إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

تفنيد العلل في خطبة علي لبنت أبي جهل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفنيد العلل في خطبة علي لبنت أبي جهل

    بسم الله الرحمن الرحيم
    و الصلاة و السلام على سيد الأنبياء و خاتمهم محمد و آله الأتقياء الأخيار
    أما بعد فقد كثرت الرواية في خطبة الإمام علي بن أبي طالب لبنت أبي جهل
    و سنتطرق إن شاء الله في هذا البحث لتفنيد آرائهم في هذه النقطة عسى أن يعيننا الله على ذلك

    فنورد هنا الروايات التي هم يستندون عليها :-

    رواية البخاري
    أخرج البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه:

    1 ـ فقد جاء في كتاب الخمس: «حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، حدثنا يعقوب ابن إبراهيم، حدثنا أبي، أن الوليد بن كثير حدّثه، عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي، حدّثه أن ابن شهاب حدّثه: أن عليّ بن حسين حدّثه: أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له: لا. فقال: فهل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم ؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه ؟ وأيم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبداً حتى تبلغ نفسي.

    إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام فسمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ـ وأنا يومئذ محتلم ـ فقال: إنّ فاطمة مني، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها. ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه» قال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وإني لست أحرم حلالاً ولا أحلّ حراماً، ولكن ـ والله ـ لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله أبداً»(1)

    2 ـ وجاء في كتاب النكاح: «حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: سيف رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يقول ـ وهو على المنبرـ: إن بني هشام بن المغيرة آستأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب. فلا آذن ثم لا آذني ثم لا آذن. إلأ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويوذيني ما آذاها»(2).

    3 ـ وجاء في كتاب المناقب ـ ذكر أصهار النبي منهم أبو العاص بن الربيع ـ «حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثني علي بن الحسين أن المسور بن مخرمة قال: إن علياً خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل.

    فقام رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد، أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدّثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن يسؤها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد.

    فترك علي الخطبة.

    زاد محمد بن عمرو بن حلحلة: عن ابن شهاب، عن عليّ، عن مسور سمعت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم وذكر صهراً له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي»(3).

    4 ـ وجاء في باب الشقاق من كتاب الطلاق: «حدّثنا أبو الوليده حدثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة الزهري، قال: سمعت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم يقول: إن بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح عليّ ابنتهم. فلا آذن» (4)

    ____________

    (1) صحيح البخاري ـ بشرح ابن حجر ـ 6|161 ـ 162.

    (2) صحيح البخاري ـ بشرح ابن حجر ـ 9|268 ـ 270.

    (3) صحيح البخاري ـ بشرح ابن حجر ـ 7|68

    (4) صحيح البخاري ـ بشرح العسقلاني ـ 8|152.


    رواية مسلم

    وأخرجه مسلم في باب فضائل فاطمة فقال:

    1 ـ «حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس وقتيبة بن سعيد، كلاهما عن الليث ابن سعد، قال ابن يونس: حدثنا ليث، حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي أن المسور مخرمة حدّثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم عل المنبر وهو يقول: ألا إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم...».

    2 ـ «حدثني أحمد بن حنبل، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن الوليد بن كثير، حدّثني محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي أن ابن شهاب حدّثه أن علي ابن الحسين حدّثه أنهم حين قدموا المدينة...».

    3 ـ «حدّثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني علي بن حسين أن المسور بن مخرمة أخبره أن عليّ بن أبي طالب خطب...»

    4 ـ «وحدثنيه أبو معز الرقاشي، حدثنا وهب ـ يعني: ابن جرير ـ، عن أبيه، قال: سمعت النعمان ـ يعني: ابن راشد ـ يحدّث عن الزهري بهذا الإسناد نحوه»(1)

    ____________

    (1) صحيح مسلم ـ بشرح النووي هامش إرشاد الساري ـ 9|333 ـ 335


    رواية الترمذي

    وأخرجه الترمذي في كتاب المناقب / فضل فاطمة:

    1 ـ «حدثنا قتيبة، حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة. قال: سمعت النبي صلى الله عليه [واله] وسلّم يقول ـ وهو على المنبرـ: إن بني هشام ابن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا...

    قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

    وقد رواه عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة نحو هذا».

    2 ـ «حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا إسماعيل بن علية، عن ايوب عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن الزبير: ان علياً ذكر بنت أبي جهل...

    قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

    هكذا قال ايوب، عن ابن أبي مليكة، عن الزبير. وقال غير واحد عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة. ويحتمل أن يكون الى أبي مليكة روى عنهما جميعا»(1)

    ____________
    (1) صحيح الترمذي 5|698 ـ 699.


    وأخرجه ابن ماجة في كتاب النكاح باب الغيرة:

    1 ـ«حدثنا عيسى بن حمّاد المصري، أنبأنا الليث بن سعد، عن عبد الله بن أبن مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وهو على المنبر يقول: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم...»

    2 ـ«حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب، عن الزهري، أخبرني علي بن الحسين: أن المسور بن مخرمة أخبره أن علي بن أبي طالب خطب... فنزل عليّ عن الخطبة»(1)

    ____________
    (1) سنن ابن ماجة 1|644.

    رواية أبي داود

    وأخرجه أبو داود في كتاب النكاح قائلاً:

    1 ـ «حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثني أبي، عن الوليد بن كثير، حدّثني محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي أن ابن شهاب حدّثه أن علي بن حسين حدّثه: أنّهم حين قدموا المدينة...».

    2 ـ «حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروه، وعن إيوب، عن ابن أبي مليكة بهذا الخبر. قال: فسكت علي عن ذلك النكاح».

    3 ـ «حدثنا أحمد بن يونس وقتيبة بن سعيد المعنى (1) قال أحمد: ثنا الليث، حدّثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي: أن المسور بن مخرمة حدّثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم على المنبر يقول: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن، إلأ أن يريد ابن ابي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنها ابنتي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها(2).

    ____________

    (1) كذا. والصحيح: الثقفي.

    (2) الصحيح من سنن المصطفى 1|323 ـ 324

    رواية الحاكم

    وقال الحاكم: 1 ـ «أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، أخبرني أبي، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة، قال: خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام فاستشار النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم فقال: أعن حسبها تسألني ؟ قال عليّ: قد أعلم ما حسبها ولكن أتأمرني بها؟ فقال: لا، فاطمة بضعة مني، ولا أحسب إلآ وأنها تحزن أو تجزع. فقال علي: لا آتي شيئاً تكرهه.

    هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة».

    2 ـ «أخبرنا أبو العبّاس محمد بن أحمد المحبوبي، ثنا سعيد بن مسعود، ثنا يزيد بن هارون.

    وأخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يزيد بن هارون: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن ابي حنظلة ـ رجل من أهل مكة ـ أن علياً خطب ابنة أبي جهل، فقال له أهلها: لا نزوجك على ابنة رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلّم. فبلغ ذلك رسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنما فاطمة مضغة مني، فمن آذاها فقد آذاني».

