بسم الله الرحمن الرحيم
الزهراء علّة بقاء الدين، وكل ما يقام في ذكراها قليل !
كلمة لسماحة آية الله العظمى الشيخ حسين وحيد الخراساني حفظه الله في درسه صباح هذا اليوم الأربعاء 10 جمادى الأولى 1435 هـ، الموافق 12-3-2014م
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين، واللعن على أعدائهم إلى يوم الدين.
مع اقتراب الأيام الفاطمية، فإن وظيفة الجميع إفهامُ عظمةِ ومقام ورِفعة هذه السيدة (ع)..
هذا البحث محير فعلاً، فوظيفة كل مسلم بالنسبة للفاطمية وللصدِّيقة الكبرى ثقيلة جداً !
وسنطرح إن سمح الوقت لنا رواية من مصادر العامة، ورواية من مصادر الخاصة، كي يفهم كل مسلم مهما كان مذهبه ما هي وظيفته بالنسبة ليوم شهادتها (ع).
نقل علماء الحديث والرجال عند العامة هذه الرواية: قال رسول الله (ص): أوّل شخصٍ يدخل الجنة فاطمة. (ميزان الاعتدال ج 2 ص 618 ، نظم درر السمطين ص 180 ، كنز العمال ج 12 ص 110 ، لسان الميزان ج 4 ص 16 ، سبل الهدى والرشاد ج 10 ص 386 ، ينابيع المودة ج 2 ص 322 ومصادر أخرى)
هذه الجملة بحر، وفقه هذا الحديث يُعجِزُ ويُحَيِّرُ كل فقيهٍ وحكيم.
هذه الرواية المنقولة عنه (ص) من طرقهم: أول شخصٍ يدخل الجنة فاطمة.
ويتوقف فهم هذا الحديث على إدراك عمق سورة الواقعة.
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً﴾ [الواقعة: 1-6]
في يوم الواقعة الخافضة الرافعة: أما الرفع فإلى الدرجات التي لا تُدرك ولا توصف، وأما الخفض فإلى أسفل السافلين !
﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً﴾: هذه الجبال كلها تصبح كالذرّ المنبث في الفضاء..
ما هو الحال في مثل هذا اليوم ومثل هذه الواقعة ؟ كله في هذه الجملة: ﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً﴾ [الواقعة : 7]
يقسم الناس الى اقسام ثلاثة: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون.
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: 10-11]
وينبغي فهم مقام السابقين، وذلك القرب والتقرب، ومراتب السبق كمّاً وكيفاً، حتى الوصول إلى (أسبق السابقين)، فمن هو أسبق السابقين ؟
أفضل الأولين والآخرين هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فهو أسبق السابقين، وذلك بضرورة حكم العقل والكتاب والسنة: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ﴾
وخاتم النبيين (ص) هو أول من يدخل الجنة بالضرورة، لكن ما يحيّر العقول هو أن ابنته فاطمة تكون أمامه عندما يدخل المحشر على البراق وعندما يرد الجنة !
تدخل أمامَ إمامِ الأولين والآخرين ! أي مقام هذا ؟!
أوّل شخصٍ يدخل الجنة فاطمة: لو فُهِمَت هذه العبارة لحُلَّت كل المسائل.. الخاتَم مُقدَّم، فماذا فعلت (ع) حتى صارت أمام إمام الكل ؟
لا شكّ أن العمل الذي عملته والدور الذي أدّته محصور ومختصّ بها..
لقد وصل الغرض من خلقة العالم منذ بعثة آدم إلى عيسى بن مريم إلى نتيجته، لكن بدوّ الصلاح إنما كان ببعثة الخاتم (ص)، وببعثته يحصل الغرض من الخلقة، وتتحقق ثمار التشريع والديانة، ولكن العِلَّة المحدِثَة خاتم النبيين، والعلة والُمبقِيَة سيّدة نساء العالمين.
بمن بقي كل ما أتى به الأنبياء من آدم إلى الخاتم (ص) ؟ بوجود الصديقة الكبرى حصراً..
