إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني، للأستاذ بناهيان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.18


    إليك ملخّص الجلسة الثامنة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.


    لقد خلقنا في سبيل إنتاج القيمة المضافة عبر اجتياز بعض الموانع/ يتحقق «جهاد النفس» بالعبور عن النزعات الرخيصة


    لقد انتهى حديثنا في هوى النفس إلى أنّنا قد خلقنا في سبيل إنتاج القيمة المضافة، وهناك موانع في هذا الطريق وهي النزعات التافهة والرخيصة التي تشكّل حجر عثرة في طريقنا هذا، فباجتيازها والكفّ عنها ينفتح الطريق علينا نحو الرقيّ والكمال. تنطلق الحياة من الاحتياجات القليلة والنازلة بطبيعة الحال، بعد ذلك ومن خلال المرور من هذه الأميال والنزعات غير السامية، يخوض الإنسان شيئا فشيئا في معمعة جهاد النفس. إن جهاد النفس تشكّل حركتنا الرئيسة التي لا تنفكّ عنّا في هذه الدنيا مدى الحياة. وحتّى أولياء الله معنيّون بجهاد النفس أيضا.

    جهاد النفس هو في الواقع مواجهة «الأنا» التي هي في مقابل «المعبود»


    لا ينفكّ طريق جهاد النفس عن العناء، فلابدّ أن نحلّ قضية العناء لأنفسنا بادئ ذي بدء. إن من لوازم جهاد النفس هي أن يتصدّى الله سبحانه لبرمجة عمليّات جهاد النفس. وقدّ أعدّ الله هذا البرنامج فعلا على مستوى التكليف والتقدير. في سبيل أن تكون قد جاهدت أنانيّتك، لابدّ أن يكون الله قد أعطاك البرنامج، ولذلك فإن جهاد النفس في الواقع هو مواجهة «الأنا» التي في مقابل «المعبود». لقد خلق الإنسان من أجل لقاء ربّ العالمين، ولا معنى للارتقاء بغير الاتصال بالمعبود. فمن أجل نيل هذا اللقاء لابدّ لك من اجتياز الأنا وأهواء النفس.

    إن أنواع الطاعات وشتّى العبادات هي من أجل تضعيف «الأنا». فإن كانت العبادة للأنا غير جائزه، كذلك أصل التديّن يجب أن يكون من أجل الله وفي سبيل تضعيف النفس والأنا. فإن كان التديّن لغير الله وكان من أجل توفير حفنة من الجاه فهو رياء.

    في سبيل الارتقاء، لابدّ أن نعمل على خلاف الأهواء


    من أجل السير نحو الرقيّ والكمال، لابدّ لنا من العمل على خلاف الأهواء. ومعنى الكمال هنا هو الاستعداد الأكثر والأفضل للقاء الله سبحانه. ففي سبيل لقاء الله، لا يكفينا ترك المشتهيات فحسب، بل لابدّ من ترك الأنا أيضا. أمّا برنامج هذا الطريق فهو التقوى، والحافز لطيّ الطريق هو الإيمان بلقاء الله عز وجل.

    لقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (وَاسْتَعینُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ)[البقرة/45]. الصبر هو نموذج ممتاز لردّ فعلنا تجاه المشاكل التقديرية، وأمّا الصلاة فتمثّل نموذجا بارزا لتقبّل التكليف وامتثال الأوامر. ثم قال سبحانه في تكملة الآية: (وَ إِنَّها لَکَبیرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعینَ)[المصدر نفسه]. أمّا من هم الخاشعون؟ لقد أجاب الله عن هذا السؤال في الآية التالية: (الَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنهَّم مُّلَاقُواْ رَبهِّمْ وَ أَنهَّمْ إِلَیْهِ رَاجِعُون)[البقرة/ 46].

    يبلّغ الله أوامره عن طريق خليفة الله


    لا يكفي الإيمان والتقوى وحدهما، إذ حتى مع وجودهما لا تزال «الأنا» قائمة على حالها. فقد ركّب الله وجود الإنسان من أبعاد معقّدة جدّا وليس الصبر والصلاة يكفيان للبتّ في أنّ الإنسان الصابر والمصلّي قد واجه نفسه حقيقة. فمن أجل أن يتّضح كم أنك قد سحقت نفسك، يبلّغ الله أوامره عن طريق خليفته. فهذا الذي لم يتغلّب على نفسه بعد، سوف يحقد على وليّ الله.

    من أبرز مصاديق الحقد على ولي الله، هو ما حدث في عيد الغدير، إذ اعترض الحارث بن النعمان الفهري على رسول الله(ص) بعد أن بلّغ ولاية أمير المؤمنين(ع)؛ «لَمَّا کَانَ یَوْمُ غَدِیرِ خُمٍّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص خَطِیباً فَأَوْجَزَ فِی خُطْبَتِهِ ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع فَأَخَذَ بِضَبْعِهِ ثُمَّ رَفَعَ بِیَدِهِ حَتَّى رُئِیَ بَیَاضُ إِبْطَیْهِمَا ... فَبَلَغَ ذَلِکَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ فَرَحَلَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَیْهَا وَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذْ ذَاكَ بِمَکَّةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْأَبْطَحِ فَأَنَاخَ نَاقَتَهُ ثُمَّ عَقَلَهَا ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِیِّ [ص‏]... وَ إِنَّهُ لَمُغْضَبٌ وَ إِنَّهُ لَیَقُولُ اللَّهُمَّ إِنْ کَانَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ حَقّاً فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ تَکُونُ نَقِمَةً فِي أَوَّلِنَا وَ آیَةً فِی آخِرِنَا ... فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْأَبْطَحِ رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ مِنَ السَّمَاءِ فَسَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ وَ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ وَ سَقَطَ مَیِّتاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ‏ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ»[تفسير الفرات/ص 504]

    إذن لا يَصلُح الإنسان بالصوم والصلاة فقط، بل لابد أن يطهُر قلبه من لوث الحسد والكبر على أمير المؤمنين(ع). فأولئك الذين أسلموا ولكن أبت قلوبهم حبّ أمير المؤمنين(ع)، فإنهم في الواقع لم يتركوا أنانيّتهم.

    يتبع إن شاء الله...


    تعليق


    • #62
      الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.18



      تنتهي أقصى مراحل العرفان إلى الولاية



      إن موضوع الولاية موضوع عرفاني للغاية. إذ تنتهي أقصى مراحل العرفان إلى الولاية. ومعنى الفناء في الله هو هذه العبارة التي نقرأها في زيارة الجامعة: «بِأَبِي أَنْتَ‏ وَ أُمِّي‏ وَ نَفْسِي‏ وَ مَالِي‏ وَ وُلْدِي»[تهذیب الأحکام/ج6/ص61]

      يقول الإمام محمّد الباقر(ع): «تَمَامُ‏ الْحَجِ‏ لِقَاءُ الْإِمَام‏»[الکافي/ج4/ص549] و «إِنَّمَا أُمِرَ النَّاسُ أَنْ یَأْتُوا هذِهِ الْأَحْجَارَ، فَیَطُوفُوا بِهَا، ثُمَّ یَأْتُونَا، فَیُخْبِرُونَا بِوَلَایَتِهِمْ، وَ یَعْرِضُوا عَلَیْنَا نَصْرَهُمْ‏ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏ ثُمَّ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ إِلَى وَلَایَتِنَا» [کافی/ج4/ص549] وعَنْ أَبِی جَعْفَرٍ ع فِی قَوْلِ اللَّهِ یَحْکِي قَوْلَ إِبْرَاهِیمَ خَلِیلِ اللَّهِ (رَبَّنا إِنِّي أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتي‏ بِوادٍ غَیْرِ ذی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِیُقیمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَیْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ) فَقَالَ ع: «مَا قَالَ إِلَیْهِ یَعْنِي الْبَیْتَ مَا قَالَ إِلَّا إِلَیْهِمْ أَ فَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَیْکُمْ إِتْیَانَ هَذِهِ الْأَحْجَارِ وَ التَّمَسُّحَ بِهَا وَ لَمْ یَفْرُضْ عَلَیْکُمْ إِتْیَانَنَا وَ سُؤَالَنَا وَ حُبَّنَا أَهْلَ الْبَیْتِ وَ اللَّهِ مَا فَرَضَ عَلَیْکُمْ غَیْرَهُ» [تفسیر فرات/224]



      الولاية هي شرط قبول الأعمال



      الصلاة التي هي شرط قبول الأعمال، لا تقبل بدون الولاية؛ قَالَ الصَّادِقُ ع «إِنَ‏ أَوَّلَ‏ مَا یُسْأَلُ‏ عَنْهُ‏ الْعَبْدُ إِذَا وَقَفَ‏ بَیْنَ‏ یَدَيِ‏ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتِ وَ عَنِ الزَّکَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَ عَنِ الصِّیَامِ الْمَفْرُوضِ وَ عَنِ الْحَجِّ الْمَفْرُوضِ وَ عَنْ وَلَایَتِنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَایَتِنَا ثُمَّ مَاتَ عَلَیْهَا قُبِلَتْ مِنْهُ صَلَاتُهُ وَ صَوْمُهُ وَ زَکَاتُهُ وَ حَجُّهُ وَ إِنْ لَمْ یُقِرَّ بِوَلَایَتِنَا بَیْنَ یَدَيِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ لَمْ یَقْبَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْهُ شَیْئاً مِنْ أَعْمَالِهِ» [أمالي الشيخ الصدوق/256]

      وقال الإمام الباقر(ع) في رواية أخرى: «بُنِيَ‏ الْإِسْلَامُ‏ عَلَى‏ خَمْسٍ‏ عَلَى الصَّلَاةِ وَ الزَّکَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ الْوَلَایَةِ وَ لَمْ یُنَادَ بِشَیْ‏ءٍ کَمَا نُودِيَ بِالْوَلَایَةِ»[الكافي/ج2/ص18]

      ما الفائدة في صلاتك وعبادتك إن كنت قد حافظت على أنانيتك؟ لقد خلّف إبليس تاريخا زاهرا في الصلاة والعبادة المقبولة ولمدّة ستة آلاف سنة. حتى وصل به الأمر أن يكلّم الله ويكلّمه الله، ولكن بعد ما أبى أن يسجد لوليّ الله، أنكر الله إيمانه وقال: (أَبى‏ وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرين‏) [البقرة/34]. لماذا يا إلهنا قد أنكرت إيمان إبليس من الأساس؟ ولماذا لم تقل: «وکان ضعیف الإيمان»، بل قلت: (وَ كانَ مِنَ الْكافِرين‏)؟!



      من لم يتولّ ولي الله فليس بمؤمن



      لقد صرّح القرآن بهذه الحقيقة في سورة النساء إذ قال الله سبحانه: (فلا وَ رَبِّكَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّى یُحَکِّمُوكَ فیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا في‏ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلیماً) [النساء/65]. إن جهاد النفس من أجل سحق أنانيتك، أمّا إنك إن أبقيت أنانيتك على قوّتها وضخامتها فسوف تقع في مشكلة مع الولاية.

      قال الإمام الرضا(ع) في رواية سلسلة الذهب المعروفة: «حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عن ... عن الحسن بن علي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي» فَلَمَّا مَرَّتِ الرَّاحِلَةُ نَادَی: «بِشُرُوطِهَا وَ أَنَا مِنْ‏ شُرُوطِهَا»[عیون أخبار الرضا ع/ج2/ص135]



      نكران الذات وسحق «الأنا» في مقابل الله مرهون بالخضوع لولاية ولي الله



      لقد خرجنا بهذه النتيجة بعد أن طوينا مقدمات عديدة وهي أن الإنسان وفي سبيل أن يلقى الله عز وجل، لابدّ أن يخالف نفسه ويجتاز أنانيته. إن اجتياز الأهواء والرغبات يشكّل المرحلة الأولى للاستعداد للقاء الله، ولكن أهمّ خطوة هي الإقلاع عن «الأنا» أمام الله سبحانه، وليس المقصود من الإقلاع عن الأنا هو أن تطيع الله وتمتثل أوامره، بل المقصود هو أن تمتثل أوامر خليفة الله ووليّه.

      طبعا قد يتجسّد الخضوع للولاية في مصاديق أخرى. مثل ما إذا كنت مشغولا في تعقيبات الصلاة، وفي هذه الأثناء دعاك أحد والديك لأمر ما، هنا يقتضي جهاد النفس أن تترك التعقيبات وتلبي له؛ يعني يجب الخضوع لولاية الأب بقدرها ونطاقها ولابدّ أن نقدّمها على المستحبّات. هذا هو سرّ عمل أويس القرني، فإنه فرّط في لقاء النبي الأعظم(ص) امتثالا لأمر والدته.



      امتحان الولاية امتحان مهمّ وحاسم على المتديّنين



      بعد أن انخرط أحد من الناس في سلك المتدينين، يمتحنه الله ليفحص مدى كبره على ولي الله. وعندما يسقط المتدينون في الامتحان، يصبحون ألدّ الخصام للولاية. فعلى سبيل المثل انظروا إلى قاتل أمير المؤمنين(ع). إن استشهاد أمير المؤمنين(ع) باعتبار الشخص الذي باشر بجريمة قتله، لا يقلّ أهمية عن ميلاده(ع) في الكعبة. لم يكن «ابن ملجم» إنسانا بلا دين ولا إيمان، بل كان من طبقة المتديّنين. ولكنّه كان قد أضمر في قلبه شيئا تجاه الولاية بلا أن يعالجه.

      كان ابن ملجم ممن اختاره أهل اليمن من زمرة خِيارهم وأرسلوه إلى أمير المؤمنين(ع). بعد أن أرسل أمير المؤمنين(ع) كتابا إلى والي اليمن أن أرسل إليّ عشرة من خيار أهل اليمن، قام أهل اليمن بفرز مئة رجل من خيارهم، ثم فرزوا منهم سبعين رجلا، ثم فرزوا من السبعين ثلاثين، وفي النهاية اختاروا منهم عشرة وأرسلوهم إلى أمير المؤمنين(ع)... «فَلَمَّا أَتَوْهُ ع سَلَّمُوا عَلَيْهِ وَ هَنَّئُوهُ بِالْخِلَافَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ وَ رَحَّبَ بِهِمْ فَتَقَدَّمَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَ قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَ الْبَدْرُ التَّمَامُ... فَاسْتَحْسَنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع كَلَامَهُ مِنْ بَيْنِ الْوَفْدِ فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُكَ يَا غُلَامُ قَالَ اسْمِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ ابْنُ مَنْ قَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيِّ قَالَ لَهُ أَ مُرَادِيٌ‏ أَنْتَ‏ قَالَ نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ» [بحار الأنوار/ ج42/ص260].



      أحد طرق سحق الأنا هو ذكر مصيبة سيد الشهداء والبراءة من أعداء أهل البيت(ع)




      أحد طرق سحق الأنا هو ذكر مصيبة سيد الشهداء(ع) والبراءة من أعداء أهل البيت(ع). إن مصائب أهل البيت(ع) وسيد الشهداء(ع) من شأنها أن تؤسّر نفس الإنسان ولها أثر مباشر على تضعيف أنانيّته. فإن لم يتعالج الإنسان في مجالس عزاء الحسين(ع) وفي حفرة مقتل سيد الشهداء، فلا يبحث عن مكان آخر. وإن لم يجث على ركبتيه عند استماع مصائب أهل البيت(ع)، فهو ليس بجاث لأوامرهم وفضائلهم وعدلهم.


