بسم الله الرحمن الرحيم
3. هل يُستغنى عن المعصوم بغيره ؟
من جلسات سماحة الشيخ مصطفى الهرندي..
ذكر الملا صدرا في تفسيره أن البشرية بعد ظهور صاحب العصر والزمان تصل الى مرحلة الكمال العقلي وتستغني عن الجهة والجنبة الشرعية !!
كالطفل الذي يصل الى مرحلة الكمال والرشد فيصبح مخولاً إدارة أموره بنفسه وتنفذ تصرفاته كلها..
ويرد على ذلك من ضمن ما يرد ما روي من أن: الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق(الكافي ج1 ص433)
فمهما تناهت إمكانات الانسان العقلية لا يتمكن من الولوج الى عمق كل شيء.. فها هي البشرية قد وصلت اليوم الى مرحلة لم تصل اليها في تاريخنا الطويل.. بل يقال أن ما توصلت اليه البشرية في العشرة الأخيرة في القرن العشرين يساوي كل ما توصلت اليه في تاريخ العلم!
ومع ذلك ترى ان العالم يحترق! وترى خطأ القرارات التي تتخذها القيادات القادرة المتمكنة التي تمتلك التقنية العلمية مع مجموعة كبيرة من الخبراء والمختصين.. والذين لا يتمكنون من اتخاذ القرار الصحيح..
فمتى تصل البشرية الى الكمال المطلق حتى تستغني عن الإمام ؟
وعليه فإن نهاية التاريخ بنهاية الإمام عليه السلام.
ما نعيشه اليوم هو في الواقع حياة على هامش الفكر الإسلامي.. ليس هذا هو الإسلام..
فلا يأخذنا الغرور .. الحق المطلق مختص بالنبي (ص) والإمام (ع).. وما سواهم حق نسبي.. بمقدار ما يتمكن كلٌّ من إدراكه..
إن رسم الحدود مهم جداً حتى داخل البيت الشيعي.. فلا بد من التفريق بين حكم الله الصادر من المعصوم، وبين الحكم الصادر من المجتهد..
فالخطاب الإلهي يتضمن الحكم الحقيقي الواقعي.. كما تتضمنه سنة الرسول (ص) وخطاب الإمام (ع).. وما سوى هذه القنوات الثلاثة فمع مشروعية القرارات الصادرة عنها لا تشكل أحكاماً حقيقية وإنما هي وظيفة عملية حال غيبة الإمام عليه السلام.. وهذه النقطة مهمة جداً وقد أكلت من جسم العالم الإسلامي وأخذت مأخذاً..
إن كثيراً من المشاكل قد نشأت من الدكتاتورية بصورها المختلفة ولو لم يكن التعبير دقيقاً هنا..
يجب على الفقيه أن يركز على هذه النقطة.. بأن وظيفة من يتبعني في التكليف هو هذا العمل.. أما ما أذكره فليس هو حكم الله الواقعي.. والذي يتبع فقيهاً آخر يختلف معي في تحديد الحكم الشرعي ليس له أن يعمل بما أصل إليه.. فلو عمل مقلده بهذا الحكم الذي افتي به لا يصح منه ولو كان حكماً واقعياً..
الاجتهاد الحر هو العنصر المميز للشيعة وأحد أسباب بقاء التشيع.. ولو كان الشيعة كغيرهم من الفرق التي تمنع هذا الاجتهاد لانتهوا كما انتهت تلك الفرق وآلت أمورهم الى ما آلت إليه أمور غيرهم.. لكنهم يتميزون باحترام الرأي وتعدده..
نحن لم نتعبد بقول فقيه معين .. ولو أمكن التبعد بأحدهم لاخترت العلامة الحلي او الشيخ الطوسي او احد الشهيدين او المحقق الكركي فكفاءاتهم الإسلامية ثابتة على كل المستويات.. فقهاء ورجاليون ومفسرون وووو..
لكنا مع ذلك نحكم بحرمة تقليد الميت ابتداء (والمقصود فتوى مشهور فقهاء الشيعة) ولو كان يأتي رتبة بعد المعصوم كالشيخ المفيد.. وهو الذي حكي أنه وجد مكتوباً على قبره ونسب للإمام عليه السلام:
لا صوت الناعي بفقدك *** إنه يوم على آل الرسول عظيم
ان كنت قد غيبت في جدث الثرى *** فالعدل والتوحيد فيك مقيم
والقائم المهدي يفرح كلما *** تُليت عليك من الدروس علوم
ولا شك أن الشيخ الطوسي مثلاً مؤيد من قبل الله تعالى.. فآثار لطف الله ومننه عليه ظاهره في كل تراثه.. وقد احتل الشيخ أكبر كرسي علمي في بغداد وهو طوسي.. مع وجود الحنابلة وغيرهم..
كذلك العلامة الحلي.. فهو تاريخ في شخص واحد، حيث تمازجت السياسة والعلم والفقه والفلسفة والرجال والتفسير في شخصية واحدة كانت هي العلامة الحلي.
وقد نقارن بينه وبين قرن كامل فيمتاز على ذلك القرن !!
