إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

لا تثقوا بالغرب ولا بالولايات المتحدة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    قريباً من النهاية .. نبوءة ألليندي تتحقّق:
    في مايو 1983 بدأت المعارضة والحركات العمالية بتنظيم الإضرابات والعصيانات المدنية، وأثارت هذه الحركات ردود فعل عنيفة من قبل مسؤولي تشيلي الحكوميين. في 1986 اكتشفت قوات الأمن مخزناً للأسلحة التي هُرّبت إلى البلاد بواسطة جبهة مانويل رودريغز الوطنية (FPMR)، الجناح العسكري للحزب الشيوعي المحظور.
    في سبتمبر من العام ذاته، استُخدم بعض من هذه الأسلحة في محاولة فاشلة لاغتيال الديكتاتور بينوشيه قامت بها جبهة مانويل رودريغز الوطنية. وعلى الرغم من نجاة بينوشيه بجروح طفيفة، إلّا أن خمسة من حراسه الشخصيين العسكريين قُتلوا في المحاولة. قبل ذلك بأيام كان الديكتاتور قد توعّد معارضيه بتصريح قال فيه: "نبقي عيوننا مفتوحة على بعض السادة." وتلت محاولة الاغتيال الفاشلة اغتيالات لمعارضي الديكتاتور.
    أدّى قطع رؤوس الشيوعيين الثلاثة: خوسيه مانويل بارادا، مانويل غويريرو، وسانتياغو ناتيني من قبل الشرطة العسكرية (الكارابينيروس) إلى استقالة الجنرال ميندوزا من الزمرة في 1985. و طبقاً لدستور 1980 الانتقالي، والذي صوت له 75% من الناخبين، نُظم استفتاء غير اعتيادي، وغير ديموقراطي لصالح بينوشيه كمرشح أوحد، غير أن المحكمة العُليا حكمت ببطلانه، ونظّمت عملية الانتخاب والتصويت، وحدّدت أوقات الإعلانات التلفزيونية، المجانية والمشروطة بوقت وقواعد معينة. كنتيجة لقرار المحكمة نشرت المعارضة بقيادة ريكاردو لاغوس إعلانات مستبشرة وزاهية تحرّض الناس على رفض بينوشيه، ووجد بينوشيه نفسه مُطالباً بالإجابة عن أسئلة تتعلق بالذين اختفوا، وقُتلوا، أو عُذبوا. في الاستفتاء العام، ربح محامو (لا) التصويت بنسبة 55% مقابل 42% قالوا (تعم)، وبناء على نتائج الاستفتاء كان على بينوشيه أن يرحل عن السلطة، وحكمت المحكمة العليا بانتخابات الكونجرس في العام التالي، وتلتها الانتخابات الرئاسية العامة التي فازت بها الطبيبة "باتريشيو آيلوين"، وفي الحادي عشر من مارس 1990 ترك بينوشيه رئاسة الدولة.

    إبنة الضحيّة تهزم الجلّاد:
    لقد خاضت الانتخابات التي أطاحت ببينوشيه سيّدتان: الأولى هي "إيفلين ماتيل" ابنة الجنرال فرناندو ماتيل، الذي اشترك في انقلاب بينوشيه، وعمل معه طوال مدة حكمه، والثانية المتقدمة على الأولى هي الطبيبة "ميشيل باتشيلي"، ابنة الجنرال ألبرتو باتشيلي، الذي رفض الانقلاب على الليندي، فاعتقله الطغاة وأودع السجن في 11 أيلول / سبتمبر عام 1973، وعذّبه نظام بينوشيه في السجن حتى الموت. واعتقلت ميشيل باتشيلي ووالدتها وعُذّبتا، وأبعدتا، فهربتا إلى استراليا، ثم إلى ألمانيا الديمقراطية آنذاك، وظلّت ميشيل منفيّة في الأرجنتين 16 عاماً .
    وفي ذكرى الانقلاب قالت باتشيلي وسط دموعها: إن الجروح لم تندمل بعد. وقرظت «أولئك اليمينيين» الذين لم يعتذروا بعد ولم يعترفوا بمسئوليتهم عما جرى في عهد بينوشيه. ومن بين تلك الجروح بالطبع، جرح غائر سبّبته أمريكا.

    النهاية السوداء، الديكتاتور في قفص الإتهام:
    في عام 2002، سافر رجل تشيلي القوي، الحاكم الديكتاتور العجوز الذي بقي يتمتع بنفوذ هائل على الحياة السياسية في تشيلي إلى بريطانيا لإجراء فحوص طبية، وبينما كان هناك، أعتقل بتفويض قضائي أصدره القاضي الإسباني "بالتاسار جارسون"، وبقي قيد الإقامة الجبرية لأكثر من سنة، قبل أن يتم إطلاق سراحة لأسباب طبية، عاد إلى تشيلي، وترك مقعده كسيناتور، بعد قرار من المحكمة العليا بأنه يعاني من ((خَرَف وعائي)) لا يمكن معه أن يُحاكم لأفعاله، ثم في آيار من عام 2004 حكمت محكمة تشيلي العُليا بناء على تصرفاته بإنّه قادرٌ على الصمود في محاكمة، وبدأت محاكمته في كانون الأول من العام نفسه لتهم تتعلق بحقوق الإنسان.
    لقد سقطت حصانته باعتقاله في لندن. وتسبّبت في بدء محاكمته والتنقيب في حساباته في الخارج حيث اكتشفت حساباته في الولايات المتحدة بملايين الدولارات من أموال شعب تشيلي.

    كيسنجر يدعو لاجتثاث الشعب لصالح الديمقراطية:
    وعندما نَقَل السفير الأمريكي صورةً عن التعذيب الذي يجري هناك إلى كيسنجر صار الأخير عصبيّاً ووبّخه قائلا:
    "لا تُلقي عليّ محاضرات من هذا النوع بعد الآن، فلا يهمنا التعذيب".
    ما كان يشغله هو منع انتقال العدوى إلى أماكن أخرى منها جنوب أوروبا حيث الأحزاب الإشتراكية الأوروبية . وقال كيسنجر:
    "يجب علينا التأكد من مقدرتنا على الفصل بين نظام الإدارة والسياسة . فإذا كان الناس لا يحسّون بالمسؤولية، يجب، عندها، اجتثاثهم من النظام" .
    وهذا يتفق تماماً مع قول كيسنجر السابق عن عدم شعور الشعب الشيلي بالمسؤولية !!

