نهايــة الدولــة القوميــة فـي الوطــن العربــي

أحمد الشرقاوي
بانوراما الشرق الاوسط
عندما قلنا في مقالة قبل فترة بعنوان (يا حكام الوطن العربي وداعا)، وأخرى بعدها بعنوان (الحرب الحضارية الثالثة ونهاية العرب).. أن العالم العربي دخل عصر الانفجار والتفكك وإعادة التشكل، وأنه في طريق الزوال، لم نكن نؤسس لرؤية مستقبلية من منطلق حدس تشائمي، بل لأن الكثير من المعطيات الإستراتيجية الدولية، ونتائج الدراسات المستقبلية الموضوعية، وعديد المؤشرات الميدانية الإقليمية كانت تدلل على هذا المنحى..
ذلك، أنه في غياب الحد الأدنى من التوافق بين الأنظمة القائمة حول الأمن القومي العربي حتى لا نقول التضامن فأحرى الوحدة، لا يمكن الحديث عن استمرار هذه الكيانات الهجينة المتصارعة في ما بينها على أتفه الأسباب أحيانا.. وها هي تجارب السنوات الأخيرة تثبت أن لا مكان في عصر العولمة والتكتلات الكبيرة للكيانات الصغيرة المنغلقة والمنعزلة عن محيطها الجيوسياسي، خصوصا بعد أن أصبح لمفهوم الأمن القومي امتدادا يتجاوز جغرافية الدولة القومية كما رسمت خرائطها بالمفهوم الأوروبي اتفاقية “سايكس وبيكو” المشؤومة.
رؤيــة حــزب الله للمنطقــة
هذا المعنى، هو الذي أشار له سماحة السيد في خطاب ذكرى الشهداء القادة حين قال بالعامية اللبنانية: “المنطقة انخضّت، تخربطت، صار عاليها سافلها، انعجنت وعم تنخبز من جديد”، موضحا ذلك بالقول: “المنطقة الآن، على ضوء هذا المخاض، ستُحدد كيانات، تبقى هذه الكيانات أو تذهب على ضوء هذا المخاض، تبقى هذه الشعوب أو تذهب، ستبقى هذه الأمور هكذا، أو سيصبح هناك ضم وفرز، أو ذاهبون إلى دمار لسنوات أو لعقود من السنين.. ما هو المستقبل؟ هذا كله يصنع في المنطقة، لدول وكيانات وشعوب المنطقة، والعالم كله يتأثر بذلك”..
ويخلص سماحته إلى أنه علينا إثبات حضورنا بالميدان في إطار تكتل محور المقاومة، لأن القضية قضية مصير وكرامة ومستقبل الأجيال، وأن مصير المنطقة يصنع اليوم بالمنطقة، ومن يغيب عن الميدان لن يكون له مكان في هذا المستقبل..
هذا الكلام ينطوي على رد غير مباشر على خطاب سعد الحريري الذي لا زال يعزف على نغمة النأي بالنفس التي تعني حرفيا رفض التنسيق العسكري مع سورية، ورفض انخراط لبنان في محور المقاومة، ورفض وجود سلاح حزب الله خارج سلطة الدولة التي لا وجود لها إلا في شعارات الحريري الجوفاء، والإصرار في المقابل، وإن بأسلوب المراوغة والمواربة، على رهن لبنان لمحور المؤامرة الممثل إقليميا بـ”السعودية” و “إسرائيل”، خصوصا من خلال ترديد مقولة “وجوب أن يبقى قرار السلم والحرب بيد الدولة”، بالرغم من إدراك الجميع أن من كان يتخذ دائما قرار الحرب هي “إسرائيل” وليس حزب الله الذي اعتمد حتى الآن إستراتيجية الدفاع بدل الهجوم، قبل أن يعلن سماحة السيد عن تغيير قواعد الاشتباك مع هذا العدو المجرم المتغطرس.
رؤيــة أمريكــا للمنطقــة
كلام سماحة السيد الذي عودنا الدقة في الطرح، لم يأتي من فراغ، فالرجل لا شك أسس رؤيته بناء على معلومات ومعطيات وتحليل موضوعي للمؤشرات.. وما يؤكد صحة هذا الأمر بما لا يدع مجالا للشك، هو الكلام الذي قاله ‘زبيغينيو بريجينسكي’، مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، في شهادة حول مجمل الأوضاع بالشرق الأوسط، قدمها قبل أيام أمام الكونجرس الأمريكي..
‘بريجينسكي’ قال بوضوح: “إن الدولة القومية بمفهومها الأوروبي كما صيغت خلال بدايات القرن الماضي فشلت، وهي تدفن اليوم في الشرق الأوسط بفعل انهيار حدود سايكس وبيكو لعدم قابليتها للحياة بفعل التطورات الأخيرة”. ونصح الإدارة الأمريكية بعدم التدخل لإعادة رسم حدود دول المنطقة، معلنا أن “على أمريكا أن تترك تفاعلات الأرض هناك تنتج خرائط جديدة وحدوداً جديدة”..
الكلمــة الفصــل للميــدان
من الواضح أن رؤية سماحة السيد لا تختلف في شيئ عن رؤية ‘بريجينسكي’، وهذا يعني أن الكلمة الفصل هي لمن يستطيع فرض معادلاته بالقوة في الميدان، وحيث أن الأمر كذلك، فمن المؤكد أن المنتصر في النهاية لن يكون المحور السعودي الذي يراهن على الوهم ويستثمر في الإرهاب، ويبدل تحالفاته الإقليمية وفق متغيرات الميدان بين مصر وتركيا، باعتباره كيانا وظيفيا هجينا لا يملك سيادة قراره، ولا يستطيع فرض معادلاته لمحدودية قوته ومؤهلاته، وليس في إمكانه تحديد خياراته الإستراتيجية إلا في حدود ما يملى عليه من أسياده في واشنطن.
مستجــدات الميــدان الســوري
والأمر لا يحتاج منا اليوم لإعادة طرح ما سبق وأن خضنا فيه بالتفصيل الممل في كل من سورية والعراق ولبنان واليمن، ولا نحتاج أيضا للحديث عن الدور الإسرائيلي في الجنوب السوري أو الدور التركي في الشمال، والذي يبدو، وفق تطورات الأحداث الأخيرة، أن تركيا قررت الانغماس عميقا في المستنقع السوري لفرض المنطقة العازلة ومنع الجيش العربي السوري من تحرير حمص وريفها الشمالي لحرمان المعارضة المسلحة التي تعتزم تدريبها أمريكا وتركيا من أي موقع جغرافي تنطلق منه لفرض توازنات جديدة تصب في مصلحة الأطماع التركية في العالم العربي من المدخل السوري من جهة، وتخدم الرؤية السياسية الأمريكية للحل في سورية المستقبل من دون الرئيس الأسد، وذلك في انقلاب خبيث على التفاهمات التي أرستها أنقرة مع طهران وموسكو بعد أن قبلت بالمساهمة في الحل السياسي السلمي والتخلي عن الخيار العسكري..
