إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الأيقونة الجزائرية جميلة بوحيرد في لبنان: اسئلة معلقة...

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأيقونة الجزائرية جميلة بوحيرد في لبنان: اسئلة معلقة...

    5/12/2013



    الأيقونة الجزائرية جميلة بوحيرد في لبنان: اسئلة معلقة...

    ليلى مزبودي



    وصلت إليها رغم كل الحشود المتجمهرة حولها. واستطعت أن أقول لها، وسط الضجيج المزمجر حولها، بالفرنسية التي تجيدها : أنا من موقع المنار. اريد ان أجري معك مقابلة. هل ممكن. ردت علي بالفرنسية والعربية في آن: كصحافية لا، ولكن كابنتي نعم، وأعادت الكرة : كصحافية لا، ولكن كابنتي، نعم.
    وابتعدت. او بالأحرى أبعدتها أمواج المعجبين وإدارة التلفزيون.

    أردت أن أقول لها اشياء، وان استفسر عن أخرى. ولكن الأبواب أُغلقت ورحلت!

    أردت أن أقول لها أنها طبعت طفولتي منذ نعومة أظافيري. ربما كنت من أوائل من تعرف عليها من كل هذا لجمهور اللبناني والعربي الذي لبى دعوة محطة الميادين. بدا واضحا أن جزءا منه لا يعرفها، من الشباب خاصة، أو تعرف عليها للتو، من خلال البرامج التي بثت في الايام التي سبقت حفل تكريمها. وقد جاؤوا تلبية لدعوة النضال الذي تمثله.

    أعجبني أن تنفض الميادين الغبار عن مناضلات الزمن الغابر، وان تمنحهن قسطا من العلا الذي تستأثر به فنانات الزمن الحاضر!


    كنت في العاشرة من عمري، عندما قرأت كتابا يسرد نضالها لدحر الإستعمار الفرنسي عن الجزائر حيث كنت أقيم . و حيث كان الكثيرون لا يزالون يذكرون فضلها ويذكّرون به!

    هالني ما تعرضت له من تعذيب خلال مرحلة اعتقالها. لم يستوعب عقلي الصغير الذي كان مدمنا على قراءة القصص والروايات الفرنسية، ان يصدر من الفرنسيين في الحقيقة كل هذه القسوة والوحشية. كما أنه ما كان ليصدق بأن يتمكن جسدها الصغير من أن يتحملها . طيلة قراءتي للكتاب حسبت أنها لن تصمد. أن خبر استشهادها سيرد.

    ولكنها نجت!! وكانت المفاجأة!



    ناجية دوما هي السيدة جميلة في حياتها: من قنبلة ارادت أن تضعها في باص للفرنسيين، كادت ان تنفجر في حقيبتها ولكنها في نهاية المطاف لم تنفجر من حكم بالإعدام في فرنسا كان مقدرا لها لا محال، فخُفف الى مؤبد نتيجة المظاهرات والإعترضات!
    ومن سجن المؤبد كان من المفترض أن يجعلها تتعفن وراء قضبانه حتى آخر ايامها. فحُررت مع استقلال بلادها بعد بضع سنين. ومن ومن...

    هل تجيد السيدة جميلة مع الموت لعبة الحياة أم أنها تجيد مع الحياة لعبة الموت؟ فتصل دوما الى الحدود القصوى من الحياة ، حيث الموت ينتظر فلا يلتقطها؟ وهل هذا هو السبب الذي من أجله منحها المجدُ نفسَه كما لم يمنح أحدا غيرها، من رفيقات ورفقاء درب الجلجلة؟ لماذا هي الأيقونة دون غيرها، وما أكثر الذين بذلوا النفيس لتحيا الجزائر، أم أن فيها اجتمع كل أترابها؟ أسئلة أولى أردت أن أطرحه عليها، ولم يتسن.




