إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مفهوم البداء و الآراء الصحيحة-بحث قيم لسماحة اية الله السيدعبدالله المحرقي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مفهوم البداء و الآراء الصحيحة-بحث قيم لسماحة اية الله السيدعبدالله المحرقي

    بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على المصطفى الامين محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين المعصومين المنتجبين

    هذا الموضوع مأخوذ من كتاب (بحث حول البداء ) لسماحة اية الله السيد عبد الله المحرقي
    الكتاب مطبوع سنة 1987 الميلادي الموافق 1407 الهجري



    مفهوم البداء اللغوي
    البداء في اللغة مصدر بدا بمعنى ظهر وفي العرف يعني الظهور بعد الخفاء فيقال مثلا فلان كان عازما على فعل هذا الشئ ثم بدا له فرجع عنه .
    و بتعريف اخر البداء بالفتح و المد اكثر ما يطلق في اللغة على ظهور الشئ بعد خفائه و حصول العلم به بعد الجهل او هو استصواب شئ علم بعد ان لم يعلم .
    قال الشاعر العربي :
    ليتني كنت قبل ما قد بدا لي في تلال الجبال ارعى الوعولا
    يعني قبل ما قد ظهر لي .
    قال تعالى : " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " بمعنى ظهر لهم به من افعال الله بهم ما لم يكن في حسبانهم و تقديرهم .
    و مثله قوله تعالى " وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون"
    بمعنى ظهر لهم جزاء كسبهم و بان لهم ذلك , و تقول العرب قد بدا لفلان عمل حسن وبدا له كلام فصيح اي ظهر له عمل حسن و كلام فصيح ..
    وقال ابن الفارس في تعريفه لكلمة البداء :
    كلمة البداء مصدر الفعل الثلاثي الماضي ( بدا) بمعنى ظهر يقال : بدا الشئ يبدو اذا ظهر فهو باد .
    و نقله الازهري عن الليث وحكاه الزبيدي و قد نص الفيومي على نفس المعنى الا انه قال : يتعدى بالهمزة فيقال : ابديته وبدا الشئ يبدو بدوا وبدوا ( بضم الباء والدال و تشديد الواو ) وبداءا و بدا الاخيرة عن سيبويه ، ظهر و ابديته انا اظهرته ، و تدور بقية معاجم اللغة حول نفس المعنى الذي اثبته هؤالاء بأن كلمة بداء تعني الظهور و دللوا على ذلك باشتقاقات لغوية تشير الى المعنى المذكور .
    و اذا ارادت العرب ان ترفع من قيمة الرجل فهي تصفه بأنه ذو " بدوات" اي ذو اراء تظهر له فيختار بعضها و يسقط بعضا و يبدوا ان الدلالة تشير الى تطور فكر المرء في مواقفه إزاء موارد الحياة العامة التي تخضع دائما للتغير و التباين ان الشاعر يشير الى ذلك بقوله :
    من أمر ذي بدوات ما يزال له بزلاء يعيا بها الجثامة اللبد
    يقول ابو دريد ( قولهم ابو البدوات معناه ابو الاراء التي تظهر له واحدها بداء )
    و منه اشتقت ايضا ( البدو والبادية ) قيل سميت بادية لبروزها و ظهورها وقيل للبرية بادية لكونها بارزة ، و شاهد البدو قوله تعالى " وجاء بكم من البدو " اي البادية من هنا جاءت البداوة خلاف الحضر باعتبار ان الفرد اذا خرج الى البادية ظهر فلم تحجبه الدور او البنايات كما هو الحال في الحضر وسمي خلاف الحضر , بدوا من هذا لانهم في براز من الارض و ليسوا في قرى تسترهم ابنيتها , قال الشاعر القطامي :
    فمن سكن الحضارة اعجبته فأي رجال بادية ترانا
    و في القران الكريم ورد المعنى احدى وثلاثين مرة موزعا على ستة عشر سورة يفيد معنى الظهور حسب مدلول الايات الكريمة .
    قال بعض الاكابر : الا ان البداء قد اكتسب في الاستعمال اختصاصا في ظهور رأي جديد في أمر و لذلك لم يذكر في اللفظ فاعل الفعل ، يقال : بد لي في كذا اي بدا لي فيه رأي جديد خلاف ما كان من قبل و لازم ذلك عدم الاستمرار على ما كان عليه سابقا من فعل او تكليف اولا بل هو اعم لان ظهور الرأي الجديد قد يكون عن العلم الحادث بعد الجهل بخصوصيات ما كان عليه او ما انتقل اليه وقد يكون لتغير المصالح و المفاسد والقيود و الموانع فيهما , نعم ان الغالب فينا هو الادل فيتبادر عند الاستعمال الجهل و الندامة .
    و قال امام المفسرين و قدوة الفقهاء و المجتهدين مولانا اية الله السيد محمد الحسين الطباطبائي عطر الله رمسه و قدس الله نفسه في تعريفه للبداء ما حرفيته :
    البداء من الاوصاف التي ربما تتصف بها افعالنا الاختيارية من حيث صدورها عنا بالعلم و الاختيار فانا لا نريد شيئا من افعالنا الاختيارية الا بمصلحة داعية الى ذلك تعلق بها علمنا و ربما تعلق العلم بمصلحة فقصدنا الفعل ثم تعلق العلم بمصلحة اخرى توجب خلاف المصلحة الاولى فحينئد نريد خلاف ما كنا نريده قبل وهو الذي نقول بدا لنا ان نفعل كذا اي ظهر لنا بعد ما كان مخفيا من العلم بالمصلحة ثم توسع في الاستعمال فاطلقنا البداء على ظهور كل فعل كان الظاهر خلافه فيقال بدا له ان يفعل كذا اي نسبه الى مجموع علته التامة التي يستحيل معها عدم الشئ وعند ذلك يجب وجوده بالضرورة وله نسبة الى مقتضيه الذي يحتاج الشئ في صدوره عنه الى شرط و عدم مانع فاذا وحدت الشرائط وعدمت الموانع تمت العلة التامة ووجوب وجود الشئ واذا لم يوجد الشرط او وجد مانع لم يؤثر مقتضيه الذي كان يظهر بوجوده خلاف هذا الحادث كان موجود ظهر من علته خلاف ما كان يظهر منها و من المعلوم ان علمه تعالى بالموجودات و الحوادث مطابق لما في نفس الامر من وجودها فله تعالى علم الاشياء من جهة عللها التامة وهو العلم الذي لا بداء فيه اصلا وله عمل بالاشياء من جهة مقتضياتها التي موقوفة التأثير على وجود الشرائط وفقد الموانع هذا العلم يمكن ان يظهر خلاف ما كان ظاهرا منه بفقد شرط او وجود مانع.