    الشيطان الأميركي يعترف، ولا يعتذر ولا يحاسبه أحد كالعادة:
    بعد ان تولّى الجنرال "بينوشيه" السلطة في شيلى أخبر وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسينجر – وهو السفّاح القاتل وأوقح وأشرس كذّاب في السياسة الدوليّة كما سنرى مستقبلاً الرئيس الامريكى بأنّ الولايات المتحدة لم "تفعلها"، ولكنها ساعدت بتهيئة الظروف للقيام بالانقلاب. مؤخّرا في فترة تولى بيل كلينتون للرئاسة الأمريكية تمّ رفع السرّية عن بعض الوثائق التي أكّدت سعي الولايات المتحدة للإنقلاب على سيلفادور أليندى في عام 1970 قبل توليه السلطة.
    خلال فترة حكم بيل كلينتون التالية قامت المخابرات الأمريكية باصدار وثيقة تعترف فيها بلعبها دورا في الحياة السياسية الشيلية مباشرة قبل الانقلاب العسكرى في شيلى، وأن الولايات المتحدة لم تكن متورطة بشكل مباشر في عملية الانقلاب والتي كانت على علم به قبل يومين من الانقلاب.
    كما أصدرت الولايات المتحدة مؤخرا وثيقة تعترف فيها بقيامها بلعب دور بصورة غير مباشرة في تمويل الإضراب الذي قام به سائقو الشاحنات والذي تفاقم ليخلق وضعا اقتصاديا فوضويا مباشرة قبل القيام بالانقلاب العسكرى.
    وقد ثبت تمويل المخابرات الأمريكية لقتل الجنرال التشيلي "رينيه شنايدر"، الذي رفض تدخل الجيش لمنع الكونجرس التشيلي من تنصيب الليندي رئيسًا عام 1970، فضلاً عن مكافأتها للقتلة بأموال ضخمة بعد تنفيذ المهمة، وهو الدور الذي اعترفت به المخابرات الأمريكية رسميًّا، بعد افتضاح أمرها.
    وبفضل الصحفي الأمريكي "بيتر كورنبلو" أُجبرت الحكومة الأمريكية على الإفراج عن (23000) وثيقة أخرى، كشفت الدور الذي لعبه البيت الأبيض والمخابرات الأمريكية في الانقلاب، حيث كشفت عن دور المخابرات في دعم نظام بينوشيه وتمويله سرًّا منذ اللحظة الأولى.
    وكان موقف إدارة نيكسون من المذابح التي كان يرتكبها نظام بينوشيه، لا يزيد عن كلمات علنية جوفاء إذا ما اضطرت إلى ذلك، ثم مطالبته سرًّا "بالحذر لئلا تؤدي قضايا صغيرة بجعل تعاوننا أكثر صعوبة".
    ومن أبرز ما كشفت عنه هذه الوثائق التمويلات الضخمة التي قدمتها الإدارة الأمريكية لإدواردو فيري، المرشح المنافس لأليندي، والتي بلغت 20 مليون دولار، وقيام الاستخبارات الأمريكية بعمليات تشويه دعائية ضد أليندي وتحالف الجبهة الشعبية أثناء السباق الرئاسي.

    ولا رئيس أميركي اعتذر:
    والحقيقة هي أنه ولا رئيس أمريكي واحد اعتذر عمّا قامت به بلاده من التدخل في شؤون الغير والإطاحة برئيس دولة مُنتخب ديمقراطيا. الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام تستخدم معايير مختلفة لقياس المعاناة. هذا هو بالضبط النفاق وهذه هي المعايير المزدوجة التي تجعل بقية دول العالم تدين وتستنكر سلوك الولايات المتحدة في أجزاء مختلفة من العالم. فحتى وسائل الإعلام مع الأسف الشديد تركز على أشياء وتهمل أشياء أخرى أكثر أهمية. فأجندة الأخبار الدولية تحدّدها إمبراطوريات إعلامية مرتبطة ارتباطا شديدا بالقوى العظمى ومصالحها السياسية والاقتصادية، بل هذه الإمبراطوريات الإعلامية أصبحت جزءا لا يتجزأ من الشركات المتعددة الجنسية وإمبراطوريات المال والأعمال والسياسة. فمن يُصدّق مثلاً أن شركة "جنرال الكتريك" هي التي تمتلك أشهر قناة أمريكية وعالمية هي الـ CNN !! (ستكون لنا وقفة مقبلة عند هذا الموضوع).

    مدرسة الأميركيتين للإرهاب من جديد:
    في أغلب الحلقات السابقة المتعلقة بالنشاط الإرهابي للولايات المتحدة الأميركية في أمريكا الجنوبية، تتكشّف لنا حقائق جديدة عن "مدرسة الأميركيتين" للتدريب العسكري التي كانت في بنما وطردها عمر توريخوس إلى الولايات المتحدة لتستقر في جيورجيا بعد أن بدأت الناس تسمّيها بمدرسة الإرهاب والإنقلابات (راجع الحلقات الخاصة ببنما وغواتيمالا وفنزويلا) .
    فقد قيل الكثير عن معسكرات تدريب القاعدة في أفغانستان، وهي الأهداف التي قصفتها الطائرات الأميركية. لكن هذه المعسكرات رياض أطفال إذا ما قورنت بجامعة الإرهاب الرائدة عالمياً في فورت بيننغ بجورجيا كانت تعرف حتى عهد قريب باسم كلية الأميركيتين، وقد دربت نحو 60000 جندي وشرطي وشبه عسكري وعميل استخبارات من أميركا الجنوبية. وتخرج منها 40 بالمئة من الوزراء الذين عملوا في أنظمة الإبادة الجماعية لـ” لوكاس غارسيا وريوس مونت ومنحيا فيكتوريس في غواتيمالا”.
    في سنة 1993 سمّت لجنة التحقيقات التابعة للأمم المتحدة في السلفادور الضباط الذين ارتكبوا أسوأ الفظاعات في الحرب الأهلية، وتبيّن أن ثلثيهم تدربوا في فورت بيننغ. ومنهم روبرتو دي أوبويسون، قائد فرق الموت وقتلة رئيس الأساقفة أوسكار روميرو ومجموعة من القساوسة اليسوعيين (راجع حلقة: صَلْب السلفادور) . وفي تشيلي، أدار خريجو الكلية شرطة بينوشيه السرية وثلاثة معسكرات اعتقال رئيسية. وفي سنة 1996، أجبرت الحكومة الأميركية على الإفراج عن نسخ من أدلة التدريب في الكلية. وكانت هذه توصي الإرهابيين الطامحين بالابتزاز والتعذيب والقتل واعتقال أقارب الشهود.
    أعيدت تسمية الكلية لتصبح معهد نصف الكرة الغربي للتعاون الأمني، ويغفل موقع الكلية على الويب صفحات "التاريخ" .