غير أن المواجهات المباشرة التي تدور اليوم بين الجيش العربي السوري والحرس الثوري والمقاومة الشعبية من جهة، والجيش التركي ومجاميع الإرهابيين من “داعش” و”النصرة” وأخواتهما في ريف حمص الشمالي على مقربة من الحدود التركية من جهة أخرى، تؤشر لتصعيد خطير قد يدفع بإيران لقلب المعادلات في الشمال السوري من خلال الدفع بمئات الآلاف من الباسيج لتطهير المنطقة وإجهاض الوهم الإمبراطوري العثماني، خصوصا بعد أن تبين أن إسقاط النظام في دمشق يعتبر بالنسبة لأردوغان قضية مصيرية تتعلق بمستقبله السياسي، وتتقاطع معه السعودية ومشيخات الخليج وبطبيعة الحال “إسرائيل” في هذا التوجه الانتحاري، بخلاف مصر التي تبين أنها ترفض المساس بالحدود الوطنية للدولة السورية، وتعتبر مسألة تغيير النظام شأنا سوريا بحتا.
ولإيران كامل الحق بالتدخل في سورية والعراق، في إطار اتفاقيات الدفاع الإستراتيجي المشترك القائمة مع البلدين، في حين أن تركيا بتدخلها السافر في الشأن السوري والعراقي، بل والليبي والمصري أيضا، تخرق القانون الدولي وتعتبر دولة معتدية على دول مستقلة ذات سيادة وأعضاء في المنتظم الدولي، وبالتالي، فاتهام الرياض لطهران باحتلال العراق وسورية مثلا، لا يسنده دليل من واقع ولا منطق من قانون، بل هو نابع بالأساس من خوف غير مبرر على نفوذها في ما تعتبره من مجالها القومي العربي وتنصب نفسها وصيا على مكوناته من مدخل ديني، في حين أنها تبارك العدوان والتدخل التركي في الإقليم بالرغم من أن تركيا بلد غير عربي، وله أطماع امبراطورية معلنة من مدخل الحرص على النسيج السني، ما يتعارض حد التضارب مع أحقية النفوذ “السعودي” السني المزعوم..
والحقيقة أن مثل هذا التدخل التركي العدواني في الشمال السوري ما كان له أن يتم من دون ضوء أخضر أمريكي بعد التفاهم الذي تم حول تدريب المعارضة المسلحة بين الجانبين، ما يؤكد أن الحل السياسي الذي يتم الحديث عنه اليوم في سورية هو مجرد خدعة لكسب المزيد من الوقت إلى أن تتغير معادلات القوة على الأرض وفق ما تتوهم أمريكا وأدواتها.. بدليل، أن المبعوث الدولي “دي ميستورا” ما أن أعلن أن الرئيس الأسد جزء من الحل حتى انهالت عليه الانتقادات، واضطر لشرح كلامه في مجلس الأمن وتعديله بشكل يتوافق مع التوجه الأمريكي.
وتتحدث تقارير غربية عن ضخ تركيا لآلاف المقاتلين مؤخرا بقيادة ضباط من الجيش التركي وبمساندة من المدفعية والدبابات التركية في جبهة الشمال، فيما تدعم جبهة الجنوب السوري بجحافل من الإرهابيين بالتعاون مع الأردن، والهدف كما أصبح واضحا هو حماية “إسرائيل” من خلال إشغال الجيش العربي السوري في معارك لن تتيح له فرصة التفرغ لتحرير الجولان بعد السيطرة على كامل التراب الوطني.
لبنــان علـى خــط النــار
وبموازاة تطورات الأحداث في سورية والعراق واليمن، وما هو مخطط للبنان من هجوم إرهابي كاسح مطلع الربيع القادم حين تنجلي الثلوج لإشغال حزب الله في حرب الداخل مع الإرهاب تزامنا مع حرب إسرائيلية ثالثة على لبنان تخطط لها القيادة الصهيونية على قدم وساق، من منطلق شعورها بالرعب من وصول الجيش العربي السوري وحزب الله والحرث الثوري والمقاومة اللبنانية إلى خط التماس مع “إسرائيل” في الجولان المحتل، الأمر الذي اعتبره القادة العسكريون الصهاينة يختزل أبعادا إستراتيجية خطيرة على مستقبل وجود “إسرائيل”، وبالتالي، أصبحت معه حرب لبنان الثالثة مسألة وقت ليس إلا.
أما على مستوى الداخل اللبناني، ففي حال وقع المحذور، فلن تكون النتائج في صالح حلف المؤامرة وأدواته، لأن حزب الله، وبغض النظر عن الحوار الدائر اليوم بينه وبين حزب “المستقبل” لتهدئة الأوضاع، فبمقدوره في حال شعر أن شركاء الوطن يتآمرون عليه مع الأمريكي وقوى إقليمية معروفة، أن يأخذ لبنان بين عشية وضحاها وينهي هذه المهزلة التي أدخلت لبنان ودولته وشعبه في عصر الفراغ، وينهي بالتالي آخر ما تبقى للملكة الشر والظلام من نفوذ في بلاد الأرز، نظرا لاستحالة التوافق بين الأفرقاء حول طبيعة ودور وتوجهات لبنان المستقبل من خلال الحوار، مع الإصرار على تعطيل الآليات الديمقراطية التي تتيح للشعب اللبناني أن يختار ممثليه ويقرر مصيره ومستقبل عياله..
نقول هذا لأن الإدارة الأمريكية التي كانت تتجنب التفجير في لبنان لمعرفتها بهذه الحقيقة الواضحة، قد ضاقت درعا بالدور الذي يلعبه حزب الله في سورية والعراق والتهديد الذي يمثله لـ”إسرائيل”، بعد أن اكتشفت أن كل ما تخطط له يجهضه الحزب وحلفائه في المنطقة، وخصوصا بعد دخول الحزب إلى الساحة العراقية حيث تركز أمريكا كل جهدها على إعادة رسم خرائط التقسيم والهيمنة في هذا البلد بعد أن فشلت في سورية، وهو ما دفع بوزارة الخارجية الأمريكية للخروج بإعلان سياسي الخميس، يقول أن “حزب الله يلعب دورا تخريبيا في العراق وينتهك سيادته”، وكأن أمريكا تحولت إلى وصي على السيادة العراقية، وواضح أن حزب الله الذي يحارب الإرهاب الوهابي الذي تستثمر فيه أمريكا لتغيير خريطة العراق والمنطقة لا يمكن أن يلعب دورا بناء كالذي تلعبه “داعش” و”النصرة” وأخواتهما وفق هذا المنطق المقلوب..