    أردت أيضا أن اقول لها أن كتاب حياتها علمني أن أعشق النضال. فهي جعلته جمالا وحبا، رغم عذاباته ومخاطره. ربما هو اسمها الذي يرشح بما فيه على كل ما يحل بها. ليس كل المناضلين يستطيعون ذلك. منهم يحولون مظلوميتهم الى علة للعنف المضاد المبرح.

    ( اعرف أنكم ستحكمون علي بالإعدام. ولكن لا تنسوا انكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم وانكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة). كلمة مأثورة قالتها للمحكمة الفرنسية، من دون ثأرية.

    هذا سر العمل النضالي الحقيقي: الذي يمنع الظلم من دون أن يظلم. وكم هو في عصرنا الرديء ، حيث الخيط رفيع بين المظلومية والظلامية.

    هل تحمل سنوات النضال لها اليوم نسمات جمالية رغم آلامها ؟

    ماذا أعطتها وماذا أخذت منها؟ هل ترك التعذيب عليها آثاره النفسية والجسدية؟ ألم تحقد على جلاديها ومعذبيها؟ هل التقت بأحدهم في يوم من الأيام؟ هل اعتذروا منها؟ هل سامحتهم؟ ماذا ترد على بعض الفرنسيين الذين يعيبون عليها أنها قتلت بعض المدنيين منهم في الجزائر، خلال عملياتها؟ هل تندم في مكان ما؟ تساؤلات أردت أيضا طرحها، ولكن دون جدوى.

    منذ ذلك الكتاب، انقطعتُ عن أخبار السيدة جميلة لفترة من الزمن.

    تبين أنها هي ايضا انقطعت عن الحياة العامة . ربما لم تشأ قط بعد التحرير أن تقطف بشخصها ثمار نضالها من أجله. وهي التي منحته لكل شعبها.

    هكذا المقاومون دوما. يتكبدون جم الصعوبات بصمت، ويرحلون حينما يحين وقت الرحيل ، بصمت، وإذا ما فاتهم قطار الشهادة، يحيون بصمت!
    الى ان وصل الى مسامعي أمران في آن: أنها تركت الجزائر، وأقامت في فرنسا!! وأنها لم تتزوج من ابناء ملتها، بل تزوجت من محاميها، والذي دافع عن كل رفقائها حتى سمي محامي الشيطان، الأستاذ الفرنسي جاك فرجيس.
    وهنا أيضا كانت المفاجأة.

    كيف تغادر جميلة جزائرها وقد منحت شبابَها وطيشه من أجل حريتها؟ ألا تمنح نضوجَها وعقلَه من أجل بنيانها؟

    بل وكيف تستغني الجزائر عن جميلتها ؟ أليس المضحّون بكل شيء في خضم الثورة هم من يُضحون الأولى عند بناء الدولة؟

    و كيف تقيم جميلة في كنف الأمة اللتي سلبت لأكثر من قرن تاريخها وجغرافيتها؟ هل نسيت وغفرت؟ وهل فرنسا اعتذرت لعذاباتها وهي التي ترفض حتى الآن الإعتراف بعذابات وطنها؟

    كيف تنظر إليها اليوم وهي لا تزال تلعب اوراقها الإستعمارية بأساليب أخرى؟ كيف تطورت مشاعرها تجاهها بين الأمس و اليوم ؟

    أردت أيضا أن أفهم منها هذا كله. ولكن لم أحصل على شيء.



    ثم التقيت بالأستاذ فرجيس هنا في لبنان، عندنا في المنار. فكان السؤال الأول عنها: كيف هي السيدة جميلة؟ حسبت أنه لا يزال رفيق دربها. بعد أن تماهى مع نضالها. فأخبرني أنهما انفصلا. "لماذا"، سألته عاتبةً أكثر مني مستفسرة. فأجابي: "تعرفين، جميلة لديها عالمها". لم أفهم إجابته. ولم أشأ التطفل أكثر.

    ولكنني عرفت حينها أنها كانت قد عادت الى جزائرها التي لا شك أنها هي عالمها!.