    كم 11 أيلول مُدمّر سبّبه الشيطان الأمريكي للشعوب؟:
    نستنتج الآن أن هناك إثنين 11 أيلول: واحد في شيلي قُتل فيه رئيس مُنتخب وذُبحت فيه آمال شعب، وآخر في الولايات المتحدة ضُرب فيهمركز التجارة العالمي في نيويورك، وقد قلنا مراراً قبل سنوات، وكرّرنا أن الولايات المتحدة نفسها تقف وراء تفجير مركز تجارتها . والآن تتردّد أنباء عن أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لديه معلومات مؤكّدة عن أن الإدارة الأميركية هي المسؤولة عن تفجير مركز التجارة العالمي. أنّ هذا الـ 11 أيلول الذي ضرب أمريكا وحشّدت الولايات المتحدة من أجله الجيوش وماكنة الدعاية الهائلة وأجبرت العالم كلّه على أن يبكي من أجل ضحاياها لم تجعل العالم يسمع ولو كلمة أويذرف دمعة عن سلسلة جرائمها الوحشية المدمّرة التي مزّقت بها الشعوب وقتلت أضعاف قتلى مركز التجارة، وكلّها حصلت في يوم 11 أيلول .
    تقول "آمي جودمان" مؤلفة كتاب: "شوكة في حلق المتحكّمين":
    (من المفارقات الغريبة ان احد الموضوعات التي كنا نتناولها حين كانت الطائرات تضرب مركز التجارة العالمي، هو العلاقة بين 11 سبتمبر والارهاب.. أعني 11 سبتمبر 1973 فهذا اليوم هو اليوم الذي قتل فيه سلفادور الليندي، الزعيم التشيلي المنتخب ديمقراطيا في قصره الرئاسي في سنتياجو حين استولى الجنرال أوجستو بينوشيه والجيش التشيلي على السلطة، وكانت قوات بينوشيه مدعومة من قبل ريتشارد نيكسون، الرئيس الأمريكي يومئذ، ووزير خارجيته هنري كيسنجر، كما كانت تتلقى الدعم المالي من شركتين متعددتي الجنسية تعملان في تشيلي هما "اناكوندا كوبر" و"آي تي تي" اللتان كانتا كلتاهما على صلة وثيقة بالإدارة الأمريكية الجمهورية).
    وهذه سلسلة مآسي سبّبتها الولايات المتحدة في 11 أيلول ولم يلتفت إليها أحد تقدّمها المؤلّفة أيمي جودمان:
    - 11 سبتمبر/ أيلول 1973 في التشيلي، حيث قُتل الرئيس سلفادور الليندي المنتخب ديمقراطياً خلال انقلاب عسكري عليه، مدعوم من المخابرات المركزية الأمريكية راح ضحيته 3 آلاف مواطن وتعرّض للتعذيب والإحتفاء أكثر من 30000 مواطن .
    - 11 سبتمبر/ أيلول 1977 في جنوب افريقيا، حيث نُقل الزعيم المناوئ للتمييز العنصري "ستيفن بيكو"، مطروحاً على أرضية عربة للشرطة، فاقداً الوعي، مسافة ألف كيلومتر، الى بريتوريا، حيث أسلم الروح في اليوم التالي.
    - 11 سبتمبر/ أيلول 1990 في جواتيمالا، حيث قُتلت عالمة الاجتماع الجواتيمالية "ميرنا ماك" على أيدي الجيش المدعوم من قبل الولايات المتحدة.
    - 1113 سبتمبر/ أيلول 1971 في نيويورك، حيث حدثت انتفاضة في سجن اتيكا، التي قتلت فيها شرطة خيالة ولاية نيويورك 39 رجلاً، وجرحت 88 رجلاً آخر.
    فهناك إذن اثنان 11 سبتمبر/ أيلول: الأول اعتدت أمريكا من خلاله على سيادة دولة مستقلة (11 سبتمبر 1973)، والثاني تم من خلاله الاعتداء على أمريكا (11سبتمبر 2001)، لكن للإعلام وصانعي الرأي العام رأياً آخر حيث إن سبتمبر الأمريكي يحظى بالإعلام والعلنية والحضور، وسبتمبر شيلي تناساه الزمن، وهناك القلة القليلة التي تعرف الحقيقة عنه.

    تقريض رومانسي:
    (لم يدخل الرئيس الشيلي سلفادور ألندي إلى التاريخ بسبب موته، بل جراء حياته. موته، وطّد الأسطورة. ونتيجة لحِسِّه السياسي وواقعيته التاريخية، استطاع أن يحقق رمزيا "رؤية مختلفة" في تبنّي الاشتراكية، إبان عهد بدأت تتضح معالم أزمة الاشتراكيات الواقعية.
    مع هذا الموقف المعاكس، وللحفاظ على بقائه تحت وابل القصف، ورفضه الانهزام بدون مقاومة، حاول أليندي البحث عن أفضل مَخرَج سياسي. استبعد النفي، وهيّأ الجواب الأكثر ملاءمة، المُعبِر بشكلٍ جيّد عن مُثلِه العليا، ويُلزِم بالعواقب الأكثر شؤماً، من تسبّب في مأساة الشيلي. لقد أقدم على الإنتحار، فلوّث الجنرال بدمٍ سيبقى إلى الأبد جرحاً لن يندمل.
    لحظة انتصار الجنرال، بدأ يطوي الخطوات نحو زاوية، انتهى بين أركانها إلى مجرد جندي بدون شرف، تملّص من واجباته، وأصبح يعيش اعتماداً على حِيَل أوجد لها كساءً شرعيا. هل حقّق شيئا؟ طبعا عمل على تسوية المجتمع الشيلي، لكنه لن يلامس أبدا قاعدة تمثال البطل .
    لكن، لماذا تصرف بينوشيه، هكذا؟ لقد كان شرِهاً اتجاه سلطة لم يفوضها لها "الأب"، الذي عيّنه قائدا. هذا الاندفاع اللاواعي غير القابل للتحديد، قاده إلى ارتكاب خطأ: الخوف أكثر من أليندي حيا، قياسا لأليندي وهو ميت. هذا القتل الرمزي للأب، حقيقة جعل منها أليندي مصيراً. لكن، أليندي لم يمت، بل اختار موته الذاتي.
    كما هو الحال في مسرحية جان بول سارتر، فقد أحدق الذباب بالجنرال بينوشيه، لذا سيتنكر له فيما بعد أتباعه وأنصاره. رفض ضباطه علانية انتهاكاته لحقوق الإنسان، وعليهم القيام بذلك من أجل تبرير شرعية ما للنظام. لقد أرادوا منّا، نسيان بأن هذا نتاج قوة ميكيافيلية لسلطة دون قيود، وكذا الرعب الذي ساد مع بينوشيه .
    خسر أليندي أولى معارك الاشتراكية الجديدة، لكنه ليس وهما للاستهلاك، بل سيستمر رمز نضال يستعاد لاشتراكية الغد) .