العــراق أولويــة أمريكيــة
وها هي كتائب حزب الله العراقي المزودة بصواريخ أرض جو تنتشر اليوم في محيط المراكز التي تتجمع بها فلول “داعش”، وتهدد أمريكا بقصف طائراتها التي تزود “داعش” بالمؤن والسلاح”، الأمر الذي يؤشر إلى أن حرب المقاومة لن تقتصر مستقبلا على “داعش” فحسب، خصوصا بعد قرار الإدارة الأمريكية إرسال 4000 جندي إلى قاعدة بالأنبار وصل منهم حتى الآن 2200 جندي، للمشاركة في معركة تحرير الموصل بمعية الجيش الأردني المرابط على الحدود بدباباته، برغم رفض الحكومة العراقية دخول أي قوة برية للبلاد.
وبعد نجاح السيد العبادي في تجاوز الخلاف الحاد الذي أثارته الكتلة السنية المنسحبة من الحكومة والبرلمان نتيجة حادثة اغتيال شيخ عشيرة سني في حاجز وهمي جنوب بغداد، وقبول كافة الأطراف بالاحتكام للدستور ومؤسسة القضاء في انتظار نتائج التحقيق في الجريمة التي طالبت على إثرها الكتل المذكورة بحل الحشد الشعب في بغداد برغم أنه هو من حمى العاصمة من هجوم “داعش” وسن قانون تجريم تشكيل الميليشيات، ومطالبة واشنطن بالتدخل العسكري البري لتحرير الموصل..
وفي محاولة خبيثة لإفشال جهود حكومة السيد العبادي وخطتها السرية لتحرير الموصل، قامت القيادة الأمريكية وللمرة الثانية في غضون أسبوع، بتسريب تفاصيل الخطة العسكرية العراقية، في سلوك أقل ما يقال عنه أنه تخريبي، يهدف إلى تزويد الإرهابيين بسلاح المعلومة لتجنب الهزيمة، حتى تتولى القوات الأمريكية قيادة العملية من دون مشاركة الحشد الشعبي، لحاجة أوباما إلى انتصار مدوي يعزز موقع حزبه في الانتخابات الرئاسية القادمة بالاعتماد على فرق من الجيش العراقي الذي تدربه، وقوات البشمركة، وحشد من الصحوات السنية المرتبطة بالأجندة الأمريكية.. وهو المشروع الذي يقف له الحشد الشعب بالمرصاد، ولا نستبعد أن يكون انتقاد وزارة الخارجية الأمريكية أمس لحزب الله اللبناني، واتهامه بالتخريب في العراق، مرتبط بما تعتزم الإدارة الأمريكية تنفيذه من مخطط في الموصل ضدا في إرادة الحكومة العراقية الشرعية.
نهايــة العشــق المصــري – الخليجــي
وفي خضم هذا التطور الذي يؤشر لمزيد من التصعيد على المستوى الإقليمي، بل والدولي أيضا، برزت القضية المصرية الخليجية لتتحول فجأة إلى موضوع الساعة، على خلفية ما جرى في ليبيا التي حولها الناتو إلى أكبر بؤرة لتصدير السلاح والمقاتلين إلى دول المنطقة، في إطار تنفيذ مخطط جهنمي بدأت معالمه تتكشف لتفجير الأوضاع في مصر وتونس والجزائر والمغرب أيضا، خصوصا بعد أن هددت “داعش” بتفجير شوارع الرباط قريبا، وسبق ذلك دعوة العاهل المغربي لتفعيل آليات المغرب العربي للتعاون والتكامل بين مكوناته في مواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة.
وفي هذا السياق، لم يكن مفاجئا رفض الإدارة الأمريكية لأي قرار يصدر عن مجلس الأمن تحت البند السابع لإقامة حلف عسكري دولي ضد الإرهاب في ليبيا كما طالبت مصر بذلك، الأمر الذي يؤكد أن لا مصلحة لأمريكا في محاربة الإرهاب بل في إدارته من الخلف لتغيير وجه المنطقة برمتها من الماء إلى الماء، وتبين أن إيطاليا التي كانت متحمسة لقيادة تحالف عسكري ضد الإرهاب في ليبيا، وفرنسا التي سوقت لوهم موافقتها على المبادرة المصرية وباعتها طائرات غير عملية في الحرب على الإرهاب، سرعان ما انقلبتا على ما أعلنتاه الأسبوع الماضي، وانخرطتا في الطرح الأمريكي الذي يقول بالحل السياسي في ليبيا، وهو أمر يؤكد أن حماسة ‘السيسي’ لإقامة حلف دولي بدل حلف عربي للتدخل في ليبيا لا يمكن أن تصدر إلا عن رجل لا يفقه بالسياسة، ولا يؤمن بالقومية العربية، ولا يدرك أبعاد المؤامرة التي تستهدف المنطقة برمتها، ويعتقد لغبائه، أن مصر ستكون في معزل عن التفجير.
وبعد هذه الانتكاسة السياسية المهينة، جاءت المفاجئة أمس من الخليج، حيث أصدر مجلس التعاون الخليجي على لسان أمينه العام، بيانا حادا رفض فيه اتهامات مصر لمشيخة قطر بتمويل الإرهاب، واصفا إياها بالباطلة، ومؤكدا أن قطر تبدل الجهود مع شقيقاتها الخليجية لمحاربة الإرهاب.. ومن غرائب الصدف، أن هذا النفي تزامن مع معلومات موثوقة حصلت عليها قناة الميادين، تكشف أن طائرة قطرية حملت 87 إرهابيا قدموا إلى مطار الجزيرة من العراق وسورية وأنزلتهم في حضر موت لتفجير الأوضاع في اليمن.
البيان المذكور انتقد التصريح المصري ضد قطر واعتبر أنه لا يخدم التعاون والتضامن “العربي”، كما وعاب على مصر قصفها لليبيا الذي خلف ضحايا مدنيين، من دون أن يكون ذلك بتغطية من الجامعة العربية الأمر الذي لا يخدم التضامن العربي.