    و هنا أيضا كانت المفاجأة! لأنها عادت إليها في خضم الحرب الأهلية . وربما لهذا السبب فعلت... عندما رأتها تئن، أسرعت إليها لتنقذها.
    هكذا هم المقاومون حقا. حينما يهرب أقرانهم من وقوع الحرائق، يهرولون هم باتجاهها ليطفؤوها بأجسادهم!

    ألهذا السبب عادت السيدة جميلة؟ وكيف تفسر كل هذا العنف الذي عصف ببلادها ؟ ما هي الحلقة المفقودة في حرب التحرير والتي جعلت شعب المليون ونصف شهيد يتقاتل بعد ثلاثين سنة من استقلاله ؟ هل لا زال الإستعمار الفرنسي قابع فيها؟ أم انه لقح فيها لوثة عنفه الجهنمي، قبل أن يرحل؟ حتى ينهش أهلها؟ هل طويت صفحة الحرب الأهلية إلى غير رجعة؟ أردت أيضا أن أعرف رأيها. ولكن لم يتسن.



    تتبعت أخبارها بين الفينة والأخرى. عرفت أنها استقرت في العاصمة وأنها تعيش من معاش تقاعدي للمجاهدين والمجاهدات لا يسد الرمق. وديونها موزعة في كل صوب. وكاد المرض يودي بها، لولا نداء استغاثة بعثت به الى الرئيس الجزائري. أعرف أنها عاتبة بقدر ما هي خائفة على جزائرها: لأن الفساد أنهشها وأفقر شعبها وأن شبابها يتحينون الفرص لمهاجرتها... الى الاستعمار القديم! وعرفت أيضا أنها هددت أنها لن تسكت!

    لماذا يرزح تحت الفقر شعب دفع ثمن الحرية دما شلالا، ولديه كل أسباب الرفاه؟ هل أخفقت الجزائر استقلالها لأنها اخفقت تنميتها؟ هل رحل فعلا الاستعمار عنها أم أنه لا يزال قابعا فيها، ولكن بوجوه جزائرية؟ هل تحن للإستعمار لأنه العدو الخارجي الذي يسهل تشخيصه وقتاله؟ أما الداخلي فخبيث ينهش فينا. هل تمردت جميلة أم عادت إلى صمتها لأنه أهابها ربيع عربي، أكثر الضجيج، واقل الحجيج ، ولم يزد العرب إلا بؤسا؟

    اردت هنا أيضا معرفة تحليلها. ولكن دون جدوى.

    ليست المرة الأولى التي تأتي فيها السيدة جميلة إلى بيروت.
    في الأولى كانت الدعوة جنوبية. على شرف المقاومة: بنت جبيل ومارون الراس... تخللها ورود ودموع على ضريح الشهداء: هادي نصر الله وعماد مغنية.



    اليوم دعوتها بيروتية. تكريما لنضالها وإنعاشا للذاكرة. فكانت الضيفة و ربة البيت في آن معا. حضرت مما حضر ابنة ايقونة أخرى، شريكها في النضال في الشق الثاني من الكرة الأرضية. تشي الغيفارا!
    أبيات شعرية عربية ( غسان مطر)، وأغنية اسبانية ( بصوت ألدا ابنة تشي) ، و (عصفور طل من الشباك ل مارسيل خليفة من دون حضوره بصوت كورال بيروتي) . تخللها صورتها عل الشاشة، بين الدموع والإمتنان .
    وكان لا بد من مفاجأة أخرى هنا أيضا. حينما طلت بقامتها الصغيرة على الخشبة وأرادت التوجه الى الجمهور، اعتذرت كثيرا لأنها لا تعرف من العربية إلا لهجتها الجزائرية التي قد لا يفهمها المشرقيون. فتكلمت بالفرنسية، لغة مستعمرها!.

