منقول
.......................
ومن أهم الأمور التي تتصل بتغيير الشريعة وتحريف الحقائق مبدأ الإجتهاد في مقابل النص الذي بدأ بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فكم من سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل بها القرآن الكريم بدلت ، ومن أوائل الخطوات في هذا الإتجاه عندما كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم على فراش المرض ، لما طلب منهم أن يكتبوا كتابا لن يضلوا بعده أبدا ، فقالوا غلب عليه الوجع ، وقال انه يهجر ، وردوا عليه القول ، ومنعوا من صدور ذلك الكتاب ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لايزال موجودا بين ظهرانيهم .
والأمثلة على الإجتهاد في مقابل النص كثيرة ، وقد صنف العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي كتابا مستقلا في هذا الموضوع بعنوان ((النص والإجتهاد )) ، وقد جمع فيه جملة من القضايا ، ورغم جهوده المباركة في هذا المجال إلا أنه فاتته مسائل كثيرة جدا .وقد ذكرنا بعضها في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف ، ولابأس بذكر بعض النماذج البينة في هذا المجال :
1- الإجتهاد في التيمم :
من الموارد التي تم فيها مخالفة القرآن والتعاليم المتواترة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ما أفتى به الخليفة الثاني عمر بن الخطاب من أن فاقد الماء تسقط عنه الصلاة ويسقط عنه التيمم ، ووافقه على ذلك جماعة مع التفاتهم إلى نزول الذكر الحكيم وبيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولابأس ببيان بعض ماورد في ذلك :
1- قال مسلم في صحيحه : حدثني عبدالله بن هاشم العبدي ، حدثنا يحي يعني ابن سعيد القطان ، عن شعبة ، قال حدثني الحكم ، عن ذر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، أن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماءا ؟ فقال : لاتصل . فقال عمار : أتذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماءا ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمكعت في التراب وصليت ، فقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ، ثم تنفخ ، ثم تمسح بها وجهك وكفيك . فقال عمر : اتق الله ياعمار . قال : إن شئت لم أحدث به .
قال مسلم : قال الحكم : وحدثنيه ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه مثل حديث ذر ، قال وحدثني سلمة عن ذر في هذا الإسناد الذي ذكر الحكم ، فقال عمر : (نوليك غير ماتوليت .) (248)
وهذا الخبر أخرجه البخاري مختصرا ، وحذف منه بعض المقاطع ، وأخرجه مسلم والنسائي وابوداود وابن ماجة والطحاوي وابن أبي شيبة والحازمي والبيهقي والدارقطني وابو عوانة وابوداود الطيالسي وعدد كبير من الحفاظ .(249)
2- وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن ابراهيم ، عن الأسود ، عن عمر قال : (لا يتيمم الجنب وان لم يجد الماء شهرا) (250)
وهذا الحديث عندهم صحيح بلا كلام .
3- وقال النسائي في السنن الكبرى : أنبأنا محمد بن بشار ، قال حدثنا عبد الرحمن ، قال حدثنا سفيان ، عن سلمة ، عن أبي مالك ، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، قال : كنا عند عمر فأتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إنما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء؟ فقال عمر : أما أنا فإذا لم أجد الماء فلم أكن أصلي حتى أجد الماء .
