إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئي

    20/1/2014


    الرؤية العلمية عند الإمام الخامنئي:

    قصة الإمام والعلم منذ ما قبل الثورة


    "الرؤية العلمية لدى الإمام الخامنئي"، سلسلة حلقات يغوص فيها الدكتور عبد الله زيعور- مسؤول هيئة التعليم العالي في حزب الله - بتحديد موقع العلم الخاص والمميز من شخص الإمام الخامنئي قبل الثورة وبعدها (مشروع النهضة والاقتدار)، ويُشار إلى أن هذه السلسلة صدرت في كتاب حمل نفس العنوان، عن دار المعارف الحكمية.

    الحلقة الأولى

    قصة الإمام والعلم منذ ما قبل الثورة


    إن المكانة الخاصة التي أولاها الإمام الخامنئي للعلم والتي ترجمها حيّة في الجامعات ومراكز الأبحاث، وفي الطفرة العلمية الرائدة التي شهدتها الجمهورية، إنما نشأت في عقله وقلبه وارتكزت بشخصيته الجهادية في دراسته الحوزوية، وخلال مراحل الجهاد قبل الثورة، ولقد عبّر عن ذلك في مناسبات عدة أشار فيها إلى أن أصل الانتماء إلى الإسلام هو انتماء لبيئة العلم والانسياب في فضاءاته، فالمسلم متعلم ولا حجة لعدم النهل من روافد العلم والمعرفة، وقد جاء في خطبة له: "كان الإسلام يوماً ما مركزاً لنشر العلم في العالم، وقد أخذ هذا العلم بالانتشار في صورة سلمية، فوصل إلى جميع الأرجاء وانتفع واستفاد منه الجميع وانتفعوا به".



    وخلال مراحل الجهاد وقبل انتصار الثورة انطلق من بيئة الجامعة وتحديداً جامعة طهران مقتنعاً أن قماشة التغيير لا توجد صافية بهية إلا بالجامعة وبين أهل العلم والمعرفة، وأن أهل الانتصار إنما هم طلاب الجامعة، مؤمناً أن ما تقدّمه الجامعة من علوم صحيحة صافية هو منطلق التغيير، ولقد عبّر عن تقديره الشخصي لأهل العلم في مراكز الأبحاث العلمية وأساتذة الجامعات بالقول: "إنني أشعر بالإحترام والتكريم والتواضع في قلبي للعالم وللعلم".

    كما عبّر عن حبه الخاص للطلبة وهم من سيكون القيّم على الجامعات وعلى الوظائف العليا والمراكز الحساسة في الأمة، فكانت لقاءاته بالطلاب دورية، وكان يطمح إلى ملتقيات عامة مع العلماء والطلاب والباحثين على مرّ السنة، وقد وصف ذات مرة لقاءاته بالطلاب: "أن الاجتماعات الطلابية من أجمل الاجتماعات بالنسبة لي على الإطلاق" , ولشدة ارتباطه بالجامعة وصفه أحد الباحثين بالقول: إنه جامعي التفكير، فردّ بالقول:

    "فرغم أنني لست فرداً جامعياً، لكنني ارتبطت بالجامعة وطلاب الجامعات والجامعيين منذ القدم، وكان لي عمل في جامعة طهران، وعندما كنت آتي إلى الجامعة، كنت أشعر أنني دخلت في أجوائي الخاصة، ولعل هذا ما أدى إلى أن يختار العاملون والمسؤولون عن أمور استقبال الإمام بعد أن تم تأخير مجيئه في مثل هذه الأيام أن يختاروا جامعة طهران كمحل للتحصّن، فلم يكن هذا محض صدفة، بل كان مؤشراً على نوع من الارتباط المعنوي والروحي مع الجامعة، وخصوصاً هذه الجامعة طهران" .



    والملفت في علاقة الإمام الخامنئي بالعلم كانت، ورغم انشغالاته بأمور قيادة الأمة ومواجهة تحدّيات وجود الأمة والتي لم تتوقف منذ انطلاقة الثورة، قراءاته الواسعة لكتب العلم الأجنبية منها والوطنية، وعندما يتحدث في فلسفة العلم نراه يحلّق عالياً فيوافق رؤية لعالم ما وينتقد آخر، فيغدو باحثاً مواكباً لحركة العلم الإنساني وقضاياه وإشكالياته، ولربما شكّلت هذه المطالعات أحد روافد الخصوصية التي أظهرها تجاه العلم وضرورة طلب العلم مهما كلّف الأمة من جهاد وتضحيات، وشكّلت هذه الخصوصية عند الإمام حالة فريدة تميز بها عن سائر قادة شعوب العالم، فقلّما دلّنا تاريخ الشعوب على قادة جمعوا بين هموم الأمة الحياتية والوجودية، وهمِّ طلب العلم، ولعلّنا نعيش في هذه الأيام سقوط عتاة من قادة الدول الإسلامية ممن ظلموا ونهبوا ثروات الأمة كيف تكشف الوقائع عن سِيَرهم الذاتية وأملاكهم الخاصة على نحو يقترب من الخيال، فيما الأمة تعيش الفقر المدقع في أسوأ ظروفه.

    فكان هذا الأمر سراً من أسرار نجاح الجمهورية في الإمساك بتلابيب العلم والمعرفة نحو نجاح شبيه بالمعجزة عندما نقيس الإنجازات الهائلة في الاكتفاء الذاتي الصناعي والتقني العالي والاستنساخ، والاستنسال وغزو الفضاء وكل ذلك في ظل حصار دولي ظالم يهدف إلى كسر طموحات الجمهورية وإلحاقها بركب الدول التابعة والمحتاجة للغرب وعلى رأسه أميركا، وأخيراً لا آخراً الجهد الجبّار في ميدان الطاقة النووية، وذلك على فترة الثلاثين عاماً التي عاشتها الجمهورية وحتى اليوم.



    وبالعلاقة المتوقدة بين سماحته والعلم، شكّل الإمام القدوة والنموذج على المستوى العلمي تحديداً، فكان في أدائه وبقربه من العلم النموذج الذي يقرّب الناس من العلم ويدفعهم لحب العلم انطلاقاً من حبهم للإمام النموذج، فالإمام القريب من شعبه والمُطاع في قراراته الحكيمة التي كانت دائماً تروم المصلحة العليا للأمة كان بحدّ ذاته حالة تدرّس، ويتوقف عندها الناس فيحبون ما يحب، ويكرهون ما يكره، وكل ذلك بدافع الحب له والثقة بما يفعل وما يهوى، فالأمر تماماً على قاعدة كلام الإمام زين العابدين (ع): "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم". إن نجاح الإمام في اسر قلوب الملايين من الأمة كان أحد الدوافع التي ربطت الأمة بالعلم، وليس لنا أن نقلّل من أهمية هذه النقطة فالعالم الشخصي حاضر في أصعب القرارات لدى البشر، وعندما تقترب المسافة بين شخصين يسهل الحديث والتبادل والتواصل، فيأخذ كل منهما عن الآخر ويؤثّر أحدهما في الآخر، والحواجز النفسية للقبول المتبادل تكون قد سقطت، ولا زالت الأمة كل الأمة تعيش التناقض بين ما تريد وتتطلع وتأمل من المستقبل وبين حكّامهم الغارقين في ليل الدنيا وحطامها نهباً وتجهيلاً وإفقاراً وعمالة، ولقد وعى الغرب تماماً هذه النقطة وعمل عليها باستمرار على إنتاج القيادات الضعيفة في داخلها وفي قراراتها والتابعة تبعية مطلقة له، لقد أحبّ الناس العلم حباً بالإمام الخامنئي، ولسنا في هذا المقام لنبالغ في أن الدافعية الأبرز لثورة الشعب الإيراني تجاه العلم والمعرفة كان منشؤها هذه الناحية، وكانت بلا شك عاملاً من العوامل التي سهّلت تقبّل الشعب للخيار الذي يريده الإمام الثقة العادل والعطوف على رعيته.



    المصدر:
    http://www.almanar.com.lb/adetails.p...=41&eid=719299

  • #2
    21/1/2014


    الرؤية العلمية لدى الامام الخامنئي:

    مرتكزات رؤية الإمام الخامنئي للعلم

    "الرؤية العلمية لدى الإمام الخامنئي"، سلسلة حلقات يغوص فيها الدكتور عبد الله زيعور- مسؤول هيئة التعليم العالي في حزب الله - بتحديد موقع العلم الخاص والمميز من شخص الإمام الخامنئي قبل الثورة وبعدها (مشروع النهضة والاقتدار)، ويُشار إلى أن هذه السلسلة صدرت في كتاب حمل نفس العنوان، عن دار المعارف الحكمية.