      صلى الله عليك يا أبا عبد الله





      تعليق


      • #63
        الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.19

        إليك ملخّص الجلسة التاسعة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

        إن أوامر الله تفضّل منه علينا/ لو لم يأمرنا الله لحرنا في أمرنا

        النقطة المقابلة لعبادة الله هي عبادة الهوى. أمّا الذي أبى أن يخضع لأوامر الله فبإمكاننا أن نجسّد مدى قبح عمله المتمثل بعبادة الهوى بطريق آخر. بإمكاننا أن نقول: إن الله قد تفضل علينا حين ما أصدر أوامره إلينا. فلو لم يأمرنا الله لتهنا في حيرة عمياء. لقد علم الله أنّنا عاجزون عن تصميم برنامج يزيدنا قيمة، ولكن عبر امتثال الأمر الذي جاء من الأعلى يتسنّى لنا الارتقاء والازدياد قيمةً. ولذلك فإنّ اللّه قد تفضّل علينا وأمرنا لكي ينفتح أمامنا طريق التكامل ونصبح أناسا أولي قيمة.

        العصيان هو إساءة لله الذي تفضّل علينا وكأنه قد تنازل عن مقامه الرفيع فأمرنا

        لعلّ الله قد تنازل حين أَمَرَنا، إذ كان يعلم أن كثيرا من عباده سوف يعصونه إذا أمرهم ولا يكترثون بأحكامه، ولكن مع ذلك أمرنا تفضّلا ولطفا منه.
        وهناك بعض الشواهد في القرآن قد تشير إلى هذه الحقيقة. فعلى سبيل المثال عندما ينظر الله إلى شأنه وعظمته، ينهى النبي الأكرم(ص) عن إنذار بعض الكفّار والمشركين الذين لا يستحقّون الإنذار. فقال لهم: (إِنَّ الَّذینَ کَفَرُوا سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا یُؤْمِنُونَ)[البقرة/6] وكذلك قال: (ذَرْهُمْ یَأْکُلُوا وَ یَتَمَتَّعُوا وَ یُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ یَعْلَمُون)[الحجر/3]
        لماذا العصيان وعدم امتثال أمر الله قبيح إلى هذا الحدّ؟ لأنه إساءة إلى الله الذي تنازل عن مقامه الرفيع الأعلى إذ خاطبك وأمرك. فبالرغم من أن الله تنازل وتفضّل علينا وأمرنا، وإذا بالعبد الضعيف الحقير الذي لا يحسب بشيء في مقابل الله عز وجل، يتكبّر على الله ويتمرّد عليه!!! فإنها لإساءة حقّا إلى الله وعمل قبيح جدّا.

        التوبة الحقيقيّة لمن يرى أوامر الله إليه محبّة من الله

        لا يمكن التوبة إلى الله من أعماق قلوبنا، إلّا بعد أن رأينا أوامر الله لطفا وتفضّلا من الله إلينا. عند ذلك ندرك أن كل أمر تركناه من أوامر الله، فإنه في الواقع إهمال وعدم اكتراث بمحبّة الله ولطفه على عبده.
        إن التوبة الحقيقيّة خاصة بهؤلاء. وأمّا التوبة الأقل درجة من هذه فهي لأولئك الذين يتصوّرون عذاب جهنّم. والدرجة التي بعدها فلأولئك الذين يتصوّرون القبر، أي لمن يجسّد في ذهنه لحظة نزع الروح والنزول في القبر فيقول: كل الأعمال السيئة التي ارتكبتها لا تسوى ذاك العذاب. والمرحلة الأنزل هي لمن يدرك ليلة القدر، فيقول: إذا أراد الله أن يقدّر مستقبلي في العام القادم على أساس ما أسلفته في الأعوام الماضية فويل لي.
        ولكن من أروع أنواع التوبة هي أن تقارن بين إطاعة الله، وإطاعة النفس، ثم تشعر بمدى قبح إطاعة النفس، فيضيق صدرك حسرة لما تركت من أوامر الله جفاءً ثم أطعت نفسك.

        إذا أردت أن تعيش حالة التوبة، فانظر من عصيت ومن أطعت

        إذا أردت أن تعيش حالة التوبة، فلابدّ لك أن ترى من عصيت، ومن أطعت في مقابله. إنك قد تركت الله وأطعت نفسك! (أَفَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواه)[الجاثية/23]. إن بعض الناس قد اتخذوا أنفسهم آلهة ولا يزالون يسجدون لها. هذا الإنسان الذي يكتئب ويحزن على ما أساء في اختياره ويلوم نفسه أن لماذا ترك عبادة الله وعبد نفسه بدلا عن الله، يستطيع أن يتوب توبة حقيقية. إن عبادة النفس عمل قبيح جدّا، ولابدّ أن نعي قبحها مقابل جمال عبادة الله.
        يا ليتنا لا ننفك عن اجتناب الذنب حتى نعي هذه الحقيقة ونعيش جمالها. إن إدراك جمال الإيمان وإطاعة الله وكذلك فهم قبح معصية أمر الله أمر ممكن. فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَ لکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإیمانَ وَ زَیَّنَهُ فی‏ قُلُوبِکُمْ وَ کَرَّهَ إِلَیْکُمُ الْکُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْیان)[الحجرات/7] نحن غير مبتلين بالكفر والفسوق بحمد الله، ولكن يجب أن نسعى لكره العصيان أيضا.

        إن ولي الله واسطة بينك وبين ربّ العالمين، لتقدر على التغلّب على هوى النفس وتذوق حلاوة لقاء الله

        أحد الطرق التي يعيننا على إدراك هذا المفهوم، هو الاستعانة بأهل البيت(ع). فكما مرّ في موضوع هوى النفس، في سبيل أن تقضي على هوى النفس بأمر الله، لابدّ أن يتوسّط وليّ الله في إبلاغ أوامر الله. إن ولي الله واسطة بينك وبين ربّ العالمين، لتقوى على غلبة هوى النفس وأن تذوق حلاوة لقاء الله.
        إذا کان إهمال أمر الله إلى هذا الحدّ من القبح، فكذلك من القبح بمكان أن أضع كلام أمير المؤمنين(ع) على جانب، ثم أطيع نفسي. لقد كان القرار أن أرتقي وأسير نحو الكمال بأمر المولى، فما تقصير مولاي في هذا البين حتى أسيئ إليه وأتجاهل شأنه وحرمته؟ لذلك فإنك إن تستغفر ربك، لم يرض عليك ربك ما لم يرض عليك إمام زمانك، وكذلك الحال في باقي الأشخاص الذين لهم ولاية عليك. فإنك إن كنت قد آذيت والديك وكسرت قلبهما، كيف تقدر على كسب رضا الله سبحانه؟ والأهم من أمّك وأبيك إمام زمانك(عج).

        الذي يكتفي بمناجاة الله ولا علاقة له بوليّ الله، فإنه قد أخطأ طريق التوبة

        نقول في زيارة الجامعة الكبيرة: «یَا وَلِيَّ اللَّه‏ إِنَّ بَیْنِي وَ بَیْنَ اللَّهِ ذُنُوباً لَا یَأْتِي عَلَیْهَا إِلَّا رِضَاکُمْ»[من لا يحضره الفقيه/ج2/ص616]. إن هذا، هو الشعور الذي يجب أن يخامر قلب الشيعي. أمّا هذا الذي قد سار في طريق عبادة الله، بيد أنه قد اكتفى بمناجاة الله ولا علاقة له بوليّ الله، فقد أخطأ طريق التوبة ولم يحظ برؤية صائبة. إنه لا يريد أن يستعين بإمام الزمان(عج) ليغفر له الله، في حين أنه قد عصى إمام زمانه(عج) بمعصيته وذنوبه.
        قَالَ أمير المؤمنين(ع): سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْيَسِ‏ الْكَيِّسِينَ وَ أَحْمَقِ الْحَمْقَى قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَكْيَسُ‏ الْكَيِّسِينَ‏ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ، وَ عَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَ إِنَّ أَحْمَقَ الْحَمْقَى مَنِ اتَّبَعَ نَفْسُهُ هَوَاهَا، وَ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْأَمَانِيَّ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ كَيْفَ يُحَاسِبُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ قَالَ: إِذَا أَصْبَحَ ثُمَّ أَمْسَى رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ- فَقَالَ: يَا نَفْسِ‏ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَضَى عَلَيْكِ لَا يَعُودُ إِلَيْكِ أَبَداً، وَ اللَّهُ تَعَالَى يَسْأَلُكِ عَنْهُ فِيمَا أَفْنَيْتِيهِ- فَمَا الَّذِي عَمِلْتِ فِيهِ أَ ذَكَرْتِ اللَّهَ أَمْ حَمِدْتِيهِ أَ قَضَيْتِ حَوَائِجَ‏ مُؤْمِنٍ أَ نَفَّسْتِ عَنْهُ كُرْبَةً أَ حَفِظْتِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ فِي أَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ أَ حَفِظْتِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي مُخَلَّفِيهِ أَ كَفَفْتِ عَنْ غِيبَةِ أَخٍ مُؤْمِنٍ بِفَضْلِ جَاهِكِ أَ أَعَنْتِ مُسْلِماً مَا الَّذِي صَنَعْتِ فِيهِ فَيَذْكُرُ مَا كَانَ مِنْهُ. فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ خَيْرٌ، حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَ كَبَّرَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ، وَ إِنْ ذَكَرَ مَعْصِيَةً أَوْ تَقْصِيراً، اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ مُعَاوَدَتِهِ، وَ مَحَا ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِتَجْدِيدِ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَ عَرَضَ بَيْعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ ع عَلَى نَفْسِهِ، وَ قَبُولَهُ لَهَا، وَ إِعَادَةَ لَعْنِ أَعْدَائِهِ وَ شَانِئِيهِ وَ دَافِعِيهِ عَنْ حَقِّهِ‏. فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: لَسْتُ أُنَاقِشُكَ فِي شَيْ‏ءٍ مِنَ الذُّنُوبِ- مَعَ مُوَالاتِكَ أَوْلِيَائِي، وَ مُعَادَاتِكَ أَعْدَائِي. [التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري/ ص38]
        فيا ترى ماذا يريد الله أن يقول لنا عن أمير المؤمنين(ع) في ليلة القدر هذه؟ لعلّه يريد أن يقول أحبّوا مولاكم أمير المؤمنين(ع) وجدّدوا له البيعة...

        صلى الله عليك يا أمير المؤمنين

        تعليق


        • #64
          الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.20

          إليك ملخّص الجلسة العشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

          التصديق بخلود بعض الناس في عذاب جهنّم أمر عصيب/ فلنؤمن برذالة الأعداء

          من العقائد المهمّة جدّا، هي التصديق والإيمان بنار جهنّم. فإن بعض الناس لا يكاد أن يستطيع التصديق بالعذاب العسير الإلهي. إن التصديق بالخلود في نار جهنم وما فيها من عذاب عسير أبديّ أمر غير هيّن. إذ يتساءل الناس يا ترى كم قد تمادى هذا الإنسان في الرذالة والشقاء حتى استحق الخلود في نار جهنّم؟ يجب علينا أن نصدّق بأن بعض الناس قد بلغوا الذروة في الرذالة والشقاء ومن شأنهم أن يمكثوا في العذاب إلى أبد الآبدين. لقد قال الله سبحانه وتعالى في حقّ بعض الأشقياء: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى یُؤْفَکُونَ» [المنافقون/4].
          لابدّ للمتديّنين والصالحین أن يصدّقوا بإمكان وصول بعض الناس إلى هذا المستوى من الرذالة والشقاء. إن بعض المتديّنين الذين لم يتبرأوا من أعداء أهل البيت(ع)، قد يكون بسبب أنهم لم يصدّقوا شدّة رجس هؤلاء وما أعد لهم الله من عذاب شديد. ومن منطلق هذه السذاجة نفسها تجد أن بعض الناس لم يعوا حقيقة هذه الظاهرة المشؤومة المتمثلة بإسرائيل. ولكن يجب أن نؤمن بحقيقة العدو ونصدّق برجسه ورذالته.
          إن التصديق بوجود العدو وكذلك الاعتقاد بشقاء بعض الناس وشدّة رذالتهم أمر عسير، في حين أن في سبيل تحقيق مجتمع سليم بعد ظهور الإمام الحجة(عج)، لابدّ لنا أن نتحلّى بهذا التصديق واليقين. فإنك أن لم تصدّق برجس بعض الناس، ينفسح المجال لهؤلاء أن يرتكبوا أبشع الجرائم أمامك حتى تصدّق. إن الجرائم التي بدأت تشيع في بلدان هذه المنطقة، لهي نماذج تدلّ على وجود أناس أرجاس أشقياء. أمّا الطريق الأفضل هو أن تستعين على الإيمان بشقاء بعض الناس ورجسهم واستحقاقهم الخلود في العذاب، بمعرفتك ونور قلبك.
          إن كلمات الإمام الخميني(ره) رائعة لفهم دناءة العدو. لقد كان الإمام الخميني(ره) يستخدم أشدّ التعابير وأغلظها للتنديد ببعض المتديّنين الذين كانوا يعبّدون الطريق للأعداء ولم يؤمنوا برجسهم ودناءتهم.

          كيف نقنع بخلود بعض الناس في جهنّم؟

          إن الطريق للاقتناع بخلود العذاب في جهنّم، هو الإيمان بمدى انحطاط بعض الناس. وطريق الإيمان برجس هؤلاء وانحطاطهم هو أن تدرك مدى سهولة الخضوع لولاية أولياء الله، بيد أن هؤلاء الأرجاس قد أبوا الخضوع لهذه الولاية. لا سبيل إلى تنفيذ أوامر الله بصدق، إلّا عن طريق امتثال أوامر الولي. والجدير بالذكر أن استلام الأوامر عن طريق الولاية قد سهّل الأمر ويسّر الطريق. فإنك إذا عرفت سهولة الخضوع للولاية وامتثال أوامرها، سوف تؤمن برجس المخالفين الذين وقفوا منها وقفة المخالف اللدود.
          إنّ من يستنكف عن طيّ طريق الولاية مع سهولته وجماله، فهو إنسان منحطّ جدّا. إذ أن تقبّل حديث أولياء الله هو مخالفة لأهواء النفس بحدّ ذاته ولكنّها مخالفة سهلة. فباعتبار يسر هذا الطريق وسهولته، لابدّ أن نقول: تعسا لأولئك الذين رفضوا الولاية ولهم الويل وعذاب الخلد بما كانوا يتمرّدون. إن الخضوع للولاية لأمر يسير إلاّ على مرضى القلوب والمتكبّرين.
          فلننظر إلى حديث الإمام الصادق(ع) لكي نؤمن باستحقاق منكري الولاية الخلودَ في نار جهنّم، وأن لا نصيب لهم من الإيمان. فقد قال(ع): «ثَلَاثَةٌ لا یُکَلِّمُهُمُ اللَّهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ لا یُزَکِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ‏ مَنِ ادَّعَى إِمَامَةً مِنَ اللَّهِ لَیْسَتْ لَهُ وَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللَّهِ وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِیباً» [الكافي/ج1/ص373]

          بعد ما تنتهي حركة جهاد النفس إلى الولاية، تخفّ المعاناة

          کلّ المعاناة التي أشير إليها في الجلسات الماضية، هي معاناة في مسار جهاد النفس، ولكن بعد ما تنتهي حركة جهاد النفس إلى موضوع الولاية، تخفّ المعاناة وتسهل. فهنا يهون الأمر ويزول عناء الجهاد. إن عناء طاعة الله وأداء تكاليفه والرضا بقَدَره يزول بتقبّل الولاية. لقد أعدّ الله الوليّ لأولي النفوس السليمة لكي يسهّل عليهم هذا الطريق الصعب والطويل، فيلعن الله من أعرض عن هذا الطريق بعد ما سهل وهانت معاناته. لقد جعل الله أمير المؤمنين(ع) وليّا لتسهيل هذا الدين. إذ أن الإنسان الضعيف الذي لم يتلوّت بأمراض القلب، إذا رأى وليّ الله، ينبهر بحسنه ويشعر بسهولة الأمر بعد لقائه! فهو يقول: لقد ابتعدت عن ديني لكوني لم أرك يا مولاي، أمّا الآن وبعد ما رأيتك فقد عشقتك وعشقت الدين الذي تدعو إليه، فها أنا ألتزم بديني بعد.
          إن الولاية تيسّر عملية جهاد النفس. لا نريد أن نحكم على جميع الناس عبر هذه القاعدة، إذ أن الجاهلين والمستضعفين خارجون عنها، ولكن من رأى نور أمير المؤمنين(ع) ثم أنكر ولايته، فهو في غاية الرجس والشقاء.

