إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

تقريرات الجلسات العلمية الرمضانية لسماحة السيد صادق الشيرازي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    الليلة السادسة عشرة ـ شهر رمضان العظيم1436 للهجرة


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
    ((الصلاة في المغصوب جهلاً))
    سأل أحد الفضلاء: إذا صلى في مكان مغصوب جهلاً، كيف يحكم بصحة صلاته مع أن الأحكام مشتركة بين الجاهل والعالم، وهذه الركعات والحركات منهي عنها ولا يمكن التقرب بها؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): قالوا بصحة صلاته إذا جهل بالموضوع، لأنهم استفادوا من أدلة بعض المبطلات ومنها الغصب أنها في صورة الذكر والعلم، وأنها من قبيل (ضيق فم الركية) (1).

    يقول صاحب العروة (رحمه الله) في شرط إباحة مكان المصلي:

    (وإنما تبطل الصلاة إذا كان عالماً عامداً، وأما إذا كان غافلاً أو جاهلاً أو ناسياً فلا تبطل، نعم لا يعتبر العلم بالفساد فلو كان جاهلاً بالفساد مع علمه بالحرمة والغصبية كفى في البطلان) (2).

    ○ فقال الفاضل: نفس ركوع المصلي في الغصب هو تصرف في الغصب وإن لم يعلم به، ولا مصلحة فيه حتى يؤمر به؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): عدم المصلحة في صورة علمه لا مطلقاً.

    ○ قال أحد الفضلاء: استثني من أدلة (لا تعاد) الركوع، وهذا ركوع غصبي فلابد من الإعادة؟

    فعَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): (لا تُعَادُ الصَّلاةُ إِلاّ مِنْ خَمْسَةٍ، الطَّهُورِ وَالْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) (3).

    فأجاب سماحته (دام ظله): المراد منها عدم الإتيان بالركوع أصلاً، أما إذا ركع وكان ثوبه أو بدنه نجساً ولا يعلم بها (4)، فصلاته صحيحة، وكذلك إذا لم يعلم بغصبية المكان.

    ومثله إذا كان جبهة الشخص متنجساً وهو لا يعلم به وسجد السجدتين، حيث قال الفقهاء بصحة صلاته.

    فدليل (لا تعاد) مفاده في الاستثناء: الإعادة في الخمسة إذا أخل بأصلها، أي بأصل الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، دون ما لو جاء بها وأخل بشروطها وما أشبه.

    ○ سأل أحد الفضلاء: أليست ألفاظ العبادات محمولة على المعاني الصحيحة؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): ومع عدم علمه بالغصب تكون العبادة صحيحة، إذ لا نهي عن الغصب مع الجهل كما هو واضح، فالدليل الدال على مانعية الغصب هو في صورة العلم به، أما مع الجهل فيقول الدليل: إنه لا مانعية، والصلاة حينئذ مشتملة على الملاك والأمر.

    بعبارة أخرى: دليل الشرط أضيق من شمول حتى مورد الجهل، فلا يشمله.

    ((من مسائل الإجارة))
    سأل أحد الفضلاء: إذا اتفق شخص مع الأجير على عمل معين في مدة معينة، ولكن الأجير لم يعمل العمل أصلاً، أو عمل بعضه ولم يكمله، فما حكم العقد والأجرة في الصورتين، وهل الأجرة أجرة المسمى أم المثل؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): في صورة عدم الإتيان بالعمل أساساً فالإجارة باطلة، وفي صورة الإتيان ببعضه فله حق الفسخ، فإن فسخ وكان على نحو تعدد المطلوب يستحق الأجير بعض أجرة المثل بالنسبة، لا أجرة المسمى، إلا مع أقليتها عنها فمن المسمى حيث رضي بالأقل، ومع عدم تعدد المطلوب لا يستحق شيئاً.

    ○ قال أحد الفضلاء: عمل العامل محترم والأصل عدم المجانية في عمله؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): هذا إذا لم يسقط بنفسه احترام عمله، ومع القيد وعدم تعدد المطلوب لا شيء له، فإن المؤجر لم يأمر بهذا العمل الناقص حتى يكون ملزماً بدفع الأجرة ولو بالنسبة.

    ((كلام صاحب الجواهر في ارتفاع القيمة))
    أشرنا يوم أمس إلى ما ذكره صاحب الجواهر في رسالته العملية، والتي عليها تعاليق عدد من أعاظم الفقهاء، حيث يقول (رحمه الله): إن في ارتفاع القيمة الخمس في الجملة.

    وهذه هي رسالته المسماة بـ (مجمع الرسائل) نقرأ نص المسألة، يقول في الصفحة 518 المسألة 1599، ما تعريبه (4):

    (إذا وصل مال إلى شخص بسبب الإرث، ومن دون علمه ارتفع المال أو ترتبت عليه المنفعة، تعلق الخمس في المقدار الزائد).

    ولم يعلق على هذا الحكم أحد من الأعلام الذين علقوا على الرسالة، وهم الشيخ الأنصاري، والميرزا الكبير الشيرازي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، والآخوند الخراساني، والسيد اليزدي، والآقا ضياء العراقي والميزرا النائيني والشيخ الحائري المؤسس (رضوان الله عليهم أجمعين).

    ○ سأل أحد الفضلاء: لا يعلم أن المراد بالعبارة ارتفاع القيمة السوقية، فربما يكون المراد النماء المتصل أو المنفصل؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): (المنفعة المترتبة) في كلامه أعم، فتشمل ارتفاع القيمة أيضا، فإن ظاهر عبارات الفقهاء حجة كما قالوا.

    ثم قال (دامت بركاته): المسألة الأخرى التي وردت في رسالة صاحب الجواهر (رحمه الله) هي في من لم يتمكن من شراء الدار أو بنائها في سنة واحدة، فيضطر لجمع المال لعدة سنوات حتى يشتري بها داراً، فهل فيه الخمس؟

    يقول صاحب الجواهر في الصفحة 526 المسألة 1626 ما تعريبه (5):

    (إذا ادخر شخص مقداراً من أرباح كسبه السنوي، ليشتري به داراً أو فرشاً أو سائر ما يحتاجه في عيشه، وحل رأس سنته الخمسية، فالأحوط أن يخمس ذلك).

    وهذا الاحتياط وجوبي كما لا يخفى، لأنه ليس مسبوقاً أو ملحوقاً بالفتوى، مع ذلك علق الميرزا الشيرازي والسيد الطباطبائي صاحب العروة (قدس سرهما) بقولهما: (اين احتياط ترك نشود)، اي لا يترك هذا الاحتياط تأكيداً على وجوبه.

    ○ سأل أحد الفضلاء: هذه المسألة في ادخار المبلغ، وكان البحث ليلة أمس في من شرع ببناء الدار ولم يتمكن من إكمالها في سنة واحدة، والفرق بينهما أنه في الادخار لم يصرف المبلغ، ولكن في البناء صرفه ولم يبق عنده شيء؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): نعم، المسألة هذه في المبلغ المدخر لشراء أو بناء الدار، وفيها قال هؤلاء الفقهاء بأنه ليس من المؤنة ولابد من تخميسه، ولكن الدار إذا شرع في بنائها فما دام لم تُكمل ولم يسكن فيها لا تحسب مؤنة، فإن أدلة الخمس تقول: كل شيء تغنمه وتستفيده فعليك خمسه، وتعلق الخمس به غير مشروط بحلول السنة بل في نفس الوقت، ويوماً بيوم، نعم يجوز تأخيره ويستثنى منه المؤنة.

    قال (عليه السلام): (هي والله الإفادة يوماً بيوم) (6).

    وقال (عليه السلام): (الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها) (7).

    وقال عليه السلام: (عَلَى كُلِّ امْرِئٍ غَنِمَ أَوِ اكْتَسَبَ الْخُمُسُ مِمَّا أَصَابَ لِفَاطِمَةَ (عليها السلام) وَلِمَنْ يَلِي أَمْرَهَا مِنْ بَعْدِهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهَا الْحُجَجِ عَلَى النَّاسِ، فَذَاكَ لَهُمْ خَاصَّةً يَضَعُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا، إِذْ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، حَتَّى الْخَيَّاطُ لَيَخِيطُ قَمِيصاً بِخَمْسَةِ دَوَانِيقَ فَلَنَا مِنْهَا دَانِقٌ إِلاّ مَنْ أَحْلَلْنَا مِنْ شِيعَتِنَا لِتَطِيبَ لَهُمْ بِهِ الْوِلادَةُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْ‌ءٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَا إِنَّهُ لَيَقُومُ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ سَلْ هَؤُلاءِ بِمَا أُبِيحُوا)(8).

    إذن الخمس يتعلق بالفائدة فوراً، لكنه من الواجب الموسع، كما أن الصلاة واجبة في أول وقتها وإن كانت بنحو الموسع، فلما يصلي الإنسان في أول وقتها ينوي الوجوب لا الاستحباب، وهكذا في الخمس حيث يمكنه دفع المبلغ عند حصول الفائدة بنية الوجوب، ولكن رخص التأخير إلى السنة الخمسية، كما استثني منه المؤنة.

    وهذا من الفروق بين الخمس والزكاة، فإن الزكاة لا تجب إلا بعد الحول، ولا يمكن دفعها بنية الوجوب قبله، أما الخمس فالتعلق حين الفائدة ويجوز دفعها بنية الوجوب وإن جاز التأخير إلى رأس السنة.

    ○ سأل أحد الفضلاء: من كان له رأس مال يتاجر به، لكنه إذا دفع خمسه أضر برأس ماله فلا يتمكن من التجارة، قال البعض لا خمس فيه، فما تقولون؟

    فقال سماحته (دام ظله): هذه مسألة أخرى مذكورة في محلها، وليس البحث فيها الآن.

    إذن الخمس يتعلق بالفائدة، والمؤنة مستثناة، وهي مشروطة بثلاثة: أن تكون حلالاً، وأن تكون بمقدار شأنه، وأن تصرف، لا تبقى لأجل التقتير وما أشبه.

    من هنا كما لا تصدق المؤنة الفعلية على المبلغ المدخر لأجل شراء الدار، كذلك لا تصدق على ما صرفه للبناء خلال سنوات ما لم تكمل الدار ولم يسكن فيها.

    نعم إذا قال العرف بأن ما صرفه على البناء فهو من مؤنة نفس السنة، فلا خمس فيها، ومع الشك يبقى أصل وجوب الخمس حاكماً.

    ((تراب قبور المعصومين عليهم السلام))

    سأل أحد الفضلاء: أكل التراب والطين حرام، واستثني من ذلك طين قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، فما حكم تراب سائر مراقد المعصومين (عليهم السلام)؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): الفقهاء تطرقوا إلى هذه المسألة في كتبهم، منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة، وصاحب الجواهر في جواهره، والمرحوم السيد الأخ (رحمهم الله جميعاً) في الفقه، وبحثوها مفصلاً في كتاب (الأطعمة والأشربة) بمناسبة محرمات الأكل.

    وخلاصة الكلام: إنه بالنسبة إلى طين قبر الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) لا شك في جواز أخذ مقدار قليل حدده الفقهاء للاستشفاء.

    أما بالنسبة إلى قبور سائر المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) فالنصوص متعارضة، بعض الروايات تقول بالحرمة، وبعضها تقول بالحلية، ولكن المشهور أخذوا بروايات الحرمة وأعرضوا عما دل على الحلية، إلا النادر ممن أجاز.

    ومن روايات الجواز:

    عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ طِينِ الْحَائِرِ هَلْ فِيهِ شَيْ‌ءٌ مِنَ الشِّفَاءِ، فَقَالَ: (يُسْتَشْفَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَبْرِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَكَذَلِكَ قَبْرُ جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَكَذَلِكَ طِينُ قَبْرِ الْحَسَنِ وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ (عليهم السلام) فَخُذْ مِنْهَا فَإِنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَسُقْمٍ وَجُنَّةٌ مِمَّا تَخَافُ وَلا يَعْدِلُهَا شَيْ‌ءٌ مِنَ الأَشْيَاءِ لِلَّذِي يَسْتَشْفِي بِهَا إِلاّ الدُّعَاءُ، وَإِنَّمَا يُفْسِدُهَا مَا يُخَالِطُهَا مِنْ أَوْعِيَتِهَا وَقِلَّةُ الْيَقِينِ لِمَنْ يُعَالِجُ بِهَا) (9) الحديث.

    وفي رواية محمد بن مسلم، عن الباقر (عليه السلام)، وقد أعطاه شراباً فشربه فشفي من مرضه، أنه (عليه السلام) قال له: (يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الشَّرَابَ الَّذِي شَرِبْتَهُ كَانَ فِيهِ مِنْ طِينِ قُبُورِ آبَائِي وَ هُوَ أَفْضَلُ مَا نَسْتَشْفِي بِهِ فَلَا تَعْدِلْ بِهِ فَإِنَّا نَسْقِيهِ صِبْيَانَنَا وَ نِسَاءَنَا فَنَرَى مِنْهُ كُلَّ خَيْرٍ) (10).

    وفي المقابل:

    عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (وَلا تَأْخُذُوا مِنْ تُرْبَتِي شَيْئاً لِتَتَبَرَّكُوا بِهِ فَإِنَّ كُلَّ تُرْبَةٍ لَنَا مُحَرَّمَةٌ إِلا تُرْبَةَ جَدِّيَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَهَا شِفَاءً لِشِيعَتِنَا وَأَوْلِيَائِنَا) (11).

    وما ورد من التعبير بالأكل من لحومهم ودمائهم، وهو من أشد المحرمات، حيث ورد ذلك في من تناول أكثر من الحمصة أو أكل طين الحائر الشريف لغير الاستشفاء:

    قال عليه السلام: (وَلا تَنَاوَلْ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ حِمَّصَةٍ فَإِنَّ مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ مِنْ لُحُومِنَا وَ دِمَائِنَا) (12).

    وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (مَنْ أَكَلَ مِنْ طِينِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام غَيْرَ مُسْتَشْفٍ بِهِ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ مِنْ لُحُومِنَا) (13).

    ○ قال أحد الفضلاء: هناك رواية خاصة تجيز أكل القليل من طين قبر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).

    فأجاب سماحته (دام ظله): نعم، لكنهم أعرضوا عنها, وهي معارضة برواية أخرى حيث تفيد العموم: (فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا).

    ○ وسأل أحد الفضلاء: ما هي حدود طين قبر الحسين (عليه السلام)

    فأجاب سماحته (دام ظله): فيها خلاف، قال بعض الفقهاء إنها أربعة فراسخ في أربعة، وقيل أكثر، وقيل أقل (14).

    ○ سأل أحد الفضلاء: ما ذا تقولون بالأتربة التي تجمع في الصحن الحسيني الشريف وحرمه المطهر؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): مع الصدق العرفي لا بأس، ولذلك كان بعض المؤمنين يبيتون شيئاً من التراب عند القبر الشريف ثم يأخذونه للاستشفاء.

    ((من مسائل السعي))
    سأل أحد الفضلاء: هناك درّاجات مخصصة حديثاً في بعض طوابق السعي يركبها الساعي، فهل يجوز السعي عليها اختياراً، وهي سريعة جداً بحيث لا يطول السعي عليها إلا دقائق معدودة؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): لا إشكال في ذلك، فإن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار، وفي الرواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) طاف على ناقته.

    رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي (عليه السلام): أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ وَسَعَى عَلَيْهَا بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ) (15).

    ○ فقال أحد الفضلاء: ألا تكون هذه المدة القصيرة خلاف المتعارف فهي خارجة عن إطلاق أدلة السعي؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): الإطلاقات تشمل كل ذلك، والزمن ليس شرطاً في مثل هذه المسائل.

    ((لماذا الأحوط وليس الأقوى))
    رجع أحد الفضلاء إلى المسألة السابقة التي طرحت في الخمس، وقال:

    لماذا صاحب الجواهر (رحمه الله) قال بالاحتياط فيها ولم يفت فيقول الأقوى مثلاً، مع أنه من الواضح تعلق الخمس بالمال المدخر لعدم صرفه، بخلاف ما صرفه في البناء وإن لم يكمل بناؤه في نفس السنة، حيث يمكن القول بالاحتياط فيه دون الفرض الأول؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): ربما لشبهة احتياجه للدار، وأنه لا يمكنه الشراء في سنة واحدة، فعليه أن يدخر شيئاً فشيئاً، فما ادخره كان من مؤنة نفس السنة، هذه هي الشبهة.

    والفقهاء رعاية لشدة التقوى والورع، إذا شكوا في مورد فلا يفتون عادةً، بل يحتاطون، فإن (المفتي على شفير جهنم).

    قال (عليه السلام): (أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار، فإن المفتي على شفير جهنم).

    ○ سأل أحد الفضلاء: فما ذا تقولون في المبلغ الذي يقدّم لتسجيل الحج، ويبقى عند الحكومة عدة سنوات مثلا، فهل فيه الخمس؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): إن كان من مؤنة نفس السنة لا خمس فيه، وإن كان من مؤنة سنة الحج تعلق به الخمس ما دام لم يحج في نفس السنة.

    إذن (المؤنة) استثنيت، وهي موضوع عرفي، فمع إحرازها لا خمس، ومع إحراز العدم أو عدم الإحراز أي الشك، كان عليه الخمس.

    ○ قال أحد الفضلاء: يمكن أن يقال بأن ادخار المال إن كان تكليفاً شرعياً فلا خمس فيه، لأنه صرفه في الادخار بأمر الشارع، كما قالوا في باب الحج فيمن وجب عليه التسجيل قبل الحج بسنوات، فحيئنذ لا خمس على ذلك المبلغ، بخلاف المبلغ المدخر لبناء البيت، فإنه ليس من التكليف شرعاً أن يبني الإنسان بيتاً، ففيه الخمس؟

    فأجاب سماحته (دام ظله):

    نقضاً: بما لو وجب عليه إسكان عائلته بما يليق بشأنهم في دار وسيعة، فأخذ يدخر المال لسنوات حتى يمكنه شراؤها أو بناؤها.

    وحلاً: بأن الحكم يدور مدار (المؤنة) سلباً وإيجاباً عرفاً، فهل ما ادخره أو صرفه مؤنة نفس السنة، أم مؤنة السنوات الآتية، ففي الأول لا خمس دون الثاني.

    وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
    الليلة الخامسة عشرة
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
    (1) مثل عربي يقال لحافر البئر لكي يضيق فمها، ويستعمل لما يراد إيجاده ضيقاً ابتداءً لا تضييقه بعد السعة.
    (2) العروة الوثقى: ج1 ص571 الفصل 12 في مكان المصلي.
    (3) الفقيه: ج1 ص279 باب القبلة ح857.
    (4) أي بالنجاسة.
    (5) الرسالة هي بالفارسية ونص المسألة هو: (مالي به سبب ارث به شخصي رسيده، وبدون اطلاع او آن مال افزايش يابد، ويا منفعتي بر آن مترتب شود، كه در تمام اينها خمس در مقدار زائد خمس تعلق ميگيرد).
    (6) الرسالة هي بالفارسية ونص المسألة هو: (هر گاه شخصي مقداري از منافع كسب ساليانه خود را براي خريد خانه ويا فرش ويا سائر ما يحتاج زندگي خود ذخيره كند، در هنگام سال خمسي احتياطا بايد خمس آن را بدهد).
    (7) الكافي: ج1 ص544 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس ... ح10.
    (8) تهذيب الأحكام: ج4 ص141 ب39 ح20.
    (9) تهذيب الأحكام: ج4 ص122 ب35 ح5.
    (10) وسائل الشيعة: ج24 ص227 ب59 ح30403.
    (11) وسائل الشيعة: ج14 ص526 ب70 ح19749.
    (12) وسائل الشيعة: ج14 ص529 ب72 ح19753.
    (13) وسائل الشيعة: ج24 ص229 ب59 ح30407.
    (14) وسائل الشيعة: ج24 ص229 ب59 ح30406.
    (15) للتفصيل راجع موسوعة (الفقه) للإمام السيد محمد الشيرازي رحمه الله، ج76 كتاب الأطعمة والأشربة ج1.
    (16) الفقيه: ج2 ص402 ح2818.

    تعليق


    • #17
      الليلة السابعة عشرة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة

      بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
      ((القضاء فقط أم الكفارة أيضاً))
      سأل أحد الفضلاء: إذا نوى شخص عدم الصوم في شهر رمضان ولكنه لم يأت بمفطر، فلا صوم له وعليه قضاء ذلك اليوم، ولكن هل عليه الكفارة؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): لا كفارة عليه، نعم قال بعض في البحث العلمي باحتمال الكفارة أيضاً، ولكنه خلاف أدلتها، فإن ظاهرها أن يأتي بمفطر، وهذا لم يكن صائماً ولا يسمى عدم النية أو نية العدم أنه أتى بمفطر وإن لم يكن صومه صحيحاً.

      فهو من باب (ضيق فم الركية)، إذ أدلة الكفارة أضيق من أن تشمل من لم يأت بأحد المفطرات العشرة المذكورة.

      ○ وسأل أحد الفضلاء: إذا نوى عدم الصوم ثم أتى بمفطر من المفطرات، فهل عليه الكفارة؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): نعم عليه الكفارة، وإن كانت هناك شبهة علمية بعدم وجوبها عليه، لكن الفقهاء قالوا بلزوم الكفارة.

      والشبهة هي أن مع عدم النية لا صوم له حتى يصدق عليه أنه أتى بمفطر.

      ولكن أدلة الكفارة في المفطرات فيها ظهور يشمل ما نحن فيه، وفهمه الفقهاء حيث قالوا من كان واجبه الصوم فأتى بأحد المفطرات وجبت الكفارة عليه، فأدلتها بعمومها تشمل حتى من لم ينو الصوم وجاء بأحد المفطرات وكان واجباً عليه.