نعم يجب ان تعود المدرسة الشيعية إلى أصولها.. لا أن تسير باتجاه الجمود ومنع النقاش..
لقد كان العلامة الحلي نابغة نادرة من العشرة الأوائل في تاريخ البشرية.. كتب في مجالات كثيرة.. وكم كان مؤدباً ! فمهما قرأت من كتبه لا تجد كلمة نابية له!
رجل عجيب مَثَّلَ الإمام سلام الله عليه وقلب الحركة السياسية والعلمية.. وهو أول من دمج بين الفلسفة والكلام وصنع التجريد.. شخصية فرضت نفسها على التاريخ العقلي سبعة قرون.. لم نجد انساناً هكذا يسيطر على عدة قرون.. وكان قد أنشأ مدرسة سيارة ضمن الخيم مع خدابنده واغلق المنافذ التي قد يدخل بها عليه.. وصل الى قزوين وكان دبيران الكاتبي القزويني اكثر علماء السنة تعصباً فحضر العلامة الحلي بعظمته درس هذا العالم فقابل تلك المدرسة مواجهة لا من بعيد.. ودخل في الحلقة عندهم.. وكان أول من كتب شرحاً على حكمة العين لهذا العالم.. وأعطاه دبيران إجازة.. وكانت قزوين في ذلك اليوم عاصمة السنة.. فما ورد من روايات في قم روى مثلها السنة في قزوين..
هكذا كان الانفتاح الشيعي والحرية الفكرية.. وهو من حطم الحركة المخالفة في زمانه لم يكن عنده مانع من أن يحضر عند أكبر رموزها ويثبت وجوده هناك ويحصل على إجازة منهم..
أين ذلك القرن الثامن من قرننا هذا الخامس عشر ؟ لم تصدر منه كلمة نابية بحق ابن تيمية رغم كثرة استفزازه له واساءاته..
إن الخصيصة الكبرى للفكر الشيعي هي المزج بين العقل والنقل.. فإن بقيت هذه الخصيصة واستمرينا في إنمائها سرنا وإلا سنرجع إلى حالة التحجر ونتحول إلى مدرسة منغلقة.. فالنمو الفكري يحصل من المصادمة الفكرية..
وهذا الشيخ الأنصاري يعترض على كل مسألة عشر اعتراضات ولو لم يكن هناك معترض حقيقي..
والحمد لله رب العالمين..
الأحد أول ذي القعدة من عام 1434 للهجرة النبوية
الموافق لـ 8-9-2013 للميلاد..
وللمزيد:
ثمـــــار.. على ضفـــــــــاف العلمـــــاء..
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=190910
شعيب العاملي
3. هل يُستغنى عن المعصوم بغيره ؟
من جلسات سماحة الشيخ مصطفى الهرندي..
ذكر الملا صدرا في تفسيره أن البشرية بعد ظهور صاحب العصر والزمان تصل الى مرحلة الكمال العقلي وتستغني عن الجهة والجنبة الشرعية !!
كالطفل الذي يصل الى مرحلة الكمال والرشد فيصبح مخولاً إدارة أموره بنفسه وتنفذ تصرفاته كلها..
ويرد على ذلك من ضمن ما يرد ما روي من أن: الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق(الكافي ج1 ص433)
فمهما تناهت إمكانات الانسان العقلية لا يتمكن من الولوج الى عمق كل شيء.. فها هي البشرية قد وصلت اليوم الى مرحلة لم تصل اليها في تاريخنا الطويل.. بل يقال أن ما توصلت اليه البشرية في العشرة الأخيرة في القرن العشرين يساوي كل ما توصلت اليه في تاريخ العلم!
ومع ذلك ترى ان العالم يحترق! وترى خطأ القرارات التي تتخذها القيادات القادرة المتمكنة التي تمتلك التقنية العلمية مع مجموعة كبيرة من الخبراء والمختصين.. والذين لا يتمكنون من اتخاذ القرار الصحيح..
فمتى تصل البشرية الى الكمال المطلق حتى تستغني عن الإمام ؟
وعليه فإن نهاية التاريخ بنهاية الإمام عليه السلام.
ما نعيشه اليوم هو في الواقع حياة على هامش الفكر الإسلامي.. ليس هذا هو الإسلام..
فلا يأخذنا الغرور .. الحق المطلق مختص بالنبي (ص) والإمام (ع).. وما سواهم حق نسبي.. بمقدار ما يتمكن كلٌّ من إدراكه..
إن رسم الحدود مهم جداً حتى داخل البيت الشيعي.. فلا بد من التفريق بين حكم الله الصادر من المعصوم، وبين الحكم الصادر من المجتهد..
فالخطاب الإلهي يتضمن الحكم الحقيقي الواقعي.. كما تتضمنه سنة الرسول (ص) وخطاب الإمام (ع).. وما سوى هذه القنوات الثلاثة فمع مشروعية القرارات الصادرة عنها لا تشكل أحكاماً حقيقية وإنما هي وظيفة عملية حال غيبة الإمام عليه السلام.. وهذه النقطة مهمة جداً وقد أكلت من جسم العالم الإسلامي وأخذت مأخذاً..