فقال عمار بن ياسر : أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنا بمكان كذا وكذا ونحن نرعى الإبل ، فتعلم أنا أجنبنا؟ قال : نعم . فأما أنا فتمرغت في التراب فأتيت النبي صلى الله عليه و آله فضحك ، وقال : ان كان الصعيد لكافيك ، وضرب بيديه إلى الأرض ثم نفخ فيهما ، ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه . قال : اتق الله يا عمار . قال : يا أمير المؤمنين ان شئت لم أذكره . قال : قالا : ولكن نوليك من ذلك غير ما توليت . (251)
والعجيب ما ينقل في ذلك من الإختلاف مما رواه عدة من الحفاظ ومنه ما أخرجه مسلم في صحيحه حيث قال :حدثنا يحي بن يحي ، وابوبكر بن أبي شيبة ، وابن نمير ، جميعا عن أبي معاوية ، قال أبو بكر ، حدثنا ابو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، قال :
(( كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى ، فقال ابو موسى : يا أبا عبد الرحمن ، أرأيت لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا كيف يصنع للصلاة؟ فقال عبد الله : لا يتيمم وان لم يجد الماء شهرا . فقال أبو موسى : فكيف بهذه الآية في سورة المائدة ؟ فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك أن إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد . فقال ابو موسى : ألم تسمع قول عمار : بعثني رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في حاجة فأجنبت ، فلم أجد الماء ، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فذكرت له ذلك ، فقال : إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين ، وظاهر كفيه ووجهه . فقال عبدالله : اولم تر عمر لم يقنع بقول عمار )) . (252)
وفي طريق من الطرق التي أخرجها البخاري ، قال شقيق بن سلمة : قال ابو موسى : فدعنا من قول عمار ، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما درى عبد الله ما يقول ، فقال : إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم . فقلت (253) لشقيق : فإنما كره عبد الله لهذا؟ قال : نعم . (254)
قال ابن حجر في شرح قول عمر : (( لاتصل )) :
(( وهذا مذهب مشهور عن عمر ، ووافقه عليه عبد الله بن مسعود ، وجرت فيه مناظرة بين أبي موسى وابن مسعود كما سيأتي في باب التيمم ، وقيل أن ابن مسعود رجع عن ذلك )) . (255)
أقول : وقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف ما يدل على تراجع ابن مسعود عـن هذا القول ، حيث قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سنان ، عن الضحاك ، قال : رجع ابن مسعود عن قوله في التيمم . (256)
وهذا الحكم صدر من الخليفة الثاني ، وتبعه فيه جماعة منهم أبو عطية الوداعي الهمداني (257)
ويكفي في بطلان هذا القول وفساده قوله تعالى{وإن كنتم جنبا فاطهّروا وإن كنتم مرضى او على سفر او جاء أحد منكم الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .} (258)
ولا يكاد ينقضي العجب من مثل هذه المماطلة في نفي وجوب التيمم ، والإجتهاد في مقابل القرآن الكريم ، مع أن هذه المسألة من المسائل التي يكثر الإبتلاء بها لاسيما في تلك الأزمنة ، وممن ابتلى بها الخليفة نفسه ، ومن بعد أن يفتي بعدم وجوب التيمم والصلاة على فاقد الماء يستمر الجدل بين الصحابة رغم قرب عهدهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
2- النهي عن عمرة التمتع :
عمرة التمتع من ضروريات الدين التي شرعت في كتاب الله عزوجل ، يقول الله عزوجل : (259) ، وقد تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسب الروايات المتواترة التي رواها جمع كبير من المحدثين منهم البخاري ومسلم ، ولكن مع ذلك تم الإجتهاد فيها في مقابل نص الكتاب والسنة من قبل جماعة من الصحابة ، وتبعهم جماعة من التابعين منهم عبد الله بن الزبير ، وهذا يضاف إلى سابقه في الجرأة على رد كتاب الله عزوجل وسنة نبيه بمجرد الآراء ، ولذا رد عليهم عدة من الصحابة منهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وعمران بن الحصين وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس وغيرهم ، ولابأس بذكر بعض النصوص الواردة بشأن هذا التحريم (260) ، ومن ثم بيان ردود بعض الصحابة عليه :
1- قال الطحاوي في شرح معاني الآثار : حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا مكي بن ابراهيم ، قال حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال عمر رضي الله عنه :
(( متعتان كانتا على عهد رسول الله أنهى وأعاقب عليهما ، متعة النساء ومتعة الحج )) . (261)
ورجال الإسناد هم :
1- يزيد بن سنان الأموي ، القزاز ، ابوخالد ، البصري ، نزيل مصر . قال فيه النسائي : ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : وكان ثقة نبيلا ، وخرج مسند حديثه وكان كثير الفائدة . (262) وقال فيه ابن حجر : ثقة . (263)
2- مكي بن ابراهيم بن بشير التميمي ، ابو السكن ، البلخي . قال فيه ابن حجر : ثقة (264) ، ثبت ، وقال فيه أحمد بن حنبل والعجلي ومسلمة بن القاسم : ثقة ، وقال ابن معين : صالح ، وقال ابوحاتم : محله الصدق ، وقال النسائي : ليس به بأس ، وقال الدار قطني : ثقة مأمون ، وقال ابن سعد : وكان ثقة ثبتا في الحديث ، وقال الخليلي : ثقة متفق عليه ، وأخطأ في حديثه عن مالك عن نافع ، عن ابن عمر في الصلاة . (265)
3- مالك بن أنس الأصبحي ، إمام المذهب المالكي ، ومكانته ومقامه عند السنة أوضح من أن يحتاج إلى بيان .