    هي ربما سنوات المدارس الفرنسية إبان الإستعمار التي طبعت طفولتها حتى باتت لا تحسن التعبير إلا بها؟ رغم أنها كانت فيها المتمردة دوما، الرافضة أن تغني ( فرنسا أمنا الحنون)، والمصرة على أن تنشد (يا جزائرنا).
    وربما هي أيضا أعوام الإقامة الفرنسية بعد الإستقلال التي لم تسنح لها فرصة تعلم لغة الضاد، حتى تستشعر بها.

    وربما هي سمة خاصة بالجزائريين بعد الإستعمار: حملة التعريب لم تنسهم الفرنسية! ولغتهم العامة تقع ما بين فرنسة العربية وتعريب الفرنسية. ولهجتهم استعارت من الفرنسية سرعتها وتسرعها ! بل وفرنسيتهم يتحدثونها باللهجة الجزائرية. ولا غبار على عروبتهم.

    اين هي فرنسا اليوم في الجزائريين ؟ في قلوبهم، عقولهم، مشاعرهم، ام في السنتهم فقط؟ أم أنهم اختاروا من الفرنسية ثقافتها الإنسانية ونبذوا تلك الإستعمارية؟ فأخذوا فولتير وزولا وهوغو وسارترو... ولفظوا أصحاب الأقلام العنصرية؟ ربما هي طريقتهم للإنتقام من سنين الاستلاب. أن يعرفوا دوما لغة من كان عدوهم! في نضالها المستميت، بدا جليا أن جميلة بوحيرد حاربت الفرنسي من خلال أدواته. حينما قالت له أن استعماره وبالا على حريته وثقافته وشعاراته! ولاحقا استعارت من سارتر، جملته الشهيرة، في ادانتها للفاسدين في بلادها، " جهنم هي هم"!

    كم وددت لو أسالها عن هذا وذاك.
    كصحافية أردت ذلك، لأن للجمهور العربي عليها حق ما دامت حية.

    وكم أريد ذلك أيضا كإبنة رضعت من حليب نضالها الجميل... وما ارتوت!

    طلب برسم " أمنا جميلة"؟؟

    المصدر:
    http://www.almanar.com.lb/adetails.p...catid=101&s1=1
    التعديل الأخير تم بواسطة ابوبرير; الساعة 05-12-2013, 05:11 PM.

  • #2
    5/12/2013



    "جميلة بوحيرد" في معلم مليتا المقاوم



    لم تمنع الأمطار التي تساقطت، أمس، المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد من زيارة «معلم مليتا السياحي الجهادي» أمس، لكونه يجسد بالنسبة إليها تاريخها الجهادي المقاوم في مقارعة الاحتلال الفرنسي لبلادها، ويكتنز تاريخ المقاومة الإسلامية، في صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا سيما أثناء حرب تموز عام 2006، وقبل التحرير في أيار عام 2000. لذلك أراد «حزب الله» تكريمها في مليتا، عربون وفاء وتقدير لها، بصفتها رمزاً للثورة الجزائرية.

    واستقبل بوحيرد على مدخل المعلم النائب محمد رعد وعدد من المسؤولين الحزبيين. وكان يرافق بوحيرد إبنة الثائر تشي غيفارا أليدا، والزميلان عبد الباري عطوان وغسان بن جدو. استهلت االزيارة بعرض فيلم: «مليتا حكاية الأرض للسماء»، الذي يتضمن شرحاً عن المعلم بتعليق الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله. بعد ذلك أقيم احتفال تكريمي استهله رعد بكلمة رحب فيها ببوحيرد. وقال: «جميلة بوحيرد يكفيكِ فخراً وشرفاً أن مناضلينا يحوطونك اليوم في لبنان، وفي طليعة مستقبليك شهيدٌ نزف دمه بالأمس، واغتاله عدو صهيوني محتل، أبينا إلا أن نقول له أمنا لبنان، وكما قلتِ لا لفرْنسة الجزائر واحتلالها، نقول لا لصهْينة لبنان وفلسطين والمنطقة».