إن كثيراً من المشاكل قد نشأت من الدكتاتورية بصورها المختلفة ولو لم يكن التعبير دقيقاً هنا..
يجب على الفقيه أن يركز على هذه النقطة.. بأن وظيفة من يتبعني في التكليف هو هذا العمل.. أما ما أذكره فليس هو حكم الله الواقعي.. والذي يتبع فقيهاً آخر يختلف معي في تحديد الحكم الشرعي ليس له أن يعمل بما أصل إليه.. فلو عمل مقلده بهذا الحكم الذي افتي به لا يصح منه ولو كان حكماً واقعياً..
الاجتهاد الحر هو العنصر المميز للشيعة وأحد أسباب بقاء التشيع.. ولو كان الشيعة كغيرهم من الفرق التي تمنع هذا الاجتهاد لانتهوا كما انتهت تلك الفرق وآلت أمورهم الى ما آلت إليه أمور غيرهم.. لكنهم يتميزون باحترام الرأي وتعدده..
نحن لم نتعبد بقول فقيه معين .. ولو أمكن التبعد بأحدهم لاخترت العلامة الحلي او الشيخ الطوسي او احد الشهيدين او المحقق الكركي فكفاءاتهم الإسلامية ثابتة على كل المستويات.. فقهاء ورجاليون ومفسرون وووو..
لكنا مع ذلك نحكم بحرمة تقليد الميت ابتداء (والمقصود فتوى مشهور فقهاء الشيعة) ولو كان يأتي رتبة بعد المعصوم كالشيخ المفيد.. وهو الذي حكي أنه وجد مكتوباً على قبره ونسب للإمام عليه السلام:
لا صوت الناعي بفقدك *** إنه يوم على آل الرسول عظيم
ان كنت قد غيبت في جدث الثرى *** فالعدل والتوحيد فيك مقيم
والقائم المهدي يفرح كلما *** تُليت عليك من الدروس علوم
ولا شك أن الشيخ الطوسي مثلاً مؤيد من قبل الله تعالى.. فآثار لطف الله ومننه عليه ظاهره في كل تراثه.. وقد احتل الشيخ أكبر كرسي علمي في بغداد وهو طوسي.. مع وجود الحنابلة وغيرهم..
كذلك العلامة الحلي.. فهو تاريخ في شخص واحد، حيث تمازجت السياسة والعلم والفقه والفلسفة والرجال والتفسير في شخصية واحدة كانت هي العلامة الحلي.
وقد نقارن بينه وبين قرن كامل فيمتاز على ذلك القرن !!
نعم يجب ان تعود المدرسة الشيعية إلى أصولها.. لا أن تسير باتجاه الجمود ومنع النقاش..
لقد كان العلامة الحلي نابغة نادرة من العشرة الأوائل في تاريخ البشرية.. كتب في مجالات كثيرة.. وكم كان مؤدباً ! فمهما قرأت من كتبه لا تجد كلمة نابية له!
رجل عجيب مَثَّلَ الإمام سلام الله عليه وقلب الحركة السياسية والعلمية.. وهو أول من دمج بين الفلسفة والكلام وصنع التجريد.. شخصية فرضت نفسها على التاريخ العقلي سبعة قرون.. لم نجد انساناً هكذا يسيطر على عدة قرون.. وكان قد أنشأ مدرسة سيارة ضمن الخيم مع خدابنده واغلق المنافذ التي قد يدخل بها عليه.. وصل الى قزوين وكان دبيران الكاتبي القزويني اكثر علماء السنة تعصباً فحضر العلامة الحلي بعظمته درس هذا العالم فقابل تلك المدرسة مواجهة لا من بعيد.. ودخل في الحلقة عندهم.. وكان أول من كتب شرحاً على حكمة العين لهذا العالم.. وأعطاه دبيران إجازة.. وكانت قزوين في ذلك اليوم عاصمة السنة.. فما ورد من روايات في قم روى مثلها السنة في قزوين..
هكذا كان الانفتاح الشيعي والحرية الفكرية.. وهو من حطم الحركة المخالفة في زمانه لم يكن عنده مانع من أن يحضر عند أكبر رموزها ويثبت وجوده هناك ويحصل على إجازة منهم..
أين ذلك القرن الثامن من قرننا هذا الخامس عشر ؟ لم تصدر منه كلمة نابية بحق ابن تيمية رغم كثرة استفزازه له واساءاته..
إن الخصيصة الكبرى للفكر الشيعي هي المزج بين العقل والنقل.. فإن بقيت هذه الخصيصة واستمرينا في إنمائها سرنا وإلا سنرجع إلى حالة التحجر ونتحول إلى مدرسة منغلقة.. فالنمو الفكري يحصل من المصادمة الفكرية..
وهذا الشيخ الأنصاري يعترض على كل مسألة عشر اعتراضات ولو لم يكن هناك معترض حقيقي..
والحمد لله رب العالمين..
الأحد أول ذي القعدة من عام 1434 للهجرة النبوية
الموافق لـ 8-9-2013 للميلاد..
وللمزيد:
ثمـــــار.. على ضفـــــــــاف العلمـــــاء..
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=190910
شعيب العاملي