    مفهوم البداء الاصطلاحي

    لقد اوضحنا لقارئنا الكريم فيما سبق بان كلمة البداء في لغة العرب : تعني الظهور و المحنا بصورة اجمالية عابرة عند نقلنا لقول بعض الاكابر بان كلمة البداء قد اكتسب في الاستعمال اختصاصا في ظهور رأي جديد و بالاضافة الى ما ذكر نقول ان البداء :
    في الجانب الاصطلاحي قد انسحب على الامور الممكنة التي تقع في عالم التكون و التي تمتاز بظاهرة ( التغير) بحيث تبدو هذه الامور ثابتة .
    اولا كأنها تسير وفق سنة واحدة ولكن سرعان ما يظهر فيها التبدل و لهذا اتخذت الحال التي تجري بمقتضاها هذه الحوادث صفة ( البداء ) بحيث يظهر منها خلاف ما كانت عليه اولا .
    ومن هنا ظهرت مشكلة غاية في التعقيد في تطور الجانب الاصطلاحي للكلمة , فمن المتعارف عليه ان الحياة تسير وفق عناية آلهية تامة , و ان الله لا يجوز عليه التبدل و التغير , وهو امر ثابت لكل من تكلم على الظاهرة نفسها , هذا من جهة ومن جهة اخرى فلقد يلمس ان هناك تغيرا ملموسا يحدث في دائرة معينة , فهناك تغير واضح تسلك بمقتضاه بعض حوادث عالم التكون , ولهذا يتطلب الامر حلا للمشكلة القائمة بين عدم تغير الموقف الالهي من جانب وطبيعة التغير الملموس في حوادث عالم التكوين المشمول بالارادة الالهية من جانب اخر , وقد تبلور عن هذا الموقف اتجاهات ثلاثة حددت من خلالها طبيعة اللفظة في جانبها الاصطلاحي .
    الاتجاه الاول : وهو الاتجاه الذي يجعل التغير في المعلوم دون العلم فالعلم الالهي ثابت ازلا و ابدا , و اما التغير الملموس فهو في طبيعة المعلوم , و ان هذا التغير معلوم به ازلا , و لهذا الاتجاه جانبان :
    أ ) جانب كلامي .
    ب ) جانب فلسفي .
    أما الجانب الكلامي فيمثله الشيخ الصدوق في كتابه ( التوحيد ) حيث يذهب الى ان هناك طرفين للقضية الواحدة , ولكل طرف ظرفه الخاص بحيث يأمر الله العمل بطرف تلك القضية او الواقعة ثم ينهى عنه بمثل ما امر به , لعلمه بان صلاح العباد يترتب على ذلك الامر و النهي بالنسبة الى طرفي القضية الواحدة , وهذه الحادثة بطرفيها مقررة ازلا في علم الله و البداء عند الصدوق بهذا المعنى يطابق النسخ تماما قال : ( يجب علينا ازلا نقر لله عزوجل بان له البداء , ان له ان يبدأ بشئ من خلقه فيخلقه قبل شئ ثم يعدم ذلك الشئ و يبدأ بخلق غيره , او يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله او ينهى عن شئ ثم يأمر بمثل ما نهى عنه , و ذلك مثل نسخ الشرائع و تحويل القبلة و عدة المتوفي عنها زوجها , و لا يأمر الله عباده بأمر في وقت الا وهو يعلم ان الصلاح لهم في ذلك الوقت . و يصرح بأنه لا خلاف بينه و بين المسلمين كافة الا في اللفظ فقط , وهذه ايضا طريقة السيد الشريف المرتضى و الحر العاملي في تفسيرهما لطبيعة البداء و بانه مخصوص بأحكام القضاء و القدر كما هو عليه النسخ .
    اما الجانب الفلسفي من الاتجاه الاول فيمثله الفيلسوف الداماد حيث يعطي للبداء مفهوم النسخ ايضا ولكنه بطريقة اخرى تختلف عن النسخ المعروف فيذهب في تقسيمه الى نسخ تشريعي و نسخ تكويني و البداء يقع في الثاني منهما , و هكذا يكون التغير المشمول ( بالبداء ) عند الداماد هو في ظاهر عالم التكوين لا في العلم الالهي , فالله لا يتصور فيه حركة او انتقال او تغير و تبدل ( انما التجدد و اللحوق و التدرج و التعاقب في طبيعة المعلومات ) , و لما كانت هذه المعلومات ترتقي بأسبابها الى الله عن طريق الارتباط العلي فهي مستندة في تغيرها اليه تعالى , دون تغير العلة الاولى و عليه فالبداء ( هو استناد المتغيرات و التبدلات في الاطوار الايجابية و الاحكام التكوينية الى الباري تعالى ووقوع التبديل لا في القضاء و لا في الدهر بل في الزمان , وفي بعض القدر من غير لزوم تغير و تبدل و تلاحق وتعاقب بالقياس الى الموجد المكون -جل سلطانه ) .
    و يقارن الداماد بين منزلة البداء في التكوين و منزلة النسخ في التشريع بحيث انهما ينتهيان عنده الى نفس المفهوم الا ان البداء دائرته عالم التكوين بينما النسخ مجاله عالم التشريع و لهذا يقول : ( الذي في امر التشريع و الاحكام التكليفية نسخ , فهو في الامر التكويني و المكونات الزمانية بداء فالنسخ كانه بداء تشريعي و البداء كانه نسخ تكويني ) .
    الاتجاه الثاني : و هذا الاتجاه يرى حدوث التغير في ذات العلم لا في ذات المعلوم , اي على عكس الاتجاه الاول , الا ان هذا الاتجاه يستخدم ظاهرة التأويل في العلم نفسه , ويمثل هذا الرأي الشيخ المجلسي حيث يفترض ان العلم الالهي عبارة عن تسجيل معلومات في لوحين مخلوقين لله وهما عبارة عن سجلات ربانية تدون فيهما حوادث عالم التكون , احدهما اللوح المحفوظ الذي لا تغير فيه اصلا و ذلك ان جميع الامور مدونة في هذا اللوح مع كل الظروف المقتضية للعمل بحيث تؤخذ الظروف هنا بنظر الاعتبار كوجود زيد من الناس مثلا , و ما يتعلق به من امور كأعماله المختلفة , ثم تفصيلات هذه الامور اضافة الى اجله و كيف يكون , و المؤشرات التي تتحكم في ذلك , كل هذه الامور مدونة في هذا السجل الرباني ( اللوح المحفوظ ) وهذه تجري وفق ذلك التدوين بلا تغير او تبدل و يسمى هذا اللوح ايضا لوح القضاء .
    اما اللوح الثاني فهو لوح المحو و الاثبات او هو لوح القدر , و في هذا السجل تؤخذ مقتضيات الامور دون الموانع , فاذا ثبت فيه شئ فانه يثبت بمقتضياته دون موانعه فاذا حصل المانع انمحى ذلك الشئ , و دون شئ اخر غيره لحكم كثيرة , ويضرب لنا مثلا لذلك فيقول : ( ان يكتب في هذا اللوح مثلا ان عمر زيد خمسون سنة و معناه ان مقتضى الحكمة ان يكون عمره كذا اذا لم يفعل ما يقتضى طوله او قصره فاذا وصل الرحم مثلا يمحي الخمسون و يكتب مكانه ستون و اذا قطعها اي الرحم يكتب مكانه اربعون وفي اللوح المحفوظ انه يصل و عمره ستون كما ان الطبيب الحاذق اذا اطلع على مزاج شخص يحكم بان عمره بحسب هذا المزاج يكون ستين سنة فاذا شرب سما مات او قتله انسان فنقص من ذلك او استعمل دواء قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب و التغير الواقع في هذا اللوح يسمى بالبداء .
    الاتجاه الثالث : و هذا الاتجاه يذهب الى ان البداء هو تغير في العلم دون تأويل لطبيعة العلم , و لكن من هو الذي يتغير علمه ؟ و هل هذا التغير هنا بالنسبة للخالق او للمخلوقين ؟ . يرى هذا الاتجاه ان العلم المتغير ليس علم الخالق , بل هو ما دونه , و لايضاح ذلك يسلك سبيلين :
    أ ) احدهما كلامي .
    ب ) و الاخر فلسفي .
    يمثل الجانب الكلامي الشيخ الطوسي في كتابه ( الغيبة ) حيث يذهب الى ان التغير يقع في علم الناس لا في علم الله اي ان الذي يتغير هو علم الانسان , حيث يكون البداء هنا بمعنى ( الإبداء ) اي ظهور امر للانسان لم يكن يتوقعه , او يظهر منه خلاف ما كان يتوقع , فيتغير علم الانسان تبعا لتغير طبيعة وقوع الفعل , ولهذا يذهب الطوسي الى تثبيت قاعدة الشرط التي يترتب عليها تغير العلم الانساني , حيث ان الشئ الخاضع لذلك الشرط لا يحيط الانسان به علما الا عند وقوعه , لذا فهو لا يملك موقفا ثابتا ازاء هذه الامور بطبيعة عدم احاطته باسبابها , و لما كان البداء في اللغة هو الظهور ( فلا يمتنع ان يظهر لنا من افعال الله ما كنا نظن خلافه , او نعلم و لا نعلم شرطه ) .
    و هكذا يربط الشيخ الطوسي ظاهرة البداء بمفهوم الشرطية في تحقق الامر , بحيث لا يمكن للفرد ان يحيط علما بالاسباب الموجبة للحادث وكيف تتم , فالتصور الذي يكونه الانسان ازاء الامر انما يتحدد في الاسباب العامة دون معرفة شروط تلك الاسباب و طبيعة وجودها فيظهر له خلاف ما كان يتصور لعدم اطلاعه على طبيعة ورود تلك الشروط . ويتابع هذا الجانب الشرطي من المحدثين الشيخ البلاغي , حيث يربط ظاهرة البداء بالقانون السببي في تحقق الامور الممكنة لتؤدي دورها نحو غاياتها التامة , فالله ( هو الخالق للسبب والمسبب و الجاعل للتسبيب و بيده الاسباب و تسبيباتها في وجودها و بقاءها و تأثيراتها و تمكين بعضها على بعض فقد يعدم السبب و قد يبطل تأثيره , وقد يمنع تأثيره بسبب اخر , و قد يعدم ما يحسب الناس انه موضوع القانون المقرر و يقيم غيره مقامه , وهذا هو مقام ( البداء ) و المحو و الاثبات وهو -جل شأنه - عالم منذ الازل بما يؤدي اليه مشيئته من المحو و الاثبات وهذا العلم هو ام الكتاب ) . و هكذا يتحقق الامر بتحقق اسبابه دون مانع , اذ ان اسباب الامور الممكنة معللة ومشروطة باسباب اخرى و لا يتحقق الامر الممكن الا بتحقق كامل استعداداته الموجبة له , و لا يمكن الاحاطة بكل تلك الاسباب و الشروط من قبل الانسان , فالعلم الانساني هنا عرضة للتغير ما دام العلم غير ثابت بالنسبة اليه , ومن هنا يكون البداء حالة ظهوره لم تكن في علم الافراد بحيث يظهر الله المشيئة ما هو مخف على الناس و على خلاف ما يحسبون .
    و الى نفس الاتجاه ايضا ذهب السيد الطباطبائي , ليربط البداء بظاهرة السببية في الامور الممكنة , و يؤكد ان البداء عبارة عن عدم ادراك الفرد لموانع الاسباب المؤدية للامر الا حال وجودها .
    اما الجانب الفلسفي من الاتجاه الثالث فيمثله صدر الدين الشيرازي , الذي يرى ان التغير يقع في علم ( النفس الفلكية ) في مرتبة الخيال , و بأن علومها جزئية متغيرة وفق اكتمال الشروط التامة للفعل الخاضع لاسباب معينة .
    و بما ان الجانب الفلسفي الذي يمثله فيلسوف الاسلام اية الله الشيرازي قد سبقنا الى عرضه و تبسيطه عبد الزهراء البندر في كتابه ( نظرية البداء -عند صدر الدين الشيرازي ) . لذا نحيل قارئنا الكريم على الكتاب المذكور ان كان يريد التوسع في معرفة هذا الجانب الفلسفي من الاتجاه الثالث .