    وتوجه رعد إلى أليدا غيفارا، قائلاً: «كان غيفارا رمزاً ولا يزال لكل الثوار والأحرار في العالم، وقد تعلمنا منه، ومارسنا منها ما ينسجم مع خصوصيتنا في هذا البلد». وأكد عطوان أن «الأرض لن تتحرر إلا بالمقاومة». وأعربت غيفارا عن تأثرها لوجودها في هذا المكان المليء بالفرح والألم في آنٍ معاً».وتوجه بن جدو إلى بوحيرد بالقول: «أنا شاهد إثبات على أن هؤلاء المقاومين كانوا يحفرون بأناملهم كي يقيموا أنفاقاً تحميهم من العدو الإسرائيلي».



    وفي ختام الاحتفال قلدت غيفارا بوحيرد صورة للأخيرة، ثم قُلدت بوحيرد درع الهيئات النسائية في «حزب الله»، كما قلد النائب رعد كلاً من بوحيرد وغيفارا وبن جدو وعطوان دروعاً تقديرية باسم «حزب الله».

    بعد ذلك جالت بوحيرد وغيفارا والحضور على أقسام المعلم. وكان الأمين العام لـ«الحزب الشيوعي اللبناني» خالد حدادة، زار على رأس وفد من الحزب، أليدا غيفارا، في السفارة الكوبية بحضور السفير الكوبي رينيه سيبالو براتس.

    تعليق


    • #3
      8/12/2013


      السيد نصر الله استقبل المناضلة جميلة بوحيرد‎

      لقاء السيد نصرالله والمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد‎ تطرق إلى المثابرة والإصرار عند الشعوب لمقاومة أي إحتلال



      إستقبل سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله المناضلة السيدة جميلة بوحيرد وإبنتها وزوج إبنتها الدكتور علي زراقط والاستاذ غسان بن جدو.

      وكان الحديث عن تاريخها المقاوم والمناضل والمثابرة والإصرار عند الشعوب لمقاومة أي إحتلال وأنه بالإرادة يصنع الإنسان ما يطمح إليه، وأيضاً عن لقاء التواصل ما بين مقاومة تاريخية إنتصرت ومقاومة حالية إنتصرت ولا زالت تُقاوم

      تعليق


      • #4
        وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ‌ الْمُؤْمِنِينَ ﴿الروم: ٤٧﴾


        تعليق


        • #5
          19/12/2013


          بوحيرد ومانديلا... وحسن نصر الله



          لحظة ضوء في مسالك العتمة. ضوء أصيل لا يمكن وضعه تحت مكيال. كأنه جدير بالحياة أن تكون هذه اللحظة فقط، لأنها انتظارات المستقبل واشتهاءات الأيام الآتية.

          كتبت نادين غورديمر، الحائزة على جائزة نوبل للآداب ما يلي: «أن تعيش في بلد حيث يوجد فيه أبطال، لهو أمر في غاية الأهمية... أن تكون في مكان وزمان مع نلسون مانديلا، فأنت تحسد على هذه المرتبة... وإذا كان للعبقرية خصوصية إنسانية، فهي تتجسّد في مانديلا».


          نصري الصايغ/ جريدة السفير

          أن نعيش معاً، لحظة اللقاء بجميلة بوحيرد في بيروت ونلسون مانديلا في هذا الكوكب، فذلك من حظوظ التاريخ النادرة. من كان يظن أن هذه العتمة العربية الكالحة والدامسة، سيزيحها ضوء من التاريخ المكتوم أو التاريخ الذي تم إقفاله، فيحتل مقدمة المشهد في بيروت أولاً، ثم في العالم.