    الحلقة الثانية

    مرتكزات رؤية الإمام الخامنئي للعلم

    1 – رسالة الإسلام




    إن الموقع الديني للإمام الخامنئي جعل من البعد الإسلامي للعلم أساساً حاضراً في ثنايا كل خطبه في حضرة أهل العلم، فتحدّث عن موقع الإيمان العميق بما يقول وبما يقوله الإسلام في العلم، وجعل من البعد الإسلامي السلاح السحري الذي يصل لقلب الإنسان وعقله، ويولّد فيه تلك الدافعية الكبرى، هذه الدافعية التي كان من شأنها أن تصالح قلب الإنسان مع عقله، فتصبح طاقاته متناسقة وواثبة ضمن مواصفات الفرد الإيجابي في المجتمع، ولذا، كان البعد الإسلامي في كلام الإمام عن العلم رقيقاً وشفافا ينفذ للقلب والوجدان، ويصل بالعلم إلى الهدف المطلوب ضمن سلسلة قناعات الإنسان الفلسفية والروحية وترجمتها العلمية، لتحدث التناغم المطلوب، وينطلق الإنسان الحر الواعد العارف بما يفعل وإلى أين يصل: لمصلحة الناس ولمنعة الأمة ودفاعاً عن الإنسان ولنصرة المستضعفين، وإنقاذ البشرية وصولاً للغاية الأسمى والأنبل ألا وهي رضا الله سبحانه وتعالى، فكلام العلم عند الإمام كان جزءاً من المشروع العقائدي الروحي ومنطلقاً منه وعاملاً لأجله، فتحصيل العلم وجهاد العلم واجب سيسأل عنه القادر عليه وسيثاب بعظيم الثواب من عند الله تعالى من حمله وخدم به، ففي كلام الإسلام عن العلم قال الإمام:

    "لقد أضفى الإسلام قدسية على العلم، فالعلم شيء مقدّس والتحصيل العلمي يتميّز بقدسية خاصة. إن العلم يختلف عن باقي الأمور، فهو ليس مجرّد وسيلة لتحقيق الثراء كغيره من الوسائل، مع أنه يحقّق الثراء، ولكن ينبغي الحفاظ على قدسيته.. إن العلم نور، وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو أحد شؤون الجامعة الإسلامية".

    ويتابع الإمام في نفس الخطبة:

    "إن أحد مصاديق العمل الصالح هو نفس النشاط العلمي الذي تقومون به في الصف، أو العمل الذي تقومون به في المصنع أو في المزرعة. إن نشر العلم وتوفير فرص العمل عبادة كما أن الصلاة وقراءة القرآن عبادة وهذا ليس بالأمر الهين".

    ويربط الإمام العلم والتعليم والعمل بالسمو الإنساني المتوجّه إلى رضا الله تعالى فيقول في نفس الخطبة:

    "إن الهدف من وراء جعل الثواب على التعليم والعمل هو أن الله تعالى جعل كمال البشرية في العلم والعمل، والمجتمع العاطل عن العمل أو الذي يتكاسل في العلم وكذلك المجتمع الجاهل لا يستطيعان ارتقاء مدارج الكمال البشري، وكلما كان العمل أكثر نفعاً كان الثواب أكثر؛ والثواب هنا، ليس فقط لتعليم القرآن وعلوم الدين، وإنما أيضاً لتعليم الجبر والمثلثات والفيزياء والهندسة، فما دمتم تصنعون من أولاد الناس علماء يفيدون المجتمع بعلمهم، فإن تدريسكم هذا فيه ثواب وأجر، هذا هو منطق الإسلام. إذن، المكسب الأول هو تحصيل الثواب الإلهي، والمكسب الآخر الذي لا يقلّ أهمية هو المساهمة في بناء صرح مستقبل مجتمعكم".

    إذن، فالعلم العملي: بحثاً وتدريساً، عند الإمام الخامنئي، هو عبادة كما الصلاة وقراءة القرآن، فالصلاة وقراءة القرآن هما جزء من بناء روحية الإنسان، فيما العمل العلمي هما جزء من بناء روحية المجتمع، وقد جعل الله تعالى في كلا الأمرين ثواباً طالما كان القصد منعة الأمة بفردها ومجتمعها.

    ثمّ يحدّد الإمام الخامنئي أي علم نريد؟ وعن أي علم نتحدّث؟ فيقول في الخطبة:

    "إن الاختلاف بين نظرة الإسلام والعالم المادي تجاه مسألة العلم هو أننا نريد العلم لسعادة البشر وتكاملهم وتفتّح استعداداتهم واستقرار العدالة التي هي أكبر الأماني البشرية، فيما يراد من العلم أن يكون خادماً لأكثر الناس والمجتمعات ظلماً، ويجب أن يخرج من هذه الوضعية.. إن نظرة الإسلام إلى العلم هي نظرة الشرف والنظافة والبعد عن الهوى والهوس، هي نظرة التوجّه المعنوي، فنحن إنما نريد العلم لأجل هذا، ولهذا ينبغي أن نسعى في هذا المجال، وهذه الرؤية التي تعرّضنا لها يجب أن تكون موجودة في الطالب الجامعي، ومثل هذا العمل ممكن".



    فلم ير الإمام العلم إلا في سبيل الإنسان وكرامة الإنسان وسعادته، العلم المنطلق من القيم الروحية السامية، والذي يتكامل فيها مع سيرة ومسؤولية الإنسان في خلافة الله على الأرض، وتلك المسألة كانت المفصل في الخلاف حول النظرة للعلم مع الغرب الذي ألحق بنفسه عار إدخال العلم وسيلة لقهر الشعوب الأخرى، ومنع التقنية والرفاهية عنها وحصارها بالجهل المقيت طيلة قرون من الزمن، ونراه يؤكّد في خطبة سبقتها حاجة البشرية للعلم والأخلاق مع تقديم أولوية الأخلاق على العلم ليشكّل البيئة الحاضنة نحو "علم إنساني" لا علم تلحق به خطيئة قتل الإنسان لأخيه الإنسان عن طريق التفوّق التقني والاستعلاء العرقي والعنصري المتجلّي في سلوك الغرب، فيقول:

    "إن تحصيل العلم والمعنوية، والعلم والإيمان، والعلم والأخلاق، هو ما يفتقر إليه العالم اليوم؛ وإنّ الجامعة الإسلامية توفر العلم مع الإيمان، والعلم مع المعنوية، والعلم مع الأخلاق بلا فصل أحدهما عن الآخر.

    إنها تمنح العلم والمعرفة استمداداً من الأخلاق والإيمان.

    إنّ الذين يقولون: التناقض بين العلم والدين؛ لم يشاهدوا منطقة نفوذ العلم والدين، فلكل منهما منطقة نفوذ معاً، والمزج بينهما يعني أن يوجّه الإيمان سلاح العلم نحو الجهة المطلوبة؛ لأن سلاح العلم يمكن أن يستهدف الأخيار والأشرار، ولكن الأمر يتوقف على من يمتلك هذا السلاح.

    إنه سلاح العلم، وأما الإيمان فهو الذي يسير به في الاتجاه الصحيح.

    فلو كان الإيمان يتحكّم بالعلم في الدول الغربية لما اتجه الغرب نحو تصنيع القنبلة الذرية، ثم ما لبث أن وقف أمامها عاجزاً لا يستطيع أن يسيطر عليها، أو يتركها تدمّر العالم.

    إنّ هذا لم يكن ليحدث لو كان الإيمان توأماً للعلم.

    ولما كانت هناك أصلاً ظاهرة الاستعمار والاستعمار الجديد – الذي هو وليد العلم – ولما عانت الدول والشعوب من التسلّط السيطرة والقهر ونهب الثورات خلال القرنين الماضيين.

    إن كل هذه الكوارث تعود إلى مسألة الفصل بين العلم والإيمان.

    فما ورد في كلامه يؤكّد أن لا فصل بين الجهتين: العلم والمعرفة تستمد من الأخلاق والإيمان، ومن هذه النقطة ينطلق ليمتّن اللحمة بين العلم والدين، عازياً سبب ادعاء الخلاف من قبل البعض أنهم لا ينظرون إلى المنطقة المشتركة بينهما؛ فالعلم علم الله المودع في الأرض وعلى الإنسان الخوض في غماره واكتشافه وتسخير نتائجه إلى بني آدم وفق ما أمر الله تعالى به، والعلم المودع في الأرض إنما رسالة من الله تعالى لعقل الإنسان لكي يتدبّر، ولكي يزداد اطّلاعاً وسعة أفق وخروج من دوائر الدنيا الضيقة إلى رحاب الإشارات الإلهية التي توقظ القلب والعقل؛ فالعلم باب إلهي فتحه الله تعالى لتتضح طريق معرفته تعالى ولتزداد قلوب العارفين خشية منه...



    ومن هذا التأسيس يؤكّد الإمام أن العلم سلاح، ولكن الإيمان هو من يقوده إلى الاتجاه الصحيح، وهذا ليس كلاماً نظرياً، وإنما مستمد من التجربة السوداء والمرّة في تاريخ الإنسانية عندما تعب الغرب في حربه المُكلفة تجاه الشرق، فاتجه إلى صناعة القنبلة النووية، ثم عجز عن السيطرة عليها فسبّبت أعظم كوارث البشرية وأكثرها كلفة في الأرواح. فليس هذا العلم الذي يُراد، وليس العلم مطلوباً بحدّ ذاته ترفاً أو وسيلة فتك الإنسان بأخيه الإنسان، بل إن الإمام يطرح شعار التوأمة بين الجهتين والتي تحتاج كل منهما الأخرى لكي تندفع في نفوس البشر، وفي ذلك الطرح مدخل لحلّ المشاكل التي عانت منها الأمم في علاقاتها بين بعضها البعض ولا تزال، ونعني بها مشاكل استعمار الشعوب الغنية ومالكة العلم للشعوب الفقيرة والإمعان في قهرها وسلب ثرواتها، وتحديداً منذ القرنين الماضيين وإلى الآن، وبالطبع فإننا لا نقدّم هذا الحل كخلطة سحرية تحل عبرها قضايا العلاقات البشرية ومشاكل العالم واحد القطبية الأميركية أو متعدّد الأقطاب، ولكن نقدّمه كأساس وأرضية صالحة نبني عليها مفاهيم جديدة مستمدة من القيم الصالحة والمتعارف عليها بين الأمم، وبالطبع على قاعدة ما أتى وبشّر به الأنبياء عليهم السلام وتحديداً أولو العزم منهم.