    المعاني الصحيحة للبداء عند العلماء

    لقد ذكرنا لقارئنا الكريم فيما سبق الجانب الاصطلاحي للبداء على نحو الاجمال و تجدر بنا الاشارة هنا الى ايراد ما ذكره علمائنا الاكابر من معاني صحيحة للبداء على الوجه التفصيلي لكي تتكون عنده معرفة شاملة بموضوع البداء , و اليك ما اردنا بيانه فيما يلي :
    1-ما ذكره الفيلسوف النحرير , و المحقق الخبير السيد العماد محمد باقر الداماد , في نبراس الضياء , قال : البداء منزلته في التكوين , منزلة النسخ في التشريع , فما في الامر التشريعي و الاحكام التكليفية نسخ فهو في الامر التكويني و المكونات الزمانية بداء , فالنسخ كأنه بداء تشريعي و البداء كانه نسخ تكويني و لا بداء في القضايا الخاصة بالنسبة الى جناب القدس الحق و المفارقات المحضة الملائكة القدسية , و في متن الدهر الذي هو ظرف مطلق الحصول القار و الثبات البات , ووعاء عالم الوجود كله , و انما البداء في القدر و في امتداد الزمان الذي هو افق التقضي و التحدد , و ظرف التدرج والتعاقب و بالنسبة للكائنات الزمانية و من في عالم الزمان و المكان و اقليم المادة و الطبيعة و كما حقيقة التنسخ عند التحقيق انتهاء الحكم التشريعي و انقطاع استمراره لا رفعه و ارتفاعه عن وعاء الواقع فكذا حقيقة البداء عند الفحص البالغ اثبات استمرار الامر التكويني و انتهاء اتصال الافاضة و مرجعه الى تحديد زمان الكون و تخصص وقت الإفاضة لا انه ارتفاع المعلول الكائن عن وقت كونه و بطلانه في حد حصوله .
    2-ما ذكره بعض المحققين في شرحه على الكافي , و تبعه المحدث الكاشاني في الوافي وهو : ان القوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور دفعة واحدة لعدم تناهي تلك الامور , بل انما ينتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا , وجملة فجملة مع اسبابها وعللها على نهج مستمر , و نظام مستقر فان ما يحدث في عالم الكون و الفساد انما هو من لوازم حركات الافلاك المسخرة لله و نتائج بركاتها فهي تعلم ان كلما كان كذا كان كذا فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث امر ما في هذا العالم حكمت بوقوعه فيه فينتقش فيها ذلك الحكم , وربما تأخر بعض الاسباب الموجب لوقوع الحوادث على خلاف ما يوجبه بقية الاسباب لولا ذلك السبب و لم يحصل لها العلم بذلك بعد لعدم اطلاعها على سبب ذلك السبب , ثم لما جاء اوانه و اطلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الاول فينمحي عنها نقش الحكم السابق و يثبت الحكم الاخر مثلا لما حصل لها العلم بموت زيد بمرض كذا في ليلة كذا لاسباب تقتضي ذلك , و لم يحصل لها العلم بتصدقه الذي سيأتي به قبل ذلك الوقت لعدم اطلاعها على اسباب التصدق بعد , ثم علمت به وكان موته بتلك الاسباب مشروطا بان لا يصدق فتحكم اولا بالموت و ثانيا بالبرء واذا كانت الاسباب لوقوع امر او لا وقوعه متكافئة و لم يحصل لها العلم برجحان احدهما بعد لعدم مجئ اوان سبب ذلك الرجحان بعد كان لها التردد في وقوع ذلك الامر او لا وقوعه فينتقش فيها الوقوع تارة و اللا وقوع اخرى فهذا هو السبب في البداء و المحو و الاثبات و التردد , و امثال ذلك في امور العالم , فأذا اتصلت بتلك القوى نفس النبي صل الله عليه واله او الامام عليه السلام فرأى فيها بعض تلك الامور فله ان يخبر بما رآه بعين قلبه , او شاهده بنور بصيرته , او سمعه بأذن قلبه , اما نسبة ذلك كله الى الله سبحانه فلأن كل ما يجري في العالم الملكوتي انما يجري بإرادة الله تعالى , بل فعلهم بعينه فعل الله , انهم لا يعصون ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون , اذ لا داعي لهم الى الفعل الا ارادة الله عزوجل لاستهلاك ارادتهم في ارادته تعالى , و مثلهم كمثل الحواس للانسان كلما هم بأمر محسوس امتثلت الحواس لما هم به , فكل كتابة تكون في هذه الالواح و الصحف فهي ايضا مكتوب لله تعالى عزوجل بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الاول , فيصح ان يوصف الله نفسه بأمثال ذلك بهذا الاعتبار , و ان كان مثل هذه الامور تشعر بالتغير و النسوخ , فهو تعالى منزه عنه , فان كلما وجد او سيوجد فهو غير خارج عن عالم ربوبيته .
    3- ما يحكي عن الفاضل المدقق الميرزا رفيعا وهو : ان الامور كلها عامها و خاصها و مطلقها و مقيدها ومنسوخها و ناسخها و مفرداتها و مركباتها و اخباراتها و انشاءاتها بحيث لا يشد عنها شئ منتقشة في اللوح و الفايض منه على الملائكة و النفوس السفلية والعلوية قد يكون الامر العام او المطلق او المنسوخ حسبما تقتضيه الحكمة الكاملة من الفيضان في ذلك الوقت و يتأخر المبين الى وقت تقتضي الحكمة فيضانه فيه , وهذه النفوس العلوية و ما يشبهها يعبر عنها بكتاب المحو و الاثبات و البداء عبارة عن هذا التغير في ذلك الكتاب من اثبات ما لم يكن مثبتا و محو ما يثبت فيه , و الروايات كلها تنطبق عليه , و بملاحظة جميعها يهتدي اليه .
    4- ما ذكره سيدنا المرتضى في جواب مسائل اهل الري وهو ان المراد بالبداء النسخ نفسه و ادعى انه ليس بخارج عن معناه اللغوي , و قريب منه ما ذكره الشيخ في العدة الا انه صرح بأن اطلاقه على النسخ على ضرب من التوسع و التجوز , وحمل الاخبار عليه , و يمكن ارجاعه الى المعنى الاول .
    5- ما ذكره الصدوق في كتاب التوحيد حيث قال : ليس البداء كما تظنه جهال الناس بانه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا , و لكن يجب علينا ان نقر لله عزوجل بان له البداء , معناه ان له ان يبدأ بشئ من خلقه فيخلقه قبل كل شئ , ثم يعدم ذلك الشئ , و يبدأ بخلق غيره , و يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله او ينهى عن شئ ثم يامر بمثل ما ينهى عنه , و ذلك بمثل نسخ الشرائع و تحويل القبلة و عدة المتوفي عنها زوجها , و لا يأمر الله عباده بأمر في وقت الا وهو يعلم ان الصلاح لهم في ذلك الوقت في ان يأمرهم بذلك , و يعلم في وقت اخر لهم الصلاح في ان ينهاهم عن مثل ما امرهم به , فأذا كان ذلك الوقت امرهم بما يصلحهم فمن اقر بأن لله عزوجل ان يفعل ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يأمر بما يشاء كيف يشاء فقد اقر بالبداء و ما عظم الله بشئ افضل من الاقرار بان له الخلق و الامر و التقديم و التأخير و اثبات ما لم يكن ومحو ما كان والبداء هو رد على اليهود لانهم قالوا : ان الله قد فرغ من الامر فقلنا ان الله كل يوم هو في شأن يحيى و يميت و يرزق ويفعل ما يشاء . و البداء ليس من ندامة , و انما هو ظهور امر تقول العرب : بدا لي الشخص في طريقي اي ظهر قال الله تعالى : " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " اي ظهر لهم و متى ظهر لله تعالى ذكره من عبده صلة لرحمه زاد في عمره , و متى ظهر له منه قطيعة رحم نقص من عمره و متى ظهر له من عبده اتيان الزنا نقص من عمره ورزقه و متى ظهر له منه التعفف عن الزنا زاد في رزقه و عمره , و من ذلك قول الصادق عليه السلام ما بدا لله كما بدا له في اسماعيل ابني , يقول ما ظهر له امر كما ظهر له في اسماعيل ابني اذ اخترمه قبلي ليعلم بذلك بأنه ليس بامام بعدي . وقد روي ان الصادق عليه السلام قال : ما بدا لله بداء كما بدا له في اسماعيل ابي اذ امر أباه بذبحه ثم فداه بذبح عظيم .
    6- ما ذكره شيخ الطائفة في كتاب العدة حيث قال - بعد ايراد بعض اخبار البداء - : الوجه في هذه الاخبار - ان صحت- انه لا يمتنع ان يكون الله تعالى قد وقت هذا الامر في الاوقات التي ذكرت , فلما تجدد ما تجدد تغيرت المصلحة و اقتضت تأخيره الى وقت اخر , و كذلك فيما بعد ويكون الوقت الاول و كل وقت يجوز ان يؤخر مشروطا بان لا يتجدد ما يقتضي المصلحة تأخيره الى ان يجئ الوقت الذي لا يغيره شئ فيكون محتوما , و على هذا يتأول ما روى في تأخير الاعمال عن اوقاتها و الزيادة فيها عند الدعاء و صلة الارحام , وما روي في تنقيص الاعمار عن اوقاتها الى ما قبله عند فعل الظلم , وقطع الرحم و غير ذلك , وهو تعالى و ان كان عالما بالامرين فلا يمتنع ان يكون احدهما معلوما بشرط و الاخر بلا شرط و هذه الجملة لا خلاف فيها بين اهل العدل , وعلى هذا يتأول ايضا ما روي من اخبارنا المتضمنة للفظ البداء و تبين ان معناها النسخ على ما يرى به جميع اهل العدل فيما يجوز فيه النسخ او تغير شروطها ان كان طريقها الخبر عن الكلمة , لان البداء في اللغة هو الظهور , فلا يمتنع ان يظهر لنا من افعال الله تعالى ما كنا نظن خلافه او يعلم شرطه , فمن ذلك ما رواه سعد بن عيسى عن البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال : قال علي بن الحسين , و علي بن ابي طالب قبله , و محمد بن علي , وجعفر بن محمد : كيف لنا بالحديث مع هذه الاية : " يمحو الله ما يشاء و يثبت وعنده ام الكتاب " فاما من قال : ان الله تعالى لم يعلم الشئ الا بعد كونه فقد كفر و خرج عن التوحيد . وقد روي سعد بن عبد الله عن ابي هاشم الجعفري قال : سأل محمد بن صالح الارمني ابا محمد العسكري عليه السلام عن قول الله عزوجل : " يمحو الله ما يشاء و ثبت و عنده ام الكتاب " " فقال ابو محمد عليه السلام : وهل يمحو الا ما كان و يثبت ما لم يكن ؟ فقلت في نفسي : هذا خلاف ما يقول هشام , لانه لا يعلم الشئ حتى يكون فنظر إلي ابو محمد عليه السلام فقال : تعالى الجبار العالم بالاشياء قبل كونها " الحديث .
