* لهذه الأسباب لن يكون هناك منطقة عازلة في سوريا
أميركا تتنصل من حلفائها: استراتيجيتنا الجديدة لن تخدم طموحاتكم بعد اليوم
نضال حمادة
لم تعد أجندة امريكا تتماشى مع مطالب تركيا ودول عربية وبعض أطياف المعارضة السورية في الخارج، بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري على الحدود التركية خصوصا بعد "النجاحات" الميدانية التي حققتها جبهة "النصرة" وبعض الفصائل التكفيرية الأخرى في مدينة إدلب وجسر الشغور. فبعد تكرار المعارضات السورية لا سيما "الائتلاف السوري" المطالبات جاء الرد حاسماً من البيت الأبيض بأن هذا الطرح غير وارد.
مجاهرة الولايات المتحدة بالرفض المتكرر لم تفاجئ العارفين بتفاصيل سياستها في سوريا. فقد كشفت مصادر مطلعة في العاصمة الفرنسية، أن اتفاقا أمريكيا - روسيا صيغ في العام 2013 يمنع قيام مناطق عازلة في سوريا، وحصل هذا عندما أبرمت موسكو مع واشنطن اتفاق السلاحين الكيمياوي والبيولوجي السوري والذي تخلت نتيجته دمشق عن سلاحيها المذكورين بضمانة روسية تعهدت بحماية الحكومة السورية ومنع موسكو أي تدخل عسكري غربي في سوريا.

سوريا
المصادر الفرنسية قالت في حديث لموقع "العهد الاخباري"، أن "أحد بنود الاتفاق الروسي - الامريكي كان التزام واشنطن بعدم القيام بأية عملية عسكرية في سوريا دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي والحصول على تفويض منه عبر قرار خاص، وهذا ما توكلت موسكو بمنعه عبر ثلاث قرارات نقض فيتو مزدوجة اتخذتها روسيا مع الصين".
الحلم التركي بعيد المنال
وأشارت المصادر الى أن الإدارة الأميركية تعلم أن أنقرة تطمح منذ أربع سنوات لإقامة منطقة نفوذ في الشمال السوري، وهي تريد عبر هذه المنطقة العازلة العمل كدولة عظمى في الإقليم وهذا ما لا تسمح به الولايات المتحدة الامريكية خصوصا بعد تصريحات المسؤولين الأتراك عن إرث السلطنة العثمانية الذي يحملونه و ًيحلمون بعودته.
كما أن واشنطن تعتبر أن أية منطقة عازلة في سورية يلزمها مظلة جوية أمريكية قد لا تكون كافية وحدها لتغيير الأوضاع الميدانية في سورية ما يجعل أمريكا في وضع حرج قد يجرها الى تدخل بري واسع لا تريد التورط به بعد تجربتها في أفغانستان والعراق.
المصادر الفرنسية ذاتها ربطت، في سياق حديثها لـ"العهد"، هذا الطرح والعدوان السعودي على اليمن وما نجم عنه من تورط للمملكة في المستنقع اليمني وعجزها عن إيجاد جيش حليف يقاتل عنها، وخير دليل على ذلك رفض باكستان الدولة الأقرب للسعودية إرسال جنود لخوض حرب برية في اليمن وقد رد نواب باكستانيون على الطلب السعودي بالقول "ليس لدينا جيش للإيجار"، فكيف بالولايات المتحدة التي يطلب إليها إقامة المنطقة العازلة وتغطيتها وربما إرسال جنود الى الارض فيما بعد للدفاع عنها وهذا ما ترفضه واشنطن رفضا قاطعا.
من هنا تبدو مطالب تركيا واتباعها في الائتلاف المعارض بعيدة المنال وغير واقعية ولا تتناسب مع التوجهات الاستراتيجية الجديدة لأمريكا، تلك التوجُّهات الجديدة أعلنت سابقًا أن أفغانستان والعراق هي آخر حروبها البرية الامريكية في الخارج. فواشنطن التي طلب إليها تأمين منطقة عازلة للمعارضة السورية وتركيا في شمال سوريا، تخلت عن حليفها الخليجي الأكبر في حرب اليمن وتركته يخوض الحرب وحده رغم الدعم الإعلامي الرسمي الامريكي للعدوان السعودي على اليمن والذي يعيش فترته الأخيرة قبل الإعلان عن توقفه بعدما يستكمل سلمان بن عبد العزيز اعادة رسم البيت الداخلي للعائلة السعودية المالكة.
***
* المنطقة في مواجهة مشروع التقسيم
أمين محمد حطيط - صحيفة "البناء"
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية
عندما دخلت أميركا بثقلها العسكري إلى منطقة الشرق الأوسط في عام 1991 تحت عنوان «عاصفة الصحراء» من أجل «تحرير الكويت» الذي غزاه صدام حسين بإيعاز وتشجيع أميركي، كانت أميركا تتوخى من هذا الدخول امتلاك النفط العربي والتحكم بالمعابر المائية المعتبرة شرايين الاقتصاد العالمي ما يمكنها من التحكم بالمعمورة في إطار نظام عالمي جديد طمحت إلى إقامته على أساس أحادي القطبية نظام برأيها كان يقتضي تحويل الشرق الأوسط إلى مستعمرة أميركية خالصة لا ينازعها فيها أحد بصوت معترض أو رافض.
نجحت أميركا في الخطوة الأولى بالانتشار في الخليج وحولته إلى بحيرة أطلسية في أقل من أسبوعين، ظنت أن إيران وسورية ستنصاعان لها لا بل ستسارعان للوقوف بالصف تنتظران الدور لتقديم مراسم الطاعة، الأمر الذي تبين فيه سوء تقدير أميركي كبير، خاصة بعد ما تبين لأميركا أن هاتين الدولتين لا ترفضان فقط الاستسلام لأميركا بل تحتضنان المقاومة المسلحة التي تناهض حليفتها وأداتها الاستراتيجية «إسرائيل» في لبنان وفلسطين، احتضان مكن من نشوء محور المقاومة الرافض في عمقه لفكرة الشرق الأوسط- المستعمرة الأميركية والعامل من أجل منطقة شرق أوسط لأهلها متعاونة مع الخارج بما يحفظ مصالح شعوب المنطقة.
بعد عقدين من المواجهة العسكرية والحروب التي خاضتها أميركا بتشريع من مجلس الأمن الذي امتلكت قراره بعد عام 1991 ومن غير تشريع منه وخلافاً لقواعد القانون الدولي العام، فهمت أميركا أن هذا المحور بما يملك لن يمكنها من تحقيق الحلم الوردي ذاك، وتأكد لها بعد 4 سنوات من إضرام نار «الحريق العربي»، أن إسقاط محور المقاومة من أجل تمرير المشروع أمر صعب، خصوصاً بعد أن تأكدت من أن هذا المحور امتلك قدرات عسكرية وخبرات قتالية تمنعها من السيطرة العسكرية عليه لإخضاعه سواء عملت باستراتيجية القوة الناعمة أو استراتيجية القوة الصلبة.