ويشار إلى أن قطر كانت من المعارضين بقوة للتدخل المصري في ليبيا، وشككت قناتها “الجزيرة” في زمان ومكان ذبح العمال المصريين، موحية أن الأمر لا يعدو أن يكون مبررا للتدخل في هذا البلد المغاربي حيث تدور حرب قبائلية وإقليمية بالوكالة بين الإخوان الذين تدعمهم قطر وتركيا وجيش حفتر المدعوم من مصر والإمارات.
هذا التطور المفاجئ، باعتبار أن البيان صدر من جدة، وبالتالي، لا يمكن للسعودية أن تكون بعيدة عنه، اعتبره المراقبون لشؤون المنطقة بداية النهاية لشهر العسل المصري الخليجي، ومؤشر للتحول الحاصل اليوم في سياسة الملك سلمان، لكن دخول الروسي على الخط، وإعلان موسكو استعدادها لتشكيل حلف دولي لمحاربة الإرهاب ووضع سفنها الحربية قبالة السواحل الليبية لمنع توريد السلاح إلى “داعش” في ليبيا، أشعل المصابيح الحمر في واشنطن، وبضغط من هذه الأخيرة، تراجعت مشيخات الخليج بسرعة الضوء عن لغة البيان الأول، وأكدت السعودية أن تعاونها من القاهرة سيستمر، وأصدر مجلس التعاون الخليجي بيانا ثانيا لا يختلف في شيئ عن البيان الأول إلا من حيث اللغة الديبلوماسية، في رسالة واضحة للقاهرة تقول، أنه ليس مسموحا لـ’السيسي’ أن يلعب دورا أكبر من حجمه ومن وراء ظهر أمريكا التي تتزعم الحلف الدولي لمحاربة الإرهاب، ولا أن يتخذ قرارات لها تداعيات على المنطقة من دون تنسيق مع مجلس التعاون الخليجي..
ثم خرج مجلس الأمن القومي الأمريكي بإعلان الجمعة يقول فيه، إن أمريكا حريصة على تحالفها الإستراتيجي مع القاهرة.. ولعل التسرع الروسي هو الذي جعل القاهرة تتريث في حسم موقفها من البيان الخليجي المهين، خشية أن يفهم ذلك وكأنه انقلاب على الحلف الأمريكي الخليجي.
لكن، ما أصبح مؤكدا اليوم، هو أن السعودية وإن كانت لا ترغب في أن تغير مصر بوصلتها تجاه روسيا وسورية وإيران، إلا أن توجهها الجديد بالتخالف مع تركيا والمصالحة مع الإخوان المسلمين أمر حتمي لا رجعة فيه لما ترى فيه من مصلحة تخدم ولو مؤقتا سياساتها التي تتطابق حد التناغم مع سياسات أمريكا وإسرائيل.. ومن أسباب هذا التوجه الجديد لإقامة حلف إستراتيجي مع تركيا الأطلسية بتوجيه أمريكي في إطار إستراتيجية مواجهة محور المقاومة ما يمكن إيجازه في النقط التالية:
* أن تركيا هي الأقرب إلى الساحة العراقية والسورية، ومواقفها من النظامين في هذين البلدين ومن قضية التقسيم واضح جدا، بخلاف الموقف المصري المعارض لهذا التوجه.
* أن حاجة السعودية للمصالحة مع الإخوان بهدف استغلالهم في الحرب على الحوثيين في اليمن إلى جانب القاعدة، والرهان على ائتلاف إخوان سورية في تركيا لإفشال أي مسعى للحل السياسي في سورية، والتعاون مع أردوغان في برنامج تدريب المعارضة المسلحة لمزيد من التفجير في سورية، ومحاولة جذب حماس لحضنها لإنجاح المصالحة الفلسطينية التي من شأنها تهدئة الأوضاع في قطاع غزة حرسا على أمن “إسرائيل”، بالإضافة للمصالحة مع إخوان مصر بضمانة قطرية تبعد المخاطر عنها وتمكنها من الاستثمار مجددا في التنظيم السري لقلب النظام في القاهرة ولو بعد حين نزولا عند الرغبة الأمريكية.. تجعل من التحالف مع تركيا ضرورة قصوى في هذه المرحلة.
* والتحالف مع تركيا يقتضي حتما تغيير سياسات العاهل السعودي المقبور والتعامل مع قطر بشكل مختلف يبدأ بطي صفحة الخلافات القديمة، باعتبار قطر الأداة الأمريكية الناجعة التي تحرك الإخوان المسلمين في المنطقة وتمولهم وتدعم إرهابهم في ليبيا ومصر واليمن وسوريا وتونس.
* وصول تهديد “داعش” لحدود المملكة، وإعلان ‘أبو بكر البغدادي’ مؤخرا تعيين أمير على منطقة مكة المكرمة وآخر على منطقة المدينة المنورة كان من باب ممارسة الضغط على النظام الجديد للتحالف مع تركيا، خصوصا وأن تركيا هي من تتحكم في “داعش” والنصرة في العراق وسورية، كما وأن فقدان السعودية لأدرعها الإرهابية في سورية والعراق أخرجها من معادلة التسوية لفرض شروطها، وعودتها من البوابة التركية يسمح لها بضمان أمن المهلكة، وفي نفس الوقت اللعب بقوة في الساحتين العراقية والسورية من خلال المزيد من الدعم والتمويل لتحقيق حلمها بإسقاط الرئيس الأسد وتحرير العراق من “الإحتلال” الإيراني، ما يبشر بمستقبل دموي طويل في المنطقة.
ومخافة أن يأخذ الصراع بعدا إقليميا في حال تفاقم الأمور وخروجها عن السيطرة، قررت الرياض شراء صواريخ باليستية لمواجهة التهديد الإيراني المزعوم، والذي لا وجود له إلا في مخيلتها الموبوءة بالحق لكل ما هو عربي والكراهية لكل ما هو إسلامي، إلى أن ينتصر الباطل على الحق وينهار محور المقاومة وفق ما تتوهم، فيخلو لها المجال لبسط نفوذها الرجعي الظلامي على ما منطقة أريد لها أن تكون شبيهة بجغرافية الأندلس زمن الممالك.
وإذا كانت مثل هذه السياسة التخريبية تسعى لإنهاء الدولة القومية في الوطن العربي خدمة لأهداف أمريكا و”إسرائيل” كما أصبح واضحا لكل ذي عقل ودين وضمير، فنجاحها قد يتحقق في الدول العربية التي لم تعتصم بحبل الله، ولم تنخرط في محور المقاومة الذي نؤمن إيمان اليقين أنه سيكون المنتصر في النهاية، بدليل وعد الله بنصر المؤمنين الذي يقاتلون في سبيله ونصرة لدينه، إلى أن يأذن تعالى فينتصر الحق ويزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا مهما اشتد البأس وامتد زمن الظلام..