    تعليق


    • #32
      لا تثقوا بالولايات المتحدة (20)
      البنك الدولي الذراع الاقتصادية الشيطانية للولايات المتحدة
      في تدمير الشعوب وإبادتها

      (أ) سياسة البنك الدولي الليبرالية:
      نظرية الثعلب الحر في بيت الدجاج الحرّ

      مدخل متشائم:
      الإقتصاد الكوني هو مصطلح أورويللي – نسبة إلى "جورج أورويل" في روايته الشهيرة "1984" – حديث، فهو على السطح يتمثل في التجارة ذات التمويل الآني، والهواتف النقالة، وماكدونالدز، وستاربكس، والعطلات المحجوز لها على الإنترنت، وأسفل هذه القشرة البراقة، فهي تعني عالماً يعيش غالبية البشر فيه دون أن يجروا اتصالا هاتفيا واحدا، ويعيشون على ما هو أقل من دولارين في اليوم، ويموت فيه ستة آلاف شخص يوميا من الإسهال، نظرا لأن معظمهم لا تصلهم المياه النقية.
      هناك نظام متقدم للنهب أجبر أكثر من تسعين دولة على تنفيذ برامج "التعديل الهيكلي" منذ الثمانينات، لتوسيع الفجوة القائمة بين الغنى والفقر على نحو غير مسبوق على الإطلاق من قبل ثلاثي واشنطن: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والخزانة الأميركية، الذي يهيمن حتى على أكثر الجوانب ضآلة في السياسات الحكومية بالدول النامية . ويستمد هؤلاء نفوذهم من الديون غير المسدّدة والتي تُجبر أكثر الدول فقراً على دفع مائة مليون دولار يوميا للمُقرضين الغربيين، والنتيجة هي عالم تتحكم فيه نخبة لا يتجاوز عددها المليون في ثمانين في المائة من ثروة البشرية بأسرها (غارودي: الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط).

      تمهيد:
      من بين الأدوات الرهيبة التي استغلتها الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هدفها الشيطاني في تدمير الشعوب واستنزاف مقدّراتها وإبادتها بشريّاً – وهذا أمر سيصدم ذهن القارىء – هي منظمات تعمل تحت أغطية إنسانية وأنشطة اقتصادية "محايدة" ظاهرها التنمية والتطوير والإستثمار ولكن باطنها بسبب الدور الشيطاني الأميركي – هو عمل حثيث لا يُصدّق للتخريب والتعطيل وإشاعة التخلّف ومصّ دماء الشعوب الفقيرة، وتقديم العون – وهذا أعجب وأغرب – للشركات عابرة القومية للإستيلاء على ثروات هذه الشعوب لغرض مضاعفة ثروات الأثرياء وتضييق فرص الحياة أمام الفقراء بروح سادية شنيعة تعبّر عنى البنية السيكولوجية الأمريكية الناقمة على الحياة والإنسان . في مقدّمة هذ الأدوات: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي . لنراجع أوّلا نبذة عن الأهداف التنموية الجميلة "المعلنة" لهاتين المؤسستين .

      نبذة عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي:
      البنك الدولي هو أحد الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة التي تعنى بالتنمية. اتفق على إنشائه مع صندوق النقد الدولي في المؤتمر الذي دعت إليه هيئة الأمم المتحدة في بريتون وودز بالولايات المتحدة الأميركية في يوليو/تموز 1944، وقد حضر المؤتمر 44 دولة. بدأ البنك أعماله في يونيو/حزيران 1946. مجموعة البنك الدولي هي مجموعة مؤلفة من خمس منظمات عالمية (البنك الدولي للإنشاء والتعمير، مؤسسة التنمية الدولية، مؤسسة التمويل الدولي، هيئة ضمان الاستثمار المتعدد الأطراف، المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار) مسؤولة عن تمويل البلدان بغرض التطوير وتقليل الفاقة، بالإضافة إلى تشجيع وحماية الاستثمار العالمي. ويعمل في مقر البنك الدولي في واشنطن ثمانية آلاف موظف وحوالي ألفين في العمل الميداني. ويأتي ما يزيد على نصف العاملين في البنك من الأميركيتين والبقية من جميع أنحاء العالم. الهدف العام من البنك هو تشجيع استثمار رؤوس الأموال بغرض تعمير وتنمية الدول المنضمة إليه والتي تحتاج لمساعدته في إنشاء مشروعات ضخمة تكلف كثيرا وتساعد في الأجل الطويل على تنمية اقتصاد الدولة وبذلك تستطيع أن تواجه العجز الدائم في ميزان مدفوعاتها. ومساعدة البنك تكون إما بإقراضه الدول من أمواله الخاصة، أو بإصدار سندات قروض للاكتتاب الدولي.
      وبشكل عام يقوم البنك بإقراض الحكومات مباشرة أو بتقديم الضمانات التي تحتاجها للاقتراض من دولة أخرى أو من السوق الدولية. لكن ممارسة البنك لأعماله أظهرت أنه كان متحيزا في إقراضه بعض الدول وعدم إقراضه دولا أخرى (مشروع السد العالي في مصر الذي لم يقدم فيه قروضاً لمصر) . ولكن البنك اليوم زاد من تركيزه على تخفيف حدة الفقر كهدف موسع لجميع أعماله. ويركز جهوده على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي تمت الموافقة عليها من جانب أعضاء الأمم المتحدة عام 2000، والتي تستهدف تحقيق تخفيف مستدام لحدة الفقر.
      أمّا صندوق النقد الدولي فهو وكالة متخصصة من منظومة بريتون وودز تابعة للأمم المتحدة، أنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1945 للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي. ويقع مقر الصندوق في واشنطن العاصمة، ويديره أعضاؤه الذين يشملون جميع بلدان العالم تقريباً بعددهم البالغ 188 بلدا.
      أمّا أهداف صندوق النقد الدولي فتتمثل فيما يلي:
      1. تشجيع التعاون الدولي في الميدان النقدي بواسطة هيئة دائمة تهيئ سبل التشاور والتآزر فيما يتعلق بالمشكلات النقدية الدولية.
      2. تيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية، وبالتالي الإسهام في تحقيق مستويات مرتفعة من العمالة والدخل الحقيقي والمحافظة عليها، وفي تنمية الموارد الإنتاجية لجميع البلدان الأعضاء، على أن يكون ذلك من الأهداف الأساسية لسياستها الاقتصادية.
      3. العمل على تحقيق الاستقرار في أسعار الصرف والمحافظة على ترتيبات صرف منتظمة بين البلدان الأعضاء، وتجنب التخفيض التنافسي في قيم العملات.
      4. المساعدة على إقامة نظام مدفوعات متعدد الأطراف فيما يتعلق بالمعاملات الجارية بين البلدان الأعضاء، وعلى إلغاء القيود المفروضة على عمليات الصرف والمعرقلة نمو التجارة العالمية.
      5. تدعيم الثقة لدى البلدان الأعضاء، متيحاً لها استخدام موارده العامة مؤقتاً بضمانات كافية، كي تتمكن من تصحيح الاختلالات في موازين مدفوعاتها دون اللجوء إلى إجراءات مضرة بالرخاء الوطني أو الدولي.
      والآن، أليست أهداف هاتين المنظمّتين: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي – كما هو معلن سابقاً – هي أهداف إنسانية نبيلة على المستوى الإقتصادي والتنموي ؟
      والجواب: نعم في الظاهر، لكن أنظر ما الذي فعلته الأيدي الأميركية الشيطانية حين امتدت لتسيطر على هاتين المنظمتين وكيف حوّلتهما إلى أداتين للتدمير بل للقتل الإقتصادي وحتى الإبادة البشرية للشعوب الفقيرة ! (ويكيبيديا الموسوعة الحرّة) .

