إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مدمج (مواضيع شيخ حسين الاكرف )

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مدمج (مواضيع شيخ حسين الاكرف )

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

    :: مواقع مراجع الشيعة العظام ::
    1. موقع آيه الله العظمى السيد علي السيستاني.
    http://www.sistani.org/
    2. موقع آيه الله العظمى السيد محمد الشاهرودي.
    http://shahroudi.com
    3. موقع آيه الله العظمى الشيخ وحيد الخراساني.
    http://wahidkhorasani.com/
    4. موقع آيه الله العظمى الميرزا جواد التبريزي.
    http://tabrizi.org/
    5. موقع آيه الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم.
    http://alhakeem.com/
    6. موقع آيه الله العظمى الشيخ محمد اسحاق الفياض.
    http://alfayadh.com/
    7. موقع آيه الله العظمى فاضل اللنكراني.
    http://lankarani.com/
    8. موقع آيه الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني.
    http://ar.rohani.ir/
    9. موقع الشيرازي نت.
    http://www.alshirazi.net/
    10. موقع آيه الله العظمى السيد صادق الشيرازي.
    http://s-alshirazi.com/
    ومع السلامة.

  • #2
    الجهل في المجتمع - الإمام الشيرازي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
    الجهل في المجتمع - الإمام الشيرازي
    http://www.youtube.com/watch?v=dJcw_lAdQgg
    ومع السلامة.

    تعليق


    • #3
      شذرات من وصايا المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله)

      بسم الله الرحمن الرحيم
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

      شذرات من وصايا المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله)
      هذا التقرير يمثل مجموعة مقتطفات من توجيهات وإرشادات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف لمجموعات العلماء والزوّار والمقلدين خلال شهر شعبان المعظّم 1428 للهجرة.
      التسابق بالصالحات والإحسان في شهر رمضان المبارك
      إن المؤمنين تتفاوت درجاتهم ومراتبهم في الجنة، فقد قال الله تعالى: «هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون»، وقال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «عدد درج الجنة عدد آي القرآن». وفي القرآن 6666 آية، إذن وعلى هذا الأساس فإن درجات المؤمنين في الجنة ليست بمستوى واحد.
      في شهر رمضان المبارك ـ ونحن على أعتابه ـ تتفاوت أيضاً أعمال المؤمنين ومراتبهم. فبعضهم يكون سبّاقاً في طاعة الله وفي عمل الخير والصالحات، وبعضهم يكون على مستوى أدنى. وهذا الأمر يرتبط بتصميم المؤمن وعزمه وسعيه.
      من أفضل الأمور التي أكدتها الروايات والأحاديث الشريفة في شهر رمضان المبارك:
      1. طاعة الله، وذكره دائماً، والتوسّل إليه جلّ شأنه.
      2. الإخلاص في العمل.
      3. حُسن الخُلق.
      4. قضاء حوائج الناس.
      فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات أن يسعوا للالتزام بهذه الأمور أكثر وأكثر، وخصوصاً في شهر الصيام الفضيل. فكلما يلتزم المرء بهذه الأمور، ترتفع درجاته ويزداد أجراً. والقرآن الكريم يقول: «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».
      اعزموا على أن تكونوا من السبّاقين في عمل الخير والإحسان، ولكي تتوفقون في هذا المجال أكثر اطلبوا العون من مولانا الإمام بقية الله المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
      سيبقى نور أهل البيت وهاجاً ونبراساً رغم كل ممارسات ومحاولات الأعداء
      إذا كان المرء صاحب قوة بدنية، وثروة، وعلم، ولم يكن يعاني من أية مشكلة، وكان سليم البدن وفي راحة بال وكان في الوقت نفسه فاقداً للهمة، فهذا إنسان غير موفق. وفي هذا الصدد قال مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «ما رفع امرءاً كهمّته» .
      صحيح إن الزمان الذي نعيش فيه الآن هو ليس كزمن العثمانيين الذين كانوا يصبّون أذاهم على الشيعي لمجرد لعنه ليزيد بن معاوية مثلاً، لكن أعداء الإسلام اليوم قد جنّدوا إمكانات هائلة وضخمة جداً في ممارسة الإعلام الضال والمنحرف لمحاربة مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم. ومع ذلك سيبقى نور أهل البيت سلام الله عليهم وهاجاً ونبراساً لطلاب الحق والحقيقة والسعادة ورغم كل ما مارسه ويمارسه الأعداء. فقد ذكر لنا التاريخ أن الكثير من علماء الأديان والمذاهب الأخرى استبصروا بنور أهل البيت سلام الله عليهم، ولم يذكر حتى عالماً واحداً من علماء التشيّع أنه قد ارتدّ عن مذهب أهل البيت سلام الله عليهم.
      نعم كانت هنالك حالات نادرة وشاذة وهذه اختصت بأفراد عاديين ولم يكونوا علماء، بل ممن كان من أساسه خاوياً من الإيمان ومنقاداً لشهوات نفسه ولمكائد الشيطان وحيله.
      كل ما قام به العلماء الأجلاء من السلف الصالح في إرشاد الناس وهدايتهم إلى نور أهل البيت سلام الله عليهم كان في زمن كانت الشيعة فيه أقلية وكانوا معرّضين دوماً للقمع والاضطهاد والتعذيب والقتل، لكنهم بهممهم العالية استطاعوا أن يوصلوا لنا أمانة التشيّع ونهج أئمة الهدى الأطهار صلوات الله عليهم.
      لذا يجدر بالمؤمنين جميعاً أن يكونوا كالسيد مهدي القزويني أصحاب همم عالية ويعملوا على تعريف فكر أهل البيت سلام الله عليهم وثقافتهم وتعاليمهم للبشرية جمعاء، كل حسب طاقته وإمكانه، «فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا» كما قال مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه.
      حبّ الخير للآخرين من أرقى درجات الإيمان
      ورد في الحديث الشريف عن سيدنا ومولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»، إن للإيمان درجات، ونفي الإيمان في هذا الحديث الشريف هو نفي للدرجة الراقية والعالية منه. فيجدر بالمؤمن، سواء كان رجلاً أو امرأة، أن يحبّ لغيره ما يحبّه لنفسه. فالذي يحبّ الاحترام من الناس عليه أن يحترم الآخرين، والذي يحبّ أن لا يعرف أحد من هفواته شيئاً فعليه أيضاً أن يلتزم بهذا تجاه الآخرين، والذي يحبّ العطاء دون سؤال من غيره عليه أن يكون هو كذلك تجاه غيره، وما تحبّه الزوجة من زوجها من تعامل حسن وودّ واحترام عليها أن تعامل زوجها بالحسن والود والاحترام، وهكذا يجدر العمل به بالنسبة للأرحام والأصدقاء وغيرهم بعضهم تجاه بعض، فالمؤمنون كلهم كالجسد الواحد، كما صرّح بذلك القرآن الكريم والروايات الشريفة.
      إن العمل بهذا الحديث الشريف المرويّ عن مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله نتيجته الرقي إلى الدرجات العالية من الإيمان، ومن ثم نيل المنازل الرفيعة في الجنة. فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات كافة أن يعزموا ويصمموا على الالتزام بذلك، ومن يعزم ينل التوفيق.
      عمارة قلب الإنسان بطاعة الله تبارك وتعالى
      كل شيء له عمران وله خراب، فالدار مثلاً قد تكون معمورة وقد تكون خربة، والأرض قد تكون معمورة بالبساتين والمزارع والأنهار وقد تكون جرداء خربة، وعمار بدن الإنسان بالسلامة والصحّة وخرابه بإصابته بالأمراض. والشيء الخرب يكون ضرّه كثيراً أحياناً، فالعين التي لا تبصر تضر الإنسان بأن تجعله يعثر أو يسقط في حفرة. وهكذا ينطبق الشيء ذاته على اليد والرجل واللسان. وقلب الإنسان له أيضاً عمار وخراب، وعمارة القلب هي طاعة الله سبحانه وتعالى، كما يقول مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه في الصلاة الشعبانية التي تُقرأ عند الزوال في كل يوم: «اللهم صلّ على محمد وآل محمد واعمر قلبي بطاعتك».
      إن الله تبارك وتعالى أمر بأوامر ونهى عن أمور، وهي كلها تصبّ في مصلحة البشر في الدنيا والآخرة، سواء على مستوى الفرد أو العائلة أو المجتمع. فالذي يعرف أصول الدين وأحكامه وواجباته ومحرّماته وأخلاقه وآدابه ويلتزم بها يكون قلبه معموراً، والذي لايعرف هذه الأمور، أو يعرفها ولا يلتزم بها يكون قلبه خرباً.
      إن من أسهل الطرق التي تضمن عمارة القلب محاسبة النفس كل يوم ولو لدقائق. فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات كافة أن يصمموا على الالتزام بمحاسبة أنفسهم كل يوم، فإن وجدوا ما عملوه حسناً يشكرون الله عليه ويطلبون منه تعالى الاستزادة، وإن كان سوءاً استغفروا الله وعزموا على عدم تكراره، وكل من يواظب على هذا الأمر يصبح قلبه عامراً بطاعة الباري جلّ وعلا.
      إحياء سنن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله عبادة
      جاء في الصلوات المروية عن سيدنا ومولانا الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه والتي تُقرأ عند الزوال في كل يوم من شهر شعبان المعظّم: «اللهم فأعنّا على الاستنان بسنّته فيه، ونيل الشفاعة لديه». في هذا المقطع من الصلوات يطلب الإمام السجاد سلام الله عليه من الله تبارك وتعالى أن يعينه على الاستنان بسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله والعمل بها ونشرها والدعوة إليها.
      لقد سنّ مولانا رسول الله صلى الله عليه سنناً يجدر بالمؤمنين والمسلمين والناس أن يستنّوا بها ويعملوا بها ويدعو لها وأن يشجعوا الآخرين على العمل بها، فإن العمل بهذه السنن، سواء كانت الواجبة أو المستحبّة، نوع من العبادة وله آثار حسنة في الدنيا وثواب في الآخرة.
      من سنن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله المنسية والضائعة بين غالب المسلمين ـ مع شديد الأسف ـ هي مهر السنّة. فقد سنّ صلى الله عليه وآله للزواج الدائم سنّة بأن جعل مهره خمسمئة درهم فضة خالصة أي ما يعادل الكيلو و262 غراماً ونصف الغرام من الفضة، فجعل هذا المهر مهراً لمولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وعمل به الأئمة الأطهار وذريتهم. بل إنه صلى الله عليه وآله لما أراد أن يتزوّج من مولاتنا خديجة الكبرى سلام الله عليها لم يكن يملك شيئاً من المال ليجعله مهراً لها. فبعثت سيدتنا خديجة سلام الله عليها إليه أربعة آلاف دينار ليجعله مهراً لها، لكنه صلى الله عليه وآله لم يصنع ذلك، بل أخذ منه خمسمئة درهم فضّة وجعله مهراً لمولاتنا خديجة سلام الله عليها وصرف الباقي في إصلاح شؤون المسلمين.
      صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أجاز ـ تبعاً للقرآن الكريم ـ أن يكون المهر حتى قنطاراً من الذهب، لكنه صلى الله عليه وآله أراد من جعله مهر سيدتنا خديجة ومولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليهما خمسمئة درهم فضة أن يكون هذا الأمر سنّة يستنّ بها الناس. يجدر بأفراد المجتمع وخصوصاً المؤمنين أن يشجع بعضهم بعضاً على الالتزام بسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله هذه. فعلى الآباء والأمهات أن لا يطلبوا مهراً أكثر من مهر السنّة، وهكذا يجدر أن تعمل البنت، وحتى إن أعطى الزوج الثري مبلغاً كثيراً للمهر فيجدر جعل مقدار خمسمئة درهم فضة منه مهراً للزواج والباقي يحسب هبة أو هدية.
      إن سفرة زيارة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين هي سفرة طاعة وتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، استفيدوا من هذه الفرصة الثمينة بأن تعزموا وتصمموا على إحياء هذه السنّة في أنفسكم وبين أقربائكم وأصدقائكم وباقي الناس، وافشوا هذه السنّة لتكونوا من المساهمين في إحيائها؛ فإنّ يحيي سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله ينال حسناً في الدنيا، وفي الآخرة له أجر عظيم.
      من يواظب على التوبة يحظى بخير كثير
      إن الإنسان غير المعصوم يلم به ما لا ينبغي منه على شتى الدرجات، وفي شتى المستويات، فيصدر منه تضييع لحكم الله ولحقّ الله سبحانه وتعالى، وتضييع لحقوق الناس، وتضييع لحقوق نفسه التي فرضها الله عليه. فإذا عجّل بالتوبة فسيحصل على فائدتين:
      الأولى: لاينسى المعاصي، أي يتذكرها فيستغفر.
      الثانية: يموت وهو تائباً.
      يقول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيّته لأبي ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه: «يا أبا ذر إنّ حقوق الله جلّ ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد، وإن نِعَم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين» .
      إنّ التوبة هي ندم الإنسان على ما صدر منه في الماضي مما لايصحّ، والعزم على ترك تكراره، وتأديته ما كان عليه من تقصير كأداء حقوق الله تعالى وحقوق الناس. فالذنوب مثلها كمثل القاذورات الظاهرية، والتوبة مثلها كمثل غسل القاذورات والتخلّص منها.
      أنتم أيها الزوّار الكرام في سفرة طاعة وعبادة وهي زيارة مراقد أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، استفيدوا منها بأن تصمموا على العمل بهذه الوصية الصادرة من مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، واعزموا على مواصلة العمل بها إلى آخر عمركم، فإنه خير لكم في الدنيا والآخرة.
      المؤمن الحقيقي لا يتأثّر بزلة غيره
      لو أنّ قلوبنا ارتبطت حقّاً بالله تعالى فهي لا تتغيّر بتغيّر القلوب الأخرى وإن كانت أحسن حالاً منّا سابقاً. ولئن قيل: «إذا زلّ العالِم يزلّ بزلّته العالَم»، فنرجو أن لا نكون ممّن يتأثّرون بزلّة العالِم، لأنّ ذلك دليل على خلل في كيفية ارتباطنا بالله تعالى.
      فلو كان شخص ما بنظرنا أكبر قدّيس أو عابداً ثم زلّ أكبر زلّة فيجب أن لا يتغيّر إيماننا أيضاً، إلاّ أن يكون إيماناً في الاسم فقط، ولنعرف أنّ الله ينظر إلى قلوبنا، وأنّه بمقدار لياقتنا يعطينا توفيقاً وقابلية وسعادة، إذ ليس من الحكمة ـ والله أحكم الحاكمين ـ أن يعطي إنساناً فوق لياقته واستحقاقه.
      وصايا للشباب والآباء والمسؤولين
      وصيتي لكم أيها الشباب الأعزّة أن تطالعوا بأنفسكم سيرة مولانا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، وأن تتأسّوا بهما، لكي تسعدوا في دنياكم وأخراكم.
      كما على المسؤولين وذوي المال والثروة وكذا الآباء أن يساعدوا في إعداد الأجواء الصالحة للشباب وإبعادهم عن الأجواء الملوثة والمستنقعات الروحية والفكرية، فهي أخطر من المستنقعات التي تغرق جسم الإنسان وتقضي على حياته المادية لانها تقضي على روح الانسان وتخلده في جهنم لا سمح الله. أسأل الله أن يوفّقنا جميعاً لتهيئة الاجواء الصالحة للشباب لتربيتهم كما أراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله.
      ومع السلامة.

      تعليق


      • #4
        إستفتاءات السيد صادق الشيرازي (دام ظله) حول التطبير والشعائر الحسينية

        بسم الله الرحمن الرحيم
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

        إستفتاءات السيد صادق الشيرازي (دام ظله) حول التطبير والشعائر الحسينية
        الرابط:
        http://arabic.shirazi.ir/upload/masa...er/letter1.htm
        ومع السلامة.

        تعليق


        • #5
          التطبير.. إستكمال الرجولة يوم العاشر!

          بسم الله الرحمن الرحيم
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
          اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

          التطبير.. إستكمال الرجولة يوم العاشر!
          يقع في عيني من يمتنع عن مواساة سيد الشهداء (عليه الصلاة والسلام) بدمه يوم العاشر من المحرم بمظهر ناقص الرجولة، سيما إذا لم يكن عنده عذر سوى سوى الخوف أو الحرج أو الوهم، ذلك لأن الرجولة تظهر في مثل هذه المواقف.
          وليس الأمر تحاملا من عندي، فإني أعلم بأن بعضهم سيشنّعون عليّ كثيرا بسبب هذه الكلمة، وستراهم يقولون: ”انظروا إليه كيف يتهمنا في رجولتنا لأننا فقط لا نطبّر“! ولكن هذه هي الحقيقة وهذا هو الواقع، مع اعتذاري.
          أما لماذا أقول أن من لا يطبّر فرجولته ناقصة، فبعيدا عن الفلسفة الشرعية للتطبير وبعيدا عن مناقشة استحبابيته التي تدل عليه الأدلة الشرعية، فإن التطبير نوع من أنواع إثبات الاستعداد النفسي والبدني لفداء سيد الشهداء (صلوات الله عليه) ونصرته والتضحية لأجله بالغالي والنفيس، وليس ثمة أغلى من الروح. ومن يمتنع عن ذلك خوفا أو رهبة من مشاهد الدماء المسالة فلا شك بأن رجولته ناقصة.
          إنه أيضا نوع من التدريب، فهو بمثابة التدريبات العسكرية التي يجريها المجنّدون عسكريا، إذ يكون حسن بلائهم في تلك التدريبات ـ برغم مشقتها ـ دليلا على رجولتهم وشجاعتهم واستعدادهم لخوض الحرب في سبيل الوطن وإثباتا لولائهم له.
          والذين يزعمون أن التطبير بلا فائدة؛ عليهم أن يدققوا النظر في تلك التدريبات العسكرية وفوائدها، فإن من أعظم فوائدها إزالة الخوف والرهبة من قلوب المجنّدين، وتوطينهم على القتال ومواجهة الحرب، وزرع قيمة الاستبسال في نفوسهم.
          والذين يرفضون التطبير بزعم أنه يسبب إضرارا في النفس ـ رغم أنه لا إضرار واقعا ـ هلاّ اعترضوا على كل تلك التدريبات العسكرية والمناورات الميدانية وطالبوا بوقفها لأنهم يروْن كمّ الإصابات والأضرار التي تسببها للأفراد والتي تصل في أحيان كثيرة إلى حد القتل الخطأ في المناورات الحربية التدريبية؟! أليس هذا يهون ـ في عرفهم ـ في سبيل التدريب على حمل السلاح والاستعداد لمواجهة أي عدو محتمل؟! فلماذا ينكرون على المطبّرين قيامهم بهذه التدريبات لتطويع النفس وتدريبها على المواجهة والاستعداد لنصرة صاحب العصر (أرواحنا فداه) حال ظهوره الشريف؟! ليكن فيها شيء من الضرر ـ جدلا ـ فما الضير إذا كان الهدف أهم وأولى وأسمى؟!
          لعلهم سيقولون الآن: ”إنه لو صدق أنه تدريب لسلّمنا.. لكنه استعراض لا أكثر، وإلا فلا يمكن مواجهة الآلات العسكرية الحديثة بآلة السيف القديمة“! وسيكون جوابنا: يبقى السيف رمز القوة والبطولة، وتبقى مزية التطبير في التدريب النفسي أكثر من البدني، فجرح النفس بحد ذاته وإسالة الدم بحد ذاتها يزيلان الخوف من النفس، وهذا ما يُراد. وبعدُ.. يبقى سيف ذو الفقار بيد صاحب العصر (عليه السلام) وبه سينتصر، فالله أعلم كيف ستكون سيوف المطبّرين يوم ظهوره ولعل الله (تبارك وتعالى) يجعل لتلك السيوف التي هي بيد أنصار وليّه ما ينسف آلات العسكرة الحديثة إعجازا. ونزيد في القول: ليكن التطبير استعراضا.. فإن كل شعائر الإسلام استعراض في واقع الأمر لإظهار عظمة وهيبة هذا الدين في عيون الآخرين.
          لا شك أن من كان يطبّر سيكون أكثر جرأة وشجاعة وأشد بأسا في الحرب حال ظهور الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) وأكثر اقتحاما في المعارك الإلهية، شأنه شأن ذلك المجنّد عسكريا المتلقي تدريبا جيدا، وقد أثبت ذلك أن انقداح شرارة المقاومة والانتصار على الصهاينة اليهود في جنوب لبنان إنما كان بدم المطبّرين في النبطية، فمن هناك ومن ذلك اليوم ومن ذلك الموقف انطلقت المقاومة. فالتطبير إذن يوطّن النفس على القتال، ويحيي الرجولة في الرجال، ويروي الشهامة والبطولة والفتوة في النفوس.
          أما غير المطبّر فسيعتريه الخوف على الأغلب وسيتراجع عن مواجهة العدو، وحتى لو أقدم على ذلك فلن يحسن بلاءً كما هو شأن المطبر الفدائي. وإن عدوّنا عظيم الخطر يوم يظهر صاحب العصر (صلوات الله عليه) وعلينا أن نستعد جيدا له من الآن، وليس أعظم من الاستعداد النفسي الذي يحققه التطبير، فإن النفس لو استعدت؛ لحقها البدن بالاستعداد.
          كن جاهزا يا هذا.. طبّر وتطهّر بدمك يوم العاشر فإنها دماء الحسينيين!
          ونسألكم الدعاء.