    3 ـ«حدثنا بكر بن محمد الصيرفي، ثنا موسى بن سهل بن كثير، ثنا إسماعيل ابن عليّة، ثنا أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن الزبير: أن علياً رضي الله عنه ذكر ابنة أبي جهل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال: إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها.

    هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجا.»(1).

    ____________

    (1) المستدرك على الصحيحين 3|158.

  • #2
    نظرة في أسانيد الروايات

    الرواة لجميع الروايات التي أوردت الخطبة و ما قال فيهم علماء رجال الحديث
    1 ـ المسور بن مخرمة. 2 ـ عبدالله بن العبّاس.
    3 ـ عليّ بن الحسين. 4 ـ عبدالله بن الزبير.
    5 ـ عروة بن الزبير. 6 ـ محمد بن عليّ.
    7 ـ سويد بن غفلة. 8 ـ عامر الشعبي.
    9 ـ ابن أبي مليكة. 10 ـ رجل من أهل مكّة.

    * ابن عباس

    ولم أجد. إلآ عند أبي بكر البزار والطبراني، كما في مجمع الزوائد، وقد عرفت أن الهيثمي قال بعده: «وفيه: عبيدالله بن تمام، وهو ضعيف».


    قلت:

    ذكره ابن حجر وذكر هذا الحديث من مناكيره. قال: «ضعّفه الدارقطني وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. روى أحاديث منكرة، وقال الساجي: كذاب يحدّث بمناكير، وذكره ابن الجارود والعقيلي وأورد له عن خالد عن عكرمة عن ابن عبّاس: أن علياً خطب بنت أبي جهل فبعث إليه النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: إن كنت متزوجاً فردّ عليناً ابنتنا»(1).


    * عليّ بن الحسين

    رواه ابن حجر العسقلاني، ثم قال: «وأصل الحديث في الصحيح من حديث المسور أنه حدّث به عليّ بن الحسين».

    وفى هامشه: «قال البوصيري: رواه الحارث بسند منقطع ضعيف لضعف في ابن زيد بن جدعان. وأصله في الصحيح من حديث المسور،

    * عبدالله بن الزبير

    رواه الترمذي وأحمد والحاكم وأبو نعيم (2)عن أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة عنه.

    قال الترمذي: يحتمل أن يكون ابن أبي مليكة سمعه من المسور وعبدالله بن الزبير جميعاً.

    قال ابن حجر: «ورجّح الدارقطني وغيره طريق المسور وهو أثبت بلا ريب، لأن المسور قد روى في هذا الحديث القطعة مطوّلة قد تقدّمت في باب أصهار النبي.

    نعم، يحتمل أن يكون ابن الزبير سمع هذه القطعة فقط، أوسمعها من المسور فأرسلها»(3)

    وهو طفل ـ لأنه ولد سنة إحدى من الهجرة (4)ـ فحاله في البغض لعلي وأهل البيت بل للنبي نفسه معلوم.

    ثم إن الراوي عنه «ابن أبي مليكة» مؤذنه كما ستعرف.

    ____________

    (1) لسان الميزان 4|97.

    (2) حلية الأولياء 2|40.

    (3) فتح الباري 7|68.

    (4) أنظر ترجمته.


    * عروة بن الزبير

    أخرجه أبو داود بسنده عن الزهري عنه.

    ولم أجده عند غيره.

    وهو منكر: لأنه مرسل، لأن عروة ولد في خلافة عمر.

    ولأن عروة كان من المشهورين بالبغض والعداء لأمير المؤمنين عليه السلام كما ستعرف في خبر حول الزهري، وحتى أنه حضر يوم الجمل مع أصحابه على صغر سنه (1).

    ووضع حديثا في فضل زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه: «فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: هي خير بناتي.

    فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام فانطلق إليه فقال: ما حديث بلغني عنك أنك تحدّثه تنتقص حق فاطمة؟!.

    فقال: لا أحدّث به أبداً».

    قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (2).

    ولأن الراوي عنه هو «الزهري» وستعرفه.

    ____________

    (1) تهذيب التهذيب 7|166.

    (2) جمع الزوائد 9|213.



    * محمد بن عليّ

    وهو ابن الحنفية. رواه أحمد، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عنه.. وهذا لم أجده إلآ في الفضائل لأحمد، فلم يروه غيره ولا هو في مسنده فيما أعلم...

    وقد ذكر محقّق الفضائل في هامشه: إنه مرسل، ومحمد بن الحنفية لم يسنده.

    وذلك لأن عمرو بن دينار لم يسمع من محمد بن عليّ؛ ولذا لم يذكروا محمداً فيمن روى عنه عمرو، بل نصّوا على عدم سماعه من بعض من عُدّ منهم، فابن عبّاس مثلاً اول من ذكره ابن حجر فيمن روى عنه، ثم نقل عن الترمذي أنه قال: قال البخاري: لم يسمع عمرو بن دينار من ابن عبّاس حديثه عن عمر في البكاء على الميت. قال ابن حجر: قلت: ومقتضى ذلك أن يكون مدلساً(1).

    هذا من جهة إرساله...

    ومحمد بن عليّ عليه السلام لم يكن من الصحابة، وقد تزوج أمير المؤمنين عليه السلام بإمّه بعد وفاة الزهراء عليها السلام بزمن.


    * سويد بن غفلة

    أخرج حديثه الحاكم عن أحمد بسنده عن الشعبي عنه، ولم أجد. عند غير. وقد صحّحه.

    لكن قال الذهبي في تلخيصه: مرسل قوي.

    وذلك لأن سويداً لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.

    فالعجب من الحاكم كيف صحّحه؟!

    ومن الذهبي أيضاً، إذ يرويه عن أحمد بسنده عن الشعبي عن سويد بن غفلة... ساكتاً عنه! (2).

    ومن ابن حجر والقسطلاني أيضاً، كيف وافقا الحاكم على صحّة سنده مع تصريحهما بأن سويدا لم يلق النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم! (3).

    وكذا من العيني ! (4).

    ____________

    (1) تهذيب التهذيب 8|27.

    (2) سير أعلام النبلاء 2|124.

    (3) إرشاد الساري 8|114. فتح الباري 9|268.

    (4) عمدة القاري 20|211.


    * عامر الشعبي

    أخرجه عنه عبد الرزاق بن همام ـ كما في كنز العمال ـ وابن أبي شيبة في المصنف كما تقدّم، إذ هو المراد من قوله: «... عن عامر» وأحمد في الفضائل.

    ومن المعلوم أن الشعبي مات بعد المائة، والمشهور أن مولده كان لست سنين خلت من خلافة عمر(1).

    فالحديث بهذا السند مرسل.

    ولعله يرويه عن سويد بن غفلة، وهكذا أخرجه الحاكم وأحمد كما تقدّم عن الذهبي، وقد عرفت أنه مرسل كذلك.