      وشهد شاهدٌ من أهلها ؛ اعترافات قرصان اقتصادي:
      "جون بيركنز" هو واحدٌ من قراصنة الإقتصاد المنفذّين لسياسات البنك الدولي الذين تخصّصوا في تدمير الشعوب النامية بالخطط الإقتصادية ومشاريع التنمية الخبيثة، " تابَ " أخيراً وقدّم اعترافاته في كتابين أثارا ضجة كبيرة هما:
      الإغتيال الإقتصادي للأمم: اعترافات قرصان اقتصاد أو رجل اقتصاد مأجور.
      التاريخ السرّي للإمبراطورية الأميريكية (رجال اقتصاد ماجورون، عملاء، والحقيقة حول الفساد العالمي) .
      من هذه الإعترافات اقتطع هذه المقاطع الفاضحة التي تفضح عمل هاتين الأداتين الشيطانيتين التي يقول فيها جون بيركنز:
      (أنشيء البنك الدولي عام 1944 في مدينة بريتون وودز في ولاية نيوهامشر، الولاية التي نشأتُ فيها . كان البنك مسؤولا عن إعادة بناء دول دمّرتها الحروب . فجأة أصبحت مهمة البنك مُرادفة لإثبات بأن النظام الراسمالي كان متفوّقاً على ذلك النظام المُطبّق في الإتحاد السوفيتي . ولتوسيع دوره هذا سعى موظّفوه لإقامة علاقات حميمية مع مؤيدي الراسمالية الرئيسييين، وهي الشركات العالمية عابرة القومية . فتح هذا الباب لي ولرجال اقتصاد مأجورين آخرين لوضع خطط لبرامج ومشاريع وهمية أو غير عملية تُقدّر بتريليونات الدولارات . وجّهنا أموالا من البنك والمنظمات المماثة الأخرى إلى خطط بدت أنها تخدم الفقراء، بينما هي في الحقيقة تخدم بشكل رئيسي بضعة من الأثرياء، وفقاً لهذه الخطط كنّا نحدّد بلداً نامياً يزخر بالموارد الطبيعية التي تشتهيها شركاتنا (مثل النفط)، نعمل على ترتيب قروض ضخمة لهذا البلد، ومن ثم نوجّه أكثر الأموال إلى شركاتنا العاملة في مجال الهندسة والبناء، ونعطي حصصاً من هذه الأموال إلى بضعة متعاونين في البلد النامي . برزت إلى الوجود مشاريع بنيوية مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية، ومطارات، وكمجمّعات صناعية، مع ذلك قلّما خدمت هذه المشاريع الفقراء الذين لم يكونوا موصولين بالشبكات الكهربائية، لم يستخدموا مطارات أبداً . وكانوا مفتقرين للمهارات التي يتطلبها العمل في المجمعات الصناعية . عند نقطة معينة عدنا نحن "رجال الاقتصاد المأجورون" إلى البلد المدين نطالبه بدفع الديون بأيّة طريقة وبأيّ ثمن ؛ مثل نفط رخيص، التصويت في الأمم المتحدة على قضايا حيوية وهامة، أو تقديم جنود لدعم جنودنا في بعض الأماكن من العالم، مثل العراق) .
      (عندما ألقي كلماتي كنتُ غالباً أجد أنه من الضروري أن أذكّر الحضور بنقطة هامة تبدو واضحة بالنسبة لي لكن يُساء فهمها من الكثيرين: ذلك أن البنك الدولي هو في الحقيقة ليس بنكا دوليّاً على الإطلاق ؛ بل إنه بنك أمريكي وكذلك النسيب الأقرب له، صندوق النقد الدولي . ثمانية من مدراء البنك الدولي الأربعة والعشرين يمثلون بلداناً بحد ذاتها هي: الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، السعودية، الصين، وروسيا. بقيت البلدان البالغ عددها 184 يمثلها بقية المدراء الستة عشر . تتحكّم الولايات المتحدة بـ 17% تقريبا من الأصوات في صندوق النقد الدولي و16% في البنك الدولي، وتأتي اليابان في المرتبة الثانية بنسبة 6% في صندوق النقد الدولي و8% في البنك الدولي، تليها ألمانيا، بريطانيا، فرنسا ؛ كل واحدة من هذه الدول تملك من الأصوات حوالي 5%، تتمتّع الولايات المتحدة بحق النقض "الفيتو" على القرارات الكبيرة ورئيسها – أي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية – هو الذي يُعيّن رئيس البنك الدولي) .

      البنك الدولي .. مراجعة الأصول الأيديولوجية:
      (في الأصل كان يعرف باسم البنك العالمي لإعادة الاعمار والنمو (B.I.R.D) وقد أنشئ هو الآخر بواسطة اتفاقات بريتون وودز، السبب الأول في إنشاء البنك الدولي هو المساعدة على إعادة بناء الدول الأعضاء وتشجيع نموها الاقتصادي. يندرج نشاطه إذاً في أفق أبعد مدى من نشاط صندوق النقد الدولي. إلا أن دوره في الواقع هو ذات الدور أي العمل بصبر ولكن بتصميم على ضمان الانتقال من الاقتصاد الوطني إلى الاقتصاد العالمي لسوق التبادل الحر الواقع تحت هيمنة واشنطن. وكما الحال بالنسبة لصندوق النقد الدولي فالرأسمال الذي تسدده الدول الأعضاء يتناسب مع الوزن الاقتصادي وعدد الأصوات الذي تتمتع به، إذاً الولايات المتحدة تمسك منطقياً بالأغلبية، أما القروض فكانت تعطى حسب المردودية المالية للمشاريع تحت سلطة التمويل وكذلك ضمن نظامها الاقتصادي الصارم. ومن أجل جعل عمل البنك الدولي أكثر مرونة ثم إنشاء الجمعية الدولية للتنمية والشركة المالية الدولية عام 1960. هذه التسميات كانت تخفي وراءها ضبابية كثيفة الغموض من المقرضين الذين كانوا يصنعون القوانين في الدول التي تُقدّم لها الأموال في منأى من كل إشراف ديموقراطي.
      وعمل كل من صندوق النقد الدولي F.M.I والبنك الدولي B.M على الصعيد الاقتصادي على وضع الأساس الأيديولوجي الثنائي القطب الذي يخفي وراءه الفلسفة السياسية الأمريكية. فمهمة الولايات المتحدة هي بسط الديمقراطية الليبرالية في أرجاء المعمورة، وأن تتربع على رأسها، لذا كان يتوجب على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إخضاع الأمم للنموذج الاقتصادي والسياسي الأمريكي. فالمقومتان الأساسيتان اللتان شكلتا الأيديولوجية الأمريكية أي الدين والاقتصاد وجدتا في أرثوذكسية هاتين المؤسستين. إن المدينة الفاضلة تحت لواء الولايات المتحدة سوف تكون التطبيق المادي للوصول إلى السيطرة على كل الكون لبرجوازية التجارة العالمية ذات الميل الليبرالي والتي وضعت مصيرها في يد الجمهورية الأمريكية . وفي الوقت ذاته هذه المدينة ستكون الدليل المادي على اكتمال الإرادة الإلهية التي أوكلت لهذه الجمهورية، وعن طريق إزالة الآخرين، مهمة إقامة الدولة الوحيدة الناتجة عن ترتيب إرادة الله. (كتاب: أمريكا المستبدة)

