رأيتك في ليلة من الليالي كسلاً فاترا، ولم أعرف الحكمة في ذلك !..
فلو كان فتورك للدنيا، فاعلم أن العبد لا يأخذ أكثر من قوته المقدر له..
وإن كان للآخرة فاعلم أن الله تعالى يستقبل العبد الهارب بأول سعي منه إليه، إذ أن الراحل إليه قريب المسافة ..
أو ما سمعت قوله: لو علم المُدْبِرُون كيف اشتياقي إليهم لماتوا شوقاً .. فعجّل قبل فوات الأوان.
وإذا رأيت نفسك لا تُقبل على العبادة، فالتجأ إليه بالتضرع والمسكنة،
فإن العطاء - بلا حساب واستحقاق - إنما هو ديدنه وعادته ..
فلا تلتفت إلى وسوسة الشيطان في أنه لا مجال للتوبة بعد تكرر المعصية، فإنه جلّت عظمته توّاب غفور...
وأما لو كان فتورك وضيقك لأجل فراق الاخوان، نظراً إلى أن مودة سنة رحم ماسة، وفرقتها نار موقدة،
وقد قال الشاعر:
وجدت مصيبات الزمان جميعها * سوى فرقة الاحباب هيّنة الخطب
وقال آخر:
يقولون إنّ الموت صعب على الفتى * مفارقة الاحباب والله أصعب
فأقول لك: إن للكلام تفصيلاً وفروعاً.. والحق أنه لو كانت صداقة الأنس هذه من موجبات الالتذاذ بالدنيا، فلا معنى للضيق والفتور أبداً، بل لا بد من الفرح والسرور لتخلّصك من هذه البلية، وفقنا الله تعالى لنيل هذه المرتبة الجليلة
وأما لو كانت أخوّتك في الله تعالى فإن مفارقة الأنيس - وإن كانت موجبة للوحشة - إلا أن علاج الأمر ليس بالضيق والتبرم، بل عليك بالإحسان إليه والقيام بحقوق أخوته ولو في غيابه، فإن الأخوة عقد يجب الوفاء به..
وليس القصد هنا التفصيل في بيان حقوق الأخوة، بل على المؤمن أن يعين إخوانه على الثبات على لوازم الأخوة ليقطفوا جميعاً ثمارها، وإن من ثمارها الخلاص مما يقع فيه كل واحد منهما من البلاء في أهوال الآخرة.
تعليق