          تعليق


          • #6
            لماذا الزحف إلى قبر الحسين (عليه السلام) ولماذا التطبير وإسالة الدماء؟

            بسم الله الرحمن الرحيم
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
            اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

            لماذا الزحف إلى قبر الحسين (عليه السلام) ولماذا التطبير وإسالة الدماء؟
            منذ زمان حكومة بني أمية، مرورا بحكومة بني العباس وحكومة بني عثمان، إلى أن آلت النوبة إلى حكومة البعث المقبور في العراق؛ كان المؤمنون الذين يتوافدون على زيارة مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء المقدسة يتعرضون إلى صنوف التنكيل والعذاب، فقد كان همّ تلك السلطات الناصبية الغاشمة هو منع هذه الزيارة لمحو ذكر سيد الشهداء والأحرار صلوات الله عليه، فإن تذاكر الناس له ولثورته العظيمة يجعلهم يقتدون به ويستلهمون منه فيثورون على تلك الحكومات الظالمة، وهذا ما كانت تخشاه ولذا كانت تبذل كل ما في وسعها لإرهاب المؤمنين الزوّار بمختلف الوسائل، وكان من تلك الوسائل في عصر من العصور أنهم كانوا يقطعون يديْ ورِجْليْ كل زائر يقبضون عليه! ومع ذلك كان المؤمنون مستمرّين في الزيارة ولو زحفا بأبدانهم! ورفعوا شعارا هو بيت شعر يقول:
            لو قطعوا أرجلنا واليديْن نأتيك زحفا سيدي يا حسين!
            وكلما زاد النواصب والمعادون لأهل البيت حربهم الإجرامية ضد زيارة الحسين (عليه السلام) كلما زاد المسلمون المؤمنون إصرارا وتحديا، واليوم يكمل أتباع الأمويين والعباسيين والعثمانيين وأيتام البعثيين ولقطاء الوهابيين حربهم ضد الحسين وأتباعه وشيعته ومحبيه، فيقطعون طريق الزوار بالمفخخات والاغتيالات والأعمال الإرهابية المتنوعة، ومع هذا فإن المؤمنين على عهدهم ووفائهم يمضون قدما في زيارة إمامهم وسيّدهم (صلوات الله عليه) غير آبهين بشيء ولا تزيدهم الأعمال الوحشية التي تُرتكب يوميا ضدهم في العراق إلا شجاعة وعزيمة على ما هم عليه.
            وفي وسط هذه الأجواء، وكنوع من التحدّي العلني، يقوم جمع من المؤمنين المخلصين بتجسيد حيٍّ للشعار المذكور، فيزحفون نحو ضريح سيد الشهداء (عليه السلام) وهم يهتفون: ”لو قطعوا أرجلنا واليدين؛ نأتيك زحفا سيدي يا حسين“! مُبدين غاية الخضوع والتذلل لإمامهم، مستشعرين آلام أسلافهم الذين قُطعت أيديهم وأرجلهم، موطّنين أنفسهم على تحمّل المشاق في هذا السبيل، ومقدّمين صورة رائعة عن الاستعداد للتضحية ومواجهة الظالمين.
            فهذه هي الفلسفة العظيمة لهذه الشعيرة وغيرها من الشعائر الحسينية، كلّها تجسيد للمبادئ والمُثُل العليا التي يؤمن بها المسلم الوفيّ المخلص لأهل بيت رسول الله صلوات الله عليهم.
            وهذا العمل مستحب شرعاً لما فيه من تعظيم لله ولأوليائه عليهم السلام، ولما ينطوي عليه مما ذكرناه من غايات تصبّ في تعميق الروح الإيمانية لدى الأفراد. وإجمالا؛ فإن كثيرا من الشعائر الدينية إنما هي في الحقيقة إعادة تمثيل لما جرى، فإنكِ لو تأمّلتِ في شعائر الحج مثلا؛ لوجدتِ أن الطواف إعادة تمثيل لما صنعه إبراهيم عليه السلام، وكذا الصلاة خلف مقامه، والسعي بين الصفا والمروة تمثيل لما صنعته هاجر عليها السلام، وذبح الهدي تمثيل لما جَرى لفداء إسماعيل عليه السلام، وهكذا رمي الجمار والوقوف بعرفة وغير ذلك.
            والتطبير الذي هو إسالة الدماء من الرأس إنما هو من هذا القبيل أيضا، فهو إعادة تمثيل لما جرى على الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) في واقعة الطف، استشعارا لآلامهم، ومواساة لهم، واستذكارا لمحنتهم، وإظهارا للاستعداد للتضحية بالنفس لأجل نصرتهم وهي نصرة الدين والحق والعدل.
            وهذا العمل مستحب شرعاً، وقد أجراه الله تعالى على نبيّه إبراهيم (عليه السلام) فقد ورد في الحديث: ”أن إبراهيم عليه السلام مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرسا فعثرت به وسقط إبراهيم وشُجَّ رأسه وسال دمه! فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل عليه السلام وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه“. (بحار الأنوار ج44 ص243).
            ثم إن هذا العمل بنفسه مستحب لأنه نوع من أنواع الحجامة التي أوصى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصفها بأنها تغيث الإنسان من الأمراض، وهذا ثابت حتى في مصادر المخالفين، فقد رُوي عن ابن عمر قال: ”كان رسول الله يحتجم هذا الحجم في مقدَّم رأسه ويسمّيه أم مغيث“. (المعجم الأوسط للطبراني ج8 ص16).
            وعليه فالتطبير بنفسه مستحب، فإذا اقترن أداؤه بالمواساة لسيد الشهداء (عليه السلام) زاد استحبابه وكان خيرا على خير، وهو مفيد طبّياً وهذا ثابت عند الأطباء، فالذين يواظبون على أداء هذه الشعيرة المقدّسة يكونون أقل من غيرهم عُرضة للإصابة بالجلطة الدماغية، بل إننا نعرف بعض الذين نجوا منها بفضل التطبير. وهو أيضا يوطّن النفس على الشجاعة والبطولة وتحمّل الأهوال، فيكون نوعا من التدريب العسكري، وقد استخدمته الجيوش العثمانية في ما مضى لتقوية قلوب أفرادها.
            ونسألكم الدعاء...~

            تعليق


            • #7
              لماذا التطبير ؟!!

              بسم الله الرحمن الرحيم
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
              اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف



              لماذا التطبير ؟!!

              التطبير..
              حشود من الفدائيين يتجمعون ليلة عاشوراء هنا وهناك في مراكز مهيبة قد جلل جدرانها السواد، واشتعلت في جوانبها الأنوار الخافتة الحمراء، فيحلقون رؤوسهم بالمواسي، ويلبسون الأكفان البيض قطعتين: إزار ورداء، ويشدون في أوساطهم السيوف، ثم يخرجون في مواكب منظمة تتقدمها مشاعل حمراء، وتتقدم كل موكب جوقة من أصحاب الطبول والصنوج والأبواق، فيقرعون الطبول والصنوج، وينفخون في الأبواق، بقوة وعنف، ويهتفون من الصميم: ((حسين.. حيدر)) بطور حربي تزلزل الأرض، فتقشعر لها الجلود، وتنتصب لها كل شعرة في جلد كل من يسمعها من قريب أو بعيد. وتتجول المواكب أواخر الليل العاشر من المحرم بين مراكزها والعتبات أو الأماكن المقدسة الموجودة في بلادها، حتى إذا لاح الفجر وارتفع صوت الأذان خشعت الأصوات، فلا تسمع إلا همس المصلين، وإذا قرب طلوع الشمس تتجمع المواكب من جديد، فتصك الطبول والصنوج، وتزعق الأبواق، ويهتفون: (حسين.. حيدر) وتزلزل الأرض، وتقشعر الجلود، وينتصب كل شعرة في جلد من يسمعها من قريب أو بعيد، وتهب المدينة عن بكرة أبيها على الطامة الكبرى، وتزدلف الحشود على جوانب الطرق التي تجوبها المواكب، وتخرج المواكب من مراكزها.

              وفي كربلاء المقدسة تخرج عادة من مبنى المخيم منسابة إلى الأماكن المقدسة التي تنفض فيها، ثم لا ترى إلا السيوف التي تقطر الدم، والرؤوس المخضبة، والأكفان الحمر، والدموع التي تتحادر بلا استئذان، ولا تسمع سوى دوي الطبول والصنوج، وعربدة الأبواق، وأصوات الهاتفين: (حسين .. حيدر) وعويل النساء، ونشيد الرجال، وتنقلب المدينة كلها ملحمة هادئة حزينة يختلط فيها الدمع بالدم، وتتمزق القلوب أسفاً على أنّها لم تدرك الحسين (عليه السلام) فتنصره، ثم تسلي نفسها بأنّها إن لم تدرك شخصه لتنصره فقد أدركت تأريخه لتنصره فيه، وتواسيه في المصاب، وتقاسمه المأساة، ثم يتفرق الناس وكل فرد بركان صغير في صميمه النار، وفي قلبه ثورة، وفي عقله عبر وعظات لا تمسح لو عصف بها الدهر كله، وتصببت عليها البحار.

              وإنّني أتصور أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لو بعث لوجد في هذه المواكب أنصاراً إن لم يكونوا كثيرين فإنّهم لا يكونون أقل من الأنصار الذين يجدهم في غير هذه المواكب.

              وموكب التطبير أقدر موكب على إعادة ثورة الحسين (عليه السلام) إلى الحياة، لأنّ فيها كل ما في الحرب: الطبول، والصنوج، والأبواق، والسيوف التي تقطر دماً، والرؤوس المخضبة، والأكفان الحمر.
              والهيجة التي يحدثها موكب التطبير لا يحدثها أي خطيب ولا موكب، بما في ذلك موكب التمثيل، لأنّ موكب التمثيل وإن كان أدق في استعراض المأساة إلا أنّه تعوزه الواقعية، فكل من ينظر إليها يعلم أنّها تمثيلية لا واقع فيها، بينما يكون موكب التطبير غنياً بالواقعية، فها هي السيوف التي تقطر دماً، والرؤوس المخضبة، والأكفان الحمر.

              وهذه الواقعية الملموسة هي التي توفق موكب التطبير لأن يجلب الدموع الغزار أكثر من غيره، ويركز ثورة الحسين (عليه السلام) في الأعماق أقوى من غيره.

              وأما جواز التطبير على الإمام الحسين (عليه السلام) فهو جائز ذاتاً، ومستحب عرضاً، ولا يناقش فيه فقيه تأمّل وتدبّر، ولكن حيث وقعت حوله مناقشات بدوية نعمد فيه إلى شيء من التفصيل.
              وقبل كل شيء لابد أن نوضح جانباً من عظمة فاجعة الطف.

              فمأساة الإمام الحسين (عليه السلام) لم تكن من نوع بقية المآسي التي وردت على الأنبياء والأوصياء، فإنّ النبي والوصي والزهراء والزكي وثمانية من الأئمة من ذرية الحسين (عليهم السلام) قتلوا بالسيف أو السم، وكثير من الأنبياء والأوصياء وخيار المؤمنين الصالحين نشروا بالمناشير، أو قرضوا بالمقاريض، أو سلخت جلودهم، أو أحرقوا، أو طرحوا في الزيت المغلي حتى تفرقت لحومهم وعظامهم، فما بكت عليهم السماء والأرض كما بكت على الحسين (عليه السلام)، ولم يتغير الكون كما تغير على الحسين (عليه السلام).

              بكى الحسين (عليه السلام) كل شيء
              ففي العلل عن ميثم التمار، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ((يبكي عليه كل شيء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جو السماء، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجنّ، وجميع ملائكة السماوات، ورضوان ومالك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً)).

              وروى الشيخ في الأمالي عن الحسين بن أبي فاختة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ((إن أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) لما قتل بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن، ومن تتقلب في الجنة والنار، وما يرى وما لا يرى)).
              وفي جلاء العيون عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أنّ الحسين (عليه السلام) بكى لقتله السماء والأرض واحمرتا، ولم يبكيا على أحد قط إلا على يحيى بن زكريا، والحسين بن علي (عليه السلام)).

              وفي جلاء العيون ـ أيضاً ـ عن علي بن مسهر القرشي قال: حدثتني جدتي أنّها أدركت الحسين بن علي (عليهما السلام) حين قُتل. قالت: فمكثنا سنة وتسعة أشهر والسماء مثل العلقة، مثل الدم ما ترى الشمس.

              وعن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: ((إنّ السماء لم تبك منذ وضعت إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي (عليهما السلام)) قلت: أي شيء بكاؤها؟ قال: ((كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثواب شبه أثر البراغيث من الدم)).

              وروى ابن شهر آشوب في المناقب، عن نظرة الأزدية قالت: لما أن قتل الحسين (عليه السلام) مطرت السماء دماً، وأصبحت وكل شيء لنا ملئ دماً.

