو النفس .
يقول مولانا الامام امير المؤمين عليه افضل الصلاة والتحية والسلام في بيان صفات الرجال المؤمنين : ( سهل الخليقة لين العريكة نفسه اصلب من الصلد وهو اذل من العبد ).
2-الحلم :وينبغي للعالم ان يكون حليما , جاء في مصباح الشريعة لمولانا الامام جعفر بن محمد صادق ال محمد صل الله عليه واله : الحلم سراج الله يستضئ به صاحبه الى جواده , ولا يكون حليما الا المؤيد بانوار المعرفة والتوحيد , قال العالم الامام موسى بن جعفر عليهما افضل الصلاة والسلام : والحلم يدور على خمسة اوجه ان يكون عزيزا فيذل او ان يؤذى بلا جرم او ان يكون صادقا فيتهم او يدعو الى الحق فيستخف به او ان يطلب بالحق يخالفوه فيه فاذا أتيت كلا منهما حقه فقد اصبت فعلى العالم ان يقابل السفيه بالإعراض عنه اذا لم يقبل النصيحة حتى لا يلام لان من حارب السفيه فكأنه قد وضع الحطب على النار .
ويقارن الحلم بالعلم لان الحلم اشرف الكمالات النفسية بعده بل لا ينتفع العالم من علمه اذا لم يكن حليما والشاهد على ذلك قول رسول الله صل الله عليه واله واقوال اهل بيته عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام في الحلم والرفق المقارنة للعلم نذكر منها ما يلي :
1- اللهم اغنني بالعلم وزيني بالحلم .
2-خمس من سنن المرسلين ....وعد منها الحلم .
3-ابتغوا الرفعة عند الله قالوا : و ما هي يا رسول الله ؟ قال : تصل من قطعك و تعطي من حرمك وتحلم عمن جهل عليك .
4-ان الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم.
5-ان الله يحب الحبي الحليم ويبغض الفاحش البذي.
6- ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشئ من عمله : تقوى تحجزه عن معاصي الله ,وحلم يكف به السفيه , وخلق يعيش به في الناس .
7-اذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق , نادى مناد : اين اهل الفضل ؟
فيقوم ناس - وهم يسيرون فينطلقون سراعا الى الجنة , فتتلقاهم الملائكة فيقولون : انا نراكم سراعا الى الجنة فيقولون : نحن اهل الفضل , فيقولون : ما كان فضلكم ؟ فيقولون : اذا ظلمنا صبرنا , واذا اسئ الينا عفونا , واذا جهل علينا حلمنا , قال لهم ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين .
8-عن مولانا امام المتقين وقائد الغر المحجلين امير المؤمنين عليه افضل الصلاة والسلام قال : ليس الخير ان يكثر مالك وولدك , ولكن الخير ان يكثر عملك ويعظم حلمك .
9-عن الامام صادق ال محمد عليه السلام قال : كفى بالحلم ناصرا , واذا لم تكن حليما تحلم.
10- اذا وقعت بين رجلين منازعة نزل ملكان , فيقولون للسفيه منهما : قلت وانت اهل لما قلت , و ستجزى بما قلت , ويقولان للحليم منهما : صبرت وحلمت سيغفر لك إن أتممت ذلك , قال عليه السلام : فان رد الحليم عليه ارتفع الملكان .
11- بعث مولانا الامام الصادق عليه السلام غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج على اثره فوجده نائما فجلس عند راسه يروحه حتى انتبه فقال له : يا فلان والله ما ذلك لك اتنام الليل والنهار لك الليل ولنا منك النهار .
12-ينقل العلماء عن رواة الحديث عن رسول الله صل الله عليه واله واهل بيته عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام انهم رووا عن جدهم صل الله عليه واله انه قال في الرفق ( لو كان خلقا يرى ما كان فيما خلق الله شيئا احسن منه ).
