بسم الله الرحمن الرحيم
فيما يلي جزء من سلسلة أبحاث عقائدية لأستاذنا سماحة آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني حفظه الله، وقد ألقاه هذا العام، وننشره هنا بشكل منفصل، ويمكن مراجعته في سياقه مع سائر الابحاث عبر الرابط التالي:
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=193138
بسم الله الرحمن الرحيم
كان البحث في شركة علي (ع) في أمر ودور الخاتم (ص)، وقلنا أن حل هذه المعضلة مربوط بأن يُعَيَّنَ أمر الخاتم (ص)، والمرجع هو القرآن الكريم.
ووصل البحث إلى أن أمر الخاتمية تلاوة آيات الله تعالى، وتزكية النفوس، وتعليم الكتاب والحكمة، وذلك بنص القرآن الكريم﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة : 2]
وقد اتضح إلى حد ما ما هو الكتاب.
أما الحكمة: فقد عرّفها الحكماء أنها عبارة عن العلم بحقائق الأشياء على قدر الطاقة البشرية.
وقسموا الحكمة إلى قسمين: الحكمة النظرية والحكمة العملية.
وقسموا النظرية إلى قسمين: الإلهيات والطبيعيات.
وقسموا العملية إلى ثلاثة أقسام: تدبير النفس، تدبير المنزل، تدبير المدن.
هذا تعريف الحكمة وتقسيمها برأي الفلاسفة.
لكن المرجع هو القرآن هنا أيضاً، فما هو قدر الحكمة فيه ؟
إن الحكمة في القرآن تختلف عن الحكمة التي عرّفها الحكماء.
فالحكمة في تعريف الحكماء هي العلم بالحقائق بقدر الطاقة البشرية، ولكن طاقة البشر من الجهة الفكرية والعقلية محدودة جداً، ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء : 85]
أما حكمة القرآن فهي عبارة عن نيل الحقائق كما هي عليها، والوصول إلى واقع الكائنات ومبدأ ومنتهى الوجود.
وتعبيرات القرآن عن الحكمة كاشفة عن عظمة المطلب، فإذا طالعنا القرآن وجدنا أن استعمال اسم الله تعالى في اغلب الموارد كان مقروناً بأنه: عزيز وحكيم، فالعزة هي جانب القدرة الإلهية، والحكمة هي جانب العلم الإلهي.
ثم وصفت التجليات العلمية لله تعالى بعنوان الحكمة، فإن التجلي العلمي للحق هو القرآن الكريم: ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذا مقام الحكمة بوصف الله تعالى ووصف كتاب الله الأعظم.
ولا تنتهي المسألة بهذا، فعندما يصل الله تعالى لمتاع الدنيا يقول لنبيه (ص) أنه قليل: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ [التوبة : 38]
هذه الدنيا التي لم يعرف أولها وآخرها، هذه الدنيا التي تضم كل تلك المجرات والكواكب ﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ هذه الدنيا مع هذه العظمة بكل كواكبها ومجراتها قليلة بتعبير القرآن.
أما عندما يصل للحكمة فإنه يعبر: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾ [البقرة : 269]
فإن الحكمة ليست متاحة لأي كان، حيث يؤتاها من يشاء الله..
تلميذ ابن سينا حكيم بالحكمة البشرية، ومن كان لديهم استعداد للدخول في الفلسفة يصبحون فلاسفة دون قيد وشرط، وعندما يطلب أحد حكمة المشائين، يصبح حكيماً بالحكمة البشرية، أما الحكمة في القرآن فليست كذلك.
من تتعلق مشيئة الله بإعطائه الحكمة يعطاها، لا أيّاً كان..
قال تعالى هناك ﴿مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ﴾ وقال هنا : ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾
هذه التعبيرات تشير إلى حقيقة الحكمة في القرآن..
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لله﴾ [لقمان : 12]
فقد أعطى الله الحكمة للقمان، وهي ليست متاحة لأي كان..
﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل : 125]
فأول كلمة هي الدعوة لسبيل الله بالحكمة، وما يحير العقل: ﴿وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ [النساء : 113]
أي حكمة هذه التي قال عنها الله تعالى أنه أنزلها على النبي وعلمه ما لم يكن يعلم ؟! لم تكن لتصل إلى ذلك العلم، ونحن أوصلناك إليه، وكان فضل الله عليك عظيماً. هذه هي الحكمة في القرآن.
وبعد أن عرفتَ ما هي الحكمة، يتضح لماذا كان شروع فعل النبي الخاتم (ص) تلاوة آيات الله، وكان ختمه الحكمة، فهذا المبدأ وهذا المنتهى.
هكذا نص القرآن.. ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [الجمعة : 2]
ولم يكن الرسول غير خاتم النبيين (ص)، وكان أول أفعاله تلاوة الآيات، ثم تزكيتهم ثانياً، ثم تعليم الكتاب ثالثاً، ثم تعليم الحكمة رابعاً. وتم أمره بهذا.
هنا ينبغي أن يحاكم جميع أئمة أهل السنة:
هل أمر النبي (ص) محصور بزمنه (ص) أم مستمر دائماً ؟ وأمره يتضمن تعليم هذه الحكمة والكتاب الذي فصلنا الكلام حوله في البحث السابق.
يجب أن يجيبوا على ذلك لكل العالم.
إذا كان منحصراً بذلك الزمان، فماذا يعني قوله تعالى : ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ﴾ ؟
أوهل كان المؤمنون منحصرين بذلك الزمان ؟
لقد نص القرآن أن الله مَنَّ على المؤمنين بإرسال النبي (ص) ليتلو عليهم الآيات ويصفي نفوسهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.
هل يعقل أن يكون محصوراً بزمان خاص ؟
هل يبقى بعد النبي (ص) أم لا ؟
إن قلتم نعم، فمن هو معلم الكتاب ومعلم هذه الحكمة ؟
هذا سؤال ينبغي على مثل الفخر الرازي أن يجيب عليه.
هل معلم هذا الكتاب هو عمر بن الخطاب ؟ إما نعم وإما لا.
البحث علمي وليس خطابياً.. البحث برهاني..
أنت الذي تعتقد بأن عمر قد جلس محل النبي الذي هو معلم الكتاب والحكمة: هل ترى أن لعمر صلاحية تعليم هذا الكتاب وهذه الحكمة ؟
إن لم تكن عنده هذه الصلاحية فهو غاصب بالضرورة، واعتقادك باطل.
وإن كانت عنده الصلاحية، فهل هو معلم هذا الكتاب والحكمة ؟!
هذا البحث يعجز العامة ويفقدهم كل حجة، بهذه الطريقة وهذا المنطق.
إن بين أعيان علماء العامة اختلاف، بعضهم يقدم صحيح البخاري ثم صحيح مسلم، وبعضهم يقدم صحيح مسلم ثم يعد البخاري ثانياً، وفي هذا المطلب بحث، لكنهم مجمعون على أن ما في صحيح مسلم وما في صحيح البخاري سنة مُسَلَّمة، وهذا اعتقاد كافة مذاهب العامة وعلماؤهم.
ونحن ننقل حديثاً عن مسلم في صحيحه(ج1 ص193)، يرويه بأربع طرق، وطرق الحديث أيضاً تختلف فتارة يروى حديث في صحيح مسلم بطريق واحد، وهو حجة، ورده رد على النبي (ص) عند كل العامة، وإذا روي الحديث بطريقين تضاعفت حجيته، وإذا روي بثلاثة.. وإذا روي بأربعة.. فبأي حد من الاعتبار تكون مثل هذه الرواية ؟
أما متن الحديث : أنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّى أَجْنَبْتُ: هل للفخر الرازي قدرة على الجواب على هذا التحقيق الذي نذكره في فقه الحديث ؟
أولاً: متى حصلت هذه الواقعة ؟ عندما جلس عمر على مسند الخلافة بعد وفاة أبي بكر.