4- نافع مولى ابن عمر ، أبو عبد الله المدني ، من كبار الثقات والفقهاء عند السنة قال فيه ابن حجر : ثقة ، ثبت ، فقيه ، مشهور . (266)
ورجال الخبر رجال البخاري ومسلم عدا يزيد بن سنان وهو ثقة عندهم .
وهذا الخبر رواه عدد كبير من الحفاظ والمحدثين بعدة طرق لايسع المقام لتتبعها ، وقد ذكرنا قسما وافرا منها في كتاب الإنصاف .
واستمر على هذا النهج عثمان بن عفان ، ولكن لم يقبل قوله جماعة من الصحابة وردوا عليه ، منهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كما رواه عدة من المحدثين منهم البخاري ومسلم في صحيحيهما ، ومن ذلك ما أخرجه البخاري بسنده عن مروان بن الحكم ، قال :
(( شهدت عثمان وعليا عليه السلام رضي الله عنهما ، وعثمان ينهى عن المتعة ، وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي عليه السلام أهل بهما : لبيك بعمرة وحجة ، قال عليه السلام : ماكنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه و آله لقول أحد )) . (267)
وقال أحمد بن حنبل : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن علي بن الحسين عليه السلام ، عن مروان بن الحكم أنه قال :
(( شهدت عليا عليه السلام وعثمان رضي الله عنهما بين مكة والمدينة ، وعثمان ينهى عن المتعة ، وأن يجمع بينهما ، فلما رأى ذلك علي عليه السلام رضي الله عنه أهل بهما ، فقال : لبيك بعمرة وحجة معا ، فقال عثمان رضيالله عنه : تراني أنهى الناس عنه ، وأنت تفعله؟ قال عليه السلام : لم أكن أدع سنة النبي صلى الله عليه و آله لقول أحد من الناس )) . (268)
واعترض على التحريم من الصحابة عمران بن الحصين فيما أخرجه عدد كبير من الحفاظ منهم البخاري ومسلم ، فمن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه بالإسناد عن أبي الرجاء قال : قال عمران بن الحصين :
(( نزلت آية المتعة في كتاب الله ، يعني متعة الحج ، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه و آله حتى مات ، قال رجل برأيه ماشاء )) . (269)
وقال مسلم في صحيحه أيضا : وحدثناه إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن حاتم في روايته :
(( ارتأى رجل برأيه ماشاء ، يعني عمر )) . (270)
3- طلاق الثلاث :
ومن هذه المسائل طلاق الثلاث ، فقد كان طلاق الثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عهد أبي بكر ومقدارا من زمان عمر يُعد طلقة واحدة ، ثم غير عمر بعد ذلك هذا الحكم وتبعهجماعة من الفقهاء منهم أئمة المذاهب الأربعة ، بل ذهب له الأعم الأغلب من فقهاء السنة على ممر العصور كما ذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار (271) وهو لايعدو كونه اجتهادا في مقابل النص ، وقد وردت بذلك عدة من الروايات أوردها جمع كبير من الحفاظ منهم مسلم في صحيحه حيث أخرج ذلك بالإسناد عن طاوس عن ابن عباس قال :
(( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله)وسلم ، وأبي بكر ، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة . فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أَناة (272) ، فلو أمضيناهم ، فأمضاه عليهم )) . (273)
.......................