13-قال صل الله عليه واله : ( الرفق لم يوضع على شئ الا زانه ولا ينتزع من شئ الا شانه )
14-قال صل الله عليه واله : ( لكل شئ قفل وقفل الايمان الرفق)
15-قال صل الله عليه واله ( ان الله رفيق يحب الرفيق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)
16-قال صل الله عليه واله ( ما اصطحب اثنان الا كان اعظمهما اجرا واحبهما الى الله تعالى ارفقهما بصاحبه )
17-قال صل الله عليه واله الرفق يمن والخرق شؤم
18-قال صل الله عليه واله من كان رفيقا في امره نال ما يريده من الناس
19-قال صل الله عليه واله (اذا احب الله اهل بيت ادخل عليهم الرفق)
20-قال صل الله عليه واله وسلم (من اعطي حظه من الرفق اعطي حظه في خير الدنيا والاخرة , ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الدنيا والاخرة )
21-قال صل الله عليه واله (اذا احب الله عبدا اعطاه الرفق ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله )
22-قال صل الله عليه واله (أتدرون من يحرم على النار؟ كل هين لين سهل قريب)
23-قال مولانا باب الحوائج الامام موسى بن جعفر عليهما افضل الصلاة والتحية والسلام : الرفق نصف العيش
24-وعنه ايضا قال عليه السلام لمن جرى بينه وبين القوم من كلام : ( ارفق بهم فان كفر احدهم في غضبه و لا خير فيمن كان كفره في غضبه ).
و لا يخفى ان كل انسان ينبغي له ان يكون مطمئن النفس بحيث لا يحركه الغضب بسهوله و لا يزعجه المكروه بسرعة أما الانسان العالم فيلزمه علمه بالحلم حتما وإلا لا ينتفع بعلمه .
وبالجملة ان هذه المجموعة من الاخبار تؤكد لنا بوضوح عظمة الرفق والحلم وتعرفنا بأنهما من الصفات الحميدة التي ينبغي لكل احد ان يتصف بهما وبالخصوص العالم فلا بد له من التحلي بالحلم لكي يقوى به شخصيته لان الحلم هو طمانينة النفس بحيث لا يحركها الغضب بسهولة و لا يزعجها المكروه والعالم بحاجة الى طمأنيية النفس حتى يتمكن من تعليم الناس وارشادهم وهدايتهم الى مسالك الجنان فهو بحاجة الحلم من هذه الجهة اكثر من غيره .
ومن جهة اخرى ان الرفق والحلم من صفات الله عزوجل فاذا كان الله سبحانه وتعالى كما في الاخبار يحب ان يرى اثر صفاته في خلقه بأن يتصف بالحلم والرفق الانسان العادي فلا شك و لا ريب انه تعالى يحب ان اثر صفة الحلم في العالم لان العالم الذي يتميز بهذه الصفة بان يكون قادرا على ان يسيطر على نفسه وضبط جماحها وينتزعها عن الطيش والحمق هو العالم الذي في الواقع قابل لان يكون مربيا وعلى العكس الاحمق فهو عاجز حتى عن تربية نفسه .
قال الحكيم الفرطوسي ناظما قول رسول الله صل الله عليه واله : امرني ربي بمداراة الناس كما امرني بأداء الفرائض .
كل شئ يزان بالرفق والخرق مشين لسائر الاشياء
تظهر الكسوة ويكتب بالاحسان للعبد سائر الاعداء
وانا قد امرت للناس طرا بالمداراة من اله السماء
مثلما قد امرت منه بتبليغ البرايا رسالة الانبياء
زينة المرء بالمسكينة تبدو مع ايمانه بدون خباء
فعلى العالم العارف ان يتحلى من هذه الصفة الفاضلة سيما اذا كان الحلم او العفو مع القدرة على انفاذ العقوبة اما اذا كان الحلم او العفو عن عجز او ضعف فهو ليس من الحلم في شئ و ربما يكون لؤم و جبن .
كل حلم اتى بغير اقتدار حجة لاجئ اليها اللئام
لان بعض النفوس الضعيفة لا يزيدها الحلم الا سفها وحمقا .
