الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.18
لقد انتهى حديثنا في هوى النفس إلى أنّنا قد خلقنا في سبيل إنتاج القيمة المضافة، وهناك موانع في هذا الطريق وهي النزعات التافهة والرخيصة التي تشكّل حجر عثرة في طريقنا هذا، فباجتيازها والكفّ عنها ينفتح الطريق علينا نحو الرقيّ والكمال. تنطلق الحياة من الاحتياجات القليلة والنازلة بطبيعة الحال، بعد ذلك ومن خلال المرور من هذه الأميال والنزعات غير السامية، يخوض الإنسان شيئا فشيئا في معمعة جهاد النفس. إن جهاد النفس تشكّل حركتنا الرئيسة التي لا تنفكّ عنّا في هذه الدنيا مدى الحياة. وحتّى أولياء الله معنيّون بجهاد النفس أيضا.
لا ينفكّ طريق جهاد النفس عن العناء، فلابدّ أن نحلّ قضية العناء لأنفسنا بادئ ذي بدء. إن من لوازم جهاد النفس هي أن يتصدّى الله سبحانه لبرمجة عمليّات جهاد النفس. وقدّ أعدّ الله هذا البرنامج فعلا على مستوى التكليف والتقدير. في سبيل أن تكون قد جاهدت أنانيّتك، لابدّ أن يكون الله قد أعطاك البرنامج، ولذلك فإن جهاد النفس في الواقع هو مواجهة «الأنا» التي في مقابل «المعبود». لقد خلق الإنسان من أجل لقاء ربّ العالمين، ولا معنى للارتقاء بغير الاتصال بالمعبود. فمن أجل نيل هذا اللقاء لابدّ لك من اجتياز الأنا وأهواء النفس.
إن أنواع الطاعات وشتّى العبادات هي من أجل تضعيف «الأنا». فإن كانت العبادة للأنا غير جائزه، كذلك أصل التديّن يجب أن يكون من أجل الله وفي سبيل تضعيف النفس والأنا. فإن كان التديّن لغير الله وكان من أجل توفير حفنة من الجاه فهو رياء.
من أجل السير نحو الرقيّ والكمال، لابدّ لنا من العمل على خلاف الأهواء. ومعنى الكمال هنا هو الاستعداد الأكثر والأفضل للقاء الله سبحانه. ففي سبيل لقاء الله، لا يكفينا ترك المشتهيات فحسب، بل لابدّ من ترك الأنا أيضا. أمّا برنامج هذا الطريق فهو التقوى، والحافز لطيّ الطريق هو الإيمان بلقاء الله عز وجل.
لقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (وَاسْتَعینُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ)[البقرة/45]. الصبر هو نموذج ممتاز لردّ فعلنا تجاه المشاكل التقديرية، وأمّا الصلاة فتمثّل نموذجا بارزا لتقبّل التكليف وامتثال الأوامر. ثم قال سبحانه في تكملة الآية: (وَ إِنَّها لَکَبیرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعینَ)[المصدر نفسه]. أمّا من هم الخاشعون؟ لقد أجاب الله عن هذا السؤال في الآية التالية: (الَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنهَّم مُّلَاقُواْ رَبهِّمْ وَ أَنهَّمْ إِلَیْهِ رَاجِعُون)[البقرة/ 46].
لا يكفي الإيمان والتقوى وحدهما، إذ حتى مع وجودهما لا تزال «الأنا» قائمة على حالها. فقد ركّب الله وجود الإنسان من أبعاد معقّدة جدّا وليس الصبر والصلاة يكفيان للبتّ في أنّ الإنسان الصابر والمصلّي قد واجه نفسه حقيقة. فمن أجل أن يتّضح كم أنك قد سحقت نفسك، يبلّغ الله أوامره عن طريق خليفته. فهذا الذي لم يتغلّب على نفسه بعد، سوف يحقد على وليّ الله.