    هذا بغض النظر عن قوادح الشعبي، والتي أهمها كونه من الوضاعين على أهل البيت، فقد رووا عنه أنه قال: «صلى أبو بكر الصديق على فاطمة بنت رسول لله صلى الله عليه [وآله] وسلّم فكبّر عليها أربعاً»(2) وأنه قال: «إن فاطمة لمّا ماتت دفنها علي ليلاً وأخذ بضبعي أبي بكر فقدمه في الصلاة عليها (3) فإن هذا كذب بلا ريب، حتى اضطر ابن حجر إلى أن يقول: «فيه ضعف وانقطاع»(4).

    وكونه من حكام وقضاة سلاطين الجور كعبد الملك بن مروان وغيره المعادين لأهل البيت الطاهرين.

    وأنه روى عن جماعة كبيرة من الصحابة، وفيهم من نصّوا على أنه لم يلقهم ولم يسمع منهم، كعلي عليه السلام وأبي سعيد الخدري وزيد بن ثابت وعبدالله بن عمر واٌمّ سلمة وعائشة!

    ثم إنّ الراوي عنه «زكريّا بن أبي زائدة» قال ابن أبي ليلى: ضعيف.

    وقال أبو زرعة: صويلح يدلّس كثيراً عن الشعبي.

    وقال أبو حاتم: ليّن الحديث كان يدلّس، ويقال: إنّ المسائل التي كان يرويها عن الشعبي لم يسمعها منه.

    وقال أبو داود: يدلّس.

    وقال انه يحيى بن زكريّا: لو شئت سميت لك من بين أبي وبين الشعبي!»(5).

    والراوي عنه ولده يحيى: مات بالمدائن قاضياً لهارون. وقال أبو زرعة: فلمّا يخطئ فإذا أخطأ أتى بالعظائم. وعن أبي نعيم: ما هو باهلٍ أن يحدّث عنه(6).



    ____________

    (1) تهذيب التهذيب 5|59.

    (2) طبقات ابن سعد 829.

    (3) كنز العمال 13|687.

    (4) الإصابة 4|379.

    (5) تهذيب التهذيب 3|285.

    (6) تهذبب التهذيب 11|184.



    * ابن أبي مليكة

    رواه عنه عبد الرزاق بن همام كما في كنز العمّال.

    لكنّه مرسل.

    وهو يرويه إمّا عن المسور، وإمّا عن عبدالله بن الزبير، وإمّا عن كليهما جميعاً كما احتمل بعضهم...

    أمّا حديث ابن الزبير فساقط بسقوطه نفسه، وأمّا حديث المسور فسنتكلّم عليه.


    * رجل من أهل مكّة

    الذي عند أحمد: «عن أبي حنظلة أنّه أخبره رجل من أهل مكة».

    فمن «أبو حنظلة»؟ ومن «الرجل من أهل مكّة»؟

    أمّا الحاكم فقد رواه ساكتاً عنه !

    لكن الذهبي تعقّبه بقوله: «قلت: مرسل»!

    ثم إن الراوي عنه بواسطة إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي هو: «يزيد بن هارون».... قال يحيى بن معين: «يدلس من أصحاب الحديث، لأنه لا يميّز ولا يبالي عمن روى»(1).
    ____________

    (1) تهذيب التهذيب 11|322.


    * الكلام على حديث مسور

    لكن الطريق الذي أتفق عليه أصحاب الصحاح كلّهم هو الأول، وهو وحده الذي أخرجه البخاري ومسلم والنسائي (1) وابن ماجة. وانفرد الترمذي بروايته عن ابن الزبير، وقد عرفت تنبيهه على ذلك، وانفرد أبو داود بروايته عن عروة، وقد عرفت ما فيه.

    فالمعتمد والأصح عندهم جميعاً هو حديث المسور بن مخرمة... !

    ثم إن روايات القوم عن مسور تنتهي إلى:

    1 ـ عليّ بن الحسين. وهو الإمام زين العابدين عليه السلام.

    2 ـ عبد الله بن عبيد الله بن أبي، مليكة.

    والراوي عن الإمام زين العابدين عليه السلام ليس إلآ:

    محمد بن شهاب الزهري.

    والراوي عن ابن أبي مليكة:

    1 ـ الليث بن سعد.

    2 ـ أيّوب بن أبي تميمة السختياتي.

    ثم إن الدارمي (2) والبخاري ومسلماً وأحمد وابن ماجة.. يروونه عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري.

    ويرويه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد..عن الوليد بن كثير عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن الزهري.

    ويرويه مسلم عن النعمان عن الزهري.

    ونحن لا يهمّنا البحث عن أبي اليمان ـ وهو الحكم بن نافع ـ وروايته عن شعيب ـ وهو ابن حمزة كاتب الزهري وروايته (3)ـمع أن العلماء تكتموا في ذلك، حتى قال بعضهم: لم يسمع أبو اليمان من شعيب ولا كلمة(4)وإنّ الرجلين كانا من أهل حمص، وهم من أشدّ الناس على أمير المؤمنين عليه السلام في تلك العصور ويضرب بحماقتهم المثل (5).

    ولا يهمّنا البحث عن الوليد بن كثير وكان إباضياً(6).

    ولا عن أيّوب، ولا عن الليث الذي كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم فحدّثهم بفضائل عثمان فكفّوا!(7).

    ولا عن النعمان ـ وهو ابن راشد الجزري ـ الذي ضعّفه القطان جدّاً. وقال أحمد: مضطرب الحديث. وقال ابن معين: ضعيف. وقال البخاري وأبو حاتم: في حديثه وهم كثير. وقال ابن أبي حاتم: أدخله البخاري في الضعفاء. وقال أبو داود: ضعيف؛ وكذا قال النسائي والعقيلي (8).

    إنمّا نتكلم في ابن أبي مليكة والزهري.

    ___________

    (1) خصائص أمير المؤمنين عليّ: 245.

    (2) مرّ وقوعه في سند الرواية الثالثة ممّا رواه مسلم، فراجع.

    (3) تهذيب التهذيب 4|307.

    (4) تهذيب التهذيب 2|380.

    (5) معجم البلدان 2|304

    (6) تهذيب التهذيب 11|131.

    (7) تهذيب التهذيب 8|415.

    (8) تهذيب التهذيب 10|404.

    تعليق


    • #3
      أمّا الأول فيكفينا أن نعلم انه كان قاضي عبد الله بن الزبير ومؤذنه (1).

      وأما الثاني فهو العمدة في عمدة أخبار المسألة، وهو الذي يروي الخبر عن الإمام زين العابدين عليه السلام !! فلنفضل فيه الكلام:

      إن الزهري كان من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.