    7- ما صار اليه بعض الفضلاء من ان البداء عبارة عن القضاء السابق تعويلا على كلام ابن الاثير في النهاية وهو بعيد لا تنطبق الاخبار عليه .
    8- ما يحكي عن الفاضل المحقق ابن ابي الجمهور الاحسائي في حواشي غوالي اللألي وهو موقوف على تمهيد مقدمة وهي : ان القضاء هو الامر الكلي الواقع في العالم العقلي المسمى بعالم الملكوت وعالم الغيب و عالم الامر و اللوح المحفوظ و القدر : هو تفصيل ذلك القضاء الواقع في الوجود الخارجي و العالم الحسي المسمى بعالم الملك , وعالم التقدير و الفرق ين الامرين لا يكاد يشتبه و بهذا يظهر معنى قول امير المؤمنين عليه السلام لما مر يوما بجنب حائط فأسرع في المشي فقيل له : اتفر يا امير المؤمنين من قضاء الله تعالى ؟ فقال عليه السلام : افر من قضاء الله الى قدره و يتضح ان مراده اني افر من ذلك الكلي المشروط بشرائطه الى ما هو مقدر تابع للشرائط على ما يقتضيه العلم الالهي المتعلق به , و يتضح معنى قول النبي صل الله عليه واله : فرغ الله من اربع الخلق و القضاء و الرزق و الاجل , فلما سمع اليهود هذا قالوا : فان الله تعالى الان معطل لانه قد فرغ من الامور كلها , فقال عليه السلام : كلا ليس الامر كذلك فانه يوصل القضاء الى القدر و معناه ان تفصيل الجزئي يجب مطابقته للامر الكلي ووقوعه على ترتيبه و يسمى الاول علم القضاء و الثاني علم القدر و يجوز الفراغ من القضاء الالهي و لكن لا يجوز الفراغ من القدر التابع له فان اتصال القضاء الى القدر وقوع القدر بموجب القضاء , وهو فعله وهو شأنه بحكم قوله تعالى :" كل يوم هو في شأن " و القدر هو موطن البداء و تلك التجددات و التقضيات نتائجه .
    9- ما حكي عن الفاضل الطيبي في شرح مشكاة المصابيح , وهو من اعلام المخالفين قال : اذا علم الله تعالى ان زيدا يموت سنة خمس مائة استحال ان يموت قبلها او بعدها فاستحال ان تكون الاجال التي عليها علم الله ان تزيد او ان تنقص فتعين تأويل زيادة العمر و نقصانه الواردين في الاخبار النبوية انهما بالنسبة الى ملك الموت او غيره ممن وكل بقبض الارواح و امر بالقبض بعد اجال محدودة فانه تعالى بعد ان يامره بذلك او يثبته في اللوح المحفوظ ينقص منه او يزيد على ما سبق به علمه في كل شئ , وهو معنى قوله تعالى " يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب " وعلى ما ذكره يحمل قوله تعالى : " ثم قضى اجلا و اجل مسمى عنده " فالاشارة بالاجل الاول الى ما في اللوح المحفوظ و ما عند ملك الموت , و بالاجل الثاني الى قوله " و عنده ام الكتاب " وقوله تعالى " فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون "
    10- ما اختاره العالم العلم الرباني المحقق الثالث و العلامة الثاني المحدث الفاضل المجلسي في الاربعين , و مرآة العقول و غيرها , وهو اوضح الطرق و اقربها لانطباق جميع الاخبار الواردة في ذلك عن الائمة الاطهار عليهم صلوات الله الملك الغفار وهو انهم عليهم السلام انما بالغوا في البداء ردا على اليهود الذين يقولون ان الله قد فرغ من الامر و على النظام و بعض المعتزلة القائلين ان الله خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الان معادن و نبات و حيوانا و انسانا و لم يتقدم خلق ادم على خلق اولاده و التقدم انما يقع في ظهورها لا في حدوثها ووجودها و انما اخذوا هذه المقالة من اصحاب الكمون و البروز من الفلاسفة , و على بعض الفلاسفة القائلين بالعقول و النفوس الفلكية و بأن الله تعالى لم يؤثر حقيقة الا في العقل الاول فهم يعزلونه تعالى عن ملكه و سلطانه و ينسبون الحوادث الى هؤلاء و على اخرين منهم قالوا : ان الله سبحانه اوجد جميع مخلوقاته دفعة واحدة و هوية لا ترتيب فيها باعتبار الصدور بل انما ترتيبها في الازمان فقط كما انه لا تترتب الاجسام المجتمعة زمانا و انما ترتيبها في المكان فقط فنفوا عنه كل ذلك و اثبتوا ان الله تعالى كل يوم في شأن من اعدام شئ و احداث اخر و اماتة شخص و احياء اخر الى غير ذلك , لئلا يترك العباد التضرع الى الله و مسألته و طاعته و التقرب اليه بما يصلح امور دنياهم و عقباهم و ليرجعوا عند التصدق على الفقراء و صلة الارحام و بر الوالدين و المعروف و الاحسان ما وعدوا عليها من طول العمر و زيادة الرزق و غير ذلك .
    قال العلامة الحجة السيد عبدالله شبر موضحا معنى " البداء " ما حرفيته : " ان البداء المنسوب اليه تعالى معناه ان يبدو له في الشئ فيثبته بعد عدمه , او عكس ذلك مختارا مع علمه بأصله و علمه بانه سيفعله في المستقبل لاغراض و مصالح و غايات سبق العلم بها على التفصيل , و لا يحدث له من معلومها شئ لم يكن معلوما له سابقا لئلا يلزم نسبة الجهل اليه تعالى كما نطقت به الاخبار ففي الصحيح عن الصادق عليه السلام قال :ما بدا الله في شئ الا كان في علمه قبل ان يبدو له و عنه عليه السلام قال : ان الله لم يبدو له من جهل , فالبداء منه سبحانه لمحو المثبت و اثبات غير المثبت مسبوق بعلمه الازلي وليس البداء مخصوصا بالمحو فقط بل يشمل الاثبات كما دلت عليه الاية و الرواية و بالجملة فمرجع البداء المذكور الى انه سبحانه مختار على الاطلاق في عامة الافاعيل و التكوينات مستمر التصرف و الارادات في كل الامور و كافة الاحوال يشأون فعلها و تركها و احكامها و نقضها و تقديمها و تأخيرها , جليلها و حقيرها و قبيلها و دبيرها ولهذا لم يعبد الله ولم يعظم بشئ مثل البداء لان مدار استجابة الدعاء و الرغبة اليه سبحانه والرهبة منه , و تفويض الامور اليه , بين الخوف و الرجاء والصدق و الرحم و الاعمال الصالحة و امثالها من اركان العبودية كلها على البداء .
    11- انه ترجيح احد المتقابلين و الحكم بوجوده بعد تعلق الارادة بها تعلقا غير حتمي لرجحان مصلحته و شروطه على مصلحة الاخر و شروطه و من هذا القبيل استجابة الداعي و تحقيق مطالبه و تطويل العمر بصلة الرحم و ارادة ابقاء قوم بعد ارادة اهلاكهم وقد قال مولانا الرضا عليه السلام لسليمان المروزي وهو كان منكرا للبداء و طلب منه عليه السلام ما يدل عليه من القران قوله تعالى لنبيه صل الله عليه واله " فتول عنهم فما انت بملوم " ثم بدأ الله تعالى فقال : " و ذكر فان الذكرى نتفع المؤمنين " يريد عليه السلام انه اراد اهلاكهم لعلمه بانهم لا يؤمنون و اراد بقائهم لعلمه انه يخرج من اصلابهم المؤمنون فرجح بقائهم فحكم به تحقيقا لمعنى الايمان .
    هذا ما دونه اهل العلم من المعاني الصحيحة التي يمكن ان ينطبق بعضها ان لم يكن كلها على كلمة البداء في مفهومها الاصطلاحي و كنت اتصور ان مفهوم البداء لم يكن من الصعوبة بمكان الا ان الذي ظهر لي من خلال مطالعاتي في المصادر الكثيرة التي تعرضت للبداء خلاف ذلك فقد بان لي ان مفهوم البداء من المفاهيم الاسلامية الدقيقة و لهذا تعددت المذاهب حول تفسيره و اختلفت فيه اراء المسلمين حتى مال بعضهم الى انكاره و القول بعدمه و جعله من العقائد الباطلة التي لا تجوز على الله تعالى و بالغ منكروه في توجيه النقد و التشنيع على من يقول به من دون ان يتعمقوا في دراسة معانيه .
    و زعم جماعة ان القول بالبداء قول قد انفردت به الشيعة الامامية دون غيرهم من فرق المسلمين و لكن الواقع ان القول بالبداء ليس من مختصات الشيعة الامامية بل قال به جمهرة من اهل التسنن ايضا و انما اختلف الجميع في تفسيره كما تقدم و على هذا يكون النزاع في ثبوت البداء و نفيه بين المسلمين نزاع لفظي و لكن ليس هناك ثمة شك في ان للبداء معاني بعضها يمتنع على الله تعالى فمن جملتها على سبيل المثال ( البداء ) الذي هو بمعنى ظهور الشئ بعد خفائه و حصول العلم به بعد الجهل وهو الذي مر بقارئنا الكريم فيما سبق عند تعريفاتنا للبداء بمعناه اللغوي , فان هذا مما اجمعت الامة الاسلامية على بطلانه و عدم جوازه على الله تعالى لانه ينسب الجليل جل و علا الى الجهل وهو سبحانه منزه عنه .
    ومن نسب ذلك الى الامامية فقد افترى عليهم كذبا لانهم براء من ذلك براءة ذئب يوسف من يوسف , لكن البداء ( وفق مفهوم الامامية يعني الاظهار بعد الاخفاء ) مثاله : ان يعتقد المرء استنادا الى بعض المؤشرات حدوث شئ ما ثم يظهر حدوث ما يخالف هذا الشئ فيعبر عنه بالبداء مجازا للمشابهة الواقعة بينه وبين البداء بمفهومه العرفي فيمن كان يريد فعل شئ ثم بدا له فعل خلافه .