من أبرز مصاديق الحقد على ولي الله، هو ما حدث في عيد الغدير، إذ اعترض الحارث بن النعمان الفهري على رسول الله(ص) بعد أن بلّغ ولاية أمير المؤمنين(ع)؛ «لَمَّا کَانَ یَوْمُ غَدِیرِ خُمٍّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص خَطِیباً فَأَوْجَزَ فِی خُطْبَتِهِ ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع فَأَخَذَ بِضَبْعِهِ ثُمَّ رَفَعَ بِیَدِهِ حَتَّى رُئِیَ بَیَاضُ إِبْطَیْهِمَا ... فَبَلَغَ ذَلِکَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ فَرَحَلَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَیْهَا وَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذْ ذَاكَ بِمَکَّةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْأَبْطَحِ فَأَنَاخَ نَاقَتَهُ ثُمَّ عَقَلَهَا ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِیِّ [ص]... وَ إِنَّهُ لَمُغْضَبٌ وَ إِنَّهُ لَیَقُولُ اللَّهُمَّ إِنْ کَانَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ حَقّاً فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ تَکُونُ نَقِمَةً فِي أَوَّلِنَا وَ آیَةً فِی آخِرِنَا ... فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْأَبْطَحِ رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ مِنَ السَّمَاءِ فَسَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ وَ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ وَ سَقَطَ مَیِّتاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ»[تفسير الفرات/ص 504]
إذن لا يَصلُح الإنسان بالصوم والصلاة فقط، بل لابد أن يطهُر قلبه من لوث الحسد والكبر على أمير المؤمنين(ع). فأولئك الذين أسلموا ولكن أبت قلوبهم حبّ أمير المؤمنين(ع)، فإنهم في الواقع لم يتركوا أنانيّتهم.
يتبع إن شاء الله...
إليك ملخّص الجلسة الثامنة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
لقد خلقنا في سبيل إنتاج القيمة المضافة عبر اجتياز بعض الموانع/ يتحقق «جهاد النفس» بالعبور عن النزعات الرخيصة
لقد خلقنا في سبيل إنتاج القيمة المضافة عبر اجتياز بعض الموانع/ يتحقق «جهاد النفس» بالعبور عن النزعات الرخيصة
لقد انتهى حديثنا في هوى النفس إلى أنّنا قد خلقنا في سبيل إنتاج القيمة المضافة، وهناك موانع في هذا الطريق وهي النزعات التافهة والرخيصة التي تشكّل حجر عثرة في طريقنا هذا، فباجتيازها والكفّ عنها ينفتح الطريق علينا نحو الرقيّ والكمال. تنطلق الحياة من الاحتياجات القليلة والنازلة بطبيعة الحال، بعد ذلك ومن خلال المرور من هذه الأميال والنزعات غير السامية، يخوض الإنسان شيئا فشيئا في معمعة جهاد النفس. إن جهاد النفس تشكّل حركتنا الرئيسة التي لا تنفكّ عنّا في هذه الدنيا مدى الحياة. وحتّى أولياء الله معنيّون بجهاد النفس أيضا.
جهاد النفس هو في الواقع مواجهة «الأنا» التي هي في مقابل «المعبود»
لا ينفكّ طريق جهاد النفس عن العناء، فلابدّ أن نحلّ قضية العناء لأنفسنا بادئ ذي بدء. إن من لوازم جهاد النفس هي أن يتصدّى الله سبحانه لبرمجة عمليّات جهاد النفس. وقدّ أعدّ الله هذا البرنامج فعلا على مستوى التكليف والتقدير. في سبيل أن تكون قد جاهدت أنانيّتك، لابدّ أن يكون الله قد أعطاك البرنامج، ولذلك فإن جهاد النفس في الواقع هو مواجهة «الأنا» التي في مقابل «المعبود». لقد خلق الإنسان من أجل لقاء ربّ العالمين، ولا معنى للارتقاء بغير الاتصال بالمعبود. فمن أجل نيل هذا اللقاء لابدّ لك من اجتياز الأنا وأهواء النفس.