فلو لم تكن: لم يكن الحلم الحسني، ولا الشجاعة الحسينية، ولا العبادة السجادية، ولا المآثر الباقرية، ولا الآثار الجعفرية، ولا العلوم الكاظمية، ولا الحجج الرضوية، ولا الجود التقوي، ولا النقاوة النقوية، ولا الهيبة العسكرية، ولا غيبة من يملأ الله الأرض به قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
ماذا فعلت عليها السلام ؟ وماذا كانت هي ؟ وما كان أثر وجودها ؟
﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [الكوثر: 1-3]
لقد بقي نسله (ص) في العالم بها (ع)، وثبت دينه في الأمم بوجودها (ع).. فاطمة بضعة مني: فورودها على الجنة ورود النبي (ص).. فكان أول من يدخل الجنة فاطمة.
لكن بأي كيفية ؟ هذا المهم.
في متن الحديث دقائق.. ولو فهمت دنيا العامة هذه الرواية فإن ذلك كافٍ.
نصّ الرواية عنه (ص): تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة وعليها حلة الكرامة قد عجنت بماء الحيوان، فتنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها : هذه الرواية محيرة، وهي من طرق العامة بما فيهم المحدثين وأعلام الرجال.
الخلائق جمع محلى بالألف، فعيون كل المخلوقات تتجه نحو هودجها !
فيتعجبون: كيف يغفل الجميع عن أنفسهم في ذلك اليوم المضطرب، الذي يقول فيه الجميع (وانفساه) ! ويغرقوا في التعجب في عظمتها ؟!
ثم تكسى حلة من حلل الجنة، تشتمل على ألف حلة، مكتوب عليها بخط أخضر: "أدخلوا فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الجنة على أحسن صورة، وأكمل هيئة، وأتم كرامة، وأوفر حظ" فتزف إلى الجنة كالعروس حولها سبعون ألف جارية .(ينابيع المودة ج2 ص137، ذخائر العقبى ص48، تاريخ دمشق ج13 ص334..)
لقد ورد أفعل التفضيل أربع مرات، إنها ترد الجنة لكن بأي كيفية ؟
بأحسن صورة: أي يوم هو يوم القيامة ؟! ﴿وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾
ماذا تعني أحسن صورة ؟ هل فكرتم ؟! اقرؤوا القرآن حتى تفهموا ماذا يعني أحسن صورة.. ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 1-2]
إنما كانت الخلقة لهذا: خلق الله الموت والحياة ليتخبر الناس ويتحقق أحسن ما كانوا يعملون، لهذا كانت الخلقة ، ال(أحسن) في العمل والعلم.
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾ ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾
وينبغي أن يحشر من كان هنا الأحسن علماً وخُلقاً وعملاً، يحشر يوم القيامة بأحسن صورة..
صورته ترشد إلى سيرته، هذه الزهراء (ع)، وهذا أفعل التفضيل الأول: أدخلوا فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الجنة على أحسن صورة.
أما شرح البقية فلا وقت له.
على كل مسلم أن يعرف يوم شهادتها، ويوم رحلة (من) هو هذا اليوم ؟
أما من طرق الخاصة، فقد روى الصدوق في علل الشرائع عن أبي عبد الله (ع)، وفي مصباح الأنوار عن أبي جعفر (ع)، وكلاهما أئمة، قال : قلت له لم سميت فاطمة الزهراء زهراء ؟
فقال: لان الله عز وجل خلقها من نور عظمته: هذا مبدؤها، وذاك كان منتهاها، هذا المبدأ وذاك المنتهى. ههنا حيرة الكُمَّل، المبدأ: خلقُهَا من نور عظمة الله، والمنتهى: أول من يدخل الجنة.
فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة ساجدين وقالوا : إلهنا وسيدنا ما هذا النور ؟
فأوحى الله إليهم: شرح هذا الحديث لوقت آخر، لكن على أهل الحديث الدقة في هذه الكلمات..
هذا نور من نوري، أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي: من هو العلي العظيم ؟ لقد خلق فاطمة من تلك العظمة.
أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جميع الأنبياء: ينبغي أن يكون صلب هذه الجوهرة أشرف ولد آدم. وختم الكلام:
وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بامري يهدون إلى حقي، واجعلهم خلفائي في أرضى بعد انقضاء وحيي، أخرج من ذلك النور أئمة (علل الشرائع ج1 ص180)
هذا المبدأ، وذاك المنتهى، وهذا الوسط !.