      العقيدة الذرائعية «الدوغماتية» والأرثوذكسية:
      (يظهر المفهوم الأيديولوجي لعمل صندوق النقد الدولي F.M.I والبنك الدولي B.M ونظام النقد العالمي برمته عبر ذرائعية الأنظمة العقائدية الليبرالية التي يستوحى منها عمله، والذي يُترجَم بشكل خارج كل الشروط بتحويل المبررات الكاملة إلى سلسلة من التأكيدات الأحادية المعنى دون برهان وبشكل مطلق وقابلة للتطبيق الدولي. أما غايته فتكمن في شكل من التبادل الحر بوصفه نظام لا يمكن الالتفاف عليه. فإن الشروط الضرورية لإنجاز الآثار المرتقبة من قبل نظرية التبادل الدولي لا يمكن أن نجدها في الواقع، ولكنها تعود أكثر إلى الواقع التجريبي في المختبر أكثر من كونها موجودة في تطبيقات محسوسة. هذه الظاهرة إذاً هي مجهولة. أبداً لم يتم إنجاز الواقع حيث كان من المفروض أن يسير كل شيء في التجارة الدولية دون عقبات، بل إن هذا الواقع لم يدخل حيّز الممكن، لأنه وإن كان صحيحاً أن الدول الأوروبية تحاول أن تخضع لمتطلبات المعاهدات التجارية إلا أن دولاً كاليابان وكوريا أو الولايات المتحدة مثلاً تستمر بممارسة سياسة وقائية خفيَّة بشكل أو آخر في حين تطالب الآخرين بالشفافية. إن ذرائعية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تظهران جلياً في نموذجين من التصرف يكشف عنهما بشكل فاضح الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد "موريس ألّيه Maurice Allais":
      أولاً، يبدو هذا في عدم واقعية النماذج المُقترحة كقواعد لكل أنظمة الاقتصاد الوطنية. إذ تُشكل المصوّرات والمعادلات الرياضية المُفترض أن تضمن المتانة العلمية للطرح في الحقيقة متانة وهمية لا يمكننا عند مناقشتها إلّا أن نستنتج عدم جدارتها. وتظهر الذرائعية، ثانياً، في تناقضات المنهج وعَرْضِه، وتلغي الاستنتاجات والنتائج التي أُعدّت بواسطة التحليلات المختلفة غالباً نفسها أو تتناقض. إن إرادة تعميم النموذج الليبرالي على العالم كلّه يقود إلى شكل من أشكال الاختصار والتبسيط والى قبول إرشادات قائمة على استنتاجات نظرية صرفة أو مُصطنعة. وكما يشير برنار ماريس فإن اللغة التي تستخدمها هاتان المؤسستان الكبيرتان تنتمي إلى لغة مُبهمة والى لغة ذات رنين علمي هدفه الحصول على الاعتراف بمراسيمهم وإعطائها السلطة التي تُعطى تقليدياً إلى اللغة التكنولوجية العلمية. فالوسيلة الأيديولوجية التي عالجت هذه المسائل لم تكن مختلفة في العمق عن الأسلوب الذي يميّز الماركسية بالنتيجة. فالمطلق الذي هو الخطة والذي يجب أن تكون كل المتوقعات متطابقة معها له أثره في السوق الذي هو المنقذ الإلهي لكل نظام ليبرالي والذي يجب أن يخضع لمتطلباته الجميع. هذا الخضوع لقوانين السوق قادر على جعل جهاز المؤسستين والمتعاونين معها بطرح الفرضيات المُرعبة. لهذا كان البنك الدولي في تقريره عام 1991 الذي قدمه "لورانس سومرز" الاقتصادي الأمريكي الذي أصبح فيما بعد عضواً في إدارة الرئيس كلينتون، وهو خريج هارفرد، قد تمنّى تغيير أمكنة المصانع التي تسبّب التلوث من الشمال باتجاه بلاد الجنوب ذات التلوث الأقل بسبب مساحة أراضيها وقلّة كثافة سكانها. من بين مبرّرات سومرز أن السرطانات التي يسبّبها التلوّث نتيجة المخلّفات السامّة الصناعية لن يكون لها إلا تأثيرٌ خفيفٌ في البلدان النامية، لأن الأمل في الحياة لسكان العالم الثالث هو أقصر من المعدّل الموجود في الولايات المتحدة) (أمريكا المستبدة) .