      قال ابن أبي الحديد المعتزلي: «وكان الزهري من المنحرفين عنه. وروى جرير ابن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري وعروة ابن الزبير جالسان يذكران علياً فنالا منه. فبلغ ذلك عليّ بن الحسين فجاء حتى وقف عليهما فقال: اما أنت يا عروة، فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك ؟ واما أنت يا زهري، فلو كنت بمكّة لأريتك كير أبيك».

      قال: «وروى عاصم بن أبي عامر البجلي، عن يحيى بن عروة، قال: كان أبي إذا ذكر علياً نال منه»(2).

      ويؤكد هذا سعيه، وراء إنكار مناقب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، كمنقبة سبقه إلى الإسلام ؟ قال ابن عبد البرّ «وذكر معمر في جامعه عن الزهري قال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبد الرزاق: وما أعلم أحداً ذكره غير الزهري» (3).

      وروايته عن عمر بن سعد اللعين قاتل الحسين ابن أمير المؤمنين عليهما السلام، قال الذهبي: «عمر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه. وعنه: إبراهيم وأبو إسحاق. وأرسل عنه الزهري وقتادة. قال ابن معين: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟!»(4).

      وكونه من عمال بني أمية ومشيدي سلطانهم، حتى أنكر عليه ذلك العلماء والزهاد، فقد ذكر العلامة عبد الحق الدهلوي بترجمته من «رجال المشكاة»: «إنّه قد ابتلي بصحبة الأمراء بقلة الديانة، وكان أقرانه من العلماء والزهاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه، وكان يقول: أنا شريك في خيرهم دون شرهم ! فيقولون: ألا ترى ما هم فيه وتسكت ؟!».

      ومن هنا قدح فيه ابن معين فقد «حكى الحاكم عن ابن معين أنه قال: أجود الأسانيد: الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله؛ فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري !! فقال: تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري ؟! الزهري يرى العرض والإجازة، ويعمل لبني أمية؛ والأعمش فقير صبور، مجانب للسلطان، ورع عالم بالقرآن»(5).

      وبهذه المناسبة كتب له الإمام زين العابدين عليه السلام كتاباً يعظه فيه ويذكّره الله والدار الآخرة وينبّهه على الآثار السيّئة المترتّبة على كونه في قصور السلاطين، من ذلك قوله: «إن أدنى ما كتمت وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغيّ.. جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسُلّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم.. احذر فقد نبئت، وبادر فقد أجّلْت.. ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك، ويردّ إليك ما عزب من دينك.. أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟!. فأعرض ـ عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم.. ما لك لا تنتبه من نعستك وتستقيل من عثرتك فتقول: والله ما قمت لله مقاماً واحداً ما أحييت به له دينا، أو أمت له فيه باطلاً؟!»(6).

      هذا، ولقد ورث الزهري العداء للإسلام والنبي وأهل بيته من آبائه، فقد ذكر ابن خلّكان بترجمته: «وكان أبو جدّه عبد الله بن شهاب شهد مع المشركين بدراً، وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ليقتلنه أو ليقتلن دونه، وروي أنه قيل للزهري: هل شهد جدّك بدرا؟ فقال: نعم، ولكن من ذلك الجانب. يعني أنه كان في صفّ المشركين. وكان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير. ولم يزل الزهري مع عبد الملك ثم مع هشام بن عبد الملك. وكان يزيد بن عبد الملك قد استقضاه»(7).

      وإذ عرفت حال الزهري وموقف الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام منه.. فهل تصدق أن يكون الإمام عليه السلام قد حدثه بهكذا حديث فيه تنقيص على جده الرسول الأمين وأمه الزهراء وأبيه أمير المؤمنين عليهم السلام ؟!

      لكنه الزهري ! عندما يضع الحديث على النبي والعترة ومذهبهم يضعه على لسان واحد منهم كي يسهل على الناس قبوله!!

      خذ لذلك مثالاً.. ما وضعه على لسان ابني محمد بن عليّ عنه عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لابن عبّاس ـ وقد بلغه أنه يقول بالمتعة ـ: «إنك رجل تائه، إنّ رسول الله نهى عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية» هذا الحديث الذي حكم ببطلانه كبار أئمتهم كالبيهقي وابن عبد البّر والسهيلي وابن القيم والقسطلاني وابن حجر العسقلاني وغيرهم من شراح الحديث (8).

      وقد رواه الغزالي في إحياء علوم الدين 2|143 لكنه قال: «ولمّا خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه»!! وكم له من نظير!

      وبشر الحافي تاب على يد الإمام موسى الكاظم عليه السلام في قضية معروفة، رواها المناوي في الكواكب الدرية: 208، إلأ أنّه لم يصرح بأسم الإمام !! هكذا يريدون إخفاء فضائل آل الله وإطفاء نور الله، هكذا يأبى الله لكنه وضعه على لسان أفراد من أهل البيت عن سيّدهم أمير المؤمنين عليه السلام في الردّ على ابن عبّاس وكذا التعبير!!

      ولا تحسبن أن الوضع على لسان رجال أهل البيت يختص بالزهري ـ وإن كان من أشهرهم بهذا الصنيع الشنيع !! ـ فهذا أحد محدثي القوم: عبد الله بن محمد بن ربيعة بن قدامة القدامي، يقول الذهبي وابن حجر بترجمته: «أحد الضعفاء، أتى عن مالك بمصائب، منها: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: توفيت فاطمة رضي الله عنها ليلاً، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة، فقال أبو بكر لعلي: تقدّم فصل، قال: لا والله لا تقدّمت وأنت خليفة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم. فتقدّم أبو بكر وكبر أربعاً»(9).

      وقال ابن حجر: «رواه بعض المتروكين عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه. ووهّاه الدارقطني وابن عديّ»(10).

      إنهم يريدون بتلك المساعي التغطية على ما جنوا، وإصلاح ما أفسدوا، ولكن «لايصلح العطارما أفسده الدهر»!!.

      وبقي الكلام في (مسور) نفسه، ويكفينا أن نعلم:


      أولاً:

      إنه ولد بعد الهجرة بسنتين، فكم كانت سني عمره في وقت خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟! وهكذا ما سنتكلم عليه بعد أيضاً.


      وثانياً:

      إنه كان مع ابن الزبير، وكان ابن الزبير لا يقطع أمراً دونه، وقد قتل في قضية رمي الكعبة بالمنجنيق، بعد أن قاتل الشاميّين، وولي ابن الزبيرغسله.


      وثالثاً:

      إنه كان مّمن يلزم عمر بن الخطّاب.


      ورابعاً:

      إنه كان إذا ذكر معاوية صلّى عليه.


      وخامساً:

      إنه كانت الخوارج تخشاه وينتحلونه (11).

      ____________

      (1) تهذيب التهذيب 5|268.

      (2) شرح نهج البلاغة 4|102.

      (3) الاستيعاب ـ ترجمة زيد بن حارثة.

      (4) الكاشف 2|311.

      (5) تهذيب التهذيب ـ ترجمة الأعمش ـ 4|195.