      ((هل تعدد الكفارة بتعدد المفطر))
      سأل أحد الفضلاء: هل الكفارة تتعدد بتكرر المفطر، بأن أكل عدة مرات في يوم واحد أو جامع كذلك؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): فصل الفقهاء في المفطرات، فقالوا في الأكل والشرب وما أشبه إنه لا تعدد، لأن الكفارة تترتب على الأكل بما هو هو سواء كان مرة واحدة أو أكثر منها.

      نعم في الجماع دليل خاص على تكررها بتكرره.

      ○ قال أحد الفضلاء: تعدد السبب يوجب تعدد المسبب، فلا بد من تكرر الكفارة؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): هذا عرفاً سبب واحد، وإن كان عدة أكلات مثلاً، فالأكل كالكلي المشكك يشمل لقمة واحدة وعدة لقمات، وكذلك عدة أكلات، وفي مجلس أو عدة مجالس، فيصدق على كلها: من أكل فعليه الكفارة، فلا تجب إلا مرة واحدة.

      ○ قال أحد الفضلاء: تكرر عنوان الأكل والشرب، فلابد من تكرار الكفارة.

      فأجاب سماحته (دام ظله): العنوان كلي مشكك يشمل حتى مع التكرر، كالماء الذي يشمل القطرة الواحدة ويشمل البحر بكله على نحو الكلي المشكك، وكذلك المساحة في متر واحد وألف متر، وهكذا. فالمسألة ليست عقلية بل هي عرفية، والظهور فيها حجة.

      ○ سأل أحد الفضلاء: في الجماع أيضا الكلي مشكك، فلماذا تتكرر الكفارة؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): هناك دليل خاص، والبعض ألحق به الاستمناء أيضاً.

      ○ سأل أحد الفضلاء: هل تقولون بتداخل الأسباب؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): المشهور لا يقولون به ونحن أيضاً لا نقول به، ولكن ما نحن فيه لا تعدد في الأسباب حتى يقال بتداخلها، بل مجموع المرات يكون سبباً واحداً، كما أن المرة الواحدة أيضاً سبب واحد، وهذا من نحو تطبيق الكلي المشكك على مصاديقه, فلا تتكرر الكفارة بتعددها وتكررها في اليوم الواحد.

      ○ أشكل أحد الفضلاء وقال: هذا يلزم منه الإشكال العقلي، فإن الكفارة إن تعلقت بالسبب الأول أي الأكل الأول، فما هو دور السبب الثاني أي الأكل الثاني، حيث لا يمكن أن يقال بأن الكفارة الأولى هي مسببة عن السبب الثاني، فإن المعلول لا يتقدم على علته، فيبقى السبب الثاني بلا مسبب حينئذ وهو محال أيضا.

      فأجاب سماحته (دام ظله): هذا الإشكال يرد على كل المشككات نقضاً، وحله أن عنوان الأكل هو السبب للكفارة سواء كان مرة أو مرتين، فإذا أكل مرة أخرى فعل حراماً آخر ولكن لا تتعدد الكفارة.

      ○ سأل أحد الفضلاء: هل يعني ذلك أن كل أكلة من الأكلات جزء من السبب؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): ربما يقال بذلك، على تأمل فيه.

      ○ فقال السائل: فالأكلة الثانية تعتبر من الشرط المتأخر؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): مع القول بالمشكك هنا لا حاجة لنا إلى الشرط المتأخر، وإن لم يترتب عليه إشكال لو قال به أحد.

      وللتقريب نقول:

      (من فطّر مؤمناً) فله كذا من الثواب (1)، يصدق الإفطار على أول جزء من اللقمة التي يأكلها الصائم وقت الإفطار، ويصدق على كل أكله أيضاً المشتمل على اللقمات المتعددة، بل الأكلات المتنوعة، فكلها مصداق لمن فطّر مؤمناً، على نحو الكلي المشكك، لا أن أول لقمة بل أول جزء منها مصداق له والباقي خارج عنه، فيصدق على المجموع إفطار الصائم كما يصدق على الجزء الأول ذلك.

      وهذا من آثار الكلي المشكك على ما هو مذكور في المنطق.

      ○ سأل أحد الفضلاء: فما الفرق بين الجماع والأكل في التعدد وعدمه؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): الفارق هو النص.

      ○ سأل أحد الفضلاء: إذا أفطر مرة فهو ليس بصائم، فلماذا احتمال تكرار الكفارة، ولماذا في الجماع قالوا بتعدد الكفارة؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): تعددها فيه للنص الخاص.

      ○ سأل أحد الفضلاء: إذا كان الأصل عندكم عدم تداخل الأسباب، فلماذا لا تقولون بتعدد الكفارة حتى في الأكل؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): نعم الأصل عدم تداخل الأسباب، ولكن العرف يرى مجموع الأكلات سبباً واحداً كما بيناه.

      وإلا فإن كان الأمر دقياً ففي اللقمة الواحدة لابد من القول بتعدد الكفارة، لأنه بعد المضغ يدخل في جوفه أول جزء من اللقمة ويترتب عليه الكفارة، ثم يدخل الجزء الثاني والثالث وهكذا، فهل يقال بتعددها لتعدد أجزاء اللقمة الواحدة وتكرر الازدراد فيها؟

      فكما أن العرفية في اللقمة الواحدة تقول بالسبب الواحد، كذلك في تعدد اللقمات والأكلات.

      ○ سأل أحد الفضلاء: أليست كل أكلة سبباً؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): ليس المراد بالسبب العلة التامة حتى يرد الإشكال، بل المراد السبب العرفي أو جزء السبب أو ما أشبه مما لا يتنافى ذلك مع عدم تعدد الكفارة بتعددها.

      قال أحد الفضلاء: التعليق في الجمل الشرطية في أدلة الكفارة، يوجب تعدد الجزاء بتعدد الشرط، حيث قال مثلاً: (من أكل فعليه الكفارة) فكيف تقولون بالانحصار في كفارة واحدة مع تكرر الشرط؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): الظهور العرفي هو الملاك.

      قال تعالى: (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً)(2) ، وفي الرواية المراد بالقرآن هنا آيات معينة (3)، فالقرآن مشكك يصدق على الآية الواحدة وعلى أكثر منها، وعلى سورة واحدة وعلى عدة سور وعلى المجموع الكامل.

      وكذلك هنا يقول الشارع (الأكل فيه كفّارة)، فالأكل يشمل لقمة واحدة ووجبة كاملة، كما يشمل جزء اللقمة والأجزاء التالية منها.

      نعم البعض فرق بين الجلسة الواحدة وتكررها، ولكن في اليوم الواحد كلها مصداق للأكل على نحو الكلي المشكك، فلا تكرر الكفارة بتكرر المجلس.

      ○ سأل أحد الفضلاء: هناك عموم في أدلة الكفارة، فقوله: إن أكلت فكفر، عمومه يشمل ما أكل بعده أم لا، ففي كل مرة كفارة، لأنه لم يقل لا كفارة في الأكلات البعدية؟ وإلا فما تقولون في مثل: (إن دخل الوقت فصلّ)، فهل يكتفي بصلاة واحدة ولا يكررها في الأيام المختلفة؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): إذا كان هناك في الكفارة ظهور في المرة من باب الكلي المشكك، فهذا لا يعني وجود مثل هذا الظهور في كل مكان حتى في الصلاة، إذن المعيار الظهور العرفي وهو يختلف في الصوم عن الصلاة.

      وقد ورد في باب الحج أنهم سألوا عن المعصوم (عليه السلام) هل الحج مرة واحدة أم أكثر، فلم يجبهم ثم قال: لم تسألون عن ذلك؟ أي لا حاجة للسؤال بعد الظهور في المرة الواحدة.

      عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ‌ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (4) قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي كُلِّ عَامٍ، فَسَكَتَ، فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: لا، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (5)، (6).‌

      ○ سأل أحد الفضلاء: بالنسبة إلى كفارة الصيد قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزيزٌ ذُو انْتِقامٍ) (7).

      حيث ورد: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ صَيْداً، قَالَ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، قُلْتُ: فَإِنْ أَصَابَ آخَرَ، قَالَ: إِذَا أَصَابَ آخَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَهُوَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) (8).

      فقوله تعالى: (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) نفي للكفارة المتعددة، أي لولاها لكان يفهم من ابتداء الآية الظهور في التكرار، وإلا فما وجه الإتيان بتتمة الآية؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): نحن لا ننفي ظهور بعض النصوص في التكرار، بل قلنا بأنه تابع للظهور العرفي، فمثلاً: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‌ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) (9) ، فيه ظهور في التكرار كل يوم.

      ولكن في كفارة الصوم لم يفهم الفقهاء ولا العرف التكرار بتكرر الأكل وما أشبه، فأخذوها على نحو المشكّك لا على نحو المفرّد.

      ((الخمس وشأنية المعنويات))
      ○ سأل أحد الفضلاء: قلتم بأن من شروط المؤنة: الشأنية، فهل تقولون بالشأنية في المعنويات أيضاً، فإذا أنفق على الفقراء أكثر من شأنه هل يجب تخميسه؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): قال بعض الفقهاء: نعم فيه الخمس، ولكن يبدو أن المعنويات لا تراعى فيها الشأنية، فالترغيب الكبير على ما يوجب التقرب إلى الله تعالى مطلق، وكلما تقرب الإنسان إلى ربه بالمعنويات أكثر فأكثر كان أفضل.

      فالإنفاق بدينار واحد مستحب، والإنفاق بالأكثر أفضل وأكثر ثواباً، من هنا نقول: لا خمس فيما يصرف في المعنويات بنية القربة مهما كثر.

      فمن كان شأنه زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مرة في السنة، إذا زار عدة مرات، فكلها تكون من المؤنة ولا خمس فيها، لأن الشارع هو الذي أمر بها وبالإكثار منها.

      ((الخمس والتعلق بالعين))
      سأل أحد الفضلاء: إذا كان الخمس يتعلق بالعين عند حصول الفائدة يوماً بيوم، فهو لا يملك خمس العين، فكيف يتصرف فيه، وكيف يستطيع للحج به، فهل يكون الانسان مستطيعا بمال غيره؟

      فأجاب سماحته (دام ظله):

      أولاً: الاستطاعة تحصل بالأعم من مال نفسه، فقد تحصل بالبذل والإباحة وما أشبه.

      وثانياً: مع تعلق الخمس لا يخرج عن ملكه مطلقاً، فإن أدلة الخمس بعد المؤنة تقول: إذا لم يصرفها خلال السنة استقر الخمس عليه، ولكن مع الصرف فهو كاشف عن الملكية له لا لأرباب الخمس.

      وبعبارة أخرى: خمس العين ليس له إن بقي إلى رأس السنة، أما مع صرفه فهو له.

      فأدلة المؤنة تخصص عموم الخمس.

      أو يقال بأنه له حتى مع التعلق إلا إذا لم يصرفها وبقيت إلى رأس السنة، فتأمل.

      ○ سأل أحد الفضلاء: هل كان يمكنه أن يخمسه فور تعلقه وقبل إخراج المؤنة، وكيف كان ينوي ذلك؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): نعم يمكنه أن يخمسه وينوي حينئذ الوجوب، لأن التأخير رخصة، مثل نية الوجوب في صلاة الظهر في أول وقتها، مع أنها واجب موسع يجوز تأخيرها من أول وقتها.

      وكذلك الخمس، حيث ورد: (هي والله الإفادة يوماً بيوم) (10) ، وورد: (حَتَّى الْخَيَّاطُ لَيَخِيطُ قَمِيصاً بِخَمْسَةِ دَوَانِيقَ فَلَنَا مِنْهَا دَانِقٌ) (11).

      فالخمس واجب وقت الإفادة وإن كان موسعاً، فلا يلزم الفور فيه، بل يجوز تأخيره إلى تمام السنة وبعد المؤنة.

      والمؤنة تكون بشروطها الثلاث: الفعلية والحلية والشأنية.

      قال صاحب العروة: (مسألة، متى حصل الربح وكان زائداً على مئونة السنة تعلق به الخمس‌، وإن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة، فليس تمام الحول شرطاً في وجوبه وإنما هو إرفاق بالمالك لاحتمال تجدد مئونة أخرى زائداً على ما ظنه، فلو أسرف أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس، وكذا لو وهبه أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه‌) (12).

      ○ سأل أحد الفضلاء: ذكر بعض العلماء أن القول بالإباحة المجردة في المعاطاة يستلزم تأسيس قواعد جديدة في الفقه، ومنها في باب الاستطاعة حيث تحصل بالإباحة وليست بالملك، من هنا استبعد البعض الإباحة المجردة.

      قالوا بناءً على الإباحة: ففي الأخماس والزكوات تتعلق الزكاة والخمس بالمال الذي صار عنده بالمعاطاة مع أنه لا يكون مالكاً له مع توقف تعلقهما على الملك.

      وقالوا في الاستطاعة: يتعلق وجوب الحج عليه بواسطة استيلائه على المال بسبب المعاطاة مع أنه ليس مالكاً له.

      إلى غيرها من الموارد كما ذكروا في الديون والنفقات والمقاسمة والشفعة والمواريث والربا والوصايا وغيرها (13).

      فأجاب سماحته (دام ظله): لا تتوقف الاستطاعة على الملك كما أشرنا، فبالإباحة قد تحصل الاستطاعة أيضاً، كما لو قال له: أبحت لك أن تأخذ من أموالي للحج.

      ويمكن القول في باب الخمس: إنه تعلق بالعين ولا يملك مقداره لكن بقيد أو بشرط عدم صرفه، فإذا صرفه قبل تمام السنة فهو كاشف عن ملكه أيضاً في ذلك المقدار، فتأمل.

      والبحث في المعاطاة وأنها تفيد الإباحة أو الملك مفصل مذكور في محله.

      ○ قال أحد الفضلاء: إن الفقهاء جعلوا الحج البذلي في مقابل الحج بالاستطاعة؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): الاستطاعة أعم من ذلك، ومن أقسامها البذل والإباحة.

      ○ قال أحد الفضلاء: هذا يستلزم منه الدور؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): لا دور فيه، بل هو من العام والخاص، فالخمس تعلق به إلا إذا صرفه وصدق عليه المؤنة، وهذا هو مقتضى الجمع بين الأدلة، وهو تعلق الخمس يوماً بيوم وما دل على تخصيصه بالمؤنة.

      وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
      الليلة السادسة عشرة
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
      (1) راجع وسائل الشيعة: ج10 ص141 ب3 باب استحباب تفطير الصائم عند الغروب وتأكده في شهر رمضان.
      (2) سورة الإسراء: 45.
      (3) عَنِ الرِّضَا (عليه السلام) عَنْ أَبِيهِ (عليه السلام)، قَالَ: دَخَلَ أَبُو الْمُنْذِرِ هِشَامُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقَالَ أَنْتَ الَّذِي تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ، قَالَ قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لِنَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله): (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) مَا ذَلِكَ الْقُرْآنُ الَّذِي كَانَ إِذَا قَرَأَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) حُجِبَ عَنْهُمْ، قُلْتُ: لا أَدْرِي، قَالَ: فَكَيْفَ قُلْتَ إِنَّكَ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ، قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُنْعِمَ عَلَيَّ وَتُعَلِّمَنِيهِنَّ، قَالَ آيَةٌ فِي الْكَهْفِ وَآيَةٌ فِي النَّحْلِ وَآيَةٌ فِي الْجَاثِيَةِ، وَهِيَ: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‌ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى‌ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى‌ بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ، وَ فِي النَّحْلِ: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى‌ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ، وَفِي الْكَهْفِ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى‌ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى‌ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً). بحار الأنوار: ج89 ص283 ب43 ح2.
      (4) سورة آل عمران: 97.
      (5) سورة المائدة: 101.
      (6) مستدرك الوسائل: ج8 ص14 ب3 ح8937.
      (7) سورة المائدة: 95.
      (8) الكافي: ج4 ص394 باب المحرم يصيب الصيد مراراً ح2.
      (9) سورة الإسراء: 78.
      (10) الكافي: ج1 ص544 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس ... ح10.
      (11) تهذيب الأحكام: ج4 ص122 ب35 ح5.
      (12) العروة الوثقى: ج2 ص397 المسألة 72.
      (13) راجع المكاسب والبيع للميرزا النائيني: ج1 ص153.

      تعليق


      • #18
        الليلة الثامنة عشرة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة


        الليلة الرابعة والعشرون من شهر رمضان العظيم 1436 للهجرة(1)

        بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


        ((من أحكام المستبصرين))
        سأل أحد الفضلاء: إذا استبصر أحد المخالفين وكان قد ترك بعض عباداته الواجبة ولم يؤدها أصلاً، مثلاً لم يكن يصلي لعدة سنوات، فهل تسقط أم لا بد من قضائها بعد استبصاره؟

        أم أن الساقط بالإيمان هو خصوص ما جاء به على وفق مذهبه وإن لم يكن صحيحاً على مذهب الحق؟

        فأجاب سماحته (دام ظله): هذه المسألة خلافية، والمقدار المتفق عليه مما لا يحتاج إلى القضاء ما جاء به وكان صحيحاً عنده حينه وإن لم يكن صحيحاً على المذهب الحق، وهذا إجماعي.

        ولكن هناك فرعان آخران وقع فيهما الخلاف،

        الفرع الأول: ما جاء بالعبادات ولكن كان باطلاً حتى على مذهبه، كما لو كان لا يبالي بتكاليفه الشرعية عندهم.

        الفرع الثاني: ما لم يأت بها أصلاً، فلم يصل ولم يصم وهكذا، ثم استبصر.

        البعض صرحوا ومنهم السيد الأخ (رضوان الله تعالى عليه) في كلا الفرعين بعدم الحاجة إلى الإعادة، لعموم (الإيمان يجب ما قبله) (2) وهو ما استنبطه العلماء من قوله (صلى الله عليه وآله): (الإسلام يجب ما قبله) (3) وغيره (4)، وإن لم يكن الإيمان حديثاً بنفسه.

        وقال بعض: بأن الأصل الحاجة إلى الإعادة، خرج منه ما جاء به صحيحاً على مذهبه، أما سائر الفروع فلابد فيها من الإعادة، لعدم شمول (دليل الجب) لذلك ولا إجماع في البين.

        والذي يبدو للنظر أن المستفاد من مجموع الأدلة، وإن كان كل واحدة بوحدها قد لا تدل، هو الاطمينان بالجب في كل هذه الفروع.

        فكما أن (الإسلام يجب ما قبله) عام يشمل مثل كل ذلك، للإيمان نفس الحكم أيضاً بالملاك.

        وإذا أخدش البعض في (الإسلام يجب) سنداً، فلا شك أن السيرة المستمرة تدل على الجب، وإن كان يبدو في النظر أنه لا خدشة في سند (الإسلام يجب)، فإن جماعة من أعاظم أهل الخبرة قد استندوا إليه واستدلوا به، ومثل ذلك يعد من الطرق العقلائية في التفهيم والتفهم فيكون حجة.

        وقد ذكرنا أنه لا يشترط في كل رواية أن يكون سندها صحيحاً، بل السند الصحيح إحدى الطرق لمعرفة المتن الصحيح.

        وكذلك بالنسبة إلى ما يترتب على (الإيمان يجب ما قبله)، حيث يمكن الاعتماد على السيرة القطعية بعدم لزوم القضاء، وقد استبصر في زمن الأئمة (عليهم السلام) الآلاف من الناس، كان منهم سعد الخير (5) وغيره، فإذا كان من الواجب قضاء ما فاته لبان، فالسيرة بضميمة (لو كان لبان) تدل على عدم لزوم القضاء للمستبصر في الفروع المذكورة، أي وإن لم يؤدها أصلا أو أداها على خلاف مذهبه السابق.

        ○ سأل أحد الفضلاء: ربما السيرة على الجب هي فيمن كان يصلي حسب مذهبه، ولا نعلم بوجود السيرة فيمن لم يكن يصلي أصلا، أو كان يصلي خطأً وفق مذهبه؟

        فأجاب سماحته (دام ظله): السيرة تشمل ذلك لوجود مثل من لم يكن يصلي أو يصلي خطأ عنده، ففي كل زمان هناك من يترك واجباته أو يعمله خطأ، لاحظوا زماننا فكم من شخص لا يصلي أو يصلي خطأ، فإذا كان من الواجب الإعادة لبان ذلك، ولم نر في مورد أنه كان يسأل المستبصر هل تركت صلواتك السابقة أو جئت بها خطأ عندك.

        ○ قال أحد الفضلاء: ليس لنا في الباب إلا الإطلاق المقامي، ولا يقين لنا أنه كان مثل ذلك في زمان المعصومين (عليهم السلام).

        فأجاب سماحته (دام ظله): (لو كان لبان) يفيد العلم أو الاطمينان وهو كاف.

        ○ قال أحد الفضلاء: ربما يكون ذلك من باب أن الأصل الصحة، فحمل فعل المستبصر عليه من دون السؤال عنه.

        فأجاب سماحته (دام ظله): أصالة الصحة أصل يؤخذ به في مورد الشك، وفيما نحن فيه لا شك حتى يصل الأمر إليه، وكم في زماننا هذا من العامة والخاصة من يصلي باطلاً، وهكذا كان في سائر الأزمنة بل ربما كان سابقاً أكثر.

        وهناك الآلاف بل الأكثر ممن يسلم والآلاف بل الأكثر ممن يؤمن، فيقال لهم الإسلام والإيمان يجبّ، مع وجود الاحتمال بل القطع بأن فيهم من لم يؤد واجباته أصلاً أو أداها خطأً، وذلك لعموم الدليل والقاعدة المستنبطة بضميمة السيرة.

        ○ سأل أحد الفضلاء: هذا من باب الحمل على الصحة وإلا فلا علم لنا؟

        فأجاب سماحته (دام ظله): بل العلم موجود بأن فيهم من تركها أو أتى بها خطأً، وهو لا يدع مجالاً للأصل.

