الدجال والمعجزات ومن شروطها الإيمان بالدجال (أي بأنه سيخرج)
.
http://www.alifta.net/Fatawa/fatawaD...&languagename=
.
مجلة البحوث الإسلامية
تصفح برقم المجلد > العدد الخامس والثمانون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1429 هـ > البحوث > المسيح الدجال > المبحث الثاني اختلاف حول الدجال > المطلب الأول هل الدجال حقيقة أم خرافة
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 206)
المبحث الثاني : اختلاف حول الدجال :
المطلب الأول : هل الدجال حقيقة أم خرافة ؟ الدجال بين المثبتين والمنكرين :
تقدم معنا الحديث عن فتنة المسيح الدجال ، ولعظم فتنته افتتنت به أقوام في القديم والحديث قبل خروجه ، فأنكروا وجوده ، ومنهم من أنكر خوارقه ، وهذا خلاف للنصوص الصحيحة المتواترة الصريحة في إثبات خروج الدجال .
قال النووي عن القاضي عياض : " هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده ، وأنه شخص ابتلى الله به عباده ، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله ، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه ، وجنته وناره ، ونهريه ، وإتباع كنوز الأرض له ، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك ، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ، ويبطل أمره ، ويقتله عيسى عليه السلام ، ويثبت الله الذين آمنوا ، هذا مذهب أهل السنة ، وجميع المحدثين ، والفقهاء ، والنظار ، خلافا لمن أنكره وأبطل أمره "
وقال قوام السنة الأصبهاني : " وأحاديث الدجال ثابتة متواترة
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 207)
يجب الإيمان بها " وقال الآجري في كتابه الشريعة : " كتاب التصديق بالدجال ، وأنه خارج في هذه الأمة "
فأحاديث الدجال ثابتة متواترة ، ويجب الإيمان به ، ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكذيب به ، وأخبر أن هناك من سيكذب به ، وفي الأثر ، عن عمر رضي الله عنه قال : إنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم ، وبالدجال ، وبالشفاعة ، وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا
المكذبون بالدجال فريقان :
1- فريق كذب بوجوده وحقيقته ، وقال : إنما الدجال من الدجل والكذب ، وهو رمز للخبث والشر ، فهؤلاء ردوا النصوص ، وكذبوا بها بحجج عقلية لا تستقيم ، وهم : الخوارج ، والجهمية ، وبعض المعتزلة قديما ، حيث زعموا أن الدجال كل رجل خبيث
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 208)
وحديثا : نجد هناك من رد النصوص الصحيحة الثابتة في ذكر الدجال ، وكذب بها ، وقال : إن أحاديثه موضوعة ملفقة ، لا يقبلها العقل
وقال الشيخ محمد عبده : إن الدجال رمز للخرافات ، والدجل ، والقبائح وتابعه محمد فهيم أبو عبية في تعليقه ، وتحقيقه لكتاب النهاية لابن كثير حيث قال : إن الدجال رمز لاستشراء الباطل ، وليس رجلا من بني آدم ويكفي ردا على هؤلاء ما تقدم في المبحث الأول من نصوص ثابتة متواترة في الدجال مما يجب الإيمان بها .
2- الفريق الآخر أثبت وجوده ، وآمن بأنه خارج آخر الزمان ، ولكن خالف في خوارقه ، وما يجري على يد الدجال ، وقال : إنها ليست حقيقة بل خيال ، ومن هؤلاء البخاري المعتزلي ، ومن وافقه وذكر ذلك السفاريني ، عن ابن حبان ونقل ابن كثير ، عن ابن حزم ، والطحاوي قولهما بأن ما يقع مع
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 209)
الدجال ليس له حقيقة واعتمد هذا الفريق على أدلة منها ما هو عقلي ، ومنها ما هو شرعي .
فأما الدليل العقلي - وهو الذي اعتمده البخاري المعتزلي ، وموافقوه - قولهم : إن كان ما مع الدجال حقيقة فيشتبه خارق الدجال مع معجزات النبي ، ويدل على صحة دعواه ، ولم يوثق بمعجزات الأنبياء ؛ إذ تشتبه حينها مع خارق المدعي الكذاب .
وهذا غلط ؛ لأن الدجال لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له ، وإنما يدعي الإلهية ، وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ، ووجود دلائل الحدوث فيه ، ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه ، وهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة ، أو خوفا وتقية من أذاه ؛ لأن فتنته عظيمة تدهش العقول ، وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأرض ، فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ، ودلائل الحدوث فيه والنقص ، فيصدقه من صدقه في هذه الحالة .
ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ، ونبهوا على نقصه ، ودلائل إبطاله .