    ثمّ ترقى نظرة الإمام إلى العلم بوصفه كل حركة علمية وثقافية وعملية تنجز لصالح النظام والجمهورية الإسلامية بأنها عبادة، فليس فقط طلب العلم عبادة وإنما كل إنجاز أو مشروع ينطلق من أسس العلم والثقافة والعلم الصالح هو عبادة، ثم يوسّع أفق العبادة والثواب الإلهيين فيقول:

    " فلو أنّ المعلّم حالياً في إيران الإسلامية علَّم الطالب كلمة بقصد تقديم خدمة إلى هذه البلاد – التي هي حالياً مهد الإسلام وساحة عظمة الأحكام الإسلامية وإشعاعها – فإن هذه الكلمة حسنة وإن صارت مائة كلمة غدت مائة حسنة، وإن استوعب التعليم ليله ونهاره ملأت الحسنات أوقاته.

    إن العامل الذي يعمل في مصنع أو يخطّط أو يشرف أو يقدّم أي مجهود آخر لأجل تطوير إيران الإسلامية – التي هي اليوم ساحة المظاهر المعنوية والإلهية – وتقدّمها وازدهارها، ولكي تستغني عن الأجانب ولا تقلق من ناحية الحظر الاقتصادي الذي تفرضه هذه القوة العظمى أو تلك، فإنّ هذا العامل يحصل في كل لحظة من عمله على حسنة ويكون قد أتى بعبادة، وكل من يتعاون معه في هذا العمل سيشاركه في هذه العبادة دون أن ينقص ثواب العامل الأول. إنّ العطاء الإلهي بهذا الشكل، فأحياناً يشترك عشرة أشخاص بإنجاز عمل واحد لكنّهم يحصلون على عشر حسناتـ لا أن تتقسّم الحسنة الواحدة بينهم، بل إن لكل واحد منهم ثواباً مستقلاً عند الله تعالى. واليوم أيضاً لدولتكم هذه الخصوصية.

    قلّما توجد في الدنيا قاعة درس وصالة مصنع أو مختبر أو جامعة يشملها الله برضاه، بل وحتى ساعات استراحة المعلم والعامل – الذي يستريح بقصد أن يكون قادراً على العمل في الغد – يكون مشمولاً برضا الله ".

    إن الربط الرائع الذي قدّمه الإمام للعلم والدين على مستوى الفرد وعلى مستوى الأمة إنما أراد به تعزيز المفهوم الإسلامي، بأن معرفة الله تعالى إنما هي عن طريق العلم والخشية من الله تزاد بالعلم السوي الصالح المبني على تغليب قيم الإنسانية العليا في المجتمعات المتباينة بأعراقها وأهدافها، لكن هذا الرابط إنما أراده الإمام ليمتد باتجاه تقدّم البلاد واستعادة الحق والكرامة المسلوبة من المستكبر وبث الأمل في قلوب كل المستضعفين في الأرض، فيقول في خطبة:

    "إن العمل والعلم والثقافة وقاعة الدرس والمختبر والجامعة والجو العمّالي والمصنع يمكنه التأثير على التقدّم وبث الأمل في قلوب الشعوب وإذلال العدو وإبعاد المستبدّين في العالم، المتمثّلين بحكومة أميركا، عن أهدافهم الشيطانية يوماً بعد يوم، وهذه هي هدفية العمل، وحالياً ينبغي أن تكون هي الهدف في الجمهورية الإسلامية".



    فالإمام يشدّد ويكرّر في العديد من خطبه على الربط بين العلم بالدين لنهضة الأمة، ولكن أيضاً فإن هذا الربط يشمل أيضاً المدى المتوسّط، فالبعيد أن يقدّم الشعب المسلم في إيران النموذج والأمل لخلاص البشرية، فيتساءل في نفس الخطبة قائلاً: "فما هي إيران؟ إن إيران الإسلامية هي اليوم مظهر لخلاص البشرية ونجاتها". وهذا الطموح ليس بالأمر السهل، وهو العارف بأوضاع الجمهورية والحصار الدولي عليها، فيتابع: "مع أننا لا نمتلك علاقات واسعة مع البشرية، فماذا نريد أن نصنع؟ إن القضية تكمن هنا"؛ فالطموح كبير والحصار مستمر منذ ثلاثة عقود علمياً وتقنياً قبل أي شيء آخر، ورغم ذلك عليكم المبادرة وتحقيق هذا الطموح! إنّ التحدّي يكمن هنا، إن من أهم مزايا القائد ألا يضيع البوصلة، وأن يحافظ على الربط بين دقائق الأمور وتفاصيلها مع التوجهات الاستراتيجية، وهو العارف بما يريد والمتحكّم بأوراق القوة لديه يرعاها ويقلّبها ورقة ورقة، فيما رهانه الكبير بعد التوكل على الله تعالى والإخلاص له هو على قلوب الشباب الصافية المفعمة بالحيوية والصدق، وهو يوصي دائماً بأن يتخرّج الشاب من الجامعة، حائزاً قبل الشهادة على مستوى عالٍ من الناحية الدينية والأخلاقية نظراً لخصوصية الطالب الشاب في الاعتبار الإسلامي ولموقعه المميز لدى الإمام الذي يقول عنه: "فأين تجدون أفضل من الجامعة لينهل الطالب علمه منها، وأي القلوب أكثر نورانية من قلوب طلبة الجامعات الفتية؟ إنكم تشاهدون اليوم كم يسعون لإبعاد شبابنا عن الأجواء الدينية...".

    في الخلاصة، ثمّة قداسة للعلم وللتحصيل العلمي، وهناك ضرورة للحفاظ على قدسيته والإنفاق على العلم استثمار للأمة، والله تعالى جعل كمال البشرية في العلم والعمل، وكما أن تحصيل علوم القرآن والفقه هي عبادة، فإنّ تحصيل سائر العلوم بنيّة منفعة الأمة والدفاع عنها هو أيضاً عبادة؛ إن المراد من العلم كما رآه الإمام الخامنئي هو سعادة البشرية ورفعة إنسانية الإنسان، ووقف الظلم وتحقيق العدالة في الأرض، فلا فصل بين العلم والدين فثمة أرض مشتركة بينهما، والعلم سلاح للمستضعفين عليهم الأخذ به والجهاد فيه، وإلا فهلاك الأمة ينتظرها في صراع قاس مع الغرب الذي لا يرحم والذي يفتقد الإنسانية لديه، حيث القتل والإبادة ممكنان لديه فيما لو اقتضت ضرورات الاستقرار والمصالح الدولية، إذن، فالعلم حصن وسلاح لا غنى عنه مع الكرامة.

    1.1- العلم الحديث والدين: تلازم مسارات الحقيقة والتوحيد:

    إن التقدم العلمي المطرد في مراكز الأبحاث في العالم ولا سيما أبان العقود الأخيرة يعزز ويثبت التلاقي الكامل بين الله تعالى والعلم من خلال ما تقدمه نظم الفيزياء الجديدة في التجانس الرائع بين الذرة أصغر مكونات المادة وبين نظام عمل المجموعة الشمسية والمجرات التي يعجز العقل البشري عن تصور حجمها ونطاق امتدادها، وأيضاً من خلال المفهوم الثوري الهائل لفكرة المادة، والكون من خلال العلم الحديث مخلوق وبخلق الكون ولد معه الزمان والمكان وتؤكد الفيزياء الحديثة أن شيئاً ما كان في الأصل موجوداً قبل الانفجار، كما أن التآلف بين العقل البشري والأسرار الموجودة في الكون يحوي لغز الحياة ولغز الحقيقة الكونية، فإعجاز الله في الكون إنما هو موجه للعقل البشري وثمة علاقة بين العلم المكنون والعقل الإنساني، وكما يشبه الفيزيائي الشهير شرودنغر: " إن الكون من دون الإنسان يكون أشبه بمسرحية تمثل في قاعة تخلو مقاعدها من جمهور المشاهدين ".



    إن الجمالية الكامنة في مخلوقات الله وفي النظام الذي لا يمكن للعقل البشري أن يبلغ مداه والتماثل والتناظر في مفاصل الكون، مضافاً إليها كل ما تتفتق عنه صرعات الفيزياء الحديثة، تعزز روح التوافق بين العقل والطبيعة وبين الوجدان والمادة على نحو لم يتأت من ذي قبل، ولسنا نغالي إن قلنا أن وصف الموضوع بكلمات عابرة مختصرة لا يفي الموضوع حقيقته.

    والفيزياء تطلق في جنبات الكون رسالة الكمال من جديد، ولكن هذه المرة بمفردات العلم التجريبي وكما قال الفيلسوف الفرنسي جان غيتون: " إن المفهوم الفيزيائي الجديد قد جرد المادة من ذاتيتها وأتاح في الوقت ذاته فرصة الأمل بسبيل فلسفي جديد، سبيل ما بعد المادية منفتح على الانصهار بين المادة والروح والواقع هذا العلم الحديث بمفهومه الانقلابي على مستوى إعادة مكانة العقل فيه، أخذ ينتج مفاهيم جديدة تُسقط الحدود بين الروح والمادة وتعمل للمصالحة بينها، فهو يتحدث عن مفهوم الانفجار العظيم الذي أولد المادة ومعها الزمان والمكان وهذه الصيغة التي يقدمها العلم بأدلة متعددة إنما تعود إلى تطابق روايتي العلم والدين حول نشأة الكون، وبالشكل الإجمالي الذي تتحدث عنه، الكتب السماوية، والأهم في رواية العلم الحديث عن خلق الكون أنها قدمت إلى العقل البشري سبل الكمال في فهم الكون وتفسير أصوله وأرشدت إليها من خلال التوازن التام الظاهر منذ اللحظة الأولى في عملية الخلق وتسلسل أشكال العمل والتطور فيه، ومن خلال ما يسميه علماء الفيزياء اليوم " النزوح السري للمادة نحو النظام " حيث كل ذرة تعلم تماماً ما ستفعله الذرات الأخرى وحيث أن " الحركة العشوائية للمادة " في ظاهرها ليست إلا صورة لنظام أعمق، وما كان يسمونه أهل المادة سابقاً صدفة لم يكن إلا عجزاً عن فهم درجة النظام الرفيعة المستوى.