      (6) تحف العقول عن آل الرسول: 198، لابن شعبة الحراني، من أعلام الإمامية في القرن الرابع الهجري.

      (7) وفيات الأعيان ـ ترجمة الزهري.

      (8) انظر: الرسالة الخامسة من هذه الرسائل.

      (9) لسان الميزان 3|334.

      (10) الإصابة 4|379.

      (11) سير أعلام النبلاء 3|391 ـ 394. تهذيب التهذيب 10|137.

      تعليق


      • #4
        ما كان من وضع المسور

        1 ـ لقد جاء عن مسور: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم «وأنا محتلم» قال ابن حجر بشرح البخاري: «في رواية الزهري عن علي بن حسين عن المسور ـالماضية في فرض الخمس ـ: (يخطب الناس على منبره هذا وأنا يومئذٍ محتلم). قال ابن سيّد الناس: هذا غلط. والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفط (كالمحتلم). أخرجه من طريق يحيى بن معين عن يعقوب بن إبراهيم بسنده المذكور إلى علي بن الحسين. قال: والمسور لم يحتلم في حياة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، لأنه ولد بعد ابن الزبير، فيكون عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه [واله] وسلّم ثمان سنين»(1)

        وقال بترجمة المسور: ووقع في صحيح مسلم (2) من حديثه في خطبة علي لابنة أبي جهل، قال المسور: سمعت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وأنا محتلم يخطب النّاس، فذكر الحديث. وهو مشكل المأخذ، لأن المؤرخين لم يختلفوا أن مولده كان بعد الهجرة، وقصّة خطبة علي كانت بعد مولد المسور بنحو ست سنين أو سبع سنين. فكيف يسمى محتلماً؟!»(3).


        أقول:

        فهذا إشكال في المتن ! ولربما أمكن الإشكال من هذه الناحية في السند ! والعجب من الذهبي كيف توهّم من هذا الحديث كونه محتلماً يومذاك (4).

        2 ـ ذكر المسور قصة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه للسيف من علي بن الحسين عليه السلام... وقد وقع الإشكال عندهم في مناسبة ذلك، وذكروا وجوهاً اعترفوا بكون بعضها تكلّفاً وتعسفاً، لكن الحق أن جميعها كذلك كما سترى:

        قال الكرماني: «فإن قلت: ما وجه مناسبة هذه الحكاية لطلب السيف ؟ قلت: لعل غرضه منه أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يحترز مّما يوجب الكدورة بين الأقرباء، وكذلك أنت أيضاً ينبغي أن تحترز منه، وتعطيني هذا السيف حتى لا يتجدد بسببه كدورة أخرى.

        أو: كما أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يراعي جانب بني أعمامه العبشمية، أنت راع جانب بني أعمامك النوفلية؛ لأن المسور نوفلي.

        أو: كما أنه صلى الله عليه [وآله] وسلّم يحبّ رفاهيّة خاطر فاطمة، أنا أيضاً أحبّ رفاهيّة خاطرك، فأعطنيه حتى أحفظه لك»(5).

        هذه هي الوجوه التي ذكرها الكرماني لدفع الإشكال، وقد ذكرها ابن حجر وقال ـ بعد أن أشكل على الثاني بأن المسور زهري لا نوفلي ـ: «والأخير هو المعتمد وما قبله ظاهر التكلّف» قال: «وسأذكر إشكالاً يتعلّق بذلك في كتاب المناقب»(6).

        وكأن العيني لم يرتض هذا الوجه المعتمد! فقال: «وانما ذكر المسورقصّة خطبة عليّ بنت أبي جهل ليعلم علي بن الحسين زين العابدين بمحبته في فاطمة وفي نسلها لما سمع من رسول الله» (7).


        قلت:

        إذا كان ذكر القصة ليعلم أنه يحبّ. رفاهيّة خاطره، أو ليعلم بمحبّته في فاطمة ونسلها... فأيّ خصوصيّة للسيف ؟! وهل كانت الرفاهية لخاطره حاصلة من جميع الجهات، وهو قادم من العراق مع تلك النسوة والأطفال بتلك الحال، وبقي خاطره مشوشاً من طرف السيف، فأراد رفاهية خاطره، أو إعلامه بمحبته له، كي يعطيه السيف ؟!.

        3 ـ وهل من المعقول أن يذكر الإنسان لمن يريد أن يعلم بمحبته له ورفاهية خاطره ما يكدر خاطره ويجرح عواطفه ؟!

        وهذا هو الإشكال الذي أشار إليه ابن حجر في عبارته الآنفة. ثم قال في كتاب المناقب: «ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصبه لعلي بن الحسين، حتى قال: إنه لو أودع عنده السيف لا يمكن أحداً منه حتى تزهق روحه، رعاية لكونه ابن ابن فاطمة، ولم يراع خاطره في أن في ظاهر سياق الحديث غضاضة على علي بن الحسين، لما فيه من إيهام غضٍ من جدّه علي بن أبي طالب، حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة، حتى اقتضى أن يقع من النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم في ذلك من الإنكار ما وقع ؟!

        بل أتعجّب من المسور تعجباً اخر أبلغ من ذلك، وهو ان يبذل نفسه دون السيف رعاية لخاطر ولد ابن فاطمة، وما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه ـ أعني الحسين والد علي الذي وقعت معه القصّة ـ حتى قتل بأيدي ظلمة الولاة؟!!»(8).

        ثم إن ثمة شيئاً آخر... وهو أن المسور بن مخرمة لمّا خطب الحسن بن الحسن ابنته: «حمد الله عز وجل وأثنى عليه وقال: أمّا بعد، فما من نسب ولا سبب ولا صهر أحبّ إلي من نسبكم وصهركم، ولكن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع إلآ نسبي وسببي وصهري، وعندك ابنته ولو زوجتك لقبضها ذلك» فانطلق الحسن عاذراً إليه(9).

        ولو كان مسور يروي قصة خطبة أبي جهل لاستشهد بها وحكى الحديث كاملاً، لشدّة المناسبة بين خطبة عليّ ابنة أبي جهل وعنده فاطمة وخطبة الحسن بن الحسن ابنة المسور وعنده بنت عمه !

        فهذه إشكالات حار القوم في حلها الحل المعقول...

        ____________

        (1) فتح الباري 9|268 ـ 270.

        (2) قد عرفت انّه وقع في صحيح البخاري أيضاً، فلماذا خصّه بمسلم ؟!

        (3) تهذيب التهذيب 10|137.

        (4) سير أعلام النبلاء 3|391.

        (5) الكواكب الدراري 13|88.

        (6) فتح الباري 6|61.

        (7) عمدة القاري 15|34.

        (8) فتح الباري 9|268.

        (9) مسند أحمد 4|323، المستدرك 3|158، سنن البيهقي 7|64.

        تعليق


        • #5
          مدلولات عقلية لا بد منها

          يجب النظر في هذه الأحاديث من الناحية الفقهية والناحية الأخلاقية والعاطفية... بعد فرض ثبوت القضيّة...