إن أنواع الطاعات وشتّى العبادات هي من أجل تضعيف «الأنا». فإن كانت العبادة للأنا غير جائزه، كذلك أصل التديّن يجب أن يكون من أجل الله وفي سبيل تضعيف النفس والأنا. فإن كان التديّن لغير الله وكان من أجل توفير حفنة من الجاه فهو رياء.
في سبيل الارتقاء، لابدّ أن نعمل على خلاف الأهواء
من أجل السير نحو الرقيّ والكمال، لابدّ لنا من العمل على خلاف الأهواء. ومعنى الكمال هنا هو الاستعداد الأكثر والأفضل للقاء الله سبحانه. ففي سبيل لقاء الله، لا يكفينا ترك المشتهيات فحسب، بل لابدّ من ترك الأنا أيضا. أمّا برنامج هذا الطريق فهو التقوى، والحافز لطيّ الطريق هو الإيمان بلقاء الله عز وجل.
لقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (وَاسْتَعینُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ)[البقرة/45]. الصبر هو نموذج ممتاز لردّ فعلنا تجاه المشاكل التقديرية، وأمّا الصلاة فتمثّل نموذجا بارزا لتقبّل التكليف وامتثال الأوامر. ثم قال سبحانه في تكملة الآية: (وَ إِنَّها لَکَبیرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعینَ)[المصدر نفسه]. أمّا من هم الخاشعون؟ لقد أجاب الله عن هذا السؤال في الآية التالية: (الَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنهَّم مُّلَاقُواْ رَبهِّمْ وَ أَنهَّمْ إِلَیْهِ رَاجِعُون)[البقرة/ 46].
يبلّغ الله أوامره عن طريق خليفة الله
لا يكفي الإيمان والتقوى وحدهما، إذ حتى مع وجودهما لا تزال «الأنا» قائمة على حالها. فقد ركّب الله وجود الإنسان من أبعاد معقّدة جدّا وليس الصبر والصلاة يكفيان للبتّ في أنّ الإنسان الصابر والمصلّي قد واجه نفسه حقيقة. فمن أجل أن يتّضح كم أنك قد سحقت نفسك، يبلّغ الله أوامره عن طريق خليفته. فهذا الذي لم يتغلّب على نفسه بعد، سوف يحقد على وليّ الله.
من أبرز مصاديق الحقد على ولي الله، هو ما حدث في عيد الغدير، إذ اعترض الحارث بن النعمان الفهري على رسول الله(ص) بعد أن بلّغ ولاية أمير المؤمنين(ع)؛ «لَمَّا کَانَ یَوْمُ غَدِیرِ خُمٍّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص خَطِیباً فَأَوْجَزَ فِی خُطْبَتِهِ ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع فَأَخَذَ بِضَبْعِهِ ثُمَّ رَفَعَ بِیَدِهِ حَتَّى رُئِیَ بَیَاضُ إِبْطَیْهِمَا ... فَبَلَغَ ذَلِکَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ فَرَحَلَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَیْهَا وَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذْ ذَاكَ بِمَکَّةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْأَبْطَحِ فَأَنَاخَ نَاقَتَهُ ثُمَّ عَقَلَهَا ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِیِّ [ص]... وَ إِنَّهُ لَمُغْضَبٌ وَ إِنَّهُ لَیَقُولُ اللَّهُمَّ إِنْ کَانَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ حَقّاً فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ تَکُونُ نَقِمَةً فِي أَوَّلِنَا وَ آیَةً فِی آخِرِنَا ... فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْأَبْطَحِ رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ مِنَ السَّمَاءِ فَسَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ وَ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ وَ سَقَطَ مَیِّتاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ»[تفسير الفرات/ص 504]
إذن لا يَصلُح الإنسان بالصوم والصلاة فقط، بل لابد أن يطهُر قلبه من لوث الحسد والكبر على أمير المؤمنين(ع). فأولئك الذين أسلموا ولكن أبت قلوبهم حبّ أمير المؤمنين(ع)، فإنهم في الواقع لم يتركوا أنانيّتهم.
يتبع إن شاء الله...
تعليق