ومن أهم الأمور التي تتصل بتغيير الشريعة وتحريف الحقائق مبدأ الإجتهاد في مقابل النص الذي بدأ بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فكم من سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل بها القرآن الكريم بدلت ، ومن أوائل الخطوات في هذا الإتجاه عندما كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم على فراش المرض ، لما طلب منهم أن يكتبوا كتابا لن يضلوا بعده أبدا ، فقالوا غلب عليه الوجع ، وقال انه يهجر ، وردوا عليه القول ، ومنعوا من صدور ذلك الكتاب ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لايزال موجودا بين ظهرانيهم .
والأمثلة على الإجتهاد في مقابل النص كثيرة ، وقد صنف العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي كتابا مستقلا في هذا الموضوع بعنوان ((النص والإجتهاد )) ، وقد جمع فيه جملة من القضايا ، ورغم جهوده المباركة في هذا المجال إلا أنه فاتته مسائل كثيرة جدا .وقد ذكرنا بعضها في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف ، ولابأس بذكر بعض النماذج البينة في هذا المجال :
1- الإجتهاد في التيمم :
من الموارد التي تم فيها مخالفة القرآن والتعاليم المتواترة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ما أفتى به الخليفة الثاني عمر بن الخطاب من أن فاقد الماء تسقط عنه الصلاة ويسقط عنه التيمم ، ووافقه على ذلك جماعة مع التفاتهم إلى نزول الذكر الحكيم وبيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولابأس ببيان بعض ماورد في ذلك :
1- قال مسلم في صحيحه : حدثني عبدالله بن هاشم العبدي ، حدثنا يحي يعني ابن سعيد القطان ، عن شعبة ، قال حدثني الحكم ، عن ذر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، أن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماءا ؟ فقال : لاتصل . فقال عمار : أتذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماءا ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمكعت في التراب وصليت ، فقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ، ثم تنفخ ، ثم تمسح بها وجهك وكفيك . فقال عمر : اتق الله ياعمار . قال : إن شئت لم أحدث به .
قال مسلم : قال الحكم : وحدثنيه ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه مثل حديث ذر ، قال وحدثني سلمة عن ذر في هذا الإسناد الذي ذكر الحكم ، فقال عمر : (نوليك غير ماتوليت .) (248)
وهذا الخبر أخرجه البخاري مختصرا ، وحذف منه بعض المقاطع ، وأخرجه مسلم والنسائي وابوداود وابن ماجة والطحاوي وابن أبي شيبة والحازمي والبيهقي والدارقطني وابو عوانة وابوداود الطيالسي وعدد كبير من الحفاظ .(249)
2- وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن ابراهيم ، عن الأسود ، عن عمر قال : (لا يتيمم الجنب وان لم يجد الماء شهرا) (250)
وهذا الحديث عندهم صحيح بلا كلام .
3- وقال النسائي في السنن الكبرى : أنبأنا محمد بن بشار ، قال حدثنا عبد الرحمن ، قال حدثنا سفيان ، عن سلمة ، عن أبي مالك ، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، قال : كنا عند عمر فأتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إنما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء؟ فقال عمر : أما أنا فإذا لم أجد الماء فلم أكن أصلي حتى أجد الماء .