    أما الغوص في أعماق المادة فلا يوصل إلا إلى دخان رياضي احتمالي لا محسوس يفلت من الإطار المادي الأعمى والقاصر للمجموعات، لينطلق إلى مستوى الوعي والفهم المجرد القابع في ذهن الإنسان، وعليه، لا سبيل للمعرفة الفلسفية من خلال المادة كمنطلق وكشراع وحيد، ومن خلال ذلك يستنتج علماء الفيزياء حديثاً أن الروح والمادة هما حقيقة واحدة متكاملة وأن حقيقة الكون لا تدرك من خلال إدراكات الكون المتاحة بماديتها فقط، وأن التماثل في قوانين الفيزياء من الذرة إلى المجرة تستلزم القناعة بوحدة النشأة والمنشئ.

    بعد هذا العرض السريع لواقع البحث العلمي في صفحاته الأخيرة وعلى المستوى العالمي: في أوروبا وأميركا وآسيا، يمكننا أن نؤكد إن توجه المجتمع ككل في مسار متناسق موحد لطلب العلم هو بعينه سلوك مسار الحقيقة الإنسانية، ولقد تبين لنا مما سبق أن ميدان عمل الحقيقة العلمية يقود إلى توحيد الله تعالى، فمسار العلم هو التوجه إلى الله تعالى والحقيقة العلمية تؤدي إلى معرفة الله ووحدانيته وعظمته من خلال عظمة الوجود وأسرار المكنونات فيه، وعليه، فعندما تتأكد الحقائق العلمية بالقوانين الصحيحة والمطابقة للواقع وعندما لا يقر الدين " بحقيقة " غير مطابقة للواقع أو بعيدة عن التزامات القانون الأخلاقي، فإن معيار المطابقة للواقع يؤدي إلى نفي كل أشكال التضارب أو التنافي بين اعتبارات كل من الدين والعلم.

    وثمة من يذهب بعيداً في تقريب وجهتي عمل العلم والدين فيطلق اسم " العلم الإسلامي " على كل أشكال العلوم الصحيحة التجريبية منها والإنسانية فيقول:

    " إن العلم الذي يشيد بنيانه على الحق وعدم التخريب والإضرار هو " علم إسلامي " وعلينا الإشارة ثم التشديد على وجود عناصر في الإسلام سوف تكون لها أعظم الآثار على الحضارات المنبعثة وفي مقدمتها إصرار الإسلام على عدم الفصل بين الدين والعلم والأخلاق والفلسفة وما المأزق الذي تعاني منه البشرية في عصرنا هذا إلا نتيجة من نتائج الطلاق بين العلم والأخلاق كما الغفلة عن الله وتجاهل موقعه بوصفه حافظاً للمخلوقات.

    إن العلم الوحيد الذي يمكن أن يراهن عليه الإنسان المعاصر لنجاته من الانتحار الجماعي هو العلم الذي يستند إلى الله ويستقي من فيض علمه، وهو العلم الذي ينظر إلى القضايا والقواعد الأخلاقية، لا بوصفها اختراعات ذهنية محضة، بل أمثولات ذات آثار واقعية صحيحة ".

    نستنتج مما تقدم أن حمل راية العلم والنهوض بالبحث العلمي لدى الإمام الخامنئي، بالإضافة لكونه سبيلاً للأمة نحو النهوض والاقتدار، هو جزء من مسار الأمة نجو التوحيد والمعرفة الحقيقية لله من مظاهر خلقه، ومن هنا يمكننا الإطلالة على البعد العبادي في سلوك درب العلم من وجهة نظره حيث يقرِّب العلم البشرية من الله بإبقائها على تماس مع عظمة جمال وإعجاز مظاهر خلقه، وتماماً على قاعدة الآية الكريمة: " إنما يخشى الله من عباده العلماء ".

    2- الاستلهام من مشروع الإمام الراحل الخميني:

    في الذكرى الثالثة لرحيل الإمام الخميني (قده) في 2 ذي الحجة 1413 هجرية حدّد الإمام الخامنئي معالم خط الإمام الخميني بأنه السلوك والمنهج الحكومي لإمام الأمة المفسّر لنظام الجمهورية الإسلامية، والمشتمل على الخصوصيات الإحدى عشر. ومما يعنينا في بحثنا بجانبه العلمي، نورد الأسس والمنطلقات التي تحرّك منها الإمام الخامنئي في نظرته لتطوير الأمة علمياً وتقنياً، وفيها إعطاء الأهمية لقدرات الشعوب واعتبارها مبدءًا من المبادئ، فالإمام الخميني كان يعتقد أن التحولات الكبرى في العالم لا تحدث إلا على أيدي الشعوب، وتستطيع الشعوب أن توجد التحوّل في الدنيا وتغير المحيط الذي تعيش فيه.



    أكّد الإمام الخامنئي على الحرص والتوجّه الصارم للإمام الخميني لإعادة بناء البلاد وتقديم نموذج عملي للعالم، ولهذه المسألة موضع مهم في نظر الإمام الراحل في الشهور الأخيرة من حياته المباركة، وهو أصرّ على بناء البلاد اقتصادياً وعلى كل المستويات وبلحاظ تأمين الدخل العائد للشعب وللدولة، حتى نتمكن من أن نقدّم نموذجاً عينياً وعملياً من البناء الإسلامي.

    أما بالإطلالة على المشهد الاستراتيجي للمنطقة ككل، فإن بعض المؤرخين يعتبر أن هناك حدثين حصلا بعد الإمبراطورية العثمانية: الأول نشوء الكيان الصهيوني، والثاني نشوء الجمهورية الإسلامية في إيران، فمنظومة المنطقة محورها إسرائيل، وإيران عامل مساعد لأميركا وإسرائيل.

    من هنا كان الأمر إعطاء إسرائيل أقصى مدى من الاقتدار العلمي والسياسي والإعلامي والعسكري والأمني، وأن يكون لها الوجود المتفوق في المنطقة والوجود المؤثر والوجود الطاغي، أما بقية دول المنطقة فهي دول مساعدة وليس لها وجود أمام إسرائيل، لذلك كان واضحاً تماماً أن تكون الاستراتيجية الغربية بجانب إسرائيل، ومن جهة ثانية منع الحرب على إسرائيل وسلب قدرة الدول العربية على الاستقلال في امتلاك السلاح، أي سلب قدرتهم على أن يكونوا دولاً منتجة لا دولاً علمية وسلب قدرتهم على الاستقلال الاقتصادي والمادي حتى على صعيد الإنتاج، وسلب قدرتهم حتى على إنتاج الأمور الضرورية البسيطة ووضع اليد على منابع الثروة في المنطقة، هذه سياسات الغرب، والتي ردّت عليها الجمهورية الإسلامية في إيران بالدور والمهمة والرؤية والهدف، وقد اعتبر الإمام بكلماته أن المشكلة الرئيسية هي إسرائيل وحدّد مصادر الخطر والتهديد ليس على إيران وحدها، بل على شعوب المنطقة وعلى ثروات المنطقة.

    إن المشهد برمّته يوحي بأن المواجهة مع أميركا ليست بالأمر السهل، وأن الأمة مثقلة بجراح التاريخ في استعماره القديم واستعماره الحالي المقنع والذي يستهدف إنتاج نفوس تابعة مستهلكة لا منتجة، إن هذا التحدّي يتطلّب شحذ الهمم والتوجّه بكامل الإصرار والجدّية نحو الأخذ بأسباب القوة، المنطلقة من سلاح العلم والمعرفة، والموصل للتكنولوجيا التي تحقّق هذه القوة وتعطي المنعة والردع للأعداء فيما لو فكّروا بإعادة الجمهورية إلى موقعها السابق في المنظومة الأميركية التي تجعل من إيران وسائر الدول العربية ملحقاً لخدمتها.

    بالعودة إلى جذور المرتكز الثاني ذي المعالم الواضحة في المشروع السياسي للإمام الخميني الراحل، فقد حدّد الإمام الخامنئي التناقض الذي تعيشه الأمة في خطاب، جاء فيه:

    "تحتل إيران موقعاً استراتيجياً حساساً على خارجة العالم، وإن بلداً يتمتّع بمثل هذا الموقع الجغرافي والطاقات والمصادر الطبيعية والإنسانية والمعدنية، من شأنه أن يكون من أكثر البلدان تقدّما وثراءً في العالم، إلا أن الحكومات القاجارية والبهلوية كانت تتحول إلى حكومات متخلّفة وعميلة تتسم بالذل والهوان، يتحمّل المسؤولية أولاً الحكّام الفاسدون وغير الأكفّاء بالدرجة الأولى، فهم لم يكونوا يهتمون إلا بحياتهم الشخصية وبما يحفظ استمرار مراكزهم ومصالحهم وقبولهم بإملاءات المستعمر والغربي.

    لقد رفض الشعب هذه السياسة وانتفض كحركة الميرزا الشيرازي وآية الله المدرّس، ثم كانت النهضة المظفّرة للإمام الخميني حيث الجمهورية الإسلامية الآن بقدراتها رفعت لواء المعنويات الكبرى عالياً: السعادة والأمان والتقدّم العلمي والاستقلال، وقد ثبت أن ذلك أمر ممكن رغم أن الاستكبار يعتبره ادعاءً مبالغاً فيه، لأنه سوف يبطل فلسفاتهم ويسقط أساليبهم.

    فبلوغ ذرى التقدّم العلمي عندنا سوف يفتح الباب واسعاً أمام شعوب العالم للانطلاق نحو الحياة الكريمة والفضلى، والغرب سوف يحبط محاولاتنا، فيما عزمنا وعزم شعبنا هما راسخين ولسوف نواصل المسيرة بكل ثقة بطاقات شبابنا".

