وان عقيدته في التجسيم كانت واحداً من أهمّ محاور الصراع الذي خاضه مع علماء عصره ، فهي السبب الوحيد لما دار بينه وبين المالكيّة من فتن في دمشق ، وهي السبب الوحيد لاستدعائه الى مصر ثم سجنه هناك ، كما كانت سبباً في عدّة مجالس عقدت هنا وهناك لمناقشة أقواله .
ولم ينفرد المالكيّة في الرد عليه ، بل كان هذا هو شأن الحنفية والشافعيّة أيضاً ، وأمّا الحنبليّة فقد نصّوا على شذوذه عنهم .
قال الشيخ الكوثري الحنفي في وصف عقيدة ابن تيميّة في الصفات : إنّها تجسيمٌ صريح . ثمّ نقل مثل ذلك عن ابن حجر المكّي في كتابه ( شرح الشمائل ) ـ انظر : تعليقة الكوثري في ذيل ( الأسماء والصفات) للبيهقي : 301 ـ .
وللشافعيّة دورهم البارز في مواجهة هذه العقيدة ، فقد صنّفوا في بيان أخطاء ابن تيميّة فيها كثيراً ، وربّما يُعدّ من أهمّ تصانيفهم تلك ما كتبه شيخهم شهاب الدين ابن جَهبَل ، المتوفّى سنة 733 هـ ويكتسب هذا التصنيف أهميّته لسببين :
أوّلهما : أنّ هذا الشيخ كان معاصراً لابن تيميّة ، وقد كتب ردّه هذا في حياة ابن تيميّة موجّهاً إليه .
والثاني : أنّه ختمه بتحدٍّ صريح ، قال فيه : " ونحن ننتظر ما يَرِدُ من تمويههِ وفساده ، لنبيّن مدارج زيغه وعناده ، ونجاهد في الله حقّ جهاده " . ثمّ لم يذكر لابن تيميّة جواباً عليه رغم أنّه قد وضع ردّاً على (الحمويّة الكبرى ) التي ألقاها الشيخ ابن تيميّة على المنبر في سنة 698 هـ .
وأمّا دفاعه عن التجسيم فهو دفاع المجسّمة الصُرحاء ، فيقول ردّاً على القائلين بتنزيه الله تعالى عن الأعضاء والأجزاء : إنّهم جعلوا عُمدتهم في تنزيه الربّ عن النقائص على نفي التجسيم ، ومن سلك هذا المسلك لم يُنزِّه الله عن شيء من النقائص ألبتّة ـ التفسير الكبير 1 / 275 ، الفرقان بين الحقّ والباطل : 111 ، وانظر كلامه في " البعض " و " الكلّ " في ( الفتاوى الكبرى ) 6 : 413 ـ .
ثم طريق اثبات شيء على المتهم لا يتم بإقراره فقط ومن كتبه فإنّه قد لا يذكر ذلك صريحاً خوفاً من المسلمين ، ولكن هناك طريقة اخرى وهي شهادة شهود عليه ، فان هذا من اقوى ادلّة الاثبات ، خاصة اذا كانوا كثيرين .
وقد شهد على ابن تيميّة الكثير منهم : ابن بطوطة في كتابه ( رحلة ابن بطوطة : 95 ) إذ يقول تحت عنوان : ( حكاية الفقيه ذي اللُّوثة ـ اللُّوثة بالضمّ : مَسُّ جنون ـ ! ) : كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقيّ الدين ابن تيميّة ، كبير الشأم ، يتكلّم في الفنون ، إلاّ أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ويعظهم على المنبر ، وتكلّم بأمرٍ أنكره الفقهاء ..
قال : وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أن قال : ( إنّ الله ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ) ونزل درجةً من المنبر ! .
فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتّى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشيّة حرير ، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك ..
ومقولة ابن تيميّة هذه ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في الدرر الكامنة ـ 1 / 154 ـ .