              وعنها : ((لما قتل الحسين (عليه السلام) أمطرت السماء دماً وحبابنا وجرارنا صارت مملوءة دماً)) .
              وعن قَرَضَة بن عبيد الله، قال: مطرت السماء يوماً نصف النهار على شملة بيضاء، فنظرت فإذا هو دم، وذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم، وإذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام).
              وعن أم سليم قالت: لما قتل الحسين (عليه السلام) مطرت السماء مطراً كالدم احمرَّت منه البيوت والحيطان .
              ومن خطبة العقيلة زينب في الكوفة: أفعجبتم إن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون.
              وفي بعض زياراته: بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها.. قتيل العَبرة .
              وفي تأريخ ابن عساكر والصواعق المحرقة لابن حجر: أن السماء مطرت دماً يوم قتل الحسين (عليه السلام) حتى صبغ البيوت والحيطان، وبقي أثره مدة طويلة.
              وفي تأريخ ابن عساكر والصواعق المحرقة لابن حجر: لما قتل الحسين (عليه السلام) لم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط.
              في جلاء العيون عن أم حيان، قالت: يوم قتل الحسين (عليه السلام) أظلمت علينا ثلاثاً، ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئاً فجعله على وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجراً في بيت المقدس إلا أصبح تحته دماً عبيطاً.
              وفي تأريخ ابن عساكر والصواعق: لما جيء برأس الحسين (عليه السلام) إلى دار زياد سالت حيطانها دماً.
              وفي كامل ابن الأثير: وخرجت نار من بعض جدران قصر الإمارة، وقصدت عبيد الله بن زياد، فقال لمن حضر عنده: أكتمه، وولى هارباً.
              وفي الكامل في التأريخ: ومكث الناس شهرين أو ثلاثة، كأنما تُلطّخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع.
              وفي الكامل والصواعق وتأريخ ابن عساكر وتذكرة الخواص وعدد كبير من التواريخ والمقاتل جمل متفرقة نجمعها فيما يلي: "ولما قتل الحسين أظلمت الدنيا ثلاثة أيام، واسودت سواداً عظيماً حتى ظن الناس أنّ القيامة قامت، وبدت الكواكب نصف النهار، وأخذ بعضها يضرب بعضاً، ودامت الدنيا على هذا ثلاثة أيام".
              وفي تأريخ النسوي عن الأسود بن قيس قال: لما قتل الحسين (عليه السلام) ارتفعت حمرة من قبل المشرق وحمرة من قبل المغرب، فكادتا تلتقيان في كبد السماء ستة أشهر.
              وعن الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ ). قال: إن الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين (عليه السلام) .
              وقال السيد ابن طاووس: .. فلما قتل الحسين (عليه السلام) ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا ترى فيها عين ولا أثر، حتى ظن القوم أنّ العذاب قد جاءهم، فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم.
              وفي جلاء العيون عن الفتح بن عابد: (كنت في كل يوم افتت الخبز لتأكله العصافير فتأكله، فلما كان يوم عاشوراء فتت لها الخبز فلم تأكله، فعلمت أنّها لم تأكله لعزائها على الحسين (عليه السلام).
              وفي الكامل عن الحارث الأعور. قال علي (عليه السلام): بأبي وأمي الحسين المقتول بظهر الكوفة، والله كأني أنظر إلى الوحوش مادة أعناقها على قبره ـ من أنواع الوحش ـ يبكونه ويرثونه ليلاً حتى الصباح، فإذا كان كذلك فإياكم والجفاء.
              وروى ابن قولويه في الكامل عن رجل من أهل بيت المقدس أنّه قال: والله لقد عرفنا ـ أهل بيت المقدس ونواحيها ـ عشية قتل الحسين بن علي (عليه السلام) . قلت: وكيف ذلك؟ قال: ما رفعنا حجراً ولا مدراً ولا صخراً إلا ورأينا تحتها دماً عبيطاً يغلي، واحمرت الحيطان كالعلق، ومطرنا ثلاثة أيام دماً عبيطاً).
              وفي الكامل ـ أيضاً ـ : (وانكسفت الشمس ثلاثة أيام ثم تجلّت عنها) .
              وروى الصدوق في الأمالي والعلل عن جبلة المكية، عن ميثم التمار أنه قال: يا جبلة، إذا نظرت السماء حمراء كأنّها دم عبيط فاعلمي أنّ سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) قد قتل. قالت جبلة: فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة، فصحت حينئذ وبكيت، وقلت: قد والله قتل سيدنا الحسين بن علي (عليهما السلام) .
              وفي الصواعق المحرقة، والمقتل للخوارزمي، والكواكب الدرية، والإتحاف، وتأريخ الخلفاء، ومجمع الزوائد كثير من المقاتل: لما قتل الحسين بن علي (عليهما السلام) كسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار، وزاد في مجمع الزوائد بعد كلمة انكسفت الشمس كلمة ((كسفة)) وفي الصواعق ذكر انكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار.
              وذكر أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة: مما ظهر يوم قتله الحسين (عليه السلام) من الآيات ـ أيضاً ـ أنّ السماء اسودت اسوداداً عظيماً حتى رئيت النجوم نهاراً.
              وفي الصواعق المحرقة: وأخرج أبو الشيخ: وأنّ السماء احمرت لقتله ـ الحسين (عليه السلام) ـ وانكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار، وظن الناس أنّ القيامة قد قامت.
              وفي الأحاديث الكثيرة أنّ الأئمة كانوا يحزنون أيام عشرة عاشوراء حتى إذا كان يوم عاشوراء ازداد حزنهم، وجلسوا في بيوتهم يبكون وينحبون، ويدعون كل شاعر إلى إنشاد مرثية عن الإمام الحسين (عليه السلام)، وكل موالٍ يزورهم يدعونه إلى البكاء على الحسين (عليه السلام)، وزيارة قبره.
              وفي عديد من الأخبار دلالة على محبوبية مشاطرة الإمام الحسين (عليه السلام) في كافة مصائبه من الحزن والخوف والجوع والعطش وغيرها. فيستحب صوم يوم عاشوراء من الصباح حتى ما بعد العصر مشاطرة للإمام الحسين (عليه السلام) في جوعه وعطشه.
              فقد روى الشيخ في المصباح عن عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في خصائص يوم عاشوراء: (صمُه من غير تبييت، وافطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كمُلا، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء) .
              مع العلم بأنّ هذا النوع من الإمساك ليس صوماً، لأنّ الصوم لا بد أن يبتدئ من الفجر حتى المغرب، وإنّما هو مشاطرة للحسين (عليه السلام) في جوعه وعطشه يوم عاشوراء، وقد دعا الإمام الصادق (عليه السلام) لمن يقوم بهذه المشاطرة قائلاً: رحم الله شيعتنا، شيعتنا والله المؤمنون، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة. ولو كان صوماً لكان مكروهاً، لما ورد في الكافي في الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام): أنّه سئل عن صوم تاسوعاء وعاشوراء فقال: (وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين (عليه السلام) صريعاً بين أصحابه، وأصحابه صرعى، أفصوم يكون ذلك اليوم؟ كلا ورب البيت الحرام، ما هو يوم صوم، وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام) .
              إذاً فلا صوم في يوم عاشوراء، وإنّما تستحب مشاطرة الحسين (عليه السلام) في مصابه، وإنّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا يشاطرون جدهم الإمام الحسين (عليه السلام)، فلا يشربون الماء في يوم عاشوراء.
              وقد شاطرته من قبله أغنام النبي إسماعيل (عليه السلام) ففي حديث أنّ أحد الرعاة كان يرعى قطيعاً لإسماعيل على ضفاف الفرات، فأخبره يوماً بأنّ الأغنام منذ أيام لا ترعى ولا تنهل، فناجى إسماعيل ربه في شأنها، فنزل جبرئيل وقال: يا إسماعيل اسأل الغنم عن سبب امتناعها عن الرعي والنهل، فسألها إسماعيل (عليه السلام) فأجابت بأنّ في هذه الأرض يذبح ابنك كبد رسول الله الحسين (عليه السلام) عطشاناً، ونحن لا نشرب الماء حتى نواسيه في عطشه.
              وحتى فرس الحسين (عليه السلام) شاطره في عطشه، ففي المقاتل: أنّ الحسين (عليه السلام) لما أقحم فرسه على الماء رفع الجواد رأسه وأبى أن يشرب الماء قبل الحسين (عليه السلام) .
              وقد شاطره في عطشه قبل استشهاده ابن عمه مسلم بن عقيل من حيث يعلم أولا يعلم، ففي عامة المقاتل: ولما أتي بمسلم بن عقيل إلى دار الإمارة طلب الماء، فأتي به، فكلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دماً من الجرح الذي أصاب فمه، وفي الثالثة ذهب ليشرب فامتلأ القدح دماً، وسقطت فيه ثناياه، فتركه وقال: لو كان من الرزق المقسوم لشربته.
              وإن أبا الفضل العباس (عليه السلام) لما خاض الشريعة وأخذ كفاً من الماء ليشرب تذكر عطش أخيه الحسين (عليه السلام) نفض الماء من يده مواساة للحسين (عليه السلام) فاستحق أن يقف الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم خاشعين أمام قبره إلى يوم القيامة ليرددوا: فنعم الأخ المواسي.
              وهل تستكثر على أبي الفضل مواساته لأخيه في عطشه، وقد ذكر الشيخ هادي الخراساني النجفي، في كتابه ـ عدة الشهور ـ: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وفاته دعا العباس (عليه السلام) فضمه إليه، وقبّل عينيه، وأوصاه، وأخذ عليه العهد: أنّه إذا ملك الماء يوم الطف أن لا يذوق منه قطرة وأخوه الحسين (عليه السلام) عطشان، وكيف يشرب أبو الفضل الماء، ومن جفاء المؤمن على أخيه أن يروى وهو ظمآن.
              ففي الكافي روى معلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) في تعداد حق المؤمن على أخيه المؤمن: ((والخامس: أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى)) .
              ولقد تعود المسلمون الإيثار في ساعة العسرة كما وصفهم القرآن بقوله: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).
              ففي غزوة (بدر) سقط عشرة من المسلمين صرعى يلفظون أنفاسهم الأخيرة، فحمل أحدهم الماء إلى أول صريع فآثر صاحبه، فجاء إلى الثاني ليسقيه فرفض أن يشرب قبل الثالث، ولما أتى نحو الثالث امتنع أن يستأثر بالماء دون الرابع، وهكذا أبى كل إلا إيثار الآخر على نفسه، حتى أتى على العاشر أمره بالرجوع إلى الأول، وعندما رجع وجده ميتاً، فأسرع نحو الثاني وكان ميتاً، وكذلك طاف عليهم واحداً بعد واحد فوجدهم قد ماتوا جميعاً عطاشى، وأصر كل واحد على أن لا يشرب الماء دون أصحابه.
              بل في تفسير علي بن إبراهيم في ذيل آيات المتخلفين عن غزوة تبوك: أنّ أبا ذر الغفاري مر بغدير فيه ماء بارد عذب وكان ظمآن، ولكنه أبى أن يشرب منه قبل رسول الله (ص) فاحتمل منه في قربة، وسار حتى إذا دنا من معسكر المسلمين أمر رسول الله (ص) بأن يحمل إليه الماء كيلا يضر به العطش.
              ويظهر من بعض الأحاديث أن الله أحب مواساة الحسين (عليه السلام) في مصائبه، فأشرك بعض أنببائه في بعضها.
              فإنّ سفينة نوح (عليه السلام) لما وصلت إلى كربلاء وجاءها موج فاضطربت حتى كادت أن تغرق، فنزل جبرئيل وقال: يا نوح، إنّ هذه أرض يقتل فيها سبط نبي آخر الزمان، وابن خير الأوصياء.
              وإنّ سليمان (عليه السلام) كان على بساط الريح يجوب الآفاق، تجري به الريح رخاءً حيث أصاب، إذ وصل إلى كربلاء فطافت به الريح حول نفسه ثلاثاً، ولما عاتب سليمان الريح أجابت: بأنّ في هذا المكان يقتل سبط أحمد المختار.
              وهكذا أشرك الله نوحاً وسليمان في أهوال هذه الأرض مع السبط الشهيد، كما أشرك الله عدداً من الأنبياء مع الحسين (عليه السلام) في إسالة دمائهم على تربة كربلاء.
              ففي أخبار معتبرة: أنّ آدم لما وصل إلى كربلاء وبلغ مقتل الحسين (عليه السلام) عثر بصخرة، فجرى الدم من قدمه، ثم أوحى الله إليه: أنّ في هذه الأرض سيقتل ولدك الحسين (عليه السلام) فأردت أن تشاركه في الألم والحزن، ويراق دمك عليها كما يراق عليها دمه.
              وإن إبراهيم (عليه السلام) كان يوماً راكباً جواده ماراً بصحراء كربلاء إذ كبا فرسه، وانقلب على الأرض، فأصيب رأسه بصخرة، وجرى منه الدم، فبدأ إبراهيم (عليه السلام) بالاستغفار، وقال: يا رب، أي ذنب صدر مني حتى استوجبت التأديب؟ فنزل جبرائيل وقال: يا إبراهيم، لم يصدر منك ذنب، ولكنه موضع يقتل فيه سبط محمد المصطفى ونجل علي المرتضى ظلماً وجوراً، فأراد الله أن تواسيه، ويراق دمك فيه.
              وإن موسى بن عمران مر بصحراء كربلاء مع وصيه يوشع بن نون، فلما دخلها انقطع شسع نعله، وأدمت الأشواك قدمه، فسأل الله عن سبب ذلك، فأوحى الله إليه: أنّ في هذه الأرض يراق دم عبدي الحسين (عليه السلام)، فأردت أن يراق دمك فيها.
              ففي مجموع هذه الأخبار دلالة على أنّ مصيبة الحسين (عليه السلام) لم تكن كباقي مصائب الأولين والآخرين، بل كانت مصيبة فجع بها كل ما خلق الله مما يرى وما لا يرى، وأصابت الناس والحيوانات والجمادات، وبكته الأرض والسماء، وسرت المصيبة إلى الآخرة، فبكى لها رضوان ومالك ولطمت الحور العين، وبكى كل من يتقلب في الجنة والنار، وندب عليها الأنبياء والأوصياء قبل ميلاده، وأقيمت له المآتم يوم ولادته، فلا بد أن يقام لها مقياس آخر غير مقاييس بقية المصائب مهما عظمت وعظم من يصاب بها.
              وفي الأخبار الأخيرة إشعار بأنّ الله أحب أن يشارك أنبياؤه الحسين (عليه السلام) في إراقة دمائهم على تربة كربلاء ولو كان عن غير قصد، فتكون في هذه الأخبار وحدها كفاية للدلالة على رجحان التطبير مواساة للحسين (عليه السلام) وأصحابه.
              وقد روى الصدوق في العلل، وابن قولويه في الكامل عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه: (وذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً) (لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)، بل كان نبياً من الأنبياء بعثه الله إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك عن الله تبارك وتعالى فقال: إن الله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين (عليه السلام) .
              وإذا كان صبر إسماعيل على سلخ جلدة وجهه ورأسه أسوة بالحسين (عليه السلام) مع أنّه لم يتعمد فعل ذلك بقصد الأسوة، بل سلخها قومه كرهاً، فإنّ التطبير بقصد الأسوة، يكون من أنواع الأسوة.
              وفي الحديث: ((أنّ رسول الله (ص) لما استوحش من عدم البكاء على عمه حمزة اجتمع نساء الأنصار يبكين على باب المسجد، وقد ذهب ثلث الليل، فلما خرج رسول الله (ص) ورآهن يبكين ويندبن عمه قال لهن: ارجعن يرحمكنّ الله، فقد واسيتن بأنفسكن)).
              وقد ورد في البكاء: أنّه إسعاد للزهراء (ع)، وصلة لرسول الله(ص) وأداء لحقه وحقوق الأئمة، ونصرة للحسين (عليه السلام) وأسوة بالأنبياء والأئمة والملائكة.
              وإذا كان بكاء أحد على ميت مواساة لأهله وإسقاطاً لحقوقهم لأنّه من مظاهر الحزن عليه فإنّ الإدماء الذي هو أظهر مصاديق الجزع أولى بأن يكون أسوة ومواساة، ومشمولاً بالحديث الذي رواه السيد ابن طاووس في كتابه المقتل عن الإمام السجاد: (أيما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

              تعليق


              • #8
                ويدل على جواز التطبير أمور:
                (1) أصل الإباحة الحكم عند عدم وجدان نص على الخلاف، وليس في المصادر الفقهية الموجودة بأيدينا دليل على حرمة الجرح أو الإدماء.

                (2) صدور الإدماء من بعض أهل بيت الحسين (عليه السلام) وتقرير الإمام السجاد (عليه السلام)، ففي الخبر المصحح: أن زينب الكبرى (عليها السلام) لما رأت في الكوفة رأس أخيها على رأس رمح، نطحت جبينها بمقدم المحمل حتى رئي الدم يخرج من تحت قناعها.. وكان في وسع الإمام السجاد (عليه السلام) أن ينهاها عن هذه العملية، ولكنه لم ينهها، وعدم نهيه دليل موافقته.

                (3) ورود الأدلة بجواز خمش الوجوه في مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام)، وخمش الوجه يلازم الإدماء، فإذا جاز خمش الوجه فقد جاز الإدماء.
                فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث موثق أنّه قال: (على مثل الحسين (عليه السلام) فلتشق الجيوب، ولتخمش الوجوه،ولتلطم الخدود).

                (4) صدور الإدماء من الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقد روى المجلسي في البحار وفي جلاء العيون: (أن زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة صائماً نهاره قائماً ليله، فإذا حضر الإفطار جاءه غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول: كُلْ يا مولاي، فيقول: (قُتل ابن رسول الله (ص) جائعاً، قُتل ابن رسول الله (ص) عطشاناً)، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبّل طعامه من دموعه، ثم يمزج شرابه بدموعه، فلَمْ يزل كذلك حتى لحِقَ بالله عزّ وجل وإذا جاز إدماء العيون التي هي أهم وأرقّ الأعضاء فقد جاز التطبير بطريق أولى.
                والبكاء بدل الدمع دماً قسمان:
                القسم الأول: أن تشتد حرارة الباكي وتتدفق دموعه حتى تمزق الشرايين الرقيقة في الأجفان، فيهمي منها الدم.
                القسم الثاني: أن ينشج الباكي بالبكاء وتتدفق دموعه حتى لا تتاح الفرصة للدم حتى ينقلب دمعاً، لأنّ الدمع هو بخار الدم، فإذا قلت الرطوبة وكثر البكاء أو أسرع أكثر من قابلية تبخر رطوبات الدم فإنّ الدم نفسه يجري من عروق الأجفان.

                (5)صدور الإدماء من الإمام المنتظر (عليه السلام) كما في زيارة الناحية: (ولأبكيّن عليك بدل الدموع دماً) .

                (6)صدور الإدماء من عدد من المعصومين (عليهم السلام) ففي أمالي الصدوق عن إبراهيم بن أبي محمود، عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ يوم الحسين (عليه السلام) أقرح جفوننا) .

                (7) تقرير الإمام زين العابدين (عليه السلام) للإدماء، فقد روى السيد ابن طاووس في كتابه اللهوف: ولما أخبر بشير بن حذلم، أهل المدينة بمقتل الحسين (عليه السلام) ورجوع زين العابدين فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهنّ، مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل والثبور.

                (8)تحبيب الأئمة الجزع على الحسين (عليه السلام)، فقد روى الشيخ في المصابيح مسنداً عن أبي جعفر (عليه السلام) فيمن يزور الحسين (عليه السلام) عن بعد في عاشوراء: (ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه).
                وقد جزع الإمام السجاد (عليه السلام) يوم الحادي عشر كما في كامل الزيارات، من قوله (عليه السلام) لعمته: (وكيف لا أجزع ولا أهلع وقد أرى سيدي وأُخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرَّعين بدمائهم، مرملين بالعراء، مسلّبين، لا يكفنون ولا يوارون).
                وقد مدح الإمام الصادق (عليه السلام) مسمع كردين بقوله: (أما إنّك من الذين يعدُّون من أهل الجزع لنا) والجزع ضد الصبر، وليس التطبير إلا من أهون معاني الجزع.

                (9) استحباب الإدماء في كثير من الموارد في الشريعة كالحجامة، ففي الحديث عن النبي (ص): (ما مررت بملك من الملائكة ليلة المعراج إلا وأوصاني بحب علي بن أبي طالب (عليه السلام) والحجامة وكذلك الاختتان .

                (10) ففي خبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال علي(عليه السلام): إذا أسلم الرجل اختتن ولو بلغ الثمانين).
                وكثقب أذن الغلام، ففي خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله(عليه السلام): (أن ثقب أذن الغلام من السُّنة).
                وكخفض الجواري، ففي عديد من الأخبار (أنّ الختان سنة، وأنّه من الحنفية، وأنّ خفض النساء مكرمة).

                وكخرم أنوف النساء للخزائم، وغير ذلك من الموارد الكثيرة التي يجدها المتتبع في غضون الفقه، ولو كان الإدماء حراماً ذاتاً لم يكن مجال لتقدم الاستحباب عليه.
                إذاً، فالتطبير مباح ذاتاً،ومستحب تأسياً بالحسين (عليه السلام) ومواساة له.
                وكل ما سبق كان استدلالاً فقهياً على جواز التطبير، وهنالك دليل غير فقهي لا يدل على جواز التطبير فحسب، ولا يدل على تقدير الإمام الحسين (عليه السلام) لكل من يتطبر بغض النظر عن جميع خصوصياته فقط، وإنما يدل على وجود نوع من المعجزة فيه، فإنّ الضرب القاسي، بالسيف المسلول على الرأس المحلوق ونزول السيف حتى العظم لا بد أن يقضي على الإنسان كما يؤكده الطب القديم والحديث، ونحن نرى ألوف المتطبرين يتطبرون صباحاً، ثم ينظمون أنفسهم في مواكب تطوف كربلاء من المخيم إلى حرم الإمام الحسين (عليه السلام)، ومنه إلى حرم العباس (عليه السلام) ثم تعود إلى حمام المخيم، وتطوف بقية البلاد أكثر من مسافة ميل في لفح الصيف وعواصف الشتاء، وعندما يدخلون الحمام يغسلون رؤوسهم بلا مبالاة طبية، ثم يخرجون ويشتركون في مواكب اللطم والسلاسل حتى الليل، ولا يصاب أحدهم بمكروه، ولئن سقط أحدهم حين الضرب لكثرة نزف الدماء وتغلب الضعف عليه فسرعان ما ينهض، يواصل دوره في موكب التطبير وبقية المواكب، وإنّني شخصياً لم أسمع برجل سقط فمات إلا وتتبعته فإذا به يمشي في الشوارع، ويلعن أعداءه الذين أشاعوا موته كذباً.

                يقول الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه الآيات البينات لا ريب أنّ جرح الإنسان نفسه وإخراج دمه بيده في حد نفسه من المباحات الأصلية، ولكنه قد يجب تارة وقد يحرم أخرى، وليس وجوبه أو حرمته إلا بالعناوين الثانوية الطارئة عليه وبالجهات والاعتبارات، فيجب كما لو توقفت الصحة على إخراجه كما في الفصد والحجامة، وقد يحرم كما لو كان موجباً للضرر والخطر من مرض أو موت، وقد تعرض له جهة تحسنه ولا توجبه، وناهيك بقصد مواساة أهل الإباء، وخامس أصحاب العباء، وسبعين باسل من صحبه وذويه، حسبك بقصد مواساتهم، وإظهار التفجع والتلهف عليهم، وتمثيل شبح من حالتهم مجسمة أمام عيون محبيهم، ناهيك بهذه الغايات والمقاصد جهات محسنة، وغايات شريفة.

                أما ترتب الضرر أحياناً بنزف الدم المؤدي إلى الموت أو إلى المرض المقتضي لتحريمه فذاك كلام لا ينبغي أن يصدر من ذي لب فضلاً عن فقيه أو متفقه.

                أما أولاً: فلقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين، وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية وما رأينا شخصاً مات بها أو تضرر، ولا سمعنا به في الغابرين.

                وأما ثانياً: فتلك الأمور على فرض حصولها إنّما هي عوارض وقتية ونوادر شخصية لا يمكن ضبطها ولا جعلها مناطاً لحكم أو ملاكاً لقاعدة، وليس على الفقيه إلا بيان الأحكام الكلية، أما الجزئيات فليست من شأن الفقيه ولا من وظيفته، والذي علينا أن نقول: إن كل من يخاف الضرر على نفسه من عمل من الأعمال يحرم عليه ارتكاب ذلك العمل.