مع هذه القناعة اتجهت أميركا إلى العمل باستراتيجية تحديد الخسائر، أو السعي للحصول على أقصى ما يمكن من المكاسب، وفقا لمقولة «أن لم تدرك الكل لا تترك الكل»، أي تجنبت كما يبدو فكرة إما السيطرة على كل الشرق الأوسط أو الانسحاب منه»، ففكرة الخروج من الشرق الأوسط هي فكرة انتحارية لا تتصور أميركا نفسها يوماً تعمل بها. وبالتالي فإن أميركا باتت اليوم أمام قناعة في أمرين: يتراوحان بين استحالة امتلاك الحصرية في قرار الشرق الأوسط، وخطورة الانسحاب من الشرق الأوسط إلى الحد الذي يجعل الانسحاب مستحيلاً أيضاً. بين هاتين الاستحالتين يبدو أن أميركا اختارت طريقاً ثالثاً ذو شعبتين:
الأولى تقوم على إحياء مشروع التقسيم القديم -الجديد الذي لوحت به أميركا في لبنان في عام 1975، وعمل بشيء منه في السودان في السنوات الأخيرة، وهو مشروع يقوم على تقسيم الدول في المنطقة على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي أو أي أثنية أخرى، بحيث لا تستطيع الدويلة المنتجة بهذا المشروع امتلاك مصدر القوة التي تهدد به المشروع الصهيوأميركي وقاعدته «إسرائيل»، كما لا تستطيع أن تمتلك مصادر الاستقرار واستثمار الثروة التي تغنيها عن الخارج. بالتالي سيكون من يعارض أميركا في خندق ومن يواليها في خندق مقابل يتصارعان وتكون أميركا و»إسرائيل» هما الحكم.
الثانية تقوم على فكرة عقد الصفقات المنفردة مع مكونات محور المقاومة بما يغريها بالموافقة على الإقرار لأميركا بمصالحها في المنطقة ومهادنتها هي وأدواتها وأتباعها بما يمكنها من إعادة مشروع السيطرة وفقاً لنمط النفس الطويل.
وفي التطبيق العملي، حاولت أميركا جس النبض في إعمال السلوك الثاني أي منطق الصفقات، وكانت التجربة في سورية من خلال ما اسمي اتفاق نزع السلاح الكيماوي، والتجربة الثانية في إيران من خلال ما اسمي اتفاق الإطار حول الملف النووي الإيراني. وفي التقييم الأولي ثم المعمق تبين لأميركا أن هذين الطرفين غير جاهزين أو لا يتقبلان أصلاً فكرة الخضوع والتنازل ولا يستجيبان لسياسة الاستفزاز والابتزاز، ما جعل أميركا توقن مرة جديدة بفشلها بالمناورة وصعوبة الدخول إلى الدار من البوابة الخلفية، لذلك رأت أميركا أن المشروع الوحيد المتاح أمامها اليوم إذا استمرت متمسكة بفكرة السيطرة والاستعمار هو مشروع التقسيم. فاعتمدته وبدأت تلوح أو تحضر لتطبيقه بدءاً من العراق.
إن مشروع التقسيم الذي يبدو أن أميركا عادت إليه يشكل بنظرها تعويضاً عن الإخفاق بامتلاك الكل فقررت امتلاك الجزء، وشل الجزء الآخر بنار الجزء الذي امتلكته هنا تتمكن «إسرائيل» من العمل بحرية في ظل انشغال الآخرين بحروبهم وفقرهم وجرائمهم ومتاعبهم.
أما مضمون هذا المشروع فيبدو كما يلوح في المسار التنفيذي الأميركي ويتردد في وسائل الإعلام المروجة للسياسة الأميركية فيقوم على تقسيم 5 دول عربية إلى 18 دويلة. ويطاول مقص الخرائط في شكل خاص كل من العراق وسورية واليمن ولبنان والسعودية ويمكن أن تلحق به مصر قبل أو بعد السعودية مع إنشاء دولة المقدسات الإسلامية المدولة في مكة والمدينة بما يرضي رغبات حلفاء أميركا من الدول الإسلامية الكبرى وإخراج تلك الأماكن من يد عربية أما الأردن فتتغير وظيفته ليصبح الوطن الفلسطيني البديل.
إن مشروع تقسيم المنطقة بات خطراً داهماً، وبدأت أميركا في إجراءاته التنفيذية من خلال مشروع القرار الذي يعد في الكونغرس الأميركي والذي يتجاوز الحكومة المركزية في بغداد ويهمش دورها ويعترف ضمنياً بكيانات ثلاثة منفصلة. كما أن السعي السعودي -التركي لتجزئة سورية إنشاء المناطق الآمنة ومناطق الحظر الجوي مدخلاً لها غير خافية على أحد. وهنا يطرح السؤال هل سينجح المشروع؟
إننا نرى وانطلاقاً من القوة القائمة في الميدان والقدرات المتوافرة بيد مناهضي المشروع وهم في شكل أساسي محور المقاومة وجمهوره في الشارع العربي والإسلامي وهو جمهور واسع خلافاً لما يحاول إعلام الغرب ترويجه، أننا نرى أن مصير المشروع هذا هو الفشل بسبب العوامل التالية:
قدرات ميدانية مؤكدة تمنع أو تضع العوائق المانعة لتنفيذ مشروع التقسيم واستقراره، وهو ما يتمتع به محور المقاومة من قدرات يعلم صاحب المشروع بتوافرها والتي لم تستطع سنوات الحريق العربي الأربع استنفادها أو تعطيلها لا بل يمكن القول أن المحور استطاع اكتساب خبرات جديدة وإحداث تراكم في الإمكانات فاجأ العدو.
وعي سياسي نخبوي يتمثل بوجود طبقة فكرية من أصحاب الرأي والنظر الثاقب والشجاعة في بلورة المواقف ما يمكن من كشف المخطط وإنتاج رأي عام رافض له وضاغط ضده.
رفض شعبي لمشروع التقسيم، فعلى رغم كل ما حاوله الخصم من إنتاج بيئة انقسام اثني أو ديني أو عرقي فإن القاعدة الشعبية العامة العريضة ظلت في حالة من رفض الانقسام على رغم سقوط بعض المأجورين والمرتزقة وعبيد المال والشهوة والسلطة في براثن العدو.
عدم ملاءمة البيئة الدولية العامة لتمرير المشاريع الغربية بالسهولة التي تتصورها أميركا وننوه بوجود الصوت الروسي في مجلس الأمن والمدعوم بالصوت الصيني أيضاً.
لكل هذه الاعتبارات ومع علمنا بوجود مشروع التقسيم، فإننا نرى أن هناك من العوائق التي تحول دون نجاحه الكثير لكن حتى تؤتي هذه العوائق مفاعيلها في منعه ينبغي الحذر والتحضير للمواجهة ومن هنا تأتي أهمية المواقف السياسية والمواجهات الميدانية التي تجري الآن لإجهاض مشاريع الغرب التدميرية للمنطقة.
***
* معركة القلمون.. لإسقاط عاصفـة “فتــح دمشــق”

أحمد الشرقاوي
خاص، بانوراما الشرق الأوسط
في تطور لافت، يؤشر إلى مرحلة جديدة من التصعيد في سورية، غيرت الإدارة الأمريكية من رؤيتها لمحاربة الإرهاب في المنطقة، والتي على أساسها أقامت تحالفا ستينيـا لم ينجح في القضاء على “داعش” في العراق وسورية كما ادعت في البداية، ولم تنجح أيضا محاولة احتواء هذا التنظيم المتوحش كما زعمت حين عدلت من هدفها الرئيس، فتكشف دورها المخادع، وبانت الغاية من استثمارها في الإرهاب لإعادة رسم خرائط المنطقة..
وإذا كان قرار الكونجرس الأخير بشأن تسليح الأكراد والسنة من دون المرور بالحكومة المركزية في بغداد قد فضح حقيقة نواياها بالنسبة للعراق، فإن عودة العزف على نغمة إسقاط النظام في دمشق لأنه يمثل العائق الأساس أمام استراتيجية الحرب على الإرهاب، قد أسقط عن الإدارة الأمريكية آخر قناع كانت تتستر به لإخفاء وجهها القبيح..
القضـاء علـى “داعـش” يتطلـب “إسقـاط الأسـد”..