  • #2

    الدليل القراني على ثبوت البداء من تفسير الميزان للطباطبائي

    لقد ورد في القران الكريم جملة من الايات الكريمة الدالة على ثبوت البداء وقد تناول بعضها الحديث عنه في جانبه اللغوي بينما تناول البعض الاخر منها البداء في جانبة الاصطلاحي وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر لقارئنا الكريم طائفة منها فيما يلي :
    الاية الاولى :
    قوله تعالى : " يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب "
    قوله تعالى: «يمحوا الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب» محو الشيء هو إذهاب رسمه و أثره يقال: محوت الكتاب إذا أذهبت ما فيه من الخطوط و الرسوم قال تعالى: «و يمح الله الباطل و يحق الحق بكلماته»: الشورى: 24 أي يذهب بآثار الباطل كما قال: «فأما الزبد فيذهب جفاء» و قال: «و جعلنا الليل و النهار آيتين فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة»: أسرى: 12 أي أذهبنا أثر الإبصار من الليل فالمحو قريب المعنى من النسخ يقال: نسخت الشمس الظل أي ذهبت بأثره و رسمه.
    و قد قوبل المحو في الآية بالإثبات و هو إقرار الشيء في مستقره بحيث لا يتحرك و لا يضطرب يقال: أثبت الوتد في الأرض إذا ركزته فيها بحيث لا يتحرك و لا يخرج من مركزه فالمحو هو إزالة الشيء بعد ثبوته برسمه و يكثر استعماله في الكتاب.
    و وقوع قوله: «يمحوا الله ما يشاء و يثبت» بعد قوله: «لكل أجل كتاب» و اتصاله به من جانب و بقوله: «و عنده أم الكتاب» من جانب ظاهر في أن المراد محو الكتب و إثباتها في الأوقات و الآجال فالكتاب الذي أثبته الله في الأجل الأول إن شاء محاه في الأجل الثاني و أثبت كتابا آخر فلا يزال يمحى كتاب و يثبت كتاب آخر.
    و إذا اعتبرنا ما في الكتاب من آية و كل شيء آية صح أن يقال لا يزال يمحو آية و يثبت آية كما يشير إليه قوله: «ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها»: البقرة: 106، و قوله: «و إذا بدلنا آية مكان آية» الآية: النحل: 101.
    فقوله: «يمحوا الله ما يشاء و يثبت» على ما فيه من الإطلاق يفيد فائدة التعليل لقوله: «لكل أجل كتاب» و المعنى أن لكل وقت كتابا يخصه فيختلف فاختلاف الكتب باختلاف الأوقات و الآجال إنما ظهر من ناحية اختلاف التصرف الإلهي بمشيته لا من جهة اختلافها في أنفسها و من ذواتها بأن يتعين لكل أجل كتاب في نفسه لا يتغير عن وجهه بل الله سبحانه هو الذي يعين ذلك بتبديل كتاب مكان كتاب و محو كتاب و إثبات آخر.
    و قوله: «و عنده أم الكتاب» أي أصله فإن الأم هي الأصل الذي ينشأ منه الشيء و يرجع إليه، و هو دفع للدخل و إبانة لحقيقة الأمر فإن اختلاف حال الكتاب المكتوب لأجل بالمحو و الإثبات أي تغير الحكم المكتوب و القول المقضي به حينا بعد حين ربما أوهم أن الأمور و القضايا ليس لها عند الله سبحانه صورة ثابتة و إنما يتبع حكمه العلل و العوامل الموجبة له من خارج كأحكامنا و قضايانا معاشر ذوي الشعور من الخلق أو أن حكمه جزافي لا تعين له في نفسه و لا مؤثر في تعينه من خارج كما ربما يتوهم أرباب العقول البسيطة أن الذي له ملك - بكسر اللام - مطلق و سلطنة مطلقة له أن يريد ما يشاء و يفعل ما يريد على حرية مطلقة من رعاية أي قيد و شرط و سلوك أي نظام أو لا نظام في عمله فلا صورة ثابتة لشيء من أفعاله و قضاياه عنده، و قد قال تعالى: «ما يبدل القول لدي»: ق: 29، و قال: «و كل شيء عنده بمقدار»: الرعد: 8 إلى غير ذلك من الآيات.
    فدفع هذا الدخل بقوله: «و عنده أم الكتاب» أي أصل جنس الكتاب و الأمر الثابت الذي يرجع إليه هذه الكتب التي تمحى و تثبت بحسب الأوقات و الآجال و لو كان هو نفسه تقبل المحو و الإثبات لكان مثلها لا أصلا لها و لو لم يكن من أصله كان المحو و الإثبات في أفعاله تعالى إما تابعا لأمور خارجة تستوجب ذلك فكان تعالى مقهورا مغلوبا للعوامل و الأسباب الخارجية مثلنا و الله يحكم لا معقب لحكمه.
    و إما غير تابع لشيء أصلا و هو الجزاف الذي يختل به نظام الخلقة و التدبير العام الواحد بربط الأشياء بعضها ببعض جلت عنه ساحته، قال تعالى: «و ما خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق»: الدخان: 39.
    فالملخص من مضمون الآية أن لله سبحانه في كل وقت و أجل كتابا أي حكما و قضاء و أنه يمحو ما يشاء من هذه الكتب و الأحكام و الأقضية و يثبت ما يشاء أي يغير القضاء الثابت في وقت فيضع في الوقت الثاني مكانه قضاء آخر لكن عنده بالنسبة إلى كل وقت قضاء لا يتغير و لا يقبل المحو و الإثبات و هو الأصل الذي يرجع إليه الأقضية الآخر و تنشأ منه فيمحو و يثبت على حسب ما يقتضيه هو.
    و يتبين بالآية أولا: أن حكم المحو و الإثبات عام لجميع الحوادث التي تداخله الآجال و الأوقات و هو جميع ما في السماوات و الأرض و ما بينهما، قال تعالى: «ما خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما إلا بالحق و أجل مسمى»: الأحقاف: 3.
    و ذلك لإطلاق قوله: «يمحوا الله ما يشاء و يثبت» و اختصاص المورد بآيات النبوة لا يوجب تخصيص الآية لأن المورد لا يخصص.
    و بذلك يظهر فساد قول بعضهم: إن ذلك في الأحكام و هو النسخ و قول ثان: إن ذلك في المباحات المثبتة في صحائف الأعمال يمحوها الله و يثبت مكانها طاعة أو معصية مما فيه الجزاء، و قول ثالث: إنه محو ذنوب المؤمنين فضلا و إثبات ذنوب للكفار عقوبة، و قول رابع: إنه في موارد يؤثر فيها الدعاء و الصدقة في المحن و المصائب و ضيق المعيشة و نحوها، و قول خامس: إن المحو إزالة الذنوب بالتوبة و الإثبات تبديل السيئات حسنات، و قول سادس: إنه محو ما شاء الله من القرون و الإثبات إنشاء قرون آخرين بعدهم، و قول سابع: إنه محو القمر و إثبات الشمس و هو محو آية الليل و جعل آية النهار مبصرة، و قول ثامن: إنه محو الدنيا و إثبات الآخرة، و قول تاسع: إن ذلك في الأرواح حالة النوم يقبضها الله فيرسل من يشاء منهم و يمسك من يشاء، و قول عاشر: إن ذلك في الآجال المكتوبة في ليلة القدر يمحو الله ما يشاء منها و يثبت ما يشاء.
    فهذه و أمثالها أقوال لا دليل على تخصيص الآية الكريمة بها من جهة اللفظ البتة و للآية إطلاق لا ريب فيه ثم المشاهدة الضرورية تطابقه فإن ناموس التغير جار في جميع أرجاء العالم المشهود، و ما من شيء قيس إلى زمانين في وجوده إلا لاح التغير في ذاته و صفاته و أعماله، و في عين الحال إذا اعتبرت في نفسها و بحسب وقوعها وجدت ثابتة غير متغيرة فإن الشيء لا يتغير عما وقع عليه.
    فللأشياء المشهودة جهتان جهة تغير يستتبع الموت و الحياة و الزوال و البقاء و أنواع الحيلولة و التبدل، و جهة ثبات لا تتغير عما هي عليها و هما إما نفس كتاب المحو و الإثبات و أم الكتاب، و إما أمران مترتبان على الكتابين و على أي حال تقبل الآية الصدق على هاتين الجهتين.
    و ثانيا: أن لله سبحانه في كل شيء قضاء ثابتا لا يتغير و به يظهر فساد ما ذكره بعضهم أن كل قضاء يقبل التغيير و استدل عليه بمتفرقات الروايات و الأدعية الدالة على ذلك و الآيات و الأخبار الدالة على أن الدعاء و الصدقة يدفعان سوء القضاء.
    و فيه أن ذلك في القضاء غير المحتوم.