                والواقع: أنّ وجود هذه المعجزة البينة وفي موكب التطبير يكشف عن أن الإمام الحسين (عليه السلام) يوليه عناية خاصة، وكفاه دليلاً على الرجحان.
                ونسألكم الدعاء.

                تعليق


                • #9
                  الجبناء والتطبير والعمائم الكارتونية !!

                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                  اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

                  الجبناء والتطبير والعمائم الكارتونية !!
                  • قال تعالى: (بل جاءَهم بالحقّ، وأكثرُهم للحق كارهون). [ المؤمنون:70 ].
                  • قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « الحقُّ ثقيلٌ مُرّ، والباطلُ خفيفٌ حُلْو، وربَّ شهوةِ ساعةٍ تُورِث حُزناً طويلاً » ( مكارم الأخلاق 371:2 ).
                  • عن أبو عبد الله الصادق عليه السلام: (إن المؤمن أشد من زبر الحديد، إن الحديد إذا دخل النار لان وإن المؤمن لو قتل ونشر ثم قتل لم يتغير قلبه). (المحاسن ص 251).
                  أن من المؤسف جداً في واقعنا الشيعي أن ترى التناحر والتضارب بين المراجع والعلماء في كل صغيرة وكبيرة !
                  ونحن نعي بإن الاختلاف هو سنه الحياة والتي لولاها لما أستمرت ودامت الحياة!
                  فهنالك المهندس وهنالك الطيار وهنالك المدرس وهنالك النجار! وهكذا دواليك حتى تتكامل الحياة وتستمر وتتطور؛؛
                  ولكن المحزن المبكي لقلوب الشيعة الولائيين الابرار؛ هو ظهور ظاهرة (الاستبداد الديني) و (الديكتاتورية في الرأي) سواء كان هذا الرأي سياسي أم ثقافي أو عقائدي!!
                  فأنت أيها الفرد الشيعي أن لم تكن من جماعة المعمم الفلاني أو المرجعية الفلانية أو الحزب العلاني فأنت فاسق فاجر مهدور الدم!!
                  ولأننا هنا نريد أن نتكلم عن شعيرة التطبير المقدسة والمطبرين الابرار؛ فأننا قد نجهر بالحقيقة والصراحه؛ وأن زعل من لا يهمنا زعلهم! وأن غضب من لا يهمنا غضبهم! لأننا نعمل لله وفي سبيل الله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام.
                  أن من المؤسف جداً أن يتم (إستغباء) و (تجهيل) و (تجفيف) مصادر المعرفة والتفكير للأمة الشيعية حتى يسهل السيطرة عليها وبرمجتها وتوجيهها إلى قضايا سياسية دنيويه تافهه بعيدة عن صلب العقيدة الرافضية الشيعية البرائية؛ حتى يتم استغلالها من قبل العمائم السياسية بكل سهوله وسذاجة وغباء!!
                  ولذلك فهم يفصلون ويطمسون تراث أهل البيت عليهم السلام؛ الموجود في كتاب بحار الأنوار وكتاب الكافي الشريف وغيرها من الكتب الشيعية المعتبرة والموثوقة؛ عن أتباعهم؛ ويبرمجونهم على الأفكار السياسية الدنيويه التافهه!! فترى أتباعهم لا يعلمون شيئاً عن أهل البيت عليهم السلام إلا أسمائهم! ولا يعلمون شيئاً عن أعداء أهل البيت عليهم السلام ومثالبهم! والانكى من ذلك تراهم يترضون ويترحمون على قتلة الزهراء عليها السلام بحجة الوحدة الإسلامية!! والتآخي الاسلامي!!
                  نعم أنها برمجه الغباء وبرمجه العقول وتوظيفها للأمور السياسية وأبعادها عن صلب العقيدة ومصادر التشيع الأصيل؛ ولو سألت أحد هؤلاء المخدوعين ماذا أستفدت من هذه العمائم السياسية لأجابك بكل غباء وسذاجة؛ لقد تعلمت مواجهه (الاستكبار العالمي) وترديد كلمتي (كلا كلا أمريكا) .. (كلا كلا إسرائيل) !!
                  فإذا سألته هذا المخدوع المسكين؛ هل تعلم من قتل رسول الله (ص) ؟ سيقول لك أسكت عن اثارة الطائفية!
                  وإذا سألته مرة ثانية هل تعلم من قتل سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام؟ سيقول لك أسكت عن الفتنة!
                  وإذا سألته مرة ثالثة من المرأة المنافقة التي حاربت الإمام علي عليه السلام في حرب الجمل وقتلت أكثر من 30 ألف مسلم ؟ سيقول لك أنك عميل للإستكبار والإستعمار والإستحمار وللدولة البريطانية!!
                  نعم فهؤلاء همج رعاع يميلون مع كل ناعق!! وهذا هو بلائنا للأسف الشديد؛؛
                  فهؤلاء المخدوعين المساكين لا يميزون بين العمل الديني الشيعي الولائي الحقيقي لأهل البيت عليهم السلام؛ وبين العمل السياسي الدنيوي الحياتي؛ فتراهم يخلطون السياسة بالعقيدة أو يتنازلون عن العقيدة من أجل السياسة!!
                  ونحن هنا لا نريد أن نتشعب كثيراً حتى لا نربك القارئ بترهاتهم!
                  ولكن نقول لعوام الشيعة ولكل الناس؛ أن من أسباب بلائنا وشقائنا هو تمييع هويتنا الشيعية الرافضية الولائية؛ ومحاوله طمسها؛ من أجل أن يرضى عننا الآخرين!!
                  ومن أسباب بلائنا وشقائنا الآخرى هو إفتاء من هو ليس أهلاً للإفتاء؛ وإدعاء المرجعية من هو ليس أهلاً لها!
                  ففضل الله مثلاً يفتى بحرمة التطبير؛ ويعتبرها مناسبة لجلد الذات وهي طقوس خرافية ظلامية عنده!! فسؤالنا هنا؛ قبل كل شيء؛ هل أن محمد حسين فضل الله مرجع شيعي حقيقي عادل ومعتبر أم أنه منتحل لمقام المرجعية!!
                  فلو راجعنا مثلاً (موقع ضلال نت) لوجدنا عشرات بل مئات الإنحرافات العقائدية والفكرية لدى محمد حسين فضل الله؛ وإن رجعنا مرة آخرى لموقع (ضلال نت) لوجدنا شهادات أهل الخبرة من المراجع المعروفين والمعتبرين والعدول والتي تحكم بضلاله وإنحرافه؛ وعلى رأسهم فتوى المرجع الميرزا جواد التبريزي (قدس سره) في أن محمد حسين فضل الله (ضال ومضل) ولا يجوز تقليده!
                  وعليه نقول أننا لسنا ملزمين بإتباع فتوى هذا الضال المضل؛ وأن تحريمه للتطبير لا قيمه علميه له أصلاً؛ لأنه ليس أهلاً للإفتاء أولاً وليس أهلا للمرجعية ثانياً وأنه منحرف عقائدياً ثالثاً؛ وللتأكد من كلامنا يرجى مراجعة كتاب (الحوزة العملية تدين الإنحراف) للرد على الإنحرافات العقائدية الخطيرة لمحمد حسين فضل الله.
                  وعليه فأنه لا يوجد أي مرجع شيعي ولائي حقيقي يحرم التطبير؛ وأغلب المراجع العدول أن لم أقل كلهم من مراجع النجف الأشرف وقم المقدسة يحثون أو يشجعون أو يؤيدون أو لا يستشكلون على التطبير المقدس.
                  نعم هنالك فتوى آخرى من قائد إيران؛ وهو فتوى سياسية أيضاً؛ ولا قيمه علمية أو لنقل "عملية" على غير المقلدين له.
                  فنحن غير ملزمين بأي فتوى لا تصدر من مراجعنا المعروفين والمعتبرين في حوزتي قم المقدسة والنجف الأشرف.
                  وقد يقول الآخرين عننا أننا نتهجم على مقام سماحته!
                  فنقول نحن والحمدلله لا نتهجم على مقام أحد؛ ولكننا نصفّ الواقع كما هو بكل شجاعة وجرأة ومصداقية؛ وإن زعل ممن لا يهمنا زعلهم؛ ممن لا طاقة لهم لسماع الحق.
                  فمن الذي بدأ بالتهجم على الآخر!
                  ومن الذي شتم الآخر!
                  ومن الذي قتل الآخر!
                  ففي البحرين يصف المعارضين للتطبير المقدس؛ المطبرين بالأغبياء والخرافيين والظلاميين والمجانيين ومدمني المخدرات والحشيش! ووصلت في مرات عديدة إلى رجم المطبرين بالحجارة في قرية الدراز البحرانية! وفي مرات آخرى إلى ضرب المطبرين بالحجارة والأخشاب في قرية سند البحرانية!
                  وفي إيران يتم ضرب المطبرين في إصفهان وإعتقالهم وسجنهم والتنكيل بهم؛ بحجة مخالفه أوامر القائد! وفي بعض الأحيان يتم قتلهم بالرصاص؛ كما قتل الشهيد الحسيني المطبر (حميد رضائي) ذو ال 17 عام في اصفهان؛ وكل جريمته أنه كان يريد أن يواسي الإمام الحسين عليه السلام بقطرات قليله من دمه في موكب التطبير!!
                  فمن هو الباغي على الآخر يا مؤمنين!
                  ويكفى أن تأخذ جوله سريعه على المنتديات والمواقع البترية المحسوبه على الشيعة للأسف؛ لترى أصناف عديده من السب والشتم والتهجم على عشاق الإمام الحسين عليه السلام؛ وكل جريمتهم أنهم طبروا على الإمام الحسين عليه السلام؛ كما طبرت السماء والحجارة وبكت دماً على الإمام الحسين عليه السلام لمدة أربعين يوماً!! وذلك موجود في مصادر السنة والشيعة كافه أن السماء بكت دماً على الإمام الحسين عليه السلام لمدة 40 يوماً؛ وإن الحجارة بكت دماً على الإمام الحسين لمدة 40 يوماً؛ وهذا هو تطبير الحجارة والسماء على الحسين (ع)! فهل تسافل القوم لتصبح قلوبهم أقسى وأعتى من الحجارة!!
                  هل يعلم هؤلاء السذج أن كل شيء بكى على الحسين عليه السلام؛ مما يرى ومما لا يرى! وأن حتى الجن ناحت وبكت على الحسين الشهيد المظلوم بكربلاء!!
                  أي والله أن الإنسان يتمنطق إلا أن "يتزندق"! وهذه معظله آخرى من معاضلنا مع هؤلاء السفسطائيين المدعين للحداثة والتطور والعلم والمفهومية! ووالله مامن أحد أغبى منهم ومن أشكالهم التافهه الجبانه؛ فما إن يقترب يوم العاشر من محرم الحرام إلا وترى هؤلاء الجبناء أتباع الضال المضل البتري الهالك فضل الله؛ يكثر (( ضراطهم )) و (( نباحهم )) على المطبرين لا لشيء! إلا لجبنهم وخوارهم وضعفهم الداخلي وعقدهم النفسيه المريضه والحاقدة على كل ما هو حسيني !!
                  وليعلم هؤلاء المثقفين الأغبياء الجبناء أننا نطبر على الإمام الحسين عليه السلام؛ أقتداء بنبي الله إبراهيم عليه السلام؛ فهو من أول المطبرين على الحسين الشهيد بكربلاء! وهذه هي الرواية والتي تذكر تطبير نبي الله إبراهيم عليه السلام؛ في أرض كربلاء المقدسة؛ مواساة للإمام الحسين عليه السلام: ”أن إبراهيم عليه السلام مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرسا فعثرت به وسقط إبراهيم وشُجَّ رأسه وسال دمه! فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل عليه السلام وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه“. (بحار الأنوار ج44 ص243).
                  وخاتمه أقول لنفسي وللجميع: (حق يضر أفضل من باطل يسر).
                  ووالله أفلح من طبر.

                  تعليق


                  • #10
                    المرجع الشيرازي: كل من يقف في وجه الشعائر الحسينية ويحاربها فهو على خط يزيد

                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                    اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