    إن إحدى ضرورات الأخذ بالعلم والوصول فيه إلى درجات الأمم المنافسة تظهر في كلام الخامنئي في شعوره والأمة كلها معه بالاستفزاز في الكرامة والقدرة لهما، وباستخدام الغرب معايير التفوق والعنصرية والاعتدال ووصم خصومه بالإرهاب والتطرّف في كل مرة يصطدم الغرب بحركات استقلالية استنهاضية تريد شق طريق خارج عن التبعية للاستعمار، فقد دفع الشعب الإيراني غالياً ثمن حريته وكرامته وتعرّض لحصار غير مسبوق في التاريخ جاوز الثلاثين عاماً ولا يزال أمام صمت مريب لكل قوى الديمقراطية في العالم، فمعايير الاعتدال والديمقراطية إنما تطبّق داخل دول الغرب وفي العلاقات بينها، ولكن الأمر يختفي فجأة وتتعطّل كل القيم الإنسانية وتحديداً قيم الحق والعدالة والحرية عندما يبدأ تعاطي الغرب مع دول الاستضعاف، أو عندما تواجه الدول الإسلامية الكيان الصهيوني المزروع أصلاً في قلب العالم الإسلامي كلك، فقد وصف الإمام الخامنئي عنجهية الغرب هذه واستفزازه للأمة بالقول:

    "لقد وجّه الغرب العديد من الإهانات لشعب وحكومة إيران، فقد قال أحد الأميركيين يجب استئصال جذور الشعب الإيراني، وقال آخر لاحقاً: إن الإيراني الجيد والمعتدل هو الإيراني الميت، هكذا أهين الشعب وفرضوا عليه الحصار لمدة ثلاثين سنة، وانتهى الحظر لصالح الشعب والحكومة في إيران فيما ذنب هذا الشعب دفاعه عن هويته واستقلاله".

    ولعلّ ذكر هذه السطور إنما بغرض الإشارة إلى أن الإمام الخامنئي إنما يريد استثارة الحمية الشخصية والوطنية والإسلامية لتعزّز حافزية الأخذ بالعلم، وشحذ الهمم للانطلاق بالعلم وتوجيه رسالة للغرب ولسائر الأمم إلى موقف المسلمين من العلم وقدرتهم على التعاطي معه بكفاءة عالية وصولاً إلى تقديم نموذج تحثّ به إيران كل الدول المستضعفة أن تحذو حذوها في التحرّر والاستقلال وصناعة القرار الوطني بكل كرامة واقتدار.

    تابع/ح 2

    تعليق


    • #3
      تابع/ح2



      3- رسالة الجمهورية الإسلامية والدور المناط بها إنسانياً وعالمياً:

      في كلام الإمام الخامنئي في خطبة له بحضور وزير العلوم وأساتذة جامعة طهران حدّد إحدى مرتكزات رؤيته للعلم بالقول: "إن الثورة قامت على أساس العلم"، قاصداً كل العلوم اللازمة لإنجاح الثورة: علوم الدين وعلوم الدنيا، وقد جرى تسخير كل العلوم في اتجاه الهدف الإنساني والعالمي للثورة، نافياً بذلك كل ادعاء لمسافة أو اتهام بأن الثورة تجافي العلم والتطور والتنمية، ولم تكن تلك الادعاءات إلا في إطار الحرب النفسية ضد الثورة ومحاصرتها أمام جمهور الناس عندما أسقط في يد أعدائها وتبيّن لهم أن الثورة ليست انقلاباً على السلطة أو مجموعة من مجازفين أو ضباط يريدون إزاحة أطراف ومصادرة مناصبهم. ثم يتابع الإمام في نفس الخطبة ليحدّد توجّهات الثورة واهتماماتها داخل الجمهورية وخارجها، ويربط بين الأهداف السامية للثورة ومتطلبات ترجمة هذه الأهداف ومواجهة التحدّيات المتحرّكة في الزمان والمكان: "فقضية دولتنا وثورتنا ونظام الجمهورية الإسلامية في عالم اليوم ليس متعلّقاً بدولةٍ أو شعبٍ من بين عدة مئات من الشعوب الأخرى. لا شكّ بأنني في بعض الأحيان أذكر في محضر تجمّع ما أن أرضنا تمثل واحداً في المئة من مجموع دول العالم، وعدد سكاننا يقارب الواحد بالمئة من المجموعة البشرية في هذا العالم؛ ولكن القضية لا تتعلق بقناعتنا بالواحد بالمئة في غيرها من القضايا. فنحن لدينا رسالة. إيران الإسلامية لها رسالة أكبر من هذه الكلمات. لا علاقة للأمر بفتح البلاد والهيمنة أبداً. فلا يرد في خاطر أي إنسان مسلم أن يكون فاتحاً للبلدان؛ بل القضية قضية الرسالة تجاه البشرية. فالبشرية اليوم وكذلك في الأزمنة الماضية تعاني من ابتلاءات كبرى. مثلما أن لكل واحد منا مسؤوليات مشتركة تجاه أسرته ومدينته ووطنه، وإذا كنا نستطيع أن نفعل شيئاً لبلدنا ولم نفعل نكون قد ارتكبنا ذنباً؛ فإذا كنا نستطيع أن نزيل غبار الهم عن وجه شعبنا فقد ارتكبنا معصية؛ ونفس هذه القضية موجودة بشأن البشرية. فلو رأينا أن الناس في العالم يعيشون تحت ظل نظام سياسي باطل وقمعي وكنا قادرين أن نتقدم خطوةً من أجل نجاتهم ولم نفعل فنكون قد أذنبنا. فإذا رأينا أن قسماً مهماً من سكان العالم يعانون من الجوع والفقر والعوز وهم غرضٌ للبلاءات، وكنا قادرين أن نفعل شيئاً ولم نفعل فإن هذا يُعدّ ذنباً. وبهذه النظرة ينبغي أن نتطلع إلى قضايا البشرية وقضايا العالم. إذا كان هذا الأمر هكذا ينبغي أن يكون هناك بلدٌ مقتدر؛ فينبغي أن يكون الشعب والدولة ومؤسسات النظام والبلد قوية ومقتدرة. إذا لم نكن مقتدرين فإن القوى العالمية ستؤثر فينا، ولن يبقى مجالٌ لكي نؤثر حتى في جيراننا أو مواطنينا، فماذا بشأن كل البشر. فيجب الحصول على القدرة. ولا شكّ بأن هذه القدرة ليست في الآلات العسكرية. حتى أنها ليست في القدرة على الإنتاج والتقدّم التكنولوجي.

      فما هو مهمٌ بالدرجة الأولى في إيجاد القدرة الوطنية هو بنظري شيئان: أحدهما العلم والثاني الإيمان. فالعلم أساس القدرة؛ سواء اليوم وعلى مر التاريخ؛ وسوف يبقى الأمر كذلك في المستقبل. إن هذا العلم يؤدّي أحياناً إلى ابتكار أو اختراعٍ ما وفي بعض الأحيان لا يكون كذلك. وكذلك المعرفة فإنها أساس الاقتدار؛ وهي تخلق الثورات؛ وتؤدّي إلى الاقتدار العسكري والسياسي. ففي رواية قيل: العلم سلطان من وجده صال به، ومن لم يجده صيل عليه. أي أن للقضية بعدين: إذا كنتم تمتلكون العلم يمكن أن تكون لكم الكلمة العليا واليد العليا –(صال) يعني هذا – وإذا لم تمتلكوا ذلك فلا يوجد حالة برزخية بل صيل عليه، فالذي يمتلك العلم يكون له اليد العليا عليكم؛ وسوف يتدخّل في ثرواتكم وفي مصيركم. وإن كنوز المعارف الإسلامية مليئةٌ بمثل هذه الكلمات...".



      لقد كانت ثمرات الثورة الإسلامية أنها كانت شعلة الأمل الحقيقية لتجربة نموذجية ورائدة ينطلق بها المجتمع والدولة نحو نهوض حقيقي بعد حقبات من الظلام والتخلّف، نهوض يسمح لها بقول ما تريد للعالم، ويسمح لها بدعوة العالم إلى دين الله وتقديم التجربة الإسلامية الحقيقية بعد قرون وقرون من العبث والتخلّف، وليس الدافع فقط ما يحقّقه العلم من ثراء وقوة ونفوذ سياسي أفضل في عالم السياسة، وإنما ثمة دافع ديني شرعي يعيش في أعماق كل مسلم لتقديم المثل الحي لدولة العدل الإسلامية، هذه التجربة التي يحلم بها السائرون على نهج الإسلام الحقيقي والتوّاقون لتجسيد مدرسة النبوة وأهل البيت، والتي لم تسمح لها التطورات التاريخية داخل البنية الإسلامية من الظهور والتعبير عن نفسها وتقديم التجربة بالحد الأدنى، إن الوصول إلى هكذا حلم شجاع متوقد لن يكون بالأماني وبرجز الشعر وإنما بالكفاح والعمل استناداً لرؤية علمية تعي العلم سلاحاً وتتعاطى مع العلم كسلطان حاكم، من امتلكه صال به ومن نأى عنه صيل عليه، وليس أبلغ من تعبير "صال به" ليصف الإمام حال الدول المستكبرة كيف تصول وتجول وتتحكّم بمعايير الحق والعدالة وتبث مفاهيم ترفض تعريفها دولياً كمفهوم الإرهاب مخافة أن ينطبق المفهوم على الكيان العنصري الصهيوني وكل ذلك يجري بامتلاك سلاح العلم والتقانة وحرمان الآخرين منه في احتكار ظالم، كثيراً ما ولّد الثورات المتنقلة في العالم، في تأكيد أن العلم وسلاح العلم بمفرده لم يكن يوماً ليجلب السعادة والاستقرار للإنسانية والشواهد أكبر من أن تحصر في هذه السطور.