    هذا ما افاده سيدنا الحجة حول تفسير الاية الكريمة , اما دلالتها على ثبوت البداء فقد ظهرت ضمنا من خلال ما ذكر في تفسير الاية .
    وعلى هذا تكون الاية الكريمة نص صريح و دليل قاطع يتجلى بها وقوع البداء .
    وولقد جادت قريحة العلامة القدير و الفيلسوف الخبير شاعرنا و اديبنا الفرطوسي : بهذه المقطوعة الشعرية التي ضمنها معاني البداء و اوضح بطريقة الشعر على ان الاية الشريفة نص صريح في ذلك و اليكم يا قراءنا الكرام شعره :
    يثبت الله ما يشاء و يمحو : كل شئ مقدر في القضاء
    ان هذا النص الصريح دليل : يتجلى به وقوع البداء
    غير ان البداء فيه وجوه : ومعان تعزى الى العلماء
    حيث لله في الخلائق علم ازلى محتم الامضاء
    هو علم يبدو بدون انقلاب منه في اللوح بعد كشف الغطاء
    وثبوت البداء فيه محال و اليه يؤول في الانتهاء
    وقضاء قد اخبر الله عنه انه واقع بلا استثناء
    لا يصح البداء لله فيه لزوم التكذيب للانبياء
    وقضاء معلق في البرايا تقضيه مصالح الاشياء
    وهو لولا البداء و اللطف فيه اطبق اليأس فوق دنيا الرجاء
    ان هذا لمذهب الحق ينمي حين يعزى بساعة الانتماء
    وبهذا النوع الاحاديث وافت عن ثقات الائمة الشفعاء
    و بخلق الجنان و النار حقا و بمعراج احمد و البداء
    و صحيح البداء ما عظم الله بشئ مثيله في العلاء
    وهو اسمى ما يعبد الله فيه : من عبادات خيرة الالياء

    وهو امر لا بد منه ثبوتا : ووقوعا بغير اي انتفاء
    حيث فيه تصرف في البرايا : مطلق للإله دون انقضاء
    ودليل لقدرة الله باد : متراء في خلقه المترائي
    فهو يحيى ما شاء منهم و يفني : وهو يبدي ما شاء بعد الخفاء
    ليس فيه لله نسبة جهل : اثبتتها مزاعم الجهلاء
    بعد سبق للعلم منه قديم : بمآل الحكمين في الانتهاء
    حين ينفي حكم و يثبت حكم : لصلاح العباد قيد البقاء
    وهو كالنسخ في الشرائع قطع : لأمور التكوين و الإنشاء
    ليس فيه رفع لما كان منها : سابقا ثابتا بلوح القضاء
    غير ان الحكم المقدر منه : كان رهن التوقيت في الابتداء
    و انتهى وقته فزال لأمر : تقتضيه عوامل الاقتضاء
    و اقتضت حكمة المصالح حكما : آخرا غيره بوقت البداء
    وهو امر للخير و البر يدعو : و لفعل الطاعات عند الدعاء
    و لأمر يزيد في الخلق و الرزق : كوصل الارحام و الفقراء
    و اذا قدر الشقاء لعبد متماد بالظلم و الاعتداء
    وتلته سعادة سببتها : حسنات اودت بكل شقاء
    فهو فيض من لطفه وعطاء يغمر العبد من جزيل العطاء
    ورجاء لرحمة الله ممن كان يرجوه بعد قطع الرجاء
    وجحود البداء لله سلب : لاختيار الباري بغير ارعواء
    مع تحديد سلطة الله قهرا دون اطلاقها بكل مشاء
    حيث لو شاء سابقا اي امر : مستقر في علمه والقضاء
    و مقال اليهود فيه ضلال : و افتراء من اعظم الافتراء
    خلق الخلق دفعة ثم امسى : في اعتزال عنهم بغير التقاء
    وهو معنى الاهمال منه او : التفويض للخلق في الثرى و السماء