                    المرجع الشيرازي: كل من يقف في وجه الشعائر الحسينية ويحاربها فهو على خط يزيد
                    بمناسبة ليلة الحادي عشر من محرم الحرام والتي تسمى بليلة (الوحشة) ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله كلمة حول مصاب مولانا سيد الشهداء الإمام الحسين سلام الله عليه بجموع المعزّين في بيته المكرم بمدينة قم المقدسة يوم السبت مساءً الموافق للعاشر من محرم الحرام 1429 للهجرة، إليكم نصّها الكامل:
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بمولانا وسيدنا الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام، وجعلنا الله وإيّاكم من الطالبين بثاره مع ولده مولانا الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه.
                    عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى الحسين بن عليّ عليهما السلام وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً»(1).
                    وكان الإمام الحسين عليه السلام آنذاك صبيّاً دون السابعة؛ لأنه كان في السابعة من العمر يوم استشهاد جدّه النبي صلى الله عليه وآله.
                    في هذه الرواية ثلاث كلمات يجدر الوقوف عندها والتأمّل فيها، وهي «الحرارة» و«قلوب المؤمنين» و«لا تبرد أبداً».
                    1. أمّا «الحرارة» فالمقصود بها ههنا حرارة القلب وهي الحرقة واللوعة، بقرينة قوله صلى الله عليه وآله «في قلوب المؤمنين». فكما يكون قلب الثكلى وكلّ من فقد عزيزاً غالياً، ملتاعاً محترقاً، فهكذا قلب المؤمن فيه حرارة أي لوعة وحرقة على مقتل الإمام الحسين عليه السلام. فهنيئاً لمن كانت هذه الحرارة في قلبه، وتبّاً لمن ليست له هذه الحرارة.
                    ثم إنّ هذه الحرارة على مراتب ودرجات، فلننظر كم فينا منها، فلقد وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم «درجات عند الله».
                    2. وقيّد النبي صلى الله عليه وآله هذه الحرارة بأنّها «في قلوب المؤمنين»، فلنمتحن إيماننا، لأن النبي صلى الله عليه وآله يقول إن من كان مؤمناً أحسّ هذه الحرارة في قلبه لقتل الإمام الحسين عليه السلام.
                    كما أنه لا قيمة لهذه الحرقة بلا إيمان، فلقد قيل إن عمر بن سعد بكى أيضاً يوم عاشوراء عندما رأى الإمام الحسين عليه السلام يُقتل، فهل ينفعه بكاؤه؟ كما قيل إن أحد الظلمة سحب الأقراط من أذني إحدى يتامى الإمام الحسين عليه السلام في عصر العاشر من المحرم وكان يفعل ذلك ويبكي، فهل ينفع مثل هذا البكاء؟ كلا بالطبع.
                    3. قال النبي صلى الله عليه وآله عن هذه الحرقة أنها «لا تبرد أبداً».
                    أي إن هذه الحرقة لا تبرد حتى اللحظة التي يوافينا فيها ملك الموت لقبض أرواحنا، جعلنا الله ممن لا تبرد قلوبهم آناً حتى تلك اللحظة.
                    من الأقوال الخاطئة: كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.
                    فلا يمكن توجيه هذا القول أبداً؛ لأنه يعارض أقوال المعصومين عليهم السلام من أنه: لا يوم كيوم الإمام الحسين عليه السلام.
                    لقد افتخرت مكة وقالت من مثلي؟ وأية بقعة امتازت بما امتازت به الكعبة لقالت الشيء نفسه، فهي أمّ القرى، ومن هنا لقّب النبي صلى الله عليه وآله بالأمي أي المكّي، لأن مكة أم القرى.
                    أقول: لقد افتخرت الكعبة بنفسها فقط ولم تقل إنها أفضل من كربلاء، فجاءها الخطاب من الله تعالى أن اسكتي، لولا كربلاء لما خلقتك.(2) كما خاطب الله تعالى آدم قائلاً: لولا محمد لما خلقتك.(3)
                    إن هذه الرواية التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وآله (ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً) تؤكد ـ كما الروايات الكثيرة الأخرى ـ خصوصية الإمام الحسين عليه السلام وقضاياه وتميّزه وتميّز قضاياه (صلوات الله عليه) على سائر المعصومين حتى الذين هم أفضل منه وهم جدّه وأبوه وأمه وأخوه، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
                    - لقد كان النبي صلى الله عليه وآله بلا شكّ أفضل من الحسين عليه السلام؟ وقد استشهد أيضاً، كما روى الخاصة والعامّة، ولكنه صلى الله عليه وآله لم يقل: إن لقتلي حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً.
                    - وهكذا الصديقة الزهراء عليه السلام التي كانت أفضل من ابنها الإمام الحسين عليه السلام استشهدت بذلك النحو المأساوي؛ فلم تكن عليها السلام مريضة وكانت في مقتبل عمرها، وقال النبي صلى الله عليه وآله في فضلها وعظمتها ومكانتها عنده وعند الله ما قال، ولكنه لم يقل إن لقتلها حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً.
                    - ألم يكن الإمام علي عليه السلام أفضل من الإمام الحسين عليه السلام واستشهد هو أيضاً؟
                    وما أعظم المصائب التي تلت استشهاده! لقد أعقب استشهاده عليه السلام حلول آلاف المصائب على الشيعة والمسلمين والبشرية جميعاً، فلقد قتل معاوية بن أبي سفيان في واقعة واحدة بعد استشهاد الامام أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثين ألفاً من الشيعة، ومهما يقل المرء عن معاوية وأمثاله فهو قليل، وكان النبي صلى الله عليه وآله يعلم بذلك وبما سيجري بعده على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ولكنه لم يقل: إن لقتل علي حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً.
                    - وهكذا الإمام الحسن عليه السلام، فهو في عقيدتنا أفضل من الإمام الحسين عليه السلام واستشهد أيضاً، ولم يكتفوا بقتله بدسّ السم إليه بل رموا جنازته بالسهام ومنعوا من دفنه عند جدّه صلى الله عليه وآله، وكانت مصيبته عظيمة أيضاً، ولكن مع ذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وآله: «إن لقتل الحسن حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً» كما قال في حق أخيه الإمام الحسين عليه السلام.
                    إنّ ذكر مصاب الإمام الحسين بدأ من الله تعالى وجبرئيل ثم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وجميع الأنبياء والمرسلين والملائكة؛ فكم رواية وردت عن حادثة كربلاء وجاء فيها عبارة الرسل والأنبياء!
                    أجل إن مصابنا بالنبي صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين والصديقة فاطمة الزهراء والامام الحسن عليهم السلام وهكذا سائر الأئمة من ولد الإمام الحسين عليهم السلام عظيمة نقيم فيها التعازي ونقترب بها إلى الله تعالى، إلا أنّ الإمام الحسين عليه السلام استثناء. فتضحياته استثنائية، وما عمله الله معه استثناء أيضاً، وتعازيه استثنائية وكل ما يتعلق به استثناء.
                    انظرو إلى الأحكام الفقهية، فقدّيسو الفقهاء ومن هم في الدرجة الأولى من الناحية العلمية والقرب من الله وأهل البيت عليهم السلام ومن تشرّف منهم بلقاء الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف ذكروا استثناءات في الأحكام الفقهية للإمام الحسين وقضاياه، وهذه ليست من عند أنفسهم بل مستندة إلى الروايات عن المعصومين عليهم السلام.
                    إن فقهنا عريق وأصيل، عمل عليه آلاف المتخصصين ملايين الساعات. راجعوا موسوعة الفقه للمرحوم الأخ أعلى الله درجاته, وهكذا جواهر الكلام لصاحب الجواهر، ومستند الشيخ النراقي وذرايع الأعسم ومبسوط الشيخ الطوسي وغيرها من الكتب الفقهية المفصلة وانظروا ماذا يقولون في الإمام الحسين عليه السلام وماذا يقولون في غيره.
                    فكم من حكم يذكرون أنه حرام إلا للإمام الحسين ـ كأكل الطين فإنه حرام لكن تناول حبة من تربة الحسين فيها الشفاء ـ أو مكروه إلا للإمام الحسين عليه السلام ـ كلبس السواد ـ.
                    وهذا لا يعني أن نحرّم حلال الله للإمام الحسين عليه السلام أو نحرّم حلال الله، حاشا، فكلا هذين الأمرين ـ تحريم حلال الله وتحليل حرام الله ـ خزي ويستتبع عذاباً، بل إن الإمام الحسين عليه السلام استشهد من أجل أحكام الله تعالى، لكن الله تعالى أعطى للإمام الحسين عليه السلام امتيازات لم يعطها حتى لمن هم أفضل منه، ومن تلك الامتيازات أن الحرقة عليه لا تبرد في قلوب المؤمنين أبداً.
                    فلو قيل: متى تنتهي مجالس العزاء على الإمام الحسين عليه السلام؟
                    فإن الجواب: إنها لا تنتهي أبداً.
                    مثال آخر - والأمثلة في هذا المجال كثيرة - ما روي عن الإمام العسكري عليه السلام أنه قال: «من علامات المؤمن خمس» وعدّ إحداها: زيارة الأربعين.(4) أي زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم أربعينه.
                    ونعيد السؤال المتقدم: ولماذا لم يعدّ الإمام عليه السلام زيارة النبي في يوم أربعينه من علامات المؤمن؟ أليس هو أفضل منه؟ وهكذا أبوه وأمه وأخوه؟
                    والجواب هو الجواب: إن الحسين عليه السلام وقضاياه استثناء.
                    لا شك أنه لا مانع من أن يزار النبي أو سائر المعصومين عليهم السلام في أيام أربعينهم أي بعد مرور أربعين يوماً على ذكرى استشهادهم، ولكن لم يرد في ذلك أنه من علامات المؤمن.
                    وهكذا يكون يوم عاشوراء خالداً لا ينتهي أبداً. فلا يوم كعاشوراء ولكن عاشوراء باقٍ على مدى الأيام.
                    ولا بقعة ككربلاء ولكن قضية كربلاء تحيى في كل مكان؛ ليس في الأرض وحدها بل حتى في السماوات؛ فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «والذي بعثني بالحق نبياَ إن الحسين بن علي - عليهما السلام - في السماء أكبر منه في الأرض»(5).
                    كم من الأحداث طيلة السنة ترتبط بالإمام الحسين عليه السلام؟ ولقد وفّق الله تعالى بعض الشيعة لنقل هذه الوقائع عبر الفضائيات.. ولكنها قليلة جداً، فاسعوا لأن تكون هذه الشعائر عالمية، فالعالم لا يعرف كثيراً عن الإمام الحسين عليه السلام ولو عرف لتغيّر. لقد تغيّر الآلاف من اليهود والنصارى والزرادشت ومن أبناء العامة على مرّ التاريخ وتشيّعوا واهتدوا بسبب الإمام الحسين عليه السلام. كما يهتدي سنوياً الكثيرون في الهند التي يشكّل الوثنيّون نسبة كبيرة منها، ويسعى بعض المؤمنين لجمع هذه الأرقام وطبعها.
                    إن الحزن على مقتل الإمام الحسين عليه السلام سيستمر حتى يوم القيامة، بل حتى في ذلك اليوم، لأن أعمال العباد ستتجسم يوم القيامة، فهناك تتجسد كل صلاة وصيام وعبادة وهكذا معصية وظلم وعدوان وعلى الدرجة التي كانت فيها في هذه الدنيا. ومن الأعمال التي ستتجسّد قضية أبي عبد الله الحسين عليه السلام فيطّلع عليها كل أهل المحشر.
                    روى بأسانيد معتبرة أن الإمام الصادق عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة عليها السلام قبة من نور وأقبل الحسين صلوات الله عليه رأسه في يده فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد مؤمن إلا بكى لها...».(6)
                    وفي حديث آخر: «وإنها لتشهق شهقةً لا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا مؤمن إلا بكى لبكائها».(7)
                    من المعروف أن من عنده همّ أو مصيبة يتنفس بحرقة، فهو يحبس أنفاسه ثم يخرج نفساً عميقاً، فإذا كانت المصيبة عظيمة خرج النفس مقروناً بصوت، وكلما كانت المصيبة أثقل كان الصوت أعظم، ويقال للنفس مع الصوت زفرة، وإن كان الصوت عالياً قيل لهذا التنفس شهقة، وأحياناً قد يموت الشخص في تلك الشهقة إن لم يتدارك.
                    إن الإمام الصادق عليه السلام يقول عن الزهراء عليها السلام في يوم القيامة عندما ترى ما جرى على ولدها إنها لتشهق. واللام هنا لام القسم يوتى بها للتوكيد، أي: والله إنها تشهق.
                    فلماذا تفعل الزهراء عليها السلام ذلك، أليس الحسين عليه السلام عندها الآن؟ أ لم تنته القضية؟ لا لم تنته، رغم هذه السنين التي لا يعلم إلا الله كم ستبلغ حتى يوم القيامة، وربما بلغت الملايين.
                    فيضجّ المحشر ضجّة واحدة لأنّ 124 ألف نبي والملائكة الذين لا يعلم عددهم إلا الله تعالى كلهم يبكون لبكائها عليها السلام، وكذا جميع المؤمنين.
                    يقول الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه في زيارة الناحية المقدسة: «ولطمت عليك الحور العين».
                    أفليست الجنة مكاناً لا حزن فيها، فلماذا إذن يبكى فيها على الحسين عليه السلام وتلطم عليه الحور العين؟
                    نقول: إن هذا أيضاً من الاستثناءات التي خصّ الله بها الإمام الحسين عليه السلام، وهكذا أراد الله تعالى.
                    في هذه المناسبة أودّ الإشارة إلى مسألة لنكون منتبهين حذرين نتعامل مع القضايا الحسينية بجدية أكبر ولا نتهاون فيها، ونسعى للاستفادة من فرصة الحياة الدنيا. ألخّص المسألة وأذكر لها مثالين.
                    أما المسألة فهي أنّ قضية عاشوراء لا تتوقف عند أحداث سنة 61 للهجرة حيث وقعت الجريمة النكراء، بل إنها ممتدة مكاناً وزماناً عبر الصراع بين السائرين على خطّ الإمام الحسين ومحيي شعائره ومقيمي عزائه وزائريه ومحبّيه والمضحّين في سبيله وقضاياه، وخط يزيد وكل من يقف في وجه هذه الشعائر ويحاربها ويحاول طمس اسم الإمام الحسين عليه السلام.
                    وقبل ذكر المثالين لابد لي من التنبيه على أمرين:
                    الأول: قد لا يكون الشخص من أتباع يزيد ولا يكون فاسقاً بل قد يكون مؤمناً ولكن تصيبه الغفلة أو الجهل أو سوء التقدير فيقوم بعرقلة الشعائر أو معارضتها بدرجة وأخرى، فهذا أيضاً ينبغي له الحذر، لأنّ الوقوف في وجه قضايا أبي عبد الله مهما كان بسيطاً أو بدرجة صغيرة، يكلف صاحبه الكثير دنيوياً وأخروياً.
                    الثاني: إن هناك آثاراً تكوينية لبعض الذنوب لا تزول وإن تاب الشخص وتخلّص من آثارها الشرعية والأخروية والعقاب الإلهي، وهذا أيضاً يضاعف من ضرورة الحذر من الوقوع فريسة إغواءات الشيطان في هذا الطريق، لأن محاربة من يسيرون في هذا الطريق فيها من الآثار التكوينية ما ليس في غيرها.
                    أما المثال الأول على ما ذكرنا فالحر بن يزيد الرياحي، فإنه عمل عملاً سيئاً جداً ثم عمل بعد ذلك عملاً حسناً لتلافيه، وكان عمله السيئ أكبر ولكن لم يكن بإمكانه أن يلافيه بأكثر مما قدّم، وقد قبل الله توبته وعفا عنه الإمام الحسين عليه السلام ونال درجة الشهادة مع الإمام الحسين عليه السلام واختار الجنة على النار بلا شك ولا ريب بل بلغ الدرجات العليا في الجنة، ولكن مع ذلك كان لموقفه السيئ أولاً آثاره وثمنه كما سأوضّح بعض ذلك.
                    لقد أخطأ الحر خطأين؛ الأول أنه ـ كما قال ـ أول من جعجع بالإمام عليه السلام وأصحابه الطريق ولذلك طلب من الإمام الحسين عليه السلام أن يكون أول شهيد بين يديه، وهكذا كان.
                    الثاني: أنه وخلال 8 ـ 10 أيام (بعضها وحده مع من تحت إمرته، وبعضها بمعية عمر بن سعد مع الجيوش القادمة معه) أرعب قلوب نساء وأطفال أهل البيت عليهم السلام، وكما قال هو أيضاً: «اللهم إني أرعبت قلوب أوليائك»، فدفع لذلك ثمنه التكويني؛ لأن من يرعب مؤمناً ـ فكيف بأهل البيت عليهم السلام ـ فلذلك أثر تكويني وإن تاب عن فعلته واعتذر إلى من أرعبه وحصل على عفوه وصفحه.
                    لذلك أقول لكم ـ وأخص الشباب ـ حذار حذار من أن ترعبوا أحداً من المؤمنين لا سيما المعزّين ومقيمي شعائر الإمام الحسين عليه السلام. فمن قام بذلك فالويل ثم الويل بل الملايين من الويل له، وهو قليل أيضاً.
                    وقبل أن أبيّن بعض الثمن الذي دفعه الحر على موقفه وإرعابه أهل البيت عليهم السلام لابد لي من بيان عظمة الحر بعد توبته والمقام الذي بلغه، لأن من تاب تاب الله عليه، فكيف إذا استشهد بين يدي الامام الحسين عليه السلام.
                    لقد ذكر الامام الحسين عليه السلام اسم أمّ الحرّ مرتين؛ مرة قال له: «ثكلتك أمك ما تريد؟ فقال له الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائناَ من كان ولكن والله ما لي من ذكر أمّك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه ... ».(8)
                    ومرة مدحها حينما قال: «أنت الحرّ كما سمتّك أُمّك وأنت الحرّ في الدنيا وأنت الحرّ في الآخرة»(9).
                    فهذه الروح الحرّة هي التي أنقذت الحرّ آخر الأمر.
                    فلنتعلم من الحرّ وقبله من الأئمة الاطهار والعلماء الكبار، فنكون أحراراً لا نصدق بكل ما يقال لنا، بل نحكّم عقولنا ونختار الجنة على النار دائماً.
                    وقد منح الامام الحسين عليه السلام الحرّ وسامين لم يمنحهما لأيّ من شهداء الطف وهما:
                    الوسام الأول: العصابة التي شدّ بها رأسه عندما جلس عنده قبيل استشهاده؛ مع أنّ الإمام جلس عند رؤوس كل الشهداء وكلهم جرحوا في رؤوسهم أو غيرها، لكن لم يفعل الإمام ذلك مع أي شهيد سوى الحرّ، وهذا لا شك وسام معنويّ عظيم.
                    الوسام الثاني: ما أورده الصدوق في الآمالي منسوباً للإمام عليه السلام من أشعار قالها في حقّه عندما حضره بعد سقوطه، والتي يقول فيها:
                    لنعم الحرّ حرّ بني رياح...(10)
                    ولم يسمع أن الامام عليه السلام قال شعراً في حق أيّ من أنصاره في موقف مشابه.
                    أمّا الأثر الوضعي لإرعابه قلوب أولياء الله تعالى فكثيرة وهي حرمانه من مجموعة الفضائل التي حظي بها الشهداء رغم الوسامين اللذين منحهما. فمن ذلك:
                    • لقد دفن الشهداء جميعاً عند رجلي الإمام عليه السلام بحيث إنهم يزارون كلما زاروا الإمام عليه السلام، أما الحرّ فقد دفن على بعد فرسخ من الإمام فحرم من هذه الفضيلة لا شك، وإن كان يُذكر من قبل المؤمنين الزائرين للإمام أحياناً، ولكن مهما يكن فهو لا يزار بعدد زيارات شهداء الطف الذين دفنوا عند مدفن الإمام الحسين عليه السلام.
                    • لقد قطعت جميع الرؤوس بعد الحادثة إلا رأس الحر، فتدخّل قومه ومنعوا من احتزاز رأسه. وهذه فضيلة حرمها الحرّ أيضاً. فيوم تتجسد الأعمال ويأتي الشهداء مقطوعي الرؤوس، يكون الحر غير مقطوع الرأس أي دونهم في التضحية.
                    • بقيت أجساد الشهداء كافة ثلاثة أيام ملقاة في صحراء كربلاء، إلاّ الحرّ فقد أخذته قبيلته ودفنته فوراً، فحرم من هذه الفضيلة أيضاً.
                    • ثم من صلّى على الحرّ؟ لقد صلّى الإمام زين العابدين عليه السلام أو من كلّفه على شهداء كربلاء، أما الحرّ فأخذه قومه وصلّى أحدهم عليه، وكانوا من صفوف المعسكر المعادي للإمام عليه السلام، فإن لم يكن من صلّى عليه من قتلة الإمام فلقد كان من معسكر ابن زياد على كل حال.
                    • كما أن النص الذي يزار به الحرّ ليس كالنصّ الذي يزار به الشهداء وهم يزارون في كل المناسبات التي يزار بها الإمام سواء كان من قرب أو من بعد.
                    إن في هذا لدروساً لمن يعرقل الشعائر ودعوة له للإسراع بالتوبة قبل أن يبتلى بأمور لا يزول أثرها التكويني.
                    ولا يقال إن الواقعة ليست نفسها، فإن الامتحان نفسه، فمن ينصر الشعائر فهو من أنصار الحسين عليه السلام ومن يخذلها فإنما يخذل الإمام عليه السلام أيضاً. ولكن مع ذلك سأذكر لكم مثالاً عن إيذاء من يقيم الشعائر؛ وهو المثال الثاني:
                    جاء في كتاب «دار السلام» للمرحوم النوري ما مضمونه:
                    إن أحد الأشخاص ـ وكان من المؤمنين الشيعة ولم يكن فاسقاً ولا من أعداء أهل البيت عليهم السلام ـ تجاسر في إحدى السنوات في اليوم الثامن من المحرم، على الملا فتح علي السلطان آبادي، وكان التجاسر بسبب إصرار الأخير على شعائر الإمام الحسين عليه السلام فقد تحمل كثيراً في هذا الطريق وتحمّل تجاسر ذلك الشخص في هذا السبيل ولم يقل له شيئاً. وعندما ذهب الشخص المتجاسر إلى بيته وبعد أن انتصف الليل طرقت باب الشيخ السلطان آبادي، وكان أهل الشخص المتجاسر قد جاءوا يطلبون من الشيخ أن يصفح عن أبيهم، لأنه أصبح في حالة سيئة وأنه أدرك أن ذلك بسبب إساءته للشيخ وأنه الآن يتلوّى من الألم، فذهب إليه الشيخ وعفا عنه ثم عاد إلى بيته، ولكن ذلك الشخص مات قبل أن يصبح الصباح.
                    فهل كان المتجاسر من أعداء الإمام ومن الذين حاربوه في كربلاء؟ أم كان الشيخ من عائلة الحسين أو أصحابه؟ ثم ألم يصفح الشيخ عن الشخص؟
                    الجواب: إن ذلك الشخص عندما استغفر وطلب صفح الشيخ وعفا عنه، عفى الله عنه، ولكن حيث إنه آذاه بسبب قضايا الإمام الحسين عليه السلام نال عقوبته التكوينية في الدنيا، ولم يفلت منها، كما أدرك ذلك الجميع ومنهم الشخص نفسه وعائلته والشيخ النوري الذي روى الواقعة وكل من اطلع عليها.
                    أسأل الله تعالى ببركة سيد الشهداء عليه السلام أن يشملنا بلطفه ولا يحرمنا من السير في طريق الإمام الحسين وأن يجنّبنا من الوقوع في طريق عرقلة الشعائر الحسينية أو إرعاب من يقوم بها. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
                    ====
                    المصادر:
                    (1) مستدرك الوسائل ج10 ص318 ح13 رقم 12084.
                    (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّزَّازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْقَمَّاطِ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ أَرْضَ الْكَعْبَةِ قَالَتْ مَنْ مِثْلِي وَقَدْ بُنِيَ بَيْتُ اللَّهِ عَلَى ظَهْرِي يَأْتِينِي النَّاسُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ وَجُعِلْتُ حَرَمَ اللَّهِ وَأَمْنَهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا كُفِّي وَقِرِّي مَا فَضْلُ مَا فُضِّلْتِ بِهِ فِيمَا أُعْطِيَتْ أَرْضُ كَرْبَلَاءَ إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَةِ غُمِسَتْ فِي الْبَحْرِ فَحَمَلَتْ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ وَلَوْ لَا تُرْبَةُ كَرْبَلَاءَ مَا فَضَّلْتُكِ وَلَوْ لَا مَنْ ضَمَّتْهُ كَرْبَلَاءُ لَمَا خَلَقْتُكِ وَلَا خَلَقْتُ الَّذِي افْتَخَرْتِ بِهِ فَقِرِّي وَاسْتَقِرِّي وَكُونِي ذَنَباً مُتَوَاضِعاً ذَلِيلًا مَهِيناً غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٍ لِأَرْضِ كَرْبَلَاءَ وَإِلَّا مَسَخْتُكِ وَهَوَيْتُ بِكِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
                    أفيمكن بعد هذا أن يقال: كلّ يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء؟! وسائل‏ الشيعة ج : 14 ص : 515 رقم 9720.
                    (3) فقد روي عن أخطب خوارزم وهو من أعظم مشايخ أهل السنة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه من روحه عطس، فقال: الحمد لله، فأوحى الله تعالى: حمدني عبدي، وعزتي وجلالي لو لا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا لما خلقتك. قال: إلهي أ فيكونان منّي؟ قال: نعم يا آدم ارفع رأسك وانظر، فرفع رأسه فإذا مكتوب على العرش (لا إله إلا الله محمد نبي الرحمة، وعلي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكا وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، أقسمت بعزّتي وجلالي أن أدخل الجنة من أطاعه وإن عصاني، وأقسمت بعزتي وجلالي أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني. ارشاد القلوب ج2 ص210.
                    (4) رُوِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ ع أَنَّهُ قَالَ عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ صَلَاةُ الْخَمْسِينَ وَزِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ وَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ وتَعْفِيرُ الْجَبِينِ وَالْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. تهذيب الاحكام ج5 ص52 ح37.
                    (5) مستدرك الوسائل ج5 ص87 ح28 رقم 5407.
                    (6) بحارالأنوار ج : 43 ص : 222.
                    (7) وإن فاطمة ع إذا نظرت إليهم ومعها ألف نبي وألف صديق وألف شهيد ومن الكروبيين ألف ألف يسعدونها على البكاء وإنها لتشهق شهقة فلا يبقى في السماوات ملك إلا بكى رحمة لصوتها (كامل‏الزيارات ص86 الباب السابع والعشرون بكاء الملائك).
                    (8) بحارالأنوار ج44 ص376 باب 37- ما جرى عليه بعد بيعة الناس.
                    (9) المصدر نفسه/ ج45/ بقية الباب 37/ ص 14.
                    (10) الإرشاد/ للمفيد/ الجزء 2/ ص14.