وأما أهل التوفيق فلا يغترون به ، ولا يخدعون بما معه لما
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 210)
ذكرناه من الدلائل المكذبة له ، مع ما سبق لهم من العلم بحاله ، ولهذا يقول له الذي يقتله ، ثم يحييه : ما ازددت فيك إلا بصيرة
أما الدليل الشرعي الذي تأوله من قال : إن ما مع الدجال خيالات وتخاريف وليست حقيقة :
أ- عن المغيرة بن شعبة قال : ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته ، وإنه قال لي : ما يضرك منه ؟ قلت : لأنهم يقولون : إن معه جبل خبز ونهر ماء ، قال : بل هو أهون على الله من ذلك
قالوا : أهون على الله من أن يكون ما معه حقيقة ، بل يرى ذلك وليس بحقيقة
والقائلون بأن ما معه حقيقة وليس بخيال يؤولون قوله صلى الله عليه وسلم : بل هو أهون على الله من ذلك ، أي هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلا للمؤمنين ، ومشككا لقلوب المؤمنين ، بل ليزداد الذين آمنوا إيمانا ، ويرتاب الذين في قلوبهم مرض ، فهو مثل قول الذي
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 211)
يقتله الدجال : ما كنت أشد بصيرة مني فيك ، لا أن قوله : هو أهون على الله من ذلك أنه ليس شيء من ذلك معه ، بل المراد : أهون من أن يجعل شيئا من ذلك آية على صدقه ، ولا سيما وقد جعل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره ، يقرؤها من قرأ ، ومن لا يقرأ زائدة على شواهد كذبه من حدثه ونقصه .
والحامل على هذا التأويل أنه ورد في حديث آخر مرفوع ، رجاله ثقات : ومعه جبل من خبز ونهر من ماء ، وفي حديث آخر : معه جبال من خبز ، والناس في جهد إلا من تبعه ومعه نهران فهذه النصوص تثبت أن مع الدجال خبزا حقيقة وليس خيالا ، وتمطر السماء بأمره حقيقة لا خيالا .
ب - أما الدليل الآخر الذي تأوله من قال : إن ما مع الدجال خيالات وليس حقيقة هو ما ورد في جنته وناره من قوله صلى الله عليه وسلم : إن معه ماء ونارا ، فناره ماء بارد ، وماؤه نار
وفي رواية شعيب بن صفوان : فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق ، وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد ، وفي حديث أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : وأنه يجيء معه مثل الجنة والنار ، فالتي يقول إنها
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 212)
الجنة هي النار ، أخرجه أحمد . فظاهر هذه النصوص يشير إلى أن جنة الدجال وناره ليست بحقيقة ، بل خيال ، لذلك قال بعض العلماء : قد يكون الدجال ساحرا فيخيل الشيء بصورة عكسه .
ومن قال : إن ما مع الدجال حقائق ، وليست تخيلات قال : إن الله يجعل باطن الجنة التي يسخرها الدجال ويشعلها : نارا ، وباطن النار جنة ، وهذا ما رجحه ابن حجر في الفتح .
وقيل : إن ذلك كناية عن النعمة والرحمة بالجنة ، وعن المحنة والنقمة بالنار ، فمن أطاعه فانعم عليه بجنة يؤول آخره إلى دخول نار الآخرة وبالعكس .
وعند النظر في النصوص التي ذكرت فتن الدجال وما يجري على يديه من خوارق ، يرى أن بعضها حقيقة وصدق ، وبعضها تخييل وتزييف كيف لا وهو الدجال الكذاب .
لذا أقول : إنه ليس كل ما مع الدجال وما يأتي به حقيقة ، بل يكون منه ما هو دجل وكذب وتخييل ؛ لما ثبت في الحديث من استعانته بالشياطين ، فيقول للأعرابي : أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك ، أتشهد أني ربك ؟ فيقول : نعم ، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه ،
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 213)
فيقولان : " يا بني ، اتبعه فإنه ربك فهذا دجل وكذب ، أما ما يأتي به من أنواع الأطعمة والأشربة فيكون معه جبل خبز ولحم وشراب ، فهذا حق وليس بعجيب ، فهذه أكوام القمح عند صوامع الغلال نراها كالجبال ، فتكون فتنة في ذلك الوقت بذلك ؛ لقلة العيش من جدب الأراضي وانحباس المطر ، والله أعلم .
مما تقدم نعلم أن الدجال خارج في آخر الزمان ، وأنه من أشراط الساعة الكبرى ، وعلمنا أنه ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الدجال - أعاذنا الله من فتنته - فهل كان موجودا حيا في سابق الزمان وما زال إلى أن يخرجه الله تعالى ؟ أم أنه لم يكن شيئا إلى أن خلقه الله عندما يشاء سبحانه خروجه ؟ هذا ما سيبينه المطلب الآتي إن شاء الله تعالى .