ما يؤكد هذا التوجه الجديد، هو تصريح السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ‘سامنثا باور’، التي نقلت عن أوباما قناعته الراسخة بأنه “لا يمكن معالجة مشكلة تنظيم داعش بشكل دائم طالما أنّ مشكلة الأسد لم تلق حلا”، وهو ذات المنطق المنافق الذي يقول به صهاينة ‘آل سعود’، حيث كانوا يرفضون الانخراط في الحرب على الإرهاب قبل إسقاط النظام في دمشق، لأنه، وفق زعمهم، هو من جذب الإرهاب إلى بلاده بسبب قتله لشعبه بالبراميل المتفجرة، في استغباء فاضح للعقول..
والسؤال الذي يطرحه الجميع اليوم هو: – إذا كان الرئيس الأسد هو فعلا من يقف وراء الإرهاب في سورية، فمن جلب الإرهاب إذن إلى العراق، ولبنان، واليمن، وليبيا، ومصر، وتونس، والجزائر، بل وأوروبا وأمريكا نفسها حيث ضربت “داعش” مؤخرا؟..
وطبعا لسنا بحاجة هنا للتذكير بما قاله مسؤولون أمريكيون سياسيون وعسكريون كبار، أو ما كشفه مدراء مخابرات في أوروبا، أو ما خلصت إليه تقارير مراكز دراسات دولية محترمة، أو ما توفر لأجهزة مخابرات إيران وسورية والعراق ولبنان من شواهد قاطعة حاسمة ونهائية، من أن الفكر الوهابي والدعم المالي السعودي هما من يقف وراء انتشار هذا الشر في المنطقة والعالم، منذ حرب أفغانستان إلى اليوم.. هذا أمر أصبح واضحا، والإصرار على توضيح الواضحات يعد من المفضحات.
وحيث أن الأمر كذلك، فالسؤال الحقيقي الذي ينسجم مع العقل والمنطق يصبح على الشكل التالي:
– إذا كان الإرهاب “السني” الذي أصبح يشكل خطرا داهما على الأمن العالمي، يمتح من الأفكار المتطرفة التي يروج لها الفكر الوهابي السعودي، ما يجعل من “السعودية” منبعا للإرهاب باختلاف أسمائه ومسمياته، فما علاقة النظام السوري “العلوي” أو إيران “الشيعية” بهذا الشر؟..
– وهل حقا القضاء على النظام السوري سيجعل العالم أكثر أمنا كما كان يقول الطاغية بوش الصغير قبيل غزوه للعراق وأفغانستان بدعوى الحرب على “القاعدة” والدول الحاضنة لها، أم أن الحل الجذري للمعضلة يكمن في القضاء على نظام آل سعود الصهاينة منبع هذا الشر؟..
نقول هذا لأن العالم وصل اليوم إلى قناعة مؤداها، أن محاربة الإرهاب تشبه إلى حد بعيد مطاردة الساحرات، وأن الحل يكمن في ضرب منبعه الرئيس المتمثل في النظام السعودي التكفيري لا السوري العلماني، وأنه لم يعد من المقبول استغباء الناس وإقامة تحالفات وتجيش قوات بدعوى الحرب على الإرهاب، في حين تؤكد الوقائع والأحداث أن هدف أمريكا كان دائما ولا يزال، هو الاستثمار في الإرهاب واستعماله كحصان طروادة من أجل تحقيق أطماع إمبريالية واضحة، لا تخدم الأمن والسلم الدوليين.
ومهما يكن من أمر، فتصريح سفيرة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الأخير يعني، أن الرئيس أوباما قرر التراجع عن تصريحاته السابقة بعدم جدوى إسقاط النظام في دمشق لأنه الخيار “الأقل سوءا” كما كان يقول، والقبول بالنزول عند رغبة “آل سعود” لأسباب لها علاقة بصفقات السلاح الخيالية، شريطة أن يتم نزع أنياب إيران وتقليم أظافرها بعد الاتفاق النووي، كي لا يكون لها نفوذ يذكر في العالم العربي الذي هو من مجال “الأمن القومي الإسرائيلي” الخالص دون شريك أو منازع.
التحضيــر للعــدوان علـى سوريــة..
وحيث أن سورية هي الحلقة الذهبية لمحور إيران المقاوم في المنطقة، فقد كان التركيز في قمة مجلس مشيخات الخليج الأخيرة بحضور الرئيس الفرنسي على ضرورة “إسقاط” الرئيس الأسد من خلال مقامرة جديدة وضعت لها المخططات التنفيذية في إطار حلف موسع بقيادة السعودية ودعم أمريكي فرنسي، يضم الأردن وتركيا والإمارات وقطر، ويتوقع أن تناقش تفاصيل العمليات والأدوار في اجتماع كامب ديفيد منتصف الشهر الجاري مع الرئيس أوباما، لوضع اللمسات الأخيرة وتحديد ساعة الصفر للبدء بما تسميه السعودية بـ”عاصفــة فتــح دمشــق” تيمنا بعملية “فتــح كابــول” زمن الاتحاد السوفييتي السابق.
ويتزامن التحضير للعدوان الجديد، مع حدثين بالغين الدلالة:
* الأول،المناورات التي ستجري قريبا في الأردن في نسختها الخامسة تحت مسمى “الأسد المتأهب”، والتي كشفت الصحافة الغربية عن أنه لا يمكن فصلها عن “عاصفة الإجرام” السعودية في اليمن التي سافر جون كيري مؤخرا لدول القرن الإفريقي من أجل أن يحشد لها المرتزقة تحضيرا لحرب برية.. هذا بالإضافة للأسلحة الإستراتيجية التي ستستخدم في المناورة المذكورة لأول مرة، من راجمات للصواريخ عالية الدقة وقاذفات “ب 52″ الإستراتيجية التي استخدمت في احتلال العراق سنة 2003، بالإضافة لسلاح الطيران بأنواعه، وسلاح الدبابات والصوارخ المحمولة وخلافه من أسلحة نوعية متطورة..
أما على مستوى الإمكانات البشرية، فقد تم إعداد فرق لكوماندوس خاصة وقوات تدخل سريع تم تدريبها في الأردن وتركيا لتقوم بعمليات نوعية في العمق السوري على شاكلة ما قام به الحلف الأطلسي في ليبيا وأدى إلى اغتيال العقيد القذافي، ناهيك عن وجود ما يناهز 15 ألف عنصر من جيش أوباما السري (جبهة النصرة وغيرها من المرتزقة) المدربين في الأردن وتركيا والجاهزين لدخول سورية والالتحاق بـ”جيــش الفتــح” الذي تم تشكيله مؤخرا بتعويم “جبهة النصرة” وعديد الفصائل الإرهابية التي تناسلت جميعها من رحم “القاعــدة” كما هو معلوم بفضل المال السعودي والتسليح والتدريب الأمريكي الذي يتم منذ مدة في قواعد بتركيا والأردن وقطر والسعودية، ومؤخرا وصل وفد من ضباط الجيش الأمريكي إلى جنوب تركيا لمباشرة التدريب المكثف لآخر المجموعات المستقدمة من الشيشان والقوقاز وغيرها.
ما يوحي بأننا أمام سيناريو لحرب كاسحة جوا وبرا من الجنوب والشمال السوري، سيكون فيها للسعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا أدوارا محورية، ولعل هذا هو السبب الذي جعل السيد ‘بشار الجعفري’ وفي سابقة هي الأولى من نوعها، يهدد تركيا وغيرها (في إشارة إلى الأردن) بحرب مفتوحة من منبر مجلس الأمن، وكان سفير سورية لدى الأردن السيد ‘بهجت سلمان’ سبق وأن هدد النظام الأردني بأنه سيتلقى الرد المناسب على تآمره ضد سورية.
* الثاني، احتضان الرياض لمؤتمر زبالة الخونة تحت مسمى “المعارضة السورية”، التي أصبح لها اليوم بفضل “جيـش الفتـح”، الأداة الجديدة للنفوذ السعودي، تواجد عسكري في الميدان السوري، بعد أن تم تجميع “جبهة النصرة” وبعض التشكيلات الإرهابية في قوة واحدة، ليكون لـ”الثورة” شرعية وهمية سياسية وعسكرية، تجنبا للأخطاء السابقة التي وقعت فيها تركيا، وهو المؤتمر الذي قال عنه وزير الخارجية القطري بأنه سينعقد لـ”وضع خطة لإدارة المرحلة الانتقالية لما بعد نظام بشار الأسد”.