    الاية الثانية :
    قوله تعالى : " هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا " بشير الى خلقه العالم الانساني الصغير بعد الاشارة الى خلق العالم الكبير فيبين ان الله سبحانه هو الذي خلق الانسان ودبر امره بضرب الاجل لبقائه الدنيوي ظاهرا فهو محدود الوجود بين الطين الذي بدأ منه خلق نوعه و ان كان بقاء نسله جاريا على سنة الازدواج والوقاع كما قال تعالى : " وبدأ خلق الانسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين " السجدة 8.
    و بين الاجل المقضي الذي يقارن الموت كما قال تعالى : " كل نفس ذائقة الموت ثم الينا يرجعون " العنكبوت 57 . و من الممكن ان يراد بالاجل ما يقارن الرجوع الى الله سبحانه بالبعث فان القران الكريم كأنه يعد الحياة البرزخية من الدنيا كما يفيده ظاهر قوله تعالى : " قال كم لبثتم في الارض عدد سنين قالوا لبثنا يوما او بعض يوم فاسال العادين قال ان لبثتم الا قليلا لو كنتم تعلمون " المؤمنون 114 . وقال ايضا : " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كذلك كانوا يؤفكون و قال الذين اوتوا العلم و الايمان لقد لبثتم في كتاب الله لاى يوم البعث فهذا يوم البعث و لكنكم كنتم لا تعلمون " الروم 56 .
    قوله تعالى: «هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا» يشير إلى خلقه العالم الإنساني الصغير بعد الإشارة إلى خلق العالم الكبير فيبين أن الله سبحانه هو الذي خلق الإنسان و دبر أمره بضرب الأجل لبقائه الدنيوي ظاهرا فهو محدود الوجود بين الطين الذي بدأ منه خلق نوعه و إن كان بقاء نسله جاريا على سنة الإزدواج و الوقاع كما قال تعالى: «و بدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين»: السجدة: - 8.
    و بين الأجل المقضي الذي يقارن الموت كما قال تعالى: «كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا يرجعون»: العنكبوت: - 57 و من الممكن أن يراد بالأجل ما يقارن الرجوع إلى الله سبحانه بالبعث فإن القرآن الكريم كأنه يعد الحياة البرزخية من الدنيا كما يفيده ظاهر قوله تعالى: «قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين، قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون»: المؤمنون - 114، و قال أيضا: «و يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون، ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون، و قال الذين أوتوا العلم و الإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث و لكنكم كنتم لا تعلمون»: الروم: - 56.
    و قد أبهم أمر الأجل بإتيانه منكرا في قوله: «ثم قضى أجلا» للدلالة على كونه مجهولا للإنسان لا سبيل له إلى المعرفة به بالتوسل إلى العلوم العادية.
    قوله تعالى: «و أجل مسمى عنده» تسمية الأجل تعيينه فإن العادة جرت في العهود و الديون و نحو ذلك بذكر الأجل و هو المدة المضروبة أو آخر المدة باسمه، و هو الأجل المسمى، قال تعالى: «إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه»: البقرة: - 282 و هو الأجل بمعنى آخر المدة المضروبة، و كذا قوله تعالى: «من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت»: العنكبوت: - 5 و قال تعالى في قصة موسى و شعيب: «قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك - إلى أن قال - قال ذلك بيني و بينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي»: القصص - 28 و هو الأجل بمعنى تمام المدة المضروبة.
    و الظاهر أن الأجل بمعنى آخر المدة فرع الأجل بمعنى تمام المدة استعمالا أي أنه استعمل كثيرا «الأجل المقضي» ثم حذف الوصف و اكتفي بالموصوف فأفاد الأجل معنى الأجل المقضي، قال الراغب في مفرداته: يقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان «أجل» فيقال: دنا أجله عبارة عن دنو الموت، و أصله استيفاء الأجل، انتهى.
    و كيف كان فظاهر كلامه تعالى أن المراد بالأجل و الأجل المسمى هو آخر مدة الحياة لإتمام المدة كما يفيده قوله: «فإن أجل الله لآت» الآية.
    فتبين بذلك أن الأجل أجلان: الأجل على إبهامه، و الأجل المسمى عند الله تعالى.
    و هذا هو الذي لا يقع فيه تغير لمكان تقييده بقوله «عنده» و قد قال تعالى: «و ما عند الله باق»: النحل: - 96 و هو الأجل المحتوم الذي لا يتغير و لا يتبدل قال تعالى: «إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون»: يونس: 49.
    فنسبة الأجل المسمى إلى الأجل غير المسمى نسبة المطلق المنجز إلى المشروط المعلق فمن الممكن أن يتخلف المشروط المعلق عن التحقق لعدم تحقق شرطه الذي علق عليه بخلاف المطلق المنجز فإنه لا سبيل إلى عدم تحققه البتة.
    و التدبر في الآيات السابقة منضمة إلى قوله تعالى: «لكل أجل كتاب، يمحوا الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب»: الرعد: 39 يفيد أن الأجل المسمى هو الذي وضع في أم الكتاب، و غير المسمى من الأجل هو المكتوب فيما نسميه بلوح المحو و الإثبات، و سيأتي إن شاء الله تعالى أن أم الكتاب قابل الانطباق على الحوادث الثابتة في العين أي الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب العامة التي لا تتخلف عن تأثيرها، و لوح المحو و الإثبات قابل الانطباق على الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب الناقصة التي ربما نسميها بالمقتضيات التي يمكن اقترانها بموانع تمنع من تأثيرها.
    و اعتبر ما ذكر من أمر السبب التام و الناقص بمثال إضاءة الشمس فإنا نعلم أن هذه الليلة ستنقضي بعد ساعات و تطلع علينا الشمس فتضيء وجه الأرض لكن يمكن أن يقارن ذلك بحيلولة سحابة أو حيلولة القمر أو أي مانع آخر فتمنع من الإضاءة، و أما إذا كانت الشمس فوق الأفق و لم يتحقق أي مانع مفروض بين الأرض و بينها فإنها تضيء وجه الأرض لا محالة.
    فطلوع الشمس وحده بالنسبة إلى الإضاءة بمنزلة لوح المحو و الإثبات، و طلوعها مع حلول وقته و عدم أي حائل مفروض بينها و بين الأرض بالنسبة إلى الإضاءة بمنزلة أم الكتاب المسمى باللوح المحفوظ.
    فالتركيب الخاص الذي لبنية هذا الشخص الإنساني مع ما في أركانه من الاقتضاء المحدود يقتضي أن يعمر العمر الطبيعي الذي ربما حددوه بمائة أو بمائة و عشرين سنة و هذا هو المكتوب في لوح المحو و الإثبات مثلا غير أن لجميع أجزاء الكون ارتباطا و تأثيرا في الوجود الإنساني فربما تفاعلت الأسباب و الموانع التي لا نحصيها تفاعلا لا نحيط به فأدى إلى حلول أجله قبل أن ينقضي الأمد الطبيعي، و هو المسمى بالموت الاخترامي.
    و بهذا يسهل تصور وقوع الحاجة بحسب ما نظم الله الوجود إلى الأجل المسمى و غير المسمى جميعا، و أن الإبهام الذي بحسب الأجل غير المسمى لا ينافي التعين بحسب الأجل المسمى، و أن الأجل غير المسمى و المسمى ربما توافقا و ربما تخالفا و الواقع حينئذ هو الأجل المسمى البتة.
    هذا ما يعطيه التدبر في قوله: «ثم قضى أجلا و أجل مسمى عنده» و للمفسرين تفسيرات غريبة للأجلين الواقعين في الآية: منها: أن المراد بالأجل الأول ما بين الخلق و الموت و الثاني ما بين الموت و البعث،، ذكره عدة من الأقدمين و ربما روي عن ابن عباس.
    و منها: أن الأجل الأول أجل أهل الدنيا حتى يموتوا، و الثاني أجل الآخرة الذي لا آخر له، و نسب إلى المجاهد و الجبائي و غيرهما.
    و منها: أن الأجل الأول أجل من مضى، و الثاني أجل من بقي من سيأتي، و نسب إلى أبي مسلم.
    و منها: أن الأجل الأول النوم، و الثاني الموت.
    و منها: أن المراد بالأجلين واحد، و تقدير الآية الشريفة: ثم قضى أجلا و هذا أجل مسمى عنده.
    و لا أرى الاشتغال بالبحث عن صحة هذه الوجوه و أشباهها و سقمها يسوغه الوقت على ضيقه، و لا يسمح بإباحته العمر على قصره.
    قوله تعالى: «ثم أنتم تمترون» من المرية بمعنى الشك و الريب، و قد وقع في الآية التفات من الغيبة إلى الحضور، و كأن الوجه فيه أن الآية الأولى تذكر خلقا و تدبيرا عاما ينتج من ذلك أن الكفار ما كان ينبغي لهم أن يعدلوا بالله سبحانه غيره، و كان يكفي في ذلك ذكرهم بنحو الغيبة لكن الآية الثانية تذكر الخلق و التدبير الواقعين في الإنسان خاصة فكان من الحري الذي يهيج المتكلم المتعجب اللائم أن يواجههم بالخطاب و يلومهم بالتجبيه كأنه يقول: هذا خلق السماوات و الأرض و جعل الظلمات و النور عذرناكم في الغفلة عن حكمه لكون ذلك أمرا عاما ربما أمكن الذهول عما يقتضيه فما عذركم أنتم في امترائكم فيه و هو الذي خلقكم و قضى فيكم أجلا و أجل مسمى عنده؟
    هذا ما افاده سيدنا حول تفسير الاية وهي كسابقتها في الدلالة على وقوع البداء وثبوته .

    -
    الاية الثالثة : " وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً - أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئاً "
    قوله تعالى: «و يقول الإنسان ء إذا ما مت لسوف أخرج حيا» إنكار للبعث في صورة الاستبعاد، و هو قول الكفار من الوثنيين و من يلحق بهم من منكري الصانع بل مما يميل إليه طبع الإنسان قبل الرجوع إلى الدليل، قيل: و لذلك نسب القول إلى الإنسان حينما كان مقتضى طبع الكلام أن يقال: و يقول الكافر، أو: و يقول الذين كفروا «إلخ»، و فيه أنه لا يلائم قوله الآتي: «فو ربك لنحشرنهم و الشياطين - إلى قوله - صليا».
    و ليس ببعيد أن يكون المراد بالإنسان القائل ذلك هو الكافر المنكر للبعث و إنما عبر بالإنسان لكونه لا يترقب منه ذلك و قد جهزه الله تعالى بالإدراك العقلي و هو يذكر أن الله خلقه من قبل و لم يك شيئا، فليس من البعيد أن يعيده ثانيا فاستبعاده مستبعد منه، و لذا كرر لفظ الإنسان حيث أخذ في الجواب قائلا: «أ و لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل و لم يك شيئا» أي أنه إنسان لا ينبغي له أن يستبعد وقوع ما شاهد وقوع مثله و هو غير ناسية.
    و لعل التعبير بالمضارع في قوله: «و يقول الإنسان» للإشارة إلى استمرار هذا الاستبعاد بين المنكرين للمعاد و المرتابين فيه.
    قوله تعالى: «أ و لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل و لم يك شيئا» الاستفهام للتعجيب و الاستبعاد و معنى الآية ظاهر و قد أخذ فيها برفع الاستبعاد بذكر وقوع المثل ليثبت به الإمكان، فالآية نظيرة قوله تعالى في موضع آخر: «و ضرب لنا مثلا و نسي خلقه قال من يحيي العظام و هي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة - إلى أن قال - أ و ليس الذي خلق السماوات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم»: يس: 81.
    فإن قيل: الاحتجاج بوقوع المثل إنما ينتج إمكان المثل و المطلوب في إثبات المعاد هو رجوع الإنسان بشخصه و عينه لا بمثله فإن مثل الشيء غيره، قيل: إن هذه الآيات بصدد إثبات رجوع الأجساد و المخلوق منها ثانيا مثل المخلوق أولا و شخصية الشخص الإنساني بنفسه لا ببدنه فإذا خلق البدن ثانيا و تعلقت به النفس كان شخص الإنسان الدنيوي بعينه و إن كان البدن و هو جزء الإنسان بالقياس إلى البدن الدنيوي مثلا لا عينا و هذا كما أن شخصية الإنسان و وحدته محفوظة في الدنيا مدى عمره مع تغير البدن و تبدله بتغير أجزائه و تبدلها حالا بعد حال و البدن في الحال الثاني غيره في الحال الأول لكن الإنسان باق في الحالين على وحدته الشخصية لبقاء نفسه بشخصها.
    و إلى هذا يشير قوله تعالى: «و قالوا ء إذا ضللنا في الأرض ء إنا لفي خلق جديد - إلى أن قال - قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم:» الم السجدة: 11» أي إنكم مأخوذون من أبدانكم محفوظون لا تضلون و لا تفتقدون.
    اقول : اذا عرفت ما ذكره سيدنا حول تفسير الاية فاعلم ان الاية كأختها في الدلالة على البداء و سوف يأتي في تصريحات ائمة اهل البيت عليهم السلام ما يؤكد ذلك ان شاء الله تعالى .