فَقَالَ إِنِّى أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ لاَ تُصَلِّ: هذا في صحيح مسلم، هل يا ترى هناك جاهل كهذا من أجهل الجهال ؟
كل مسلم يعلم أن الصلاة لا تسقط بالجنابة، فإلى هذا الحد يكون خليفة النبي جاهلاً ؟
ألا تخجل أيها الفخر الرازي ؟ تقول أن عمر خليفة النبي (ص) ؟ وهو معلم الكتاب والحكمة مكان النبي (ص) ؟
فَقَالَ عَمَّارٌ: أفتى عمر، لكن شخصاً قام، وهو عمار بن ياسر، وقال:
أَمَا تَذْكُرُ: والمسألة الثانية المحيرة هي قوله له أما تذكر ؟ هل نسيت ؟
أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: وهذا الدليل على ما قلته أنها كانت وقت خلافته.
إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ: كلام محير! مسلم بنفسه ينقل هذه الرواية بأربع طرق ثم يعتقد بخلافة هذا الرجل ! بأي عقل وبأي منطق ؟!
وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِى التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ. فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-(لأنه متن حديث) « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ »: هذا أمر النبي، وأنت الذي تقول للرجل لا تصل لأنه جنب ألم تسمع بنفسك هذا الكلام من النبي (ص) ؟
من المعلوم أنه سمعه، ومع أنه سمعه يقول للرجل: لا تصل !
أي توجيه لهذا الكلام ؟ هل لكل علماء العامة قدرة الجواب على ذلك ؟ هل يحق لمن كان على هذا الحد من الجهل وقلة التقوى أن يجلس محل من قال فيه تعالى ﴿يعلمهم الكتاب والحكمة﴾ ؟؟
فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ: وهذا يحير العقل.. هدد عماراً.. فبدل قبوله هدد عمار بقوله: اتق الله يا عمار.. وما يحير العقل قوله:
قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ: إذا كنت تتأذى من ذلك أسكت ولا أحدث هذا الحديث لأحد.. هذا الدين ؟
لا تنتهي المسألة هنا. فبرهان بطلان كل مذاهب السنة في العالم في هذا الحديث.. والتتمة لاحقاً إن شاء الله.
شعيب العاملي
فيما يلي جزء من سلسلة أبحاث عقائدية لأستاذنا سماحة آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني حفظه الله، وقد ألقاه هذا العام، وننشره هنا بشكل منفصل، ويمكن مراجعته في سياقه مع سائر الابحاث عبر الرابط التالي:
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=193138
بسم الله الرحمن الرحيم
كان البحث في شركة علي (ع) في أمر ودور الخاتم (ص)، وقلنا أن حل هذه المعضلة مربوط بأن يُعَيَّنَ أمر الخاتم (ص)، والمرجع هو القرآن الكريم.
ووصل البحث إلى أن أمر الخاتمية تلاوة آيات الله تعالى، وتزكية النفوس، وتعليم الكتاب والحكمة، وذلك بنص القرآن الكريم﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة : 2]
وقد اتضح إلى حد ما ما هو الكتاب.
أما الحكمة: فقد عرّفها الحكماء أنها عبارة عن العلم بحقائق الأشياء على قدر الطاقة البشرية.
وقسموا الحكمة إلى قسمين: الحكمة النظرية والحكمة العملية.
وقسموا النظرية إلى قسمين: الإلهيات والطبيعيات.
وقسموا العملية إلى ثلاثة أقسام: تدبير النفس، تدبير المنزل، تدبير المدن.
هذا تعريف الحكمة وتقسيمها برأي الفلاسفة.
لكن المرجع هو القرآن هنا أيضاً، فما هو قدر الحكمة فيه ؟
إن الحكمة في القرآن تختلف عن الحكمة التي عرّفها الحكماء.
فالحكمة في تعريف الحكماء هي العلم بالحقائق بقدر الطاقة البشرية، ولكن طاقة البشر من الجهة الفكرية والعقلية محدودة جداً، ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء : 85]
أما حكمة القرآن فهي عبارة عن نيل الحقائق كما هي عليها، والوصول إلى واقع الكائنات ومبدأ ومنتهى الوجود.