.
http://www.alifta.net/Fatawa/fatawaD...&languagename=
.
مجلة البحوث الإسلامية
تصفح برقم المجلد > العدد الخامس والثمانون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1429 هـ > البحوث > المسيح الدجال > المبحث الثاني اختلاف حول الدجال > المطلب الأول هل الدجال حقيقة أم خرافة
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 206)
المبحث الثاني : اختلاف حول الدجال :
المطلب الأول : هل الدجال حقيقة أم خرافة ؟ الدجال بين المثبتين والمنكرين :
تقدم معنا الحديث عن فتنة المسيح الدجال ، ولعظم فتنته افتتنت به أقوام في القديم والحديث قبل خروجه ، فأنكروا وجوده ، ومنهم من أنكر خوارقه ، وهذا خلاف للنصوص الصحيحة المتواترة الصريحة في إثبات خروج الدجال .
قال النووي عن القاضي عياض : " هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده ، وأنه شخص ابتلى الله به عباده ، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله ، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه ، وجنته وناره ، ونهريه ، وإتباع كنوز الأرض له ، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك ، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ، ويبطل أمره ، ويقتله عيسى عليه السلام ، ويثبت الله الذين آمنوا ، هذا مذهب أهل السنة ، وجميع المحدثين ، والفقهاء ، والنظار ، خلافا لمن أنكره وأبطل أمره "
وقال قوام السنة الأصبهاني : " وأحاديث الدجال ثابتة متواترة
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 207)
يجب الإيمان بها " وقال الآجري في كتابه الشريعة : " كتاب التصديق بالدجال ، وأنه خارج في هذه الأمة "
فأحاديث الدجال ثابتة متواترة ، ويجب الإيمان به ، ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكذيب به ، وأخبر أن هناك من سيكذب به ، وفي الأثر ، عن عمر رضي الله عنه قال : إنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم ، وبالدجال ، وبالشفاعة ، وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا
المكذبون بالدجال فريقان :
1- فريق كذب بوجوده وحقيقته ، وقال : إنما الدجال من الدجل والكذب ، وهو رمز للخبث والشر ، فهؤلاء ردوا النصوص ، وكذبوا بها بحجج عقلية لا تستقيم ، وهم : الخوارج ، والجهمية ، وبعض المعتزلة قديما ، حيث زعموا أن الدجال كل رجل خبيث
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 208)
وحديثا : نجد هناك من رد النصوص الصحيحة الثابتة في ذكر الدجال ، وكذب بها ، وقال : إن أحاديثه موضوعة ملفقة ، لا يقبلها العقل
وقال الشيخ محمد عبده : إن الدجال رمز للخرافات ، والدجل ، والقبائح وتابعه محمد فهيم أبو عبية في تعليقه ، وتحقيقه لكتاب النهاية لابن كثير حيث قال : إن الدجال رمز لاستشراء الباطل ، وليس رجلا من بني آدم ويكفي ردا على هؤلاء ما تقدم في المبحث الأول من نصوص ثابتة متواترة في الدجال مما يجب الإيمان بها .
2- الفريق الآخر أثبت وجوده ، وآمن بأنه خارج آخر الزمان ، ولكن خالف في خوارقه ، وما يجري على يد الدجال ، وقال : إنها ليست حقيقة بل خيال ، ومن هؤلاء البخاري المعتزلي ، ومن وافقه وذكر ذلك السفاريني ، عن ابن حبان ونقل ابن كثير ، عن ابن حزم ، والطحاوي قولهما بأن ما يقع مع
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 209)
الدجال ليس له حقيقة واعتمد هذا الفريق على أدلة منها ما هو عقلي ، ومنها ما هو شرعي .
فأما الدليل العقلي - وهو الذي اعتمده البخاري المعتزلي ، وموافقوه - قولهم : إن كان ما مع الدجال حقيقة فيشتبه خارق الدجال مع معجزات النبي ، ويدل على صحة دعواه ، ولم يوثق بمعجزات الأنبياء ؛ إذ تشتبه حينها مع خارق المدعي الكذاب .
وهذا غلط ؛ لأن الدجال لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له ، وإنما يدعي الإلهية ، وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ، ووجود دلائل الحدوث فيه ، ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه ، وهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة ، أو خوفا وتقية من أذاه ؛ لأن فتنته عظيمة تدهش العقول ، وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأرض ، فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ، ودلائل الحدوث فيه والنقص ، فيصدقه من صدقه في هذه الحالة .
ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ، ونبهوا على نقصه ، ودلائل إبطاله .