مـن يرقـص عاريـا لا يغطـي وجهـه خجـلا..
إلى هنا يبدو المشهد القادم واضحا، لكن ما زاده وضوحا على ما هو عليه، خروج العاهل الأردني عن صمته الأربعاء، ليقول في لقاء تلفزيوني عن سورية وبطريقة تصعيدية لافتة: “بينما كانت ‘داعش’ تتشكل وتقوى، لم يتعرض لها أحد، فالنظام كان يقصف الجميع إلا ‘داعش’، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الاستغراب.. لماذا كان يسمح لهم بتعزيز وجودهم؟.. كان أحد التفسيرات بشكل واضح أنه بوجود إدانة دولية للنظام، فقد كان هناك سعي إلى إيجاد طرف أسوأ منه في منظوره، بحيث يميل الرأي العام إلى النظام، وقد نجحوا في ذلك”.
وهذا تحول يؤشر إلى خروج النظام الأردني عن المألوف، حيث كان دائما يقول أنه ينأى بنفسه عن الوضع الداخلي السوري، وينكر تورط مخابراته ودور أجهزته العسكرية في تدريب الإرهابيين وضخهم إلى العمق السوري طوال السنوات الأربعة الماضية، خصوصا “جبهة النصرة” كما هو معروف اليوم للجميع..
وتركيزه على انتقاد النظام السوري يعني، أنه قرر الخروج من الظلام إلى النور، ويكشر عن أنيابه ويبرر تدخل بلاده في المخطط الجديد المعد لـ”فتــح دمشــق”، بعد أن وصل إلى قناعة مفادها، أن الذي يرقص وعورته عارية لا يغطي وجهه خجلا..
العاهر الأردني ذهب بعيدا حين اتهم النظام السوري بالمساهمة في وجود “داعش”، وقال بالحرف لقناة (سي إن إن) الأمريكية الأحد: “رأينا عصابة داعش قبل عامين تقريبا تتشكل في الرقة، في شمال سوريا، والتي تعد مقرها الرئيسي، وما كان مثيرا للاهتمام أنه بينما كانت تتشكل وتقوى، لم يتعرض لها أحد”.
وهذا صحيح لا ننكره، لكن، إذا كانت “السعودية” وتركيا، والولايات المتحدة لا يعتبرون محاربة “داعش” أولوية لهم، فلماذا يريد مليك “جبهة النصرة” في الأردن أن يحارب الرئيس الأسد “داعش”؟..
هل لأنها تعتبر خطرا على نظامه وتهدد بـ”فتـح عمـان” وبعدها “فتـح الحجـاز” وإسقاط نظام ‘آل سعود’ اليهود وهدم الكعبة المشرفة لإقامة الدين الوهابي الصحيح في نسخته “النيـو – داعشيـة” الجديدة، وبعد ذلك الانطلاق لغزو رومـا وتعليق رأس البابا على بوابة الفاتيكان إيذانا بنهاية العقيدة المسيحية؟..
الرئيس الأسد ليس غبيا ليسقط في الفخ ويستنزف جيشه في محاربة أكثر من 1000 تنظيم وفصيل إرهابي بحيث لم يبقى اسم في القاموس الإسلامي إلا وانتحله فريق تكفيري ليقاتل تحت رايته، حتى بلغ عدد الإرهابيين الذي دخلوا سورية منذ بداية العدوان إلى اليوم أكثر من 300 ألف مرتزق..
الرئيس الأسد رجل عقلاني، ومثله مثل كل رؤساء العالم قرأ كتاب “الأمير” لمكيافيلي، وأصبح يتقن فن اللعب على التناقضات ويعرف كيف يدير خيوط لعبة الضد النوعي، فقرر مهادنة “داعش” مؤقتا، ومواجهة الأخطار الحقيقية التي تتهدد بلاده، ففضل التخلي عن بعض الجغرافيا كساحة لصراع الذئاب والتركيز على حماية مواطنيه في التكتلات الكبرى، لكنه في نفس الوقت كان يستمتع بالصراع على النفوذ الدائر بين “السعودية” من جهة وتركيا وقطر من جهة أخرى، فيترك “داعش” تصفي حساباتها مع مرتزقة السعودية، في انتظار أن ينفذ معينهم جميعا، فيوفي بوعده الذي قطعه لمحور المؤامرة بقوله قبل ثلاث سنوات، بأن “بضاعتكم سترتد عليكم، وأن الإرهاب سيصل إلى أوروبا وما بعد أوروبا”..
والمتابع لتطورات الأحداث في سورية، يدرك أن كل المواقع التي سقطت في يد الإرهابيين ومكثوا فيها، كان ذلك بسبب أنهم وجدوا البيئة الحاضنة لهم، في حين أن أعداد هائلة من الرافضين لشريعة الوهابية الظلامية نزحوا نحو بلدان الجوار خوفا من أن يجتاح الإرهاب المناطق الآمنة.
وبهذا المعنى، فالحرب الكونية في وعلى سورية لم تكن حربا أهلية، ولا “ثورة شعبية” ولا من يحزنون، بل كانت حربا أمريكية صهيونية وهابية همجية ضد بلد علماني متحضر ومنفتح، وكان شعبه يعيش في أمن وأمان متجانس ومتضامن، بعزة وكرامة، لكن جريمته أنه اختار نهج الممانعة والمقاومة، ورفض وجود هذا الشر المستطير المسمى “إسرائيل” على حدوده، فكان لزاما أن يدفع الثمن.. والرئيس الأسد ليس انتهازيا ولا فاسدا مستبدا ليفرض على الشعب خيار الخيانة والعمالة مقابل البيترو دولار كما فعل عاهر الأردن الذي ينتقد الرئيس الأسد لعدم محاربته “داعش”.
القلمـون.. معركـة استباقيـة لإسقـاط عاصفـة “فتـح دمشـق”
اليوم، نستطيع القول، أن ما ذهبنا إليه بالتحليل في المقالة التي تناولنا فيها خطاب سماحة السيد الأخير وقلنا أنها كانت بمثابة أمر عمليات لإشعال كل الجبهات، أن إشعال جبهة القلمون، تزامنا مع قرار الرئيس ‘الأسد’ بإرسال تعزيزات عسكرية لفك الحصار عن جسر الشغور وإعادة إدلب.. تعتبر خطوة استباقية لتطهير القلمون والفوطة الشرقية لدمشق والشريط الحدودي مع الجولان المحتل والأردن من التكفيريين، بالإضافة لاستعادة المدن والقرى التي سقطت في الشمال، وتعزيز التواجد العسكري على الجبهة التركية والأردنية معا، مع تحصين العاصمة دمشق تحسبا لعمليات نوعية مفاجئة..
وبهذا المعنى، تستطيع “السعودية” وتحالفها الجديد البحث عن عاصفة أخرى تحميها من فشلها الذريع في اليمن غير عاصفة “فتـح دمشـق” التي سقطت بمجرد دخول حزب الله معركة القلمون، وما أدراك ما القلمون..
وها هم خبراء صهاينة يعضون على الأصابع ويقولون اليوم صراحة للإعلام، أن دخول حزب الله معركة القلمون حصن نظام ‘الأسد’ وأفشل مسبقا أي محاولة لإسقاطه..
وقريبا ستظهر حقائق ومفاجآت ومعاني إشعال الجبهات في سورية، ليفهم خطاب سماحته الأخير في بعده السياسي والعسكري الإستراتيجي الكبير..
وختاما نقول لأل سعود.. كل عاصفة وأنتم مرعوبون أيها الفاشلون..