      سياسة البنك الدولي الليبرالية ؛ ونظرية الثعلب الحر في بيت الدجاج الحرّ:
      حسب الفيلسوف الراحل "روجيه غارودي" فإنّ سياسات البنك الدولي القائمة على معطيات الليبرالية المتوحّشة تسير وفق نظرية "الثعلب الحر في بيت الدجاج الحرّ" . ولن يكون باستطاعتنا فهم ليبرالية التبادل الحر دون التعامل معه كظاهرة إيمانية صافية غير قابلة للنقاش من قبل أنصاره النتيجة التي يعطيها لأنه مثلاً حسب "بيتر مرتان" رئيس تحرير الطبعة الدولية للفاينانشال تايمز يُنتج رابحين أكثر من الخاسرين. لذا يعمل على نموّ اللّامساواة في كل مكان. وحسب تقرير صدر مؤخراً عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن عدد الدول الفقيرة في تزايد. وفيما يخص الأُجَراء الذين لا تتوقف أجورهم عن الانخفاض برغم أنّهم يعملون أكثر فأكثر، فقد اخترع علماء الاجتماع لهم تسمية «العاملين الفقراء». في مقال آخر تحت عنوان "الليبرالية تشجّع الديمقراطية" تبرهن التجربة العكس وبأن المسافة بين المراكز الحقيقة للقرار على المستوى الدولي (الاجتماعات التحضيرية للدول السبع الكبرى ولمنظمة التجارة الدولية ولقاءات دايفوس والبنوك المركزية والمجموعات المالية والصناعية الكبرى الوطنية والمتعددة الجنسيات والممولين من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي …إلخ)، وأولئك الذين تطالهم هذه القرارات الخفيّة لم تكن أبداً بهذا الاتساع إلى درجة لم يعد أمام المنتخبين والحكومات إلا مهمة الموافقة على القرارات المُتخذة في مكان آخر بعيداً عن المجالس السياسية.
      أمّا الأداة الذرائعية الثالثة فهي انعدام القواعد والحواجز والمخاوف السياسية والاجتماعية لصالح التبادل. وحدها هي الدول التي تخلّصت من تلك العقبات تستطيع أن تزدهر بشكل حقيقي. في الواقع لم تستطع كوريا الجنوبية وتايوان والصين وسنغافورة بناء قوتها الاقتصادية إلا بفضل نظام حماية لم تتأخر الولايات المتحدة واليابان، أيضاً عن الاعتماد عليه.
      وبالاعتماد على قانون كهذا يهدف التأثير المُعمّق لصندوق النقد الدولي وللبنك الدولي إلى بسط وفرض نموذجه الاقتصادي الوحيد الذي تستخدمه الولايات المتحدة على كل العالم بذكاء. وكما يذكر «آلان كوته» فإن تفكك الاتحاد السوفيتي ودخول الصين بإرادتها في السوق الدولية سمحتا لهذا النموذج أن يصبح نموذجاً لا يمكن التراجع عنه فعلياً. وعلى المدى البعيد الهدف هو إذاً توحيد العالم وتخليصه من كل أثار للثقافة الأصلية المستندة إلى التاريخ، وكذلك العمل على توحيد الأذواق والتقاليد واللباس والمواقف الفكرية وإبدالها بالتصرفات ذات الشكل الأمريكي.
      لقد بدأ فعلاً العمل على تفتيت الكيانات القومية، وكان دور البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أساسياً في تكيّف العالم الثالث من خلال هدفه بسَوْقِها نحو اقتصاد السوق وبحَشْرِها في قالب التقسيم الدولي للعمل. ولم يثن هاتين المؤسستين عن قناعتهما، الفشلُ المتكرّرُ لسياستهما، والفساد والعجز الذي ميّز نشاطهما . الشيء نفسه لدى تنوُّع التنمية التي تتبع لهما والتي تجاوزتها بحجم أعمالها. وإذا كانت المساعدة المالية للقطاع العام محسوبة وخاضعة للتطبيق من قبل المستفيدين بأسلوب صارم، فإنّ المساعدة للقطاع الخاص أخذت تحظى بالأفضلية خلال السنوات المتتابعة. فالربح الذي يشكّل المقياس القطعي لكل اقتصاد ليبرالي زال أثرُه بشكل جليّ تاركاً في الظل الهدف الرسمي، وهو مساعدة الدول الطالبة لتحسين ظروف حياة أبناء شعبها. لقد بلغت الأرباح المحسومة من قبل المموّلين حوالي (150) مليار دولار بين 1983 1990 جُمعت من دول الجنوب باتجاه الشمال، وأضمحل في الوقت ذاته استقلال الجنوب (أمريكا المستبدة) .