وتعبيرات القرآن عن الحكمة كاشفة عن عظمة المطلب، فإذا طالعنا القرآن وجدنا أن استعمال اسم الله تعالى في اغلب الموارد كان مقروناً بأنه: عزيز وحكيم، فالعزة هي جانب القدرة الإلهية، والحكمة هي جانب العلم الإلهي.
ثم وصفت التجليات العلمية لله تعالى بعنوان الحكمة، فإن التجلي العلمي للحق هو القرآن الكريم: ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذا مقام الحكمة بوصف الله تعالى ووصف كتاب الله الأعظم.
ولا تنتهي المسألة بهذا، فعندما يصل الله تعالى لمتاع الدنيا يقول لنبيه (ص) أنه قليل: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ [التوبة : 38]
هذه الدنيا التي لم يعرف أولها وآخرها، هذه الدنيا التي تضم كل تلك المجرات والكواكب ﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ هذه الدنيا مع هذه العظمة بكل كواكبها ومجراتها قليلة بتعبير القرآن.
أما عندما يصل للحكمة فإنه يعبر: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾ [البقرة : 269]
فإن الحكمة ليست متاحة لأي كان، حيث يؤتاها من يشاء الله..
تلميذ ابن سينا حكيم بالحكمة البشرية، ومن كان لديهم استعداد للدخول في الفلسفة يصبحون فلاسفة دون قيد وشرط، وعندما يطلب أحد حكمة المشائين، يصبح حكيماً بالحكمة البشرية، أما الحكمة في القرآن فليست كذلك.
من تتعلق مشيئة الله بإعطائه الحكمة يعطاها، لا أيّاً كان..
قال تعالى هناك ﴿مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ﴾ وقال هنا : ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾
هذه التعبيرات تشير إلى حقيقة الحكمة في القرآن..
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لله﴾ [لقمان : 12]
فقد أعطى الله الحكمة للقمان، وهي ليست متاحة لأي كان..
﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل : 125]
فأول كلمة هي الدعوة لسبيل الله بالحكمة، وما يحير العقل: ﴿وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ [النساء : 113]
أي حكمة هذه التي قال عنها الله تعالى أنه أنزلها على النبي وعلمه ما لم يكن يعلم ؟! لم تكن لتصل إلى ذلك العلم، ونحن أوصلناك إليه، وكان فضل الله عليك عظيماً. هذه هي الحكمة في القرآن.
وبعد أن عرفتَ ما هي الحكمة، يتضح لماذا كان شروع فعل النبي الخاتم (ص) تلاوة آيات الله، وكان ختمه الحكمة، فهذا المبدأ وهذا المنتهى.
هكذا نص القرآن.. ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [الجمعة : 2]
ولم يكن الرسول غير خاتم النبيين (ص)، وكان أول أفعاله تلاوة الآيات، ثم تزكيتهم ثانياً، ثم تعليم الكتاب ثالثاً، ثم تعليم الحكمة رابعاً. وتم أمره بهذا.
هنا ينبغي أن يحاكم جميع أئمة أهل السنة:
هل أمر النبي (ص) محصور بزمنه (ص) أم مستمر دائماً ؟ وأمره يتضمن تعليم هذه الحكمة والكتاب الذي فصلنا الكلام حوله في البحث السابق.
يجب أن يجيبوا على ذلك لكل العالم.
إذا كان منحصراً بذلك الزمان، فماذا يعني قوله تعالى : ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ﴾ ؟
أوهل كان المؤمنون منحصرين بذلك الزمان ؟
لقد نص القرآن أن الله مَنَّ على المؤمنين بإرسال النبي (ص) ليتلو عليهم الآيات ويصفي نفوسهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.
هل يعقل أن يكون محصوراً بزمان خاص ؟
هل يبقى بعد النبي (ص) أم لا ؟
إن قلتم نعم، فمن هو معلم الكتاب ومعلم هذه الحكمة ؟
هذا سؤال ينبغي على مثل الفخر الرازي أن يجيب عليه.
هل معلم هذا الكتاب هو عمر بن الخطاب ؟ إما نعم وإما لا.
البحث علمي وليس خطابياً.. البحث برهاني..