أميركا تتنصل من حلفائها: استراتيجيتنا الجديدة لن تخدم طموحاتكم بعد اليوم
نضال حمادة
لم تعد أجندة امريكا تتماشى مع مطالب تركيا ودول عربية وبعض أطياف المعارضة السورية في الخارج، بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري على الحدود التركية خصوصا بعد "النجاحات" الميدانية التي حققتها جبهة "النصرة" وبعض الفصائل التكفيرية الأخرى في مدينة إدلب وجسر الشغور. فبعد تكرار المعارضات السورية لا سيما "الائتلاف السوري" المطالبات جاء الرد حاسماً من البيت الأبيض بأن هذا الطرح غير وارد.
مجاهرة الولايات المتحدة بالرفض المتكرر لم تفاجئ العارفين بتفاصيل سياستها في سوريا. فقد كشفت مصادر مطلعة في العاصمة الفرنسية، أن اتفاقا أمريكيا - روسيا صيغ في العام 2013 يمنع قيام مناطق عازلة في سوريا، وحصل هذا عندما أبرمت موسكو مع واشنطن اتفاق السلاحين الكيمياوي والبيولوجي السوري والذي تخلت نتيجته دمشق عن سلاحيها المذكورين بضمانة روسية تعهدت بحماية الحكومة السورية ومنع موسكو أي تدخل عسكري غربي في سوريا.

سوريا
المصادر الفرنسية قالت في حديث لموقع "العهد الاخباري"، أن "أحد بنود الاتفاق الروسي - الامريكي كان التزام واشنطن بعدم القيام بأية عملية عسكرية في سوريا دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي والحصول على تفويض منه عبر قرار خاص، وهذا ما توكلت موسكو بمنعه عبر ثلاث قرارات نقض فيتو مزدوجة اتخذتها روسيا مع الصين".
الحلم التركي بعيد المنال
وأشارت المصادر الى أن الإدارة الأميركية تعلم أن أنقرة تطمح منذ أربع سنوات لإقامة منطقة نفوذ في الشمال السوري، وهي تريد عبر هذه المنطقة العازلة العمل كدولة عظمى في الإقليم وهذا ما لا تسمح به الولايات المتحدة الامريكية خصوصا بعد تصريحات المسؤولين الأتراك عن إرث السلطنة العثمانية الذي يحملونه و ًيحلمون بعودته.
كما أن واشنطن تعتبر أن أية منطقة عازلة في سورية يلزمها مظلة جوية أمريكية قد لا تكون كافية وحدها لتغيير الأوضاع الميدانية في سورية ما يجعل أمريكا في وضع حرج قد يجرها الى تدخل بري واسع لا تريد التورط به بعد تجربتها في أفغانستان والعراق.
المصادر الفرنسية ذاتها ربطت، في سياق حديثها لـ"العهد"، هذا الطرح والعدوان السعودي على اليمن وما نجم عنه من تورط للمملكة في المستنقع اليمني وعجزها عن إيجاد جيش حليف يقاتل عنها، وخير دليل على ذلك رفض باكستان الدولة الأقرب للسعودية إرسال جنود لخوض حرب برية في اليمن وقد رد نواب باكستانيون على الطلب السعودي بالقول "ليس لدينا جيش للإيجار"، فكيف بالولايات المتحدة التي يطلب إليها إقامة المنطقة العازلة وتغطيتها وربما إرسال جنود الى الارض فيما بعد للدفاع عنها وهذا ما ترفضه واشنطن رفضا قاطعا.
من هنا تبدو مطالب تركيا واتباعها في الائتلاف المعارض بعيدة المنال وغير واقعية ولا تتناسب مع التوجهات الاستراتيجية الجديدة لأمريكا، تلك التوجُّهات الجديدة أعلنت سابقًا أن أفغانستان والعراق هي آخر حروبها البرية الامريكية في الخارج. فواشنطن التي طلب إليها تأمين منطقة عازلة للمعارضة السورية وتركيا في شمال سوريا، تخلت عن حليفها الخليجي الأكبر في حرب اليمن وتركته يخوض الحرب وحده رغم الدعم الإعلامي الرسمي الامريكي للعدوان السعودي على اليمن والذي يعيش فترته الأخيرة قبل الإعلان عن توقفه بعدما يستكمل سلمان بن عبد العزيز اعادة رسم البيت الداخلي للعائلة السعودية المالكة.
***
* المنطقة في مواجهة مشروع التقسيم
أمين محمد حطيط - صحيفة "البناء"
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية
عندما دخلت أميركا بثقلها العسكري إلى منطقة الشرق الأوسط في عام 1991 تحت عنوان «عاصفة الصحراء» من أجل «تحرير الكويت» الذي غزاه صدام حسين بإيعاز وتشجيع أميركي، كانت أميركا تتوخى من هذا الدخول امتلاك النفط العربي والتحكم بالمعابر المائية المعتبرة شرايين الاقتصاد العالمي ما يمكنها من التحكم بالمعمورة في إطار نظام عالمي جديد طمحت إلى إقامته على أساس أحادي القطبية نظام برأيها كان يقتضي تحويل الشرق الأوسط إلى مستعمرة أميركية خالصة لا ينازعها فيها أحد بصوت معترض أو رافض.
نجحت أميركا في الخطوة الأولى بالانتشار في الخليج وحولته إلى بحيرة أطلسية في أقل من أسبوعين، ظنت أن إيران وسورية ستنصاعان لها لا بل ستسارعان للوقوف بالصف تنتظران الدور لتقديم مراسم الطاعة، الأمر الذي تبين فيه سوء تقدير أميركي كبير، خاصة بعد ما تبين لأميركا أن هاتين الدولتين لا ترفضان فقط الاستسلام لأميركا بل تحتضنان المقاومة المسلحة التي تناهض حليفتها وأداتها الاستراتيجية «إسرائيل» في لبنان وفلسطين، احتضان مكن من نشوء محور المقاومة الرافض في عمقه لفكرة الشرق الأوسط- المستعمرة الأميركية والعامل من أجل منطقة شرق أوسط لأهلها متعاونة مع الخارج بما يحفظ مصالح شعوب المنطقة.
بعد عقدين من المواجهة العسكرية والحروب التي خاضتها أميركا بتشريع من مجلس الأمن الذي امتلكت قراره بعد عام 1991 ومن غير تشريع منه وخلافاً لقواعد القانون الدولي العام، فهمت أميركا أن هذا المحور بما يملك لن يمكنها من تحقيق الحلم الوردي ذاك، وتأكد لها بعد 4 سنوات من إضرام نار «الحريق العربي»، أن إسقاط محور المقاومة من أجل تمرير المشروع أمر صعب، خصوصاً بعد أن تأكدت من أن هذا المحور امتلك قدرات عسكرية وخبرات قتالية تمنعها من السيطرة العسكرية عليه لإخضاعه سواء عملت باستراتيجية القوة الناعمة أو استراتيجية القوة الصلبة.
مع هذه القناعة اتجهت أميركا إلى العمل باستراتيجية تحديد الخسائر، أو السعي للحصول على أقصى ما يمكن من المكاسب، وفقا لمقولة «أن لم تدرك الكل لا تترك الكل»، أي تجنبت كما يبدو فكرة إما السيطرة على كل الشرق الأوسط أو الانسحاب منه»، ففكرة الخروج من الشرق الأوسط هي فكرة انتحارية لا تتصور أميركا نفسها يوماً تعمل بها. وبالتالي فإن أميركا باتت اليوم أمام قناعة في أمرين: يتراوحان بين استحالة امتلاك الحصرية في قرار الشرق الأوسط، وخطورة الانسحاب من الشرق الأوسط إلى الحد الذي يجعل الانسحاب مستحيلاً أيضاً. بين هاتين الاستحالتين يبدو أن أميركا اختارت طريقاً ثالثاً ذو شعبتين:
الأولى تقوم على إحياء مشروع التقسيم القديم -الجديد الذي لوحت به أميركا في لبنان في عام 1975، وعمل بشيء منه في السودان في السنوات الأخيرة، وهو مشروع يقوم على تقسيم الدول في المنطقة على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي أو أي أثنية أخرى، بحيث لا تستطيع الدويلة المنتجة بهذا المشروع امتلاك مصدر القوة التي تهدد به المشروع الصهيوأميركي وقاعدته «إسرائيل»، كما لا تستطيع أن تمتلك مصادر الاستقرار واستثمار الثروة التي تغنيها عن الخارج. بالتالي سيكون من يعارض أميركا في خندق ومن يواليها في خندق مقابل يتصارعان وتكون أميركا و»إسرائيل» هما الحكم.