          من لم يصدّق رذالة منكري ولاية أمير المؤمنين(ع) فلينظر إلى كربلاء

          من لم يصدّق رذالة منكري ولاية أمير المؤمنين(ع) فلينظر إلى كربلاء. فكلّ أولئك الذين ملأوا قلب أمير المؤمنين(ع) قيحا وشحنوا صدره غيظا، قد جسّدوا رذالتهم وشقاءهم في كربلاء. فيا ترى في أي حرب قد ارتكبوا الجرائم التي ارتكبوها في كربلاء؟! من هنا نعرف أن كربلاء ليست بمعركة بسيطة، إنّها محلّ أخذ أعلى المعارف وأسماها.
          نحن إن لم ندرك حقيقة ابن ملجم، فلنبحث عن حقيقته في كربلاء. فيا ترى أين كانوا قد أخفوا أضغانهم؟ وليت شعري ما الفائدة التي كان يحصل عليها العدو برضّ الأجساد بحوافر الخيل؟! وما كان الهدف من قرع رؤوس أطفال الإمام الحسين(ع) بالرماح؟ كل ما جرى في كربلاء يدلّ على أن كره أمير المؤمنين(ع) ليس بأمر بسيط. وكذلك ليس بأمر بسيط أن يقوم قوم بقتل الحسين(ع) بغضا لأمير المؤمنين(ع).

          الإمام، يسهّل العبوديّة وعملية جهاد النفس

          إن كانت مراحل جهاد النفس السابقة صعبة، فإنها تسهل وتهون عند ولاية أمير المؤمنين(ع). الإمام يسهّل العبودية وعملية جهاد النفس. ومن هنا تستفحل ظاهرة العداء لأولياء الله بين مرضى القلوب. كل الحديث الذي جرى حول الكبد والعناء في مسار جهاد النفس، متعلق بالمراحل الابتدائية، أمّا بمجرّد أن نصل إلى موضوع الولاية، تخفّ المعاناة.
          لقد روي عن الإمام الحسن العسكري(ع) حديث مشهور؛ «فَأَمَّا مَنْ‏ کَانَ‏ مِنَ‏ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ‏، حَافِظاً لِدِینِهِ، مُخَالِفاً لِهَوَاهُ، مُطِیعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ یُقَلِّدُوه» [وسائل الشيعة/ج27/ص131] فلابدّ أن ننظر «إلى إطاعة أمر المولى» كأمر في امتداد «مخالفة الهوى». فإن هذين العنصرين هما في امتداد واحد.

          يتبع إن شاء الله...

          تعليق


          • #65
            الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.20


            إن لاقى أحد صعوبة في مخالفة هوى نفسه، فليكثر في الذهاب إلى مجالس عزاء الإمام الحسين(ع)


            إن لاقى أحد صعوبة في مخالفة هوى نفسه، فليكثر في الذهاب إلى مجالس عزاء الإمام الحسين(ع). إنّ لم نغتنم نعمة الولاية هذه التي منحوها لنا مجّانا والتي تعبّد طريق العبودية ومخالفة النفس، ولم نسهّل لأنفسنا عملية جهاد النفس، فعند ذلك سوف نستحق عذاب جهنّم.

            لقد قال الإمام الصادق(ع) في تفسير قوله تعالى: (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) [المائدة/3]، «الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ‏ بِإِقَامَةِ حَافِظِهِ‏ وَ أَتْمَمْتُ‏ عَلَیْکُمْ‏ نِعْمَتِي‏ بِوَلَایَتِنَا وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً أَيْ تَسْلِیمَ النَّفْسِ لِأَمْرِنَا»[مناقب آل أبي طالب/ ج3/ ص23].

            لماذا الإمام يعبّد طريق جهاد النفس لسالكيه؟ لأنه يحظى بجذابيّة وحلاوة متميّزة. ولذلك يقف زائر أهل البيت(ع) عند قبورهم فيقول: «فَمَا أَحْلَى أَسْمَاءَکُمْ» [زيارة الجامعة، عيون أخبار الرضا(ع)/ ج2/ ص276]. من خصال الإمام أنه جميل وجّذاب ويدخل حبّه في الفؤاد. وإنكم تستطيعون أن تشاهدوا دور الإمام في تسهيل العبادة، عبر مشاهدة حياة الصالحين من الناس.

            من كان لا يرغب في الالتزام بمواقيت الصلاة، فإنّه إذا أحبّ إمام زمانه(عج) وعرف أن الإمام المنتظر(عج) يحب الصلاة في أول وقتها، سوف يلتزم بمواقيت الصلاة بطبيعة الحال. وكم من الشباب الذين رأيتهم بأم عيني في جبهات الجهاد، من الذين هانت عليهم صعوبة الالتزام بوقت الصلاة، بعد أن أوثقوا عرى حبهم للإمام صاحب الزمان(ع).




            إن دور الإمام هو أن يبدّل عملية جهاد النفس إلى علاقة حبّ وغرام ونزهة. هذا هو شأن الإمام في العالم. نعم، إن جهاد النفس صعب عسير، ولكن ما لم يأت الإمام في البين. لماذا أرسل الله الأنبياء إلى الناس، لأنه أراد أن يسهّل عليهم صعوبة الدين، فإرسل إليهم رجالا مشرقي الوجوه و محبوبين خلوقين، فقال لهم اذهبوا إلى قومكم واكسبوا قلوبهم.

            الإمام يكسب القلوب، وبحبّه نستطيع أن نلتزم بديننا وندرك حقيقته. كما جاء في زيارة الجامعة: «بِمُوَالاتِکُمْ‏ عَلَّمَنَا اللَّهُ‏ مَعَالِمَ‏ دِینِنَا»[عیون أخبار الرضا ع/ج2/ص277]. كذلك التوحيد بين أبناء المجتمع فإنه ليس بأمر هيّن، ولا يقوى على هذا المهم إلا الولي والإمام. ولذلك نقول في تكملة المقطع السابق من زيارة الجامعة: «وَ بِمُوَالاتِکُمْ تَمَّتِ الْکَلِمَةُ وَ عَظُمَتِ النِّعْمَةُ وَ ائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ»[المصدر نفسه].

            انظروا ماذا فعل الإمام الحسين(ع) ليلة العاشر؟ إنه قد سهّل صعوبة الجهاد على أصحابه. إنه عرض على أهله ومن معه من أصحابه أن يتفرّقوا ويجعلوا الليل جملا وقال: إنما يطلبوني وقد وجدوني. فقالوا: قبّح الله العيش بعدك. يعني أصبح البقاء معك سهلا والذهاب علينا صعبا. فبعد ما وجد الإمام الحسين(ع) أن كم قد سهّل الجهاد عليهم بنور الولاية سهّل عليهم الطريق أكثر. إذ بعد ذلك كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم في الجنة. فقد روي عن الإمام السجاد(ع) أن قال الإمام الحسين(ع) لهم في تلك الليلة: «ارفَعوا رُؤوسَكُم وَانظُروا. فَجَعَلوا يَنظُرونَ إلى مَواضِعِهِم ومَنازِلِهِم مِنَ الجَنَّةِ، وهُوَ يَقولُ لَهُم: هذا مَنزِلُكَ يا فُلانُ، وهذا قَصرُكَ يا فُلانُ، وهذِهِ دَرَجَتُكَ يا فُلانُ. فَكانَ الرَّجُلُ يَستَقبِلُ الرِّماحَ وَالسُّيوفَ بِصَدرِهِ، ووَجهِهِ لِيَصِلَ إلى مَنزِلِهِ مِنَ الجَنَّةِ». [الخرائج والجرائح/ج2/ص847]. هذا هو دور الإمام في تسهيل الطريق لأصحابه والخاضعين لولايته. فإنه قد سهّل عليهم جهاد النفس، وبذل الأنفس في سبيل الله والرضا بقضائه.

            هنا حري بنا أن يناجي كلّ منا إمام زمانه(عج) ويقول له: سيدي، أرى طريق إصلاح نفسي وعرا، فها أنا أعيش الصعاب والمعاناة في هذا الطريق، مما يدل على أنّي لم أعرفك بعد. سيدي ومولاي! أرجوك أن تعرفني نفسك وتقتحم قلبي وتزيل الغطاء عن وجهي كما فعل الإمام الحسين(ع) لأصحابه. فسهّل بعيني الموت من أجلكم.

            لابدّ أن نعرف احتياجنا للإمام ودوره في عملية إصلاح النفس، فإذا أدركنا احتياجنا إليهم واستعنّا بهم، سوف لا يبخلون علينا بمعونتهم. فإنهم قد خلقوا لأداء هذا الدور. وهذه هي المعرفة الرئيسية التي نستطيع أن نعتبر باقي الأبحاث مقدّمة أو هامشية بالنسبة إليها.

            لابدّ أن قد سمعتم قصة ذاك الشيعي الذي أمره الإمام الصادق بإلقاء نفسه في التنّور. «قال مأمون الرقّي كُنْتُ عِنْدَ سَيِّدِي الصَّادِقِ ع إِذْ دَخَلَ سَهْلُ بْنُ الْحَسَنِ الْخُرَاسَانِيُّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَكُمُ الرَّأْفَةُ وَ الرَّحْمَةُ وَ أَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتِ الْإِمَامَةِ مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ أَنْ يَكُونَ لَكَ حَقٌّ تَقْعُدُ عَنْهُ وَ أَنْتَ تَجِدُ مِنْ شِيعَتِكَ مِائَةَ أَلْفٍ يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَهُ ع اجْلِسْ يَا خُرَاسَانِيُّ رَعَي اللَّهُ حَقَّكَ ثُمَّ قَالَ يَا حَنِيفَةُ اسْجُرِي التَّنُّورَ فَسَجَرَتْهُ حَتَّي صَارَ كَالْجَمْرَةِ وَ ابْيَضَّ عُلُوُّهُ ثُمَّ قَالَ يَا خُرَاسَانِيُّ قُمْ فَاجْلِسْ فِي التَّنُّورِ فَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّ يَا سَيِّدِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُعَذِّبْنِي بِالنَّارِ أَقِلْنِي أَقَالَكَ اللَّهُ قَالَ قَدْ أَقَلْتُكَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ هَارُونُ الْمَكِّيُّ وَ نَعْلُهُ فِي سَبَّابَتِهِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ ع أَلْقِ النَّعْلَ مِنْ يَدِكَ وَ اجْلِسْ فِي التَّنُّورِ قَالَ فَأَلْقَي النَّعْلَ مِنْ سَبَّابَتِهِ ثُمَّ جَلَسَ فِي التَّنُّورِ وَ أَقْبَلَ الْإِمَامُ ع يُحَدِّثُ الْخُرَاسَانِيَّ حَدِيثَ خُرَاسَانَ حَتَّي كَأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهَا ثُمَّ قَالَ قُمْ يَا خُرَاسَانِيُّ وَ انْظُرْ مَا فِي التَّنُّورِ قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ مُتَرَبِّعاً فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَ سَلَّمَ عَلَيْنَا فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ ع كَمْ تَجِدُ بِخُرَاسَانَ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ وَ اللَّهِ وَ لَا وَاحِداً فَقَالَ ع لَا وَ اللَّهِ وَ لَا وَاحِداً فَقَالَ أَمَا إِنَّا لَا نَخْرُجُ فِي زَمَانٍ لَا نَجِدُ فِيهِ خَمْسَةً مُعَاضِدِينَ لَنَا نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْوَقْتِ.» [ بحارالأنوار/ج47 /ص124] فانظر كيف قد هوّنت الولاية ما لا يطيقه سائر الناس. فلا تزعم أن هارون المكّي قد جاهد نفسه كثيرا حين ما ألقى نفسه في التنّور، أو أنّه قد خيّر نفسه بين نار التنّور ونار جهنّم فاختار نار التنّور كرها، كلّا.

            لا ينال ولاية أهل البيت(ع) إلا بالورع

            لا ينال ولاية أهل البيت(ع) إلا بالورع، والورع هو أقصى مراحل التقوى. الورع هو ترك هوى النفس بلا مشقّة؛ يعني أن تبلغ المرحلة التي تسهل فيها عملية جهاد النفس. قال أمير المؤمنين(ع) لسليم: «یَا سُلَیْمُ إِنَّ مِلَاكَ‏ هَذَا الْأَمْرِ الْوَرَعُ‏ لِأَنَّهُ لَا یُنَالُ وَلَایَتُنَا إِلَّا بِالْوَرَع‏»[کتاب سلیم بن القیس/ج2/ص827]

            لابدّ أن نتّجه نحو الولاية عن طريق الورع، ثم نعزّز الورع بالولاية. وبهذا الأسلوب يسهل الورع. إن حبّ أمير المؤمنين(ع) يزيد الإنسان ورعا، والورع يزيد الإنسان حبّا لأمير المؤمنين(ع). إن حبّ أمير المؤمنين(ع) هو حبّ جميع المحامد والفضائل في الواقع. فقد جاء في زيارة الجامعة: «إِنْ ذُکِرَ الْخَیْرُ کُنْتُمْ أَوَّلَهُ وَ أَصْلَهُ وَ فَرْعَهُ وَ مَعْدِنَهُ وَ مَأْوَاهُ وَ مُنْتَهَاهُ». ويجرّنا هذا الحب إلى جميع الفضائل والمحامد، فإن وجدنا بعض الفضائل ثقيلة على أنفسنا، فذلك بسبب أننا لم نعرف إمامنا جيدا. إذ أن الإمام يسهّل الصعاب كلّها.

            الولاء للولي يسهّل عليك عملية جهاد النفس، وكذلك يسهّل عليك إطاعة المولى في جهاد النفس، وفي نفس الوقت يضعّف هوى نفسك بشكل كامل. إذ بولائك قد تقبّلت أن يتفضّل عليك بشر مثلك لأن الله قد فضّله عليك. فإنك عندما تقرّ لأمير المؤمنين(ع) بالولاية والسيادة والإمرة عليك فقد قضيت على نفسك، ويسهل عليك الورع حينئذ.

            لماذا الولي يسهّل عمليّة جهاد النفس؟

            والسبب الآخر الذي جعل وليّ الله سببا لتسهيل جهاد النفس، هو أن وليّ الله مظلوم. فإنك عندما ترى مظلوميّة أمير المؤمنين(ع) حين استشهاد السيدة الزهراء(س) تهون عملية جهاد النفس بعينك. إن هذا الرجل العظيم الذي استشهد في هذه الأيام، قد شدّ بالحبال وجرّ إلى المسجد. وقد ضربت زوجة هذا الرجل المظلوم أمام عينه.

            ما أكثر الشهداء الذين زالت مظلوميتهم بعد استشهادهم، إلا أمير المؤمنين(ع) فقد بدأ الخطباء بعد استشهاد أمير المؤمنين(ع) بلعنه على المنابر. فهل تستطيعون أن تجدوا مظلوما مثل علي بن أبيطالب(ع).