فينبغي للعالم ان يعامل اصحاب النفوس الضعيفة المعاملة المناسبة لأحوالهم من الشدة والغلظة عليهم حتى لا يفجروا في خصومة و يكون الحلم وسيلة من وسائل تحريشهم واغرائهم بالغي والعدوان .
قال تعالى

وفي هذا يقول الشاعر العربي :
لئن كنت محتاجا الى الحلم انني الى الجهل في بعض الاحايين احوج
ولي فرس للخير بالخير ملجم ولي فرس للشر بالشر مسرج
فمن شاء تقويمي فاني مقوم ومن شاء تعويجي فاني معوج
وما كنت ارضى الجهل جدا ولا أبا ولكنني ارضى به حين احرج
لئن قال بعض الناس فيه سماجة لقد صدقوا والذل بالحر اسمج
3-الصبر : وينبغي للعالم ان يتحلى بهذه الصفة الحميدة لكي يتسنى له نشر تعاليم الاسلام الحنيف . قال تعالى ( ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون ) وقال تعالى : (و جعلناهم أئمة يهدون بامرنا لما صبروا )
وفي الحديث القدسي الشريف : اوحي الله تعالى الى داود : تخلق بأخلاقي انا الصبور وجاء عن مولانا الامام جعفر بن محمد عليه افضل الصلاة والتحية والسلام
انه قال : اذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبر يظلل عليه ويتنحى الصبر ناحية فاذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة و الزكاة والبر : دونكم صاحبكم فان عجزتم عنه فانا دونه.
وجاء عنه ايضا انه عليه السلام قال : الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور والصفاء والجزع يظهر ما في بواطنهم من االظلمة والوحشة والصبر يدعيه كل احد وما يثبت عنده الا المخبتون والجزع ينكره كل احد وهو أبين على المنافقين لان نزول المحنة والمصيبة مخبر عن الصادق والكاذب وتفسير الصبر ما يستمر من مذاقه وما كان اضطراب لا يسمى صبرا وتفسير الجزع اضطراب القلب وتحزن الشخص وتغير اللون وتغير الحال وكل نازلة خلت اوائلها من الاخبات والانابة والتضرع الى الله فصاحبها جزوع غير صابر والصبر ما أوله مر وأخره حلو لقوم ولقوم مر أوله و أخره فمن دخله من أواخره فقد دخل ومن دخله من اوائله فقد خرج ومن عرف قدر الصبر لا يصبر عما منه الصبر .
قال علماء الاخلاق : ينقسم الصبر الى بدني ونفسي فالبدني كتحمل المشاق بالبدن والثبات عليه وهو اما بالفعل كتعاطي الاعمال الشاقة من العبادات واما بالاحتمال كالصبر على الضرب الشديد والمرض العظيم والجراحات الهائلة .
واما القسم الثاني المسمى بنفسي فهو الصبر على مشتهيات الهوى وهو ان كان عن شهوة البطن والفرج سمي عفة وان كان على احتمال مكروه فان كان في مصيبة اقتصر على اسم الصبر .
وضده حال يسمى الجزع والهلع وهو اطلاق داعي الهوى ليسترسل في رفع الصوت وضرب الخدود وشق الجيوب وغيرها وان كان في احتمال التي سمي ضبط النفس ويضاد حالة تسمى البطر وان كان في الحرب سمي شجاعة ويضاده الجبن .