الثانية تقوم على فكرة عقد الصفقات المنفردة مع مكونات محور المقاومة بما يغريها بالموافقة على الإقرار لأميركا بمصالحها في المنطقة ومهادنتها هي وأدواتها وأتباعها بما يمكنها من إعادة مشروع السيطرة وفقاً لنمط النفس الطويل.
وفي التطبيق العملي، حاولت أميركا جس النبض في إعمال السلوك الثاني أي منطق الصفقات، وكانت التجربة في سورية من خلال ما اسمي اتفاق نزع السلاح الكيماوي، والتجربة الثانية في إيران من خلال ما اسمي اتفاق الإطار حول الملف النووي الإيراني. وفي التقييم الأولي ثم المعمق تبين لأميركا أن هذين الطرفين غير جاهزين أو لا يتقبلان أصلاً فكرة الخضوع والتنازل ولا يستجيبان لسياسة الاستفزاز والابتزاز، ما جعل أميركا توقن مرة جديدة بفشلها بالمناورة وصعوبة الدخول إلى الدار من البوابة الخلفية، لذلك رأت أميركا أن المشروع الوحيد المتاح أمامها اليوم إذا استمرت متمسكة بفكرة السيطرة والاستعمار هو مشروع التقسيم. فاعتمدته وبدأت تلوح أو تحضر لتطبيقه بدءاً من العراق.
إن مشروع التقسيم الذي يبدو أن أميركا عادت إليه يشكل بنظرها تعويضاً عن الإخفاق بامتلاك الكل فقررت امتلاك الجزء، وشل الجزء الآخر بنار الجزء الذي امتلكته هنا تتمكن «إسرائيل» من العمل بحرية في ظل انشغال الآخرين بحروبهم وفقرهم وجرائمهم ومتاعبهم.
أما مضمون هذا المشروع فيبدو كما يلوح في المسار التنفيذي الأميركي ويتردد في وسائل الإعلام المروجة للسياسة الأميركية فيقوم على تقسيم 5 دول عربية إلى 18 دويلة. ويطاول مقص الخرائط في شكل خاص كل من العراق وسورية واليمن ولبنان والسعودية ويمكن أن تلحق به مصر قبل أو بعد السعودية مع إنشاء دولة المقدسات الإسلامية المدولة في مكة والمدينة بما يرضي رغبات حلفاء أميركا من الدول الإسلامية الكبرى وإخراج تلك الأماكن من يد عربية أما الأردن فتتغير وظيفته ليصبح الوطن الفلسطيني البديل.
إن مشروع تقسيم المنطقة بات خطراً داهماً، وبدأت أميركا في إجراءاته التنفيذية من خلال مشروع القرار الذي يعد في الكونغرس الأميركي والذي يتجاوز الحكومة المركزية في بغداد ويهمش دورها ويعترف ضمنياً بكيانات ثلاثة منفصلة. كما أن السعي السعودي -التركي لتجزئة سورية إنشاء المناطق الآمنة ومناطق الحظر الجوي مدخلاً لها غير خافية على أحد. وهنا يطرح السؤال هل سينجح المشروع؟
إننا نرى وانطلاقاً من القوة القائمة في الميدان والقدرات المتوافرة بيد مناهضي المشروع وهم في شكل أساسي محور المقاومة وجمهوره في الشارع العربي والإسلامي وهو جمهور واسع خلافاً لما يحاول إعلام الغرب ترويجه، أننا نرى أن مصير المشروع هذا هو الفشل بسبب العوامل التالية:
قدرات ميدانية مؤكدة تمنع أو تضع العوائق المانعة لتنفيذ مشروع التقسيم واستقراره، وهو ما يتمتع به محور المقاومة من قدرات يعلم صاحب المشروع بتوافرها والتي لم تستطع سنوات الحريق العربي الأربع استنفادها أو تعطيلها لا بل يمكن القول أن المحور استطاع اكتساب خبرات جديدة وإحداث تراكم في الإمكانات فاجأ العدو.
وعي سياسي نخبوي يتمثل بوجود طبقة فكرية من أصحاب الرأي والنظر الثاقب والشجاعة في بلورة المواقف ما يمكن من كشف المخطط وإنتاج رأي عام رافض له وضاغط ضده.
رفض شعبي لمشروع التقسيم، فعلى رغم كل ما حاوله الخصم من إنتاج بيئة انقسام اثني أو ديني أو عرقي فإن القاعدة الشعبية العامة العريضة ظلت في حالة من رفض الانقسام على رغم سقوط بعض المأجورين والمرتزقة وعبيد المال والشهوة والسلطة في براثن العدو.
عدم ملاءمة البيئة الدولية العامة لتمرير المشاريع الغربية بالسهولة التي تتصورها أميركا وننوه بوجود الصوت الروسي في مجلس الأمن والمدعوم بالصوت الصيني أيضاً.
لكل هذه الاعتبارات ومع علمنا بوجود مشروع التقسيم، فإننا نرى أن هناك من العوائق التي تحول دون نجاحه الكثير لكن حتى تؤتي هذه العوائق مفاعيلها في منعه ينبغي الحذر والتحضير للمواجهة ومن هنا تأتي أهمية المواقف السياسية والمواجهات الميدانية التي تجري الآن لإجهاض مشاريع الغرب التدميرية للمنطقة.
***
* معركة القلمون.. لإسقاط عاصفـة “فتــح دمشــق”

أحمد الشرقاوي
خاص، بانوراما الشرق الأوسط
في تطور لافت، يؤشر إلى مرحلة جديدة من التصعيد في سورية، غيرت الإدارة الأمريكية من رؤيتها لمحاربة الإرهاب في المنطقة، والتي على أساسها أقامت تحالفا ستينيـا لم ينجح في القضاء على “داعش” في العراق وسورية كما ادعت في البداية، ولم تنجح أيضا محاولة احتواء هذا التنظيم المتوحش كما زعمت حين عدلت من هدفها الرئيس، فتكشف دورها المخادع، وبانت الغاية من استثمارها في الإرهاب لإعادة رسم خرائط المنطقة..
وإذا كان قرار الكونجرس الأخير بشأن تسليح الأكراد والسنة من دون المرور بالحكومة المركزية في بغداد قد فضح حقيقة نواياها بالنسبة للعراق، فإن عودة العزف على نغمة إسقاط النظام في دمشق لأنه يمثل العائق الأساس أمام استراتيجية الحرب على الإرهاب، قد أسقط عن الإدارة الأمريكية آخر قناع كانت تتستر به لإخفاء وجهها القبيح..
القضـاء علـى “داعـش” يتطلـب “إسقـاط الأسـد”..
ما يؤكد هذا التوجه الجديد، هو تصريح السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ‘سامنثا باور’، التي نقلت عن أوباما قناعته الراسخة بأنه “لا يمكن معالجة مشكلة تنظيم داعش بشكل دائم طالما أنّ مشكلة الأسد لم تلق حلا”، وهو ذات المنطق المنافق الذي يقول به صهاينة ‘آل سعود’، حيث كانوا يرفضون الانخراط في الحرب على الإرهاب قبل إسقاط النظام في دمشق، لأنه، وفق زعمهم، هو من جذب الإرهاب إلى بلاده بسبب قتله لشعبه بالبراميل المتفجرة، في استغباء فاضح للعقول..