تلك صورةٌ عن عقيدته في الله تعالى .. فهو يجيز عليه تعالى الانتقال والتحوّل والنزول ، وفي هذا التصوّر من التجسيم ما لا يخفى ، فالذي ينتقل من مكان إلى مكان ، وينزل ويصعد ، فلابُدّ أنّه كان أوّلاً في مكان ثمّ انتقل إلى مكان آخر ، فخلا منه المكان الأوّل ، واحتواه المكان الثاني ، والذي يحويه المكان لا يكون إلاّ محدوداً ! فتعالى الله عمّا يصفون
سليل الرسالة
ولم ينفرد المالكيّة في الرد عليه ، بل كان هذا هو شأن الحنفية والشافعيّة أيضاً ، وأمّا الحنبليّة فقد نصّوا على شذوذه عنهم .
قال الشيخ الكوثري الحنفي في وصف عقيدة ابن تيميّة في الصفات : إنّها تجسيمٌ صريح . ثمّ نقل مثل ذلك عن ابن حجر المكّي في كتابه ( شرح الشمائل ) ـ انظر : تعليقة الكوثري في ذيل ( الأسماء والصفات) للبيهقي : 301 ـ .
وللشافعيّة دورهم البارز في مواجهة هذه العقيدة ، فقد صنّفوا في بيان أخطاء ابن تيميّة فيها كثيراً ، وربّما يُعدّ من أهمّ تصانيفهم تلك ما كتبه شيخهم شهاب الدين ابن جَهبَل ، المتوفّى سنة 733 هـ ويكتسب هذا التصنيف أهميّته لسببين :
أوّلهما : أنّ هذا الشيخ كان معاصراً لابن تيميّة ، وقد كتب ردّه هذا في حياة ابن تيميّة موجّهاً إليه .
والثاني : أنّه ختمه بتحدٍّ صريح ، قال فيه : " ونحن ننتظر ما يَرِدُ من تمويههِ وفساده ، لنبيّن مدارج زيغه وعناده ، ونجاهد في الله حقّ جهاده " . ثمّ لم يذكر لابن تيميّة جواباً عليه رغم أنّه قد وضع ردّاً على (الحمويّة الكبرى ) التي ألقاها الشيخ ابن تيميّة على المنبر في سنة 698 هـ .
وأمّا دفاعه عن التجسيم فهو دفاع المجسّمة الصُرحاء ، فيقول ردّاً على القائلين بتنزيه الله تعالى عن الأعضاء والأجزاء : إنّهم جعلوا عُمدتهم في تنزيه الربّ عن النقائص على نفي التجسيم ، ومن سلك هذا المسلك لم يُنزِّه الله عن شيء من النقائص ألبتّة ـ التفسير الكبير 1 / 275 ، الفرقان بين الحقّ والباطل : 111 ، وانظر كلامه في " البعض " و " الكلّ " في ( الفتاوى الكبرى ) 6 : 413 ـ .
ثم طريق اثبات شيء على المتهم لا يتم بإقراره فقط ومن كتبه فإنّه قد لا يذكر ذلك صريحاً خوفاً من المسلمين ، ولكن هناك طريقة اخرى وهي شهادة شهود عليه ، فان هذا من اقوى ادلّة الاثبات ، خاصة اذا كانوا كثيرين .
وقد شهد على ابن تيميّة الكثير منهم : ابن بطوطة في كتابه ( رحلة ابن بطوطة : 95 ) إذ يقول تحت عنوان : ( حكاية الفقيه ذي اللُّوثة ـ اللُّوثة بالضمّ : مَسُّ جنون ـ ! ) : كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقيّ الدين ابن تيميّة ، كبير الشأم ، يتكلّم في الفنون ، إلاّ أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ويعظهم على المنبر ، وتكلّم بأمرٍ أنكره الفقهاء ..
قال : وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أن قال : ( إنّ الله ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ) ونزل درجةً من المنبر ! .
فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتّى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشيّة حرير ، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك ..
ومقولة ابن تيميّة هذه ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في الدرر الكامنة ـ 1 / 154 ـ .
تلك صورةٌ عن عقيدته في الله تعالى .. فهو يجيز عليه تعالى الانتقال والتحوّل والنزول ، وفي هذا التصوّر من التجسيم ما لا يخفى ، فالذي ينتقل من مكان إلى مكان ، وينزل ويصعد ، فلابُدّ أنّه كان أوّلاً في مكان ثمّ انتقل إلى مكان آخر ، فخلا منه المكان الأوّل ، واحتواه المكان الثاني ، والذي يحويه المكان لا يكون إلاّ محدوداً ! فتعالى الله عمّا يصفون
سليل الرسالة
تعليق