            من ظلامات أمير المؤمنين(ع) بعد استشهاده هي أن لم يشيّعه أحد من الناس فقد دفن في ليلة ظلماء بعيدا عن أنظار الناس. فعادت ذكريات مصائب الزهراء(س) على بنته زينب وهي ترى تكرار مشهد التشييع في جوف الليل خفية، فما أعزّ على البنت المصابة بفقد أبيها أن لا تجهش بالبكاء، ولا ترفع صوت النحيب والعويل علي أبيها المقتول ظلما.


            ألا لعنة الله على القوم الظالمين


            تعليق


            • #66
              الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 21

              إليك ملخّص الجلسة الواحدة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

              جواب الله لبعض عبّاد بني إسرائيل

              إن شهر رمضان شهر المغفرة، كما قال رسول الله(ص): «فَإِنَّ الشَّقِيَ‏ مَنْ‏ حُرِمَ‏ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيم» [الأمالي للصدوق/ص93]. فيودّ الجميع أن ينتهزوا أيام هذا الشهر ولياليه ليحصلوا على الحدّ الأقصى من فوائده وبركاته. فإن حُرم استجابةَ اللّه أحدٌ من الناس، لا يهتدي بعدُ إلى طريق نجاةٍ بسهولة. فمن أجل ازدياد استفادتنا من هذا الشهر العظيم، ومن أجل أن نزداد شعورا بأهمية هذا الطريق الذي يجب أن نسلكه، أرجوا أن تلتفتوا إلى هذه الرواية:
              قال الإمام الصادق(ع): «إِنَّ حَبْراً مِنْ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِیلَ عَبَدَ اللَّهَ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْخِلَالِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِیَائِهِ فِي زَمَانِهِ قُلْ لَهُ وَ عِزَّتي وَ جَلَالِي وَ جَبَرُوتِي لَوْ أَنَّكَ عَبَدْتَنِي حَتَّى تَذُوبَ کَمَا تَذُوبُ الْأَلْیَةُ فِي الْقِدْرِ مَا قَبِلْتُ مِنْكَ حَتَّى تَأْتِیَنِي مِنَ الْبَابِ الَّذِی أَمَرْتُكَ» [ثواب الأعمال وعقاب الأعمال/ ص203]
              وكذلك روي عن الإمام الصادق(ع): «مَرَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ع بِرَجُلٍ وَ هُوَ رَافِعٌ یَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ یَدْعُو اللَّهَ فَانْطَلَقَ مُوسَى فِی حَاجَتِهِ فَبَاتَ سَبْعَةَ أَیَّامٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَیْهِ وَ هُوَ رَافِعٌ یَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ یَا رَبِّ هَذَا عَبْدُكَ رَافِعٌ یَدَیْهِ إِلَیْكَ یَسْأَلُكَ حَاجَتَهُ وَ یَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ مُنْذُ سَبْعَةِ أَیَّامٍ لَا تَسْتَجِیبُ لَهُ قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَیْهِ یَا مُوسَى لَوْ دَعَانِي حَتَّى یَسْقُطَ یَدَاهُ أَوْ یَنْقَطِعَ لِسَانُهُ مَا اسْتَجَبْتُ لَهُ حَتَّى یَأْتِیَنِی مِنَ الْبَابِ الَّذِی أَمَرْتُه» [المحاسن/ج1/ص224]
              فما هذا الباب الذي يجب أن نعبد الله عن طريقه، وإلا فلن تجدي عبادتنا نفعا مهما تعبّدنا؟ وليت شعري ماذا وأين هذا الباب الذي مهما عملتَ واستغفرت لن ينظر إليك أحد، ولكنك إن جئت من هذا الباب سوف يغفر الله لك بأدنى عمل؟! لابدّ لنا أن نقرّ بكلتا الحقيقتين وهذا ما يحتاج إلى دقّة من جانب وإلى صفاء الباطن من جانب آخر.

              الإمام الصادق(ع): ذلل نفسك باحتمال من خالفك ممن هو فوقك

              يقول الإمام الصادق(ع): «ذَلِّلْ نَفْسَكَ بِاحْتِمَالِ مَنْ خَالَفَكَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ وَ مَنْ لَهُ الْفَضْلُ عَلَیْكَ فَإِنَّمَا أَقْرَرْتَ بِفَضْلِهِ لِئَلَّا تُخَالِفَهُ» [الكافي/ج15/ص554]. يمكن أن يكون هذا الأعلى و «من هو فوقك» هو الأب والأم في البيت، أو الضابط في المعسكر، أو الرئيس في الدائرة. طبعا من المعلوم أن امتثال أمر الأعلى مشروط بأن لا یخالف أمرُه أمرَ الله. وقد جاء هذا الشرط في القرآن بعد ما أمر بالإحسان بالوالدين. [راجع العنكبوت/8 واللقمان/15]

              لابد أن نذلّ أنفسنا للّه بجهاد النفس

              في سبيل أن ننال المقام الذي خلقنا من أجله، لابدّ أن تذِلّ أنفسنا، ولا طريق إلى إذلال النفس سوى مجاهدتها ومخالفتها. إن جهاد النفس ومخالفتها يقتضي وجود أمرِ من هو فوقنا. وهذا هو «الطريق الوحيد» الذي تحدّثنا عنه في هذه الجلسات الماضية، کما أن الإنسان مجبور على مجاهدة نفسه شاء أم أبى. ولكن لابدّ للإنسان أن يجاهد هوى نفسه ليذلّ لله سبحانه ويصل إليه. لا يمكن للإنسان المتكبّر أن يصل إلى الله ما دام متكبرا. فإن طريق الوصول إلى الله هو التذلّل، يعني أن يقضي الإنسان على أنانيّته ليستطيع السير نحو الله عز وجل.
              ولكن يبدو أنه إذا تركت النفسُ مع ربّها، فسيعتريها العجب والغرور شيئا فشيئا، ثم ترى أنها ذو مقام وشأن رفيع، فلم تعد ذليلة مقهورة، ولم تزُل «الأنا» في مقابل الله. لذلك قد لا تحصل حالة الذلّ والخشوع في مقابل الله عبر العلاقة المباشرة مع الله. إن حبط عمل إبليس الذي قد عبد الله ستة آلاف سنة ينبئ بأننا حتى وإن عبدنا اللّه ستّة آلاف سنة بشكل مباشر، مع ذلك قد لم تذل أنفسنا لله بهذه العبادة.

              أهمية الذلّ لله

              في موضوع أهمية ذلّ النفس للّه، حري بالإشارة إلى الحديث المروي عن الإمام الباقر(ع) حيث قال: «أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى مُوسَى ع أَنْ یَا مُوسَى أَ تَدْرِي لِمَ اصْطَفَیْتُكَ بِکَلَامِی دُونَ خَلْقِي قَالَ یَا رَبِّ وَ لِمَ ذَاكَ قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَیْهِ أَنْ یَا مُوسَى إِنِّي قَلَّبْتُ عِبَادِي ظَهْراً لِبَطْنٍ فَلَمْ أَجِدْ فِیهِمْ أَحَداً أَذَلَّ لِي نَفْساً مِنْكَ یَا مُوسَى إِنَّكَ إِذَا صَلَّیْتَ وَضَعْتَ خَدَّكَ عَلَى التُّرَابِ» [الكافي/ج2/ص123].

              طريق الذل لله هو الإقرار بأفضليّة ولي الله

              ما هو الطريق؟ إذا ما أردت أن تجد إلى اللّه المتكبّر سبيلا، فلابدّ لك من التذلّل. هذه هي فلسفة جهاد النفس وهي أن تلوي عنق نفسك. ولكنك إن عمدت إلى إرغام نفسك، يأت الله إليك بوليّه ويفرض عليك أن تقرّ بكونه أفضل منك. ومضافا إلى الإقرار بأفضلية ولي الله عليك، لابدّ لك أن تستلم أوامر الله عن طريقه، وأن تخضع لأوامره الخاصّة أيضا كما تخضع لأوامر الله.
              إن هذه الأحاديث القدسية التي مرّت عليكم والتي تنقل عن الله أنه لا يقبل عبادة العابد وتوبة التائب مهما حاول وسعى وحتى لو ذاب كذوب الشحم في القدر أو كسرت يداه وقطع لسانه ما لم يأت الله من الباب الذي أمره، هذا الباب هو باب الولاية التي يجب أن نستلم أحكام الله عن طريقه.

              سبب هلاك إبليس هو الكبر على وليّ الله/ سبب غفران آدم(ع)، التواضع لولي الله

              قال الإمام الحسن العسكري(ع) عن النبي الأعظم(ص): «عَصَى اللَّهَ إِبْلِیسُ، فَهَلَكَ لِمَا کَانَ مَعْصِیَتُهُ بِالْکِبْرِ عَلَى آدَمَ وَ عَصَى اللَّهَ آدَمُ بِأَکْلِ الشَّجَرَةِ، فَسَلِمَ وَ لَمْ یَهْلِكْ لِمَا لَمْ یُقَارِنْ بِمَعْصِیَتِهِ التَّکَبُّرَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّیِّبِینَ، وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: «یَا آدَمُ عَصَانِي فِیكَ إِبْلِیسُ، وَ تَکَبَّرَ عَلَیْكَ فَهَلَكَ، وَ لَوْ تَوَاضَعَ لَكَ بِأَمْرِی، وَ عَظَّمَ عِزَّ جَلَالِي لَأَفْلَحَ کُلَّ الْفَلَاحِ کَمَا أَفْلَحْتَ، وَ أَنْتَ عَصَیْتَنِي بِأَکْلِ الشَّجَرَةِ، وَ بِالتَّوَاضُعِ لِمُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ تُفْلِحُ کُلَّ الْفَلَاحِ» [الاحتجاج للطبرسي/1/53].

              إن ليلة القدر هي ليلة الاعتذار من الإمام صاحب الزمان(عج)

              إن ليلة القدر، هي ليلة الاعتذار من الإمام صاحب الزمان(عج) وقبول توبتنا مشروط بجلب رضا الإمام الحجة(عج). نحن نعتقد أن في ليلة القدر تسلّم صحف أعمالنا إلى الإمام صاحب الزمان(عج)، كما تسلّم الصحف إلى أمير المؤمنين(ع) يوم القيامة. فقد قال النبي(ص) لأصحابه: «آمِنُوا بِلَیْلَةِ الْقَدْرِ إِنَّهَا تَکُونُ- لِعَلِیِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ لِوُلْدِهِ الْأَحَدَ عَشَرَ مِنْ بَعْدِي‏» [الكافي/ج1/ص533]

              إذا كان الخوض في الشهوات قبيح، فإن الصلاة بلا ولاية قبيحة أيضا

              إذا كان الخوض في الشهوات والفسق والفجور قبيح لكون الإنسان المنحدر في هاوية الشهوات يعمل بما يحب، كذلك الصلاة قبيحة بلا ولاية، لأنها تعبّر عن عبادة منسجمة مع هوى الإنسان المتكبّر على ولي الله. وحري بالذكر أن قد ارتكب المصلّون بلا ولاية جرائم لم يرتكبها حتى الكفّار. لقد التزم الكفّار والمشركون ببعض الأصول والقيم في تعاملهم مع سبايا المسلمين، ولكن تعالوا إلى كربلاء لتروا المصلّين الذين جرّدوا دينهم عن الولاية فلم توقفهم أي قيمة وأي حرمة في ارتكاب الجرائم على أطفال الحسين(ع) فضلا عن الكبار.

              ألا لعنة الله على القوم الظالمين

              تعليق


              • #67
                الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.22

                إليك ملخّص الجلسة الثانية والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

                إن قبول أمر «ولي الله» علامة على صحة الإيمان والصدق في مخالفة الهوى

                بعد أن اقتنع الإنسان بمجاهدة هواه وأن يقوم بجهاده وفق البرنامج الذي أعطاه ربّه والمقدّرات التي قدّرها له في سبيل إضعاف أنانيّته. هنا يقول الله له: «إذا أردت القضاء على أنانيّتك فلا يكفيك أن تتواضع لربّك وحسب، ولا يدلّ ذلك على طهارتك، وذلك لأن الإنسان كائن معقّد ومتشعّب الأبعاد، فلعلّه قد ترك في سويداء قلبه شيئا من الكبر. لذلك فأنا أرسل إليك وليّي ليأمرك. وعليك أن تتواضع له وتمتثل أمره. فإن خضعت لولاية وليّي وامتثلت أمره، يدلّ ذلك على صدق مدّعاك واستعدادك الحقيقي لمخالفة هواك من أجلي وبأمري».
                إن أدوات فحص صحة إيماننا وصدق ادعائنا في مخالفة الهوى، هي سلسلة المراتب التي وضعها الله في نظام العالم. يعني أن وجوب طاعة الله ينزل درجة ويصل إلى رسول الله(ص) ثم منه إلى أمير المؤمنين(ص) وأئمة الهدى إلى الإمام الحجة المنتظر(عج). كما أن سلسلة المراتب هذه قد تمتدّ إلى درجات أنزل وتتبلور في أشكال أخرى كطاعة الأب والأم.

                لا يمكن إلجام النفس عبر إطاعة الله المباشرة وحسب

                لابدّ لنا من إلجام النفس وتجريدها من أنانيّتها وكبرها ونذلّ أنفسنا أمام رب العالمين. ولكن لا يمكن إنجاز هذا الهدف عبر إطاعة الله المباشرة وحسب. إذ لا سبيل لجميع الناس إلى استلام أوامر الله بشكل مباشر، ومن جانب آخر لا تُثبِت نفس الإنسان طهارتها عبر الطاعة المباشرة لله. لذلك قد جعل الله وليّه لنسمع له ونطيعه، كما قد وضع سلسلة مراتب بعده تنتهي إلى الوالدين الذين أوجب علينا برّهم وطاعتهم. يعني أن الوالدين هما يشكّلان جزء من هذه السلسلة، فبطاعتهما ـ في موارد الطاعة ـ يفتُر كبرنا وتذبل أنانيّتنا وتخشع نفسنا لله سبحانه.
                يقول الإمام الصادق(ع): «ذَلِّلْ‏ نَفْسَكَ‏ بِاحْتِمَالِ مَنْ‏ خَالَفَكَ‏ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ» [الكافي/ج8/ص243] يعني سلّم إدارة مخالفة هواك إلى من هو فوقك. فعلى سبيل المثال يعتبر الزوج فوق الزوجة رتبة في نطاق ولايته عليها. فإن هذه المراتب موجودة في مختلف أبعاد الحياة الاجتماعية.

                لابدّ أن تكون عمليّة إدارة أهواء النفس عن الطريق «الأعلى» الذي حدّده الله للإنسان

                كلّنا نخضع لولاية من هو فوقنا. فعلى سبيل المثال إن والدينا فوقنا، لذلك لابدّ أن نسلّمهما قسما من عمليّة إدارة هوى نفسنا. لقد أكّد القرآن مرارا على لزوم الخضوع لمن هو فوقنا. فقال سبحانه: (وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئاً وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً) [النساء/36] وقال كذلك: (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) [الإسراء/23]. فلا يجوز أن نسيء التعامل معهما بحيث ينكسر قلبهما ويتألمان. فمقتضى هذا الإحسان والاحترام لهما هو أن نخالف الهوى على أساس مرامهما.
                لابدّ أن تكون عمليّة إدارة أهواء النفس عن الطريق «الأعلى» الذي حدّده الله للإنسان. فعلى كلّ إنسان أن يرى من هو الذي جعله الله فوقه في سلسلة المراتب لكي يتّبعه. ولا شكّ في أنّ هؤلاء «الأعلَون» الذين تجب طاعتهم، قد حدّدهم الله على درجات مختلفة. فعلى سبيل المثال المرأة تخضع لولاية زوجها. وعلى الرجل أن يخضع لوالديه باعتبارهما فوقه. أما الذي صاحب الولاية المطلقة هو «وليّ الله الأعظم» وينوب عنه «الوليّ الفقيه».
                يحكي الخضوع للأعلى درجة، عن مرتبة من مراتب سلامة النفس، وهو مدعاة للتواضع وزوال الكبر. ولكن يجب أن تعرف لأي «أعلى» تخضع؛ لمن جعله الله عليك وليّا، أم للطاغوت الذي فرض نفسه عليك فرضا، ولم يأمر الله بطاعته.