فقال عمار بن ياسر : أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنا بمكان كذا وكذا ونحن نرعى الإبل ، فتعلم أنا أجنبنا؟ قال : نعم . فأما أنا فتمرغت في التراب فأتيت النبي صلى الله عليه و آله فضحك ، وقال : ان كان الصعيد لكافيك ، وضرب بيديه إلى الأرض ثم نفخ فيهما ، ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه . قال : اتق الله يا عمار . قال : يا أمير المؤمنين ان شئت لم أذكره . قال : قالا : ولكن نوليك من ذلك غير ما توليت . (251)
والعجيب ما ينقل في ذلك من الإختلاف مما رواه عدة من الحفاظ ومنه ما أخرجه مسلم في صحيحه حيث قال :حدثنا يحي بن يحي ، وابوبكر بن أبي شيبة ، وابن نمير ، جميعا عن أبي معاوية ، قال أبو بكر ، حدثنا ابو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، قال :
(( كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى ، فقال ابو موسى : يا أبا عبد الرحمن ، أرأيت لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا كيف يصنع للصلاة؟ فقال عبد الله : لا يتيمم وان لم يجد الماء شهرا . فقال أبو موسى : فكيف بهذه الآية في سورة المائدة ؟ فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك أن إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد . فقال ابو موسى : ألم تسمع قول عمار : بعثني رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في حاجة فأجنبت ، فلم أجد الماء ، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فذكرت له ذلك ، فقال : إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين ، وظاهر كفيه ووجهه . فقال عبدالله : اولم تر عمر لم يقنع بقول عمار )) . (252)
وفي طريق من الطرق التي أخرجها البخاري ، قال شقيق بن سلمة : قال ابو موسى : فدعنا من قول عمار ، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما درى عبد الله ما يقول ، فقال : إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم . فقلت (253) لشقيق : فإنما كره عبد الله لهذا؟ قال : نعم . (254)
قال ابن حجر في شرح قول عمر : (( لاتصل )) :
(( وهذا مذهب مشهور عن عمر ، ووافقه عليه عبد الله بن مسعود ، وجرت فيه مناظرة بين أبي موسى وابن مسعود كما سيأتي في باب التيمم ، وقيل أن ابن مسعود رجع عن ذلك )) . (255)
أقول : وقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف ما يدل على تراجع ابن مسعود عـن هذا القول ، حيث قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سنان ، عن الضحاك ، قال : رجع ابن مسعود عن قوله في التيمم . (256)
وهذا الحكم صدر من الخليفة الثاني ، وتبعه فيه جماعة منهم أبو عطية الوداعي الهمداني (257)
ويكفي في بطلان هذا القول وفساده قوله تعالى{وإن كنتم جنبا فاطهّروا وإن كنتم مرضى او على سفر او جاء أحد منكم الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .} (258)
ولا يكاد ينقضي العجب من مثل هذه المماطلة في نفي وجوب التيمم ، والإجتهاد في مقابل القرآن الكريم ، مع أن هذه المسألة من المسائل التي يكثر الإبتلاء بها لاسيما في تلك الأزمنة ، وممن ابتلى بها الخليفة نفسه ، ومن بعد أن يفتي بعدم وجوب التيمم والصلاة على فاقد الماء يستمر الجدل بين الصحابة رغم قرب عهدهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
2- النهي عن عمرة التمتع :
عمرة التمتع من ضروريات الدين التي شرعت في كتاب الله عزوجل ، يقول الله عزوجل : (259) ، وقد تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسب الروايات المتواترة التي رواها جمع كبير من المحدثين منهم البخاري ومسلم ، ولكن مع ذلك تم الإجتهاد فيها في مقابل نص الكتاب والسنة من قبل جماعة من الصحابة ، وتبعهم جماعة من التابعين منهم عبد الله بن الزبير ، وهذا يضاف إلى سابقه في الجرأة على رد كتاب الله عزوجل وسنة نبيه بمجرد الآراء ، ولذا رد عليهم عدة من الصحابة منهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وعمران بن الحصين وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس وغيرهم ، ولابأس بذكر بعض النصوص الواردة بشأن هذا التحريم (260) ، ومن ثم بيان ردود بعض الصحابة عليه :
1- قال الطحاوي في شرح معاني الآثار : حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا مكي بن ابراهيم ، قال حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال عمر رضي الله عنه :
(( متعتان كانتا على عهد رسول الله أنهى وأعاقب عليهما ، متعة النساء ومتعة الحج )) . (261)
ورجال الإسناد هم :
1- يزيد بن سنان الأموي ، القزاز ، ابوخالد ، البصري ، نزيل مصر . قال فيه النسائي : ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : وكان ثقة نبيلا ، وخرج مسند حديثه وكان كثير الفائدة . (262) وقال فيه ابن حجر : ثقة . (263)
2- مكي بن ابراهيم بن بشير التميمي ، ابو السكن ، البلخي . قال فيه ابن حجر : ثقة (264) ، ثبت ، وقال فيه أحمد بن حنبل والعجلي ومسلمة بن القاسم : ثقة ، وقال ابن معين : صالح ، وقال ابوحاتم : محله الصدق ، وقال النسائي : ليس به بأس ، وقال الدار قطني : ثقة مأمون ، وقال ابن سعد : وكان ثقة ثبتا في الحديث ، وقال الخليلي : ثقة متفق عليه ، وأخطأ في حديثه عن مالك عن نافع ، عن ابن عمر في الصلاة . (265)
3- مالك بن أنس الأصبحي ، إمام المذهب المالكي ، ومكانته ومقامه عند السنة أوضح من أن يحتاج إلى بيان .