والسؤال الذي يطرحه الجميع اليوم هو: – إذا كان الرئيس الأسد هو فعلا من يقف وراء الإرهاب في سورية، فمن جلب الإرهاب إذن إلى العراق، ولبنان، واليمن، وليبيا، ومصر، وتونس، والجزائر، بل وأوروبا وأمريكا نفسها حيث ضربت “داعش” مؤخرا؟..
وطبعا لسنا بحاجة هنا للتذكير بما قاله مسؤولون أمريكيون سياسيون وعسكريون كبار، أو ما كشفه مدراء مخابرات في أوروبا، أو ما خلصت إليه تقارير مراكز دراسات دولية محترمة، أو ما توفر لأجهزة مخابرات إيران وسورية والعراق ولبنان من شواهد قاطعة حاسمة ونهائية، من أن الفكر الوهابي والدعم المالي السعودي هما من يقف وراء انتشار هذا الشر في المنطقة والعالم، منذ حرب أفغانستان إلى اليوم.. هذا أمر أصبح واضحا، والإصرار على توضيح الواضحات يعد من المفضحات.
وحيث أن الأمر كذلك، فالسؤال الحقيقي الذي ينسجم مع العقل والمنطق يصبح على الشكل التالي:
– إذا كان الإرهاب “السني” الذي أصبح يشكل خطرا داهما على الأمن العالمي، يمتح من الأفكار المتطرفة التي يروج لها الفكر الوهابي السعودي، ما يجعل من “السعودية” منبعا للإرهاب باختلاف أسمائه ومسمياته، فما علاقة النظام السوري “العلوي” أو إيران “الشيعية” بهذا الشر؟..
– وهل حقا القضاء على النظام السوري سيجعل العالم أكثر أمنا كما كان يقول الطاغية بوش الصغير قبيل غزوه للعراق وأفغانستان بدعوى الحرب على “القاعدة” والدول الحاضنة لها، أم أن الحل الجذري للمعضلة يكمن في القضاء على نظام آل سعود الصهاينة منبع هذا الشر؟..
نقول هذا لأن العالم وصل اليوم إلى قناعة مؤداها، أن محاربة الإرهاب تشبه إلى حد بعيد مطاردة الساحرات، وأن الحل يكمن في ضرب منبعه الرئيس المتمثل في النظام السعودي التكفيري لا السوري العلماني، وأنه لم يعد من المقبول استغباء الناس وإقامة تحالفات وتجيش قوات بدعوى الحرب على الإرهاب، في حين تؤكد الوقائع والأحداث أن هدف أمريكا كان دائما ولا يزال، هو الاستثمار في الإرهاب واستعماله كحصان طروادة من أجل تحقيق أطماع إمبريالية واضحة، لا تخدم الأمن والسلم الدوليين.
ومهما يكن من أمر، فتصريح سفيرة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الأخير يعني، أن الرئيس أوباما قرر التراجع عن تصريحاته السابقة بعدم جدوى إسقاط النظام في دمشق لأنه الخيار “الأقل سوءا” كما كان يقول، والقبول بالنزول عند رغبة “آل سعود” لأسباب لها علاقة بصفقات السلاح الخيالية، شريطة أن يتم نزع أنياب إيران وتقليم أظافرها بعد الاتفاق النووي، كي لا يكون لها نفوذ يذكر في العالم العربي الذي هو من مجال “الأمن القومي الإسرائيلي” الخالص دون شريك أو منازع.
التحضيــر للعــدوان علـى سوريــة..
وحيث أن سورية هي الحلقة الذهبية لمحور إيران المقاوم في المنطقة، فقد كان التركيز في قمة مجلس مشيخات الخليج الأخيرة بحضور الرئيس الفرنسي على ضرورة “إسقاط” الرئيس الأسد من خلال مقامرة جديدة وضعت لها المخططات التنفيذية في إطار حلف موسع بقيادة السعودية ودعم أمريكي فرنسي، يضم الأردن وتركيا والإمارات وقطر، ويتوقع أن تناقش تفاصيل العمليات والأدوار في اجتماع كامب ديفيد منتصف الشهر الجاري مع الرئيس أوباما، لوضع اللمسات الأخيرة وتحديد ساعة الصفر للبدء بما تسميه السعودية بـ”عاصفــة فتــح دمشــق” تيمنا بعملية “فتــح كابــول” زمن الاتحاد السوفييتي السابق.
ويتزامن التحضير للعدوان الجديد، مع حدثين بالغين الدلالة:
* الأول،المناورات التي ستجري قريبا في الأردن في نسختها الخامسة تحت مسمى “الأسد المتأهب”، والتي كشفت الصحافة الغربية عن أنه لا يمكن فصلها عن “عاصفة الإجرام” السعودية في اليمن التي سافر جون كيري مؤخرا لدول القرن الإفريقي من أجل أن يحشد لها المرتزقة تحضيرا لحرب برية.. هذا بالإضافة للأسلحة الإستراتيجية التي ستستخدم في المناورة المذكورة لأول مرة، من راجمات للصواريخ عالية الدقة وقاذفات “ب 52″ الإستراتيجية التي استخدمت في احتلال العراق سنة 2003، بالإضافة لسلاح الطيران بأنواعه، وسلاح الدبابات والصوارخ المحمولة وخلافه من أسلحة نوعية متطورة..
أما على مستوى الإمكانات البشرية، فقد تم إعداد فرق لكوماندوس خاصة وقوات تدخل سريع تم تدريبها في الأردن وتركيا لتقوم بعمليات نوعية في العمق السوري على شاكلة ما قام به الحلف الأطلسي في ليبيا وأدى إلى اغتيال العقيد القذافي، ناهيك عن وجود ما يناهز 15 ألف عنصر من جيش أوباما السري (جبهة النصرة وغيرها من المرتزقة) المدربين في الأردن وتركيا والجاهزين لدخول سورية والالتحاق بـ”جيــش الفتــح” الذي تم تشكيله مؤخرا بتعويم “جبهة النصرة” وعديد الفصائل الإرهابية التي تناسلت جميعها من رحم “القاعــدة” كما هو معلوم بفضل المال السعودي والتسليح والتدريب الأمريكي الذي يتم منذ مدة في قواعد بتركيا والأردن وقطر والسعودية، ومؤخرا وصل وفد من ضباط الجيش الأمريكي إلى جنوب تركيا لمباشرة التدريب المكثف لآخر المجموعات المستقدمة من الشيشان والقوقاز وغيرها.
ما يوحي بأننا أمام سيناريو لحرب كاسحة جوا وبرا من الجنوب والشمال السوري، سيكون فيها للسعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا أدوارا محورية، ولعل هذا هو السبب الذي جعل السيد ‘بشار الجعفري’ وفي سابقة هي الأولى من نوعها، يهدد تركيا وغيرها (في إشارة إلى الأردن) بحرب مفتوحة من منبر مجلس الأمن، وكان سفير سورية لدى الأردن السيد ‘بهجت سلمان’ سبق وأن هدد النظام الأردني بأنه سيتلقى الرد المناسب على تآمره ضد سورية.
* الثاني، احتضان الرياض لمؤتمر زبالة الخونة تحت مسمى “المعارضة السورية”، التي أصبح لها اليوم بفضل “جيـش الفتـح”، الأداة الجديدة للنفوذ السعودي، تواجد عسكري في الميدان السوري، بعد أن تم تجميع “جبهة النصرة” وبعض التشكيلات الإرهابية في قوة واحدة، ليكون لـ”الثورة” شرعية وهمية سياسية وعسكرية، تجنبا للأخطاء السابقة التي وقعت فيها تركيا، وهو المؤتمر الذي قال عنه وزير الخارجية القطري بأنه سينعقد لـ”وضع خطة لإدارة المرحلة الانتقالية لما بعد نظام بشار الأسد”.