أحمد الشرقاوي
بانوراما الشرق الاوسط
عندما قلنا في مقالة قبل فترة بعنوان (يا حكام الوطن العربي وداعا)، وأخرى بعدها بعنوان (الحرب الحضارية الثالثة ونهاية العرب).. أن العالم العربي دخل عصر الانفجار والتفكك وإعادة التشكل، وأنه في طريق الزوال، لم نكن نؤسس لرؤية مستقبلية من منطلق حدس تشائمي، بل لأن الكثير من المعطيات الإستراتيجية الدولية، ونتائج الدراسات المستقبلية الموضوعية، وعديد المؤشرات الميدانية الإقليمية كانت تدلل على هذا المنحى..
ذلك، أنه في غياب الحد الأدنى من التوافق بين الأنظمة القائمة حول الأمن القومي العربي حتى لا نقول التضامن فأحرى الوحدة، لا يمكن الحديث عن استمرار هذه الكيانات الهجينة المتصارعة في ما بينها على أتفه الأسباب أحيانا.. وها هي تجارب السنوات الأخيرة تثبت أن لا مكان في عصر العولمة والتكتلات الكبيرة للكيانات الصغيرة المنغلقة والمنعزلة عن محيطها الجيوسياسي، خصوصا بعد أن أصبح لمفهوم الأمن القومي امتدادا يتجاوز جغرافية الدولة القومية كما رسمت خرائطها بالمفهوم الأوروبي اتفاقية “سايكس وبيكو” المشؤومة.
رؤيــة حــزب الله للمنطقــة
هذا المعنى، هو الذي أشار له سماحة السيد في خطاب ذكرى الشهداء القادة حين قال بالعامية اللبنانية: “المنطقة انخضّت، تخربطت، صار عاليها سافلها، انعجنت وعم تنخبز من جديد”، موضحا ذلك بالقول: “المنطقة الآن، على ضوء هذا المخاض، ستُحدد كيانات، تبقى هذه الكيانات أو تذهب على ضوء هذا المخاض، تبقى هذه الشعوب أو تذهب، ستبقى هذه الأمور هكذا، أو سيصبح هناك ضم وفرز، أو ذاهبون إلى دمار لسنوات أو لعقود من السنين.. ما هو المستقبل؟ هذا كله يصنع في المنطقة، لدول وكيانات وشعوب المنطقة، والعالم كله يتأثر بذلك”..
ويخلص سماحته إلى أنه علينا إثبات حضورنا بالميدان في إطار تكتل محور المقاومة، لأن القضية قضية مصير وكرامة ومستقبل الأجيال، وأن مصير المنطقة يصنع اليوم بالمنطقة، ومن يغيب عن الميدان لن يكون له مكان في هذا المستقبل..
هذا الكلام ينطوي على رد غير مباشر على خطاب سعد الحريري الذي لا زال يعزف على نغمة النأي بالنفس التي تعني حرفيا رفض التنسيق العسكري مع سورية، ورفض انخراط لبنان في محور المقاومة، ورفض وجود سلاح حزب الله خارج سلطة الدولة التي لا وجود لها إلا في شعارات الحريري الجوفاء، والإصرار في المقابل، وإن بأسلوب المراوغة والمواربة، على رهن لبنان لمحور المؤامرة الممثل إقليميا بـ”السعودية” و “إسرائيل”، خصوصا من خلال ترديد مقولة “وجوب أن يبقى قرار السلم والحرب بيد الدولة”، بالرغم من إدراك الجميع أن من كان يتخذ دائما قرار الحرب هي “إسرائيل” وليس حزب الله الذي اعتمد حتى الآن إستراتيجية الدفاع بدل الهجوم، قبل أن يعلن سماحة السيد عن تغيير قواعد الاشتباك مع هذا العدو المجرم المتغطرس.
رؤيــة أمريكــا للمنطقــة
كلام سماحة السيد الذي عودنا الدقة في الطرح، لم يأتي من فراغ، فالرجل لا شك أسس رؤيته بناء على معلومات ومعطيات وتحليل موضوعي للمؤشرات.. وما يؤكد صحة هذا الأمر بما لا يدع مجالا للشك، هو الكلام الذي قاله ‘زبيغينيو بريجينسكي’، مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، في شهادة حول مجمل الأوضاع بالشرق الأوسط، قدمها قبل أيام أمام الكونجرس الأمريكي..
‘بريجينسكي’ قال بوضوح: “إن الدولة القومية بمفهومها الأوروبي كما صيغت خلال بدايات القرن الماضي فشلت، وهي تدفن اليوم في الشرق الأوسط بفعل انهيار حدود سايكس وبيكو لعدم قابليتها للحياة بفعل التطورات الأخيرة”. ونصح الإدارة الأمريكية بعدم التدخل لإعادة رسم حدود دول المنطقة، معلنا أن “على أمريكا أن تترك تفاعلات الأرض هناك تنتج خرائط جديدة وحدوداً جديدة”..
الكلمــة الفصــل للميــدان
من الواضح أن رؤية سماحة السيد لا تختلف في شيئ عن رؤية ‘بريجينسكي’، وهذا يعني أن الكلمة الفصل هي لمن يستطيع فرض معادلاته بالقوة في الميدان، وحيث أن الأمر كذلك، فمن المؤكد أن المنتصر في النهاية لن يكون المحور السعودي الذي يراهن على الوهم ويستثمر في الإرهاب، ويبدل تحالفاته الإقليمية وفق متغيرات الميدان بين مصر وتركيا، باعتباره كيانا وظيفيا هجينا لا يملك سيادة قراره، ولا يستطيع فرض معادلاته لمحدودية قوته ومؤهلاته، وليس في إمكانه تحديد خياراته الإستراتيجية إلا في حدود ما يملى عليه من أسياده في واشنطن.
مستجــدات الميــدان الســوري
والأمر لا يحتاج منا اليوم لإعادة طرح ما سبق وأن خضنا فيه بالتفصيل الممل في كل من سورية والعراق ولبنان واليمن، ولا نحتاج أيضا للحديث عن الدور الإسرائيلي في الجنوب السوري أو الدور التركي في الشمال، والذي يبدو، وفق تطورات الأحداث الأخيرة، أن تركيا قررت الانغماس عميقا في المستنقع السوري لفرض المنطقة العازلة ومنع الجيش العربي السوري من تحرير حمص وريفها الشمالي لحرمان المعارضة المسلحة التي تعتزم تدريبها أمريكا وتركيا من أي موقع جغرافي تنطلق منه لفرض توازنات جديدة تصب في مصلحة الأطماع التركية في العالم العربي من المدخل السوري من جهة، وتخدم الرؤية السياسية الأمريكية للحل في سورية المستقبل من دون الرئيس الأسد، وذلك في انقلاب خبيث على التفاهمات التي أرستها أنقرة مع طهران وموسكو بعد أن قبلت بالمساهمة في الحل السياسي السلمي والتخلي عن الخيار العسكري..