4- نافع مولى ابن عمر ، أبو عبد الله المدني ، من كبار الثقات والفقهاء عند السنة قال فيه ابن حجر : ثقة ، ثبت ، فقيه ، مشهور . (266)
ورجال الخبر رجال البخاري ومسلم عدا يزيد بن سنان وهو ثقة عندهم .
وهذا الخبر رواه عدد كبير من الحفاظ والمحدثين بعدة طرق لايسع المقام لتتبعها ، وقد ذكرنا قسما وافرا منها في كتاب الإنصاف .
واستمر على هذا النهج عثمان بن عفان ، ولكن لم يقبل قوله جماعة من الصحابة وردوا عليه ، منهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كما رواه عدة من المحدثين منهم البخاري ومسلم في صحيحيهما ، ومن ذلك ما أخرجه البخاري بسنده عن مروان بن الحكم ، قال :
(( شهدت عثمان وعليا عليه السلام رضي الله عنهما ، وعثمان ينهى عن المتعة ، وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي عليه السلام أهل بهما : لبيك بعمرة وحجة ، قال عليه السلام : ماكنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه و آله لقول أحد )) . (267)
وقال أحمد بن حنبل : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن علي بن الحسين عليه السلام ، عن مروان بن الحكم أنه قال :
(( شهدت عليا عليه السلام وعثمان رضي الله عنهما بين مكة والمدينة ، وعثمان ينهى عن المتعة ، وأن يجمع بينهما ، فلما رأى ذلك علي عليه السلام رضي الله عنه أهل بهما ، فقال : لبيك بعمرة وحجة معا ، فقال عثمان رضيالله عنه : تراني أنهى الناس عنه ، وأنت تفعله؟ قال عليه السلام : لم أكن أدع سنة النبي صلى الله عليه و آله لقول أحد من الناس )) . (268)
واعترض على التحريم من الصحابة عمران بن الحصين فيما أخرجه عدد كبير من الحفاظ منهم البخاري ومسلم ، فمن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه بالإسناد عن أبي الرجاء قال : قال عمران بن الحصين :
(( نزلت آية المتعة في كتاب الله ، يعني متعة الحج ، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه و آله حتى مات ، قال رجل برأيه ماشاء )) . (269)
وقال مسلم في صحيحه أيضا : وحدثناه إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن حاتم في روايته :
(( ارتأى رجل برأيه ماشاء ، يعني عمر )) . (270)
3- طلاق الثلاث :
ومن هذه المسائل طلاق الثلاث ، فقد كان طلاق الثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عهد أبي بكر ومقدارا من زمان عمر يُعد طلقة واحدة ، ثم غير عمر بعد ذلك هذا الحكم وتبعهجماعة من الفقهاء منهم أئمة المذاهب الأربعة ، بل ذهب له الأعم الأغلب من فقهاء السنة على ممر العصور كما ذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار (271) وهو لايعدو كونه اجتهادا في مقابل النص ، وقد وردت بذلك عدة من الروايات أوردها جمع كبير من الحفاظ منهم مسلم في صحيحه حيث أخرج ذلك بالإسناد عن طاوس عن ابن عباس قال :
(( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله)وسلم ، وأبي بكر ، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة . فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أَناة (272) ، فلو أمضيناهم ، فأمضاه عليهم )) . (273)
تعليق