          فماذا صنع عليّ ؟ وما فعلت فاطمة؟ وأيّ شيء صدرمن النبي ؟

          لقد خطب عليّ ابنة أبي جهل، فتأذت الزهراء، فصعد النبي المنبر وقال...

          هل كان يحرم على علي التزوج على فاطمة أو لا؟

          وعلى الأول: فهل كان على علم بذلك أو لا؟

          لا ريب في أن علياً لا يقدم على هذا الأمر المحرم عليه مع علمه بالحرمة، فإمّا أن لا تكون حرمة، وإمّا أن لايكون له علم بها.

          لكن الثاني لا يجوز نسبته إلى سائر الناس فكيف بباب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

          فهو إذن حين فعل ذلك لم يكن فاعلاً لمحرم في الشريعة، لأن حاله حال سائر المسلمين الجائز عليهم نكاح الأربع، ولو كان ـ بالنسبة إليه خاصّة ـ حكم دون رجال المسلمين لعلمه !

          وحينئذٍ فهل من الجائز خروج الصدّيقة الطاهرة ـ بمجرد سماعها الخبرـ إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم لتشكو بعلها وتخاطب أباها بتلك الكلمات القارصة؟ !

          إنه لم يفعل محرماً حتى تكون قد أرادت النهي عن المنكر، فهل أن شأنها شأن غيرها من النساء ويكون لها من الغيرة ما يكون لسواها؟! وهل كانت غيرتها لإقدام عليّ على النكاح أو لكون المخطوبة بنت أبي جهل ؟!

          والنبي... يصعد المنبر... بعد أن يرى فاطمة منزعجة... أو بعد أن يستأذنه القوم في أن ينكحوا ابنتهم... فيخاطب الناس ؟!

          وماذا قال ؟!

          قد اشتملت خطبته على ما يلي:

          1 ـ الثناء على صهرله من بني عبد شمس !

          2 ـ الخوف من أن تفتن فاطمة في دينها!

          3 ـ إنه ليس يحرم حلالاً ولا يحلّ حراماً... ولكن لا يأذن !

          4 ـ إنه لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله ! وفي لفظ: إنه ليس لأحد أن يتزوج ابنة عدو الله على ابنة رسول الله ! وفي ثالث: لم يكن ذلك له أن يجمع... !

          5 ـ إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنته صلى الله عليه وآله وسلّم وينكح ابنتهم ! وفي لفظ: إن كنت تزوجتها فردّ علينا ابنتنا..!

          أترى من الجائزكل هذا؟!

          لقد حار الشرّاح ـ وهم يقولون بأن علياً خطب ولم يكن بمحرم عليه، وبأن فاطمة تعتريها الغيرة كسائر النساء! ـ في توجيه ما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في هذه الواقعة...

          إن علياً كان قد أخذ بعموم الجواز و فاطمة الزهراء ليست بالتي تفتن عن دينها أو يعتريها ما يعتري النسوة وقد نزلت فيها اية التطهير من السماء، وكانت لعصمتها وكمالاتها سيدة النساء، وعلى فرض ذلك ـ كما تقول هذه الأحاديث ـ فلا خصوصية لابنة أبي جهل.

          والنبي يعترف في خطبته بأن علياً ما فعل حراماً، ولكن لا يأذن. فهل إذنه شرط ؟! وحل يجوز حمل الصهر على طلاق زوجته إن تزوج بأخرى عليها؟!

          كل هذا غير جائز ولا كائن...

          سلّمنا أن فاطمة أخذتها الغيرة(1)، والنبي أخذته الغيرة لابنته، (2). فلماذا صعد المنبر وأعلن القصة وشهر؟!

          يقول ابن حجر: «وإنما خطب النبي ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به، إمّا على سبيل الإيجاب، وإمّا على سبيل الأولوية»(3).

          وتبعه العيني (4).

          والمراد بالحكم: حكم «الجمع بين بنت رسول الله وبنت عدو الله» لكن ألفاظ الحديث مختلفة، ففي لفظ: «لا تجتمع...» وفي آخر: «ليس لأحد...» وفي ثالث: «لم يكن ذلك له». ولذا اختلفت كلمات العلماء في الحكم !

          قال النووي: «قال العلماء: في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم بكل حال وعلى كل وجه، وإن تولد ذلك الإيذاء ممّا كان أصله مباحاً وهو حي. وهذا بخلاف غيره. قالوا: وقد أعلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله: لست احرم حلالاً، ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين، إحداهما: أن ذلك يؤدّي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذٍ النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيهلك من آذاه.
          فنهى عن ذلك لكمال شفقته على عليّ وعلى فاطمة. والثانية: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة.

          وقيل: ليس المراد به النهي عن جمعهما، بل معناه: أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان، كما قال أنس بن النضر: والله لا تكسر ثنية الربيع.

          ويحتمل أن المراد: تحريم جمعهما، ويكون معنى لا احرم حلالاً، أي: لا أقول شيئاً يخالف حكم الله، فإذا أحلّ شيئاً لم أحرمه، وإذا حرمه لم أحلله ولم أسكت عن تحريمه، لأن سكوتي تحليل له، ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنتي عدوّ الله وبنت نبي الله»(5).

          وقال العيني: «نهى عن الجمع بينها وبين فاطمة ابنته لعلتين منصوصتين...»(6).

          أقول:

          أمّا «الا تجتمع...» فليس صريحاً في التحريم، ولذا قيل: (ليس المراد به النهي عن جمعهما، بل معناه: اعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان».

          وأمّا «ليس لأحد...» فظاهر في الحرمة لعموم المسلمين، فيكون حكماً مخصّصاً لعموم أدلّة الجواز لكن لا يفتني به أحد... بل يكذبه عمل عمر بن الخطاب، حيث خطب ـ فيما يروون ـ ابنة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام وعنده غير واحدة من بنات أعداء الله كما لا يخفى على من راجع تراجمه.

          وأما «لم يكن ذلك له» فصريح في اختصاص الحكم بعين، فهل هو نهي تنزيهي أو تحريمي ؟ إن كان الثاني فلا بدّ أن يفرض مع جهل علي به، لكن المستفاد من النووي وغيره هو الاوّل، فهو صلّى الله عليه وآله وسلّم نهى عن الجمع للعلتين المذكورتين.

          أما الثانية فلا تتصوّرفي حق كثير من النساء المؤمنات فكيف بالزهراء الطاهرة المعصومة !!

          وأما الأولى فيردها: أن صعود المنبر، والثناء على صهر آخر، ثم القول بأنه «إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق...»... ينافي كمال شفقته على علي وفاطمة...

          ولعل ما ذكرناه هو وجه الأقوال الأخرى في المقام.