        ثم إن قاعدة (لو كان لبان) لا إشكال في كبراها، وفيها ثلاث مقدمات ليتم التمسك بها، منها: ان الإطلاقات لا تكفي.

        والذي يبدو للنظر أنها تنطبق على ما نحن فيه بعنوان الصغرى، فلا حاجة في المستبصر إلى الإعادة حتى مع الترك أو الإتيان خطأً.

        ومن حيث المجموع فالمسألة يبدو أن أدلتها تامة.

        وفي التاريخ أن في حرب النهروان خطب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب لعدة ساعات من الصبح إلى الظهر، وكم كانت تلك الخطب رائعة ومهمة ولكن الأعداء منعوا من وصول هذه الخطب إلينا، وربما كانت تلك الخطبة الطويلة بمقدار جزء من نهج البلاغة، وكم أحرق الأعداء كتبنا ومصادرنا ربما كانت هي وغيرها فيها.

        يذكر أنه رجع من الخوارج حين تلك الخطبة وبعدها تسعة آلاف منهم وتابوا.

        فهؤلاء التسعة آلاف كانوا من الخوارج، قلم يأمروا بإعادة ما فعلوه، فهل كلهم كان يعمل وفقه مذهبه صحيحاً؟

        ○ سأل أحد الفضلاء: إطلاقات أدلة (اقض ما فاتك) يشمل هؤلاء فبم أخرجتموهم؟

        فأجاب سماحته (دام ظله): بما ذكرنا من السيرة بضميمة (لو كان لبان).

        ○ قال أحد الفضلاء: الخوارج كانوا كفاراً مرتدين، ودليل (الإسلام يجب) يشملهم، وهذا خارج عما نحن فيه.

        فأجاب سماحته (دام ظله): في ذلك بحث مذكور في المفصلات، ثم قد ذكرنا أن السيرة تدل بضميمة (لو كان لبان).

        ○ سأل أحد الفضلاء: الكفار حيث لم يكن عندهم عبادات فالإسلام يجب عما قبله، أما المخالفون فلهم عبادات، ربما جاؤوا بها وربما تركوها، فلا يعلم أن (الإيمان يجب) يشمل ذلك؟

        فأجاب سماحته (دام ظله): الكفار أيضاً كان لهم بعض العبادات: (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَة) (6) وكانوا يطوفون بالبيت، إلى غير ذلك.

        ((إذا كان الشيخ والشيخة مريضاً))
        هناك أربعة أو خمسة ممن يفطرون وعليهم الفدية، أو فديتان حسب المبنى، وهم الشيخ والشيخة، والمرضعة قليلة اللبن، والحامل المقرب، وذو العطاش.

        هؤلاء يدفعون الفدية لإفطارهم في شهر رمضان، وهناك من الفقهاء من يكتفي بها وهناك من يقول بلزم اثنتين (7).

        ولكن المريض إذا استمر مرضه لا يقضي ولا فدية عليه على رأي البعض من الفقهاء وإن أفتى البعض بلزوم الفدية واحدة أو اثنتين (8).

        والمسألة على مبنى عدم الفدية على المريض، فإذا كان هناك شيخ كبير أو شيخة كذلك وهو مريض في نفس الوقت، فهل عليه الفدية لشيخوخته أم لا لمرضه؟

        ○ قال بعض الفضلاء: لابد أن يعطي الفدية لوجود سببها، والسبب الشرعي يستلزم المسبب شرعاً.

        فأجاب سماحته (دام ظله): هناك سببان، سبب للفدية وسبب لعدمها، يقول تعالى:

        (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَ عَلَى الَّذينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون) (9).

        فحسب الآية المريض والمسافر لا فدية عليهما، وعلى الذي يطيقه الفدية وهو الشيخ الكبير، فهناك سببان إيجاباً وسلباً.

        عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ) قَالَ: (الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالَّذِي يَأْخُذُهُ الْعُطَاشُ) (10).

        ○ قال أحد الفضلاء: الظاهر أنه لا فدية عليه في مفروض السؤال، لأن المجوز للإفطار مضافاً الى الشيخوخة، المرض ولا فدية فيه، وهذا مما يقتضيه تناسب الحكم والموضوع، فالمريض مطلقا لا فدية عليه وهو يصدق على الشيخ والشيخة أيضاً، فلا يقول الشارع أيها المريض الذي لا فدية عليك لأنك شيخ كبير فعليك الفدية!.

        ومن جانب آخر الشيخوخة ليست سبباً للفدية بل هي مجوز للإفطار.

        فأجاب سماحته (دام ظله): عرفا هناك تضارب بين الفدية وعدمها في الشيخ والمريض.

        ○ قال أحد الفضلاء: نقول بالتفصيل في المسألة، فإن كان الشيخ والشيخة أولاً ثم عرض المرض، فبما أن هذا المرض ليس مسوغاً للافطار، لأنه تحصيل للحاصل، فعليه الفدية، والعكس لا فدية فيه بأن كان مريضا ثم شاخ.

        وإذا قلنا بالكسر والانكسار في الأسباب، فالشيخوخة تكون نصف سبب، فلا فدية أيضاً، إذ لا تترتب الفدية على نصف المرض.

        وإذا فرضنا نادرا بأنه من أول الشهر أصبح شيخاً ومريضاً معاً، هنا يمكن تصور السببين ولكنه فرض نادر.

        فأجاب سماحته (دام ظله): في مفروض المسألة هو الآن مصداق عرفاً للاثنين، فهو شيخ وهو مريض فاجتمع السببان.

        ○ قال أحد الفضلاء: المقدم هو السبب الأول فإن كان شيخاً فلا يجب عليه الصوم ولابد من الفدية، فالمرض العارض لا يسقط الصوم ثانياً حتى يسقط الفدية تبعاً.

        فأجاب سماحته (دام ظله): وماذا تقولون لو كان شيخاً فسافر، هل لابد من الفدية في الشيخ المسافر؟

        ثم قال سماحته: ربما يقال لا نعلم ونشك، وحينئذ الأصل العملي البراءة من الفدية.

        ○ قال أحد الفضلاء: السفر في الشيخ ليس سبباً لإسقاط الصوم، لأنه سقط صومه لشيخوخته.

        فأجاب سماحته (دام ظله): للإسقاط سببان، أما لو كان شاباً وسافر فسبب واحد، لكن الشيخ يسقط لشيخوخته ولسفره، فكل منهما لولا الآخر سبب للإسقاط.

        ○ قال أحد الفضلاء: إذا كان من الشك في السبب فالبراءة تجري، وإن كان من الشك في المسبب فالاحتياط والاشتغال.

        فأجاب سماحته (دام ظله): لا يعلم بجريان ذلك في ما نحن فيه.

        ○ سأل أحد الفضلاء: إن قلتم بالاستصحاب التعليقي فلابد من دفع الفدية في الشيخ المريض، وذلك لأن المولى يقول: كلما افطرت وجب عليك الفدية، فلو كان شيخاً فقط كان عليه الفدية، والآن هو شيخ ومريض فنستصحب الفدية، وهذا من الاستصحاب التعليقي.

        فأجاب سماحته (دام ظله): الصوم في كل يوم هو تكليف مستقل، فلم يكن المكلف مسبوقاً في هذا اليوم بالشيخوخة ثم طرأ عليه المرض، بل هو من أول الفجر شيخ مريض.

        ويمكن فرض المسألة فيما لو كان الشيخ مريضاً من أول الشهر، فماذا تقولون حيث لا استصحاب تعليقي.

        فإن المصداق للشيخ والمريض واحد عرفاً وفي أحدهما الفدية دون الآخر.

        ومن جانب آخر يمكن أن يقال بأن الاستصحاب التعليقي موجود في المريض أيضاً، فلوكان مريضاً فقط لم تكن عليه الفدية، والآن هو شيخ مريض فنستصحب عدم الفدية بالاستصحاب التعليقي، فتأمل.

        ويأتي مثل هذا البحث فيما لو اجتمع سائر العناوين مما فيه الفدية مع عنوان السفر حيث لا فدية فيه.

        كما لو كان المكلف ذا العطاش ومسافراً.

        أو كانت حاملاً مقرباً أو مرضعة قليلة اللبن ومسافرة.

        فإذا اجتمعت إحدى هذه الأعذار مع السفر، فهل هناك فدية أم لا؟

        فهناك إطلاق في أدلة الطرفين، المريض لا يفدي حتى وإن كان شيخاً، والشيخ يفدي حتى وإن كان مريضاً، وكذلك في سائر الأربعة أو الخمسة ممن يفطرون.

        ○ قال أحد الفضلاء: في مفروض السؤال لابد من القول بعدم الفدية، لأن المرض لا يجوز صومه فلا فدية أساساً، وكذلك المسافر حيث لا يجوز له أن يصوم؟

        فأجاب سماحته (دام ظله): المرض على قسمين، منه ما يجوز معه الصوم كما يجوز الإفطار على نحو الرخصه، على ما ذكره صاحب العروة وجمع من الفقهاء. ومنه ما لا يجوز معه. وحرمة الصوم لسبب لا ينافي ترتب الفدية لسبب آخر.

        ○ سأل أحد الفضلاء وقال: الآية الكريمة لم تقل بأن المريض لا فدية عليه، وإنما سكتت عن فديته، وصرحت بفدية من يطيقه وهو الشيخ، ولا تعارض في ذلك.

        قال تعالى: (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (11).

        فأجاب سماحته (دام ظله): الروايات هي التي بينت عدم الفدية للمريض.

        ○ قال أحد الفضلاء: لا تنافي هنا في الشيخ المريض، لأن الاعتبارات مختلفة، فباعتبار الشيخوخة فدية، وباعتبار المرض لا فدية.

        فأجاب سماحته (دام ظله): ليس الكلام في الاعتبارات، بل في هذا المصداق الخارجي هل عليه الفدية أم لا، لأن المورد الخارجي يشمله كلا الإطلاقين.

        ○ قال أحد الفضلاء: إذا تعارض إطلاق قرآني مع إطلاق روائي يقدم الإطلاق القرآني لقوة سنده. فالشيخ في الآية عليه الفدية، والمريض في الروايات لا فدية عليه، فيتعارض الإطلاقان.

        فأجاب سماحته (دام ظله): صاحب المعالم يقول الخبر الثقة يخصص القرآن، فلا مانع من تخصيص الآية بالرواية، ويبقى التعارض.

        ومن جانب آخر لا دليل على التقديم المذكور، فإن القرآن في سنده قطعي لا في دلالته.

        ○ قال أحد الفضلاء: مع عدم الترجيح الدلالي يأتي الدور للترجيح السندي، فيقدم إطلاق القرآن ويلزمه الفدية في مفروض السؤال.

        فأجاب سماحته (دام ظله): هناك حجتان ولا إشكال في سندهما فيكون التخيير لا الترجيح، فهذا الترجيح لا دليل على لزومه.

        ○ قال أحد الفضلاء: ربما يقال (وعلى الذين يطيقونه) يراد به من لم يكن مريضاً من الشيخ والشيخة، والمعنى هكذا: الشيخ والشيخة عليهما الفدية ويستثنى منه المريض والمسافر.

        فأجاب سماحته (دام ظله): نعم إن كان ظهور فبها، ولكن من أين هذا الظهور؟

        ○ سأل أحد الفضلاء: ما ذا تقولون في العامين من وجه في مادة الاجتماع، فما هو الحكم؟

        فأجاب سماحته (دام ظله): التساقط.

        ○ فقال الفاضل: ليس الحكم التساقط بل لابد من مراجعة الدلالة فإن تساوت فيهما، فيراجع السند، فالصحيحة تقدم على الحسنة وهكذا.

        فأجاب سماحته (دام ظله): الفقهاء لم يقولوا بلزوم الترجيح في الفقه، فأصل الحجية موجود فيهما فيكون التخيير.

        ○ قال أحد الفضلاء: إذا كان هناك طبيب ونجار، وكان أمر بإعطاء درهم للطبيب دون النجار، فمن اجتمعا فيه يعطى باعتبار ولا يعطى باعتبار.

        ج: هذا خلاف ما يفهه العرف، لأنه يرى التعارض بين الدليلين، فهل يعطيه الدرهم أو لا يعطيه؟

        وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
        الليلة السابعة عشرة
        ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
        (1) تعطل البحث العلمي لسماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) من الليلة 18 _ 23 من شهر رمضان، اهتماماً بليالي القدر ومحتملاتها، وقد أقيم في بيته الشريف وبمحضره المبارك خلال هذه الفترة مجلس العزاء بمناسبة استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وبرامج الإحياء بدلاً عن البحث العلمي.
        (2) قاعدة فقهية مستنبطة من النصوص.
        (3) مستدرك الوسائل: ج7 ص448 ب15 ح8625 عن غوالي اللئالي. وفي مستدرك الوسائل: ج18 ص221 ب9 ح22560 عن تفسير القمي.
        (4) هناك روايات أخرى استند اليها الفقهاء في قاعدة (جب الإيمان)،
        منها: عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): كُنْتُ أَخْرُجُ فِي الْحَدَاثَةِ إِلَى الْمُخَارَجَةِ مَعَ شَبَابِ أَهْلِ الْحَيِّ وَإِنِّي بُلِيتُ أَنْ ضَرَبْتُ رَجُلاً‌ ضَرْبَةً بِعَصاً فَقَتَلْتُهُ، فَقَالَ: أَكُنْتَ تَعْرِفُ هَذَا الأَمْرَ إِذْ ذَاكَ، قَالَ: قُلْتُ: لا، فَقَالَ لِي: مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ جَهْلِكَ بِهَذَا الأَمْرِ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِمَّا دَخَلْتَ فِيهِ‌) قال العلاّمة المجلسي في مرآة العقول: ج24 ص215: ويدل الخبر على أن الإيمان يجب ما قبله كالإسلام، ولم أظفر بذلك في كلام الأصحاب، انتهى.
        ومنها: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنِ الْقَائِمِ (عَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَهُ) إِذَا قَامَ بِأَيِّ سِيرَةٍ يَسِيرُ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: بِسِيرَةِ مَا سَارَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) حَتَّى يُظْهِرَ الإِسْلامَ، قُلْتُ: وَمَا كَانَتْ سِيرَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله)، قَالَ: (أَبْطَلَ‌ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِالْعَدْلِ، وَكَذَلِكَ الْقَائِمُ (عليه السلام) إِذَا قَامَ يُبْطِلُ مَا كَانَ فِي الْهُدْنَةِ مِمَّا كَانَ فِي أَيْدِي النَّاسِ وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمُ الْعَدْلَ).
        قال المجلسي الثاني في كتابه: (ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار) ج9 ص409: قال الوالد العلامة (قدس الله سره): ويدل على أن الإيمان يجب ما قبله كالإسلام.
        (5) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: دَخَلَ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) يُسَمِّيهِ سَعْدَ الْخَيْرِ، وَهُوَ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ، عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَبَيْنَا يَنْشِجُ كَمَا تَنْشِجُ النِّسَاءُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): مَا يُبْكِيكَ يَا سَعْدُ، قَالَ: وَكَيْفَ لا أَبْكِي وَأَنَا مِنَ الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ مِنْهُمْ أَنْتَ أُمَوِيٌّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَحْكِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي). بحار الأنوار: ج46 ص337 ـ 338 ب8 ح25 عن الاختصاص.‌
        (6) سورة الأنفال: 35.
        (7) في العروة الوثقى: ج2 ص221 ـ 223 : (فصل 11 وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص‌، بل قد يجب:
        الأول والثاني: الشيخ و الشيخة إذا تعذر عليهما الصوم أو كان حرجا ومشقة، فيجوز لهما الإفطار لكن يجب عليهما في صورة المشقة بل في صورة التعذر أيضا التكفير بدل كل يوم بمد من طعام والأحوط مدان والأفضل كونهما‌ من حنطة والأقوى وجوب القضاء عليهما لو تمكنا بعد ذلك.
        الثالث: من به داء العطش، فإنه يفطر سواء كان بحيث لا يقدر على الصبر أو كان فيه مشقة ويجب عليه التصدق بمد والأحوط مدان، من غير فرق بين ما إذا كان مرجو الزوال أم لا والأحوط بل الأقوى وجوب القضاء عليه إذا تمكن بعد ذلك، كما أن الأحوط أن يقتصر على مقدار الضرورة.
        الرابع: الحامل المقرب التي يضرها الصوم أو يضر حملها فتفطر وتتصدق من مالها بالمد أو المدين وتقضي بعد ذلك.
        الخامس: المرضعة القليلة اللبن إذا أضر بها الصوم أو أضر بالولد، ولا‌ فرق بين أن يكون الولد لها أو متبرعة برضاعه أو مستأجرة، ويجب عليها التصدق بالمد أو المدين أيضا من مالها والقضاء بعد ذلك).
        (8) في العروة الوثقى: ج2 ص231 المسألة 13: (مسألة إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر و استمر إلى رمضان آخر‌
        فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه على الأصح وكفر عن كل يوم بمد والأحوط مدان ولا يجزي القضاء عن التكفير، نعم الأحوط الجمع بينهما، وإن كان العذر غير المرض كالسفر ونحوه فالأقوى وجوب القضاء وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين المد، وكذا إن كان سبب الفوت هو المرض وكان العذر في التأخير غيره مستمرا من حين برئه إلى رمضان آخر أو العكس فإنه يجب القضاء أيضا في هاتين الصورتين على الأقوى والأحوط الجمع خصوصا في الثانية‌).
        (9) سورة البقرة: 184.
        (10) الكافي: ج4 ص116 باب الشيخ والعجوز يضعفان عن الصوم ح1.
        (11) سورة البقرة: 184.

        تعليق


        • #19
          الليلة التاسعة عشرة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة


          بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
          ((اللعب بالورق))
          سأل أحد الفضلاء: ما حكم اللعب بالورق بلا رهان؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): الأحكام التكليفية والوضعية من الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة والصحة والفساد وما أشبه، تابعة لموضوعاتها.

          وهناك بعض الموضوعات جعل الشارع لها بخصوصها حكماً، مثل (الأربعة عشر) و(الشطرنج)، حيث جعل الحرمة عليهما من دون تقييد بالرهان وغيره، فهي محرمة سواء قومر بها أم لم يقامر بها.

          أما لو كان هناك موضوع ولم يجعل له بخصوصه حكماً، كالورق في اللعب به، ففيه تفصيل:

          فإن كان عرفاً من آلات القمار، أو روهن عليه فهو حرام، وإلا فلا بأس به.

          فإن ما يتقامر به يطلق على شيئين:

          1: ما لم يكن من آلاته ولكن روهن عليه، كما لو قامر بحجر أو محبس أي برهان، فهو حرام لذلك.

          2: ما كان من آلاته عرفاً، وإن لعبه بلا رهان، فهو حرام أيضاً، لأنه عرفاً مما يتقامر به غالباً.

          والشيخ الأنصاري (رحمه الله) في المكاسب المحرمة ذكرها بالتفصيل، قال:

          (وكيف كان، فهنا مسائل أربع؛ لأنّ اللعب قد يكون بآلات القمار‌ مع الرهن، وقد يكون بدونه، والمغالبة بغير آلات القمار قد تكون مع العوض، وقد تكون بدونه.

          فالأُولى: اللعب بآلات القمار مع الرهن. ولا إشكال في حرمته وحرمة العوض، والإجماع عليه محقّق، والأخبار به متواترة.

          الثانية: اللعب بآلات القمار من دون رهن. وفي صدق القمار عليه نظر ... والأولى الاستدلال على ذلك بما تقدّم في رواية تحف العقول من أنّ ما يجي‌ء منه الفساد محضاً لا يجوز التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات. وفي تفسير القمي، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصٰابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ) (1) قال: (أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب) إلى أن قال: (وأمّا المَيسر فالنرد والشطرنج، وكلّ قمار ميسر) إلى أن قال: (وكلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشي‌ء من هذا حرام محرّم) (2).

          الثالثة: المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدّة للقمار، كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل وعلى المصارعة وعلى الطيور وعلى الطفرة، ونحو ذلك ممّا عدّوها في باب السبق والرماية من أفراد غير ما نصّ على جوازه. والظاهر الإلحاق بالقمار في الحرمة والفساد، بل صريح بعض أنّه قمار...

          الرابعة: المغالبة بغير عوض في غير ما نصّ على جواز المسابقة فيه...) (3).

          ○ سأل أحد الفضلاء: هناك ورق يلعب به الأطفال، فما حكمه؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): إذا لم يكن من آلات القمار عرفاً، اي لا يتقامر به غالباً، ولم يكن من المنصوص على حرمته كالأربعة عشر والشطرنج، ولم يلعب برهان، فلا بأس به.

          فإن ما ورد في الأدلة لفظه، كالشطرنج فمقتضاه الحرمة مطلقاً وإن لم يكن برهان.

          من هنا ربما يختلف غير المنصوص في زمان دون زمان، وفي مكان دون مكان.


          ((الربا في المعدود))
          ومثله ما قاله الفقهاء في البيع الربوي وأنه لا يشمل المعدود.

          أما الربا القرضي فهو حرام مطلقاً سواء في المكيل أو الموزون أو المعدود.

          ولكن الربا في البيع فهو في غير المعدود، أي إذا كان من المكيل والموزون، مثلاً لا يجوز بيع السكر بالقند (السكر المضغوط) مع التفاضل.

          وكذا لا يجوز بيع الذهب المصاغ بذهب أزيد منه أي بالتفاضل.

          ومع اختلاف الأعراف في الأمصار، معدوداً وغيره، لا ربا فيما كان عندهم معدوداً، كالبيض في العراق.

          وكذلك في الأزمان، كالبرتقال حيث كان يباع سابقاً في كربلاء المقدسة بالعدد.