      آلية السلب، المجرّبة .. "مخطّطات القهر":
      تتطابق الأساليب المُستخدمة بواسطة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بخطوطها العريضة مع الصورة التالية:
      عندما تعمل دولة في طور النمو لسبب أو آخر على الحصول على مساعدة من المؤسسات الدولية، وتجد نفسها مُضطرة لمساعدة مالية، يتم إرسال خبراء لها يمثلون المصالح الضبابية للمُمولّين الذين ينحصر همّهم الأساسي بجعل التعاون المستقبلي مطابقاً للصرامة الأيديولوجية. ورغم أن المشاريع المُعدّة تختلف بتفاصيلها حسب بعض العوائق الخاصة إلّا أنها تقدّم هيكلية عامة مطابقة لشرط القبول. عندها تقوم «مخططات القهر» بفرض عدد من المراحل الضرورية قبل منح القرض:
      1 تحرير الأسعار.
      2 تخفيض العملة الوطنية.
      3 تجميد بل تخفيض الرواتب.
      4 قطع في المصروفات العامة من أجل تخفيض العجز الخارجي.
      5 خصخصة الشركات العامة الكبرى (مصارف – شركات النقل – المؤسسات الصناعية).
      6 فتح الحدود أمام المنافسة الدولية.
      7 التخصّص في عدد محدود في الإنتاج المعد للتصدير.
      لهذه المتطلبات نتائج مشابهة في كل مكان:
      فتحرير الأسعار يؤدي لصعودها جاعلة السلع الأكثر ضرورة (الغذاء والدواء مثلاً) صعبة المنال أمام جزء كبير من عامّة الشعب وتسمح بإثراء أقلية منه.
      أمّا تخفيض العملة بهدف ضرب الصادرات فيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة التي غالباً ما تكون ضرورية لحياة البلاد بتأثير بسيط على الصادرات لأنّ معدلها بالنسبة للمجموع العام يبقى متواضعاً .
      تجميد أو تخفيض الرواتب يزيد في الإفلاس الناتج عن تحرير الأسعار ويؤدي إلى ارتفاع البؤس وتهميش الطبقات الاجتماعية الدنيا المُنهكة أساساً والضعيفة بسبب عدم كفاءتها أو بسبب فساد عدد من الحكومات المحلية.
      أما النتائج الأكثر كارثية – نحو تنظيم اجتماعي ثنائي القطب فهي تأتي من تخفيض الموازنة العامة. إذ تقوم الطبقات الميسورة بتعويض العجز المتنامي للنظام (تعليم، صحة، سكن) عن طريق توجّهها إلى القطاع الخاص: مدارس ومستشفيات مُجهّزة بشكل جيّد، قصور فاخرة، مخازن ضخمة . معظم فئات الشعب ترى نفسها مجبورة على التأقلم مع ما يقدم لها من مؤسسات عاجزة: أبنية مدرسية تالفة وغير صحية، وخدمة طبّية سيّئة في المستشفيات التي ينقصها كل شيء. كما تصبح مراكز المدن خاوية في حين تكثر الملاجئ البالية بجانب الأماكن العمرانية على هامش التجمعات السكنية.
      أما خصخصة شركات القطاع العام الكبرى فإنها تُجرّد الدول من وسائل السياسة الاقتصادية الحقيقية، تحرم خصخصةُ البنوك الحكوماتِ من السيطرة على سياستها النقدية. إذاً يحرمها من جزء مهم من سلطة القرار السياسي (وفي أوروبا إن استقلال البنوك المركزية المُقرّر في معاهدة ماسترخت ومن ثم المرحلة الحاسمة في عام 2002 – العملة المُوحّدة سوف تضع حداً نهائياً لوجود دول القوميات بتذويب الهويات الوطنية في البوتقة الأمريكية الشكل) . ويؤمّن امتصاص الساحة الصناعية من قبل القطاع الخاص انصياع أرباب العمل وخضوع الحكومات لمصالح الرأسمالية العالمية. أما بالنسبة لخصخصة الشركات الكبرى لإنتاج المواد الأولية (معادن، بترول، منتجات زراعية)، فهي تعمل على سقوط المجموعة الكاملة للثروة القومية في جعبة المجموعات الأجنبية حيث المجموعات الأمريكية هي المسيطرة (أصبحت الولايات المتحدة سيّدة الموقف في معظم قطاعات الإنتاج في مجالات مختلفة بهذه الطريقة كالموز والزيوت والذرة والقطن …إلخ . ونُذكّر هنا أن الاتفاق الأخير للغات GATT ذهب حد إعطائها مِلكِيّة البذور والحبوب التي كانت إلى هذا الحين ملكاً للفلاحين المحليين الذين ينتجونها وينجحون بتوفير قسم منها من عام إلى آخر).
      وتُسهّل إزالة الحدود أمام دخول البضائع تدفُّق المنتجات اليدوية الكاسدة في الأسواق الأمريكية (حيث تتمتع المنتجات بمجموعة من المساعدات الخفية من أجل التصدير) الداخلية، واليابانية، والأوروبية إلى الأسواق المحلية حيث لا يمكن لعدد كبير من الناس الحصول عليها. في هذه الأثناء شجّعت الإجراءات المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بروز فئة من حديثي النعمة تُسهِّل تصريفاً مقبولاً للمنتجات المستوردة.
      وتعد الخصخصة إلى جانب "تحرير الاقتصاد" و "العولمة"، الضلع الثالث للمثلث الذي يسير عليه البنك الدولي . وخلال الخمس وعشرين سنة الماضية باعت الكثير من البلدان النامية الشركات المملوكة للدولة إلى الشركات الخاصة وأهمها الشركات العابرة للقومية وذلك بأسعار هزيلة . ففي ظل برنامج حكومة البهاما للخصخصة على سبيل المثال بيعت سلسلة فنادق محلية بمبلغ 8 مليون دولار في حين تقدر المعارضة سعرها بـ 20 مليون دولار .
      تؤدي الخصخصة في الاقتصاد المحلي في إطار التقسيم العالمي للعمل إلى وجود تأثيرات فاسدة منها: سلب الفلاحين المحليين لصالح المجموعات المُستَغلَّة التي هي بين أيدي الشركات المتعددة الجنسيات الأجنبية، ودخول هذه المنتجات المُتخصصة في نظام دولي تحت إشراف تمويل دول الشمال التي تجعل منه تابعاً بشكل كامل للقرارات الخارجية دون أي سلطة عليها من الحكومات الوطنية، ومن بين هذه التأثيرات أيضاً ترك الزراعات الغذائية (مما يُجبر الحكومات على الاستيراد من الدول الغربية وبأسعار منخفضة المواد التموينية التي يحتاجها الشعب والذي توقف عن إنتاجها).
      هذا يحملنا على الاستنتاج بأننا أمام سلب أراضي الدول التي وقعت تحت رحمة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبأن ذلك في الوقت نفسه هو انقضاض على القواعد الأيديولوجية ضد كيان الدولة. وزاد عدد هذه المجموعات خلال أقل من عشرين عاماً من (11000) مجموعة تشرف على (82000) ألف شركة في الخارج عام 1975، إلى (37500) مجموعة تشرف على 207000 آلاف شركة في عام 1992. هذه المجموعات تُمثل حوالي نصف الأملاك المنتجة في العالم. أما توزّعها على المعمورة فقد كان:
      80% مركزها الرئيسي كان في دول «الثالوث» (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، اليابان والمنطقة الآسيوية)
      50% في الولايات المتحدة وبنسبة أقل في اليابان أو في إنكلترا أو في فرنسا.
      واحد بالمئة من هذه المجموعات تمتلك 50% من الممتلكات، و50% منها تمثل في الخارج النفط والسيارات والكيمياء والمنتجات الصيدلانية.
      المكسب الأيديولوجي للولايات المتحدة مُعبِّر جدّاً، ففي حين رأى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في عام 1976 الدول النامية تدين التبادل الحر وتطالب بنظام الحماية، قام الاجتماع التاسع الذي عقد في جوهنسبرغ في حزيران 1996 بتقديم منبر لها حيث عمدت إلى قدح العولمة وانفتاح الأسواق وتحويل الرساميل الخاصة والمتعددة الجنسية. وينظر لهذه الأخيرة اليوم على أنها منبع متميز للأرباح لصالح العالم الثالث، وبين الليبراليتين العالميتين تخلت الليبرالية الأوروبية «الاقتصاد الاجتماعي للسوق» لصالح الليبرالية الأمريكية ومن قبل الأوروبيين أنفسهم، وأعطت الليبرالية الأمريكية الأفضلية للاختلال الاقتصادي ولحرية التبادل الكاملة وللخصخصة ولإلغاء القطاع العام ولمرونة سوق العمل. ويبحث المجلس الأوروبي للإسراع بـ "الأمركة" رافعاً شعار الأفضلية لانفتاح السوق الأوروبية أولاً أمام الاتصالات والكهرباء.
      يتفق الخبراء على الاعتقاد بأنّه إذا بذلت المنظمة العالمية للتجارة جهداً لإعادة الانسجام إلى الاقتصاد العالمي، فإنّ الدور الرائد الذي تلعبه الولايات المتحدة يحتوي على مخاطر متوقعة فقط لأنّه يعود لها القدرة على شلّ أو إطلاق الآلية الكاملة لهذه المنظمة. إن محاولة الولايات المتحدة بتصدير تشريعاتها (قوانين هلمز بروتون وأماتو) لها طبيعة تدفع للقلق. فالتأثيرات الأساسية لـ "مخطّطات القهر" لصندوق النقد الدولي التي تندرج في التوسّع في أرجاء المعمورة هي للأيديولوجية الليبرالية على الطريقة الأمريكية.
      إن الحرب الليبرالية ضد الدولة تقود إلى نزع أسس الدولة وجعلها غير قادرة على فرض إرادتها السياسية الخاصة والمتعلقة بالمصلحة العامة. وهكذا تجعل دورها مشابهاً للشرطي المسؤول عن حفظ النظام في كل الدول إلا في حالة أمريكا اللاتينية هي الأكثر ذهولاً.
      يعتقد البعض أن دور الدولة قد تقلص في ظل العولمة ؛ بالعكس العولمة تعني – فقط تخلّي الدولة عن القيام بوظائفها الاجتماعية لكي تتولى وظائف قمعية بديلة ولكي تتولى القضاء على الحريات الديمقراطية .
      (كتب: أمريكا المستبدة، ونهب الفقراء، الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط) .

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
      استجابة 1
      10 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
      بواسطة ibrahim aly awaly
       
      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
      ردود 2
      12 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
      بواسطة ibrahim aly awaly
       
      يعمل...
      X