غير أن المواجهات المباشرة التي تدور اليوم بين الجيش العربي السوري والحرس الثوري والمقاومة الشعبية من جهة، والجيش التركي ومجاميع الإرهابيين من “داعش” و”النصرة” وأخواتهما في ريف حمص الشمالي على مقربة من الحدود التركية من جهة أخرى، تؤشر لتصعيد خطير قد يدفع بإيران لقلب المعادلات في الشمال السوري من خلال الدفع بمئات الآلاف من الباسيج لتطهير المنطقة وإجهاض الوهم الإمبراطوري العثماني، خصوصا بعد أن تبين أن إسقاط النظام في دمشق يعتبر بالنسبة لأردوغان قضية مصيرية تتعلق بمستقبله السياسي، وتتقاطع معه السعودية ومشيخات الخليج وبطبيعة الحال “إسرائيل” في هذا التوجه الانتحاري، بخلاف مصر التي تبين أنها ترفض المساس بالحدود الوطنية للدولة السورية، وتعتبر مسألة تغيير النظام شأنا سوريا بحتا.
ولإيران كامل الحق بالتدخل في سورية والعراق، في إطار اتفاقيات الدفاع الإستراتيجي المشترك القائمة مع البلدين، في حين أن تركيا بتدخلها السافر في الشأن السوري والعراقي، بل والليبي والمصري أيضا، تخرق القانون الدولي وتعتبر دولة معتدية على دول مستقلة ذات سيادة وأعضاء في المنتظم الدولي، وبالتالي، فاتهام الرياض لطهران باحتلال العراق وسورية مثلا، لا يسنده دليل من واقع ولا منطق من قانون، بل هو نابع بالأساس من خوف غير مبرر على نفوذها في ما تعتبره من مجالها القومي العربي وتنصب نفسها وصيا على مكوناته من مدخل ديني، في حين أنها تبارك العدوان والتدخل التركي في الإقليم بالرغم من أن تركيا بلد غير عربي، وله أطماع امبراطورية معلنة من مدخل الحرص على النسيج السني، ما يتعارض حد التضارب مع أحقية النفوذ “السعودي” السني المزعوم..
والحقيقة أن مثل هذا التدخل التركي العدواني في الشمال السوري ما كان له أن يتم من دون ضوء أخضر أمريكي بعد التفاهم الذي تم حول تدريب المعارضة المسلحة بين الجانبين، ما يؤكد أن الحل السياسي الذي يتم الحديث عنه اليوم في سورية هو مجرد خدعة لكسب المزيد من الوقت إلى أن تتغير معادلات القوة على الأرض وفق ما تتوهم أمريكا وأدواتها.. بدليل، أن المبعوث الدولي “دي ميستورا” ما أن أعلن أن الرئيس الأسد جزء من الحل حتى انهالت عليه الانتقادات، واضطر لشرح كلامه في مجلس الأمن وتعديله بشكل يتوافق مع التوجه الأمريكي.
وتتحدث تقارير غربية عن ضخ تركيا لآلاف المقاتلين مؤخرا بقيادة ضباط من الجيش التركي وبمساندة من المدفعية والدبابات التركية في جبهة الشمال، فيما تدعم جبهة الجنوب السوري بجحافل من الإرهابيين بالتعاون مع الأردن، والهدف كما أصبح واضحا هو حماية “إسرائيل” من خلال إشغال الجيش العربي السوري في معارك لن تتيح له فرصة التفرغ لتحرير الجولان بعد السيطرة على كامل التراب الوطني.
لبنــان علـى خــط النــار
وبموازاة تطورات الأحداث في سورية والعراق واليمن، وما هو مخطط للبنان من هجوم إرهابي كاسح مطلع الربيع القادم حين تنجلي الثلوج لإشغال حزب الله في حرب الداخل مع الإرهاب تزامنا مع حرب إسرائيلية ثالثة على لبنان تخطط لها القيادة الصهيونية على قدم وساق، من منطلق شعورها بالرعب من وصول الجيش العربي السوري وحزب الله والحرث الثوري والمقاومة اللبنانية إلى خط التماس مع “إسرائيل” في الجولان المحتل، الأمر الذي اعتبره القادة العسكريون الصهاينة يختزل أبعادا إستراتيجية خطيرة على مستقبل وجود “إسرائيل”، وبالتالي، أصبحت معه حرب لبنان الثالثة مسألة وقت ليس إلا.
أما على مستوى الداخل اللبناني، ففي حال وقع المحذور، فلن تكون النتائج في صالح حلف المؤامرة وأدواته، لأن حزب الله، وبغض النظر عن الحوار الدائر اليوم بينه وبين حزب “المستقبل” لتهدئة الأوضاع، فبمقدوره في حال شعر أن شركاء الوطن يتآمرون عليه مع الأمريكي وقوى إقليمية معروفة، أن يأخذ لبنان بين عشية وضحاها وينهي هذه المهزلة التي أدخلت لبنان ودولته وشعبه في عصر الفراغ، وينهي بالتالي آخر ما تبقى للملكة الشر والظلام من نفوذ في بلاد الأرز، نظرا لاستحالة التوافق بين الأفرقاء حول طبيعة ودور وتوجهات لبنان المستقبل من خلال الحوار، مع الإصرار على تعطيل الآليات الديمقراطية التي تتيح للشعب اللبناني أن يختار ممثليه ويقرر مصيره ومستقبل عياله..
نقول هذا لأن الإدارة الأمريكية التي كانت تتجنب التفجير في لبنان لمعرفتها بهذه الحقيقة الواضحة، قد ضاقت درعا بالدور الذي يلعبه حزب الله في سورية والعراق والتهديد الذي يمثله لـ”إسرائيل”، بعد أن اكتشفت أن كل ما تخطط له يجهضه الحزب وحلفائه في المنطقة، وخصوصا بعد دخول الحزب إلى الساحة العراقية حيث تركز أمريكا كل جهدها على إعادة رسم خرائط التقسيم والهيمنة في هذا البلد بعد أن فشلت في سورية، وهو ما دفع بوزارة الخارجية الأمريكية للخروج بإعلان سياسي الخميس، يقول أن “حزب الله يلعب دورا تخريبيا في العراق وينتهك سيادته”، وكأن أمريكا تحولت إلى وصي على السيادة العراقية، وواضح أن حزب الله الذي يحارب الإرهاب الوهابي الذي تستثمر فيه أمريكا لتغيير خريطة العراق والمنطقة لا يمكن أن يلعب دورا بناء كالذي تلعبه “داعش” و”النصرة” وأخواتهما وفق هذا المنطق المقلوب..