          إذن القاعدة أن الحكم تابع لموضوعه.


          ((الشيخ المريض))
          سأل أحد الفضلاء: بالنسبة إلى المسألة المطروحة ليلة أمس، لا تعارض بين دليل الفدية ودليل عدمها، لأنه يشترط في التعارض وحدة الموضوع والمتعلق، وهنا الموضوع واحد وهو المكلف، لكن المتعلق يختلف، من هنا لابد من القول بلزوم الفدية لدليها.

          فأجاب سماحته (دام ظله): هذا شرط في التعارض العقلي الدقي، وليس شرطاً في التعارض العرفي.

          وفي الرواية: (واحد يأمرنا والآخر ينهانا) فالمعيار في التنافي عرفي.

          عن سماعة بن مهران، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام)، قُلْتُ: يَرِدُ عَلَيْنَا حَدِيثَانِ، وَاحِدٌ يَأْمُرُنَا بِالأَخْذِ بِهِ وَالآخَرُ يَنْهَانَا عَنْهُ، قَالَ: (لا تَعْمَلْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَلْقَى صَاحِبَكَ فَتَسْأَلَهُ)، قُلْتُ: لا بُدَّ أَنْ نَعْمَلَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، قَالَ (خُذْ بِمَا فِيهِ خِلافُ الْعَامَّةِ) (4).

          فالشيخ المريض مصداق للأمر بالفدية، ولعدم لزوم الفدية وهذا تعارض عرفي وإن لم يكن بينهما تناف دقي.

          ○ سأل أحد الفضلاء: في الرواية المذكورة (يأمرنا وينهانا) وليس في الفدية أمر ونهي؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): ما ذكر من باب المصداق، وإلا فالتعارض العرفي يشمل الأمر وعدمه أيضا.

          ○ سأل أحد الفضلاء: إذا كان هناك قيد فهو قد يرجع إلى الموضوع وقد يرجع إلى الحكم وقد يرجع إلى المتعلق، ومع الاختلاف لا تعارض.

          فأجاب سماحته (دام ظله): ذكرنا أن التنافي العرفي يحصل في اجتماع حكمين في مصداق واحد وإن تعددت العناوين، كما لو صلى في الغصب، وإن كانت الاعتبارات مختلفة دقاً، وكذلك ما نحن فيه، فهذا الشخص هو شيخ وهو مريض، فهل عليه الفدية أم لا؟

          ○ قال أحد الفضلاء: في اجتماع الأمر والنهي يلزم تعدد العناوين، ولكن في ما نحن فيه هناك موضوعان وليس موضوعاً واحداً، فلا تضارب.

          فأجاب سماحته (دام ظله): ليس ما نحن فيه من الموضوعين عرفاً، بل مصداق واحد حصل فيه التنافي.

          ثم إن الشيخ الأعظم (رحمه الله) فسر التعارض في الرسائل بقوله: (هو تنافي مدلولي الدليلين)، وهذا يصدق على المسألة.

          ومع التعارض إن لم نقل بالتساقط ولا الترجيح، وكان الشك فالأصل البراءة وعدم الفدية.

          ○ كرر أحد الفضلاء ما قاله بقوله: في مثال الشيخ المريض لا وحدة للمتعلق؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): وحدة لمتعلق من حيث المفهوم أم المصداق؟

          ○ فقال: من حيث المصداق.

          فأجاب سماحته (دام ظله): هنا المتعلق واحد من حيث المصداق.

          ○ وقال أحد الفضلاء: في مسألة اجتماع الأمر والنهي قالوا إنه لابد من ملاحظة أن الاتحاد تركيبي أو انضمامي، فإن كان تركيبياً فهو من باب التعارض، وإن كان انضمامياً فهو من باب التزاحم. وقالوا: إن التركيب الاتحادي يتصور في السجدة فقط على أرض مغصوبة، حيث الاعتماد عليها بجبهته.

          فأجاب سماحته (دام ظله): مسألة التنافي ليست عقلية بل عرفية، ومثالنا مصداق اجتمع فيه الأمر بالفدية والحكم بعدم لزومها.

          نعم في التناقض العقلي والدقي لابد من الاتحاد في هذها لثمانية، كما يقول الشاعر:

          در تناقض هشت وحدت شرط دان

          وحدت موضوع ومحمول ومكان

          وحدت شرط واضافه جزء وكل

          قوه وفعل است در آخر زمان.

          أي يشترط في التناقض الاتحاد في ثمانية: الاتحاد في الموضوع، والمحمول، والمكان، والشرط، والإضافة، والجزء والكل، والقوة والفعل، والزمان.


          ((نقل الأجساد إلى المشاهد المشرفة))
          سألني أحد المؤمنين أنه في إحدى البلاد الغربية إذا أرادوا نقل جثمان الميت من بلد إلى آخر كما لو أراد شخص نقل ميته إلى البلاد المشرفة، لابد قانوناً أن يكيس الميت بكيس نايلون أولاً، ثم يكفن، فما هو الحكم؟

          ○ فقال أحد الفضلاء: لا بأس به، فإنه يصدق التكفين وإن كان على النايلون، إذا لا دليل على لزوم أن يباشر الكفن بشرة الميت.

          ○ وقال أحد الفضلاء: أحياناً لمرض وما أشبه يكيس الميت بنايلون.

          فقال سماحته (دام ظله): نعم في الاضطرار لا إشكال، والبحث في المسألة المذكورة اختياراً.

          ○ وقال أحد الفضلاء: الأكفان الثلاثة هي بنحو اللابشرط وليست بشرط لا، فلا مانع من ذلك، من هنا نرى بعض القطع المستحبة منها لا تكون على بشرة الميت مباشرة.

          فقال سماحته (دام ظله): نعم لابد من صدق التكفين، أما المباشرة للبشرة فلم يرد اشتراطها.

          إذن يبدو أنه يجوز النقل وإن استلزم تكييس الجثمان بالنايلون أولاً ثم تكفينه بالقطع الثلاث.


          ((نقل الجثة وإخراج الأمعاء والأحشاء))
          ثم قال سماحته (دام ظله): سألني أحد المؤمنين أنه في بلاده لا تقبل الحكومة بنقل الجثة إلى بلد آخر إلا بإخراج أحشائه وأمعائه، فهل يجوز النقل إلى البلاد المقدسة كالنجف وكربلاء حينئذ؟

          ○ فقال بعض الفضلاء: لا يجوز ذلك، لأنه هتك للميت، وتمثيل به، فإن التمثيل اقتضائي ونقله غير اقتضائي، والاقتضائي مقدم على اللا اقتضائي.

          فقال سماحته (دام ظله): يرى البعض أن هذا من التزاحم، لأن نقله إلى كربلاء المقدسة مثلاً نوع احترام للميت، فليس هتكاً بهذا الغرض، ثم هل مثل لإخراج الأمعاء لغرض أهم ودفنها بالشروط الشرعية، يسمى تمثيلاً بالميت؟

          ○ سأل أحد الفضلاء: هذا حرام، فإن حرمته ميتاً كحرمته حياً.

          فأجاب سماحته (دام ظله): الحرمة إذا لم يكن هناك مزاحم أهم.

          ○ وقال أحد الفضلاء: ربما يمكن فرض المسألة في ما لو أوصى بنقله حيث يكون العمل بالوصية واجباً، فيقع التزاحم بين اقتضائيين.

          فأجاب سماحته (دام ظله): الوصية لا يمكنها أن تجعل الحرام حلالاً، بناء على حرمته حتى في الفرض المذكور وأنه هتك أو تمثيل.


          ((كلام كاشف الغطاء في نقل الجثمان))
          ثم قال سماحته (دامت بركاته):

          صاحب الجواهر (رحمه الله) ينقل في باب نقل الميت إلى العتبات المقدسة عن أستاذه كاشف الغطاء (قدس سره):

          إن نقل الميت إلى العتبات لها من الأهمية ما لو استلزم تقطيع الميت إربا إربا، جاز ذلك.

          فإن في زمن كاشف الغطاء (رحمه الله) وهو كان يعيش قبل أكثر من مائتي سنة (5)، لم تكن هذه السيارات والطائرات الحديثة، فمن كان يموت في الهند ويراد نقله إلى كربلاء المقدسة، كان يستغرق ذلك ربما ستة أشهر، والجثة لا تبقى هذه الفترة الطويلة، مضافاً إلى أن بعض الحكومات لم تكن تقبل بنقل الميت، فكان ربما يستلزم الأمر تقطيع الميت قطعاً قطعاً ولف القطع في مجموعات من الأقمشة حتى لا يخرج ريحها ويمكن نقلها، ولا يستكشفها حكومات الجور للمنع عنها.

          قالوا: الدليل على جواز ذلك أن الدفن بجوار المعصومين (عليهم السلام) فيه نفع أبدي، ولكن التقطيع فهو هتك وقتي، فجاز للأهم.

          وهذا نص كلام الجواهر في رجحان النقل إلى المشاهد المشرفة وما في حكمها:

          (وكيف كان، فمما ذكرنا ينقدح وجه ما ذكره الشهيد، وتبعه عليه بعض من تأخر عنه من إلحاق نحو المقبرة التي فيها قوم صالحون بمشاهد الأئمة (عليهم السلام) في رجحان النقل إليها لتناله بركتهم، وكذا الشيخ في المبسوط قال: «ويستحب أن يدفن الميت في أشرف البقاع، فإن كان بمكة فبمقبرتها، وكذلك المدينة والمسجد الأقصى ومشاهد الأئمة (عليهم السلام)، وكذا كل مقبرة تذكر بخير من شهداء وصلحاء وغيرهم» انتهى. فظهر من ذلك كله أنه لا جهة للإشكال في أصل رجحان ذلك رجاءً للنفع و دفعاً للضرر، وخبر دعائم الإسلام مع الطعن في مصنفه قد عرفت حمله على الكراهة، بل كاد يكون إيصاء الميت بذلك عليه كاللازم، نعم قد يستثنى من الرجحان المذكور الشهيد، لأمر النبي (صلى الله عليه وآله) بدفنهم في مصارعهم عند إرادة أصحابه نقلهم، ومن هنا نص عليه في الذكرى بل في الدروس أنه المشهور، إنما الإشكال في بعض أفراد النقل، منها ما هو مستعمل في مثل زماننا من الأمكنة البعيدة جداً بحيث لا يجي‌ء الميت إلا متغيراً كمال التغيير حتى يكاد لا يستطيع أن يقرب إليه أحد، وربما تقطعت أوصاله وجرى قيحه ونحو ذلك، ولم أعثر على من نص على جواز حمله، إلا أنه كان يفتي به الأستاذ المعتبر الشيخ جعفر تغمده الله برحمته، حتى ترقى إلى أنه قال: "إنه لو توقف نقله على تقطيعه إرباً إرباً جاز، ولا هتك فيه للحرمة إذا كان بعنوان النفع له و دفع الضرر عنه كما يصنع مثله في الحي" (6).

          ○ سأل أحد الفضلاء: إنه لا دليل على رجحان النقل إلى المشاهد المشرفة؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): المتركز عند المتشرعة هو حسن نقله إلى تلك الأماكن المقدسة لتناله بركتهم ورجاءً للنفع العظيم الأخروي ودفعاص للضر كذلك، والمرتكز دليل عقلائي يعتمد عليه، فلا نحتاج إلى نص لفظي في كل مسألة.

          ○ قال أحد الفضلاء: هناك ملائكة نقالة تنقل بعض الأجساد من وإلى المشاهد المشرفة، فلا حاجة إلى النقل إليها، ومع النقل إليها لا ضمان في البقاء فربما تنقل منها؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): الكلام في تكليفنا وليس في تكليف الملائكة.

          ○ سأل أحد الفضلاء: لا يطاع الله من حيث يعصى، فكيف يقطع ويمثل ويهتك بالجثمان وفيه الدية وهو حرام.

          فأجاب سماحته (دام ظله): نفرض المسألة في مثل اخراج الأحشاء وليس التقطيع اربا إربا كما قال المرحوم كاشف الغطاء. فإن النقل إلى المشاهد الشريفة راجح مع استلزامه لبعض الهتك او التمثيل إن صح التعبير.

          ○ سأل أحد الفضلاء: لا يمكن ترك الواجب لأجل العمل بالمستحب، ومع تقطيعه لا يصدق عليه أنه كفنه بالأكفان الثلاث، فكيف يجوز ذلك؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): يكون من باب تبدل الموضوع، فمثلاً، لا سمح الله إذا تقطع شخص في انفجار إرهابي بحيث صار مجموعة من القطع المتناثرة، فهذا لا يحتاج إلى التكفين.


          ((قصة المقدّس البغدادي مع كاشف الغطاء))
          المرحوم سيد محسن الأعرجي (7) والذي يعبر عنه الشيخ الأعظم الأنصاري وصاحب الجواهر وغيرهما (رحمهم الله) بالمقدس البغدادي أو المحقق البغدادي، هو من أعاظم المحققين، وله ثلاثة كتب مفيدة جداً، في الرجال والأصول والفقه.

          فقهه: (الوسائل) في عدة مجلدات.

          وأصوله: (المحصول في علم الأصول).

          وله أيضاً (الوافي في شرح الوافية) و(شرح مقدمات الحدائق) وغيرها.

          وكان الأعرجي معاصراً لكاشف الغطاء ومن تلامذة الوحيد البهبهاني (رحمهم الله جميعا).

          يقال إن الأعرجي لما سمع بفتوى كاشف الغطاء خرج من الكاظمية المقدسة إلى النجف الأشرف ليسأله عن دليله، ولكنه لم يقتنع السيد بكلام الشيخ.

          مع كل ذلك المرحوم كاشف الغطاء وهو من أعاظم فقهائنا وكان المرجع الأعلى في زمانه كان يفتي بجواز النقل حتى مع التقطيع إرباً إرباً.

          ○ سأل أحد الفضلاء: ما هو دليل على نقل الجثمان؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): جواز النقل بل رجحانه متسالم عليه، انظرو العروة الوثقى وتعليقاتها، حيث عبر بعض الفقهاء عنه بالمستحب.

          قال السيد (رحمه الله) في مكروهات الدفن: (الحادي والعشرون: نقل الميت من بلد موته إلى آخر إلا إلى المشاهد المشرفة والأماكن المقدسة والمواضع المحترمة كالنقل عن عرفات إلى مكة والنقل إلى النجف فإن الدفن فيه يدفع عذاب القبر وسؤال الملكين وإلى كربلاء والكاظمية وسائر قبور الأئمة (عليهم السلام) بل إلى مقابر العلماء والصلحاء، بل لا يبعد استحباب النقل من بعض المشاهد إلى آخر لبعض المرجحات الشرعية، والظاهر عدم الفرق في جواز النقل بين كونه قبل الدفن أو بعده، ومن قال بحرمة الثاني مراده ما إذا استلزم النبش وإلا فلو فرض خروج الميت عن قبره بعد دفنه بسبب من سبع أو ظالم أو صبي أو نحو ذلك لا مانع من جواز نقله إلى المشاهد مثلا، ثم لا يبعد جواز النقل إلى المشاهد المشرفة وإن استلزم فساد الميت إذا لم يوجب أذية المسلمين فإن من تمسك بهم فاز ومن أتاهم فقد نجا ومن لجأ إليهم أمن ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله تعالى والمتوسل بهم غير خائب صلوات الله عليهم أجمعين‌) (8).

          قال أحد الفضلاء: لا يجوز النقل مع الهتك، فإن (حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً) (9).

          فأجاب سماحته (دام ظله): موضوع الحرمة والهتك وما أشبه عرفي، ثم المزاحم الأهم يقدم عليه.

          وفي نقل (صافي صفا) (10) من اليمن إلى النجف آنذاك والمسافة ربما تكون ثلاثة آلاف كيلومتر، وتطول عدة أشهر، ألا يحصل به الهتك والتمثيل وما أشبه؟

          فمن مجموع القرائن والشواهد يبدو أنه خارج عن الهتك والتمثيل تخصصاً أو تخصيصاً.

          ○ سأل أحد الفضلاء: الارتكاز دليل لبي، فلا بد أن يؤخذ بالقدر المتيقن منه، وهو ما لم يوجب الهتك والتمثيل وما أشبه.

          فأجاب سماحته (دام ظله): مع إحراز الارتكاز وهو دليل عقلائي لا يدع مجالاً للشك، والأخذ بالقدر المتيقن يعني في ظرف الشك، ومفروض المسألة ما لو لم يكن شك في البين، فإن الارتكاز ثابت في نقل الجثمان حتى من البلاد البعيدة مما يستغرق وقتا طويلا وهو عادة يستلزم ما قيل من الهتك والتمثيل وما أشبه.

          ○ سأل أحد الفضلاء: لا يمكن قياس إخراج أمعاء وأحشاء الجثة لنقله، بنبش قبره ونقل جثمانه إلى المشاهد المشرفة، لأن حرمة النبش لا نص عليها، اي لا دليل لفظي فيها، وإنما دليله الإجماع فقط، من هنا قالوا يجوز بعد دفنه بعدة أشهر أن ينبش القبر وينقل الميت.

          فأجاب سماحته (دام ظله): لا نريد القياس، بل الملاك وإحراز الأهمية.

          فالظاهر أن نقل الميت للمشاهد المشرفة مرتكز جوازه بل رجحانه، حتى إن استلزم ما يقال من الهتك وما أشبه، فإن نقل الجثمان كان يتأخر لفترة طويلة ربما تصل لعدة أشهر قديماً كما بينا.

          ○ سأل أحد الفضلاء: النقل للجثمان كان مع ملاحظة ما يوجب الهتك الأقل، فإنهم كانوا يجعلونه في تابوت مغلق من حديد أو خشب أو ما أشبه ثم ينقل، أما تقطيع الميت فهو من المثلة التي لا تجوز؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): من قال بجواز النقل مع التقطيع ككاشف الغطاء، أو دونه كسائر الفقهاء، يرونه أهم، فلا يكون إهانة له أو مثلة موضوعاً أو حكماً، تخصصاً أو تخصيصاً، والله العالم.

          وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
          الليلة الثامنة عشرة
          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
          (1) سورة المائدة: 90.
          (2) وسائل الشيعة: ج17 ص321 ب102 ح22657.
          (3) المكاسب المحرمة للشيخ الأنصاري: ج1 ص371 _ 380.
          (4) وسائل الشيعة: ج27 ص122 ب9 ح33375.
          (5) الفقيه الأكبر الشيخ جعفر ابن الشيخ خضر بن يحيى بن مطر بن سيف الدين المالكي القناقي الجناحي النجفي. والمالكي نسبة إلى بني مالك، وهم المعروفون اليوم في العراق بآل عليّ، يقال إنّ نسبهم يرجع إلى مالك الأشتر النخعي، توفي عام 1228 هـ.
          (6) جواهر الكلام: ج4 ص348.
          (7) هو السيد محسن بن السيد حسن الحسيني الأعرجي الكاظمي البغدادي، ت 1227 ه وقيل 1240هـ.
          (8) العروة الوثقى: ج1 ص447.
          (9) تهذيب الأحكام: ج1 ص419 ب21 ح43.
          (10) اسمه أثيب اليماني المعروف بصافي صفا، المتوفى سنة 38 هـ، وهو رجل مؤمن صالح من أهل اليمن، دفنه أمير المؤمنين (عليه السلام) أيام خلافته في الكوفة، حيث كان الإمام (عليه السلام) إذا أراد الخلوة بنفسه كان يأتي إلى طرف الغري، وفي يوم رأى رجلاً مقبلاً من جهة البرية، راكبا ناقة وأمامه جنازة، فسأله: من أين، قال: من اليمن، قال: وما هذه الجنازة التي معك، قال: جنازة أبي لأدفنه في هذه الأرض، قال: لم لا دفنته في أرضكم، قال: هو أوصى بذلك، وقال: إنه يدفن هناك رجل يدعى في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فقال الإمام (عليه السلام): أتعرف هذا الرجل، قال: لا، قال: أنا والله ذلك الرجل.

          تعليق


          • #20
            الليلة العشرون ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة


            بسم الله الرحمن الرحيم

            الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

            ((الوسائط النقلية والتصرف أكثر مما أجره))
            سأل أحد الفضلاء: ربما يستأجر الإنسان محل راكب واحد في حافلة نقل أو طائرة أو قطار أو ما أشبه، ولكن يرى أن الكرسي الذي بجانبه فارغاً فيستفيد من الكرسيين، المستأجَر والفارغ، فما هو حكمه التكليفي والوضعي؟

            فأجاب سماحته (دام ظله):

            الأصل الأولي في التكليفي أنه حرام، لأنه لم يستأجره، والتصرف لا يجوز إلا برضا صاحبه وهو غير محرز في الفرض، وفي الوضعي أنه ضامن بقدر تصرفه.

            هذا هو الأصل الأولي، ولكن هناك أمرين:

            الأول: إن مثل هذا التصرف متعارف، والغالب يفعله ولا يعد عرفاً من التعدي أكثر من حقه.

            الثاني: طريقية المضيّف والسائق ومن أشبه إن أجاز، إلى رضا المالك أو الشركة.

            فإن أوجب الأمران معاً أو أحدهما الاطمينان للشخص، كما قد يحصل للبعض فلا بأس، وإلا فمقتضى القاعدة الحكمين التكليفي والوضعي حرمةً وضماناً.

            ○ قال أحد الفضلاء: أحيانا المضيّف أو السائق أو من أشبه يصرح بالإجازة للتصرف في الكرسي الفارغ؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): إن كان وكيلاً عن المالك أو الشركة أو مخولاً عنهما فلا بأس.

            ○ سأل أحد الفضلاء: ليس هذا تصرفاً في ملك الغير، والدليل على ذلك أنه لو جاء شخص قام عن الكرسي الذي لم يستأجره؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): إذا لم يأت الشخص ما ذا تقولون، علماً بأن التصرف الوجداني قد حصل، إلا أن يقال بأحد الأمرين السابقين مما يكشف عن رضا المالك به.