                الإمام الصادق(ع): ذَلِّلْ‏ نَفْسَكَ‏ بِاحْتِمَالِ مَنْ‏ خَالَفَكَ‏ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ

                لنرجع إلى حديث الإمام الصادق(ع) حيث يقول: «ذَلِّلْ‏ نَفْسَكَ‏ بِاحْتِمَالِ مَنْ‏ خَالَفَكَ‏ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ وَ مَنْ لَهُ الْفَضْلُ عَلَیْكَ؛ فَإِنَّمَا أَقْرَرْتَ بِفَضْلِهِ لِئَلَّا تُخَالِفَهُ» [الكافي/ج8/ص243] فعلى سبيل المثال للطبيب فضل على المريض ولابدّ للمريض أن يمتثل أمره. لذلك حسب ما نقل عن أطباء الإمام الخميني(ره)، كان سماحته قد سلّم أمره إليهم في القضايا الصحّيّة. إن هذه الخصلة هي من درجات روح الولاء والخضوع للأفضل. مع أن الطبيب ليس وليّا على الإنسان، ولكن من الناحية الأخلاقية نستطيع أن نقول: إن من يستنكف عن قبول رأي المتخصّص فهو متكبّر.

                من لا يعرف لأحد فضلا فهو معجب برأيه

                ثم يقول الإمام الصادق(ع) في تكملة حديثه: «وَ مَنْ لَا یَعْرِفْ لِأَحَدٍ الْفَضْلَ، فَهُوَ الْمُعْجَبُ بِرَأْیِهِ» [المصدر نفسه]. وسرّ هذا الكلام هو أن كلّنا سوف نواجه إنسانا أفضل في حياتنا لابدّ أن نعترف له بالأفضليّة ولا يخفى أن الاعتراف بأفضليّة الآخرين ليس بعمل هيّن على كل إنسان ولا يقوى عليه الجميع. فإن بعض الناس ومن أجل أن يخلّص نفسه من ثقل التواضع والخضوع، لا يعترف لأحد فضلا من الأساس، فمثل هذا الإنسان قد ابتلي بالعجب التي هي من أسوء الصفات.
                وقد جاء في شرح أصول الكافي في ذيل هذه الرواية، أن المصداق الأتم والأكمل للأعلى هو أهل البيت وأئمّة الهدى(ع) أو ما نعبّر عنه بالولاية. ولكنّي توسّعت في ذكر مصاديق أخرى في سبيل فهم الآثار التربوية والأخلاقية الناتجة من إطاعة الأعلى.

                إن لم نفوّض إدارة عمليّة مخالفة الهوى إلى وليّ الله، ستسقط بيد عدوّ الله الذي لا يرحم

                إن لم يكن زمام إدارة عمليّة مخالفة الهوى في هذا الطريق بيد وليّ الله، ماذا يحدث؟ عند ذلك ستسقط إدارة مخالفة الهوى بيد عدوّ الله وعدوّنا الذي لا يرحم. يعني سوف يسلّط الله علينا أرذل خلق الله وهذه لقاعدة وسنّة إلهيّة.
                إنّك إن لم تعط زمام إدارة مخالفة هواك بيد وليّ الله، سوف تُضطرّ إلى مخالفة هواك تحت إدارة أراذل العالم وليس لك طريق آخر.

                يتبع إن شاء الله...

                تعليق


                • #68
                  الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.22

                  هل عاش الشعب المصري بسعادة وهناء بعد ما كان حكّامهم مطيعين لأمريكا عقودا متمادية؟

                  إن خالف الإنسان هواه أياما معدودة تحت إمرة وليّ الله، واستقام على نهجه في درب الحق، يعش سعيدا إلى آخر عمره في دنياه فضلا عن آخرته. ولكنّه إن تمرّد على حكم وليّ الله ولم يخالف هوى نفسه، يهيمن عليه المستكبرون وأراذل العالم وبعد ذلك لابدّ له أن يودّع الحياة السعيدة ويقرأ عليها السلام.
                  من نماذج هذه القاعدة هي دولة مصر التي خضع حكّامها إلى إرادة أمريكا أكثر من ثلاثين سنة. فهل الآن يحظى الشعب المصري بحياة سعيدة؟! كان بإمكان مصر أن تكون من أرقى بلدان منطقتنا اقتصاديّا وثقافيّا. كانت مصر بوّابة دخول العلم إلى أوروبّا. فلا يعوز الشعب المصري ولا أرض مصر شيئا. ولكنّها تعاني من فقر شديد إذ كان قد خضع حاكمها لأمريكا في كل شيء.
                  إن إعلامنا ـ وللأسف ـ يتكلم بطريقة دبلماسيّة ورسميّة بحتة في التغطية على أخبار بلدان المنطقة، وكأنه يتحدث في مؤتمر قمّة. مع أنّه يستطيع أن يصوّر الظروف الحقيقية التي تعيشها شعوب المنطقة عبر برامج وثائقيّة واقعيّة.
                  انظروا إلى العراق وإلى ما يعانيه من نفوذ أمريكا وتأثيرها على بعض أحداث العراق. فمع أنها قد اضطُرّت إلى سحب قوّاتها من العراق، ولكن مازالت لم تنقطع أيادي تدخّلها ونفوذها بشكل كامل. لعلّ أكبر سفارة أمريكية هي في العراق وبآلاف من الموظّفين. إن أمريكا هي المتصدّية لبيع نفط العراق ثمّ تعطي شيئا من وارد بيع النفط العراقي إلى العراقيّين، وكأنها هي أمين صندوق العراق! وبعد كلّ هذا النهب من أموال العراق لم تسع لإعمار العراق قطّ لتحصل على مكانة بين العراقيّين. انظروا إلى وضع الأمن في العراق. فليت شعري كم عراقي يجب أن يقتل حتى يرضى الأمريكان؟!

                  هل يجب أن نقطّع إربا إربا حتى يصدّق البعض برذالة العدوّ؟!

                  إن بعض الناس ـ وللأسف الشديد ـ من الجهالة بمكان بحيث لا يرون حقائق العالم هذه ولا يصدّقون بوجود العدوّ. يبدو أن هولاء لن يصدّقوا بوجود شيء اسمه العدوّ واسمه الاستكبار إلّا اللهم في ما إذا حطّموا أنفسهم ودمّروا مجتمعهم بيد العدوّ. فيا ترى هل لابدّ أن نمهل العدوّ إلى أن يهدّد أمننا ويقطّعنا إربا إربا حتى يصدّق البعض برذالته؟! وإلى متى لابدّ أن نرى الخطاب الثوري غريبا في بعض الأوساط في بلدنا!

                  متى ينبغي لنا التفاوض مع الاستكبار

                  يجب علينا أن نقف أمام الاستكبار العالمي. فلا ينبغي أن نتفاوض معه إلا بشرط أن ينذلّ أمامنا بشدّة. إذ بمجرّد أن يرانا مستعدين لتقديم بعض التنازلات يزداد وقاحة.
                  لا يحلو لنا التفاوض مع الغرب إلا بعد أن كنّا من القوّة بمكان بحيث عندما ضربنا بأيدينا على الطاولة وقلنا لهم اسحبوا الإرهابيّين من سورية لنبدأ الحديث معكم، لم يجدوا بدّا سوى أن يمتثلوا بكل ذلّ. إذ لا يمكن الحديث معهم إلا من منطق القوّة، امّا إذا أردنا أن نتحدث معهم من منطق الضعف سيضربون هم على الطاولة ويقولون: سلّمونا حزب الله والمقاومين في سورية لكي نذبحهم جميعا! منذ سنين وهم يطالبوننا أن لا ندعم حزب الله والمقاومة في المنطقة.

                  نحن إن تنازلنا للعدوّ ذرّة، لابدّ أن نستقبل الإرهابيّين في بلدنا بعد ما اقتحموا سورية بأسرها

                  نحن لابدّ أن ندرس الموضوع ونرى كيف تجرّأ الأوروبيّون على وضع مجاهدي حزب الله في قائمة الإرهاب؟ وما هي العوامل التي سمحت لهم أن يرتكبوا ظلما مثل هذا؟ نحن اليوم إن تنازلنا للعدوّ مثقال ذرّة، لابدّ أن نستقبل الإرهابيين في بلدنا بعد ما اقتحموا سورية بأسرها!
                  إنك إن لم تسلّم إدارة مخالفة هواك إلى وليّ الله، سوف يقع زمام إدارة مخالفة هواك بيد عدوّ الله وإنه لن يرحمك أبدا. وفي الواقع نحن نهتف في يوم القدس بأن إدارة مخالفة أهوئنا ليست بيد عدوّ الله، وإنما هي بيد وليّ الله. لابدّ أن نسأل الله أن يحفظ زمام إدارة مخالفة أهوائنا بيده ولا يسمح أن يقع بيد عدوّه.

                  أولئك الذين لا يتحمّلون العناء في طريق الحقّ، لابدّ لهم من تجشّم نفس العناء في طريق الباطل

                  على أساس السنن الإلهيّة، أولئك الذين لا يتحمّلون العناء في طريق الحقّ، لابدّ لهم من تجشّم نفس العناء في طريق الباطل. فقد قال الإمام الصادق(ع): «واعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ لَمْ یُنْفِقْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ابْتُلِيَ بِأَنْ یُنْفِقَ فِي مَعْصِیَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ لَمْ یَمْشِ فِي حَاجَةِ وَلِيِّ اللَّهِ ابْتُلِيَ بِأَنْ یَمْشِيَ فِي حَاجَةِ عَدُوِّ اللَّه» [من لا يحضره الفقيه/ج4/ص412] إن أهل الكوفة الذين تشبثوا بشتّى الذرائع كالحرّ والبرد وغير ذلك لأن يقعدوا عن القتال مع أمير المؤمنين(ع)، وصل بهم الأمر إلى أن يقتلوا سيد الشهداء(ع) بإشارة من يزيد بن معاوية وقد هلك منهم كثير.
                  أولئك الذين كان حريّ بهم أن يستشهدوا تحت راية أمير المؤمنين(ع) في ساحة الجهاد ضدّ معاوية، وصل بهم الأمر إلى أن قُتِلوا تحت لواء يزيد في قتالهم ضدّ الإمام الحسين(ع) وذهبوا إلى نار جهنّم. يعني هؤلاء الذين قصّروا في الدفاع عن الحقّ، ابتلوا بالدفاع عن الباطل.

                  من يخضع لولاية الاستكبار، يصل به الأمر إلى القتل والهلاك في سبيله

                  كان الغربيّون في زمن بائد، يستخدمون الشباب والجنود الإيرانيين لقمع الثورات في المنطقة. فانظروا كيف كان حالنا سابقا وإلى أين رقّانا الإمام(ره) بهذه الثورة، بحيث لسنا لم نعد نقاتل من أجل العدوّ وحسب، بل أصبحنا نقاومه. يعني كنّا نعرّض شبابنا وجنودنا إلى القتل والهلاك في سبيل أن تصل أمريكا إلى مطامعها في المنطقة! هكذا كان حالنا!
                  وكذلك كان الإنكليز يستخدمون الجنود من أهل الهند في سبيل مواصلة أهدافهم الاستعمارية في البلدان الأخرى. فكانوا يعرّضون هؤلاء الجنود المساكين إلى القتل في سبيل بسط سلطتهم الاستعمارية في البلدان الأخرى. يعني من سلك طريق الخضوع للاستكبار، لابدّ أن يسلك الطريق إلى آخره وسوف يصل به الأمر إلى القتل والهلاك في سبيل الاستكبار.
                  فإنك إن أعطيت الضوء الأخضر للعدوّ، لن يمنحك العدوّ حياة مريحة في هذه الدنيا، ولن يكتفي بأن تتحمل ظلمه وعدوانه وحسب، بل يأمرك أن تفدي بروحك في سبيل مطامعه! إذ لا يريد أن يفرّط بجنوده في سبيل مطامعه!
                  في أغلب الأحيان لا داعي لخوض الصراع مع العدوّ، وحسبنا أن نحظى بروح جهاديّة. كما لا داعي لضرب الكلاب في أغلب الأحيان، وإنّما عليك أن لا تفرّ منهم. فلو رفعت حجارة يفرّ منك فورا وكأنه قد أصيب بالحجارة حقيقة. لابدّ من مواجهة العدوّ بروح ثوريّة وإلا فسوف يتضرّر الشعب جميعا.

                  يجب على رجالنا السياسيّين أن يجابهوا هؤلاء الذئاب الخبثاء

                  يجب على رجالنا السياسيّين أن يتنافسوا مع بعض في مواجهة هؤلاء الذئاب الخبثاء. لقد اتخذ أعضاء مجلس الشورى الإسلامي موقفا مختصرا تجاه الأروبيين الوقحين الذين أضافوا حزب الله إلى قائمة الإرهاب، ولكن يجب على جميع السياسيّين أن يتخذوا موقفا شديدا. فمن يتنازل لهؤلاء الوقحين مثقال ذرّة ولم يدافع عن كرامته بعزّ ولم يتهجم عليهم بشجاعة، سوف يذلّ، والله هو الذي سيهيّئ أسباب ذلّه.
                  وبالتأكيد لابدّ أن تكون كل هذه المواقف من المقاومة العزيزة والتهجّم الشجاع على العدو، مصحوبة بالحكمة والتدبير والواقعيّة، ولكن من أهمّ حقائق العالم الواقعيّة هي أن الله سبحانه قد وعد بنصر المقاومين ضدّ الأعداء.

                  تعليق


                  • #69
                    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.23

                    إليك ملخّص الجلسة الثالثة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

                    مراحل جهاد النفس ثلاثة: 1. العقل في مقابل هوى النفس 2. الإيمان في مقابل هوى النفس 3. الولاية في مقابل هوى النفس

                    ينتهي طريق جهاد النفس إلى تصدّي الولاية لقيادة هذه الحركة. فإذا كان العقل في مقابل هوى النفس في بداية هذا الجهاد، وكان الإيمان هو المتصدّي لمواجهة هوى النفس في المراحل المتأخرة، ففي آخر المطاف تأتي الولاية لتواجه هوى النفس.
                    1ـ العقل في مقابل هوى النفس: يرشدك العقل إلى رؤية أقصى المصالح ويدعوك إلى بعد النظر في متابعة الرغبات، بينما يدعوك هوى النفس إلى أقرب المصالح وأسطح الرغبات.
                    2ـ الإيمان في مقابل هوى النفس: يكوّن الإيمان الهدف والحافز، بينما يحاول هوى النفس أن يحول دون انعقاد الإيمان. فمن اتبع أهواء نفسه يفقد الإيمان.
                    3ـ الولاية في مقابل هوى النفس: إن جهاد النفس بحاجة إلى برمجة. إن «التقوى» هي برنامج جهاد النفس والتي تتصدّى لتبيين أسلوب تضعيف «الأنا». في سبيل تضعيف «الأنا» لابدّ أن تستلم الأوامر من الله وأن يبلّغها إليك وليّ الله. إن عمليّة استلام الأوامر من الله ليست بعمليّة مباشرة، فلابدّ لك من التواضع لوليّ الله. وهذا التواضع يستلزم أن تتقبّل أفضليته عليك. فيجب عليك في التعامل مع وليّ الله أن تخضع للأوامر التي يبلغها عن الله سبحانه، وكذلك يجب أن تخضع لأوامره التي يصدرها بنفسه، وذلك من أجل القضاء على أنانيتك. إذن ففي هذه المرحلة يقع هوى النفس في مقابل «الولاية»، وفي سبيل مواجهة هوى النفس لابدّ لك من الخضوع لأوامر الولاية.

