هل تخدم السعودية خصومها أكثر من حلفائها؟
نبيل هيثم
تتقاطع «قراءة وسطية» للموقف السعودي من الملفين اللبناني والسوري مع ما ذهب إليه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لجهة تخيير المملكة بين الخسارة الصغرى الآن، وبين الخسارة الكبرى في الآتي من الايام.
ترتكز القراءة على قناعة بان المملكة مصممة على خوض المعركة على الجبهتين في آن واحد، وترفض فصل المسارين اللبناني والسوري، برغم ما تؤشر اليه كل الدلائل والوقائع الاقليمية والدولية من ان كليهما يؤدي الى حائط مسدود، وبالتالي الذهاب الى «الخسارة الصغرى» الآن اقرب ما يكون الى «نصف خسارة» بدل ان تصل، مع الاصرار على تلازم المسارين، الى خسارة كاملة.
على المسار السوري، تنطلق القراءة الوسطية من ان الخط البياني السعودي في سوريا متجه نزولا، وبسرعة قياسية، ومع ذلك ما زالت المملكة تعتقد ان اسقاط بشار الأسد ما زال ممكنا، وكذلك تحقيق انجازات نوعية في الميدان العسكري وتغيير المعادلة القائمة. في حين ان «جماعتها» في سوريا يتراجعون، والأسد يحقق مكتسبات على الارض وكذلك على المستوى الدولي، وها هو الغرب يفتش عن قنوات اتصال معه، وها هي قطر تتودد اليه، وها هم الاميركيون يشيدون به ويفتحون على النظام والرسائل على قدم وساق من تحت الطاولة.
وعلى المسار اللبناني، وفقا للقراءة نفسها، فشلت المملكة في الامساك بالملف وتشكيل حكومتها، رغم كل محاولاتها المتكررة منذ استقالة نجيب ميقاتي. ومع ذلك، ما زالت مصممة على ان تمسك بالحكم مجددا عبر فريقها في لبنان، ولا شريك لها في القرار ولا محل لـ«حزب الله» فيه، واذا كان لا بد من اشراكه في «حكومتها» فليكن بشكل رمزي ومحدود من دون اي قدرة على التأثير بالقرار.
تبعا لذلك، تلحظ القراءة الوسطية ان السعودية ترفض تكرار تجربة السنتين الماضيتين اللتين خسرت فيهما لبنان، ولم تجد في استقالة الحكومة فرصة لإعادة الإمساك بها، بل بالغت الى حد الاعتقاد بانها وضعت يدها على لبنان، لكنها اصطدمت بعدم قدرتها على تحقيق هدفها بمعزل عن سائر المكونات اللبنانية، وتحديدا «حزب الله» وحلفاؤه. لكنها لم تسلـِّم بذلك، فراهنت على وليد جنبلاط لعله يميل الدفة في اتجاهها، لكن لجنبلاط قراءته لمشهد لبنان والمنطقة، وفاجأ الجميع بأنه رفع لواء الثلثين المعطلين. كما راهنت على ميشال سليمان الذي أطفأ فجأة حماسته للحكومة الحيادية، واستحسن حكومة الثلث المعطل.
اكثر ما يلفت الانتباه في القراءة الوسطية، ليس الانفعال والتوتر اللذين يحكمان المقاربة السعودية للملف اللبناني وتجميدها الوضع الحكومي، بل الاستنتاج بأن المقاربة السعودية تخدم مصلحة من تعتبرهم خصومها في لبنان وليس حلفاءها. ويستند هذا الاستنتاج الى الآتي:
ــ افتقاد المملكة قدرة الترجمة اللبنانية لما تريده، وفريقها في لبنان يعاني الوهن والارتباك، في مقابل قوة حضور «حزب الله» وحلفائه.
ــ اصرار المملكة على شروطها جعل مهمة تمام سلام اكثر صعوبة من ذي قبل، إن لم تكن مستحيلة. وبالتالي يهدد استمراره في ميدان التكليف.
ــ ميزان المعادلة الداخلية يؤشر الى انعدام أية امكانية لحكومة برئاسة سعد الحريري، او برئاسة فؤاد السنيورة، او امكانية لتشكيل حكومة خارج اطار الشراكة وصيغة 9-9-6. وثمة نافذة ما زالت مفتوحة لتشكيل حكومة ترأسها «14 اذار» بشخص تمام سلام ووفق الصيغة المذكورة.. الا اذا كان فريق سلام يريد خلاف ذلك.
ــ «حزب الله» وحلفاؤه ليسوا معنيين الا بتشكيل حكومة 9-9-6. وبالتالي لا يعتبرون انفسهم متضررين من الفراغ الحكومي، خاصة وان حكومة تصريف الاعمال التي تضمهم تملأ بعضا من هذا الفراغ، ولو بالشكل.