لقد ظهر عدّة من العوام ممن يعملون على إيجاد التشويش في أذهان الناس، فيقولون أن هذه الهيئات والمسيرات والنشاطات بمناسبة شهادة الصديقة زائدة!!
إن عصر الجهل هو عصرنا هذا !!
أنتم نخبة قمّ باعتقاد الجميع، عدة منكم أساتذة بحثٍ خارج، وعدة منكم أساتذة سطوح عالية.. أفهموا الناس أن كل الموجود قليل!
لماذا ؟ وبأي دليل ؟
من هو أمير المؤمنين (ع) ؟ من هو إمام الموحدين (ع) ؟
هذا بيانه يبيّن فيه حدّ مصيبة فاطمة (ع):
والله : هذه كلمة علي لكنها توأم مع هذا القسم.
والله هذه مصيبة لا عزاء لها: ماذا يعني ذلك ؟ إن كل ما تفعلونه لا يملأ خلأ هذه المصيبة.
ورزية لا خَلَفَ لها (بحار الأنوار ج43 ص191): وكل هذا ذرة أمام هذه الكلمة..
أين ضاع حقها ؟ مثل هذه التي كان هذا أول أمرها وهذا وسطه (من الحسن إلى الحجة بن الحسن) كلهم ثمار شجرة وجودها، وآخر أمرها أنها أول من يدخل الجنة بأحسن صورة..
لكن كسر متنها !!
ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم (المصدر ص181): ماذا يعني ناحلة الجسم ؟ لم يكن يمرّ يوم إلا ويتحول لحمها إلى ماء!! إلى أن وصلت إلى حد أنها:
صارت كالخيال، منهدة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة (المصدر)
لا إله إلا الله..
فكروا: كم هي المدة منذ يوم رحلة النبي (ص) إلى يوم رحلة الزهراء (ع) ؟ كل هذه المدة كان: يغشى عليها ساعة بعد ساعة ! كانت تغشى كل ساعة !
وعن علي (ع): غسلت النبي (ع) في قميصه ، فكانت فاطمة تقول : أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها.. (المصدر ص153)
ماذا على من شم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن ليالياً
إنا لله وإنا إليه راجعون..
شعيب العاملي
الزهراء علّة بقاء الدين، وكل ما يقام في ذكراها قليل !
كلمة لسماحة آية الله العظمى الشيخ حسين وحيد الخراساني حفظه الله في درسه صباح هذا اليوم الأربعاء 10 جمادى الأولى 1435 هـ، الموافق 12-3-2014م
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين، واللعن على أعدائهم إلى يوم الدين.
مع اقتراب الأيام الفاطمية، فإن وظيفة الجميع إفهامُ عظمةِ ومقام ورِفعة هذه السيدة (ع)..
هذا البحث محير فعلاً، فوظيفة كل مسلم بالنسبة للفاطمية وللصدِّيقة الكبرى ثقيلة جداً !
وسنطرح إن سمح الوقت لنا رواية من مصادر العامة، ورواية من مصادر الخاصة، كي يفهم كل مسلم مهما كان مذهبه ما هي وظيفته بالنسبة ليوم شهادتها (ع).
نقل علماء الحديث والرجال عند العامة هذه الرواية: قال رسول الله (ص): أوّل شخصٍ يدخل الجنة فاطمة. (ميزان الاعتدال ج 2 ص 618 ، نظم درر السمطين ص 180 ، كنز العمال ج 12 ص 110 ، لسان الميزان ج 4 ص 16 ، سبل الهدى والرشاد ج 10 ص 386 ، ينابيع المودة ج 2 ص 322 ومصادر أخرى)
هذه الجملة بحر، وفقه هذا الحديث يُعجِزُ ويُحَيِّرُ كل فقيهٍ وحكيم.
هذه الرواية المنقولة عنه (ص) من طرقهم: أول شخصٍ يدخل الجنة فاطمة.
ويتوقف فهم هذا الحديث على إدراك عمق سورة الواقعة.
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً﴾ [الواقعة: 1-6]
في يوم الواقعة الخافضة الرافعة: أما الرفع فإلى الدرجات التي لا تُدرك ولا توصف، وأما الخفض فإلى أسفل السافلين !
﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً﴾: هذه الجبال كلها تصبح كالذرّ المنبث في الفضاء..