                    من لم يتلقّ دينه عن الإمام(ع) فقد انصاع إلى هوى نفسه

                    هناك روايات كثيرة في بيان العلاقة بين الولاية وهوى النفس. فقد سئل أَبو الْحَسَنِ الرضا(ع)‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ (وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَیْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ)‏ قَالَ: یَعْنِي مَنِ اتَّخَذَ دِینَهُ رَأْیَهُ بِغَیْرِ إِمَامٍ‏ مِنْ‏ أَئِمَّةِ الْهُدَى» ‏[الكافي/1/374]. فما تشير إليه هذه الرواية ينسجم مع ما ذكر من مخالفة هوى النفس عبر امتثال أوامر ولي الله، وهو يؤيّد نفس هذه الفكرة. فلا ينبغي أن نتعامل مع هذه الرواية بطريقة تعبّدية محضة، بل لابدّ أن نعتبرها أساسا ومنهجا شاملا في مخالفة الهوى.

                    لا يَثبُت صدق الإنسان في تواضعه لله، إلّا عن طريق تواضعه لوليّ الله

                    يتجسّد تواضع الناس الحقيقي في أسلوب تعاملهم مع الولاية. فإنك إن خضعت لولاية بشر مثلك ولكنّه أفضل منك، فإنك قد تواضعت في الواقع ومن هنا تصبح الولاية هي الأساس في تقييم الإنسان. فلابدّ أن نخوض في موضوع الولاية بأداة التحليل والتعقّل وأن ندرس آثارها في جميع أجزاء الدين. فما يبدو من كثير من آيات القرآن والروايات والدراسات العقلية، هو أنه لا يثبت صدق الإنسان في تواضعه لله، إلّا عن طريق تواضعه لوليّ الله.
                    عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولَانِ:‏ «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوَّضَ‏ إِلَى‏ نَبِيِّهِ‏ ص‏ أَمْرَ خَلْقِهِ‏ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ- ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» [الكافي/ج1/ص266]
                    عَنِ الإمام الصَّادِقِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: «وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَوْ أَنَ‏ رَجُلًا لَقِيَ‏ اللَّهَ‏ بِعَمَلِ‏ سَبْعِينَ‏ نَبِيّاً ثُمَ‏ لَمْ‏ يَلْقَهُ‏ بِوَلَايَةِ أُولِي الْأَمْرِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفاً وَ لَا عَدْلا». [الأمالي للمفيد/115]
                    وفي رواية أخرى مشابهة قال رسول الله(ص): «وَالَّذِي‏ نَفْسُ‏ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ‏ لَوْ أَنَّ عَبْداً جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيّاً مَا قَبِلَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يَلْقَاهُ بِوَلَايَتِي وَ وَلَايَةِ أَهْلِ بَيْتِي» [الأمالي للطوسي/ 140]

                    يتبع إن شاء الله...

                    تعليق


                    • #70
                      الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.23

                      من لم يعتقد بولاية أهل البيت(ع) فهو من أهل النار حتى وإن عبد الله طوال عمره

                      عَنْ مُيَسِّرٍ بَيَّاعِ الزُّطِّيِّ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ‏ فِدَاكَ‏ إِنَ‏ لِي‏ جَاراً لَسْتُ‏ أَنْتَبِهُ‏ إِلَّا بِصَوْتِهِ إِمَّا تَالِيَا كِتَابَهُ يُكَرِّرُهُ وَ يَبْكِي وَ يَتَضَرَّعُ وَ إِمَّا دَاعِياً فَسَأَلْتُ‏ عَنْهُ فِي السِّرِّ وَ الْعَلَانِيَةِ فَقِيلَ لِي إِنَّهُ مُجْتَنِبٌ لِجَمِيعِ الْمَحَارِمِ قَالَ فَقَالَ يَا مُيَسِّرُ يَعْرِفُ شَيْئاً مِمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ فَحَجَجْتُ مِنْ قَابِلٍ فَسَأَلْتُ عَنِ الرَّجُلِ فَوَجَدْتُهُ لَا يَعْرِفُ شَيْئاً مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الرَّجُلِ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي يَعْرِفُ شَيْئاً مِمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ قُلْتُ لَا قَالَ يَا مُيَسِّرُ أَيُّ الْبِقَاعِ أَعْظَمُ حُرْمَةً قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ‏ قَالَ يَا مُيَسِّرُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَ الْمِنْبَرِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَ لَوْ أَنَّ عَبْداً عَمَّرَهُ اللَّهُ فِيمَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ وَ فِيمَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَ الْمِنْبَرِ يَعْبُدُهُ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ ذُبِحَ عَلَى فِرَاشِهِ مَظْلُوماً كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ الْأَمْلَحُ ثُمَّ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِغَيْرِ وَلَايَتِنَا لَكَانَ حَقِيقاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُكِبَّهُ عَلَى مَنْخِرَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّم‏». [ثواب الأعمال للصدوق/ص210]

                      لا يقبل الله عمل امرء شاك في أهل البيت(ع)

                      تؤيد هذه الروايات أننا لم نخلق لغرض أن نكون أناسا صالحين وأن نعمل مجموعة من الأعمال الصالحة. بل إنما خلقنا من أجل أن نجاهد أهواء أنفسنا، وينتهي هذا الجهاد في آخر المطاف إلى الخضوع للولاية واتباعها.
                      لقد قال النبي الأكرم(ص): «لَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَ اللَّهَ أَلْفَ عَامٍ مَا بَیْنَ الرُّکْنِ وَ الْمَقَامِ ثُمَّ ذُبِحَ کَمَا یُذْبَحُ الْکَبْشُ مَظْلُوماً لَبَعَثَهُ اللَّهُ مَعَ النَّفَرِ الَّذِینَ یَقْتَدِی بِهِمْ وَ یَهْتَدِی بِهُدَاهُمْ وَ یَسِیرُ بِسِیرَتِهِمْ إِنْ‏ جَنَّةً فَجَنَّةٌ وَ إِنْ‏ نَاراً فَنَارٌ». [بحار الأنوار/27/180].
                      وقد روي في أمالي المفيد عن الإمام الباقر(ع) والإمام الصادق(ع) أنهما قالا: «نَحْنُ أَهْلَ الْبَیْتِ لَا یَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلَ عَبْدٍ وَ هُوَ یَشُكُ فِینَا». [الأمالي للمفيد/ ص3]

                      هوى النفس سبب لمخالفة الأنبياء

                      لقد سلّط القرآن الضوء على إحدى خصائص النبي الأكرم(ص) وقال: «وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوى» [نجم/ 3]. فيتضح أن اتباع الهوى قضية مهمّة والنبي(ص) منزّه عنها. إن هذه الآية قد كشفت عن رؤية إيجابيّة تجاه مخالفة الهوى.
                      وهناك عبارات أخرى في القرآن الكريم تصبّ في هذا الموضوع، مثل الآية المباركة التي تحدّثت عن بلعم بن باعورا وشبّهته بالكلب؛ (وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الْکَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ أَوْ تَتْرُکْهُ یَلْهَثْ ذلِکَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا) [الأعراف/176].
                      وقد قال الله تعالى في آية أخرى: (لَقَدْ أَخَذْنا میثاقَ بَنی‏ إِسْرائیلَ وَ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمْ رُسُلاً کُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لاتَهْوى‏ أَنْفُسُهُمْ فَریقاً کَذَّبُوا وَ فَریقاً یَقْتُلُون) [المائدة/70]

                      ليس للحقّ أن يتبع أهواء الناس

                      لیس للحقّ أن يتبّع أهواء الناس، إذ تنطوي آراء الناس على ما ينسجم مع أهوائهم. يقول الله سبحانه: (وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فیهِن) [المؤمنون/ 71]
                      وقال الله سبحانه في آية أخرى: (أَفَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ یَهْدیهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَکَّرُون) [الجاثية/ 23]

                      إن اتباع الهوى أمر منظّر له في الغرب

                      تحكي هذه الآيات عن سوء اتباع هوى النفس وما تسبّب فیه من آثار وتداعيات سلبية فلابد من تجنّب اتباع هوى النفس بشدّة. ولكن مع الأسف إن اتباع الهوى أمر منظّر له في الغرب، وكلّ ما اقتضى هوى النفس شيئا أعطوه الحق لذلك. وبعبارة أخرى إن الغربيين قد اعتبروا «حقوق الإنسان» عنوانا معادلا لـ «أهواء الإنسان». ولذلك فقد تغلغلت ظاهرة اتباع الهوى في مختلف تشكيلات حضارة الغرب، بحيث أصبحت القوانين الحاكمة في الغرب والتي لها علاقة بالفكر الغربي تشكّل دومينو الفساد. فلعل تساقط القطع الأولى في هذه الدومينو لا تعدّ أمرا مهمّا، ولكن بعد ما تقدّمت الدومينو في حركتها سوف لا تمرّ بقطعة ذات قيمة إلا وأسقطتها وقضت عليها.
                      فعلى سبيل المثال قد بدأوا دومينو الفساد في طليعة حركتها بإعطاء رقم هاتفي سهل للأطفال ليشتكوا على والديهم، ولا تبدو عملية سيئة في ظاهر أمرها، ولكن بعد ما انطلقت الدومينو في طريقها، سوف تهدّد قوّة الوالدين الإيجابيّة واللازمة في مسار تربية الأطفال، وكذلك تهدّد احترام الكبار وباقي عناصر الأسرة، كما نرى بعض نتائجها في الغرب. إن دومينو سلب قوّة الأب في الأسرة، وتساوي إرث المرأة مع الرجل على خلاف الأحكام الإلهيّة، والنزعة إلى التشكيلات الغربيّة والقوانين الغربيّة هي من مصاديق هذه الدومينو الخطرة إن أردنا تطبيقها في بلادنا.

                      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                      تعليق


                      • #71
                        الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.24

                        إليك ملخّص الجلسة الرابعة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.


                        من المواضيع المهمّة جدّا في طريق جهاد النفس، موضوع المحبّة


                        من المواضيع المهمّة جدّا التي يلتفت إليها في مسار جهاد الفس، هو موضوع المحبّة. المحبّة تارة تنعقد بالدنيا وتارة تنعقد بالله وبأهل البيت(ع). فلنبيّن بادئ ذي بدء العلاقة بين جهاد النفس وأصل الحبّ، ثم ننتقل إلى موضوع حبّ أهل البيت(ع) والذي لم ينفكّ عن موضوع تقبّل الولاية وإعطاء زمام الإدارة إلى الوليّ.

                        إن جهاد النفس بمعنى جهاد النفس ضدّ النفس/ السلاح الوحيد لمجاهدة الرغبات التي لا قيمة لها، هو الرغبات الأخرى في قلب الإنسان


                        جهاد النفس، بمعنى محاربة بعض النزعات السطحية في داخل الإنسان. ولابدّ أن تكون هذه الحرب على يد فئة أخرى من النزعات التي هي في قلب الإنسان أيضا. إذن جهاد النفس بمعنى جهاد النفس ضدّ النفس، ويعني محاربة بعض الرغبات عن طريق رغبات أخرى. إن هذه المعركة قائمة في داخل الإنسان، وأمّا الإدارة التي تدير هذه الحرب من خارج وجود الإنسان ليس لها سوى أن تعطي برنامجا لإدارة هذه المعركة.

                        السلاح الوحيد المتاح استخدامه في عمليّة جهاد النفس ومحاربة بعض الرغائب، هو رغائب من نمط آخر. فإننا لو كنّا ننطوي على رغائب سطحيّة وحسب، لا نقدر على هذا الجهاد. في الواقع أثناء جهاد النفس، يتبارزان رغبتان مع بعض ثم تنتهي عملية الجهاد بتفضيل إحدى الرغبتين على الأخرى. إن هذه اللحظة هي لحظة الانتخاب، فعبر الانتخاب الأمثل نتمكّن من إنتاج القيمة وإثبات قيمتنا أيضا. إذن لابدّ أن تكون محاربة الرغبات السطحية عن طريق رغبة ذات قيمة.

                        ألم تؤدّ محاربة الرغبات إلى ظهور عقد نفسية؟!


                        أثناء جهاد النفس وعدم تلبية بعض الرغائب قد يتبادر هذا السؤال إلى الذهن، وهو ألم تؤدّ محاربة الرغبات إلى ظهور عقد نفسيّة؟ خاصّة وإن التوصية بجهاد النفس وإبعاد بعض الرغبات قد جاءت متعارضة مع بعض نظريات علماء النفس الذين هم يشيرون على الإنسان بممارسة كلّ ما يحبّ ويرغب فيه ليرتاح نفسيّا.

                        هكذا يوصّي بعض العلماء النفسانيّين المتغربين فيقول: «إن كنت قد فرحت بحدث ما، مثل ما إذا حصلت على إرث ضخم بعد وفاة أبيك وكنت مسرورا جدّا بهذا الإرث، فلا داعي لحضورك في مجلس عزاء أبيك والتظاهر بالحزن واللوعة! بل بالعكس الأولى هو أن تظهر فرحك»! وهذا ما يسمّونه بالصدق في الثقافة الغربية ويعتبر عملا قيميّا. ولذلك يصل بهم الأمر في سبيل تلبية رغبات النفس وعبر تأصيل الصدق أن يزول الحياء من المجمع. ولكن الواقع هو أنه لا يجوز ذبح جميع القيم من أجل صيانة الصدق.

                        أو على سبيل المثال من يعيش في الغرب يقول: «بعد حياة طويلة مع زوجتي، أشعر بأني أرغب الآن في تكوين علاقة مع زوج مماثل في الجنس، وقد فاتحت زوجتي بذلك بكل صدق وصراحة، فطلقتها وأنا الآن أعيش حياة سعيدة بالزواج المثلي!» فإن هذا الإنسان يشعر براحة كاذبة عبر تلبية أهوائه النفسية، والتي هي لم تكن سطحية وحسب، بل تضيّق الكثير من مواهبه. فلابدّ أن نعلم بأن بعض الشعور بالحاجة إلى أمر ما هو شعور كاذب.

                        أسلوبان في مواجهة الاحتياجات الكاذبة: 1. أن تلبّي احتياجك لكي ترتاح 2. أن تعزّز رغبة أخرى في مقابل هذه الرغبة لكي تخلص منها


                        في مجتمعنا الإسلامي إذا اعترت الإنسان رغبة من هذه الرغبات كالنزعة إلى الجنس المماثل ـ كمثال واضح جدّا ـ يرجع الإنسان إلى نفسه مؤنّبا ويقول: «ما هذا الشعور وما أقبحه؟! وكيف اعتراني هذا الشعور ولماذا؟ ثم إن الإدارة العامّة للمجتمع الإسلامي قد حظرت ذلك وجعلته في عداد الرغبات الممنوعة. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «مَا نَهَى اللَّهُ‏ سُبْحَانَهُ عَنْ شَیْ‏ءٍ إِلَّا وَ أَغْنَى عَنْه‏» [غرر الحكم/ 3786] فعندما يمنع هذا المدير العام هذا الفعل، فلا يحقّ لي أن أرغب فيه».