          وقال ابن حجر بشرح: «إلا أن يريد ابن أبي طالب...»: «هذا محمول على أن بعض من يبغض علياً وشى به أنه مصمم على ذلك، وإلا فلا يظنّ به أنه يستمر على الخطبة بعد أن استشار النبي صلى الله عليه [آله] وسلم فمنعه. وسياق سويد بن غفلة يدل على أن ذلك وقع قبل أن تعلم به فاطمة، فكأنه لما قيل لها ذلك وشكت إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بعد أن أعلمه علي أنه ترك، أنه انكر عليه ذلك.

          وزاد في رواية الزهري وإني لست أحرم حلالاً ولا أحلل حراماً، ولكن ـ والله ـ لا تجمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل أبداً. وفي رواية مسلم: مكاناً واحداً أبداً. وفي رواية شعيب: عند رجل واحد أبداً.

          قال ابن التين: أصح ما تحمل عليه هذه القصة: أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم حرم على عليّ أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل، لأنه علل بأن ذلك يؤذيه، وأذيته حرام بالاتفاق. ومعنى قوله: لا أحرم حلالاً، أي: هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة. وآما الجمع بينهما الذي لا يستلزم تأذي النبي صلّى الله عليه الله [وآله] وسلّم لتأذي فاطمة به فلا.

          وزعم غيره: أن السياق يشعر بأن ذلك مباح لعلي، لكنه منعه النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم رعاية لخاطر فاطمة، وقبل هو ذلك امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.

          والذي يظهر لي: أنه لا يبعد أن يعد في خصائص النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أن لا يتزوج على بناته.

          ويحتمل أن يكون ذلك خاصاً بفاطمة عليها السلام»(7).

          أقول: لايخفى الأضطراب في كلماتهم... ولا يخفى ما في كل وجهٍ من هذه الوجوه...

          ولو ذكرنا التناقضات الأخرى الموجودة بينهم لطال بنا المقام...

          ومن طرائف الأمور جعل البخاري كلام النبي خلعاً، ولذا ذكر الحديث في باب الشقاق من كتاب الطلاق... !! لكن القوم لم يرتضوا ذلك فحاروا فيه:

          قال العيني: «قال ابن التين: ليس في الحديث دلالة على ما ترجم..

          أراد: أنه لا مطابقة بين الحديث والترجمة.

          وعن المهلّب: حاول البخاري بإيراده أن يجعل قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم: (فلا آذن) خلعاً.

          ولا يقوى ذلك. لأنه قال في الخبر: (إلآ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي) فدلّ على الطلاق. فإن أراد أن يستدلّ بالطلاق على الخلع فهو ضعيف...

          وقيل: في بيان المطابقة بين الحديث والترجمة بقوله: يمكن أن تؤخذ من كونه صلى الله عليه [وآله] وسلّم أشار بقوله: (فلا آذن) إلى أن علياً رضي الله تعالى عنه يترك الخطبة. فإذا ساغ جواز الإشارة بعدم النكاح التحق به جواز الإشارة بقطع النكاح.

          وأحسن من هذا وأوجه ما قاله الكرماني بقوله: أورد هذا الحديث هنا لأن فاطمة رضي الله تعالى عنها ما كانت ترضى بذلك، وكان الشقاق بينها وبين علي رضي الله تعالى عنه متوقعاً، فأراد صلى الله عليه [وآله] وسلّم دفع وقوعه.

          وقيل: يحتمل أن يكون وجه المطابقة من باقي الحديث، وهو: (إلا أن يريد علي أن يطلّق ابنتي) فيكون من باب الإشارة بالخلع.

          وفيه تأمل»(8).

          وقال القسطلاني: «استشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة وأجاب في الكواكب فأجاد: بأنّ كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك فكان الشقاق بينها وبين علي متوقعاً، فأراد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم دفع وقوعه بمنع علي من ذلك بطريق إلإيماء والإشارة.

          وقيل غير ذلك مما فيه تكلّف وتعسّف»(9).


          أقول:

          وهل ما ذكره الكرماني في الكواكب واستحسنه العيني والقسطلاني خال من التكلف والتعسف ؟!

          إنه يبتني على احتمالين، أحدهما: أن لا ترضى فاطمة بذلك. والثاني: أن ينجر ذلك إلى الشقاق بينهما... !!

          وهل كان منعه صلىالله عليه وآله وسلّم علياً من ذلك ـ دفعاً لوقوع الشقاق ـ بطريق الإيماء والإشارة؟! أو كان بالخطبة والتنقيص والغضّ والتهديد؟!

          ____________

          (1) ومن هنا ذكر ابن ماجة الحديث في باب الغيرة.

          (2) ومن هنا عنون البخاري: «باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف» ولم يذكر فيه إلآ هذا الحديث!!

          (3) فتح الباري 7|68.

          (4) عمدة القاري 16|230.

          (5) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج ـ هامش إرشاد الساري ـ 9|333.

          (6) عمدة القاري 15|34.

          (7) فتح الباري 9|268.

          (8) عمدة القاري 20|265.

          (9) إرشاد: الساري 8|152.

          تعليق


          • #6
            النتيجة من البحث

            1ـ إن قول المسور «وأنا محتلم» يورث الشك في سماعه الحديث من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وكذا عدم المناسبة المعقولة بين طلبه للسيف من الإمام زين العابدين عليه السلام وإخباره بالقصّة، ثم إلحاحه في طلب السيف، لأن النبي صلى الله عليه واله وسلّم قال: فاطمة بضعة مني.. !

            2 ـ إن ألفاظ الحديث مختلفة ومعانيها متفاوتة جداً، بحيث لم يتمكن شرّاحه من بيان وجه معقول للجمع بين تلك الألفاظ. ولما كانت الحال هذه والقصّة واحدة فلا محالة يقع الشك في أصل الحديث...

            3 ـ إن مدلول الحديث لا يتناسب وشأن أميرالمؤمنين والزهراء، وفوق ذلك لا يتناسب وشأن النبي صاحب الشريعة الغراء. وحتى لو فعل عليّ ما لايجوز.. لما ثبت من أنه: «كان إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول. ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا». و: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قل ما يواجه رجلا في وجهه شيء يكرهه».

            وقال: «من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موؤدة»(1).

            وقد التفت ابن حجر إلى هذه الناحية حيث قال: «وكان النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قل أن يواجه أحدا بما يعاب به» ثم اعتذر قائلا: «ولعلّه إنما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة عليها السلام...»(2).

            لكنه كما ترى، أمّا أولا: فلم يرتكب عليّ عيبا. وأمّا ثانيا: فإن الذي صدر من النبي ما كان معاتبة. وأما ثالثا: فإن المبالغة في رضا فاطمة عليها السلام إنما تحسن ما لم تستلزم هتكا لمؤمن فكيف بعليّ، وليس دونها عنده إن لم يكن أعزوأحب.

            4 ـ وكما أن هذا الحديث تكذبه أحكام الشريعة الإسلامية والسنن النبويّة والآداب المحمدية... كذلك تكذبه الأخبار الصحيحة في أن الله هو الذي اختار علياً لنكاح فاطمة، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ردّ كبار الصحابة وقد خطبوها (3) ومن المعلوم أن الله لا يختار لها من يؤذيها بشيء مطلقا.