مـن يرقـص عاريـا لا يغطـي وجهـه خجـلا..
إلى هنا يبدو المشهد القادم واضحا، لكن ما زاده وضوحا على ما هو عليه، خروج العاهل الأردني عن صمته الأربعاء، ليقول في لقاء تلفزيوني عن سورية وبطريقة تصعيدية لافتة: “بينما كانت ‘داعش’ تتشكل وتقوى، لم يتعرض لها أحد، فالنظام كان يقصف الجميع إلا ‘داعش’، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الاستغراب.. لماذا كان يسمح لهم بتعزيز وجودهم؟.. كان أحد التفسيرات بشكل واضح أنه بوجود إدانة دولية للنظام، فقد كان هناك سعي إلى إيجاد طرف أسوأ منه في منظوره، بحيث يميل الرأي العام إلى النظام، وقد نجحوا في ذلك”.
وهذا تحول يؤشر إلى خروج النظام الأردني عن المألوف، حيث كان دائما يقول أنه ينأى بنفسه عن الوضع الداخلي السوري، وينكر تورط مخابراته ودور أجهزته العسكرية في تدريب الإرهابيين وضخهم إلى العمق السوري طوال السنوات الأربعة الماضية، خصوصا “جبهة النصرة” كما هو معروف اليوم للجميع..
وتركيزه على انتقاد النظام السوري يعني، أنه قرر الخروج من الظلام إلى النور، ويكشر عن أنيابه ويبرر تدخل بلاده في المخطط الجديد المعد لـ”فتــح دمشــق”، بعد أن وصل إلى قناعة مفادها، أن الذي يرقص وعورته عارية لا يغطي وجهه خجلا..
العاهر الأردني ذهب بعيدا حين اتهم النظام السوري بالمساهمة في وجود “داعش”، وقال بالحرف لقناة (سي إن إن) الأمريكية الأحد: “رأينا عصابة داعش قبل عامين تقريبا تتشكل في الرقة، في شمال سوريا، والتي تعد مقرها الرئيسي، وما كان مثيرا للاهتمام أنه بينما كانت تتشكل وتقوى، لم يتعرض لها أحد”.
وهذا صحيح لا ننكره، لكن، إذا كانت “السعودية” وتركيا، والولايات المتحدة لا يعتبرون محاربة “داعش” أولوية لهم، فلماذا يريد مليك “جبهة النصرة” في الأردن أن يحارب الرئيس الأسد “داعش”؟..
هل لأنها تعتبر خطرا على نظامه وتهدد بـ”فتـح عمـان” وبعدها “فتـح الحجـاز” وإسقاط نظام ‘آل سعود’ اليهود وهدم الكعبة المشرفة لإقامة الدين الوهابي الصحيح في نسخته “النيـو – داعشيـة” الجديدة، وبعد ذلك الانطلاق لغزو رومـا وتعليق رأس البابا على بوابة الفاتيكان إيذانا بنهاية العقيدة المسيحية؟..
الرئيس الأسد ليس غبيا ليسقط في الفخ ويستنزف جيشه في محاربة أكثر من 1000 تنظيم وفصيل إرهابي بحيث لم يبقى اسم في القاموس الإسلامي إلا وانتحله فريق تكفيري ليقاتل تحت رايته، حتى بلغ عدد الإرهابيين الذي دخلوا سورية منذ بداية العدوان إلى اليوم أكثر من 300 ألف مرتزق..
الرئيس الأسد رجل عقلاني، ومثله مثل كل رؤساء العالم قرأ كتاب “الأمير” لمكيافيلي، وأصبح يتقن فن اللعب على التناقضات ويعرف كيف يدير خيوط لعبة الضد النوعي، فقرر مهادنة “داعش” مؤقتا، ومواجهة الأخطار الحقيقية التي تتهدد بلاده، ففضل التخلي عن بعض الجغرافيا كساحة لصراع الذئاب والتركيز على حماية مواطنيه في التكتلات الكبرى، لكنه في نفس الوقت كان يستمتع بالصراع على النفوذ الدائر بين “السعودية” من جهة وتركيا وقطر من جهة أخرى، فيترك “داعش” تصفي حساباتها مع مرتزقة السعودية، في انتظار أن ينفذ معينهم جميعا، فيوفي بوعده الذي قطعه لمحور المؤامرة بقوله قبل ثلاث سنوات، بأن “بضاعتكم سترتد عليكم، وأن الإرهاب سيصل إلى أوروبا وما بعد أوروبا”..
والمتابع لتطورات الأحداث في سورية، يدرك أن كل المواقع التي سقطت في يد الإرهابيين ومكثوا فيها، كان ذلك بسبب أنهم وجدوا البيئة الحاضنة لهم، في حين أن أعداد هائلة من الرافضين لشريعة الوهابية الظلامية نزحوا نحو بلدان الجوار خوفا من أن يجتاح الإرهاب المناطق الآمنة.
وبهذا المعنى، فالحرب الكونية في وعلى سورية لم تكن حربا أهلية، ولا “ثورة شعبية” ولا من يحزنون، بل كانت حربا أمريكية صهيونية وهابية همجية ضد بلد علماني متحضر ومنفتح، وكان شعبه يعيش في أمن وأمان متجانس ومتضامن، بعزة وكرامة، لكن جريمته أنه اختار نهج الممانعة والمقاومة، ورفض وجود هذا الشر المستطير المسمى “إسرائيل” على حدوده، فكان لزاما أن يدفع الثمن.. والرئيس الأسد ليس انتهازيا ولا فاسدا مستبدا ليفرض على الشعب خيار الخيانة والعمالة مقابل البيترو دولار كما فعل عاهر الأردن الذي ينتقد الرئيس الأسد لعدم محاربته “داعش”.
القلمـون.. معركـة استباقيـة لإسقـاط عاصفـة “فتـح دمشـق”
اليوم، نستطيع القول، أن ما ذهبنا إليه بالتحليل في المقالة التي تناولنا فيها خطاب سماحة السيد الأخير وقلنا أنها كانت بمثابة أمر عمليات لإشعال كل الجبهات، أن إشعال جبهة القلمون، تزامنا مع قرار الرئيس ‘الأسد’ بإرسال تعزيزات عسكرية لفك الحصار عن جسر الشغور وإعادة إدلب.. تعتبر خطوة استباقية لتطهير القلمون والفوطة الشرقية لدمشق والشريط الحدودي مع الجولان المحتل والأردن من التكفيريين، بالإضافة لاستعادة المدن والقرى التي سقطت في الشمال، وتعزيز التواجد العسكري على الجبهة التركية والأردنية معا، مع تحصين العاصمة دمشق تحسبا لعمليات نوعية مفاجئة..
وبهذا المعنى، تستطيع “السعودية” وتحالفها الجديد البحث عن عاصفة أخرى تحميها من فشلها الذريع في اليمن غير عاصفة “فتـح دمشـق” التي سقطت بمجرد دخول حزب الله معركة القلمون، وما أدراك ما القلمون..
وها هم خبراء صهاينة يعضون على الأصابع ويقولون اليوم صراحة للإعلام، أن دخول حزب الله معركة القلمون حصن نظام ‘الأسد’ وأفشل مسبقا أي محاولة لإسقاطه..
وقريبا ستظهر حقائق ومفاجآت ومعاني إشعال الجبهات في سورية، ليفهم خطاب سماحته الأخير في بعده السياسي والعسكري الإستراتيجي الكبير..
وختاما نقول لأل سعود.. كل عاصفة وأنتم مرعوبون أيها الفاشلون..
تعليق