الإمام الشيرازي قده في حوار تاريخي له:
الإمام الخميني مخلص في تطبيق حكم الله في الأرض
الإمام الخميني مخلص في تطبيق حكم الله في الأرض
المثالية والواقعية مدرستان فلسفيتان، تتباينان في النظر إلى الوجود، ولا ضرورة أن نطرق غور هذا الموضوع ونباحثه فلسفيا أو بالمعنى النظري، ولكن الذي أود قوله أن هاتين النظرتين واقعيتين كذلك، بمعنى أن لهما أنصارهما في الواقع الخارجي، وذلك حين يكون الحديث بإزاء موضوع ما، ولعل الحديث عن الدولة الإسلامية، وما يرافق هذا الموضوع من جدل، قد يمثل أحد أوجه ذلك فالبعض اعتبر أن الدعوة إلى مثل هذه الدولة صرف خيال ومثالية، والسبب أن الإسلام هو نفسه لم يتضح عبر نصوصه ودلائله الدعوة إلى هذا الأمر والحث عليه، وإنما جاء لغرض الأمور العبادية الفردية، فضلا أن الدين بما يتوفر عليه، لا يمكنه أن ينهض بواقع هذه الحياة والتي تشهد الديناميكية والتبدل، إلى الحد الذي بلغ الغلو بهؤلاء أن يقولوا أن الدين ليس الحق كذلك أن يمارس الوصاية على أمور الدولة، وليس له كذلك أن يلاحظ مدى انطباق الواقع الخارجي لممارسات الحكومة مع روح الإسلام ونصوص الشارع المقدس، ولعل هذا الرأي يمكن أن يحمله ويتبناه دعاة الفكر العلماني.
وأما الطائفة الأخرى والتي تتصور، أن الدين ليس بهذا المعنى الذي يمكن تصوره، وإنما هو دين دنيا وآخرة، وقد جاء ليستوعب شؤون هذه الحياة فلم يبق ثمة موضوع خارجي أو ذهني، إلا وللإسلام فيه حكم ورأي، حتى ورد عن الأئمة المعصومين من النصوص والدلائل على ذلك الكثير، من جملة ذلك قولهم(ع) : ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة، وكذلك قول الإمام الصادق(ع) لأحد أصحابه: والله إن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش، أملاه رسول الله وكتبه الإمام علي بيده.
الثورة الإسلامية في إيران، والتي قام بها المرجعيات والزعماء الدينيين، وعلى رأسهم سماحة الإمام قائد الثورة الخميني (قده)، وكذلك المثقفين والأكاديميين من حملة الشهادات العلمية، وعموم الشعب الإيراني، قد حاولت أن تجسد واقع النظرية الأخرى عمليا، فصارت بحق أول دولة شيعية عقائدية بالمعنى الدقيق للكلمة، وبالهيئة التي يتزعم فيها الدولة عالم دين وفقيه متشرع، حيث أن التجارب السابقة لدول شيعية قامت في التاريخ لم تكن بهذا المعنى ولم تكن بهذه الهيئة، وبطبيعة الحال فإن التماهي مع هذه الثورة على مستوى الأفراد وعلى مستوى الزعامات كان يشهد تفاوتا، ولعل هذا التفاوت منشأه الدليل العلمي والموضوعي، هذا على أحسن الفروض، وأما الآخرون فقد تأولوا تأولا عجيبا، قد وصموا الثورة ومقاصدها بأفحش القول والفعل.
الإمام الشيرازي، والذي كان آنذاك يقطن كربلاء، ويتزعم الحوزة العلمية فيها، شكل أحد أوجه التماهي مع هذه الثورة، والانسجام معها، وتمثل ذلك في محطات عدة، أوضحت بصدق قدر إخلاصه لهذه الثورة وتضحيته لأجلها، ولم تكن هذه الحالة منشؤها العاطفة بطبيعة الحال، وإنما الباعث لذلك إحساس سماحته أن هذه الدولة قد تكون سببا ونواة للدولة الإسلامية العالمية، ذات الألف مليون مسلم، والتي اجتهد طوال حياته لأن يبوب ويفرع عن النصوص المقدسة (الآيات والروايات) ودليل العقل، ما يثبت علميا واقعية هذا الطرح وإمكانية هذه الدعوى، حتى أنه أخرج وأحدث في الفقه الإسلامي ما يثبت شمولية الإسلام واستيعابه وقدرته على النهوض بالدولة المرتقبة والقيام على استمراريتها وديمومتها، ومن جملة هذه الكتب (الفقه: الدولة الإسلامية، الفقه: القانون، الفقه: السياسة، الفقه: الاقتصاد، الفقه: الاجتماع، الفقه: الحقوق) وغيرها كثير مما يطلب في مظانه.
وحيث أننا نعيش هذه الأيام، الذكرى السابعة لرحيل سماحة الإمام الشيرازي (أعلى الله درجاته)، فأنا أحببت هنا أن أدون بعضا مما يرتبط بفكر هذا الإمام وذوقه السياسي، ورؤاه الاجتهادية بشأن موضوع الدولة الإسلامية، صفاتها واشتراطاتها، وكذلك العقبات التي قد تعترض طريقها، والتي كانت تجربة الدولة الإسلامية في إيران تأتي في ضمن هذا السياق، حيث كانت التجربة الوليدة والقائمة، وكذلك رؤاه وأطروحاته فيما يرتبط بكثير من شؤون المسلمين في عدة من مواقع العالم، كأفغان وفلسطين والعراق مسقط رأسه وأكبر هموم سماحته.
الذي أود أن أدونه هنا، هو عبارة عن حوار أجري مع سماحة الإمام الشيرازي (أعلى الله درجاته) في منزله بقم، وذلك بعد شهر من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، والحوار أجرته معه مجلة الشهيد، وقد تم نشر هذا الحوار في المجلة ذاتها وضمن العدد رقم 21، وقد قمت على إعادة تدوين هذا الحوار، حيث أن الإنترنت لا يتوفر عليه، بحسب ما بلغه جهدي واستقصاءي، وأنا أحاول تجزئة هذا الحوار على هيئة عدة حلقات، مجتهدا أن أراعي أن تكون كل حلقة من هذه الحلقات، تشكل وحدة واحدة وضمن موضوع تترابط أطرافه، وقد أحاول بين الحين والآخر أن أضع بعضا مما قد يدعم أصل الموضوع الذي يدور الحوار مداره.
أرجو أن يتفضل الأخوة والأخوات، بإبداء أرائهم وتعليقاتهم، حيث أن الرأي حر شريطة الاحترام والموضوعية.
وإلى الأخوة والأخوات الأعزاء، أولى حلقات هذا الحوار، والذي أنقله بنصه دون رتوش أو إضافات:
صادق الحسيني
7 / 10 / 2008
شبكة انصار الحسين (ع)
تعليق