ــ المملكة وحلفاؤها في لبنان امام خيارين احلاهما مرّ: الاول حكومة الـ9-9-6، والثاني ابقاء حكومة تصريف الاعمال. واما الاول فهو اقل ضررا كونه يعيد «المستقبل» وفريقه الى رئاسة الحكومة، بينما بالنسبة الى «حزب الله» وحلفائه كلا الخيارين حلو بالمعنى السياسي، واما الاول فأقل حلاوة، وان كان يعطيهم الثلث المعطل في حكومة جامعة برئاسة «المستقبل»، بينما الثاني يبقي حكومة تصريف الاعمال التي يديرونها بمعزل عن «المستقبل» و«14 اذار»، لذلك فإن الحزب وحلفاءه متعايشون مع واقع تصريف الاعمال، ولا يعتبرون انفسهم مضطرين لأن يمارسوا اي ضغط على اي فريق سياسي لتشكيل حكومة، حتى ولو كانت حكومة 9-9-6. ولو اراد الفريق الاخر تشكيلها وفق هذه الصيغة فلا مانع.
ــ تعطيل تأليف الحكومة حتى الآن، يرشح حكومة تصريف الاعمال بقوة لكي تشرف على الانتخابات الرئاسية، وايضا تولي مهمة تصريف الاعمال الرئاسية والقيام مقام رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي وتعذر انتخاب بديل.
تخلص القراءة الوسطية الى يقين بأن المملكة كان يمكن ان تحقق انجازين على المسارين اللبناني والسوري، لو ان الحياة كتبت لـ«الشرق الاوسط الاميركي الجديد»، الذي سقط مرتين منذ احتلال العراق، مرة بعد حرب تموز 2006، ومرة بالنتائج العكسية لثورات «الربيع العربي». لكن الحال اليوم ان الشرق الاوسط الجديد لم يعد على المقاس الاميركي، بل اصبح على مقاس الحضور الروسي الالزامي في المنطقة والتفاهم الاميركي ـ الايراني. وتبعا لا يستبعد صاحب القراءة الوسطية التحاق السعودية بالتسوية، خاصة وان تصعيدها في لبنان وسوريا يتوخى جعل المملكة نفسها جزءا من اي تسوية نهائية ولها دورها كمرجعية في العالم الاسلامي للسنة وحامية لهم، كما ايران بالنسبة الى الشيعة.
السفير
نبيل هيثم
تتقاطع «قراءة وسطية» للموقف السعودي من الملفين اللبناني والسوري مع ما ذهب إليه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لجهة تخيير المملكة بين الخسارة الصغرى الآن، وبين الخسارة الكبرى في الآتي من الايام.
ترتكز القراءة على قناعة بان المملكة مصممة على خوض المعركة على الجبهتين في آن واحد، وترفض فصل المسارين اللبناني والسوري، برغم ما تؤشر اليه كل الدلائل والوقائع الاقليمية والدولية من ان كليهما يؤدي الى حائط مسدود، وبالتالي الذهاب الى «الخسارة الصغرى» الآن اقرب ما يكون الى «نصف خسارة» بدل ان تصل، مع الاصرار على تلازم المسارين، الى خسارة كاملة.
على المسار السوري، تنطلق القراءة الوسطية من ان الخط البياني السعودي في سوريا متجه نزولا، وبسرعة قياسية، ومع ذلك ما زالت المملكة تعتقد ان اسقاط بشار الأسد ما زال ممكنا، وكذلك تحقيق انجازات نوعية في الميدان العسكري وتغيير المعادلة القائمة. في حين ان «جماعتها» في سوريا يتراجعون، والأسد يحقق مكتسبات على الارض وكذلك على المستوى الدولي، وها هو الغرب يفتش عن قنوات اتصال معه، وها هي قطر تتودد اليه، وها هم الاميركيون يشيدون به ويفتحون على النظام والرسائل على قدم وساق من تحت الطاولة.
وعلى المسار اللبناني، وفقا للقراءة نفسها، فشلت المملكة في الامساك بالملف وتشكيل حكومتها، رغم كل محاولاتها المتكررة منذ استقالة نجيب ميقاتي. ومع ذلك، ما زالت مصممة على ان تمسك بالحكم مجددا عبر فريقها في لبنان، ولا شريك لها في القرار ولا محل لـ«حزب الله» فيه، واذا كان لا بد من اشراكه في «حكومتها» فليكن بشكل رمزي ومحدود من دون اي قدرة على التأثير بالقرار.