وان كان في كظم الغيظ والغضب سمي حلما ويضاده التذمر والغضب . وان كان في نائبة من نوائب الزمان سمي سعة الصدر ويضاده الضجر والتبرم وضيق الصدر وان كان في اخفاء كلام سمي كتمانا وصاحبه مكتوما وضده الاذاعة وان كان في فضول العيش سمي زهدا ويضاده الحرص وان كان صبرا على قدر يسير من الحظوظ سمي قناعة ويضاده الشره فالصبر جامع لأكثر اخلاق الايمان وهو الرئيس الاعظم والامام الاقوم
فلذلك لما سئل الرسول الاكرم صل الله عليه واله عن الايمان قال : الصبر
قال الحكيم الفرطوسي :
قال ان الايمان نصفان حقا عند تقيسمه بوزن سواء
منه نصف بالشكر يبدو ويبدو منه نصف في الصبر عند البلاء
كل حكم في مؤمن قد قضاه هو خير له بوقت القضاء
سره ام اساءه فهو تكفير ذنوب او حبوة من عطاء
4-الزهد : وينبغي للعالم ان يكون زاهدا حقا لانه رجل الاخرة والزهد مفتاح باب الاخرة . قال مولانا الامام صادق ال محمد عليه السلام
الزهد مفتاح باب الاخرة والبراءة من النار وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله تعالى من غير تأسف على فوتها ولا اعجاب في تركها ولا انتظار خرج منها ولا تطلب محمدة عليها ولا غرض لها بل يرى فوتها راحة وكونها آفة ويكون ابد هاربا من الآفة معتصما بالراحة , الزاهد الذي يختار الاخرة والذل على العز والدنيا والجهد على الراحة والجوع على الشبع وعافية الاجل على المحنة العاجل والذكر على الغفلة وتكون نفسه في الدنيا وقلبه في الاخرة .
وقال النبي المكرم صل الله عليه واله : من اصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه امره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا الا ما كتب له ومن اصبح وهمه الاخرة جمع الله له همه وحفظ عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة .
وفي الحديث : اوحى الله تعالى الى الدنيا ان اخدمي من خدمني ونغصي وكدري عيش من خدمك
قال الحكيم الفرطوسي :
كل ممس منكم ومصبح اضحي اكبر الهم منه يوم البقاء
ملأ الله بالغنى منه قلبا جامعا امره بخير التقاء
وهو يمض مستكملا دون تعص كل رزق له بيوم الغناء
واذا كان اكبر الهم دنياه غرور في صبحه ومساء
جعل الفقر نصب عينه فيها بعد تشتيت امره كالهباء
وهو يمضي عنها وما نال إلا ما له من مقدر وحباء
وقال مولانا المقدس السيد عبدالله شبر رضوان الله تعالى عليه معرفا حقيقة الزهد : الزهد هو صرف الرغبة عن الدنيا وعدم ارادتها بقلبه الا بقدر ضرورة بدنه قال ومنه يعلم ان الزهد في الدنيا لا ينافي كثرة المال والخدم ونحوهما إلا اذا كان محبا لها بقلبه وراعيا فيها وتشغله عن ذكر الله تعالى .
قال : والزهد في نفسه على ثلاث درجات :
الاولى : وهي السفلى ان يزهد في الدنيا وهو لها مشتهي وقلبه إليها مائل ونفسه ملتفتة ولكنه يجاهدها ويكفها
الثانية : ان يترك الدنيا طوعا لاستحقاره اياها الاضافة الى الاخرة المرغوب فيها كالذي يترك درهما لأجل درهمين فأنه لا يشق عليه ذلك وهو يظن بنفسه انه ترك شيئا له قدرا منه
الثالثة : وهي العليا ان يزهد طوعا ويزهد في زهده فلا يرى زهده اذ لا يرى انه ترك شيئا حيث عرف ان الدنيا لا شئ فيكون كمن ترك نواة واخذ جوهرة فلا يرى ذلك معاوضة وهذا كمال الزهد .
قال رضوان الله تعالى عليه : وينقسم اخرى بالاضافة الى المرغوب فيه الى ثلاث درجات :
1-اسفلها ان يكون المرغوب فيه النجاة من النار وسائر الآلام كعذاب القبر ومناقشة الحساب وخطر الصراط وهذا زهد الخائفين .
2-اوسطها ان يزهد رغبة في ثواب الله تعالى ونعيمه واللذات الموعودة في جنته وهذا زهد الراجين .