                        فلا يختبئ هذا الهوس خلف عنوان الصدق كما يحصل اليوم في المجتمع الغربي، بل يجب أن يحارب هوى النفس هذا بسلاح الحياء. يقولون في الغرب: أرح نفسك ولا تجامل أحدا ويعبّرون عن هذا السلوك بالصدق. فأحد عوامل شيوع بعض مظاهر الصدق في الغرب هو مثل هذه الأخلاقيات التي يوصّي بها علماء النفس هناك.

                        بينما عالم النفس الذي يريد أن يلتزم بالنظرية الإسلامية في معرفة الإنسان، يقول لمن رغب في المثليّة مثلا: «إن حاجتك هذه حاجة كاذبة، فاقطع علاقتك مع هذه الرغبة وعزّز علاقتك مع الله، لكي يتضاءل هذا الشعور». هذان تفكّران وحضارتان أمامكم، فالأولى تشير عليك بتلبية رغباتك لكي ترتاح، أما الرؤية الثانية تقول: قوِّ رغبة أخرى لكي تنجو من رغبتك السيئة هذه.



                        يتبع إن شاء الله...

                        تعليق


                        • #72
                          الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.24

                          إن جهاد النفس لا يعقّد الإنسان نفسيّا

                          هل أن عدم تلبية رغبة من رغبات الإنسان يؤدي إلى ظهور بعض المشاكل من قبيل الابتلاء بعقد نفسيّة ويضرّ بالإنسان؟ يقول علماء النفس في الغرب: لأنك قد تتأذّى فلا تجاهد نفسك فخذ راحتك وكن على رسلك، إذ قد يضرّ بك هذا الجهاد. ولكنّنا نقول إن جهاد النفس لا يلحق ضررا بالإنسان، إذ عندما تحارب رغبة سيئة، فإنك في الواقع تحاربها برغبة حسنة، فإذا قويت هذه الرغبة الحسنة، يصبح جهاد النفس إرضاء للنفس من جهة أخرى.
                          فعلى سبيل المثال إنك تحبّ الله وتشعر باللذّة والبهجة عند امتثال أمره، أو إنك تحب يوم القيامة ومغتبط بكونك محترما ومثابا في ذلك اليوم، فإنك عندما تترك إحدى رغباتك السطحية لصالح حبك لله ورغبتك في يوم القيامة، في الواقع قد لبّيت رغبة أقوى وأهم. لذلك تصفو روحك وينتابك شعور باطمئنان أعمق لكونك قد لبيت رغبتك المثلى والأهم.
                          إن الرغبة في التقرّب إلى الله أصيلة وأعمق جذورا، فإذا أقصيت رغبة سطحية لغرض تلبية هذه الرغبة لن تصاب بعقد نفسيّة، إذ قد لبّيت نزعة ورغبة أعمق فلا تحزن لينجر حزنك هذا إلى عقد نفسيّة.
                          روي عن رسول الله(ص) أنه قال: «النَّظِرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِیسَ، فَمَنْ تَرَکَهَا خَوْفاً مِنَ اللَّهِ أَعْطَاهُ إِیمَاناً یَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِی قَلْبِه» [مستدرك السائل/ ج14/ ص268]. فمن غضّ بصره عن الحرام فهو في الواقع قد لبّى رغبة أخرى من رغباته. إن الحبّ الذي أعانك على غضّ النظر عن الحرام هل هو موجود أم لا؟! فإذا كانت هذه النزعة والرغبة موجودة فلا شكّ في أنك قد استمتعت بتلبيتها. إن كنت قد عزّزت حبّك لله ولأهل البيت(ع)، سوف تجاهد نفسك من منطلق هذا الحبّ ولن تصاب بعقد نفسيّة، لأنك في نفس الوقت الذي تجاهد رغبة ما، تلبّي رغبة أخرى وهي أقوى وأعمق منها.

                          لابدّ أن نضيّق سعة تلبيتنا لرغباتنا القليلة القيمة بحسب ظرفنا

                          جهاد النفس يعني محاربة الرغبات السيئة والعديمة القيمة. ولكن لابدّ أن نعرف أن أسلوب محاربة هذه الرغبات ليس هو أن نتركها بتاتا. فإنه يجب عليكم أن تلبّوا بعض رغباتكم وإن كانت قليلة القيمة، ولكن لابدّ من تضييقها.
                          لقد كان أولياء الله قد ضيّقوا رغباتهم القليلة القيمة إلى أقصى حد، بينما نحن فلابدّ أن نضيّق سعة تلبيتنا لرغباتنا القليلة القيمة بحسب ظرفنا. أمّا وسيلة تضييق الرغبات القليلة القيمة وإزالة الرغبات السيئة، فهي الرغبات العميقة. يجب أن نعزّز رغباتنا العميقة وهذا أمر ممكن.

                          تعزيز الحبّ لله عمل صعب

                          تعزيز الحبّ لله ليس بعمل هيّن، إذ ما دام قلب الإنسان ينطوي على حبّة من خردل من حبّ الدنيا، لن يدخل فيه من حبّ الله شيء. فقد روي عن أمير المؤمنين(ع): «کَمَا أَنَّ الشَّمْسَ وَ اللَّیْلَ لَا یَجْتَمِعَانِ کَذَلِكَ حُبُّ اللَّهِ وَ حُبُّ الدُّنْیَا لَا یَجْتَمِعَان» [غرر الحكم/ 2513] إذن لابد من المحاولة لتعزيز رغبات عميقة أخرى. فعلى سبيل المثال: 1ـ إن حبّ الجنة ورضوان الله أهون على الإنسان من حبّ الله. 2ـ بمقدور الإنسان أن يعزّز خوفه من النار ويتقوّى به على خفض حبّ الدنيا. إن الخوف من نار جهنّم يستبطن في داخله حبّ العافية الأبدية، فإذا اشتدّ هذا الحبّ جدير به أن يكون حافزا لجهاد النفس. 3ـ الطريق الآخر لإضعاف الرغبات السيئة هي أن نستخدم حبّ الصحّة والعافية في هذه الدنيا. فلنذكر أنفسنا بأنّ ارتكاب الذنوب تلحق بنا مشاكل وأضرارا في هذه الدنيا فضلا عن الآخرة، إذ أن كثيرا من مصائبنا الدنيوية قد حلّت بنا بسبب ذنوبنا.

                          المستويات المختلفة في الرغبات الجيّدة

                          كما عرفنا أن السلاح الوحيد لمحاربة الرغبات السيئة هو الرغبات الجيّدة. وإن قمّة الرغبات الجيّدة هي حبّ الله. أما حبّ الجنة فيقع في وسط الرغبات الجيّدة والخوف من نار جهنّم يقع في مرتبة نازلة من حبّ الجنّة وهو أسهل حصولا لدى الإنسان. ثم يأتي بعد ذلك الخوف من المصائب الدنيوية. فكلّ هذه المشاعر والنزعات كامنة في قلب الإنسان. كما يقع الخوف من ضغطة القبر ونزع الروح وسكرات الموت بين الخوف من مصائب الدنيا وغذاب الآخرة، فلابدّ من صرف الوقت على هذه المشاعر ودراسة الروايات ذات الصلة بها. ولابدّ من بذل قصارى الجهود في سبيل تعزيز هذه المشاعر وتمرين النفس عليها والتفكّر فيها والمطالعة حولها وتعزيزها. وقد سهّل الله في شهر رمضان عمليّة تعزيز الرغبات الجيّدة.
                          إن شهر رمضان لفرصة رائعة لتعزيز الأهواء الصالحة. كلّ ذنب تتركه وكل جرعة غيظ تتجرعها وكلّ أمر إلهي تمتثله من شأنه أن يعزّز رغباتك الصالحة، كما بإمكانك أن تبادر بتعزيز هذه الرغبات بشكل مباشر. فمن يلبّي أهواءه الحميدة تصفو نفسه وتزداد حيويّة ونشاطا، كما تجلو نفسه الراضية والمطمئنة أيضا.

                          من بين المشاعر الصالحة، الشعور الذي يدفع الإنسان إلى الأمام أسرع، هو حبّ أهل البيت(ع)

                          إن حبّ أهل البيت(ع) يقضي على الأهواء القليلة القيّمة. إذا لبّى الإنسان هوى نفسه، يخرج عن اعتداله ويسلب الحكمة ويعجز عن الفهم والمعرفة. بينما إذا عزّز الإنسان نزعاته الصالحة يتعادل روحه.
                          يقول أمير المؤمنين(ع): «ذِکْرُنَا أَهْلَ الْبَیْتِ شِفَاءٌ مِنَ‏ الْوَغَلِ‏ وَ الْأَسْقَامِ‏ وَ وَسْوَاس‏ الرَّیْبِ وَ حُبُّنَا رِضَا الرَّب» [تحف العقول/ 114]
                          قال رسول الله(ص):«مَنْ‏ رَزَقَهُ‏ اللَّهُ‏ حُبَ‏ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَقَدْ أَصَابَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ فَلَا يَشُكَّنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ فَإِنَّ فِي حُبِّ أَهْلِ بَيْتِي عشرون [عِشْرِينَ‏] خَصْلَةً عَشْرٌ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا وَ عَشْرٌ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ أَمَّا الَّتِي فِي الدُّنْيَا فَالزُّهْدُ وَ الْحِرْصُ عَلَى الْعَمَلِ وَ الْوَرَعُ فِي الدِّينِ وَ الرَّغْبَةُ فِي الْعِبَادَةِ وَ التَّوْبَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَ النَّشَاطُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَ الْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَ الْحِفْظُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْيِهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ التَّاسِعَةُ بُغْضُ الدُّنْيَا وَ الْعَاشِرَةُ السَّخَاءُ وَ أَمَّا الَّتِي فِي الْآخِرَةِ فَلَا يُنْشَرُ لَهُ دِيوَانٌ وَ لَا يُنْصَبُ لَهُ مِيزَانٌ وَ يُعْطَى‏ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ‏ وَ يُكْتَبُ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَ يَبْيَضُّ وَجْهُهُ وَ يُكْسَى مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ وَ يَشْفَعُ فِي مِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَ يُتَوَّجُ مِنْ تِيجَانِ الْجَنَّةِ وَ الْعَاشِرَةُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَطُوبَى لِمُحِبِّي أَهْلِ بَيْتِي» [الخصال/ج2/ص515]
                          كلّما تمّ جهاد النفس بشكل أفضل، كلّما ازداد الإنسان حبّا لأهل البيت(ع)، وكلّما ازددت حبّا لأهل البيت(ع) تزداد قوّة على جهاد النفس. فأرجو أن لا نكون من الخجلين يوم القيامة أمام الحسين(ع) إذ يقول الله لنا، أما كان الحسين(ع) أهلا لأن تعشقه وتحبّه أكثر مما كنت تحبه؟! فلماذا لم تسمح له بأن يحتلّ قلبك برمّته؟!...

                          صلى الله عليك يا أبا عبد الله

                          تعليق


                          • #73
                            الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.25

                            إليك ملخّص الجلسة الخامسة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

                            الهدف الرئيس من جهاد النفس هو إذلال النفس لربّ العالمين/ الفناء في الله يعني منتهى الذلّ لله سبحانه/ إن الحكمة من جميع الآلام والمحن في مسار جهاد النفس هي إذلال النفس للّه سبحانه


                            لقد انتهينا في الجسلة السابقة إلى العلاقة بين عنصر الحبّ وجهاد النفس. واحدة من الأهداف المهمّة في مسار جهاد النفس هو إذلال النفس لربّ العالمين. إن معنى إذلال النفس للّه هو أن لا تخضع لغيره أبدا. إن الخضوع والذلّ للّه هو الطريق الوحيد للعزّ مع غير الله عز وجل.

                            نحن نسجد مرّتين في كل ركعة من الصلاة فننحني بكل وجودنا ونعفّر وجوهنا للّه سبحانه. ولا نجد مثل هذه العبادة في باقي الأديان. نحن نسجد للّه ونفتخر بسجودنا، مع أن السجود لا يعبّر عن حالة جيّدة من حالات الإنسان، ولكن لأن إظهار الذلّ هذا، هو للّه عز وجل فنقوم به بكل فخر. إن الذلّ للّه أمر مهم ولابدّ من ممارسته.

                            تكبيرة الإحرام التي بها تبدأ الصلاة ولعلّها من أهمّ المواطن التي يجب أن نستحضر القلب فيها، هي في الواقع تعبّر عن كبرياء الله وتشير إلى ذلّنا في مقابل اللّه سبحانه. لابدّ لكل فردٍ منّا من تكرار هذا المعنى دائما؛ وهو أنه يجب عليّ أن أتذلّل للّه. يعبّر العرفاء عن هذا المعنى بالفناء في الله، والذي يعني منتهى الذلّ في مقابل ربّ العالمين.
                            إن أكثر المتكبّرين لا يصدّقون بأنهم متكبرون/ ينمو التكبّر يوميّا ولا يمكن استئصاله بسهوله


                            إن محاربة التكبّر لأمر مهمّ جدا، لأنه مرض خطر جدا قد يقضي على الإنسان في أول ظهور له. فعلى سبيل المثال إن إبليس قد عصى ربّه مرة واحدة فقط عن كبر، فهوى بهذه المرّة الواحدة؛ (وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلیسَ أَبى‏ وَ اسْتَکْبَرَ وَ کانَ مِنَ الْکافِرینَ) [البقرة/34] وكذلك يعتبر القرآن المعرضين عن دعاء الله متكبّرين؛ (وَ قالَ رَبُّکُمُ ادْعُوني‏ أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذینَ یَسْتإَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي‏ سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرینَ) [الغافر/60] وقد قال الإمام السجاد في شرح هذه الآية مخاطبا ربّه: «فَسَمَّیْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً، وَ تَرْکَهُ اسْتِکْبَارا» [الصحيفة السجادية/ الدعاء 45] فعلى الرغم من هذا المصداق الذي حدّده القرآن من الكبر، ترى أكثر المتكبّرين لا يصدّقون بأنهم متكبّرون. وحريّ بالذكر أن الكبر ينمو يوميّا ولا يمكن استئصاله بسهولة.
                            الصلاة أهمّ برنامج تربوي في سبيل استئصال الكبر في مقابل الله/ لا يمكن القضاء على الكبر بإظهار الحبّ للّه وحسب


                            أهم برنامج تربوي يعين الإنسان على أن لا يكون في قلبه كبر في مقابل الله هو الصلاة، وأهمّ ذكر في الصلاة هو التكبير. فيجب عليك أن تحارب كبرك عن طريق تذكار كبرياء الله، وإلّا فلا يمكن القضاء على الكبر عبر إرسال رسائل الحبّ والعشق للّه وأن تقول له: «إلهي أحبك». إنّ طريق القضاء على الكبر هو أن يأتي متكبّر فيفني كبرنا وهذا المتكبّر هو الله فبكبره وبذكر كبريائه يزهق كبرنا.
                            من أهمّ أمنيّات الإنسان الفطريّة هي أن يكبر قدرا/ الطريق الصحيح إلى الرفعة والعظمة هو الاتصال بالكبير لا التكبّر/ إذا رأى الإنسان نفسه في غاية الصغر، عند ذلك يتصّل بالعظيم الكبير


                            من أهمّ أمنيات الإنسان الفطرية هي أن يكبر قدرا، وإنّ الله هو الذي أودع في وجود الناس حبّ العظمة والرفعة. قد يتجسّد الكبر أحيانا في حبّ المقام، حتى أن بعض الناس يفدون حبّ المقام بدنياهم وآخرتهم. إن حبّ المقام مظهر من مظاهر الكبر وهو آخر صفة تخرج من قلوب الصدّيقين. صحيح أن الكبر صفة سيئة ولكنه منطلق من نزعة فطرية غير أنها منحرفة. إن فطرتنا الإلهيّة تقتضي أن نودّ العظمة والرفعة، ولكننا إن استعجلنا في الاتجاه نحو العظمة والرفعة وسلكنا طريقا خاطئا لذلك، نصبح متكبّرين.