                    ومع السلامة.

                    تعليق


                    • #11
                      أدلّة جواز التطبير حزناً وجزعاً على الحسين (عليه السلام) والقول باستحبابه

                      بسم الله الرحمن الرحيم
                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                      اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف



                      أدلّة جواز التطبير حزناً وجزعاً على الحسين (عليه السلام) والقول باستحبابه
                      دليل الجواز والإباحة:

                      أدلّ دليلٍ على جواز وإباحة التطبير حزناً وجزعاً على الحسين (عليه السلام) ما يصطلح عليه في علم استنباط الأحكام الشرعية بـ: (أصالة البراءة) والتي تعني الحكم بالجواز والإباحة والحلية لكلّ عملٍ أو شيءٍ لم يصلنا فيه نصّ أو دليل يدل على حرمته ومنعه في الكتاب الشريف أو السنّة المباركة.

                      إذ أنّ كلّ فقيهٍ حين تواجهه أيّ مسألة من مسائل الحياة الدينية أو الدنيوية لابدّ أن يكون للشرع المقدّس رأيّ فيها فعليه أن يبحث أولاً في أدلة الكتاب والسنة بخصوص تلكم المسألة التي واجهته فإن لم يجد لها ذكراً في النصوص والأدلة الشرعية فعليه أن يتمسّك بالأصول العملية كأصالة البراءة مثلاً التي ترتبط بما في أيدينا من أمر والتي تعني بأنّ كلّ شيءٍ هو لك حلال حتى تثبت حرمته من الكتاب العزيز أو السنّة الشريفة. وهذا هو حكم العقل والشرع معاً وهو ما يصطلح عليه بالبراءة العقلية والشرعية (1).

                      ومن هنا فإن التطبير حزناً وجزعاً على سيد الشهداء صلوات الله عليه جائز ومباح من دون أي أشكال يذكر وذلك للقطع الأكيد واليقين الواضح من أننا لا نملك أي نص أو دليل من الكتاب أو السنة يحرّمه أو يمنعه. ولقد خالف الذين ذهبوا إلى حرمة التطبير حزناً وجزعاً على أبي عبد الله (عليه السلام) الطريقة الصحيحة في استنباط الأحكام الشرعية والتي عليها اتفاق كلمة فقهاء الأمة وعلمائها إذ أفتوا بالتحريم من دون أي دليل شرعي صحيح وكلّ ما أوردوه من الكلام في طريق ذلك لا يثبت للمناقشة الشرعية وقد رأيت ضعف كلامهم ووهنه في الفصل الأول من هذا الكتاب.

                      أدلة الاستحباب

                      أولاً- الجزع المقدّس:

                      1- (عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كلّ الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين (عليه السلام).

                      رواها الشيخ الطوسي (ره) في الأمالي، المجلس السادس ص 161 ح 20. والشيخ المجلسي (ره) في البحار ج 44 ب 34 ص 280 ح 9 وكذلك أيضاً في ج 45 ب 46 ص 313 ح 14.

                      2- (عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنّه فيه مأجور).

                      عن كامل الزيارات ب 32 ص 107 ح 2 طبعة طهران، وفي بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 291 ح 32.

                      3- عن مسمع بن عبد الملك البصري قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مسمع أنت من أهل العراق؛ أما تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟.. .. قال لي أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله واستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي. قال: رحم الله دمعتك أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا) (2).

                      عن كامل الزيارات ب 32 ص 108 ح 6، وفي بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 289 ح 31.

                      4- عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في مراسم يوم عاشوراء: (.. .. ثم ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه) (3).

                      عن كامل الزيارات ب 71 ص 193 ح 7، وفي بحار الأنوار ج 101 ب 24 ص 290 ح 1.

                      5- ما رواه قدامة بن زائدة، عن أبيه، عن إمامنا السجاد (عليه السلام) حيث قال: (فإنه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا؛ فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي (عليهما السلام) فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يابقية جدي وأبي واخوتي؟!! فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي واخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم، مرملين بالعرى) (4).

                      عن كامل الزيارات ب 88 ص 274.

                      وبعد أن أجلت النظر ياقارئي العزيز في هذه الأحاديث الكريمة فإنّه لابدّ من القول:

                      1- إنّ هذه الروايات في غاية الاعتبار والقبول من جهة طرقها وأسانيدها ومصادرها عند علمائنا وفقهائنا المتقدمين منهم والمتأخرين. وعليها عمل فقهاء ومراجع الأمة إذ نطقت بذلك أسفارهم وزبرهم. ودونك الأحياء منهم فسلهم، والأمر سهل.

                      2- متون هذه الروايات تدلّ بشكلٍ واضح وصريح على أنّ الجزع على سيد الشهداء (عليه السلام) مستحبّ مؤكّد وفي غاية التأكيد وبنحوٍ أخص في يوم عاشوراء الأليم.

                      3- المراد من الجزع في لغة العرب هو نقيض الصبر وهذا ما عليه كلّ المعاجم اللغوية. لذا فإنّ كلّ فعلٍ يفعله صاحب المصيبة يعبّر به عن عدم تحمّله وعن تأثّره الشديد فهو مصداق من مصاديق الجزع؛ إذ لا يوجد في لغة العرب تحديد معيّن لمعنى الجزع وذلك أنّ حقيقته هو الحزن بلا حدود فكيف يكون له حدّ معين وخاص به. لكننا نعتمد على العرف الصحيح في تحديد أقلّ مراتبه وهو العويل والضجيج والصراخ والبكاء الذي لا ينقطع مصحوباً بلطم الوجه وضرب الرأس ولدم الصدر إلى غير ذلك مما يقع في هذه المرتبة الأقل وإنّما قلت الأقلّ لأن المرتبة الأعلى والأشد هي ما يكون فيها هلاك النفس ويظهر هذا واضحاً في الحديث الخامس عن الإمام السجّاد (عليه السلام) حين يقول: (فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي (عليهما السلام) فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي واخوتي؟!! فقلت وكيف لا أجزع وأهلع)، فالتفت ياقارئي العزيز لما جاء في هذه الكلمات الشريفة:

                      كادت نفسي تخرج: بمعنى أوشكت على الموت أو الهلاك.

                      مالي أراك تجود بنفسك: بمعنى مالي أراك تريد أن تودّع الحياة.

                      وهذا التعبير: (تجود بنفسك) في لغة العرب ولسانهم يقال لمن يكون في النزع الأخير لخروج روحه من بدنه أي حينما يكون الموت وشيكاً وقريباً جداً من الإنسان. أمّا قوله (عليه السلام): (وكيف لا أجزع وأهلع) فهو صريح في استحباب الجزع وأفضليته بل الهلع الذي هو أفحش الجزع في لغة العرب (5)؛ إذ لو لم يكن محبوباً عند الله سبحانه وتعالى لما فعله المعصوم (عليه السلام). ومن هنا صرّح الفقيه المحقق الشيخ خضر بن شلال العفكاوي (ره) في كتابه (أبواب الجنان) (6) قائلاً: (الذي يستفاد من مجموع النصوص ومنها الأخبار الواردة في زيارة الحسين المظلوم ولو مع الخوف على النفس يجوز اللطم والجزع على الحسين كيفما كان حتى لو علم بأنه يموت في نفس الوقت).

                      4- يتّضح ممّا تقدّم أنّ الجزع على الحسين (عليه السلام) على مراتب كثيرة أوّلها الصراخ والعويل والنحيب والبكاء المتواصل مع لدم الصدر والطم الوجه وضرب الرأس باليد أو غيرها، وآخرها ما قد يؤدّي إلى هلاك النفس والإضرار الشديد بها. وقطعاً فإنه يقع ما بين هاتين المرتبتين مراتب كثيرة تتسلسل بحسب شدتها. وما التطبير الحسيني إلاّ مرتبة من هذه المراتب التي تقع في الحد الوسط من حيث الشدّة بل ربما أقل من ذلك وإلاّ فأين يقع جزع التطبير من جزع إمامنا السجّاد (عليه السلام) حين يقول: (فكادت نفسي تخرج) وهو قول يطابق الواقع مائة في المائة ليس فيه أدنى حدّ من المبالغة أو المواربة إذ هو قول المعصوم (عليه السلام) وكلامه، وكلام الإمام إمام الكلام. ثم إنّ التطبير الحسيني لا ضرر فيه على الإنسان وحتى لو كان فيه ضرر فهو ضرر لا يعتدّ به أبداً كما بيّنا ذلك فيما تقدّم من هذا الكتاب. ومن هنا فإنّ مرتبته لن تكون من المراتب الشديدة من الجزع على أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.

                      5- النتيجة التي نحصل عليها بعد تلكم المقدّمات أن التطبير حزناً وجزعاً على سيد الشهداء صلوات الله عليه ما هو إلاّ مرتبة ومصداق من مصاديق الجزع على الحسين (عليه السلام) والذي حكمت الشريعة باستحبابه المؤكّد وندبت إليه أهل الإيمان؛ كي يقتدوا بأئمتهم المعصومين (عليهم السلام) الذين جزعوا حتى كادت النفوس أن تخرج لاجل حسين العقيدة والمبادئ صلوات الله عليه.

                      تعليق


                      • #12
                        6- ويؤيّد هذه المعاني ما تفيض به كلمات دعاء الندبة الشريف الذي يرويه سيدنا ابن طاووس (ره) في إقبال الأعمال، ومصباح الزائر، وجمال الأسبوع، والشيخ المجلسي (ره) في بحار الأنوار:

                        (فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون، أين الحسن؟! أين الحسين؟! أين أبناء الحسين؟!).

                        إلى أن يقول الدعاء الشريف:

                        (أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء؟! أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟!).

                        ثم يقول مناجياً نادياً:

                        (هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء؟! هل من جزوع فاساعد جزعه إذا خلا؟! هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى؟! هل إليك يا أبن أحمد سبيل فتلقى؟!).

                        فانظر أيها القارئ العزيز لقول الدعاء الشريف:

                        1- هل من جزوع: والجزوع بحسب موازين الصرف صيغة مبالغة أي جازع وجازع و.. .

                        2- هل قذيت عين: إشارة واضحة لما يصيب العين من ضرر أو مرض أو ألم شديد بسبب البكاء والنوح جزعاً على مصاب الحسين (عليه السلام)، وشوقاً وحسرةً على فراق الطالب بثأره صلوات الله وسلامه عليه.

                        والحرّ تكفيه الإشارة.

                        ثانياً - الإبكاء:

                        1- (عن علي بن الحسن بن فضّال، عن أبيه قال: قال الرضا (عليه السلام): من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون).

                        عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 278 ح 1 منقولاً عن أمالي الشيخ الصدوق المجلس 17، الرقم 4.

                        وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج 1 ص 294 بنفس إسناد الحديث المتقدم عنه صلوات الله عليه: (من تذكّر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون) (7).

                        2- عن السيد ابن طاووس (ره): (روي عن آل الرسول (عليهم السلام) أنّهم قالوا: من بكى وأبكى خمسين فله الجنة، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنة، ومن تباكى فله الجنّة).

                        عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 288 منقولاً عن اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس (ره).

                        3- (عن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا هارون أنشدني في الحسين (عليه السلام)؟ قال: فأنشدته فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقّة - قال: فأنشدته:

                        امرر على جدث الحسين فقـــــل لأعظـــمه الزّكيّة

                        قال: فبكى، ثمّ قال زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء من خلف السّتر، قال: فلما فرغت قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسةً كتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنة، ومن ذكر الحسين (عليه السلام) عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله، ولم يرض له بدون الجنّة).

                        عن كامل الزيارات ب 33 ص 111 ح 1، وثواب الأعمال ص 47، والبحار ج 44 ب 34 ص 288 ح 28.

                        4- (عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا أبا عمارة أنشدني في الحسين (عليه السلام)، قال: فأنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، قال: فو الله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار، فقال لي: يا أبا عمارة من انشد في الحسين شعراً فأبكى خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً بأبكى أربعين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة).

                        عن كامل الزيارات ب 33 ص 112 ح2، و أمالي الصدوق المجلس 29 - الرقم 6، وثواب الأعمال ص 47، والبحار 44 ب 34 ص 282 ح 15.

                        5- (عن صالح بن عقبة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أنشد في الحسين (عليه السلام) بيت شعرٍ فبكى وأبكى تسعةً فله ولهم الجنة، فلم يزل حتى قال: من أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأظنّه قال: أو تباكى فله الجنة).

                        عن كامل الزيارات ب 33 ص 113 ح 4 ومثله بسند آخر ح 7 من نفس الباب والصفحة، وثواب الأعمال ص 48، والبحار ج 44 ب 34 ص 289 ح 29.

                        6- (عن أبي هارون المكفوف قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: أنشدني فأنشدته، فقال: لا؛ كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره، قال: فأنشدته:

                        امرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزّكيّة

                        قال: فلمّا بكى أمسكت أنا، فقال مرّ، فمررت، قال: ثمّ قال: زدني.. زدني، قال: فأنشدته:

                        يـــا مريم قومي فاندبي مولاك وعلى الحسين فاسعدي ببكاك

                        قال: فبكى وتهايج النساء!! قال: فلمّا أن سكتن قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين (عليه السلام) فأبكى عشرة فله الجنة، ثمّ جعل ينقص واحداً واحداً حتى بلغ الواحد، فقال: من أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنة، ثمّ قال: من ذكره فبكى فله الجنة). عن كامل الزيارات ب 33 ص 113 ح 5، وبحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 287 ح 25.

                        7- (عن زيد الشحّام، قال: كنّا عند أبي عبد الله ونحن جماعة من الكوفيّين فدخل جعفر بن عفّان على أبي عبد الله (عليه السلام) فقرّبه وأدناه ثم قال: يا جعفر، قال: لبيك! جعلني الله فداك. قال: بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيده. فقال له: نعم، جعلني الله فداك، قال: قل! فأنشده (صلى الله عليه) فبكى ومن حوله، حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته. ثم قال: يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون ههنا يسمعون قولك في الحسين (عليه السلام) ولقد بكوا كما بكينا وأكثر، ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعته (8) الجنة بأسرها، وغفر الله لك. فقال: يا جعفر ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيدي. قال: ما من أحدٍ قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلاّ أوجب الله له الجنة وغفر له).

                        عن رجال الكشي ص 187، وبحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 282 ح 16، ووسائل الشيعة ج 10 ص 464 ب 104 المزار ح 1.

                        وبعد ذكر هذه الأحاديث والروايات، أقول:

                        1- الأخبار المتقدّمة تلقّاها علماؤنا بالقبول والاعتماد والعمل بها والفتيا على أساسها؛ فلا حاجة للخوض في تفاصيل أسانيدها؛ لوضوح كونها على درجةٍ عاليةٍ من الاعتبار الشرعي والعملي.

                        2- مضمون هذه الأخبار ومحتواها: الاستحباب المؤكّد للبكاء والإبكاء على سيد الشهداء صلوات الله عليه وما يترتب عليهما من عظيم أجرٍ عند الله سبحانه وتعالى. أمّا الذي نخصّه بالذكر والبحث هنا من بينهما فهو الإبكاء وذلك أنّ البحث منعقد لأجله منذ البداية. والذي نراه واضحاً في هذه الروايات الشريفة أنّ الأولى والثانية منها تحدّثت عن الإبكاء بنحوٍ عام من دون ذكر أي مصداقٍ من مصاديق الإبكاء فجاء لسانها: (بكى وأبكى) من دون ذكر أي أسلوب من أساليب الإبكاء، وأما ما تبقّى منها فقد جاء مشتملاً على ذكر مصداقٍ من أهم مصاديق الإبكاء خصوصاً في زمان الأئمة (9) (عليهم السلام) وهو إنشاد الشعر لأجل الإبكاء على الحسين المظلوم صلوات الله وسلامه عليه. وإلا فمن المعلوم أنّ الإبكاء ليس له من أسلوب معيّن فقد يكون من طريق: ذكر المصيبة نثراً بلحنٍ حزين، أو من دون لحن، أو بإنشاد الشعر إلقاءً، أو بصوتٍ شجيّ، أو بتأليف كتابٍ يستدرّ الدمعة من قارئه ومطالعه، أو بإنتاج فيلم سينمائي أو تلفزيوني روائياً كان أو وثائقيّاً يعرض الواقعة بكل آلامها وأشجانها، أو بإخراج مسرحيةٍ أو تمثيليةٍ تهيج الدمع والعبرات، أو برسم لوحةٍ فنيةٍ تعبّر عن جراحات ضمائر الأحرار وآلامها لما لقي سبط النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، أو بإقامة المسيرات العزائية والمواكب الحسينية من مواكب اللطم وضرب السلاسل والتطبير الحسيني إلى غير ذلك من فنون العزاء الحسيني وأشكاله والتي هي من أهم أسباب الإبكاء وطرقه. علماً أن أسباب الإبكاء وأساليبه ليست منحصرةً في ما ذكر وإنّما يبقى الباب مفتوحاً في هذا المجال لكل أشكال التعبير وتهييج الأحزان لأجل مصاب سيد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه.

                        3- يظهر بوضوحٍ جليّ مما تقدّم الاستحباب المؤكّد للإبكاء على سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام، ويظهر أيضاً أنّ مواكب التطبير الحسيني من أهمّ أسباب الإبكاء وتهييج العبرات، لذا فإنّ هذا الاستحباب سيسري حتماً على هذه الشعيرة الحسينية المبكية كما يسري على غيرها من الشعائر الحسينية الأخرى المبكية وكذلك الأساليب التعبيرية المختلفة المكية أيضاً والتي ذكرنا قبل قليلٍ أمثلةً منها في قائمةٍ لذكر أنواع مختلفة من أساليب الإبكاء على الحسين (عليه السلام). ولا يخفى فإنّ القول: بأنّ مواكب التطبير الحسيني من أهم أسباب الإبكاء هو ما يشهد به الواقع على الأرض ويقرّبه أرباب العزاء الحسيني والجماهير الغفيرة المشاركة في الحضور وأهل البيت أدرى بالذي فيه؛ حيث يتجمّع أهل التطبير عند فجر عاشوراء في تكاياهم وحسينياتهم، وهم يرتدون أكفانهم البيضاء، بعد تأدية صلاة الصبح، تقرأ زيارة عاشوراء، تتبعها قراءة شجية جداً لقصّة مذبح الحسين ومقتله (عليه السلام) بنحو مختصر، مع مقاطع من زيارة الناحية المقدّسة، ثم ترتفع الصيحات والصرخات: يا حسين.. يا حسين، والبكاء والنحيب يهزّ الأرجاء، وتقرع الطبول، وتمتشق السيوف، وبصوتٍ واحدٍ تتدافع الدموع متدفّقةً كأنّها عين جارية:

                        يا فاطمه قومي إلى الطفوف هـــذا حسين طعمة السيوف

                        حيدر.. حيدر .. حيدر

                        فتجرى الدماء نازفةً تذكّر بأقدس دم سفك على وجه الأرض، مشفوعةً بالدموع والعبرات، والآهات والحسرات، فكم من باكٍ أو باكية، حيث لا ترى إلاّ أجواءً مشحونةً بالعاطفة الحسينية الجيّاشة، ولا تسمع إلاّ ندبةً وصراخاً حسينياً يهزّ سمع الملكوت.. فكأنها الغاضريات وصوت حسين يجرف الدهور ويمزّق أستار القرون!!!