3-اعلاها ان لا يكون له رغبة إلا في الله ولقائه فلا يلتفت قلبه الى الآلام ليقصد الخلاص منها ولا الى اللذات ليقصد نيلها والظفر بها بل هو مستغرق الهم وهو الذي اصبح وهمه هم واحد فهو لا يطلب غير الله لان من طلب من غير الله فقد عبده وكل مطلوب معبود وكل طالب عبد بالاضافة الى مطلوبه وهذا زهد المحبين والعارفين .
وقال : ينقسم ايضا الى :
1-فرض
2-نفل
3-سلامة
اما الفرض : فهو الزهد في الحرام والنفل هو الزهد في الحلال واما السلامة فهو الزهد في الشبهات .
قال الشاعر :
والزهد اقسام ثلاثة ورد زهد عن الحرام واجب يعد
والثاني زهد عن مباح حللا في الشرع لكن تركه قد فضلا
مخافة الوقوع في الحرام وقد روي عن سيد الانام
ثالثها زهد أولي العرفان سموا به لارفع المكان
عن كل ما لا يختشى بأس به يخوف ان يشغله عن ربه
قد لحظوا الدنيا بعين المعرفة وحققوا ما كان فيها من
فعرفوها جيفة توسخت لكنها بالطيب قد تضمخت
وكسيت بفاخر اللباس فاغتر بالظاهر بعض الناس
والعاقلون العارفون عرفوا باطنها وعن هواها انصرفوا
فعلى العالم ان يكون زاهدا في الدنيا زهد اولي العرفان الذي سموا به الى ارفع المكان بحيث أولا لا يفرح و لا يحزن على مفقود كما اشار اليه امير المؤمنين عليه السلام في الاستنباط من قوله تعالى : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم )
وثانيا :يستوي عنده مادحه وذامه
وثالثا : ان يكون انسه بالله تعالى والغالب على قلبه حلاوة الطاعة
5-التفكر : وينبغي للعالم ان يكون متفكرا قال الله تعالى : (الذين يتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا )
وفي الحديث عن ابن عباس رضوان الله تعالى عليه قال التفكر في الخير يدعو الى العمل به والندم على الشر يدعو الى تركه
وعن مولانا ابي محمد الحسن انه قال : ان اهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة .
وقيل : ان التفكر في نعم الله من افضل العبادة ولو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوه لذا ينبغي للعالم ان يفتش صبيحة كل يوم جميع اعضائه السبعة تفصيلا ثم بدنه على الجملة هل هو في الحال ملابس لمعصية بها فيتركها او لابسها بالامس فيتداركها بالترك والندم او هو متعرض لها في نهاره فيستعد للاحتراز والتباعد منها فينظر اولا في اللسان ويقول : انه متعرض للغيبة والكذب وتزكية النفس والاستهزاء بالغير والمماراة والمازحة والخوض فيما لا يعني الى غير ذلك من المكاره فيقرر :
اولا : في نفسه ان هذه الاحوال مكروهة عند الله تعالى .
ثانيا :يتفكر في شواهد القران واخبار الرسول والتشديد في النهي عنها وما وعد فاعلها من العذاب
ثالثا : يتفكر في احواله انه كيف يتعرض لها من حيث لا يشعر
رابعا : يتفكر في انه كيف يحترز منها
خامسا : يتفكر في سمعه انه يصغي الى الغيبة وسماع الكذب وفضول الكلام الى اللهو والبدعية وكيف ينبغي ان يحترز منهم .