    الاية الرابعة :
    قوله: «و بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون» البداء و البدو بمعنى الظهور و الحساب و الحسبان العد، و الاحتساب الاعتداد بالشيء بمعنى البناء على عده شيئا و كثيرا ما يستعمل الحسبان و الاحتساب بمعنى الظن كما قيل و منه قوله: «ما لم يكونوا يحتسبون» أي ما لم يكونوا يظنون لكن فرق الراغب بين الحسبان و الظن حيث قال: و الحسبان أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله و يكون بعرض أن يعتريه فيه شك، و يقارب ذلك الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب أحدهما على الآخر.
    انتهى.
    و مقتضى سياق الآية أن المراد بيان أنهم سيواجهون يوم القيامة أمورا على صفة هي فوق ما تصوروه و أعظم و أهول مما خطر ببالهم لا أنهم يشاهدون أمورا ما كانوا يعتقدونها و يذعنون بها و بالجملة كانوا يسمعون أن لله حسابا و وزنا للأعمال و قضاء و نارا و ألوانا من العذاب فيقيسون ما سمعوه - على إنكار منهم له - على ما عهدوه من هذه الأمور في الدنيا فلما شاهدوها إذ ظهرت لهم وجدوها أعظم مما كان يخطر ببالهم من صفتها فهذه الآية في وصف عذابه نظير قوله في وصف نعيم أهل الجنة: «فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين:» السجدة: - 17.
    و أيضا مقتضى السياق أن البدو المذكور من قبيل الظهور بعد الخفاء و الانكشاف بعد الاستتار كما يشير إليه قوله تعالى: «لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد:» ق: - 22.

    الاية الخامسة :
    قوله تعالى: «و بدا لهم سيئات ما كسبوا» إلى آخر الآية أي ظهر لهم سيئات أعمالهم بعد ما كانت خفية عليهم فهو كقوله: «يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء:» آل عمران: - 30.
    و قوله: «و حاق بهم ما كانوا به يستهزءون» أي و نزل عليهم و أصابهم ما كانوا يستهزءون به في الدنيا إذا سمعوه من أولياء الدين من شدائد يوم القيامة و أهواله و أنواع عذابه.
    اقول : الايتان اعني الاية الرابعة و الخامسة واضحتا الدلالة على البداء وقد اشرنا الى الجانب اللغوي منهما و تقدم فيما سبق ذكرهما عند تعريفات البداء اللغوية .

    الاية السادسة و السابعة :
    قوله تعالى: «فتول عنهم فما أنت بملوم» تفريع على طغيانهم و استكبارهم و إصرارهم على العناد و اللجاج، فالمعنى: فإذا كان كذلك و لم يجيبوك إلا بمثل قولهم ساحر أو مجنون و لم يزدهم دعوتك إلا عنادا فأعرض عنهم و لا تجادلهم على الحق فما أنت بملوم فقد أريت المحجة و أتممت الحجة.
    اقول : وهذه الاية من جملة الايات التي استدل بها مولانا الامام الرضا عليه السلام وذلك في جوابه المطول لسليمان المروزي حيث قال عليه السلام قول الله تعالى لنبيه صل الله عليه واله " فتول عنهم فما انت بملوم " قال عليه السلام " ان الله اراد هلاكهم ثم بدا لله تعالى فقال " و ذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين " وسوف يرد الحوار الجاري بين سليمان المروزي و مولانا الرضا عليه السلام فيما يأتي ان شاء الله تعالى .
    قوله تعالى: «و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» تفريع على الأمر بالتولي عنهم فهو أمر بالتذكير بعد النهي عن الجدال معهم، و المعنى: و استمر على التذكير و العظة فذكر كما كنت تذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين بخلاف الاحتجاج و الجدال مع أولئك الطاغين فإنه لا ينفعهم شيئا و لا يزيدهم إلا طغيانا و كفرا.

    الاية الثامنة :
    قوله تعالى: «و آخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم و إما يتوب عليهم و الله عليم حكيم» الإرجاء التأخير، و الآية معطوفة على قوله: «و آخرون اعترفوا بذنوبهم» و معنى إرجائهم إلى أمر الله أنهم لا سبب عندهم يرجح لهم جانب العذاب أو جانب المغفرة فأمرهم يئول إلى أمر الله ما شاء و أراد فيهم فهو النافذ في حقهم.
    و هذه الآية تنطبق بحسب نفسها على المستضعفين الذين هم كالبرزخ بين المحسنين و المسيئين، و إن ورد في أسباب النزول أن الآية نازلة في الثلاثة الذين خلفوا ثم تابوا فأنزل الله توبتهم على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سيجيء إن شاء الله تعالى.
    و كيف كان فالآية تخفي ما يئول إليه عاقبة أمرهم و تبقيها على إبهامها حتى فيما ذيلت به من الاسمين الكريمين: العليم و الحكيم الدالين على أن الله سبحانه يحكم فيهم بما يقتضيه علمه و حكمته، و هذا بخلاف ما ذيل قوله: «و آخرون اعترفوا بذنوبهم» حيث قال: «عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم».
    اقول الاية الكريمة استدل بها مولانا الامام الرضا عليه السلام على البداء و سوف يأتي ما يؤكد ذلك .
    الاية التاسعة :
    و قوله: «و ما يعمر من معمر و لا ينقص من عمره إلا في كتاب» أي و ما يمد و يزاد في عمر أحد فيكون معمرا و لا ينقص من عمره أي عمر أحد إلا في كتاب.
    فقوله: «و ما يعمر من معمر» من قبيل قوله: «إني أراني أعصر خمرا:» يوسف: - 26 فوضع معمر موضع نائب الفاعل و هو أحد بعناية أنه بعد تعلق التعمير به يصير معمرا و إلا فتعمير المعمر لا معنى له.
    و قوله: «و لا ينقص من عمره» الضمير في «عمره» راجع إلى «معمر» باعتبار موصوفه المحذوف و هو أحد و المعنى و لا ينقص من عمر أحد و إلا فنقص عمر المفروض معمرا تناقض خارق للفرض.
    و قوله: «إلا في كتاب» و هو اللوح المحفوظ الذي لا سبيل للتغيير إليه فقد كتب فيه أن فلانا يزاد في عمره كذا لسبب كذا و فلانا ينقص من عمره كذا لسبب كذا و أما كتاب المحو و الإثبات فهو مورد التغير و سياق الآية يفيد وصف العلم الثابت و لهم في قوله: «و ما يعمر من معمر و لا ينقص من عمره» وجوه أخر ضعيفة لا جدوى في التعرض لها.
    و قوله: «إن ذلك على الله يسير» تعليل و تقرير لما في الآية من وصف خلق الإنسان و كيفية إحداثه و إبقائه و المعنى أن هذا التدبير الدقيق المتين المهيمن على كليات الحوادث و جزئياتها المقرر كل شيء في مقره على الله يسير لأنه الله العليم القدير المحيط بكل شيء بعلمه و قدرته فهو تعالى رب الإنسان كما أنه رب كل شيء
    انتهى
    اقول : وجه الدلالة في هذه الاية على البداء ظاهر من قوله تعالى : " الا في كتاب " وهو اللوح المحفوظ كما افاد ذلك سيدنا من خلال تفسيره للاية و اننا ان شاء الله تعالى سوف نتعرض لذكر اللوح المحفوظ بصورة اكثر وضوحا فيما يأتي .
    الاية العاشرة :
    قوله تعالى : " الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم اليه ترجعون " بعد ما ذكر الحجة و تكذيب كثير من الناس لخص القول في نتيجتها وهو ان البدء و العود بيده سبحانه و سيرجع اليه الجميع و المراد بالخلق المخلوقون و لذا ارجع اليه ضمير الجمع في " ترجعون " و الاية واضحة الدلالة على ما نحن فيه كاخواتها .
    الاية الحادي عشر :
    قوله تعالى : " و بدأ خلق الانسان من طين " المراد بالانسان النوع المبدو خلقه
    .

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X