            5 ـ وتكذبه أيضا سيرة الإمام عليّ عليه السلام وأحواله مع أخيه المصطفى منذ نعومة أظفاره حتى آخر لحظة من حياة النبي الكريمة، فلم ير منه شيء يخالف الرسول أو يكرهه.


            تنبيهات


            1 ـ لقد كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حقاً، ولقد كرر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قوله: «فاطمة بضعة مني...» غير مرة، تأكيداً على تحريم أذاها، وأن سخطها وغضبها سخطه وغضبه، وسخطه سخط الله وغضبه... وبألفاظ مختلفة متقاربة في المعنى.

            وقد روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث غير واحد من الصحابة، منهم أميرالمؤمنين عليه السلام نفسه... قال ابن حجر: «وعن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لفاطمة: إن الله تعالى يرضى لرضاك ويغضب لغضبك»(4).

            قال: «وأخرج ابن أبي عاصم، عن عبدالله بن عمرو بن سالم المفلوج، بسند من أهل البيت عن عليّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال لفاطمة: إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» (5).

            ولسنا ـ الآن ـ بصدد ذكر رواة هذا الحديث وأسانيده عن الصحابة... وبيان قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ذلك في مناسبات متعدّدة... فذاك أمر معلوم..

            كما أن ترتيب المسلمين الأثر الفقهي عليه منذ عهد الصحابة وإعطائهم فاطمة ما كان للنبي من حكم، معلوم.

            فالسهيلي الحافظ حكم بكفر من سبّها وإن من صلى عليها فقد صلّى على أبيها، وكذا الحافظ البيهقي، وقال شراح الصحيحين بدلالته على حرمة أذاها(6) وقال الزرقاني المالكي: «إنها تغضب من سبها، وقد سوى بين غضبها وغضبه، ومن أغضبه كفر»(7) وقال المناوي: «استدلّ به السهيلي على أن من سبّها كفر، لأنه يغضبه، وأنها أفضل من الشيخين... قال الشريف السمهودي: ومعلوم أن أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها بضعة منه...»(8).

            ومن قبلهم أبو لبابة الأنصاري نزّلها منزلة النبي بأمر من النبي... قال الحافظ السهيلي: «إن أبا لبابة رفاعة بن المنذر ربط نفسه في توبة، وإن فاطمة أرادت حله حين نزلت توبته، فقال: قد أقسمت الآ يحلّني إلاّ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم. فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم: إن فاطمة بضعة مني. فصلى الله عليه وعلى فاطمة. فهذا حديث يدلّ على أن من سبها فقد كفر، ومن صلى عليها فقد صلى على أبيها».

            ليس المقصود ذلك.

            بل المقصود هو أن هذا الحديث جاء في الصحيحين وغيرهما عن «المسور بن مخرمة» ـ في باب فضائل فاطمة ـ مجرداً عن قصّة خطبة عليّ ابنة أبي جهل، قال ابن حجر: «وفي الصحيحين عن المسوربن مخرمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم على المنبر يقول: فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما رابها»(9)روياه عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة.

            بل لم نجده عند البيهقي والخطيب التبريزي إلا مجرداً كذلك (10)، وكذا في الجامع الصغير، حيث لا تعرض للقصّة لا في المتن ولا في الشرح (11).

            والملاحظ أنه لا يوجد في هذا السند المجرد واحد من ابني الزبير والزهري والشعبي والليث... وأمثالهم...

            ونحن نحتجّ بهذا الحديث... كسائر الأحاديث... وإن جرحنا «المسور» و «ابن أبي مليكة» لأن «الفضل ما شهدت به الأعداء».

            لكن أغلب الظن أن القوم وضعوا قصة الخطبة، وألصقوها بالمسور وروايته... لغرض في نفوسهم، ومرض في قلوبهم... حتى جاء ابن تيمية المجدّد لآثار الخوارج، والمشيّد للأباطيل على موضوعاتهم ليقول:

            «إن هذا الحديث لم يرو بهذا اللفظ بل روي بغيره، كما ذكر في حديث خطبة عليّ لابنة أبي جهل لمّا قام النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم خطيباً، فقال: إنّ بني هشام بن المغيرة... رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من رواية علي بن الحسين والمسور! مخرمة، فسبب الحديث خطبة علي لابنة أبي جهل...»(12).

            لكن الحقيقة لا تنطلي على أهلها، والله الموفق.
            هذا و الحمد لله العلي القدير الذي وفقنا لهذا العمل


            ____________

            (1) هذه الأحاديث متفق عليها، رقد أخرجها أصحاب الصحاح كلّهم في باب الأدب وغيره. أنظر منها: سنن أبي داود 2|288.

            (2) فتح الباري 7|67.

            (3) أنظر: مجمع الزوائد 9|204، كنز العمال 6|152، ذخائر العقبى: 31 ـ 32، الرياض النضرة 2|183، الصواعق: 84.

            (4) تهذيب التهذيب 12|469، الإصابة 4|378.

            (5) الإصابة 4|378.

            (6) فتح الباري، إرشاد الساري، عمدة القاري، المنهاج... وغيرها.

            (7) شرح المواهب المدنية 3|205.

            (8) فيض القدير 4|241.

            (9) الإصابة 4|378.

            (10) سنن البيهقي 7|64 و10|201. مشكاة المصابيح 3|1732 وقال: متّفق عليه.

            (11) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ـ 4|241.

            (12) منهاج السنة 2|170.

            المصدر مركز الأبحاث

            تعليق


            • #7
              للرفع ... لدعف الحجة عن أمير المؤمنين

              تعليق


              • #8
                للرفع في إنتظار من يناقش و إنتظار أبو منذر

                تعليق


                • #9
                  للرفع في إنتظار من يذهب إلى هذه الخطبة

                  تعليق


                  • #10
                    بسم الله الرحمن الرحيم

                    اللهم صل على محمد وآل محمد

                    بارك الله فيك أخي العزيز، بحث ممتاز وقيم، جعله الله في ميزان أعمالك إن شاء الله.

                    للرفع، عل من وضعوا هذا الحديث لدفع كون الأول هو من أغضب السيدة الزهراء (ع) يتقدمون ويبينون لنا وجهة نظرهم.

                    مع تحيتي.

                    تعليق


                    • #11
                      اللهم صلي على محمد و آل محمد

                      الشكر الجزيل يا أخي حبيب و نحن في إنتظار المناظرة

                      تعليق


                      • #12
                        اارفع

                        تعليق


                        • #13
                          للرفع ... و دفع الشبه عن الإمام امير المؤمنين سلام الله عليه

                          تعليق


                          • #14
                            للرفع

                            تعليق


                            • #15
                              الرسالة الأصلية كتبت بواسطة النور
                              تسلم ويسلم كيبوردك

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X