      إيران التي سبق وتحدّث عنها الإمام فيقول: "إن العلاقات الدولية تقوم على الغلبة والقوة، فالقوى الدولية تملي قراراتها على الآخرين استناداً إلى ما تملكه من قوة وسيطرة بعيداً عن العقل والمنطق، وأما جريرة العديد من الحكومات أنها ترضخ لمثل هذه القوة بلا أدنى رفض أو مقاومة، ولذا، أصبح من الشائع أن تقوم الغطرسة على القوة، وخير مثال على ذلك قضية الطاقة النووية ومسألة الشرق الأوسط، إن العلم هو الذي يرقى بالبلدان إلى ذروة القوة والاقتدار واكتساب العلم والمعرفة هو الذي يوصل إلى الاستقلال والكرامة ونبذ التبعية".

      ثم يشدّد في موقف آخر على الدور المفصلي للعلم في التحرّر والانطلاق نحو صناعة بلد آمن ومستقبل مشرق فنراه يقول: " فما هو السبيل للحصول على هذه القوة (الاقتصادية والسياسية والنفوذ الثقافي)؟ إن أصل وأساس كل ذلك هو القوة العلمية! إنّ الشعوب التي تتمتّع بالقوة العلمية هي التي تستطيع إيصال صوتها إلى جميع سكان المعمورة، وأن تستحوذ على سياسة أقوى ونفوذ سياسي أفضل في عالم السياسة، ومن هنا ينتعش الاقتصاد، فالمال مصدره القوة كما هو الحال في هذا العصر.

      إنّ من الممكن أن يتحوّل إلى ثراء فيرتفع المستوى الاقتصادي.

      وهي هي أهمية العلم والمعرفة.

      لقد تأخرنا علمياً، ليس فقط خلال مرحلة الخمسين عاماً من الشؤم في العصر البهلوي (حيث جرّدوا هذا الشعب من كل مكتسباته العلمية خلال تلك الفترة، وهي قضية مهمة تحتاج إلى تحليل تاريخي واجتماعي) بل وحتى قبل ذلك.

      إنّ الحقبة القاجارية والبهلوية هي مظهر هذا التخلّف العلمي.

      ولكننا نبذل قصارى جهدنا اليوم لإصلاح ما فسد.

      إن واجب جميع الجامعات هو أن تعمل بجد على سد هذا الفراغ العلمي، وأن ترفع من مستوى أدائها الدراسي قدر الإمكان ".

      وفي مطالعة خطب الإمام عن العلم، يتوقف المرء أمام التكرار لأهمية العلم وربطه بالدور المناط بالجمهورية إقليمياً وعالمياً، ويمكننا فهم هذا التكرار تشديداً في ربط توجّه الأمة نحو العلم، وإثارة الأجواء نحو الجهاد العلمي الذي دعا إليه والذي كنا قد بينّاه في الفصول السابقة، فيقول في خطبة أمام رؤساء الجامعات ومؤسسات التعليم العالي ومراكز الأبحاث

      "مع أن الحديث عن العلم أصبح مكرراً، إلا أنه في الوقت نفسه يحتاج إلى التكرار وعلينا أن نتكلّم بملء أفواهنا وبكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، بالقدر الذي يكون كافياً للإيمان بهذه المسألة الضرورية، ونقوم بإنقاذ البلد من المرض المزمن الذي أُبتلي به على مدى العهود المتمادية، ليتجه نحو الاهتمام بالعلم والتركيز على البحث.

      بناء على ذلك، فإنّ العلم هو مسألة حياتية بالنسبة لحاضرنا ومستقبلنا، فإذا ما افتقرنا في المجال العلمي، فإنّ أي عمل آخر نقوم به، سوف يكون عقيماً ومن ودون نتيجة.

      إنّ طاقتنا البشرية للغور في ميدان العلم، والتقدّم فيه طاقات جيدة، فهي أفضل وأعلى من معدّل الطاقات التي يمتلكها أفراد العالم، وهذا يعتبر من المسلّمات في الوقت الراهن ".

      فالرسالة التي تحدّث عنها الإمام والتي استعرضناها في أول الفصل تبدأ إرهاصاتها في إنقاذ البلاد من براثن الجهل والتخلّف، ثم لتنطلق في مراكمة المعرفة والتجربة والبحث العلمي وصولاً إلى التأثير وقيادة الأمة نحو النجاحين اللذين ينتظرانا: نمو وتقدّم في الداخل وتقديم النموذج لسائر الأمم، وصولاً إلى التدخّل لإحقاق الحق الدولي ومنع الباطل الدولي. ثم يعطي الإمام النموذج الحي عن عقبات تحقيق رسالة؛ فرسالة إيران هي اكبر من هذه الكلمات: منع الظلم في العالم، تحقيق العدالة بين الأمم، مساعدة الأمم الضعيفة على النهوض، لأجل ذلك ينبغي أن تكون إيران بلداً مقتدراً، مؤهلاً للقيام بهذا الدور العظيم ولأجل ذلك يتطلب الاقتدار الوطني العلم والإيمان: العلم يؤدّي للثروة والاقتدار السياسي والعسكري... هذا هو تفسير رواية: العلم سلطان، فمن يمتلك العلم يمتلك اليد العليا، وهذه اليد إمّا لكم وإمّا عليكم ولا حالة برزخية، وإذا خسرتم ميدان العلم فستجدون من يتدخل في قراركم وثرواتكم وفي مصيركم... بهذه الكلمات حدّد الإمام أخطر وأوضح المرتكزات التي يؤسّس عليها رؤيته للعلم: العلم معيار الغلبة أو الهزيمة وهو يتحرك بالتكامل مع معيار الإيمان الذي يقود نحو الإرادة ثم كسر الموانع نحو تحقيق النصر من خارج الموازين الوضعية.

      ويحذّر الإمام في إحدى الخطب السابقة من الاعتماد على الآخرين في طلب العلم، فيصف العلم بأنه "أساس التقنية المتطورة وتقدّم الحضارة المادّية والمدنية المتعلقة بالمسائل الحياتية، ولو كان همّكم الاعتماد على الآخرين في هذا العلم والقيام بعملية الاستهلاك فسوف لا تتمكنوا من تحقيق أي هدف"؛ فالعلم ليس سلعاً استهلاكية نستوردها، بل على الأمة إيجادها وإلا حرمت منها، وهذا هو تماماً ديدن الغرب في التعاطي مع ملف الطاقة النووية السلمية لإيران: لا يريد الغرب امتلاك إيران لتقنية الطاقة النووية السلمية لكي تبقى محتاجة لهم وأسيرة قرارهم السياسي يعطوها متى رضوا ويحرمونها متى خرجت إيران من منظومتهم السياسية والاقتصادية".











      http://www.almanar.com.lb/adetails.p...=41&eid=720509

      تعليق


      • #4
        22/1/2014


        الرؤية العلمية لدى الامام الخامنئي:

        أي تقدّم علمي يتحدّث عنه الإمام؟


        "الرؤية العلمية لدى الإمام الخامنئي"، سلسلة حلقات يغوص فيها الدكتور عبد الله زيعور- مسؤول هيئة التعليم العالي في حزب الله - بتحديد موقع العلم الخاص والمميز من شخص الإمام الخامنئي قبل الثورة وبعدها (مشروع النهضة والاقتدار)، ويُشار إلى أن هذه السلسلة صدرت في كتاب حمل نفس العنوان، عن دار المعارف الحكمية.

        الحلقة الثالثة:

        أي تقدّم علمي يتحدّث عنه الإمام؟




        ثمة كلاماً متنوّعاً ذكره الإمام في أزمة مختلفة حول التقدّم العلمي في الجمهورية: ماهيته، دوره، عناصره، وقد بدت لنا الصورة الجلية لما يريد من التقدّم، وعن أي تقدّم علمي يتحدّث، عندما بدأ يؤسّس للنموذج الإسلامي الإيراني للتقدّم بشكل انفرد به عن غيره من سائر قادة العالم الثالث الذين عرفناهم طيلة قرون عدة، فيقول في إحدى خطبه أمام جمهور من أهل العلم والبحث العلمي:

        " إن ركب التقدّم انطلق مع انطلاقة الثورة وأن الاعتقاد بأن التطور العلمي عندنا يجب أن يكون مناطاً بالنماذج الغربية هو خطر داهم على بلدنا ككل، فالتقدّم هو تقدّم الغرب، بينما الآخرون لا يزالون في تخلّف، هذا هو النموذج الغربي للتقدّم.

        إن علينا البحث عن نموذج إسلامي – إيراني للتقدّم وهذه مسألة حيوية لنا، وهذا النموذج لا بدّ وأن يكون قائماً على المثل النظرية والفلسفية الإسلامية ومبادئ الإسلام في معرفة الإنسان، وشعبنا هو قادر على تقديم نموذج إسلامي.

        ثمّة بوناً شاسعاً بين نظرة المجتمع الغربي والفلسفة الغربية للإنسان، وبين نظرة الإسلام للإنسان، وهذا التفاوت عميق وثمّة معنى آخر للتطوّر في المنطق والفلسفة الغربية للتطور؟؟ التقدّم عند الغرب هو التقدّم المادّي، والملاك هو الربح المادّي، فكلّما كان الربح المادي أكبر كان التقدّم أكبر، فالمعيار هو تضاعف السلطة والثروة المادّية، وهذا يعني التضحية بالأخلاق والقيم المعنوية، أما التقدّم من وجهة نظر الإسلام فهو تقدّم مادّي ولا غبار عليه، لكن بشرط أن يكون وسيلة لا غاية؛ فالغاية هي رفعة وسمو الإنسان وتقوية الهوية الإنسانية للإنسان، والتقدّم الذي ننشده، نريده ليكون لصالح كل البشرية والإنسانية لا الإنسان الإيراني فقط ".