أنت الذي تعتقد بأن عمر قد جلس محل النبي الذي هو معلم الكتاب والحكمة: هل ترى أن لعمر صلاحية تعليم هذا الكتاب وهذه الحكمة ؟
إن لم تكن عنده هذه الصلاحية فهو غاصب بالضرورة، واعتقادك باطل.
وإن كانت عنده الصلاحية، فهل هو معلم هذا الكتاب والحكمة ؟!
هذا البحث يعجز العامة ويفقدهم كل حجة، بهذه الطريقة وهذا المنطق.
إن بين أعيان علماء العامة اختلاف، بعضهم يقدم صحيح البخاري ثم صحيح مسلم، وبعضهم يقدم صحيح مسلم ثم يعد البخاري ثانياً، وفي هذا المطلب بحث، لكنهم مجمعون على أن ما في صحيح مسلم وما في صحيح البخاري سنة مُسَلَّمة، وهذا اعتقاد كافة مذاهب العامة وعلماؤهم.
ونحن ننقل حديثاً عن مسلم في صحيحه(ج1 ص193)، يرويه بأربع طرق، وطرق الحديث أيضاً تختلف فتارة يروى حديث في صحيح مسلم بطريق واحد، وهو حجة، ورده رد على النبي (ص) عند كل العامة، وإذا روي الحديث بطريقين تضاعفت حجيته، وإذا روي بثلاثة.. وإذا روي بأربعة.. فبأي حد من الاعتبار تكون مثل هذه الرواية ؟
أما متن الحديث : أنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّى أَجْنَبْتُ: هل للفخر الرازي قدرة على الجواب على هذا التحقيق الذي نذكره في فقه الحديث ؟
أولاً: متى حصلت هذه الواقعة ؟ عندما جلس عمر على مسند الخلافة بعد وفاة أبي بكر.
فَقَالَ إِنِّى أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ لاَ تُصَلِّ: هذا في صحيح مسلم، هل يا ترى هناك جاهل كهذا من أجهل الجهال ؟
كل مسلم يعلم أن الصلاة لا تسقط بالجنابة، فإلى هذا الحد يكون خليفة النبي جاهلاً ؟
ألا تخجل أيها الفخر الرازي ؟ تقول أن عمر خليفة النبي (ص) ؟ وهو معلم الكتاب والحكمة مكان النبي (ص) ؟
فَقَالَ عَمَّارٌ: أفتى عمر، لكن شخصاً قام، وهو عمار بن ياسر، وقال:
أَمَا تَذْكُرُ: والمسألة الثانية المحيرة هي قوله له أما تذكر ؟ هل نسيت ؟
أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: وهذا الدليل على ما قلته أنها كانت وقت خلافته.
إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ: كلام محير! مسلم بنفسه ينقل هذه الرواية بأربع طرق ثم يعتقد بخلافة هذا الرجل ! بأي عقل وبأي منطق ؟!
وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِى التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ. فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-(لأنه متن حديث) « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ »: هذا أمر النبي، وأنت الذي تقول للرجل لا تصل لأنه جنب ألم تسمع بنفسك هذا الكلام من النبي (ص) ؟
من المعلوم أنه سمعه، ومع أنه سمعه يقول للرجل: لا تصل !
أي توجيه لهذا الكلام ؟ هل لكل علماء العامة قدرة الجواب على ذلك ؟ هل يحق لمن كان على هذا الحد من الجهل وقلة التقوى أن يجلس محل من قال فيه تعالى ﴿يعلمهم الكتاب والحكمة﴾ ؟؟
فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ: وهذا يحير العقل.. هدد عماراً.. فبدل قبوله هدد عمار بقوله: اتق الله يا عمار.. وما يحير العقل قوله:
قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ: إذا كنت تتأذى من ذلك أسكت ولا أحدث هذا الحديث لأحد.. هذا الدين ؟
لا تنتهي المسألة هنا. فبرهان بطلان كل مذاهب السنة في العالم في هذا الحديث.. والتتمة لاحقاً إن شاء الله.
شعيب العاملي
تعليق