العــراق أولويــة أمريكيــة
وها هي كتائب حزب الله العراقي المزودة بصواريخ أرض جو تنتشر اليوم في محيط المراكز التي تتجمع بها فلول “داعش”، وتهدد أمريكا بقصف طائراتها التي تزود “داعش” بالمؤن والسلاح”، الأمر الذي يؤشر إلى أن حرب المقاومة لن تقتصر مستقبلا على “داعش” فحسب، خصوصا بعد قرار الإدارة الأمريكية إرسال 4000 جندي إلى قاعدة بالأنبار وصل منهم حتى الآن 2200 جندي، للمشاركة في معركة تحرير الموصل بمعية الجيش الأردني المرابط على الحدود بدباباته، برغم رفض الحكومة العراقية دخول أي قوة برية للبلاد.
وبعد نجاح السيد العبادي في تجاوز الخلاف الحاد الذي أثارته الكتلة السنية المنسحبة من الحكومة والبرلمان نتيجة حادثة اغتيال شيخ عشيرة سني في حاجز وهمي جنوب بغداد، وقبول كافة الأطراف بالاحتكام للدستور ومؤسسة القضاء في انتظار نتائج التحقيق في الجريمة التي طالبت على إثرها الكتل المذكورة بحل الحشد الشعب في بغداد برغم أنه هو من حمى العاصمة من هجوم “داعش” وسن قانون تجريم تشكيل الميليشيات، ومطالبة واشنطن بالتدخل العسكري البري لتحرير الموصل..
وفي محاولة خبيثة لإفشال جهود حكومة السيد العبادي وخطتها السرية لتحرير الموصل، قامت القيادة الأمريكية وللمرة الثانية في غضون أسبوع، بتسريب تفاصيل الخطة العسكرية العراقية، في سلوك أقل ما يقال عنه أنه تخريبي، يهدف إلى تزويد الإرهابيين بسلاح المعلومة لتجنب الهزيمة، حتى تتولى القوات الأمريكية قيادة العملية من دون مشاركة الحشد الشعبي، لحاجة أوباما إلى انتصار مدوي يعزز موقع حزبه في الانتخابات الرئاسية القادمة بالاعتماد على فرق من الجيش العراقي الذي تدربه، وقوات البشمركة، وحشد من الصحوات السنية المرتبطة بالأجندة الأمريكية.. وهو المشروع الذي يقف له الحشد الشعب بالمرصاد، ولا نستبعد أن يكون انتقاد وزارة الخارجية الأمريكية أمس لحزب الله اللبناني، واتهامه بالتخريب في العراق، مرتبط بما تعتزم الإدارة الأمريكية تنفيذه من مخطط في الموصل ضدا في إرادة الحكومة العراقية الشرعية.
نهايــة العشــق المصــري – الخليجــي
وفي خضم هذا التطور الذي يؤشر لمزيد من التصعيد على المستوى الإقليمي، بل والدولي أيضا، برزت القضية المصرية الخليجية لتتحول فجأة إلى موضوع الساعة، على خلفية ما جرى في ليبيا التي حولها الناتو إلى أكبر بؤرة لتصدير السلاح والمقاتلين إلى دول المنطقة، في إطار تنفيذ مخطط جهنمي بدأت معالمه تتكشف لتفجير الأوضاع في مصر وتونس والجزائر والمغرب أيضا، خصوصا بعد أن هددت “داعش” بتفجير شوارع الرباط قريبا، وسبق ذلك دعوة العاهل المغربي لتفعيل آليات المغرب العربي للتعاون والتكامل بين مكوناته في مواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة.
وفي هذا السياق، لم يكن مفاجئا رفض الإدارة الأمريكية لأي قرار يصدر عن مجلس الأمن تحت البند السابع لإقامة حلف عسكري دولي ضد الإرهاب في ليبيا كما طالبت مصر بذلك، الأمر الذي يؤكد أن لا مصلحة لأمريكا في محاربة الإرهاب بل في إدارته من الخلف لتغيير وجه المنطقة برمتها من الماء إلى الماء، وتبين أن إيطاليا التي كانت متحمسة لقيادة تحالف عسكري ضد الإرهاب في ليبيا، وفرنسا التي سوقت لوهم موافقتها على المبادرة المصرية وباعتها طائرات غير عملية في الحرب على الإرهاب، سرعان ما انقلبتا على ما أعلنتاه الأسبوع الماضي، وانخرطتا في الطرح الأمريكي الذي يقول بالحل السياسي في ليبيا، وهو أمر يؤكد أن حماسة ‘السيسي’ لإقامة حلف دولي بدل حلف عربي للتدخل في ليبيا لا يمكن أن تصدر إلا عن رجل لا يفقه بالسياسة، ولا يؤمن بالقومية العربية، ولا يدرك أبعاد المؤامرة التي تستهدف المنطقة برمتها، ويعتقد لغبائه، أن مصر ستكون في معزل عن التفجير.
وبعد هذه الانتكاسة السياسية المهينة، جاءت المفاجئة أمس من الخليج، حيث أصدر مجلس التعاون الخليجي على لسان أمينه العام، بيانا حادا رفض فيه اتهامات مصر لمشيخة قطر بتمويل الإرهاب، واصفا إياها بالباطلة، ومؤكدا أن قطر تبدل الجهود مع شقيقاتها الخليجية لمحاربة الإرهاب.. ومن غرائب الصدف، أن هذا النفي تزامن مع معلومات موثوقة حصلت عليها قناة الميادين، تكشف أن طائرة قطرية حملت 87 إرهابيا قدموا إلى مطار الجزيرة من العراق وسورية وأنزلتهم في حضر موت لتفجير الأوضاع في اليمن.
البيان المذكور انتقد التصريح المصري ضد قطر واعتبر أنه لا يخدم التعاون والتضامن “العربي”، كما وعاب على مصر قصفها لليبيا الذي خلف ضحايا مدنيين، من دون أن يكون ذلك بتغطية من الجامعة العربية الأمر الذي لا يخدم التضامن العربي.
ويشار إلى أن قطر كانت من المعارضين بقوة للتدخل المصري في ليبيا، وشككت قناتها “الجزيرة” في زمان ومكان ذبح العمال المصريين، موحية أن الأمر لا يعدو أن يكون مبررا للتدخل في هذا البلد المغاربي حيث تدور حرب قبائلية وإقليمية بالوكالة بين الإخوان الذين تدعمهم قطر وتركيا وجيش حفتر المدعوم من مصر والإمارات.