وأما أهل التوفيق فلا يغترون به ، ولا يخدعون بما معه لما
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 210)
ذكرناه من الدلائل المكذبة له ، مع ما سبق لهم من العلم بحاله ، ولهذا يقول له الذي يقتله ، ثم يحييه : ما ازددت فيك إلا بصيرة
أما الدليل الشرعي الذي تأوله من قال : إن ما مع الدجال خيالات وتخاريف وليست حقيقة :
أ- عن المغيرة بن شعبة قال : ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته ، وإنه قال لي : ما يضرك منه ؟ قلت : لأنهم يقولون : إن معه جبل خبز ونهر ماء ، قال : بل هو أهون على الله من ذلك
قالوا : أهون على الله من أن يكون ما معه حقيقة ، بل يرى ذلك وليس بحقيقة
والقائلون بأن ما معه حقيقة وليس بخيال يؤولون قوله صلى الله عليه وسلم : بل هو أهون على الله من ذلك ، أي هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلا للمؤمنين ، ومشككا لقلوب المؤمنين ، بل ليزداد الذين آمنوا إيمانا ، ويرتاب الذين في قلوبهم مرض ، فهو مثل قول الذي
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 211)
يقتله الدجال : ما كنت أشد بصيرة مني فيك ، لا أن قوله : هو أهون على الله من ذلك أنه ليس شيء من ذلك معه ، بل المراد : أهون من أن يجعل شيئا من ذلك آية على صدقه ، ولا سيما وقد جعل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره ، يقرؤها من قرأ ، ومن لا يقرأ زائدة على شواهد كذبه من حدثه ونقصه .
والحامل على هذا التأويل أنه ورد في حديث آخر مرفوع ، رجاله ثقات : ومعه جبل من خبز ونهر من ماء ، وفي حديث آخر : معه جبال من خبز ، والناس في جهد إلا من تبعه ومعه نهران فهذه النصوص تثبت أن مع الدجال خبزا حقيقة وليس خيالا ، وتمطر السماء بأمره حقيقة لا خيالا .
ب - أما الدليل الآخر الذي تأوله من قال : إن ما مع الدجال خيالات وليس حقيقة هو ما ورد في جنته وناره من قوله صلى الله عليه وسلم : إن معه ماء ونارا ، فناره ماء بارد ، وماؤه نار
وفي رواية شعيب بن صفوان : فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق ، وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد ، وفي حديث أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : وأنه يجيء معه مثل الجنة والنار ، فالتي يقول إنها
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 212)
الجنة هي النار ، أخرجه أحمد . فظاهر هذه النصوص يشير إلى أن جنة الدجال وناره ليست بحقيقة ، بل خيال ، لذلك قال بعض العلماء : قد يكون الدجال ساحرا فيخيل الشيء بصورة عكسه .
ومن قال : إن ما مع الدجال حقائق ، وليست تخيلات قال : إن الله يجعل باطن الجنة التي يسخرها الدجال ويشعلها : نارا ، وباطن النار جنة ، وهذا ما رجحه ابن حجر في الفتح .
وقيل : إن ذلك كناية عن النعمة والرحمة بالجنة ، وعن المحنة والنقمة بالنار ، فمن أطاعه فانعم عليه بجنة يؤول آخره إلى دخول نار الآخرة وبالعكس .
وعند النظر في النصوص التي ذكرت فتن الدجال وما يجري على يديه من خوارق ، يرى أن بعضها حقيقة وصدق ، وبعضها تخييل وتزييف كيف لا وهو الدجال الكذاب .
لذا أقول : إنه ليس كل ما مع الدجال وما يأتي به حقيقة ، بل يكون منه ما هو دجل وكذب وتخييل ؛ لما ثبت في الحديث من استعانته بالشياطين ، فيقول للأعرابي : أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك ، أتشهد أني ربك ؟ فيقول : نعم ، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه ،
(الجزء رقم : 85، الصفحة رقم: 213)
فيقولان : " يا بني ، اتبعه فإنه ربك فهذا دجل وكذب ، أما ما يأتي به من أنواع الأطعمة والأشربة فيكون معه جبل خبز ولحم وشراب ، فهذا حق وليس بعجيب ، فهذه أكوام القمح عند صوامع الغلال نراها كالجبال ، فتكون فتنة في ذلك الوقت بذلك ؛ لقلة العيش من جدب الأراضي وانحباس المطر ، والله أعلم .
مما تقدم نعلم أن الدجال خارج في آخر الزمان ، وأنه من أشراط الساعة الكبرى ، وعلمنا أنه ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الدجال - أعاذنا الله من فتنته - فهل كان موجودا حيا في سابق الزمان وما زال إلى أن يخرجه الله تعالى ؟ أم أنه لم يكن شيئا إلى أن خلقه الله عندما يشاء سبحانه خروجه ؟ هذا ما سيبينه المطلب الآتي إن شاء الله تعالى .
تعليق