ما هو الحال في مثل هذا اليوم ومثل هذه الواقعة ؟ كله في هذه الجملة: ﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً﴾ [الواقعة : 7]
يقسم الناس الى اقسام ثلاثة: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون.
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: 10-11]
وينبغي فهم مقام السابقين، وذلك القرب والتقرب، ومراتب السبق كمّاً وكيفاً، حتى الوصول إلى (أسبق السابقين)، فمن هو أسبق السابقين ؟
أفضل الأولين والآخرين هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فهو أسبق السابقين، وذلك بضرورة حكم العقل والكتاب والسنة: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ﴾
وخاتم النبيين (ص) هو أول من يدخل الجنة بالضرورة، لكن ما يحيّر العقول هو أن ابنته فاطمة تكون أمامه عندما يدخل المحشر على البراق وعندما يرد الجنة !
تدخل أمامَ إمامِ الأولين والآخرين ! أي مقام هذا ؟!
أوّل شخصٍ يدخل الجنة فاطمة: لو فُهِمَت هذه العبارة لحُلَّت كل المسائل.. الخاتَم مُقدَّم، فماذا فعلت (ع) حتى صارت أمام إمام الكل ؟
لا شكّ أن العمل الذي عملته والدور الذي أدّته محصور ومختصّ بها..
لقد وصل الغرض من خلقة العالم منذ بعثة آدم إلى عيسى بن مريم إلى نتيجته، لكن بدوّ الصلاح إنما كان ببعثة الخاتم (ص)، وببعثته يحصل الغرض من الخلقة، وتتحقق ثمار التشريع والديانة، ولكن العِلَّة المحدِثَة خاتم النبيين، والعلة والُمبقِيَة سيّدة نساء العالمين.
بمن بقي كل ما أتى به الأنبياء من آدم إلى الخاتم (ص) ؟ بوجود الصديقة الكبرى حصراً..
فلو لم تكن: لم يكن الحلم الحسني، ولا الشجاعة الحسينية، ولا العبادة السجادية، ولا المآثر الباقرية، ولا الآثار الجعفرية، ولا العلوم الكاظمية، ولا الحجج الرضوية، ولا الجود التقوي، ولا النقاوة النقوية، ولا الهيبة العسكرية، ولا غيبة من يملأ الله الأرض به قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
ماذا فعلت عليها السلام ؟ وماذا كانت هي ؟ وما كان أثر وجودها ؟
﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [الكوثر: 1-3]
لقد بقي نسله (ص) في العالم بها (ع)، وثبت دينه في الأمم بوجودها (ع).. فاطمة بضعة مني: فورودها على الجنة ورود النبي (ص).. فكان أول من يدخل الجنة فاطمة.
لكن بأي كيفية ؟ هذا المهم.
في متن الحديث دقائق.. ولو فهمت دنيا العامة هذه الرواية فإن ذلك كافٍ.
نصّ الرواية عنه (ص): تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة وعليها حلة الكرامة قد عجنت بماء الحيوان، فتنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها : هذه الرواية محيرة، وهي من طرق العامة بما فيهم المحدثين وأعلام الرجال.
الخلائق جمع محلى بالألف، فعيون كل المخلوقات تتجه نحو هودجها !
فيتعجبون: كيف يغفل الجميع عن أنفسهم في ذلك اليوم المضطرب، الذي يقول فيه الجميع (وانفساه) ! ويغرقوا في التعجب في عظمتها ؟!
ثم تكسى حلة من حلل الجنة، تشتمل على ألف حلة، مكتوب عليها بخط أخضر: "أدخلوا فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الجنة على أحسن صورة، وأكمل هيئة، وأتم كرامة، وأوفر حظ" فتزف إلى الجنة كالعروس حولها سبعون ألف جارية .(ينابيع المودة ج2 ص137، ذخائر العقبى ص48، تاريخ دمشق ج13 ص334..)
لقد ورد أفعل التفضيل أربع مرات، إنها ترد الجنة لكن بأي كيفية ؟
بأحسن صورة: أي يوم هو يوم القيامة ؟! ﴿وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾
ماذا تعني أحسن صورة ؟ هل فكرتم ؟! اقرؤوا القرآن حتى تفهموا ماذا يعني أحسن صورة.. ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 1-2]
إنما كانت الخلقة لهذا: خلق الله الموت والحياة ليتخبر الناس ويتحقق أحسن ما كانوا يعملون، لهذا كانت الخلقة ، ال(أحسن) في العمل والعلم.