                        فيــــا أيها الوتر في الخالدين فـــــذّاً إلــــى الآن لـــم يشفع

                        ويـــا عـظة الطامحين العظام للاهيـــــن عــــــن غدهم قنّع

                        أبا عبد الله صلى الله عليك.. فما قدر الدموع؟! وما قدر الدماء؟! في محراب أحزانك، (أشهد أنّ دمك سكن في الخلد واقشعرّت له أظلّة العرش، وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السبع، والأرضون السبع، وما فيهنّ، وما بينهن، ومن يتقلّب في الجنة والنار من خلق ربّنا، وما يرى، وما لا يري) (10).

                        ولا أملك إلاّ أن أقول: بأنّ مواكب التطبير الحسيني هي دماء نازفة، ودموع مسفوحة، وقلوب واعية تطوف في محراب عشقها في الفناء الحسيني الأرحب، وتستضيء بنور مصباح الهدى؛ كي تفوز بسفينة النجاة الآمنة. فطوبى لكم أحباب الحسين (عليه السلام)، وطوبى لكم أيها النازفون دماً ودمعاً في محراب عشقه ومودّته.

                        تعليق


                        • #13
                          ثالثاً - إحياء أمر الإمام الحسين (عليه السلام):

                          1- (عن الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لفضيل: تجلسون وتتحدّثون؟ قال: نعم، جعلت فداك. قال: إنّ تلك المجالس أحبّها فأحيوا أمرنا يا فضيل! فرحم الله من أحيى أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر).

                          عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 282 ح 14، نقلاً عن قرب الإسناد ص 26.

                          2- (عن علي بن الحسين بن فضّال، عن أبيه قال: قال الرضا (عليه السلام): من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) (11).

                          وهنا أمور لابدّ من ذكرها والإشارة إليها:

                          1- إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) عموماً، وإحياء الأمر الحسيني والقضية الحسينية خصوصاً واجب شرعيّ أكيد يوجبه العقل (12) قبل الشرع وتؤكّد الأدلة الشرعية بشكلٍ واضحٍ وقطعي من نصوصٍ دينيّة وسيرة متشرّعة إلى غير ذلك من المرتكزات العقلية والشرعية. وهذه مسألة مفروغ منها في دنيا الفقه والأحكام، ومن البديهيات التي لا يختلف عليها اثنان من فقهائنا بأيّ وجهٍ من الوجوه. نعم يمكن القول بأنّ إحياء الأمر على مرتبتين منه ما هو واجب لا يجوز تركه بأيّ حالٍ من الأحوال، ومنه ما هو مندوب ومستحبّ إتيانه بنحوٍ أكيد يترتب عليه عظيم الأجر والثواب.

                          2- ليكن معلوماً إنّ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) الآمرة وجوباً أو استحباباً بإحياء أمرهم كثيرة جداً. وإني لم أتناولها بالذكر لوضوح أمرها عند أهل الشرع والدين. وما ذكرت هذين الحديثين الشريفين إلاّ لأجل التبرك بهما أولاً. وثانياً لظهورهما في إحياء الأمر المستحب الذي يدور الحديث عنه في هذا المقام.

                          3- الروايتان المذكورتان تدلاّن على أهمية إحياء أمرهم (عليهم السلام) وتصرّحان باستحبابه المؤكّد. مع اشتمالهما على ذكر بعضٍ من الأمور التي هي من الأسباب المهمة في إحياء الأمر من قبيل إقامة مجالس الذكر والعزاء، وتذكّر مصائب أهل البيت (عليهم السلام) وذكرها، والبكاء والإبكاء في سبيل ذلك، وهكذا كلّ أمرٍ يوصلنا إلى نفس هذا المطلوب.

                          4- من كلّ ما تقدّم يتجلّى بوضوحٍ أنّ التطبير حزناً وجزعاً على سيد الشهداء صلوات الله عليه مصداق واضح من مصاديق إحياء الأمر من جهةٍ كونه سبباً قوياً من أسباب الإبكاء على الحسين (عليه السلام) وقد مرّ بيان ذلك فضلاً عمّا أشارت إليه الروايتان اللتان بين أيدينا من إن الإبكاء مصداق من مصاديق إحياء الأمر أيضا، هذا أولاً. وثانياً لما في التطبير الحسيني من بعد جماهيري واسع؛ حيث الجموع الغفيرة المشاركة في هذا الموكب والجموع المتفاعلة والمتأثرة بها. ولا شكّ فإنّ أهم أمرٍ في إحياء الأمر العقائدي هو جماهيرية العمل وانتشار تأثيره خصوصاً إذا كان ذا ميزةٍ عاطفية ثرّة كالتطبير الحسيني. ومن كل ذلك يبدو واضحاً سريان حكم الاستحباب على التطبير حزناً وجزعاً على سيد الشهداء صلوات الله عليه، لكونه مصداقاً من أوضح مصاديق إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) عموماً، وإحياء أمر الحسين صلوات الله عليه بنحو خاص.

                          توضيحات:

                          1- ربّما يقول قائل: إنّ إظهار الجزع والإبكاء من جملة مصاديق إحياء الأمر. فلأيّ سببٍ جعلنا كلّ واحدٍ من هذه الثلاثة موضوعاً ودليلاً قائماً برأسه؟ وجواب ذلك: إنّ الناظر والمتفحّص بدقةٍ في كلمات أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم يجد بوضوحٍ أنّ الجزع مطلوب بنفسه بما هو، ومن جملة آثاره أنه يكون سبباً في إحياء الأمر. وكذلك الإبكاء فهو مطلوب بنفسه بما هو أيضاً لما فيه وفي الجزع من منافع معنوية وتربوية تصقل روح الإنسان، وتذكّي وجدانه، وتغسل عواطفه من كلّ شائبةٍ تلحق بها، راسمةً لها جادّة صوابها. فكل واحدٍ منهما مطلوب بنفسه بما هو هو، وفي بعض جهات كلّ واحدٍ منهما سبب لإحياء الأمر، ومن هنا جعلنا كل واحدٍ من هذه الثلاثة: الجزع المقدّس، والإبكاء، وإحياء الأمر الحسيني موضوعاً ودليلاً قائماً برأسه.

                          2- حكم الاستحباب المؤكّد يسري بنحو الأصالة على إظهار الجزع على الحسين (عليه السلام)، وعلى الإبكاء عليه، وعلى إحياء أمره صلوات الله عليه؛ وذلك لورود النصوص الشريفة عن المعصومين (عليهم السلام) بخصوص كل واحد من هذه الثلاثة. أما سريان هذا الاستحباب على التطبير حزناً وجزعاً على سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام فهو من باب التفرّع والمصداقية، إذ أنّ التطبير الحسيني مصداق واضح لإظهار الجزع، والإبكاء، وإحياء الأمر، ومن هنا كان جريان حكم الاستحباب عليه. لا من باب ورود نصّ خاصّ يأمر بهذا النحو المعين من العزاء. وإنّما كان ذلك عملاً موافقاً لما رواه البزنطي في جامعه عن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا) (13)، وما رواه أيضاً في جامعه عن الإمام الرضا (عليه السلام): (علينا إلقاء الأصول إليكم، وعليكم التفريع) (14).

                          زبدة القول:

                          استحباب إظهار الجزع على ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واستحباب الإبكاء عليه، واستحباب إحياء أمره (عليه السلام).

                          أمور ثابتة لا شكّ فيها وقد تبيّنت ذلك واضحاً يا قارئي العزيز فكذاك هو التطبير حزناً وجزعاً على سيد الشهداء صلوات الله عليه حقّ لا ريب فيه ويجري عليه حكم الاستحباب لكونه مصداقاً واضحاً لإظهار الجزع المستحب، والإبكاء المستحب، وإحياء الأمر المستحب. وقد مرّت بك الأدلة واضحةً جلية. وستأتيك أدلة أخرى وأخرى، (ويأتيك بالأنباء من لم تزوّد).


                          أدلّة أخرى.. لعلّهم يبصرون!

                          أولاً - حزن نبيّ الله يعقوب (عليه السلام) (وتولّى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين).[سورة يوسف: الآية 84 و 85]. وهنا ثمّة فوائد:

                          الفائدة الأولى: في المعاني اللغوية

                          ابيضّت عيناه: أصابها البياض وهو فقدان البصر. ويقول صادق العترة (عليه السلام): (البكاؤون خمسة آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين، فأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره) (15).

                          وبصريح القرآن العزيز أنه (عليه السلام) ما ارتدّ بصيراً حتى شمّ قميص ولده يوسف: (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتدّ بصيرا) (16).

                          تالله تفتؤا تذكر يوسف: لا تفتر عن ذكر يوسف ولا تنقطع عنه.

                          حرضاً: مشرفاً على الهلاك أو ميتاً.

                          الفائدة الثانية: في قوّة حجّية الاستدلال بحالة نبيّ الله يعقوب (عليه السلام) في المقام الذي نحن فيه وذلك من جهة:

                          أ- أنها سيرة نبيّ معصوم يبيّنها لنا الباري سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (17).

                          ويقرّرها لنا لأجل الاعتبار والتأسّي بسيرة أوليائه الطاهرين.

                          ب - استدلّ بها إمامنا السجاد (عليه السلام) حين سئل عن طول حزنه وبكائه وجزعه على سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه حيث يروي لنا شيخنا أبو القاسم جعفر بن قولويه (ره) بأسانيده الموثوقة المعتبرة: (أشرف مولى لعلي بن الحسين (عليهما السلام) وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا مولاي يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه إليه وقال: ويلك والله لقد شكى يعقوب إلى ربّه في أقلّ مما رأيت حتى قال: (يا أسفي على يوسف)، إنه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبّحون حولي) (18).

                          وفي بحار الأنوار رواية أخرى أنه حين قال له أحد مواليه: (أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له (صلوات الله عليه): ويحك إنّ يعقوب النبي (عليه السلام) كان له اثنا عشر ابناً فغيّب الله واحداً منهم، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغمّ، وكان ابنه حيّاً في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟) (19).

                          الفائدة الثالثة: مدلول الآيتين الشريفتين

                          دلّت الآيتان الكريمتان 84 و 85 من سورة يوسف المباركة على معان عديدة من أهمّها:

                          أ- أولوية إظهار الحزن والجزع والبكاء على أولياء الله حزناً على مصابهم أو شوقاً إليهم.

                          ب - أفضلية مثل هذا العمل على غيره خصوصاً وان النبي يعقوب (عليه السلام) علم بأنّ فقدان البصر سيؤثر بشكلٍ وآخر على أعماله الأخرى والتي يكون التبليغ والإرشاد ورعاية أمور أتباعه من أهمها ومع ذلك فهو قد بكى وبكى حتى كفّ بصره لما يجده من فضلٍ وعظيم أجر في بكائه شوقاً وحزناً على فراق ولي الله، ولما في علمه من أنّ بكائه وحزنه هذا مفضّل عند الله تعالى على غيره من سائر الأعمال الأخرى وإلا لما فعله فهو نبي معصوم وأسوة حسنة لأتباعه ومن يقتدي به من المؤمنين.

                          ج- أفضلية وأولوية ورجحان التعرّض للضرر الشديد كفقدان البصر وانطفاء نور العينين وغير ذلك بسبب الحزن والغمّ والبكاء والنحيب والجزع لأجل أولياء الله. علماً أن قيمة العينين كقيمة الحياة وهذا ما قررّه الشرع المبين في أحكام الديات إذ جعل دية العينين كدية إنسان كامل.

                          د- لم يكن تعرّض النبي يعقوب (عليه السلام) لهذه الأضرار الكبيرة من دون قصدٍ وسابق علمٍ وكأنّها حصلت بغتةً فجأة بل إنّ الأمر كان يحصل بعلمه وبعلم الآخرين من حوله إلا ترى القرآن العظيم يخبرنا عن قولهم له (عليه السلام): (حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين)، لأنهم كانوا يرون بأمّ أعينهم أيّ ضررٍ وألمٍ يلحقه بنفسه بسبب شوقه وحزنه وجزعه على ولي الله.

                          الفائدة الرابعة: في علم نبيّ الله يعقوب بحياة ولده يوسف (عليهما السلام):

                          من دون مقدماتٍ لابدّ من القول: إن يعقوب النبي (عليه السلام) كان على علمٍ بحياة ولده يوسف (عليه السلام) وإليك ما جاء من تلويحٍ وتصريحٍ بهذا الخصوص في كتاب الله العزيز:

                          1- (فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا). [سورة يوسف: الآية 83].

                          2- (قال إنّما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون). [سورة يوسف: الآية 86].

                          3- (يا بنيّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تايئسوا من روح الله إنّه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون). [سورة يوسف: الآية 87].

                          4- (ولمّا فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون، قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم، فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتدّ بصيراً، قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون). [سورة يوسف: الآيات 94 و 95 و 96].

                          تعليق


                          • #14
                            وأمّا الروايات الشريفة فإليك نموذج منها:

                            1- (عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أخبرني عن يعقوب حين قال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) كان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من الحزن والبكاء؟ قال: نعم علم أنه حي؛ أنه دعى ربه في السحر أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت في أطيب رائحة وأحسن صورة، فقال له: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، أليس سألت الله أن ينزلني عليك؟ قال: نعم. قال: ما حاجتك يا يعقوب؟ قال: اخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أو تفاريق؟ قال: يقبضها أعواني متفرقة وتعرض عليّ مجتمعة. قال يعقوب: فأسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف؟ فقال: لا؛ فعند ذلك علم أنه حي.

                            فقال لولده: (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تياسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (20).

                            2- (عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام): وكان يعقوب يعلم أنّ يوسف حي لم يمت وأنّ الله تعالى ذكره سيظهره له بعد غيبته، كان يقول لبنيه: إني اعلم من الله ما لا تعلمون) (21).

                            ولا أظنّك يا قارئي العزيز أنّك بحاجةٍ إلى أكثر من ذلك لأجل بيان هذا الأمر و شرحه.

                            الفائدة الخامسة: زبدة القول

                            لقد بلغ ما بلغ من حزن يعقوب (عليه السلام) أن فقد بصره وابيضّ شعره وتقوّس ظهره وأسرع إليه الهرم حتى قال عنه إمامنا الصادق (عليه السلام) حين سألوه: (ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال (عليه السلام): حزن سبعين ثكلى حرّى) (22)، وكان ذلك منه مع علمه بحياة ولده. وقد جاء في رواية علي بن إبراهيم (ره) في تفسيره المعروف أنه كان بين يوسف وأبيه مسافة ثمانية عشر يوماً لا غير ومع كلّ ذلك فإنّ نبي الله يعقوب (عليه السلام) قضى سنينه في الحزن العظيم والجزع الشديد؛ ولو لم يكن ذلك من أعظم القربات إلى الله سبحانه وتعالى لما فعله هذا النبيّ المعصوم سلام الله عليه، ولما قرّره الباري جلّ شأنه في كتابه العزيز.

                            فهل يحق لأحد بعد ذلك من أهل الدين والشرع أن يشكّك في جواز بل مندوبية واستحباب إلحاق ضرر لا يعتدّ به في إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة لإظهار الحزن والجزع على مصاب أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. وقطعاً فقد تبيّن لك مما تقدم إن التطبير الحسيني لا ضرر فيه وحتى إن وجد فهو ممّا لا يعتدّ به. وأين يقع ضرر التطبير الحسيني على فرض وجوده من ضرر العمى وفقدان البصر؟! فلمّا جاز هذا جاز ذلك مع أولويةٍ وأفضليةٍ وتأكيد لجهات ثلاث يتميز بها الجزع والحزن على سيد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه عن جزع وحزن يعقوب على ولده (عليهما السلام):

                            1- للفارق العظيم بين المنزلتين والمقامين لسيد الشهداء صلوات الله عليه ويوسف الصديق (عليه السلام).

                            2- لعظمة مصيبة أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه التي لا تشبهها مصيبة ولا تدانيها رزية؛ إذ لا يمكننا المقايسة بين الذي جرى على يوسف (عليه السلام) وبين ما جرى على غريب الطفوف عليه افضل الصلاة والسلام.

                            3- للفارق الكبير جداً جداً بين ملابسات القضيتين وآثارهما، فأين وجه المقارنة أو المقايسة بين قضية عائليةٍ محدودة جوهرها التحاسد بين أخوةٍ لأبٍ واحد في بيتٍ واحد وعائلةٍ واحدة، وبين القضية الحسينية الخالدة بكل أبعادها، وظروفها، وبكل أهدافها، وآلامها، وآمالها، وتضحياتها، ومآسيها الجسام القاسية؛ والتي دوّخت العقول عبر الأجيال والعصور؟!

                            وختاماً يا قارئي العزيز فإني أقول بملء فمي: إنّ الذي تدل عليه وبوضوح آيات الكتاب الكريم في قصة يعقوب و يوسف (عليهما السلام) هو جواز بل استحباب إلحاق الضرر بالنفس في مواطن الحزن والجزع على أولياء الله؛ لما في ذلك من عظيم أجرٍ وسمّو هدفٍ وجليل نفعٍ وجزيل فائدة مثمرة. ولا يخفى عل كلّ منصفٍ من محبي أهل البيت (عليهم السلام) إن التطبير الحسيني ليس فيه من إضرار واقعيّ بالنفس بل هو إضرار موهوم ومدّعى إذ لا حقيقة له والتجربة الطويلة الوافرة وتأريخ مواكب التطبير الحسيني أدلّ دليلٍ على ذلك. ومن هنا فإذا جاز إلحاق الضرر بالنفس حزناً وجزعاً على أولياء الله بحسب آيات الكتاب الكريم في قصة يوسف (عليه السلام). فكيف سيكون القول في التطبير الحسيني الذي لا ضرر ولا إضرار فيه على النفس إذاً؟ ولكن (أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها) (23).

                            و واعجباً ممّن يدّعي العلم والفقه والرئاسة الدينية وهو يرى رضا الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم عن حزن نبي معصوم لغيبة ولده أضرّ به حتى أفقده بصره مع علمه بحياة ولده؛ وإنّما كان ذلك منه شوقاً وحسرةً عليه بسبب ما يلقاه من مصاعب الحياة وبلاءاتها. كيف يتجرّأ ويعلن عدم رضا الله سبحانه وتعالى عن مواكب التطبير الحسيني حزناً وجزعاً على مصاب لا مثيل له عبر تاريخ البشرية والى يوم القيامة (قل أ الله إذن لكم أم على الله تفترون) (24).

                            ولا أسهب في الكلام اكثر من ذلك، إلا أنني أقول: إذا كان قميص يوسف (عليه السلام) ببركته ويمنه ردّ البصر والنور إلى العينين اللتين انطفأ ضوءهما حزناً وجزعاً لأجل فراقه وشوقاً إليه. فإنّ تراباً جالت عليه خيول الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وصحبه الأوفياء وداسته بحوافرها هو تراب الغاضريات جعل الله فيه الشفاء من كل داء. وإنّ كلّ قطرة دمعٍ أو دمٍ سالت حزناً وجزعاً على أبي عبد الله صلوات الله عليه تردّ البصيرة قبل البصر، وتجلي العقول، وتطهر القلوب، وترفع النفس الإنسانية إلى المراتب السامية.

                            ثانياً - خطبة أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله وسلامه عليه وهي خطبته المعروفة المشهورة والتي أولها: (أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصّة أوليائه..)، وقد خطبها حين وردت الأخبار بما فعله أصحاب معاوية لعنة الله عليه وعليهم لما غزوا الأنبار. فكان ممّا قاله عليه أفضل الصلاة والسلام: (وهذا أخو غامد وقد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان بن حسّان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة (25)، فينتزع حجلها (26) وقلبها (27) وقلائدها ورعثها (28)، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع (29) والاسترحام ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كلم (30)، ولا أريق لهم دم؛ فلو أنّ امرءاً مسلمـــاً مات مـــن بعــــد هـــذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً (31)) (32).