تبعا لذلك، تلحظ القراءة الوسطية ان السعودية ترفض تكرار تجربة السنتين الماضيتين اللتين خسرت فيهما لبنان، ولم تجد في استقالة الحكومة فرصة لإعادة الإمساك بها، بل بالغت الى حد الاعتقاد بانها وضعت يدها على لبنان، لكنها اصطدمت بعدم قدرتها على تحقيق هدفها بمعزل عن سائر المكونات اللبنانية، وتحديدا «حزب الله» وحلفاؤه. لكنها لم تسلـِّم بذلك، فراهنت على وليد جنبلاط لعله يميل الدفة في اتجاهها، لكن لجنبلاط قراءته لمشهد لبنان والمنطقة، وفاجأ الجميع بأنه رفع لواء الثلثين المعطلين. كما راهنت على ميشال سليمان الذي أطفأ فجأة حماسته للحكومة الحيادية، واستحسن حكومة الثلث المعطل.
اكثر ما يلفت الانتباه في القراءة الوسطية، ليس الانفعال والتوتر اللذين يحكمان المقاربة السعودية للملف اللبناني وتجميدها الوضع الحكومي، بل الاستنتاج بأن المقاربة السعودية تخدم مصلحة من تعتبرهم خصومها في لبنان وليس حلفاءها. ويستند هذا الاستنتاج الى الآتي:
ــ افتقاد المملكة قدرة الترجمة اللبنانية لما تريده، وفريقها في لبنان يعاني الوهن والارتباك، في مقابل قوة حضور «حزب الله» وحلفائه.
ــ اصرار المملكة على شروطها جعل مهمة تمام سلام اكثر صعوبة من ذي قبل، إن لم تكن مستحيلة. وبالتالي يهدد استمراره في ميدان التكليف.
ــ ميزان المعادلة الداخلية يؤشر الى انعدام أية امكانية لحكومة برئاسة سعد الحريري، او برئاسة فؤاد السنيورة، او امكانية لتشكيل حكومة خارج اطار الشراكة وصيغة 9-9-6. وثمة نافذة ما زالت مفتوحة لتشكيل حكومة ترأسها «14 اذار» بشخص تمام سلام ووفق الصيغة المذكورة.. الا اذا كان فريق سلام يريد خلاف ذلك.
ــ «حزب الله» وحلفاؤه ليسوا معنيين الا بتشكيل حكومة 9-9-6. وبالتالي لا يعتبرون انفسهم متضررين من الفراغ الحكومي، خاصة وان حكومة تصريف الاعمال التي تضمهم تملأ بعضا من هذا الفراغ، ولو بالشكل.
ــ المملكة وحلفاؤها في لبنان امام خيارين احلاهما مرّ: الاول حكومة الـ9-9-6، والثاني ابقاء حكومة تصريف الاعمال. واما الاول فهو اقل ضررا كونه يعيد «المستقبل» وفريقه الى رئاسة الحكومة، بينما بالنسبة الى «حزب الله» وحلفائه كلا الخيارين حلو بالمعنى السياسي، واما الاول فأقل حلاوة، وان كان يعطيهم الثلث المعطل في حكومة جامعة برئاسة «المستقبل»، بينما الثاني يبقي حكومة تصريف الاعمال التي يديرونها بمعزل عن «المستقبل» و«14 اذار»، لذلك فإن الحزب وحلفاءه متعايشون مع واقع تصريف الاعمال، ولا يعتبرون انفسهم مضطرين لأن يمارسوا اي ضغط على اي فريق سياسي لتشكيل حكومة، حتى ولو كانت حكومة 9-9-6. ولو اراد الفريق الاخر تشكيلها وفق هذه الصيغة فلا مانع.
ــ تعطيل تأليف الحكومة حتى الآن، يرشح حكومة تصريف الاعمال بقوة لكي تشرف على الانتخابات الرئاسية، وايضا تولي مهمة تصريف الاعمال الرئاسية والقيام مقام رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي وتعذر انتخاب بديل.
تخلص القراءة الوسطية الى يقين بأن المملكة كان يمكن ان تحقق انجازين على المسارين اللبناني والسوري، لو ان الحياة كتبت لـ«الشرق الاوسط الاميركي الجديد»، الذي سقط مرتين منذ احتلال العراق، مرة بعد حرب تموز 2006، ومرة بالنتائج العكسية لثورات «الربيع العربي». لكن الحال اليوم ان الشرق الاوسط الجديد لم يعد على المقاس الاميركي، بل اصبح على مقاس الحضور الروسي الالزامي في المنطقة والتفاهم الاميركي ـ الايراني. وتبعا لا يستبعد صاحب القراءة الوسطية التحاق السعودية بالتسوية، خاصة وان تصعيدها في لبنان وسوريا يتوخى جعل المملكة نفسها جزءا من اي تسوية نهائية ولها دورها كمرجعية في العالم الاسلامي للسنة وحامية لهم، كما ايران بالنسبة الى الشيعة.
السفير
تعليق