          لـ «الميادين» سبق غير مسبوق. جميلة المنسية تستعاد ذاكرتها بجدارة الانتماء إلى التاريخ والإنسان والقيم. وفي المقارنة غير المقصودة، بين زمنها وأزمنتنا السود، ظهرت الحاجة إلى «يقظة» تستحدثُ السؤال: ماذا فعلنا بتاريخنا؟ لماذا بعنا عذاباته وجراحه وأحلامه وقيمه وإنسانيته؟ هل من فرصة جديدة، لوصل ما انقطع مع التاريخ المقاوم؟. لنلسون مانديلا، كما لجميلة بوحيرد، كما لسلطان باشا الأطرش، كما لغيفارا، كما لمواكب الفدائيين الفلسطينيين، مقاتلين وكتاباً وشعراء وفنانين، كما لكوكبة من سناء محيدلي ومريم فخر الدين ولولا عبود... لكل هؤلاء، ومن على صراطهم، تاريخ محذوف من التداول، برغم أصالته ورسوليته.

          لنلسون مانديلا وجوه ثرية. اختار الغرب وجهه الأخير: وجه الوديع، المسالم. الحكيم والجدير بأن يكون مثالا يحتذى، من دون أن يحتذوه. وجه مانديلا الأول هو وجه أنتيغون في مواجهة كريون العنصري، ونظام الفصل والقمع في جنوب افريقيا، الذي يمنع عنه وعن شعبه حقوقه الإنسانية. كتب مانديلا بعد ذلك العذاب: «أنتيغون ترمز إلى الصراع. كانت تمثل على طريقتها، المناضلة من أجل الحرية». الوجه الآخر، هو وجه سبارتاكوس الذي تصدَّى بسيفه وجسده العاري وقوته المذهلة للامبراطورية الرومانية. (شكل الامبراطورية تبدّل.



          العالم البريطاني ومن معه من الغرب، كان الامبراطورية العظمى الحامية لنظام الأبارتهايد). سبارتاكوس المقيد إلى صخرة العنصرية، أعطى الشعلة لبروميثيوس ليواجه من وراء القضبان، الإله «زفس» حارس النظام العنصري. أما الوجه الأخير، فهو وجه الرجل الذي تجسدت فيه منظومة القيم الإنسانية الخالدة المؤسسة على الشجاعة، المعتركة بالمعاناة، النابضة بعشق الحرية، المؤنسنة بالتسامح وروح الانفتاح وامتناع الثأر. مانديلا، هذا هو، ويلزم أن لا يحذف وجهه الأخير الرائع، وجوهه الكفاحية، والسلاح الذي امتشقه ورفاقه، لمحاربة وهزيمة أخطر وأبشع عدو في جنوب افريقيا، ولا يتفوق عليه غير الاستيطان الصهيوني المستدام لفلسطين.

          أغفلت من حياته التي ازدهر كتابها في الغرب، تلك المرحلة التي سجلها هو في مراسلاته، عن عذاباته وانحطاط الطغاة، ورفضه التنازل عن الكفاح المسلح، إلا بعد زوال الأسباب التي أدت إلى امتشاق السلاح.

          في سجنه، أذلوه. وضعوه، عقابا لصموده وعدم تنازله، مع السجناء العاديين. وكان الآمر العسكري الأبيض يدخل قاووش الطعام القذر، ويختار الوقوف قرب طاولة الطعام الرثة، فيفك أزرار بنطاله، ويسحب... ويبوّل على الأرض قربه.

          بعد سجنه وبعد إخلاء سبيله، وبعدما حرره أحرار العالم، لا سياسيوه، وفي احتفال حاشد لاستقباله، وأمام عشرات الألوف الذين تجمهروا لتحيته في جوهانسبورغ قال: «لن نتنازل عن الكفاح المسلح قبل إلغاء الأسباب العنصرية التي استوجبت حمل السلاح».