            ○ سأل أحد الفضلاء: ربما يقال بأن المالك أعرض عن الكرسي الفارغ؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): الإعراض بحاجة إلى إثباته، فالإشكال حينئذ صغروي. ويبدو أنه لا إعراض وجداناً.

            ○ قال أحد الفضلاء: الناس غافلون عن مثل هذا التصرف حتى المتدينين منهم، ولا يمكن أن نجعل تصرفهم شرعياً لغفلتهم، ومن جانب آخر الخدمة والسائق ليسوا مخولين من المالك في مثل هذه الإجازة، بل جعلوا لمهمتم من السياقة أو الخدمة، فلا دليل على الجواز وعدم الضمان؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): هذا إذا لم نقل بحصول الاطمينان بالرضا من أحد الأمرين السابقين، فالاطيمنان إما علم عادي وهو حجة، أو حجة عقلائية فيها الطريقية، وهو عذر إن خالف الواقع.

            ○ سأل أحد الفضلاء: إذا كان الكرسي فارغاً فما المانع من الاستفادة منه؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): إذا كانت دار شخص خالية فهل يجوز التصرف فيها؟

            ○ سأل أحد الفضلاء: ربما يستأجر الراكب كرسياً في آخر الحافلة، ولكن المضيّف ومن أشبه يقدمه وهذا جائز مع أنه لم يستأجر الكرسي في المقدمة، وكذلك ما نحن فيه؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): إذا كانت الإجارة على الكرسي الأخير دون غيره ولم يكن المضيف مخولاً أو وكيلاً في مثل هذا التغيير، ولم يطمئن الإنسان إلى الرضا من جهة أخرى، فلا يخلو من إشكال تكليفاً ووضعاً.

            فالملاك في الجواز أحد الأمرين، وإلا فالتصرف بحاجة إلى إحراز الرضا، قال (عليه السلام): لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه (1).

            وفي بعض الروايات: إلا بطيب من نفسه (2).

            وفي بعضها: إلا عن طيب من نفسه (3).

            ((أقسام الغسل في كيفيته))
            ثم تطرق سماحته (دام ظله) لمسألة أخرى في كيفية الغسل وقال:

            هناك مسألة كثيرة الابتلاء للبعض، وقد سُئلت عنها كثيراً، وهي أن الشخص قد يأتي تحت الدوش وينوي الغسل قربة الله تعالى ويغتسل من دون مراعاة الترتيب بين الرأس والرقبة أولاً والجسد ثانياً، أو الجانب الأيمن ثانياً ثم الجانب الأيسر ثالثاً، فما حكم غسله، وهل هناك وجه لتصحيحه؟

            والفرع الآخر منه: ما إذا كان قد رأى مانعاً في رأسه، أو في الجانب الأيمن بناءً على لزوم الترتيب بين الجانين، فهل يكتفي بغسل ما بقي أم يعيد ما يحصل به الترتيب؟

            فإذا رأى المانع على البشرة أو على ما يجب غسله كالشعور الرقاق، دون المسترسل منها كالشعر الطويل، فما حكمه؟

            قسم الفقهاء غالباً الغسل إلى قسمين، كما هو في (العروة) وغيرها، الارتماسي والترتيبي (4)، فالارتماسي هو أن يغطس في الماء بحيث يستوعب جميع جسده ولو في لحظة واحدة، والترتيبي ما هو المعروف حيث يبدأ بالرأس والرقبة أولا، ثم الجانبين مرتبا بينهما أو غير مرتب، كما في الروايات الكثيرة.

            ولكن هناك ثلاث روايات وبعضها تامة أسنادها، مقبولة دلالتها، تدل على وجود قسم ثالث للغسل، لا هو ارتماسي ولا ترتيبي، وقد قال به جمع من أعاظم الفقهاء كالشيخ والعلامة وغيرهما.

            وهو الغسل تحت المطر وما كان بحكمه كالدوش في زماننا هذا.

            إذن الغسل إن لم يكن ارتماسياً فبناءً على ما ذكره غالب الفقهاء فهو ترتيبي لابد من مراعاته فيه.

            ولكن بناءً على هذه الروايات وما قال به جمع من أعاظم الفقهاء: فهناك غسل آخر لا هو ارتماسي ولا هو ترتيبي، وهو الغسل (تحت المطر) فهو مجز بلا حاجة فيه إلى الترتيب المعهود.

            وفي روايات هذا القسم إطلاق في السؤال والجواب، بلا تقييد بالترتيب، وحينئذ فمقتضى القاعدة عدم اشتراطه فيه.

            في صحيحة علي بن جعفر، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُجْنِبُ هَلْ يُجْزِيهِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنْ يَقُومَ فِي الْمَطَرِ حَتَّى يَغْسِلَ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى مَا سِوَى ذَلِكَ، قَالَ: (إِنْ كَانَ يَغْسِلُهُ اغْتِسَالَهُ بِالْمَاءِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ) (5).

            وفي رواية أخرها رواها الكافي:

            عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام)، (فِي رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَقَامَ فِي الْمَطَرِ حَتَّى سَالَ عَلَى جَسَدِهِ أَ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنَ الْغُسْلِ، قَالَ: نَعَم) (6).

            ○ سأل أحد الفضلاء: الغسل تحت المطر في حكم الارتماس، لأن المطر يستوعب الجسد بكامله وإن لم يكن دفعة واحدة، فهو استيعاب تدريجي من هنا قد يقال بعدم اشتراط الترتيب فيه، فليست الأقسام ثلاثة؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): لا يسمى ذلك ارتماساً ولم يعتبره الفقهاء كذلك، ولم يكتفوا بالاستيعاب التدريجي في الارتماسي بل اشترطوا الدفعي فيه.

            ○ سأل أحد الفضلاء: ربما يراد بالروايات الثلاثة وغيرها السؤال عن أصل صحة الغسل تحت المطر، ولكن هي مشروطة بجميع شروط الغسل الترتيبي والتي منها الترتيب؟

            وبعبارة أخرى: إن روايات المطر لا إطلاق فيها من حيث الترتيب، أي لم تكن في مقام البيان من هذه الجهة؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): نعم هكذا احتمل البعض حيث كتب في الرواية بأنه ربما سأل علي بن جعفر (عليه السلام) عن أصل صحة الغسل بالمطر، مع قطع النظر عن الشروط والخصوصيات، يعني يسأل عن صحة غسل يكون صب الماء فيه بنحو القطرات.

            ولكن الإنصاف أنه من المستبعد أن جناب علي بن جعفر (عليه السلام) على جلالته ومقامه وعلمه يسأل عن أصل ذلك فهو من الواضحات أن الغسل يتحقق سواء كان الماء يصب أو يرش أو يتقطر أو ما أشبه حيث يتم غسل فيه البشرة وما في حكم البشرة بالكامل، بأن يمرر يده مثلاً على الأعضاء.

            إذن الإطلاق لا إشكال فيه.

            ○ قال أحد الفضلاء: ربما كان سؤال الراوي من جهة أن الغسل والوضوء بحاجة إلى أن يباشر المكلف الأفعال بنفسه، ومع نزول المطر لا يكون ذلك، فالمطر بنفسه ينزل وليس من فعل المكلف، ومن هنا سأل؟

            وربما يقال: الإطلاق بحاجة إلى إحراز، لا أن إحراز عدم الاطلاق يضر بالإطلاق؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): هناك بحثان،

            أولا: هل الإطلاق مشروط بإحرازه أو يكفي عدم إحراز عدمه، أي أيلزم إحراز أن المولى في مقام البيان من هذه الجهة، أو يكفي عدم إحراز أنه ليس في ذلك المقام؟

            الظاهر أن الثاني يكفي حجة للإطلاق.

            نعم الأكثر وإن قالوا بالأول في (الأصول)، ولكنهم لم يلتزموا به في (الفقه)، وإن التزم به بعض المتأخرين في الفقه أيضاً، لكن الغالب حتى لم يشر إلى ذلك فكيف بالالتزام به.

            ○ سأل أحد الفضلاء: وضعت الألفاظ للدلالة على الماهية الصرفة، اي اللا بشرط المقسمي، ولا دلالة فيها على الأفراد.

            فأجاب سماحته (دام ظله): نعم هذا ما عبر عنه الآقا ضياء العراقي (رحمه الله) في شرح تبصرته وهو كتاب جيد، بالطبيعة المحضة (ماهيت ليسيدة)، ولكن هذا المبنى لا تجدونه في غالب كتب الفقهاء من الشيخ إلى زماننا هذا.

            ○ سأل أحد الفضلاء: المطلق لم يوضع للإطلاق، وإلا كان استعماله في المقيد مجازاً، وهو ليس كذلك، نعم كان القدماء يزعمون أن المطلق وضع للاطلاق، ولكن المتأخرين صححوا هذه المعلومة.

            فأجاب سماحته (دام ظله): اعتماد جمع من كبار فقهائنا على هذه الروايات على صحة الغسل تحت المطر والميزاب والشلال والدوش وما أشبه يكفينا في ذلك.

            ○ قال أحد الفضلاء: يمكن تصحيح غسل من لم يكن يراعي الترتيب بوجه آخر، هذا بناءً على اشتراط الترتيب جمعاً بين الأدلة، ولم نقل بدلالة روايات (تحت المطر) على القسم الثالث من الغسل،

            وهو أن حديث الرفع كما يشمل التكليفي يشمل الوضعي أيضاً، فالغسل أصله واجب وترتيبه واجب آخر، فإذا جاء بالأصل وترك الترتيب جهلاً منه فهو مرفوع بدليل الرفع وغسله صحيح.

            فأجاب سماحته (دام ظله): قالوا بأنه يستلزم تخصيص الأكثر وهو مستهجن.

            ○ فقال الفاضل السائل: تخصيص الأكثر لا يستلزم منه الاستهجان دائماً، وخاصة في ما إذا كان هناك أصناف، وكان عشرة بالمائة منه عشرة أصناف، وتسعون بالمائة صنفاً واحداً مثلا، فالأكثر فرداً الصنف الأقل ولا استهجان حينئذ في تخصيصه؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): المرحوم السيد الأخ (رحمه الله) كان يرى قوة حديث الرفع وأنه يرفع الوضع أيضاً إلا ما خرج، ولم ير هذا الاستهجان الذي ادعاه الشيخ الأعظم.

            ومن جانب آخر نرى بعض الأعاظم في رفع الحكم الوضعي عن الجاهل في بعض المسائل من الفقه اعتمدوا على حديث الرفع.

            ولكن يبقى الإشكال وهو ما ذكره الشيخ الأعظم (رحمه الله) من لزوم تخصيص الأكثر، وهو بحاجة إلى جواب.

            وإلاّ فالظاهر شمول الرفع للموردين التكليفي والوضعي.

            وأتذكر أنني ذكرت كلام الشيخ الأعظم للمرحوم الأخ (رضوان الله عليهم) من لزوم تخصيص الأكثر، فقال: لا يستلزم ذلك.

            ومن المفيد إذا خصص أحدكم شيئاً من الوقت ليحقق في هذا الكلام، بأنه لو قلنا بأن حديث الرفع يرفع حتى الوضعي من الحكم إلا ما خرج، هل يستلزم تخصيص الأكثر؟

            وما خرج بالدليل مثل ما خرج لإجماع أو إرتكاز أو قطع لقرائن أو... فهل هذا المجموع هو أكثر؟

            ○ قال أحد الفضلاء: مجرد تخصيص الأكثر لا يكون مستهجنا دائماً؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): ولكن قد يكون، ولابد من الفحص حتى يتبين الأمر.

            وإلا فعموم وإطلاق أدلة (لا ضرر) و(لا حرج) و(الرفع) وما أشبه يشمل التكليفي والوضعي، وإن أتعب نفسه جناب الشيخ في (لا حرج) لإخراج الوضعي من شموله، ولكن يبدو أنه لا داعي لما فعله.

            وفي صحيحة أو حسنة عَبْدِ الأَعْلَى مَوْلَى آلِ سَامٍ، قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): عَثَرْتُ فَانْقَطَعَ ظُفُرِي فَجَعَلْتُ عَلَى إِصْبَعِي مَرَارَةً فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ، قَالَ: (يُعْرَفُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، امْسَحْ عَلَيْهِ) (7).

            وهذا في الحكم الوضعي.

            ولولا إشكال جناب الشيخ (رحمه الله) كانت دلالة روايات الرفع تامة في شمول الموردين التكليفي والوضعي، فالجاهل مرفوع عنه كل ذلك، نعم القدر المتيقن من الجاهل هو القصوري وليس التقصيري.

            ○ سأل أحد الفضلاء: رفع الوضع (8) في كثير من الموارد خلاف الامتنان وقد وضع دليل الرفع امتناناً؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): ما تقولون فيما لم يكن خلاف الامتنان، مضافاً إلى أن هناك بحثا في الامتنان مذكور في محله، حيث ذكروا ثلاثة مبان في الامتنان.

            مضافا إلى أن إشكال الامتنان ربما يأتي حتى في الحكم التكليفي.

            ثم إن الامتنان يكون في مثل الأموال والحقوق وما يتعلق بالغير، أما في مثل صحة الصلاة والصوم والوضوء وما أشبه فلا ربط لها بالامتنان وخلافه.

            ○ قال أحد الفضلاء: الشيخ الأعظم (رحمه الله) قال في (لا ضرر) بأن شموله للحكم الوضعي يلزم منه تخصيص الأكثر، ولكن الفقهاء أجابوا على إشكاله، وهم سكتوا على إيراده في دليل الرفع، وهذا يؤيد أن إشكاله وارد في الرفع دون لا ضرر؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): هذا المقدار لا يكفي ولا بد من البحث والفحص في أنه إذا قلنا بشمول دليل الرفع للوضع هل يستلزم منه تخصيص الأكثر المستهجن؟

            وهذا التحقيق سيكون مفيداً للعلماء إذا قام به بعض من له أهلية ذلك إن شاء الله.

            ((التجسس عن عيوب الجماعات))
            سأل أحد الفضلاء: هل حرمة التجسس خاص بالأشخاص أم تشمل الجماعات أيضاً؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): إطلاق (ولا تجسسوا) (9) شامل لهما.

            ○ قال الفاضل السائل: ربما يقال بالانصراف إلى الأشخاص فقط.

            فأجاب سماحته (دام ظله): لا دليل على هذا الانصراف، كا قالوا بالعموم في الغيبة، بأن يقول العرب هكذا، أو الهنود هكذا، فكله من الغيبة المحرمة.

            ○ فقال الفاضل السائل: إذا كان القمار يختلف عند جماعة عن جماعة، فالفحص عن ذلك ألا يكون فحصاً عن العيوب وعن ارتكابهم للحرام وهو نوع تجسس منهي عنه، وأنتم تقولون بلزوم الفحص عن الموضوعات فكيف يجمع بينهما؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): هذا ليس تجسساً عرفاً، هذا فحص عن الموضوع في موارده الشرعية.

            ولو كان تجسساً فرضاً فهو من باب التزاحم، حيث الأهم معرفة الحكم الشرعي، كما قالوا في التجسس عن عيوب الرواة لمعرفة الجرح والتعديل.

            ((الزوجة والإذن في الخروج))
            سأل أحد الفضلاء: إذا كانت الزوجة غنية لا تحتاج إلى نفقة زوجها، وكانت هي التي تصرف على نفسها، فهل يجوز لها أن تخرج من البيت بلا إذن زوجها، علما بأن الزوج مستعد للنفقة عليها.

            فأجاب سماحته (دام ظله): مشكل.

            ○ سأل أحد الفضلاء: القرآن الكريم يقول: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) (10).

            فالقوامية بسبب الإنفاق عليها، ومع عدمه لأي سبب فلا قوامية للرجل.

            فأجاب سماحته (دام ظله): لفهم المراد من الآيات الشريفة لابد من مراجعة الروايات وما ورد عن العترة الطاهرة (عليهم السلام)، وخاصة في آيات الأحكام، لمعرفة المخصصات والمقيدات والموضحات وما أشبه.

            نعم لا إشكال ولا شبهة في حجية ظواهر القرآن، لكن الغالب أن القرآن مخصَّص ومقيَّد وموضَّح بالروايات الشريفة.

            ○ سأل أحد الفضلاء: إذا لم يكن الزوج قادراً على الإنفاق فما هو حكم الإذن في الخروج؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): إذا لم ينفق عليها مع القدرة عصياناً، فالزوجة لا يجب عليها التمكين في أمر الفراش لتقابل الأمرين، ولكن هذا لم يكن مسلَّماً ولا تسالم عليه، وليس هو اتفاقياً بينهم بل محل خلاف.

            أما اذا لم يكن قادراً على الإنفاق فهل للزوجة حق الامتناع، بحاجة إلى تأمل ومراجعة.

            وفي مسألة الخروج من البيت، إذا كان الزوج لا يقدر على الإنفاق وكانت الزوجة تريد الخروج لا لأمر ضروري أو واجب، بل تريد الخروج هكذا، فأدلة أنها لا تخرج إلا بإذن زوجها لها إطلاق.

            وبعض الفروع مشكل، أحيانا الزوج في البيت وهو يريدها وتقول أريد الخروج، هنا لا حق لها بالإجماع إلا إذا كان الخروج واجباً عليها.

            أما إذا كان الزوج مسافراً فهل هي بحاجة إلى الإذن في الخروج، كما قد يستفاد من الرواية الصحيحة حيث أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بعدم خروج تلك المرأة المؤمنة حتى مات أبوها ودفن.

            عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام)، قَالَ: (إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) خَرَجَ فِي بَعْضِ حَوَائِجِهِ فَعَهِدَ إِلَى امْرَأَتِهِ عَهْداً أَلاّ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى يَقْدَمَ، قَالَ: وَإِنَّ أَبَاهَا مَرِضَ، فَبَعَثَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي خَرَجَ وَعَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لا أَخْرُجَ مِنْ بَيْتِي حَتَّى يَقْدَمَ، وَإِنَّ أَبِي قَدْ مَرِضَ فَتَأْمُرُنِي أَنْ أَعُودَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): لا، اجْلِسِي فِي بَيْتِكِ وَأَطِيعِي زَوْجَكِ، قَالَ: فَثَقُلَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ ثَانِياً بِذَلِكَ فَقَالَتْ: فَتَأْمُرُنِي أَنْ أَعُودَهُ، فَقَالَ: اجْلِسِي فِي بَيْتِكِ وَأَطِيعِي زَوْجَكِ، قَالَ: فَمَاتَ أَبُوهَا فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ إِنَّ أَبِي قَدْ مَاتَ فَتَأْمُرُنِي أَنْ أُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لا، اجْلِسِي فِي بَيْتِكِ وَأَطِيعِي زَوْجَكِ، قَالَ: فَدُفِنَ الرَّجُلُ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكِ وَلأَبِيكِ بِطَاعَتِكِ لِزَوْجِك) (11).

            ففيما إذا لم يكن الزوج موجوداً، ولم تكن ضرورة في الخروج، قال البعض بالاحتياط الوجوبي في عدم خروجها إلا بأذنه، وأفتى به البعض.

            نعم إذا كان يمنعها من الخروج الواجب فلا حق له.

            ○ قال أحد الفضلاء: آية (وعاشروهن بالمعروف) (12) تخصص روايات وجوب الإذن.

            فأجاب سماحته (دام ظله): ذلك إذا كان خلاف المعاشرة بالمعروف، والكلام ليس في خصوصه.

            ○ سأل أحد الفضلاء: إذا كانت الزوجة رشيدة عاقلة مؤمنة، وكان الزوج رجلاً فيه خبل، أو كان مدمناً على المخدرات بحيث لا يكون له رأي صائب في الخروج وغيره، فهل لابد أن تستأذنه؟

            ج: قد يقال بأن مثل هذه الموارد خارج تخصصا أو تخصيصاًً.

            ○ سأل أحد الفضلاء: إذا أرادت الزوجة الخروج لتعلم المسائل الشرعية؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): إذا كان تعلم المسائل الشرعية التي تبتلى بها عادة متوقف على الخروج، ولا يمكن التعلم والاستفسار عبر الهاتف وما أشبه، جاز الخروج للتعلم الواجب وبقدره، ولو كان الوجوب مقدمياً يعني لا ابتلاء الآن، ولكن عند الابتلاء تكون عالمة بحكمها، حيث قال الفقهاء بجواز الخروج لمثل هذا التعلم الواجب.

            ((هل الآيات مجملة؟))
            ○ سأل أحد الفضلاء: تتميماً لما ذكرتموه بأن الآيات وخاصة آيات الأحكام بحاجة إلى التفسير، فهل يعني ذلك آن الآيات أكثرها مجملة؟

            فأجاب سماحته (دام ظله): لا، بل أكثر الآيات لها ظهور، ولكن يراد بما ذكرناه أن الآيات في مقام أصل التشريع عادة، دون بيان الخصوصيات، من هنا هي بحاجة إلى مراجعة الروايات الشريفة لمعرفة تلك الخصوصيات.

            فالروايات مبينة للآيات، والمعصومون (عليهم السلام) مفسرون لها.

            وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
            الليلة التاسعة عشرة
            ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
            (1) وسائل الشيعة: ج14 ص572 ب90 ذيل ح19842.
            (2) غوالي اللئالي: ج1 ص222 ف9 ح98.
            (3) غوالي اللئالي: ج2 ص113 المسلك الرابع ح309.
            (4) العروة الوثقى: ج1 ص294: (وله كيفيتان: الأولى الترتيب، وهو أن يغسل الرأس والرقبة أولا ثم الطرف الأيمن من البدن ثم الطرف الأيسر... الثانية الارتماس، وهو غمس تمام البدن في الماء دفعة واحدة عرفية واللازم أن يكون تمام البدن تحت الماء في آن واحد).
            (5) وسائل الشيعة: ج2 ص231 ـ 232 ب ح2022.
            (6) الكافي: ج3 ص44 باب صفة الغسل ... ح7.
            (7) الكافي: ج3 ص33 باب الجبائر والقروح والجراحات ح4.
            (8) اي رفع الحكم الوضعي.
            (9) سورة الحجرات: 12.
            (10) سورة النساء: 34.
            (11) الكافي: ج5 ص513 باب ما يجب من طاعة الزوج على المرأة ح1.
            (12) سورة النساء: 19.