                            وأمّا مصادر هذه الخطبة الشريفة فهي كثيرة جداً ومن أهمّها:

                            نهج البلاغة ص 69 و ص 70 خ 27.

                            الكافي ج 5 ص 7 و ص 8 ح 6 ب 1 فضل الجهاد.

                            وقد رواها أيضاً شيخ الطائفة (ره) في تهذيب الأحكام ج 6 ص 54 ح 11 والشيخ الصدوق (ره) في معاني الأخبار، والشيخ المجلسي (ره) في بحار الأنوار، وأشار إليها الحر العاملي (ره) في الوسائل ج 11 وغيرهم كثير جداً.

                            وأظنّ يا قارئي العزيز أنّ وجه الاستدلال واضح فيها لا غبار عليه ولا غبش فيه؛ فسيد الأوصياء صلوات الله وسلامه عليه في خطبته هذه ما هو بلائمٍ لأي مسلم مات أسفاً وحسرةً لما جرى على نساء الأنبار من رعايا دولة أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام حين سلب أتباع معاوية لعنة الله عليه وعليهم حليّ نساء المسلمين ونساء أهل الذمة من اليهود أو النصارى بعد أن قتلوا عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) على الأنبار وعاثوا في الأرض فسادا. بل أنه (عليه السلام) يراه جديراً بالاحترام والتقدير، إذ يقول صلوات الله عليه: (بل كان عندي به جديرا).

                            فإذا كان الموت أسفا وحزناً لسلب امرأة يهودية من رعايا دولة أمير المؤمنين (عليه السلام) حليها وزينتها أمراً يستحق الإنسان عليه التقدير والإكرام عند سيد الأوصياء صلوات الله وسلامه عليه فما بالك أيها المنصف في الذي جرى على عقيلة العقائل زينب الكبرى وعلى بنات أمير المؤمنين ونساء الحسن والحسين وآل بيت النبي صلوات الله عليهم جميعاً في عرصات الطفوف وما بعدها؟! وما بالك في الذي جرى على سيد الشهداء صلوات الله عليه قبل الذبح وبعده؟!

                            فأين الإنصاف يا ترى.

                            وأين الحقّ يا ترى؟

                            فلسلب امرأةٍ يهودية من أهل الذمة يجوز الموت أسفاً.. بل من مات بسبب ذلك أسفاً وحسرةً كان به جديرا! مع أنّ الثابت فقهاً حرمة الجزع في غير مصاب الحسين (عليه السلام) مطلقاً والنصوص شاهدة بذلك والجزع يا قارئي العزيز اشد بكثير جداً من الأسف فإذا كان الموت يعدّ من الأسف كما هو واضح وجلي في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) فكيف بالجزع ومراتبه؟!

                            ولا أريد الإطالة عليك، لكنّ مخلص القول هو:

                            1- ممدوحية الموت أسفاً لسلب امرأة يهودية من أهل الذمة.

                            2- وعلى ما تقدم فإنّ الموت من درجات ومراتب الأسف.

                            3- ومن المعلوم فإنّ الأسف اقل بكثيرٍ من الجزع.

                            4- تأكيد المعصومين (عليهم السلام) وأمرهم لنا بإظهار الجزع على مصاب الحسين (عليه السلام) والذي هو أعلى درجة من الأسف بكثير بل جاء في بعض النصوص الشريفة التي تقدّم ذكرها قبل قليل في نفس هذا الفصل الحثّ على الهلع وهو أفحش الجزع. ولقد جزع وهلع إمامنا السجاد(عليه السلام) على مصاب أبيه (عليه السلام) كما حدثنا بذلك عن نفسه المقدّسة.

                            فما هي النتيجة بعد ذلك يا ترى؟

                            أظنّ أنّ الأمر بات واضحاً لذي عينين؛ أفبعد كل هذا؟! كيف يمكن الاستشكال على جراحةٍ محدودة وخروج مقدار محدود من الدم لا يسبّب أدنى ضررٍ للإنسان يفعله عشاق الحسين صلوات الله عليه في مواكب حزنهم وجزعهم عليه وعلى أهل بيته الأطهار وصحبه الأخيار؟!

                            ولكن ما عشت أراك الدهر عجبا!!!

                            ثالثاً- استحباب زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه مع الخوف على النفس ووجود المخاطر العظيمة:

                            والأحاديث والأخبار عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم كثيرة وفيرة في هذا المضمون. وهاأنا ذاكر لك بعضاً منها:

                            1- (عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول فيمن زار أباك على خوف؟ قال: يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر، وتلقّاه الملائكة بالبشارة، ويقال له: لا تخف ولا تحزن هذا يومك الّذي فيه فوزك).

                            جاء مروياً في:

                            1- كامل الزيارات طبعة طهران ب 45 ح 1 ص 135.

                            2- وسائل الشيعة ج 10 ب 47 ح 1 ص 356.

                            3- بحار الأنوار ج 101 ص 11.

                            2- (عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إني أنزل الأرّجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتّى ارجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح، فقال: يا ابن بكير أما تحبّ أن يراك الله فينا خائفاً؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه، وكان محدّثه الحسين (عليه السلام) تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقّرته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة).

                            جاء مروياً في:

                            1- كامل الزيارات ب 45 ح 2 ص 135 و ص 136.

                            2- وسائل الشيعة ج 10 ب 47 ح 2 ص 356.

                            3- بحار الأنوار ج 101 ص 11.

                            3- (عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين (عليه السلام) لخوف، فإنّ من تركه رأى من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان عنده، أما تحب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والأئمة (عليهم السلام)؟ أما تحب أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويغفر له ذنوب سبعين سنة؟ أما تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا وليس عليه ذنب يتبع به؟ أما تحب أن تكون غداً ممن يصافحه رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟.

                            جاء مروياً في:

                            1- كامل الزيارات ب 40 ح 3 ص 127 و ب 45 ح 3.

                            2- وسائل الشيعة ج10 ب 37 ح 7 ص 321.

                            3- بحار الأنوار ج 101 ب 1 ح 30 ص 8.

                            وقد مرّ ذكر هذا الحديث بتمامه نقلاً عن الوسائل في الفصل الأول من هذا الكتاب.

                            4- عن محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه سأله: (هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: نعم على خوف ووجل، فقال (عليه السلام): ما كان في هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لربّ العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلّمت عليه الملائكة، ورآه النبي (33) (صلى الله عليه وآله) وما يصنع، ودعا له، وانقلب بنعمةٍ من الله وفضل لم يمسسه سوء واتّبع رضوان الله) (34).

                            تعليق


                            • #15
                              5- ما جاء في حديث قدامة بن زائدة، عن أبيه قال: (قال علي ابن الحسين (عليهما السلام): بلغني يا زائدة أنّك تزور قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أحياناً؟ فقلت: إنّ ذلك لكما بلغك، فقال لي: فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمة من حقّنا؟ فقلت: والله ما أريد بذلك إلاّ الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله إنّ ذلك لكذلك؟ فقلت: والله إنّ ذلك لكذلك، يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً. فقال: أبشر ثم أبشر ثم أبشر).

                              وقد مرّ عليك يا قارئي العزيز هذا الحديث الطويل بتمامه في الفصل الأول من هذا الكتاب الذي بين يديك نقلاً عن كامل الزيارات ب 88 من ص 273 إلى ص 278، فراجعه مرةً أخرى وأخرى تغتنم إن شاء الله تعالى.

                              6- (عن الأصمّ (35) قال: حدّثنا هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل، قال: أتاه رجل فقال له: يا ابن رسول الله هل يُزار والدك؟ قال: فقال نعم ويصلّى عنده، وقال: يصلى خلفه ولا يتقدّم عليه، قال: فما لمن أتاه؟ قال: الجنة إن كان يأتمّ به، قال: فما لمن تركه رغبةً عنه؟ قال: الحسرة يوم الحسرة، قال: فما لمن أقام عنده؟ قال: كلّ يوم بألف شهر، قال: فما للمنفق في خروجه إليه والمنفق عنده؟ قال: درهم بألف درهم، قال: فما لمن مات في سفره إليه؟ قال: تشيّعه الملائكة، وتأتيه بالحنوط والكسوة من الجنّة، وتصلّي عليه إذا كفّن وتكفّنه فوق أكفانه، وتفرش له الرّيحان تحته، وتدفع الأرض حتّى تصوّر من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال، ومن خلفه مثل ذلك، وعند رأسه مثل ذلك، وعند رجليه مثل ذلك، ويفتح له باب من الجنّة إلى قبره، ويدخل عليه روحها وريحانها حتى تقوم الساعة، قلت: فما لمن صلّى عنده؟ قال من صلّى عنده ركعتين لم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إيّاه، قلت: فما لمن اغتسل من ماء الفرات، ثمّ أتاه؟ قال: إذا اغتسل من ماء الفرات وهو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه، قال: قلت: فما لمن يجهز إليه ولم يخرج لعلّةٍ تصيبه؟ قال: يعطيه الله بكلّ درهم أنفقه مثل أُحُد من الحسنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفقه، ويصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه، ويدفع عنه، ويحفظ في ماله، قال: قلت: فما لمن قتل عنده، جار عليه سلطان فقتله؟ قال: أول قطرة من دمه يغفر له كلّ خطيئة، وتغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين، ويذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ إيماناً فيلقى الله وهو مخلص من كلّ ما تخالطه الأبدان والقلوب، ويكتب له شفاعة في أهل بيته وألف من إخوانه، وتولّى الصلاة عليه الملائكة مع جبرائيل وملك الموت، ويؤتى بكفنه وحنوطه من الجنّة، ويوسّع قبره عليه ويوضع له مصابيح في قبره ويفتح له باب من الجنّة وتأتيه الملائكة بالطرف من الجنّة، ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً إلى حظيرة القدس، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتى تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئاً. فإذا كانت النفخة الثانية وخرج من قبره كان أوّل من يصافح رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والأوصياء (عليهم السلام) ويبشّرونه ويقولون له: الزمنا، ويقيمونه على الحوض فيشرب منه ويسقي من أحبّ. قلت: فما لمن حبس في إتيانه؟ قال: له بكل يوم يحبس ويغتم فرحة إلى يوم القيامة، فإن ضرب بعد الحبس في إتيانه كان له بكلّ ضربةٍ حوراء وبكلّ وجع يدخل على بدنه ألف ألف حسنة ويمحى بها عنه ألف ألف سيّئة، ويرفع له بها ألف ألف درجة، ويكون من محدّثي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يفرغ من الحساب، فيصافحه حملة العرش ويقال له: سل ما أحببت. ويؤتى ضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء ولا يحتسب بشيء ويؤخذ بضبعيه حتى ينتهي به إلى ملك يحبوه ويتحفه بشربةٍ من الحميم، وشربةٍ من الغسلين، ويوضع على مقالٍ في النار فيقال له: ذق ما قدّمت يداك فيما أتيت إلى هذا الذي ضربته، وهو وفد الله ووفد رسوله ويؤتى بالمضروب إلى باب جهنّم فيقال له: انظر إلى ضاربك والى ما قد لقي فهل شفيت صدرك، وقد اقتصّ لك منه؟ فيقول: الحمد لله الذي انتصر لي ولولد رسوله منه).

                              وقد جاء هذا الحديث مروياً في:

                              1- كامل الزيارات ب 44 ح 2 ص 133 و ص 134.

                              2- بحار الأنوار ج 101 ص 79.

                              3- مستدرك الوسائل ج 2 ص 209 الطبعة الحجرية.

                              بيان:

                              بعد ذكر هذه الروايات والأحاديث التي لا يحتاج فهمها ومعرفة فحواها إلى جهدٍ جهيد، اُلخّص الكلام في النقاط التالية:

                              1- الروايات المتقدمة كلها منقولة من كتاب كامل الزيارات الذي يعتبر بين المحققين من العلماء والفقهاء والمحدّثين أنه من أوثق كتب الطائفة وأعلاها منزلة وأشدّها اعتباراً (36).

                              2- متون هذه الروايات تدلّ بوضوحٍ على:

                              أ- جواز بل استحباب إلحاق الضرر بالنفس لو استلزم ذلك في سبيل زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه.

                              ب - عظيم الثواب والأجر، وعظيم المنزلة والزلفى والقرب من الله سبحانه وتعالى بسبب ما يتحمّله الإنسان من أضرار تلحق به أو مخاطر عظيمة قد تودي بحياته في سبيل زيارة أبي عبد الله الحسين المظلوم صلوات الله وسلامه عليه) (37).

                              3- البعد الأهم في ملاك تشريع الزيارة الحسينية المقدّسة كما يبدو من كلمات المعصومين (عليهم السلام) هو بعد تربوي عقائدي: تربوي من حيث العبرة والأسوة الحسينية بكل كمالها وحقّها وهداها، وعقائدي من حيث تمتين وتشديد الرابطة الصحيحة بين الجماهير وقادتهم الربانيين وإذكاء شعلة الحق بإحياء القضية الحسينية، إضافةً لما يترتب على ذلك من عظيم الأجر والثواب، وتضاعف الحسنات، ومحو السيئات، وغفران الذنوب، وتوفيق الطاعة والعمل الصالح، ودفع البلاء في الدين والدنيا؛ لذا كان هذا الحثّ الأكيد من المعصومين (عليهم السلام) للتوجّه إلى زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه ولو استلزم ذلك قتل النفوس كما مرّ علينا في الأحاديث والروايات الشريفة التي ذكرت قبل قليل. فإذا جاز قتل النفس وتحمّل الأضرار والمخاطر الكبيرة في سبيل إحياء أمر الحسين (عليه السلام) بل يظهر الاستحباب بشكلٍ واضح من تلكم الروايات والأخبار. فما قيمة الضرر الهيّن على فرض وجوده في التطبير حزناً وجزعاً على سيد شباب أهل الجنّة صلوات الله وسلامه عليه إذاً؟! وما قيمة الاستهزاء والسخرية في مقابل ما يفعله الظالمون من تنكيل وتعذيب وتقتيل في سبيل إحياء أمر آل محمّد صلوات الله عليهم جميعاً؟! الجواب عندكم أيها المنصفون..

                              زبدة المخض:

                              من قصة يوسف (عليه السلام) القرآنية عرفنا جواز بل رجحان الإضرار بالنفس حتى درجة فقدان البصر شوقاً وحزناً على أولياء الله وما يجرى عليهم.

                              ومن خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) عرفنا جواز بل رجحان الموت أسفاً لأجل ما يجري من الأذيان والمحن على رعايا الدولة الإسلامية وان كانوا من أهل الذمة كما صار في واقعة غزو الأنبار من قبل أصحاب معاوية لعنة الله عليه وعليهم.

                              ومن أحاديث استحباب زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) مع الخوف عرفنا جواز بل رجحان تحمل البلايا والمخاطر العظيمة حتى درجة القتل في سبيل ذلك.

                              فهل يبقى لذي قول مقال؟!

                              وهل بعد ذلك إلا القول بجواز بل رجحان واستحباب التطبير حزناً وجزعاً على أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه؟!


                              وفي جوّ الإستدلال أيضاً:

                              شواهد ومؤيّدات

                              أ- من موارد الإدماء:

                              (عن مسلم الجصّاص قال: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصصّ الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت: مالي أرى الكوفة تضجّ؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد، فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: فتركت الخادم حتّى خرج ولطمت وجهي حتّى خشيت على عيني أن تذهب، وغسّلت يدي من الجصّ وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس. فبينما أنا واقف والناس يتوقّعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شُقّة تحمل على أربعين جملاً فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (عليها السلام) وإذا بعليّ بن الحسين (عليهما السلام) على بعير بغير وطاء، دماً وأوداجه تشخب ، وهو مع ذلك يبكي ويقول:

                              يـــا أمــة السوء لا سقياً لربعكم يـــا أمّـــة لـــم تــــراع جدّنا فينا

                              لـــو أنّـــنا ورســــول الله يجمعنا يـــــوم القـــيامة ما كنتم تقولونا

                              بنـــي أمـية ما هذا الوقوف على تـــلك المــصائب لا تلبون داعينا

                              تصــــفّقون عـــلينا كفّــــكم فرحاً وأنتـــم في فجاج الأرض تسبونا

                              أليـــس جـــدّي رسول الله ويلكم أهدى البريّــة من سبل المضلّينا

                              يا وقعة الطـفّ قد أورثتني حزنا والله يهتك أســــتار المســـــيئينا

                              قال وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أمّ كلثوم وقالت: يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض، قال كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم. ثمّ إنّ أمّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل، وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء. فبينما هي تخاطبهنّ إذا بضجّة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين (عليه السلام) وهو رأس زهريّ قمريّ أشبه الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله) ولحيته كسواد السبج (38) قد انتصل منها الخضاب، ووجه دارة قمرٍ طالع والريح تلعب بها يميناً وشمالا فالتفت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدّم المحمل، حتّى رأينا الدّم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:

                              يــــا هــلالاً لمّـــا استتمّ كمالا غـــــاله خســــفه فأبدا غروبا

                              ما توهّمت يا شقــــيق فؤادي كان هذا مقدّراً مكتوبــا) (39)

                              وفي الزيارة المفجعة التي يقرأها زوّار العقيلة (عليها السلام) حين المثول بين يدي ضريحها المقدّس في مشهدها المبارك:

                              (السلام عليك يا من نطحت جبينها بمقدّم المحمل إذ رأت رأس سيد الشهداء، ويخرج الدم من تحت قناعها ومن محملها بحيث يرى من حولها الأعداء).

                              2- (عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا (عليه السلام): إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح (40) جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.

                              ثمّ قال (عليه السلام): كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلى الله عليه) (41).

                              3- ومما جاء في زيارة الناحية المقدّسة، حيث يقول إمام زماننا (عليه السلام): (فلئن أخّرتني الدّهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكين لك بدل الدموع دماً، حسرةً عليك، وتأسّفاً على ما دهاك، وتلهّفاً حتّى أموت بلوعة المصاب، وغصّة الاكتئاب) (42).

                              4- وعن بحار الأنوار لشيخنا المجلسي (ره):

                              (إنّ آدم لمّا هبط إلى الأرض لم ير حوّا فصار يطوف الأرض في طلبها فمرّ بكربلا فاغتمّ وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الّذي قتل فيه الحسين، حتّى سال الدّم من رجله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به؟ فإنّي طفت جميع الأرض، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض. فأوحى الله إليه يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً فسال دمك موافقة لدمه، فقال آدم: يا ربّ أيكون الحسين نبيّاً؟ قال: لا، ولكنه سبط النبيّ محمّد، فقال: ومن القاتل له؟ قال: قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض. فقال آدم: فأيّ شيء أصنع يا جبرائيل؟ فقال: العنه يا آدم فلعنه أربع مرّات ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حوّا هناك) (43).

                              5- وعنه أيضاً:

                              (إنّ إبراهيم (عليه السلام) مرّ في أرض كربلا وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أيّ شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرائيل وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه. قال: يا جبرائيل ومن يكون قاتله؟ قال: لعين أهل السماوات والأرضين، والقلم جرى على اللّوح بلعنه بغير إذن ربّه فأوحى الله تعالى إلى القلم إنّك استحققت الثناء بهذا اللّعن. فرفع إبراهيم (عليه السلام) يده ولعن يزيد لعناً كثيراً وأمّن فرسه بلسان فصيح فقال إبراهيم لفرسه:

                              أيّ شيء عرفت حتّى تؤمّن على دعائي؟ فقال: يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك عليّ فلما عثرت وسقطت عن ظهري عظمت خجلتي وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالى) (44).

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X