          ... ولجميلة وجه الحياة الأولى. الحياة المصنوعة من أحلام وحقائق، من واقع ومرتجى، من استبداد وتحرر، من ظلم ومساواة. وجه الحياة مع جميلة، كان الوجه الذي يصنع سحنة الأمل ويرسم تفاصيل الحياة. ولكن، «تؤخذ الدنيا غلابا». غلبت جميلة بنات أمتها، أخرجت المرأة من رطانة التبعية للرجل. صارت نداً له. تبزه أحيانا، صموداً وعصياناً وتحدياً، وإيماناً بالانتصار... عرفت في الجزائر، بنات لم تُتِح لهن أيامُ المعارك في الجبال وفي وهران، ان يتزوجن... صنعن حرية الجزائر بإرادتهن. ولما انتصرن، أُدْخِلن مرة أخرى، إلى أَسْر الذكر.


          إلى ذلك الجيل، تنتمي جميلة. جيل بلغ الحرية بمشقة النضال. إنما ما بعد التحرر تضاءلت مساحة الحرية في الجزائر. ساد الصمت العربي الثقيل. بن بيللا في سجنه، والنخب الثورية، دخلت إلى نعيم السلطة بحراسة البنادق. يومها، فقدت جميلة وجيلها، «الوعد الصادق»، ثم أخرجت إلى الحافة، فالنسيان.

          السلطة تكره تاريخها، إن كانت سلطة جاءت بعد ثورة. السلطات العربية، أكرهتنا على تبني تاريخ يسير بخط مستقيم، هو خط السلطة التي اجترت لمسيرتها نصاً تاريخياً تافها، بلا قيم ولا معان ولا وطن.

          هكذا حذفنا من تاريخنا وجهه الحقيقي المتأصل بعشق الحرية، والمتصل بالقيم الإنسانية، ومحاربة الاستعمار ومكافحة الظلم والوقوف الشرس في وجه الاستبداد والاستتباع. أعطونا بدل تاريخنا الحقيقي، تاريخاً مُصنَّعاً بصيغة «الفاست فود». أطعمونا تاريخاً مشوَّها لا يشبهنا، ثم قالوا لنا: هذا أنتم.

          لا... ليس هذا تاريخنا.



          بدء تاريخنا الحديث كان مع سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى. بدء تاريخنا، مع ميسلون وبطولتها. واستمر هذا التاريخ في قتال العراقيين للانتداب البريطاني، والسوريين في مقارعة الاستبداد الفرنسي، والفلسطينيين في مقاومة للاستيطان الصهيوني، وأجيال المقاومة اللبنانية، بأسمائها وأعلامها المتعددة، في مواجهة الاحتلال وطرده من بيروت حتى بوابة فاطمة.

          هذا هو تاريخنا الأصلي، ومن العار أن يستبدل بتاريخ الطوائف والمذاهب والفتاوى وأصحاب السلطة والصولجان.

          لحظة ضوء تلك التي اندلعت في بيروت، والتي شعت من جنوب افريقيا... جميلة بوحيرد عندنا، وعنوان إقامتها الرمزي متصل بعنوان الضاحية، «قصبة المقاومة» العربية. ليس مجهولاً عنوان إقامة السيد. انه منتشر في العمق والسطح والمدى، وهو عنوان يمتد إلى ما بعد وما بعد حيفا.انه لحظ جميل، أن نعيش في زمن يلتقي فيه ثوار الأمس الجميل، لغد جميل. انه لحظ نادر، أن تكون في زمن جميلة بوحيرد ونلسون مانديلا وحسن نصر الله.

          حكمة هذا التاريخ هي التالية: «إن النزول عن الصليب، يتطلب أولاً، جدارة تسلقه وتذوق آلامه». عيد الصليب العربي، قد تعقبه، ربما، قيامة الإنسان العربي الجديد؟

          هل هذا وهم؟..

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          x

          رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

          صورة التسجيل تحديث الصورة

          اقرأ في منتديات يا حسين

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
          ردود 2
          13 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة ibrahim aly awaly
          بواسطة ibrahim aly awaly
           
          أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
          استجابة 1
          12 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة ibrahim aly awaly
          بواسطة ibrahim aly awaly
           
          يعمل...
          X