سادسا : يتفكر في بطنه انه إنما يعصي الله فيه بالاكل والشرب اما بكثرة الاكل من الحلال فان ذلك مكروه عند الله ومقوي للشهوة التي هي سلاح الشيطان عدو الله واما بأكل الحرام والشبهة فينظر من اين مطعمه وملبسه ومسكنه ويتفكر في طريق الحلال ومداخله ويقرر في نفسه ان البدن متى غذى بالحرام علا منه غشاوة فيقرر في نفسه ان الثواب متى كان حرام لم يتقبل فيه الصلاة وان اكل ولبس الحلال هو اساس العبادات جميعها فهكذا يتفكر في اعضائه جميعها ففي هذا القدر كفاية عن الاستقصاء فمهما حصل بالتفكير حقيقة المعرفة بهذه الاحوال اشتغل بالمراقبة طول النهار حتى يحفظ الاعضاء من جميع القبائح ثم ينظر في الطاعات كيف يؤديها وكيف يحرسها عن النقصان والتقصير وكيف يجبر نقصانها بكثر النوافل ثم يرجع الى كل عضو فيتفكر في الاحوال التي يتعلق بها مما يحبه الله تعالى فيقول مثلا ان العين خلقت للنظر في ملكوت السموات والارض عبرة ولتستعمل في طاعة الله تعالى ولتنظر في كتاب الله وسنة رسول الله صل الله عليه واله انا قادر على اشغل العين بمطالعة القران والسنة فلم لا افعله وانا قادر على ذلك وانا انظر الى فلان المطيع لله فانظر بعين التعظيم فادخل السرور على قلبه وكذلك يقول في سمعه اني قادر على استماع كلام ملهوف او استماع حكمة وعلم او استماع قراءة وذكر فما لي اعطله وقد انعم الله به علي واودعنيه لاشكره فما لي اكفر نعمة الله تعالى بتضييعه وتعطيله وكذلك يتفكر في اللسان ويقول اني قادر ان اتقرب الى الله تعالى بالتعليم والذكر والتودد الى قلوب اهل الصلاح وبالسؤال عن ااحوال الفقراء وادخال السرور على قلوبهم وكذلك يتفكر في ماله فيقول انا قادر على ان اتصدق بالمال الفلاني مستغن عنه ومهما تصدقت رزقني الله وان كنت محتاجا الان فإيثار الثواب اوجب مني ذلك المال
سابعا : ان يتفكر في الاسباب المهلكات التي محلها القلب وهي البخل والكبر والعجب والرياء والحسد وسوء الظن والغفلة وغير ذلك ويتفقد من قلبه هذه الصفات فان ظن ان قلبه منزه عنها فيتفكر في كيفية امتحانه والاستشهاد بالعلامات عليه فان النفس ابدا تعد بالخير من نفسها وتخلف فاذا ادعت التواضع والبراءة من الكبر يجرب نفسه بحمل حاجته من السوق الى داره لقول النبي صل الله عليه واله من حمل حاجته فقد برئ من الكبر فأذا ادعت الحلم تعرض لغضب يناله من غيره ثم يجربها بكظم الغيظ وهكذا في سائر الصفات كما انه لو رأى في نفسه عجبا بالعمل فيتفكر ويقول انما عملي بيدي وجارحتي وبقدرتي وارادتي وانما هو من خلق الله وفضله فهو الذي خلقني وخلق جارحتي وخلق قدرتي وارادتي فكيف اعجب بعلمي وهذه الالات التي صح مني العمل بها من خلق الله فالفضل والمنة لله في جميع ذلك فاذا احس في نفسه بالكبر فيزري على نفسه ما فيه من الحماقة فيقول لها بم ترين نفسك الكبر والكبير من هو كبير عند الله ويبين لها ان اصله ومبدءه من نطفة قذرة ومنتهاه الى جيفة منتنة فاذا عرف ان الكبر مهلك واصله الحماقة يتفكر في علاج ذلك بان يتعاطى افعال المتواضعين واذا وجد في نفسه شهوة الطعام والميل الى الشهوات تفكر وقال لها ان هذه صفة البهائم ولو كان في شهوة الطعام والوقاع كمال لكان ذلك من صفات الملائكة المقربين ومهما كان الى الشره اقرب هو عليه اغلب كان بالبهائم اشبه وعن الملائكة المقربين ابعد ثم ينظر ويتفكر فيما فيه النجاة من الافعال فهو التوبة والندم على الذنوب والعزم على ترك العود والصبر على بلاء الله والشكر على نعمائه والخوف منه الرجاء له والزهد في الدنيا الاخلاص والصدق في الطاعات فليتفكر العالم في كل يوم في قلبه ما الذي يعوزه من هذه الصفات التي هي المقربة الى الله فاذا افتقر الى شئ منها فليعلم انها احوال لا يثمرها الا العلوم وان العلوم لا يثمرها إلا الافكار فاذا اراد ان يكتسب لنفسه حال التوبة والندم فليفتش ذنوبه أولا وليتفكر فيها وليجمعها على نفسه وليفطمها على قلبه ثم لينظر في الوعيد والتشديد الذي ورد في الشرع وليحقق في نفسه انه متعرض لمقت الله به حتى ينبعث له حال الندم .