هذا التطور المفاجئ، باعتبار أن البيان صدر من جدة، وبالتالي، لا يمكن للسعودية أن تكون بعيدة عنه، اعتبره المراقبون لشؤون المنطقة بداية النهاية لشهر العسل المصري الخليجي، ومؤشر للتحول الحاصل اليوم في سياسة الملك سلمان، لكن دخول الروسي على الخط، وإعلان موسكو استعدادها لتشكيل حلف دولي لمحاربة الإرهاب ووضع سفنها الحربية قبالة السواحل الليبية لمنع توريد السلاح إلى “داعش” في ليبيا، أشعل المصابيح الحمر في واشنطن، وبضغط من هذه الأخيرة، تراجعت مشيخات الخليج بسرعة الضوء عن لغة البيان الأول، وأكدت السعودية أن تعاونها من القاهرة سيستمر، وأصدر مجلس التعاون الخليجي بيانا ثانيا لا يختلف في شيئ عن البيان الأول إلا من حيث اللغة الديبلوماسية، في رسالة واضحة للقاهرة تقول، أنه ليس مسموحا لـ’السيسي’ أن يلعب دورا أكبر من حجمه ومن وراء ظهر أمريكا التي تتزعم الحلف الدولي لمحاربة الإرهاب، ولا أن يتخذ قرارات لها تداعيات على المنطقة من دون تنسيق مع مجلس التعاون الخليجي..
ثم خرج مجلس الأمن القومي الأمريكي بإعلان الجمعة يقول فيه، إن أمريكا حريصة على تحالفها الإستراتيجي مع القاهرة.. ولعل التسرع الروسي هو الذي جعل القاهرة تتريث في حسم موقفها من البيان الخليجي المهين، خشية أن يفهم ذلك وكأنه انقلاب على الحلف الأمريكي الخليجي.
لكن، ما أصبح مؤكدا اليوم، هو أن السعودية وإن كانت لا ترغب في أن تغير مصر بوصلتها تجاه روسيا وسورية وإيران، إلا أن توجهها الجديد بالتخالف مع تركيا والمصالحة مع الإخوان المسلمين أمر حتمي لا رجعة فيه لما ترى فيه من مصلحة تخدم ولو مؤقتا سياساتها التي تتطابق حد التناغم مع سياسات أمريكا وإسرائيل.. ومن أسباب هذا التوجه الجديد لإقامة حلف إستراتيجي مع تركيا الأطلسية بتوجيه أمريكي في إطار إستراتيجية مواجهة محور المقاومة ما يمكن إيجازه في النقط التالية:
* أن تركيا هي الأقرب إلى الساحة العراقية والسورية، ومواقفها من النظامين في هذين البلدين ومن قضية التقسيم واضح جدا، بخلاف الموقف المصري المعارض لهذا التوجه.
* أن حاجة السعودية للمصالحة مع الإخوان بهدف استغلالهم في الحرب على الحوثيين في اليمن إلى جانب القاعدة، والرهان على ائتلاف إخوان سورية في تركيا لإفشال أي مسعى للحل السياسي في سورية، والتعاون مع أردوغان في برنامج تدريب المعارضة المسلحة لمزيد من التفجير في سورية، ومحاولة جذب حماس لحضنها لإنجاح المصالحة الفلسطينية التي من شأنها تهدئة الأوضاع في قطاع غزة حرسا على أمن “إسرائيل”، بالإضافة للمصالحة مع إخوان مصر بضمانة قطرية تبعد المخاطر عنها وتمكنها من الاستثمار مجددا في التنظيم السري لقلب النظام في القاهرة ولو بعد حين نزولا عند الرغبة الأمريكية.. تجعل من التحالف مع تركيا ضرورة قصوى في هذه المرحلة.
* والتحالف مع تركيا يقتضي حتما تغيير سياسات العاهل السعودي المقبور والتعامل مع قطر بشكل مختلف يبدأ بطي صفحة الخلافات القديمة، باعتبار قطر الأداة الأمريكية الناجعة التي تحرك الإخوان المسلمين في المنطقة وتمولهم وتدعم إرهابهم في ليبيا ومصر واليمن وسوريا وتونس.
* وصول تهديد “داعش” لحدود المملكة، وإعلان ‘أبو بكر البغدادي’ مؤخرا تعيين أمير على منطقة مكة المكرمة وآخر على منطقة المدينة المنورة كان من باب ممارسة الضغط على النظام الجديد للتحالف مع تركيا، خصوصا وأن تركيا هي من تتحكم في “داعش” والنصرة في العراق وسورية، كما وأن فقدان السعودية لأدرعها الإرهابية في سورية والعراق أخرجها من معادلة التسوية لفرض شروطها، وعودتها من البوابة التركية يسمح لها بضمان أمن المهلكة، وفي نفس الوقت اللعب بقوة في الساحتين العراقية والسورية من خلال المزيد من الدعم والتمويل لتحقيق حلمها بإسقاط الرئيس الأسد وتحرير العراق من “الإحتلال” الإيراني، ما يبشر بمستقبل دموي طويل في المنطقة.
ومخافة أن يأخذ الصراع بعدا إقليميا في حال تفاقم الأمور وخروجها عن السيطرة، قررت الرياض شراء صواريخ باليستية لمواجهة التهديد الإيراني المزعوم، والذي لا وجود له إلا في مخيلتها الموبوءة بالحق لكل ما هو عربي والكراهية لكل ما هو إسلامي، إلى أن ينتصر الباطل على الحق وينهار محور المقاومة وفق ما تتوهم، فيخلو لها المجال لبسط نفوذها الرجعي الظلامي على ما منطقة أريد لها أن تكون شبيهة بجغرافية الأندلس زمن الممالك.
وإذا كانت مثل هذه السياسة التخريبية تسعى لإنهاء الدولة القومية في الوطن العربي خدمة لأهداف أمريكا و”إسرائيل” كما أصبح واضحا لكل ذي عقل ودين وضمير، فنجاحها قد يتحقق في الدول العربية التي لم تعتصم بحبل الله، ولم تنخرط في محور المقاومة الذي نؤمن إيمان اليقين أنه سيكون المنتصر في النهاية، بدليل وعد الله بنصر المؤمنين الذي يقاتلون في سبيله ونصرة لدينه، إلى أن يأذن تعالى فينتصر الحق ويزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا مهما اشتد البأس وامتد زمن الظلام..
تعليق