                            الطريق الصائب إلى الرفعة والعظمة هو الاتصال بالله الكبير المتعال. فإن لبّى الإنسان النزعة إلى الكبرياء المودعة في فطرته بغير صواب، يهوى في هاوية الكبر. بينما إذا لبّاها عبر طريق صائب، يتّصل بالله العظيم الكبير. إذا رأى الإنسان نفسه في منتهى الصغر سوف يتصل بالله العظيم، أما ليس ذلك بأمر هيّن، فهو بحاجة إلى سجود كثير وتذلّل طويل.
                            خمس خطوات من أجل التوجّه والتذلّل في الصلاة


                            توجَّه إلى ظاهر جسدك وهيأتك أثناء الصلاة، وانظر في أيّ هيأة يكون جسدك إن وقفت للصلاة. فانظر إلى هذا الخشوع! السجود هو نوع من أنواع الأدب فأدّه بشكل صحيح. فإذا أردت أن تتوجّه في الصلاة لابدّ لك أن تخطو هذه الخطوات؛ الخطوة الأولى: هي الالتفات إلى السلوك والأفعال. الخطوة الثانية: هي الالتفات إلى عبارات الصلاة. الخطوة الثالثة: هي التفكر في العبارات. الخطوة الرابعة: هي التأمل في العواطف ومشاعر الحبّ الكامنة في أذكار الصلاة بشكل عام. الخطوة الخامسة: التأمل في العواطف ومشاعر الحبّ الكامنة في كلّ ذكر من أذكار الصلاة بشكل خاص. إن هذه الخطوات تعيننا على التذلّل بين يدي الله. فليعلم أولئك الذين يطمحون إلى الرفعة والعظمة أن هذا طريقهم.

                            إن لله العظمة والكبرياء وقد صوّر كبرياءه في القرآن. لقد مدح الله نفسه كثيرا في القرآن والإنسان المتكبّر لا يستحسن هذا الأسلوب من الله عز وجل. إن بعض الناس لا يعجبه الكلام عن تكبّر الله، ولكن لا ينبغي أن نعتبر تكبّر الله أمرا في مقابل رحمته، بل إن الغضب هو في مقابل رحمته. أما التكبر فلا تقابله صفة من صفات الله الأخرى. فلا يمكن أن نقول أن الله متكبّر ومتواضع. إذ أنّ الله ليس بمتواضع ولا يتنازل عن كبريائه.



                            يتبع إن شاء الله...

                            تعليق


                            • #74
                              الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.25


                              نحن لا ننفكّ عن صفة التكبّر لحظة


                              نحن نصبو إلى لقاء الله، ولكن لابدّ أن نعرف أنه إله كبير ومتكبّر. الصلاة تمرين للقاء الله وفي نفس الوقت تتضمّن طلبا للقائه. إن أعظم فعل في الصلاة وأكثرها قيمة هو السجود. وأهمّ فعل جدير بالتوجّه هو تكبيرة الإحرام. إن علاقتنا مع الله هي علاقة الذليل مع المتكبّر. طبعا ينمو التكبّر في وجودنا يوميّا ولذلك فلابدّ من القضاء عليه وتبديله إلى التذلّل عبر الصلوات اليوميّة. إن كثيرا من أمراضنا الروحية من قبيل الحسد والبخل والطمع وغيرها توجد في القلب تارة وتعدم تارة أخرى، أما الكبر فهو مشكلتنا الثابتة والدائمة.

                              إن أهمّ طموح نسعى إليه نحن البشر هو الطموح إلى الكبرياء والعظمة، ولكننا لا نرى هذا الطموح، كالسمكة التي تسأل عن الماء وهي في بطن البحر؟ فنحن لا ننفك عن التكبّر أو طلبه أو التحسّر عليه. ومن جانب آخر لابدّ أن نعرف أن الكبر هو أمّ الرذائل كلّها. ولذلك وجبت الصلاة التي هي برنامج لتذلل العبد إلى مولاه المتكبّر. إن درجات ذلّنا لله ليست بسواء، ولكن طوبى لمن كان أكثرنا ذلّا وتذللا لله سبحانه.

                              لابدّ لنا من التذلّل حتى نتناسب مع ربّ العالمين/ كيف يمكن الوصول من الحبّ إلى الذلّ؟/ إذا اشتدّ المحبّ حبّا للمعشوق يتذلّل إليه


                              كيف نستطيع في طريقنا في جهاد النفس أن نصل من الحبّ إلى الذلّ؟ من أجل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرف أن الغاية القصوى من جهاد النفس هي لقاء الله. ثم إن كبرياء الله مقدّمة على باقي مظاهره وجلواته، ولذلك فلابدّ لنا من التذلل حتى نتناسب مع كبرياء الله ونقدر على لقائه. لابدّ أن نقضي على أنانيتنا لنرتقي إلى درجة الفناء في الله. كلّنا يتمنى أن يكبر شأنا وقدرا ولكن لا يجوز أن نتعاظم بغير صواب أو أن نتوهّم العظمة، أو أن نسلك سبيلا غير مشروع لنيل هذه الغاية. فإنما أودعت فينا الرغبة في العظمة والرفعة من أجل أن نحبّ الله العظيم.

                              من العوامل التي تؤدّي بالإنسان إلى ذلّ عميق، الحبّ. فإن ترسّخ الحبّ، وامتدّ بجذوره في أعماق قلب المحبّ، ينذل المحبّ للحبيب. فالحبّ الذي لا يذلّك للحبيب ليس بحبّ عميق، بل هو حبّ مزيّف. إن من طبيعة الحب أن يذلّ العاشق للمعشوق حتى يتقبّل امتنانه.

                              إذا ذهبت إلى حرم أمير المؤمنين(ع) فذلّل له روحك وقلبك. فهكذا استطاع إمامنا الخميني(ره) أن يقف إلى جانب ضريح أمير المؤمنين(ع) لمدة خمس عشرة سنة يوميّا ويزوره بزيارة الجامعة الكبيرة. فانظروا كم كان الإمام الخميني(ره) يظهر التذلل لأهل البيت(ع).

                              أقصر طريق لجهاد النفس هو الاستعانة بأهل البيت(ع)/ إن حبّ أولياء الله يذلّل النفس للّه سبحانه


                              العشق يذلّ الإنسان. إذا رأى الإنسان نفسه فاشلا في جهاد النفس مهما حاول وسعى، فليعلم أن هناك طريق مختصر. إن هذا الطريق هو الاستعانة بحبّ أهل البيت(ع). إنّ أثر حبّ أولياء الله الذي هو أسهل من باقي أنواع الحبّ، هو أن يذلّ النفس للّه سبحانه. لأننا نحبّ الإمام علي بن أبيطالب(ع) من أجل الله، فعندما نحبّ أحدا للّه، فكأننا أحبنا اللهَ نفسه. «مَنْ أَحَبَّنَا فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ» [أمالي الصدوق/476] نحن نحب أمير المؤمنين(ع) وكلّا من سادتنا المعصومين(ع) لأنهم أولياء الله. وعندما يكون حب أهل البيت(ع) هو العامل في إذلال نفسك للّه، يصبح جهاد النفس كشرب الماء.

                              يقول الإمام الصادق(ع): الصراط المستقيم هو أمير المؤمنين(ع)


                              لقد قال النبي الأعظم(ص): «لَا یُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَکُونَ أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِي أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَ عِتْرَتِی أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ عِتْرَتِهِ وَ ذَاتِي أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ ذَاتِه» [أمالي الصدوق/ 335].

                              وكذلك قال الإمام الصادق(ع) في دعاء له مشيرا إلى قوله تعالى (اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيْمِ): «أَرْشِدْنَا إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ أَرْشِدْنَا لِلُزُومِ الطَّرِیقِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَحَبَّتكَ وَ الْمُبَلِّغِ إِلَى دِینِكَ وَ الْمَانِعِ مِنْ أَنْ نَتَّبِعَ أَهْوَاءَنَا فَنَعْطَبَ أَوْ نَأْخُذَ بِآرَائِنَا فَنَهْلِك» [معاني الأخبار للشيخ الصدوق/ 33].

                              وكذلك قال الإمام الصادق(ع) في حديث آخر له: «الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِیمُ هُوَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ(ع)» [التفسير الصافي/ج4/ص384 , تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة/ 31].

                              لقد أشار الله سبحانه في سورة الحمد بعد الآية المباركة (اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيْمِ) إلى أوليائه ليرى حالنا عند ذكرهم وموقفنا منهم. فعندما تقرأ هذا المقطع من سورة الحمد وتقول: (اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيْمِ * صِرَاطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِم) لابدّ أن تكون متواضعا لأولئك الذين أنعم الله عليهم ولم يغضب عليهم، أي أهل البيت(ع).

                              إن بعض الناس ينزعجون ولا يرتاحون عندما يرون أن الله قد أنعم على غيرهم فيسألون الله معترضين أن: ماذا نصيبنا إذن ولماذا لم تنعم علينا؟! ولكننا في هذه الآية المباركة نسأل الله أن يهدينا صراطهم لا أن ينعم علينا بالنعم التي أنعمها عليهم. فالإنسان الذي يدعو بهذا الدعاء في الواقع قد تواضع لوليّ الله. وأنتم عندما تقرأون سورة الحمد في الواقع تتواضعون لأولياء الله. لقد أشار الله في هذه السورة إلى صراط أوليائه وفي الواقع قد نسب هذا الصراط إلى أوليائه لا إلى التقوى أو الفضائل الأخلاقية أو الحسنات أو الجنّة أو أيّ شيء آخر. وكأنه أراد أن نمرّ بوليّ الله أولا ليقيّم حالنا ووضعنا عند مشاهدة أفضلية وليّ الله على سائر العباد.

                              تعليق


                              • #75
                                الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.26


                                إليك ملخّص الجلسة السادسة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.


                                العلاقة بين الحبّ وجهاد النفس من نافذة الإخلاص/ لا يستطيع العمل أن يقرّب الإنسان بدون الإخلاص


                                لم يكتمل بحثنا في العلاقة بين الحبّ وجهاد النفس بعد، وما زال بحاجة إلى المزيد من التأمّل. لقد دخلنا في الجلسة السابقة في موضوع الحبّ عبر موضوع ذلّ النفس في مقابل كبرياء الله سبحانه. أمّا في هذه الجلسة فسوف نقف عند موضوع الحبّ عن طريق مفهوم آخر باسم «الإخلاص» لكي نلقي نظرة أفضل إلى مسار البحث.

                                إن الأخلاص من المفاهيم البارزة في الدين. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «الْإِخْلَاصُ غَایَةُ الدِّین» [عيون الحكم/ ص20] يعني أنّنا نريد أن نصل إلى هذه النقطة في آخر المطاف. ليس الإخلاص غاية الدين فحسب، بل محتاج إليه في بداية الحركة أيضا، إذ أن الله لا يقبل عملا غير خالص.

                                طيّب؛ ما معنى كون الله لا يتقبّل عملا بلا إخلاص؟ هل معناه أن العمل غير الخالص هو عمل واقعا ولكن الله لا يعجبه ولا يقبله؟ أو إن معناه هو أن العمل بغير إخلاص ليس بعمل أساسا ليدفع العبد إلى الله. لا يمكن أن تكون عمليّة قبول العمل أو رفضه على أساس الذوق أو قوانين اعتبارية. وأساسا لا يستطيع العمل بغير إخلاص أن يقرّب أحدا. بل إن العمل الخالص هو الذي يستطيع أن يترك أثرا وضعيّا في العالم ويغيّر موقعكم فيه ويصعد بكم إلى المقام الأعلى. كان المفترض في مسار جهاد النفس أن نذلّ النفس ونحقّرها في مقابل الله لا أن نقوم بأعمال صالحة لصالح النفس. السبب في عدم قبول العمل غير الخالص هو أن العمل غير الخالص ذاته لا يمكن أن يقبل، فكأن الإنسان لم يعمل شيئا إن كان عمله غير خالص.

                                إن ماهية حركة الإنسان التكاملية والهادفة إلى الدرجات العليا هي أن يعمل من بداية المطاف إلى نهايته على خلاف رغبة نفسه التي تحاول أن تمتلك كل شيء وتجرّ إليها كلّ مصلحة ولذّة. حتى أنّها تحاول أن تصادر الصلاة في أول الوقت لصالحها وتستخدم هذا السلوك أداة للحصول على بعض المكاسب. ولذلك يمتحننا الله أحيانا بأعمال أهمّ من الصلاة في أول الوقت ليرى هل سوف نبقى ملتزمين بوقت الصلاة أم سوف نقوم بذلك الفعل الذي هو أكثر ضرورة وله الأولوية عليها.


                                الأعمال الأكثر إخلاصا هي ما كانت بضررك لا لصالحك


                                أيّ الأعمال أكثر إخلاصا؟ هو ذاك العمل الذي كان بضررك لا لصالحك. يعني ينبغي أن يكون العمل بالنحو الذي يعزّز تذلّك للّه. إنّ شرط العمل الخالص هو أن لا يكون من أجل كسب قلوب الناس والجاه، إذ أن مثل هذا العمل في الواقع عمل للأنا ولصالح الأنا. عندما يقال أن الإخلاص يعني أن لا يكون عملك في سبيل إظهار الفضل للناس، فمعنى ذلك هو أن لا يكون العمل من أجلك. يتجسّد عدم الإخلاص في جرّ المصالح للنفس أما الإخلاص فهو العمل في سبيل الله.


                                نمطان للحياة: 1ـ رغبة النفس في امتلاك كلّ شيء وانتفاعها به 2ـ رغبة النفس في أن يمتلكها الله ويستعملها لأجله


                                إن لنا نمطين في الحياة. وبعبارة أخرى هناك رؤيتان عن الحياة تختلف أحدها عن الأخرى تماما وهما ساريتان في حياة الناس. بمقتضى الرؤية الأولى يسحب الإنسان كلَّ شيء إلى نفسه. فإن كانت هناك رغبة، فمحور رغباته كلّها نفسُه. والمعيار في ما يحبّه ويشتهيه هو ما كان لصالحه. ففي مثل هذه الحياة سوف تكون أنت المحور وتسعى لامتلاك كلّ شيء. إن هذه الرؤية على خلاف الإخلاص.

                                ولكن في الرؤية الثانية، ليست علّة الرغبات والمساعي كلّها امتلاكَ المصالح، بل أن يشتريك الله. فبمقتضى هذه الرؤية عن الحياة، أنت تحبّ أن تُجذب إليه لا أن تجذب كلّ شيء إليك. إن هاتين الرؤيتين على طرفي نقيض، وإن بعض الناس لا يبلغون أبدا لإدراك النموذج الثاني من الحياة.

                                في النمط الأوّل من الحياة، إنما تفكّر بما ترغب فيه وما تشتهيه؟ ولكن في النمط الثاني لا تزال تسأل عن ما يحبّه الله وما يرضى به. إن هذين الاهتمامين والتفكيرين يعبّران عن رؤيتين وشعورين ونوعين من الحبّ، أحدهما يحاول جذب كلّ شيء إلى نفسه، والآخر لا يفكرّ إلا به عزّ وجل.

                                يتبع إن شاء الله...

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X