            تعليق


            • #21
              الليلة الحادية والعشرون ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة



              بسم الله الرحمن الرحيم.

              الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


              ((الرضا بالدخول بشرط العقد الدائم))
              سأل أحد الفضلاء: إذا عقد على باكرة عقداً موقتاً بشرط عدم الدخول، ثم دخل بها برضايتها فهل فيه مهر المثل أم المسمى؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): فيه مهر المسمى، لأنها برضايتها أسقطت شرطها.

              سأل أحد الفضلاء: إذا رضيت بالدخول بشرط أن يعقد عليها عقداً دائماً بعد العقد المؤقت، ولكنه لم يعقد؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): كان لها مهر المثل في مفروض السؤال، إلا إذا كان أقل من المسمى.


              ((إشكال الشيخ وتخصيص الأكثر))
              قال أحد الفضلاء: تعقيباً على ما مر من إشكال الشيخ الأعظم (قدس سره) على دلالة حديث الرفع وأنه لا يشمل الحكم الوضعي، لأنه يستلزم تخصيص الأكثر وهو مستهجن، يمكن القول:

              بأنه قال بعض الأصوليين: إذا كان العام ذا أصناف مختلفة، وكان الباقي تحت العام هو الأكثر فرداً وإن لم يكن الأكثر صنفاً فلا استهجان،

              فحديث الرفع يشمل الأحكام التكليفية والوضعية وهما صنفان، وبما أن أكثر الأحكام الوضعية غير مرفوعة فرضاً والأقل هو الباقي، ولكن الأكثر من التكليفي والأقل من الوضعي معاً يشكلان الأكثر الباقي فلا استهجان.

              فأجاب سماحته (دام ظله): نعم هذا قول وجيه، ولكن بحاجة إلى تتبع أكثر لمعرفة صحة ذلك، وربما السيد الأخ (رحمه الله) كان يرى ذلك حيث قال بشمول قاعدة الرفع للوضع (1) أيضاً.

              سأل أحد الفضلاء: الإحكام التكليفية أكثر أم الوضعية؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): بحاجة إلى مراجعة، وخاصة إذا لوحظ الإلزاميات والاقتضائيات من التكليفي فحسب، بالنسبة إلى الوضعي.

              ويؤيد شمول الحديث للحكمين: أن كبار المدققين والمحققين من الفقهاء على اختلاف مشاربهم كالشيخ المفيد والطوسي والشهيدين والحلي والمحقق والأردبيلي وصاحب المدارك في موارد متعددة تمسكوا بحديث الرفع في الأحكام الوضعية ورفعها، ولم يكن المورد فيه الإجماع أو دليل خاص آخر.

              والخلاصة: إن الكلام وجيه، ولكن لا يتجرأ الإنسان على فتح هذا الباب والحكم برفع الوضع مطلقاً، ومشهور الفقهاء قالوا بعكسه أو لم يقولوا به.

              سأل أحد الفضلاء: قال البعض بأنه لو كان تشريع العام أو المطلق لضرب القانون، فلا استهجان في تخصيص الأكثر، كما لو قال (أكرم الإنسان إلا الفاسق) وكان الفساق أكثر، وفائدة العام حينئذ شموله للفرد المشكوك أنه فاسق أو لا؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): بشكل عام تخصيص الأكثر مستهجن، وبعض الموارد الخاصة بحاجة إلى الدليل، والمثال الأنسب لما نحن فيه ليس (أكرم الإنسان) بل (أكرم كل إنسان) فمع تخصيص الأكثر لا يكون ذكر (كل) مناسباً. فإذا كان القصد ضرب القانون فالأنسب أن يذكر ما يراد به الطبيعة مثلاً لا الاستغراق.

              فالشيخ الأنصاري (رحمه الله) شخصية لا يشق لها غبار، ومن جانب إنه ليس بمعصوم، فالمسألة بحاجة إلى تدقيق أكثر.

              فإن المسألة جذرية هامة وسيالة في جميع الأبواب الفقهية، فينبغي البحث في إشكال الشيخ والجواب عليه إن لم يكن إشكاله وارداً، فهل يمكن التمسك بعموم الموصول في قوله (رفع ما لا يعلمون) ليشمل الوضعي أيضاً مضافاً إلى التكليفي؟


              (الغسل تحت المطر)
              ثم قال سماحته (دام ظله):

              بالنسبة إلى ما مر في الليلة الماضية حول الغسل تحت المطر وفتوى بعض الفقهاء بأنه لا يلزم في ذلك الترتيب، أنقل لكم ما ذكره المحقق النراقي (رحمه الله) في المستند، مما حاصله أن الغسل على ثلاثة أقسام، الارتماسي والترتيبي وتحت مثل المطر.

              وإن كان معظم المتأخرين بعد الجواهر والعروة لم يقولوا بذلك، بل جعلوه على قسمين فحسب.

              وممن قال بجواز الغسل تحت المطر بلا رعاية الترتيب، ونقل عنه النراقي: الشيخ المفيد (2)، والشيخ الطوسي في بعض كتبه (3)، والعلامة الحلي في بعض مصنفاته (4) (رحمهم الله)، وغيرهم. كما نقل عن والده النراقي الأب ملا محمد مهدي (رحمه الله)، وقال: ونسبه والدي (رحمه الله) إلى الأكثر (5).

              النراقي الأب كتابه الفقهي: (المعتمد)، والنراقي الابن كتابه الفقهي: (المستند).


              ((رواية الغسل تحت المطر))
              ومن روايات الغسل تحت المطر:

              وَسَأَلَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ (رضوان الله عليه) أَخَاهُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) عَنِ الرَّجُلِ الْجُنُبِ هَلْ يُجْزِيهِ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنْ يَقُومَ فِي الْمَطَرِ حَتَّى يُغْسَلَ رَأْسُهُ وَجَسَدُهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى مَاءٍ سِوَى ذَلِكَ، فَقَالَ: (إِذَا غَسَلَهُ اغْتِسَالَهُ بِالْمَاءِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ) (6).

              و(اغتساله بالماء) يعني لو كان يغتسل بالآنية ويمرر يده على جسده حيث يشمل الماء جميع بدنه، فإذا كان تحت المطر لابد أن يشمل المطر جميع الجسد فحينئذ يجزيه.

              سأل أحد الفضلاء: ربما يراد بقوله (اغتساله بالماء) أي مع رعاية الترتيب، فكما يلزم الاستيعاب يلزم الترتيب؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): لا ظهور في ذلك أي في لزوم الترتيب، نعم قال البعض بأنه لا ظهور فيه في عدم لزوم الترتيب.

              فلم يسأل الراوي عن الترتيب ولا الإمام (عليه السلام) أجاب عن الترتيب، فمن أين الظهور فيه؟

              و(اغتساله) يعني وصول الماء إلى جميع بدنه، ولا دلالة فيه على الترتيب ومع الشك فالأصل عدمه، ثم إن هؤلاء الأعاظم من الشيخ المفيد والطوسي والعلامة والنراقيين فهموا عدم لزوم الترتيب في الغسل تحت المطر من نفس الرواية.

              وقوله (حتى يغسل رأسه وجسده) الواو لا ظهور فيه في الترتيب كما ذكره علماء النحو.


              ((عموم المنزلة))
              سأل أحد الفضلاء: ذكرتم في الدرس (7) بعموم المنزلة، كما قلتم بذلك في بدلية الخمس عن الزكاة، وعموم المنزلة في الغسل تحت المطر يقتضي لزوم الترتيب، حيث قال عليه السلام: (إِذَا غَسَلَهُ اغْتِسَالَهُ بِالْمَاءِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ).

              فأجاب سماحته: نعم نقول بعموم المنزلة ككبرى، ولكن الكلام في الصغرى وأنها منه أم لا، فالعرف لا يفهم العرف من قوله (عليه السلام) لزوم الترتيب، إن لم يفهم عدم لزومه كما فهمه كبار الفقهاء، فهنا العموم من حيث وصول الماء لا من حيث الترتيب.

              وعلى ما في بالي أن سماحة الفقيه الحاج آقا رضا الهمداني (رحمه الله) يقول ما حاصله:

              إن الغسل الارتماسي صحيح والغسل الترتيبي صحيح، ولا دليل على أن غيرهما باطل، وبعبارة أخرى: إن الترتيب في مثل الغسل بالآنية أو بالكف شرط، وليس لنا عنوان عام يقول بأن مطلق الغسل يشترط فيه الترتيب، فهناك عنوان الارتماسي ولا ترتيب فيه، وهناك عنوان مثل الغسل بالآنية وما أشبه حيث يشترط فيه الترتيب، فلا دليل يقول بأنه إن لم يكن ارتماسياً فلابد أن يكون ترتيبياً.

              وحينئذ في مثل الغسل تحت المطر لا دليل عام في البين حتى يدل على لزوم الترتيب فيه، ولو فرضنا الشك فالأصل عدم اشتراطه.

              عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: (اغْتَسَلَ أَبِي مِنَ الْجَنَابَةِ، فَقِيلَ لَهُ قَدْ بَقِيَتْ لُمْعَةٌ مِنْ ظَهْرِكَ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَقَالَ لَهُ: مَا كَانَ عَلَيْكَ لَوْ سَكَتَّ ثُمَّ مَسَحَ تِلْكَ اللُّمْعَةَ بِيَدِهِ) (8).

              وعَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: تَبْدَأُ فَتَغْسِلُ كَفَّيْكَ ثُمَّ تُفْرِغُ بِيَمِينِكَ عَلَى شِمَالِكَ فَتَغْسِلُ فَرْجَكَ ثُمَّ تَمَضْمَضْ وَاسْتَنْشِقْ ثُمَّ تَغْسِلُ جَسَدَكَ مِنْ لَدُنْ قَرْنِكَ إِلَى قَدَمَيْكَ، لَيْسَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وُضُوءٌ، وَكُلُّ شَيْ‌ءٍ أَمْسَسْتَهُ الْمَاءَ فَقَدْ أَنْقَيْتَهُ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً جُنُباً ارْتَمَسَ فِي الْمَاءِ ارْتِمَاسَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَدْلُكْ جَسَدَهُ) (9).

              وما ورد من الترتيب فهو خاص بالغسل بمثل الآنية وصب الماء باليد على الجسد، وإن كان بعض تلك الروايات أيضاً خالية عن الترتيب.

              عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ يَغْتَسِلُ الْجُنُبُ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ كَفَّهُ شَيْ‌ءٌ غَمَسَهَا فِي الْمَاءِ ثُمَّ بَدَأَ بِفَرْجِهِ فَأَنْقَاهُ بِثَلاثِ غُرَفٍ ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ أَكُفٍّ ثُمَّ صَبَّ عَلَى مَنْكِبِهِ الأَيْمَنِ مَرَّتَيْنِ وَعَلَى مَنْكِبِهِ الأَيْسَرِ مَرَّتَيْنِ فَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمَاءُ فَقَدْ أَجْزَأَهُ) (10).

              وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: (تَبْدَأُ بِكَفَّيْكَ فَتَغْسِلُهُمَا ثُمَّ تَغْسِلُ فَرْجَكَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِكَ ثَلاثاً ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى سَائِرِ جَسَدِكَ مَرَّتَيْنِ فَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمَاءُ فَقَدْ طَهُرَ) (11).

              وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: (تَصُبُّ عَلَى يَدَيْكَ الْمَاءَ فَتَغْسِلُ كَفَّيْكَ، ثُمَّ تُدْخِلُ يَدَكَ فَتَغْسِلُ فَرْجَكَ ثُمَّ تَتَمَضْمَضُ وَتَسْتَنْشِقُ، وَتَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَتَغْسِلُ وَجْهَكَ وَتُفِيضُ عَلَى جَسَدِكَ الْمَاءَ) (12).

              سأل أحد الفضلاء: أدلة الترتيب لفظ أم عمل؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): لفظ.

              فقال الفاضل السائل: إذا كان لفظاً ففيه العموم وهو يشمل مثل الغسل تحت المطر.

              فأجاب سماحته (دام ظله): العموم في مثل الاغتسال بالآنية وصب الماء على الجسد فحسب، وفي بعض رواياته أيضاً لا ترتيب، ولا عموم في الترتيب حتى يشمل مثل الاغتسال تحت المطر، ورواياته غير مشروطة به، وظاهرها صحة الغسل وإن لم يكن ترتيب.

              فمع عدم العموم لما لو كان تحت مثل المطر فلا شرط، وإن شككنا فالأصل عدم اشتراطه.

              نعم إذا قلنا بأن الترتيب شرط بشكل عام خرج منه الارتماسي فقط، ولا خصوصية في مثل الغسل بالآنية وصب الماء بالكف، فيشمل مثل الغسل تحت المطر، ولكن كيف يمكن إثبات ذلك.

              سأل أحد الفضلاء: إذا قلنا بعدم اشتراط الترتيب في الغسل تحت المطر، يلزم منه صحة الغسل لو غسل رجله تحت المطر أولاً ثم غسل جسده؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): لا إشكال في ذلك بناء على عدم لزوم الترتيب فيه، ومجرد الاستغراب لا ينفي الحكم مع وجود الإطلاق والعموم، وإلا فنفس الاستغراب آت في الغسل الترتيي إذا بدأ برجله قبل صدره، في غسله للجسد كله بعد الرأس والرقبة، أو في كل من الجانبين بناء على الترتيب بينهما، وكذلك من المستغرب غسل الرقبة قبل الرأس، وكل ذلك لا إشكال فيه بتصريح الفقهاء، مع أن الروايات في كيفية الغسل تقول بغسل الكتف ثم غسل باقي الجسد وهكذا، ولكن الفقهاء قالوا بأنه لا ترتيب في العضو بل هو بين الأعضاء.

              وقد سألت مكرراً عمن اغتسل عشرين سنة أو أكثر تحت الدوش بلا رعاية الترتيب، فما حكمه.

              من هنا لو أخذنا بما قاله النراقي وجمع من كبار الفقهاء، فغسله صحيح، ولا يبعد ذلك.

              قال أحد الفضلاء في تصحيح غسل من لم يعمل بالترتيب حتى بناءً على الترتيب: ربما يقال بأن نية الترتيب ليست بشرط كنية الوجه من وجوب واستحباب وما أشبه، فتحت الدوش وإن لم ينو الترتيب لكن عادة يحصل الترتيب، فالماء يصب عليه من فوق فيُغتسل راسه ورقبته أولا، ثم باقي الجسد، فلا إشكال في غسله حتى على لزوم الترتيب.

              فأجاب سماحته (دام ظله): لا إشكال في ذلك، وهو تخريج جيد لمن يرى الترتيب، ولكن لابد من إحراز أن الترتيب حصل، نعم إذا شك بعد الغسل أمكنه إجراء قاعدة الفراغ في ذلك.

              سأل أحد الفضلاء: إن كان قد بقي تحت الدوش كثيراً والماء مفتوح يصب عليه فبعد تمام غسل الرأس والرقبة بالكامل ولو بعد دقائق، يعتبر الباقي مما يصب من الماء غسلاً لباقي الجسد وهذا هو الترتيب عملاً.

              فأجاب سماحته (دام ظله): نعم هذا أيضاً جيد، بناء على لزوم الترتيب.

              وقال أحد الفضلاء: بل يمكن إجراء قاعدة الفراغ بعد الصلاة، فإذا صلى بغسله هذا تحت الدوش، وشك بعد صلاته جرى قاعدة الفراغ.

              فأجاب سماحته (دام ظله): بل تجري قاعدة الفراغ بعد الغسل أيضاً، ولا حاجة إلى تأخيرها إلى بعد الصلاة.

              ولكن ماذا تقولون على المبنى الذي لا يجري قاعدة الفراغ في مثل هذه الموارد، لعدم الالتفات حينه أو ما أشبه، فما هو الحل حينئذ؟

              ويبدو أنه بعد العروة كأنه أصبح من المسلّمات عند البعض أن الغسل على قسمين فقط، ارتماسي وترتيبي، ولكن حسب المستفاد من النصوص أن الغسل تحت المطر وشبهه قسم ثالت أيضاً ولا يشترط فيه الترتيب.


              (القمار والميزان العرفي)
              سأل أحد الفضلاء: ذكرتم سابقاً أن العرف هو الملاك في تشخيص اللعب قماراً وعدمه، فإذا كانت هناك قرية ليس فيها اللعب بهذه الآلة قماراً أي ليست من آلات القمار، وقرية أخرى كان اللعب بها قماراً وهي من آلاته، فما هو الحكم؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): هذا في غير المنصوص على حرمته، ومشروط بعدم الرهان، وحينئذ فالقمار وعدمه أمر عرفي لكل قرية حكمها، فإن الاختلاف في الأعراف يوجب تبدل الموضوع مما يتغير بحسبه الحكم، وهذا ما ذكره الفقهاء في الربا وغيره.

              فإذا كان الشخص من أهل بلد يباع فيه البيض بالوزن حيث فيه الربا، ولكنه سافر بشخصه إلى بلد آخر يباع فيه البيض بالعدد، قال الفقهاء بجواز التفاضل في البيع حتى لهذا الشخص في البلد الثاني.

              وما نحن فيه من هذا القبيل.

              فمثلاً اللعب بالمحيبس، حيث يتقامر به في بعض البلاد، وهو مجرد لعبة لا يتقامر به في بلاد أخرى، فاللعب به في البلد الثاني بلا رهان جائز.

              ○ سأل أحد الفضلاء: وما هو الحكم لو سافر من قرية تابعة لمدينة أو العكس، وكانت المدينة تختلف عرفاً عن القرية في اللعب بالقمار، وهل القرية تابعة للمدينة شرعاً؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): لكل منهما حكمه، نعم إذا كانتا عرفاً بلداً واحداً لاتصالهما مثلاً فالحكم واحد، فليست القرية تابعة للمدينة دائماً ولا العكس،

              كانت بغداد والكاظمية سابقاً بلدين، والآن بلد واحد، وأتذكر لأن المرجع سماحة السيد محسن الحكيم (رضوان الله عليه) أفتى بفتويين فيهما، فكان يقول أولاً بأنهما بلدين، ثم في زمانه اتصل البلدان فأفتى بأنهما في حكم بلد واحد.

              سأل أحد الفضلاء: إذا خرج الشخص من المدينة إلى بستان في القرية القريبة فهل يتغير الحكم، يعني يجوز له التقامر، حيث لا عرف هناك.

              ج: في فرض المسألة ومع عدم اتحاد المكانين، لا يسمى في القرية تقامراً، إن لم يكن ذلك من المنصوص على حرمته كالشطرنج، ولم يكن اللعب برهان.

              وحكمه كحكم الربا إذا خرج إلى بستانه في القرية التي يباع البيض فيها بالعدد.

              أتذكر قبل ستين سنة تقريباً جئنا إلى إيران وفي طريقنا إلى زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) نزلنا بطهران، وكان بقرب المنزل الذي سكناه، يباع الخيار والبادنجان وما أشبه بالعدد.


              ((نية الترتيب تحت المطر))
              سأل أحد الفضلاء: هل يجوز أن ينوي الغسل الترتيبي تحت المطر، فيغسل رأسه ورقبته أولاً ثم جسده، أو ثم الجانبين بالترتيب؟

              ج: نعم يجوز ذلك، والكلام في أنه ليس بلازم.

              وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
              الليلة العشرون
              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
              (1) أي للحكم الوضعي.
              (2) نقله المستند عن المقنعة.
              (3) الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد: ص245، والمبسوط في فقه الإمامية: ج1 ص29.
              (4) راجع المنتهى: ج1 ص84، والتذكرة: ج1 ص24، والتحرير: ج1 ص12.
              (5) انظر مستند الشيعة إلى أحكام الشريعة: ج2 ص334 ـ 335 وفيه: (المسألة الخامسة: يصح الغسل تحت المطر بلا خلاف يعرف، لصحيحة علي: عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده، وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال: (إن كان يغسله اغتساله بالماء، أجزأه ذلك). ومرسلة ابن أبي حمزة: في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده، أيجزيه ذلك من الغسل، قال: (نعم)، وهل يجب فيه الترتيب كما عن الحلّي والمعتبر، أو لا، بل يجري مجرى الارتماس أيضا مع غزارة المطر، كما عن المقنعة والإصباح وظاهر الاقتصاد والمبسوط وجملة من كتب الفاضل، واختاره والدي (رحمه الله) ونسبه إلى الأكثر، الظاهر الثاني، لإطلاق الروايتين، الخالي عن التقييد، لما عرفت من عدم دلالة غير حسنة زرارة والرضوي على الوجوب، مع أنّه يتضمّن مثل الصب والإفاضة الذي هو فعل المكلّف، فلا يشمل المورد. وأمّا هما، فالرضوي لضعفه الخالي عن الجابر في المقام غير حجّة. والحسنة لدلالتها على ترك الرأس إلى أن يفرغ من الغسل، بل على تأخير إرادة غسل الرأس لمكان (ثمَّ) غير مفيدة، لجواز أن يكون لابدّية إعادة الغسل في المورد الذي يحكمون فيه بعدم الترتيب لأجل ذلك التأخير، حيث إنّ كلّ من يقول بعدم وجوب الترتيب هنا يجريه مجرى الارتماس في لزوم غسل جميع البدن دفعة عرفية متواليا من غير تراخ، ولذا قيدوا المطر بالغزير. فيبقى إطلاق الروايتين خاليا عمّا يوجب تقييده في محلّ النزاع وإن قيّد بالترتيب في صورة عدم غزارة المطر بالإجماع بل الرضوي المنجبر، وبالدفعة العرفية مع غزارته بالإجماع. مع أنّه على فرض دلالة الخبرين يتعارضان مع روايتي المطر بالعموم من وجه، والمرجع إلى إطلاقات الغسل. وأمّا أخبار الارتماس فغير جارية هنا قطعا، لعدم تحقّق الارتماس فيه وإن كثرت الغزارة.
              دليل الأوّل: عدم منافاة الروايتين للترتيب، فلا يخرج عن مقتضى أدلّته، بل دلالة الصحيحة على ثبوته، إذ لا يمكن أن يكون المراد بقوله: (اغتساله بالماء): المماثلة في الجريان، لتضمّن السؤال للغسل المستلزم إيّاه، فيكون في الكيفية التي منها الترتيب و الارتماس. والثاني غير ممكن في المورد، فيكون الأول. وفيه: ما مرّ من عدم نهوض أخبار الترتيب في المورد. وما ذكره في الصحيحة إنّما يصح إذا كان: يغتسل اغتساله بالماء، و إنّما هو: (يغسله) المستند إلى المطر، ولا معنى لاستناد الترتيب إليه. مع أنّه يمكن أن تكون المماثلة في شمول جميع أجزاء البدن والوصول إليه من أصول الشعور ونحوها. ولا يبعد إلحاق الميزاب وشبهه بالمطر في انتفاء الترتيب مع الغزارة المستلزمة للدفعة العرفية بحسبها، لا للقياس بالمطر، بل لعدم شمول أدلّة الترتيب، كما مرّ. (انتهى ما في المستند)
              (6) الفقيه: ج1 ص20 باب المياه وطهرها ونجاستها ح27.
              (7) أي في بحث الخارج الذي يدرسه سماحة المرجع الديني في جامع الامام زين العابدين عليه السلام بقرب الحرم المعصومي الشريف.
              (8) تهذيب الأحكام: ج1 ص365 ب17 ح1.
              (9) تهذيب الأحكام: ج1 ص131 ب6 ح53.
              (10) وسائل الشيعة: ج2 ص229 ب26 ح2014.
              (11) وسائل الشيعة: ج2 ص229 ب26 ح2013.
              (12) وسائل الشيعة: ج2 ص225 ب24 ح2000.

              تعليق


              • #22
                الليلة الثانية والعشرون ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة



                بسم الله الرحمن الرحيم

                الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


                ((الربا واختلاف البلدان))
                تعقيباً على البحث المطروح ليلة أمس في مسألة الربا واختلاف البلدان، حيث قال سماحته (دام ظله): بأن الحكم تابع لموضوعه والموضوع يختلف باختلاف الأعراف، ذكر أحد الفضلاء نصاً فقهياً لبعض أعلام الطائفة على أن الأحوط مع اختلاف الأعراف في باب الربا الإلحاق بالمكيل والموزون وأنه ربوي، حيث قال بذلك الحائري واليزدي والصدر (رحمهم الله).

                ثم قال الفاضل: يستظهر من قولهم: (ما لا يكون مكيلاً ولا موزوناً)، وكذلك في باب المسجَد: (ما لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً)، وفي باب القمار: (ما لا يتقامر به)، أن لا يكون كذلك في جميع البلدان، أي نفي الطبيعة، فإذا كان يتقامر بالشيء ولو في بلد واحد، لا يجوز اللعب به في سائر البلدان، وهكذا في (ما لا يؤكل وما لا يلبس)، و(ما لا يكال وما لا يوزن).

                فأجاب سماحته (دام ظله): ذكرتم ثلاثة من الأعلام، ولكن مع التتبع ترون ثلاثين منهم أفتوا على خلاف ذلك وأن الحكم تابع لموضوعه وهو يختلف باختلاف الأعراف.

                انظروا رسالة صاحب الجواهر (رحمه الله) وعليها تعليقات ثمانية من الأعلام، ورسالة ذخيرة العباد للشيخ زين العابدين المازندراني (رحمه الله) وهو من تلامذة صاحب الجواهر، وعليها حاشية السيد اليزدي والسيد إسماعيل الصدر والشيخ محمد تقي الشيرازي (رحمهم الله)، ورسالة النخبة للحاج الكلباسي (رحمه الله) وعليها تعليقات جمع من الأعلام، وغيرها.

                فإذا جعل الشارع لفظاً موضوعاً لحكم شرعي، فالحكم دائر مدار الموضوع صدقاً، وهو يختلف باختلاف الأعصار والأمصار فإن صدق صدق وإلا فلا.

                ومن مصاديق ذلك ما ذكره صاحب العروة ومن علق عليها، في مسألة المسجَد وأنه لابد أن يكون أرضاً أو نابتاً منها ما لم يكن من الملبوس والمأكول، وأنه هل يختلف باختلاف البلدان.

                قال السيد: (مسألة: الذي يؤكل في بعض الأوقات دون بعض لا يجوز السجود عليه مطلقاً، وكذا إذا كان مأكولًا في بعض البلدان دون بعض) (1).

                وقال النائيني (رحمه الله): (هذا الإطلاق مشكل بل ممنوع، والأظهر تبعيّة الحكم في كلّ زمان لمعتاد ذلك الزمان) (2).

                وقال أيضاً: (مع غلبة المأكوليّة عليه بحسب نوع البلاد، وإلا ففيه إشكال) (3).


                ((الصدق العرفي وتبعية الحكم للموضوع))
                وهكذا قال جمع من الفقهاء بأن الحكم تابع للموضوع والصدق العرفي، وباختلاف البلاد في الصدق يختلف الحكم.

                هذه هي الكبرى، ومن صغرياتها مسألة المسجَد والربا والقمار وغيرها.

                فما يتقامر به في بعض البلاد ولم يرد فيه نص على حرمته بخصوصه، يمكن القول بجواز اللعب به بدون رهان في بلد ليس آلة للقمار.

                وهذه المسألة خاضعة للاجتهاد وليس فيها نص خاص.

                ○ سأل أحد الفضلاء: (ما لا يوزن) وما أشبه يعني عدم الطبيعة، فإذا كان يوزن في بلد واحد فالطبيعة حصلت ولا يجوز التفاضل فيه؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية، فلماذا تقولون في بلد واحد، بل حتى في بيت واحد أو عند شخص واحد تحصل الطبيعة، فهل تلتزمون به؟.

                ○ قال أحد الفضلاء: إنه منصرف عن الشخص الواحد؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): مع ترتب الحكم على الطبيعة لا وجه للانصراف، مضافاً إلى أن مجرد دعوى الانصراف لا يكفي بل لابد من إحرازه.

                ثم إن الشيخ الحائري المؤسس (رحمه الله) له تعليقات عديدة على عدد من الرسائل الفقهية، راجعوا سائر تعليقاته وانظروا هل يقول بمثل ما قال فيما حكيتموه، فإن الشيخ كان له روح الاحتياط، وأحياناً في رسالتين ترى في أحدهما يحتاط وفي الأخرى يبقى على فتوى صاحب الرسالة بما لا يطابق الاحتياط.

                ○ سأل أحد الفضلاء: الطبيعة موجودة والحكم يترتب عليها؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): ليس المعيار الطبيعة بل العنوان، فعنوان (ما لا يوزن) و(ما لا يؤكل) وما أشبه هو الملاك، والحكم تابع للعنوان، والفقهاء لم يعبروا بالطبيعة بل عبروا بالعنوان، والعنوان أمر عرفي، فلماذا تقولون الطبيعة، ومن أين جئتم بالطبيعة.

                فالخمر حرام، عنوان الخمر هو المحرم وليست الطبيعة، ولذلك في باب الاستحالة والانقلاب والانتقال من المطهرات قالوا الطبيعة ليست بملاك، بل العنوان هو الملاك.

                مثلاً إذا ألقي ملعقة من الخمر في كر من الماء وصار الاستهلاك، قالوا يبقى الماء على طهارته ويجوز شرب جميعه لأن الملاك مسمى الخمر وعنوانه وهو غير حاصل، وليس الملاك طبيعته، وإلا فالطبيعة موجودة، ومع ذلك الحكم ليس بموجود فلا نجاسة ولا حرمة في المفروض.

                ○ قال أحد الفضلاء: ما نحن فيه من تعارض المنطوق والمفهوم، وربما يقال بالتساقط عند تعارضهما، وإن قال البعض إن المنطوق مقدم على المفهوم، وحين التعارض والتساقط مقتضى الأصل عدم الإشكال مع اختلاف البلدان فيما يكال أو يوزن أو يتقامر به أو ما لا يؤكل أو لا يلبس.

                ○ ثم قال: وعلى فرض كون الحكم وارداً على الطبيعة، فإن الطبيعة أمر اعتباري أو انتزاعي، وله قدر متيقن في مورد التخاطب فلا يحكم بالحرمة في مفروض السؤال.

                فأجاب سماحته (دام ظله): ذكرنا أن الطبيعة ليست هي الملاك في الأحكام الشرعية، بل الصدق العرفي للعنوان.


                ((الانتقال والانقلاب والاستحالة))
                ثم قال سماحته (دام ظله): ولا بأس هنا بالإشارة إلى ما ذكره الفقهاء في باب المطهرات، من الانتقال والانقلاب والاستحالة، فإنه لتبدل الموضوع عرفاً يتبدل الحكم، مع أن حقائق الموضوع وطبيعتها محفوظة فيها.

                مثلاً قالوا في دم البق، إذا مصه من الإنسان فهو طاهر، نعم إذا قتله حين المص، فربما يقال بعدم حصول الانتقال أو يشك فيه فيحكم بالنجاسة.

                قال في العروة:

                (السابع: الانتقال، ‌كانتقال دم الإنسان أو غيره مما له نفس إلى جوف ما لا نفس له كالبق والقمل وكانتقال البول إلى النبات والشجر ونحوهما، ولا بد من كونه على وجه لا يسند إلى المنتقل عنه، وإلا لم يطهر كدم العلق بعد مصه من الإنسان) (4).

                ثم قال: (مسألة: إذا وقع البق على جسد الشخص فقتله وخرج منه الدم لم يحكم بنجاسته، إلا إذا علم أنه هو الذي مصه من جسده بحيث أسند إليه لا إلى البق فحينئذ يكون كدم العلق) (5).

                ○ سأل أحد الفضلاء: ألا يجري في دم البق استصحاب النجاسة؟

                فأجاب سماحته (دام ظله):

                أولاً: إن الدم في باطن الإنسان طاهر، وإذا انتقل من الباطن إلى الباطن لا مورد لاستصحاب النجاسة.

                وثانياً: ليس المورد من الاستصحاب، إذ الاستصحاب موضوعه الشك، والدليل ظرفه الشك، وما نحن فيه لا شك لوجود الدليل، وهو ما دل على الانتقال وكونه مطهراً.

                فإن دم الإنسان نجس ودم البق طاهر، وبالانتقال يتبدل الموضوع فيتبدل الحكم، مع أن حقيقة الدم لم تتغير، وطبيعته نفس الطبيعة، وخاصة إذا كان الفصل قليلاً جداً.

                وكذلك يقال في الانقلاب والاستحالة بالمطهرية، لتبدل العنوان وإن لم تتبدل الحقيقة في ماهيتها، ولا الطبيعة كذلك.

                ○ سأل أحد الفضلاء: إذا أكل حيوان حلال اللحم مثلاً عذرة الإنسان مرة واحدة، ثم ذبحنا الحيوان ووجدنا العذرة في بطنه فما حكمه؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): إذا سمي ذلك عذرة فهو نجس، وذلك لعدم تبدل الموضوع عرفاً، وأما نحن فيه فهو في فرض التبدل.

                ثم إن الحكم في الحيوان الجلال بنجاسته وحرمته، لوجود الدليل الخاص.

                ○ سأل أحد الفضلاء: هل في الانتقال دليل خاص أم مجرد تبدل الموضوع؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): لا دليل خاص في المقام، بل لأن الأحكام تابعة للعناوين التي ذكرها الشارع، والانتقال هو تبدل للموضوع عرفاً.

                ○ سأل أحد الفضلاء: إذا كان هناك نص في الانتقال كما في ماء الاستنجاء حيث النص، فهو خارج عما نحن فيه؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): لا نص خاص، بل لما ذكرناه من أن الأحكام تابعة لموضوعاتها أو عناوينها، نعم هناك نصوص في بعض صغرياتها، كنصوص الخمر تجعل خلا وما أشبه.

                ○ سأل أحد الفضلاء: ما ذا تقولون في دم العلق الذي يمص من الإنسان؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): نجس، لأن الدم لا يصبح جزءَ بدنه، بل هو في حكم الظرف، كما لو جمعنا شيئاً من الدم في كيس، حيث يبقى على النجاسة.

                ○ سأل أحد الفضلاء: ما الفرق بين دم العلق ودم البق؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): الفارق هو العرف، وإن قال بعض الفقهاء بطهارة دم العلق أيضاً لنفس ما ذكرناه من تبدل العنوان.

                ثم قال سماحته: هل إشكالكم كبروي أم صغروي؟

                إن كان إشكالكم صغروياً فلا بحث، أما الكبرى فقد تسالم عليه الفقهاء.


                ((الاستحالة وتبدل العنوان))
                سأل أحد الفضلاء: إن في الاستحالة تتبدل الماهية والحقيقة، وليس مجرد تبدل العنوان؟.

                فأجاب سماحته (دام ظله): هناك خلاف في الاستحالة، فهل لابد من تبدل الحقيقة النوعية أو تكفي الصنفية، أما تبدل الماهية بمعناها الحقيقي فليس بشرط.

                قال بعض الفقهاء بكفاية تبدل الحقيقة الصنفية، والمرحوم الوالد (قدس سره) لم يقبل بذلك.

                ومثاله الدخان المتصاعد عن النفط النجس، فهل الدخان طاهر مع أنه يحتوي عادة على ذرات دسومة النفط.

                فإنه ليس عندنا في الأدلة الشرعية كلمة الاستحالة، وإنما ذلك صغرى لما ذكرناه من تبدل العنوان أو تبدل الموضوع عرفاً.

                والمرحوم الوالد (قدس سره) كان يقول: لو جمعنا شيئاً من دخان النفط في ورقة، رأينا الدسومة في الورق، فيبدو أن هناك أجزاء من النفط تصاعدت.

                ولكن هناك من الفقهاء من يرى تبدل العنوان في مثل الدخان وأفتى بالطهارة.

                إذن الانقلاب والاستحالة والانتقال هي مصاديق لتبدل العنوان.

                ومن موارد الاختلاف صغرى، ما تأمل فيه صاحب العروة من الخشب النجس إذا أصبح فحماً فهل يطهر بذلك، نعم إذا أحرق الخشب حتى صار رماداً أصبح طاهراً.

                قال في العروة:

                (الرابع: الاستحالة‌، وهي تبدل حقيقة الشي‌ء وصورته النوعية إلى صورة أخرى، فإنها تطهر النجس بل والمتنجس، كالعذرة تصير تراباً، والخشبة المتنجسة إذا صارت رماداً، والبول أو الماء المتنجس بخاراً، والكلب ملحاً، وهكذا كالنطفة تصير حيواناً، والطعام النجس جزءاً من الحيوان، وأما تبدل الأوصاف وتفرق الأجزاء فلا اعتبار بهما كالحنطة إذا صارت طحيناً أو عجينا أو خبزاً، والحليب إذا صار جبناً، وفي صدق الاستحالة على صيرورة الخشب فحماً تأمل، وكذا في صيرورة الطين خزفاً أو آجراً، ومع الشك في الاستحالة لا يحكم بالطهارة) (6).

                وهذا كله دليل على أن الملاك هو تبدل العنوان وليس تبدل الطبيعة.


                ((تبدل الحالات))
                قال أحد الفضلاء: أحياناً هناك تبدل الحالات كالحليب النجس إذا أصبح جبناً، فإنه لا يطهر.

                فأجاب سماحته (دام ظله): نعم هذا ليس من تبدل العنوان، ولذلك لا يتغير الحكم.

                ○ سأل أحد الفضلاء: في مثل الخشب إذا أصبح فحماً أيضاً هو من تبدل الحالات وليس من تبدل العنوان؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): هذا رأيكم الشريف وبه قال بعض، ومن هنا تأمل صاحب العروة، ولكن جمعاً من الفقهاء قالوا بتبدل العنوان ومن ثم الطهارة.

                والنتيجة من قال بتبدل العنوان قال بالاستحالة والطهارة، ومن لم يقل به لم يقل بهما.

                ○ قال أحد الفضلاء: إن المرحوم الإمام الشيرازي (أعلى الله مقامه الشريف) يقول في (الفقه) في الدخان الصاعد من الشيء النجس إنه حصلت فيه الاستحالة العرفية، فالدخان لا يسمى نفطاً.

                ولكن ما ذا تقولون في الخشب والفحم؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): ليس الكلام في الصغرى، بل في الكبرى.

                والكبرى هي أن الأحكام تتبع العناوين، والأحكام بالنسبة إلى العناوين كالمعلولات بالنسبة إلى عللها.

                ○ سأل أحد الفضلاء: في الجبن والحليب أيضاً حصل اختلاف العناوين عرفا؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): لابد من إحراز التبدل وحصول العنوانين، وهل الصغرى من اختلاف الحالات أم من تبدل الحقائق النوعية أو الصنفية حسب اختلاف آراء الفقهاء، فإذا أحرزتم تبدل العنوان في أي موضوع فلا بأس، فلا بحث في الصغرى.

                ○ سأل أحد الفضلاء: قال بعض الفقهاء الاستحالة مطهرة في العين النجسة دون المتنجسة؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): نعم هذه شبهة ذكرها البعض (7)، ولكنها لا ترتبط بما نحن فيه، بل قالوا به من باب (ضيق فم الركية).

                ولكن راجعوا الجواهر والآغا رضا الهمداني وشروح العروة وتعليقاتها في باب الاستحالة فإنهم لا يقولون بالفرق بين النجس والمتنجس، بل قال البعض بأن المتنجس أخف.

                قال صاحب العروة في الاستحالة: (فإنها تطهر النجس بل والمتنجس، كالعذرة تصير تراباً، والخشبة المتنجسة إذا صارت رماداً، والبول أو الماء المتنجس بخاراً) (8).


                (الدرهم البغلي)
                ومثل هذا الإشكال ما ذكره البعض في المعفو من الدم، وهو ما كان بقدر الدرهم البغلي، فقال البعض: المعفو نفس الدم، أما لو لاقته رطوبة فأصبح متنجساً بالدم فلا عفو، لأن الدليل ذكر الدم وليس المتنجس بالدم، فإذا كانت هناك قطرة دم ولاقته رطوبة فلا تجوز الصلاة به، للعمومات التي تقول لا يمكن الصلاة بالمتنجس.

                قال في العروة:

                (مسألة، الدم الأقل إذا وصل إليه رطوبة من الخارج ‌فصار المجموع بقدر الدرهم أو أزيد لا إشكال في عدم العفو عنه وإن لم يبلغ الدرهم، فإن لم يتنجس بها شي‌ء من المحل بأن لم تتعدد عن محل الدم فالظاهر بقاء العفو، وإن تعدى عنه ولكن لم يكن المجموع بقدر الدرهم ففيه إشكال والأحوط عدم العفو‌).

                ولكن في المقابل قال جماعة بالعفو فيه، قد يكون منهم الفقيه الشيخ حسين الحلي (رحمه الله)، وكان الشيخ من خيرة تلامذة الميرزا النائيني (رحمه الله)، وقد حضرت محضره في النجف الأشرف مكرراً، على ما في تقريراته على (العروة) المسمى بـ (دليل العروة الوثقى) التي قررها المرحوم الشيخ حسن سعيد(رضوان الله عليه) (9).

                ○ سأل أحد الفضلاء: إذا أزال عين الدم وبقي مكانه نجساً هل يمكن أن يصلي به؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): نعم يجوز.

                ○ فقال الفاضل السائل: الدم هو المعفو، ومع زواله لا عفو عن المتنجس به.

                فأجاب سماحته (دام ظله): مع وجود الدم كان المحل متنجساً به، وقد عفي عنهما، فمع زوال الدم يبقى المحل معفواً عنه كما كان.

                ○ فقال الفاضل: العفو عنه كان بسبب الدم ومع زواله يزول.

                فأجاب سماحته (دام ظله): العرف يرون العنوان نفس العنوان، وحينئذ يبقى حكمه من العفو.


                ((الأمر والنهي والطبيعة))
                سأل أحد الفضلاء: إذا تعلق أمر أو نهي بشيء فالظاهر تعلقه بالطبيعة لا بالعنوان.

                فأجاب سماحته (دام ظله): العرف يرى تعلق الحكم بالعنوان كما ذكرناه، ومن هنا قالوا بأن الانتقال والاستحالة والانقلاب من المطهرات، مع أن هذه العناوين لم ترد في النصوص الشرعية، فالخل الذي ينقلب خلاً يصبح طاهراً لتبدل عنوانه وإن لم تتبدل حقيقته وماهيته.

                ○ قال أحد الفضلاء: تغيرت الطبيعة في الخل؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): من أين تأتون بكلمة الطبيعة، الشارع قال العنوان وذلك بذكره للفظ الموضوع، ولم يقل الطبيعة، وهكذا قال الفقهاء: الأحكام تابعة للعناوين، ولم يقولوا إنها تابعة للطبائع، ويمكن للمتتبع أن يرى مواردها الكثيرة في كتبهم الفقهية (10).

                وصلى الله عليه وآله الطاهرين.