        فالتقدّم بنموذجه الإسلامي الإيراني إذن يتعارض وبالعمق مع مفهوم التقدّم المادّي للغرب، حيث المعيار هو المنفعة المادية، بحيث يصح التقدّم كلما كبرت المنفعة المادّية فيما المفهوم الذي يريد الإمام تقديمه إنما ينبع من الأصول والقواعد الإسلامية المرتكزة على رفعة الإنسان وعلو إنسانيته، ولا نغفل هنا، أنّ التقدّم الغربي أنتج قوّة نووية كافية لتدمير الكرة الأرضية أربع مرات!!

        وفي إطلاق عبارة "المفهوم الإسلامي الإيراني للتقدّم" يقول الإمام:

        "إننا قد اخترنا كلمة تقدّم بدقّة، ولقد تعمّدنا تجنّب استعمال كلمات تنمية؛ لأن الكلمة تحمل في طياتها وجهة قيمية مفهومية، وتتضمن التزامات لا ننسجم معها أحياناً ولا نوافق عليها، نحن لا نريد أن نزج بمصطلح عالمي معروف ومركز ذي معنى خاص داخل فريق عملنا، نحن نطرح المفهوم الذي نريد. هذا المفهوم هو عبارة عن "التقدم" الذي يتحدّد في مجال محدّد واتجاه محدّد، وهذا تماماً كمثال الثورة التي لم تستخدم كلمة "الإمبريالية"، بل استخدمت كلمة الاستكبار.

        وبما أن الظروف التاريخية والجغرافية والثقافية والمناخية والجغرافية السياسية كلها تؤثر في هذا النموذج، وهذا صحيح بالطبع، فإن المفكّرين الإيرانيين هم مصمّمو هذا النموذج، وهذا سبب وجيه لتسميته بالإيراني، أي إننا لا نريد أن نستورده من الآخرين، بل نريد أن نحدّد ما نراه مناسباً ومفيداً لبلدنا، وما يمكّننا من صناعة مستقبلنا. بناءً عليه، فإن هذا نموذج إيراني، ومن جهة أخرى هو إسلامي، لأن أهداف هذا العمل وغاياته وقيمه ونماذجه تأخذ مادتها الأساسية من الإسلام، وكونه إيرانياً إسلامياً لا يعني مطلقاً أننا لن نستفيد من إنجازات الآخرين، فنحن لا نضع لأنفسنا أي حدّ على طريق تحصيل العلم".



        إن الشروع في خطى التقدّم تتطلّب ما دأب الإمام على تسميته:

        الخطة العلمية للبلاد: فالتقدّم أمر لن يحصل إلا على المدى الطويل، أو المتوسط في أحسن الأحوال، والنموذج الإسلامي للتقدّم سيكون مستنداً حاكماً على جميع أصول البرامج والرؤى المستقبلية والسياسات في البلاد، ويتحدّث الإمام دوماً عن الرؤية العشرينية ورؤية العشرة أعوام والتي يجب أن تكون السياسات العامّة على أساسها. ويصف الإمام هذا النموذج بالمرن وغير النهائي، وإنما مقتضيات الزمان المتجدّدة ستوجب إحداث تغييرات عليه، فالأهداف محدّدة لكن الاستراتيجيات يمكن أن تتعدّل وفق الظروف المختلفة. وبالدخول في عمق المواصفات المطلوب للخطة العلمية للبلاد يقول الإمام:

        "ينبغي على الجميع أن يكونوا ملتزمين بها. فهي أولاً بحاجة إلى برنامج تنفيذي. وعلى مسؤولي أجهزة الحكومة أن يجلسوا لإعداده حتى يمكن نقلها إلى مرحلة الإجراء والعمل. وبتعبير أحد السادة، لا ينبغي أن نكتفي بإنتاج العلم دون نشره. أو نضعه جانباً، ولا نستفيد منه؛ فعلينا أن نستخدمه. وثانياً، يجب أن تكون الخطة العلمية الجامعة حيوية ومتجدّدة وقابلة للتحديث، فنحن لا نريد إعداد شيء لسنوات مديدة. فهي متعلقة بأيامنا هذه، ولربما نحتاج بعد خمس سنوات إلى تعديل بعض أقسامها؛ وعلينا أن نفعل ذلك. فالخطة ينبغي أن تبقى قابلة للتحديث وحيوية. ويجب أن يكون هناك من يراقب ويتابع هذا الأمر. وثالثاً، يجب إعداد البرامج المتعلّقة بالخطة الخمسية للتنمية فيما يتعلق بالعلم والتعليم العالي وفق هذه الخطة وبدقة. ويجب أن تكون البرامج تابعة لها، وكذلك ضرورة العمل بقوة على الإشراف وقد ذكر أصدقاؤنا ذلك.

        النقطة الأخرى، هي أن تكون التنمية في مجال التعليم العالي متوجهة نحو الأهداف، وعلى مسؤولي التعليم اجتناب التنمية غير الهادفة بشدة؛ لأن فيها إهدار للمال وإهدار للموارد البشرية، وعلينا أن ننظر إلى ما نحتاج إليه وما هو الهدف، وإلى أين نريد أن نصل؟ وعلى أساس ذلك تكون تنمية وتطوير البيئة المتعلقة بالتعليم العالي، فنسير على هذا الأساس نحو أهدافنا. وبرأيي فإن هذه القضية حسّاسة جداً ومهمة، ويجب إحصاء الحاجات الأساسية للبلد في مجال العلوم والتكنولوجيا، وكذلك في مجال العلوم الإنسانية، والقيام بوضع الخطط على أساسها؛ فنكون على علم بالعدد المطلوب من الجامعيين والجامعات وما هي الفروع المطلوبة؟ وما هي المستويات اللازمة فيها ".



        وفي آليات الوصول إلى التقدّم، يطرح الإمام مفهوم السلسلة المتكاملة لمراحل التعليم التي من واجبها أن تنتج التقدّم، فالتقدّم لا يبدأ انطلاقاً من الجامعة، بل يبدأ من مراحل الدروس الأولى للأطفال، والتقدّم لا ينتهي أيضاً بالجامعة، وإنما من مسؤولية الجامعة تحقيق الارتباط مع مراكز الأبحاث والقطاع الصناعي والتقني في البلاد فيحدّد في خطاب له:

        "إن الجامعة ليست جزيرة مفصولة عن ما قبلها وما بعدها، فلو أردنا التمكّن من تحقيق التقدّم العلمي للبلد – بكل ما لهذه الكلمة من معنى – ينبغي لنا ضمان تحقيق هذه الظاهرة؛ على أن يكون الشروع في ذلك من الابتدائية حتى الدراسات العليا ما بعد المرحلة الجامعية، وصولاً إلى مراحل ما بعد الدراسات العليا في الجامعة، ومراكز الأبحاث، والتحوّلات التي حدثت في هذا الميدان، وارتباط ذلك مع القطاع الصناعي والتقدّم التقني في البلد، وإيجاد قفزات نوعية في التقنية على الأصعدة المختلفة في البلد، التي ترتبط فيما بعد بالمراحل الجامعية العالية، إلا أنّ ذلك كلّه يجب أن يبدأ من المراحل الابتدائية".

        ثم يتابع الإمام تحديده لآليات التقدّم مميزاً بين اكتساب العلم وإنتاج العلم، فهو لا يمانع من اكتساب العلم من كل جهات الأرض، لكنه يولي العناية الخاصة لإنتاج العلم كشرط لبلوغ التقدّم، البريء من التبعية والخنوع؛ لأن الغرب لا يريد لنا التقدّم ويمنع وسائله الفعلية عنا، ويرهن حصولنا على الوسائل بانقيادنا الأعمى لإرادته، فيقدّم في خطبة له يحدّد الإمام ملاحظات أربع رآها ضرورية لتحقيق حلم التقدّم إلى واقع، " وهي:

        1- إن التقدّم العلمي ضرورة حيوية للبلاد على اختلاف الحقول العلمية.
        2- يحصل التقدّم العلمي باكتساب العلم من البلدان والمراكز العلمية الأكثر تقدّماً، لكن اكتساب العلم شيء وإنتاج العلم شيء آخر.



        في قضية العلم يجب أن لا نربط عربتنا بقاطرة الغرب. طبعاً، لو كانت هذه التبعية لحصل تقدّم معيّن... هذا مما لا شك فيه، بيد أن التبعية، وعدم الإبداع، والخضوع المعنوي من التداعيات الحتمية لمثل هذه الحالة، وهذا غير جائز. إذن، علينا أن ننتج العلم بأنفسنا ونفجّره من أعماقنا. كل درجة يرتفع بها الإنسان في سلالم العلم تعدّه للخطوة اللاحقة والارتفاع إلى درجة أعلى. علينا مواصلة هذا التحرّك من أنفسنا وفي دواخلنا، وباستخدام مصادرنا الفكرية وكنوز تراثنا الثقافي.


        3- ينبغي أن يرفق هذا التقدّم العلمي الثقة بالذات أولاً، والأمل بالنجاح ثانياً، والحركة الجهادية ثالثاً، وهذا ما ينبغي أن يشكّل المنحى العام لحركتنا العلمية

        4- لا يجوز في هذه الحركة الركون إلى الكسل والتقاعس والنزعة الاتكالية. ينبغي العمل بطريقة جهادية . ليس الجهاد في سوح الحرب فقط، إنما لا بدّ من الجهاد في ميدان العلم أيضاً كسائر ميادين الحياة. الجهاد معناه العمل بلا توقف وتقبّل الأخطار – بالحدود المعقولة طبعاً – والتقدّم والأمل بالمستقبل ".