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾ ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾
وينبغي أن يحشر من كان هنا الأحسن علماً وخُلقاً وعملاً، يحشر يوم القيامة بأحسن صورة..
صورته ترشد إلى سيرته، هذه الزهراء (ع)، وهذا أفعل التفضيل الأول: أدخلوا فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الجنة على أحسن صورة.
أما شرح البقية فلا وقت له.
على كل مسلم أن يعرف يوم شهادتها، ويوم رحلة (من) هو هذا اليوم ؟
أما من طرق الخاصة، فقد روى الصدوق في علل الشرائع عن أبي عبد الله (ع)، وفي مصباح الأنوار عن أبي جعفر (ع)، وكلاهما أئمة، قال : قلت له لم سميت فاطمة الزهراء زهراء ؟
فقال: لان الله عز وجل خلقها من نور عظمته: هذا مبدؤها، وذاك كان منتهاها، هذا المبدأ وذاك المنتهى. ههنا حيرة الكُمَّل، المبدأ: خلقُهَا من نور عظمة الله، والمنتهى: أول من يدخل الجنة.
فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة ساجدين وقالوا : إلهنا وسيدنا ما هذا النور ؟
فأوحى الله إليهم: شرح هذا الحديث لوقت آخر، لكن على أهل الحديث الدقة في هذه الكلمات..
هذا نور من نوري، أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي: من هو العلي العظيم ؟ لقد خلق فاطمة من تلك العظمة.
أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جميع الأنبياء: ينبغي أن يكون صلب هذه الجوهرة أشرف ولد آدم. وختم الكلام:
وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بامري يهدون إلى حقي، واجعلهم خلفائي في أرضى بعد انقضاء وحيي، أخرج من ذلك النور أئمة (علل الشرائع ج1 ص180)
هذا المبدأ، وذاك المنتهى، وهذا الوسط !.
لقد ظهر عدّة من العوام ممن يعملون على إيجاد التشويش في أذهان الناس، فيقولون أن هذه الهيئات والمسيرات والنشاطات بمناسبة شهادة الصديقة زائدة!!
إن عصر الجهل هو عصرنا هذا !!
أنتم نخبة قمّ باعتقاد الجميع، عدة منكم أساتذة بحثٍ خارج، وعدة منكم أساتذة سطوح عالية.. أفهموا الناس أن كل الموجود قليل!
لماذا ؟ وبأي دليل ؟
من هو أمير المؤمنين (ع) ؟ من هو إمام الموحدين (ع) ؟
هذا بيانه يبيّن فيه حدّ مصيبة فاطمة (ع):
والله : هذه كلمة علي لكنها توأم مع هذا القسم.
والله هذه مصيبة لا عزاء لها: ماذا يعني ذلك ؟ إن كل ما تفعلونه لا يملأ خلأ هذه المصيبة.
ورزية لا خَلَفَ لها (بحار الأنوار ج43 ص191): وكل هذا ذرة أمام هذه الكلمة..
أين ضاع حقها ؟ مثل هذه التي كان هذا أول أمرها وهذا وسطه (من الحسن إلى الحجة بن الحسن) كلهم ثمار شجرة وجودها، وآخر أمرها أنها أول من يدخل الجنة بأحسن صورة..
لكن كسر متنها !!
ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم (المصدر ص181): ماذا يعني ناحلة الجسم ؟ لم يكن يمرّ يوم إلا ويتحول لحمها إلى ماء!! إلى أن وصلت إلى حد أنها:
صارت كالخيال، منهدة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة (المصدر)
لا إله إلا الله..
فكروا: كم هي المدة منذ يوم رحلة النبي (ص) إلى يوم رحلة الزهراء (ع) ؟ كل هذه المدة كان: يغشى عليها ساعة بعد ساعة ! كانت تغشى كل ساعة !
وعن علي (ع): غسلت النبي (ع) في قميصه ، فكانت فاطمة تقول : أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها.. (المصدر ص153)
ماذا على من شم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن ليالياً
إنا لله وإنا إليه راجعون..
شعيب العاملي
تعليق