وإذا أراد ان يستبين له من قلبه حال الشكر فلينظر في احسان الله وأياديه عليه واذا اراد فلينظر اولا في ذنوبه الظاهرة ثم لينظر في الموت وسكراته ثم فيما بعده من مسائلة منكر ونكير وعذاب القبر ثم في هول النداء عند نفخة الصور ثم في هول المحشر عند جميع الخلائق على صعيد ثم في المناقشة في الحساب والمضائقة في النقير والقطمير ثم اهوال القيامة ثم يصور في نفسه جهنم ودركها ومقامعها واهوالها وانواع العذاب فيها وقبيح صورة الزبانية وانه كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب وانهم كلما ارادوا ان يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها واذا رأوها من مكان بعيد سمعوا لنا تغيظا وزفيرا .
واذا اراد ان ينظر الى الرجاء فلينظر الى الجنة ونعيمها وما اعد الله تعالى فيها من الملك الدائم والنعيم والحور واللذات فهكذا طريق الفكر الذي يطلب به العلوم فعلى العالم بقراءته والتفكر فيه فانه جامع لجميع المقامات والاحوال وفيه شفاء للعالمين وفيه ما يورث الخوف والرجاء والصبر والشكر وسائر الصفات وفيه ما يزجر عن جميع الصفات المذمومة فينبغي ان يقرأه العالم ويردد الاية التي هو محتاج الى التفكر فيها مرة بعد اخرى ولو مائة مرة فقراءة اية بتفكر وفهم خير ن ختمة بغير تفكر وفهم وليتوقف في التأمل فيها ولو ليلة واحدة فان تحت كل كلمة منها اسرار لا تنحصر ولا يوقف عليها الا بدقيق الفكر عن صفاء القلب وكذلك مطالعة كلام رسول الله صل الله عليه واله فأنه قد أوتي جوامع الكلم وكل كلمة بحر من بحور كلامه واذا تأملها العالم حق التامل لم ينقطع فيها نظره طول العمر .
6-الرحمة : وينبغي للعالم ان يكون رحيما من حيث ان الرحمة صفة كريمة وعاطفة انسانية نبيلة تبعث على بذل المعروف واغاثة الملهوف واعانة المحروم وكف العسف والظلم ومنع التعدي والبغي.
وقد اراد الاسلام ان يطبع الناس بها حتى تمتلئ قلوبهم خيرا وبرا وتفيض على الدنيا رجاءا واملا ...
فالله رب هذا الدين , هو الرحمن الرحيم وهو الذي وسع كل شئ رحمة وعلما وسبقت رحمته غضبه وجعل الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وانزل في الارض جزءا واحدا.
فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية ان تصيبه وكتاب الله رحمة : (وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) وجنته رحمة : ( واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) ورسوله رحمة : ( و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين امنوا منكم ) ( محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ) . والراحمون هم الذين يرحمهم الله ....
والذي يتجرد عن هذه الصفة فهو الشقي : ( من لا يرحم لا يرحم ) ...
(لا تنزع الرحمة الا من شقي).
فلابد للعالم من الاتصاف بالرحمة اقتداءا بالنبي صل الله عليه واله واهل بيته عليهم افضل الصلاة والتحية والسلام .
يتبع.....
تعليق