        ثم يربط في موضع آخر، عناصر التقدّم مع الإنتاج الوطني، باعتبار أن فلسفة التقدّم قائمة على الانتفاع به، وذلك عن طريق ربطه بعجلة الإنتاج الوطني والقومي، فلا معنى للتقدّم إذا لم يحل مشاكل الأمة وأزماتها، ويحل كل الاحتقانات الاقتصادية والإنتاجية الموجودة منها في داخل المجتمع نتيجة ضعف الأداء، أم في أشكالها الخارجية كالحصار الظالم، ومنع الأمة من الوصول إلى التقنية اللازمة لتنطلق كغيرها من الأمم، باعتبار أن ثمة من ماء الوجه والكرامة على الأمة أن تدفعه للوصول إلى التقنية، وهذا الثمن هو درب الجلجلة الذي تسير عليه غالبية، إن لم نقل كافة، شعوب العالم الثالث... إذن، للحصول على الثقافة من الغرب ثمن فادح وهو الاستقلال، وكثير من دول العالم الثالث فرّطت بهذا الاستقلال مقابل الحصول على هذا السلاح ، ولكن هذا السلاح غالباً ما كان يوظّف لاستقرار قادة الأنظمة ولإرهاب شعوبها وتنفيذ رغبات الغرب ومآربه الاستراتيجية، فيما القادة يعيشون هاجس البقاء على كراسيهم، وهكذا تتقدّم الأمة بالعلم؛ فالإبداع العلمي الذي يجب أن نربطه بالإنتاج القومي المؤدّي إلى الكرامة والنهضة في آن، فيقول الإمام في تعبيره عن التقدّم وربطه بعجلة الإنتاج.



        إن التقدّم المادّي للبلد يعتمد بالدرجة الأولى على عنصرين: الأول عنصر العلم؛ والثاني عنصر الإنتاج. فما لم يوجد العلم سيخفق الإنتاج. فالبلد يتقدّم بالعلم. وإذا وُجد العلم، ولكن لم يبنى الإنتاج على أساسه في تطوره وتكامله ونموّه، فإن البلد سيصاب بالجمود أيضاً. لقد كان العيب في مجال العمل في عصر حكومة الطواغيت هو أنه لم نكن نمتلك العلم؛ ولأننا لم نكن نمتلكه فلم يكن لدينا إنتاج يعتمد على أسس العلم إنتاجٌ متطور ومتكامل. لهذا فإن العالم عندما نزل إلى ميدان الصناعة تطور؛ فقارّة آسيا التي جاءت إلى هذا الميدان متأخّرة عن أوروبا تطوّرت؛ أما نحن وبسبب حكومة هؤلاء الطواغيت وغيرها من الأسباب بقينا متأخّرين. إذا أردنا أن نجبر ما فات – ونحن نريد، وشعبنا قد تحرّك في هذا الاتجاه وحقّق الكثير- فعلينا أن نولي اهتماماً للعلم والإنتاج؛ فيجب المتابعة في مراكز العلم، في مراكز الأبحاث بالمناهج الحديثة. ولعدّة سنوات وأنا أؤكّد على قضية العلم، والحمد لله فإنّ عجلات التقدّم العلمي والإنتاج العلمي قد انطلقت في البلد؛ لا شكّ بأن هذا ينبغي أن يتسارع، فنحن لا زلنا في أول الطريق.


        والثاني هو الإنتاج. الإنتاج سواءٌ في مجال الصناعة أو الزراعة يتمتّع بالأولوية. فالبلد غير المنتج سيُبتلى بالتبعية شاء أم أبى، ولو كان كل هذا النفط والغاز في العالم موجوداً تحت أرضنا وفي آبارنا فإنه لن ينفعنا؛ مثلما أنكم ترون بعض الدول التي تحتوي على ثروات هائلة من المعادن وغيرها – سواءٌ كانت ثروات الطاقة، أو المعادن النفيسة والنادرة – ومع ذلك فإنهم يعيشون عيشةً مأساوية فوق تلك الأرض المليئة بكل تكل الكنوز الباطنية. ينبغي أن يتقدّم الإنتاج في البلد وخصوصاً الإنتاج القائم على العلم والمعتمد على المهارات العلمية والتجريبية؛ وهذا الأمر بيد العامل ورب العمل. وإدارته بيد الدولة؛ وعليها أن تقوم بتنظيم الأمور وبذلك الجهد ".



        أما في مجالات التقدّم المنشود فيحدّد الإمام أربعاً أساسية منها تشكّل بمجموعها الإطار الكلي للتقدّم وهي:

        1- التقدم في مجال الفكر وصولاً إلى مجتمع مفكّر، حيث تعدّدت الآيات التي تصف "لقوم يتفكّرون"، "لقوم يعقلون"، وبحيث نحوّل توقّد الفكر والتأمّل والتدبّر في المجتمع إلى حقيقة ظاهرة، تبدأ من عموم النخب وتتدفق إلى عموم الناس.

        2- التقدّم في مجال العلم، العلم الذي هو محصول الفكر، وصولاً إلى الإبداع العلمي والتوجه نحو الاستقلال، والنهل من العلم ينبغي أن يكون بشكل عميق وبنيوي.

        3- التقدّم في مجال الحياة: الأمن، العدالة، الرفاهية، الاستقلال، الكرامة الوطنية، والحرية والتعاون والحكم.

        4- التقدّم في المجال الروحي، وهو أهمها، بحيث يتقدّم المجتمع باتجاه المزيد من المعنويات، فالمعنويات هي الروح للعلم والسياسة والحرية، ويمكن الاستحواذ على قمم العلم وفتحها بواسطة المعنويات، فعندما توجد القيم المعنوية يوجد العلم، وعندها تصبح الدنيا دنيا إنسانية.

        إن النموذج الكامل لتلك الدنيا سيتحقّق في زمان الظهور، ونحن اليوم نتحرّك في المجالات التمهيدية نحو العالم الإنساني.

        وبرأي الإمام أن التقدّم لا يُحرز إلا بروحية الشجاعة والثبات والتضحية داخل كل عالم أو باحث، فيحدّد لإحرازه عنصرين من الضروري أن يتوفرا في الجانب الشخصي للعالم: أولاً، مواجهة الخطر، وثانياً، العمل الشاق والدؤوب والجدّي دونما خوف من الفشل، وهذه من مميزات الغرب التي حملها باتجاه ثورته الصناعية التي سبّبت له السيادة على أصقاع الأرض.



        إن معالم التقدّم الذي أوضحه الإمام بكافة أبعاده: البعد الإسلامي للتقدّم متميّزاً عن المفهوم الغربي، والتقدّم المتكامل الذي يتأسس في كافة مراحل الدراسة وصولاً إلى الجامعة، والذي يمد أغصانه مع الأمم الأخرى، والقائم في أساسه على الإبداع والثقة وعدم الخوف، والمرتبط بعجلة الإنتاج القومي فيحل أزماته وينطلق به، إن هذا التأسيس للتقدّم إنما يتم استثماره باتجاه الرؤية العلمية الكبرى للأمة جمعاء، لنصل بالأمة إلى بر الأمان السياسي والاقتصادي والاستراتيجي، والوصول إلى هكذا مستوى من الأمان يتمظهر من خلال المعالم التي تسمح بالقفزة الواسعة الموعودة نحو القوة والعدالة، فيحدّدها الإمام بعوامل ثلاثة:

        "العامل الأول: تواجد جيل الشباب من الخريّجين في ميادين البحث العلمي والنشاطات السياسية والاجتماعية وبالملايين.

        العامل الثاني: عامل التجربة التي ساهمت في مواجهة المشكلات المختلفة من قبل نخب البلاد ومفكّريها ومسؤوليها.

        العامل الثالث: تحسّن البنى التحتية للبلاد، فالأشياء اللازمة للتقدّم الواسع في الاتصالات والمواصلات والبحث العلمي والبناء صارت متوفّرة.

        شباب بلادنا يصنعون وينتجون مصافي الطاقة ومحطّاتها. المراد من التقدّم هو أن يكون في جميع الجوانب، في الثروة الوطنية، في العلم والتقنية، في الاقتدار الوطني والعزة الدولية، في الأخلاق المعنوية، وفي أمن البلاد الاجتماعي والأخلاقي، أن نعطي أحسن ما عندنا وبأفضل طريقة، والتقدّم المراد يجب أن يكون مصحوباً بالعدالة، والعدالة كمفردة يجب البحث فيها بأن يشارك الجميع ويستفيد الجميع، وأن نخفض الفواصل الطبقية والجغرافية ونوفّر المساواة في الاستفادة من الإمكانات والفرص، ونكافح الفساد المالي والاقتصادي".

        تجدر الإشارة إلى أن المراد من التقدّم كما نصّ عليه الإمام، قد أرسى ركائز عميقة في نفوس الإيرانيين، فاليوم تعيش إيران نهضة تقترب من المعجزة، نهضة تتجلى في مستوى هائل من التقانة والإنتاج والنمو والتطور خلال ثلاثين سنة، وتستمر المسيرة الظافرة مع إعلان جديد للإمام الخامنئي بأن العشر سنوات القادمة ستوسم بعنوان: عقد التقدّم والعدالة؛ ما يعني اقتران الرؤية الساطعة للعلم والتقدّم مع التجربة الناجحة التي تتجلّى من خلال النجاح في النانو تكنولوجيا، والاستنساخ والاستنسال، وغزو الفضاء، والعدالة والكفاية الاجتماعية، والأهم تقديم النموذج الإسلامي الحي للتقدّم على مستوى تجربة بناء الدولة، أم على مستوى الحضور الإقليمي والدولي الريادي تجاه الدول الإسلامية، وتجاه قضايا العدالة والتحرّر والاستقلال لدول العالم المستضعفة.

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

        يعمل...
        X