                الليلة الحادية والعشرون
                ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
                (1) العروة الوثقى: ج1 ص590 المسألة 11.
                (2) العروة الوثقى (المحشى): ج2 ص392 حاشية النائيني.
                (3) العروة الوثقى (المحشى): ج2 ص392 حاشية النائيني.
                (4) العروة الوثقى: ج1 ص140.
                (5) العروة الوثقى: ج1 ص140 ـ 141 المسألة 1.
                (6) العروة الوثقى: ج1 ص132 الرابع من المطهرات.
                (7) قال الإمام الشيرازي (رحمه الله) في (الفقه): ج6 ص226 ـ 227:
                وإن ناقش فيه جمع مفرّقاً بين النجس والمتنجس، بدعوى أن موضوع النجاسة في المتنجس، كالخشب المتنجس مثلاً، ليس عنوان الخشب حتى تذهب بذهابه، وإنما هو الجسم ولم يزل بالاستحالة، بل هو باق فالنجاسة باقية، وذلك بخلاف استحالة العذرة تراباً فإن موضوع النجاسة هي العذرة بوصف كونها عذرة، لأن الحكم على هذا الموضوع، لا الجسم مع قطع النظر عن كونه عذرة أو غيرها. ومن المعلوم ذهاب العنوان إذا استحال تراباً أو دوداً فتتبعه النجاسة. لكن هذا الإشكال في غير محله، وقد أجاب عنه شيخنا المرتضى (رحمه الله) في الرسائل، (بأنه لم يعلم أن النجاسة في المتنجسات محمولة على الصورة الجنسية وهي الجسم، وإن اشتهر في الفتاوى ومعاقد الإجماعات أن كل جسم لاقى نجساً مع رطوبة أحدهما فهو نجس، إلاّ أنه لا يخفى على المتأمّل أن التعبير بالجسم لأداء عموم الحكم لجميع الأجسام من حيث سببية الملاقاة. وبتقرير آخر: الحكم ثابت لأشخاص الجسم فلا ينافي ثبوته لكل واحد منها من حيث نوعه أو صنفه المتقوّم به عند الملاقاة، فقولهم كل جسم لاقى نجساً فهو نجس، لبيان حدوث النجاسة في الجسم بسبب الملاقاة، من غير تعرض للمحل الذي يتقوم به، كما اذا قال القائل إن كل جسم له خاصية وتأثير، مع كون الخواص والتأثيرات من عوارض الأنواع)، انتهى.
                (8) العروة الوثقى: ج1 ص132.
                (9) انظر دليل العروة الوثقى: ج2 ص289 فما بعد: (لا يخفى أن المفروض في المقام هو طهارة تلك الرطوبة في حد نفسها، وإلا كانت المسألة داخلة في المسألة الثامنة. ثم إنه (قده) قد فرض صوراً ثلاث:
                (الأولى): ما كان وصول الدم موجبا لزيادة المساحة على المقدار المعفو عنه.
                (الثانية): أن لا يكون موجبا للزيادة أصلا.
                (الثالثة): أن يكون موجباً لها، لكن لا تصل الى حد المعفو عنه.
                وأفتى في الأولى بعدم العفو، واستظهر في الثانية العفو، واستشكل في الثالثة ثم احتاط.
                ولكن التحقيق يقتضي القول بأن هذه الرطوبة لو كانت موجبة لانقلاب الدم إلى الماء المتنجس بالدم فالظاهر عدم العفو عنها في الصور الثلاث، ولا مجال للتكلم فيها، وأما إذا لم يخرج الدم بها عن كونه دماً، ففي الصورة الأولى لا ينبغي الإشكال فيما أفتى به من عدم العفو والوجه فيه واضح، وأما في الصورة الثانية فتدخل في العفو من ناحية كونه دماً، بل وكذلك في الثالثة إلا أن ناحية الرطوبة محل تأمل جدا، إذ لو انفصلت عنه ولاقت موضعا آخر فلا كلام في عدم العفو عنها، وأما لو لم تنفصل ولم تتعد محل الدم فالعفو لا يخلو عن إشكال، وإن لم يزد المجموع عن مقدار المعفو عنه. وأشكل من ذلك ما إذا تعدت الرطوبة عن الدم إلى الأطراف مع عدم خروج المجموع عن مقدار المعفو عنه، والسر في ذلك أنها إن لم تنفذ الى الثوب دخلت في المحمول المتنجس، وإن نفذت إليه دخلت في قابلية المتنجس للتنجيس، وحينئذ يكون غير معفو عنه لأن الثوب حينئذ يكون متنجسا بالماء المتنجس فلا يعفى عنه من هذه الجهة، وإن كان معفوا عنه من جهة تنجسه بالدم. ونحن وإن قلنا بقابلية المتنجس لأن يتنجس بالمتنجس لما حقق في محله، لكن إنما نلتزم بذلك فيما إذا لم يكن المنجس لهما واحدا شخصيا، وأما إذا كان المنجس لهما واحدا شخصيا، كما فيما نحن فيه، فلا نلتزم به، وبناءً على ذلك‌ حيث إن المنجس للثوب وللماء هو شخص ذلك الدم الذي على الثوب فلا يكون في الصورة الثانية ولا في الصورة الثالثة لو بقي الدم بحاله إلا في كون المسألة من المحمول المتنجس، بل وهكذا الحال في الثانية لو انقلب الدم إلى الماء المتنجس بالدم، فإنه بناء على ذلك لا يكون منجساً للثوب المتنجس بذلك الدم، فلا تكون المسألة إلا من قبيل المحمول المتنجس، فافهم).
                (10) انظر (الحدائق الناضرة): ج5 ص471، وج19 ص293، و(غنائم الأيام): ج1 ص393 و489 و491، و(ملاذ الأخيار في فهم الأخبار): ج1 ص206، و(عوائد الأيام): ص205، و(مستند الشيعة): ج14 ص344، و(مشارق الأحكام): ص257، و(منتقد المنافع في شرح المختصر النافع): ج1 ص240، و(الروضة الغناء): ص50. وغيرها.

                تعليق


                • #23
                  الليلة الثالثة والعشرون (الأخيرة) ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة



                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
                  ((اتحاد الآفاق واختلافها))
                  سأل أحد الحضور: إنه ورد في قنوت صلاة العيد: (الذي جعلته للمسلمين عيداً) (1) ألا يدل ذلك على أن عيد الفطر يوم واحد لجميع المسلمين، وهذا دليل على اتحاد الآفاق وليس تعددها؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): لا دلالة فيه على اتحاد الآفاق، بل على أصل الجعل العيد (2)، ثم قال سماحته:

                  المشهور بين الفقهاء قديماً وحديثاً أن مسألة العيد أي ثبوت هلال شوال، وكذلك الهلال في بداية شهر رمضان كسائر المسائل، تابعة للآفاق المختلفة كما في الفجر والدلوك وما أشبه.

                  فالقمر موجود دائماً، ولكنه حيث لا نور له ذاتاً، بل هو يكتسب النور من الشمس، فبمقدار ما يقابل الشمس يكتسب النور، وذلك للحركة الموجودة في القمر والأرض والشمس على ما بينه علماء الفلك.

                  فعلى أثر اختلاف الحركة وبعد القمر عن الأرض وقربه، أحياناً يحصل (المحاق) وهو مأخوذ من (المحق) (3) ، فلا شيء من نور الشمس في القمر، وهذا في نهاية كل شهر ربما يومان أو ثلاثة، وبعد ذلك تبدأ الولادة الجديدة للهلال، فيكون بمقدار شكل الهلال من القمر مقابلاً للشمس ومكتسباً النور منه، ولابد من مضي ساعات معينة على ولادته حتى يكون قابلاً للرؤية.

                  سابقاً كان طلبة العلوم الدينية يدرسون شيئاً من علم الفلك، وكان من ضمن المنهج الدراسي كتاب (سي فصل) بالفارسية وفيه فصل حول الفلك، وكتاب (تشريح الأفلاك) للشيخ البهائي (رحمه الله).

                  ثم إنه أول ما يقع النور من الشمس على القمر فهو نور ضعيف لا يرى عادة للناس العاديين وبالعين المجردة إلا بعد مرور فترة يذكرها علماء الفلك.

                  مثلاً في أفق قم المقدسة إذا وقع نور الشمس على الهلال قبل غروب القمر بدقائق قليلة، فهذا النور لا يرى عادة، فلا يثبت الهلال فيها.

                  يقول الفقهاء: يشترط في الهلال أن يكون قابلاً للرؤية، أما إذا لم يكن قابلاً لها لبدو ولادته مثلاً وإن رآه من له نظر خارق جداً فلا اعتبار به، فالعين العادية هي الملاك لا غير المتعارفة التي ترى ما لا يرى عادة.

                  فإذا غرب القمر في أفق قم ولم يكن قابلاً للرؤية، لم يثبت أول الشهر فيها، حيث الرؤية الشرعية لم تحصل.

                  ولكن بعد مرور ساعة أو أكثر لا زال القمر موجوداً في أفق الشام، فربما يرى الهلال هناك بالعين المجردة، حيث يقوى النور بمرور أكثر من ساعة عليه.

                  فإذا رؤي الهلال في الشام ثبت عندهم الشهر، وعند من كان قريباً منهم، ومن كان في أفقهم، وهكذا من كان أفقه بعد أفقهم، أي ما يقع من البلدان في شرق الشام لا غربه.

                  هذا مما تسالم عليه الفقهاء، ولكن الخلاف وقع في الآفاق التي قبل الشام كأفق قم، إذا رؤي الهلال في الشام مثلاً.

                  نعم هناك روايات استدل بها من قال بوحدة الآفاق من حيث الحكم، وهذه الروايات سنداً لا إشكال فيها وإنما الكلام في دلالتها وإطلاقها.

                  فالمشهور لم يفهموا دلالتها على اتحاد الآفاق.

                  منها: صحيحة هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ صَامَ تِسْعَةً وَ عِشْرِينَ قَالَ: (إِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ أَنَّهُمْ صَامُوا ثَلاثِينَ عَلَى رُؤْيَةٍ قَضَى يَوْماً) (4).

                  ومنها: صحيحة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ هِلالِ رَمَضَانَ يُغَمُّ عَلَيْنَا فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَالَ: (لا تَصُمْهُ إِلاّ أَنْ تَرَاهُ فَإِنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ فَاقْضِه)(5).

                  ومنها: صحيحة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ هِلالِ رَمَضَانَ يُغَمُّ عَلَيْنَا فِي تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَالَ: (لا تَصُمْ إَِلاّ أَنْ تَرَاهُ فَإِنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ فَاقْضِ) (6).

                  ومنها: صحيحة أو حسنة أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْيَوْمِ الَّذِي يُقْضَى مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: لا تَقْضِهِ إِلاّ أَنْ يُثْبِتَ شَاهِدَانِ عَدْلانِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلاةِ مَتَى كَانَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَقَالَ: لا تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي يُقْضَى إِلاّ أَنْ يَقْضِيَ أَهْلُ الأَمْصَارِ فَإِنْ فَعَلُوا فَصُمْه) (7).

                  فأجابوا بأن هذه الروايات ليست في مقام البيان من هذا الحيث لتشمل البلاد البعيدة جداً، والتي تختلف في آفاقها اختلافاً كبيراً، وخاصة التي لم يمكن في ذلك الزمان وصول خبرها خلال شهر رمضان المبارك.

                  فإنه لو رؤي الهلال في بلد غربي لم يثبت ذلك للبلد الشرقي البعيد جداً الذي لم يكن الهلال مولوداً فيه حين الغروب أو تستحيل رؤيته، لعدم إمكان ثبوت الهلال شرعاً فيه، من هنا قالوا بتخصيص هذه الروايات بالبلاد القريبة أو البلد البعيد الذي كان شرق بلده، بأن جاء خبر الهلال من بلد شرقي حتى يكون الثبوت هناك ثبوتاً عند البلد الغربي.

                  من هنا قال المشهور بعدم الاتحاد في البلدان البعيدة مع الاختلاف الكبير في الأفق، لأنها خلاف المباني في كل الفقه من أوله إلى آخره، واستثناء الصوم بحاجة إلى دليل أقوى من ذلك، والمسألة ذكرها السيد (رحمه الله) في العروة وربما تسعون بالمائة من الحواشي لم يقبلوا باتحاد الآفاق.

                  قال في العروة: (مسألة: إذا ثبت رؤيته في بلد آخر ولم يثبت في بلده فإن كانا متقاربين كفى، وإلّا فلا، إلاّ إذا علم توافق افقهما وإن كانا متباعدين) (8).

                  وهكذا كان مشهور القدماء كالشيخ (رحمه الله)، والمحقق في الشرائع والنافع، وكذا قال القواعد، ومنهم الشهيد الثاني في المسالك، قالوا: إنه لكل بلد حكم نفسه، وعن المناهل نسبته إلى المعظم.

                  نعم غير المشهور قالوا باتحاد الآفاق حتى في البلاد البعيدة كما حكي عن المنتهى والتحرير، وفي التذكرة حكايته عن بعض القول بالكفاية.

                  قال في المنتهى: إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس سواء تباعدت البلاد أو تقاربت.

                  وقال بعض بالتفصيل: الكفاية والثبوت إن احتمل تحققه فيها، وعدم العلم بعدم وجدانه فيها، فإن علم بعدم وجوده في الآفاق المتباعدة فلا يعمهم حكم ثبوت الهلال.

                  ○ سأل أحد الفضلاء إن البعض يقول: إن القمر لو كان في المحاق فلا يرى، أما لو لم يكن في المحاق فيراه الكل، أو يكون قابلاً لرؤية الكل، فثبوت الهلال في مكان يكفي لسائر البلدان حينئذ؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): القمر كالشمس له طلوع وغروب، وكلما خرج من المحاق ومر عليه الزمان أكثر كان إمكان الرؤية فيه أكثر، ولكل أفق حكمه، نعم إذا رؤي في الشرق فهو ثابت للغرب أيضاً على ما بيناه.

                  ○ سأل أحد الفضلاء: القمر له وجهان، وجه هو مقابل الشمس، ووجه آخر مقابل الأرض، فإذا كان طرف نوره الكامل نحو الأرض فهو البدر، وإذا كان طرف نوره الكامل نحو الشمس فيكون محاقاً لنا، وهذا المحاق غير الخسوف كما هو واضح، ثم عند خروجه من المحاق يصبح شيئاً فشيئاً قابلاً للرؤية، على شكل الهلال ابتداءً ثم يكبر، فإذا غرب القمر في بدو ولادته مع غروب الشمس أو بعده بلحظات مثلاً فإنه لا يكون قابلاً للرؤية هناك أبداً، فكيف يقول البعض باتحاد الآفاق؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): نعم، مشهور الفقهاء لم يقبلوا اتحاد الآفاق.

                  ○ سأل أحد الفضلاء: يمكن القول بالتفصيل حسب ما ورد من روايات حجية هلال بلد لبلد آخر بعد وصول الخبر إليه،

                  فإذا رؤي الهلال في مثل أمريكا واستراليا حيث لا يمكن عادة وصول الخبر آنذاك فلا حجية لأحدهما على الآخر، أما في مثل خراسان والعراق حيث من المحتمل وصول الخبر آنذاك خلال شهر، فالرواية تشمله.

                  فأجاب سماحته (دام ظله): هذا مجرد احتمال بحاجة إلى إثبات، وهناك من العلماء من اشترط في الإطلاق إحراز أن المولى بصدد البيان من هذه الجهة، فلا يمكن التمسك بالإطلاق هنا إذا لم يحرز ذلك.

                  ○ سأل أحد الفضلاء: ربما يقال بإعراض الفقهاء عن هذا الإطلاق لو سلم ذلك، لكن ليس من المعلوم أن الفقهاء أعرضوا عنه، لأنه سابقاً لم تكن هذه الوسائل والآليات الحديثة فكان الخبر يأتيهم من البلاد المتقاربة وليس المتباعدة؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): ليست المسألة من الإعراض، بل الكلام في أن سؤال الراوي وجواب الإمام (عليه السلام) هل يشمل الآفاق البعيدة أم كان الكلام في الآفاق القريبة المتعارفة آنذاك، فكان من النادر جداً أن يأتي شخص من الآفاق البعيدة جداً ويخبر برؤية الهلال عندهم، فلا إطلاق محرز في هذه الروايات لتدل على اتحاد الآفاق مطلقاً.

                  وإني قد سألت أحد كبار المراجع (رحمه الله) في قم المقدسة عن هذه المسألة، وقلت له: إذا شهد عندكم البينة العادلة من مقلديكم برؤية الهلال هنا في قم، ولكن بما أن أفق مشهد يختلف عن قم أحياناً بأكثر من نصف ساعة، فهل يثبت العيد لمقلديكم في مشهد؟ فسكت سماحته. ثم قلت: كم ترون الفاصل بين الأفقين، بحيث إذا ثبت الهلال في أحدهما يثبت للآخر، مثلا في (شاهرود) ربما يختلف الأفق فيها عن (قم) بربع ساعة، فهل ترون رؤية قم كافية لشاهرود؟ فسكت (رحمه الله) أيضاً، مما يدل على أنه لا إحراز في إطلاق روايات اتحاد الآفاق.

                  نعم المشهور أنه إذا ثبتت الرؤية في بلد، فالآفاق القريبة مكاناً أو أفقاً أيضاً ثابت لها، ولكن هل مطلقاً، أم تخص البلاد المشتركة مع ذلك البلد في الليل، أم المشتركة معه في النصف من الكرة الأرضية أم غير ذلك من الأقوال.

                  وهذه كلها تدل على عدم فهم الإطلاق من تلك الروايات.


                  ((الانصراف واختلاف الزمان))
                  سأل أحد الفضلاء وقال: إذا قلنا بالإطلاق اللفظي في تلك الروايات، فلابد من القول باتحاد الآفاق، ولا مجال لدعوى انصراف أدلة رؤية الهلال عن البلاد البعيدة في هذا الزمان، نعم ربما كان الانصراف آنذاك دون زماننا.

                  ومن جانب قال بعض الأصوليين إذا كان هناك إطلاق مثل (أكرم الإنسان) فهو يشمل حتى الإنسان غير المتعارف في خلقته كمن له ستة أصابع، أو كان طويلاً جدا أو قصيراً كذلك.

                  وما نحن فيه من هذا القبيل، فالنص يقول: (صم للرؤية) ولم يقل لرؤيتك، فإذا رؤي الهلال في أي مكان وأي بلد صدق (صم للرؤية)، نعم في الأزمنة السابقة كانت الرؤية في البلاد القريبة حجة لإمكان إيصال الخبر ولو بعد أيام، والآن حيث تطورت المواصلات وما أشبه فالخبر يصل فوراً، فلا انصراف، فالدليل يدل على وحدة الآفاق.

                  فأجاب سماحته (دام ظله): عدم شمول الأدلة للبلاد البعيدة هل لعدم ظهورها أم لانصرافها؟ إذا شككنا في الإطلاق فلا يأتي دور الانصراف.

                  ثم ما ذا تقولون في الفجر، فإذا ثبت الفجر في أفق هل يثبت لسائر البلدان وخاصة البعيدة منها لسهولة إيصال الخبر في زماننا هذا؟

                  ○ فقال أحد الفضلاء: هذا مع الفارق، لأن الفجر ليست الآفاق فيه معتبرة، بل أفق كل بلد معتبر لنفس البلد وهذا مسلّم، والدليل على ذلك قوله (عليه السلام): (فإنما عليك مشرقك ومغربك) (9) ولذلك لا تقولون بالفجر حتى في البلدان القريبة.

                  فأجاب سماحته (دام ظله): نحن نقول بالفجر في البلاد القريبة التي كان الفجر قابلاً للرؤية ولم يره الشخص، وكذلك قالوا بالنسبة إلى الهلال إنه لا بد أن يكون قابلاً للرؤية في البلد الذي لم ير الهلال فيه، قالوا الرؤية طريقية من هذا الحيث، ولكن لابد من إمكان الرؤية.

                  ○ سأل أحد الفضلاء: إطلاق ما دل على أنه لو جاء من بلد آخر وأخبره بالرؤية، يشمل حتى البلدان بعيدة الآفاق، وإذا شككنا في أن المراد البلد القريب أم حتى البعيد فالإطلاق اللفظي يشمله؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): لا علم لنا بوجود الإطلاق من هذا الحيث فلا يشمله، أي نشك في الظهور لا في المراد كما بينا.

                  ○ سأل أحد الفضلاء: هل في تلك الروايات أن البلد الذي رؤي فيه الهلال كان من البلاد التي أفقها قبل بلد الراوي أم بعده، أي كانت شرقاً أم غرباً، ومع عدم التقييد فهي مطلقة.

                  فأجاب سماحته (دام ظله): لا نعلم بهذا الإطلاق من هذا الحيث، ولابد من وجود الظهور الإطلاقي حتى يكون حجة. والمشهور لم يفهموا من تلك النصوص الإطلاق من هذا الحيث، بل قالوا الصوم كالصلاة، فإذا دلكت الشمس في مشهد يكون حجة لمشهد وحواليها من البلاد القريبة منها وما كان قبلها وليس بعدها،

                  وكذلك قالوا في الهلال، فإذا ثبت الهلال في مشهد فهو ثابت لحواليها وما يقربها وما يأتي بعدها وليس قبلها.

                  فإذا رؤي الهلال في قم وكان يمكن رؤيته قبل الغروب بعشرة دقائق فقط، أما الأكثر من عشرة دقائق فلم يمكن رؤيته أبداً، فرؤية قم لا تكفي لمشهد قطعاً، لأنه كان تستحيل الرؤية هناك، نعم إذا كانت قابلية الرؤية قبل الغروب بنصف ساعة مثلاً ربما يمكن القول بثبوته لمثل مشهد أيضاً، فتأمل.

                  ○ سأل أحد الفضلاء: ورد في بعض الروايات (إذا رأيت الهلال) (10) ، وهذا دليل على عدم اتحاد الآفاق لأن رؤية الشخص معتبرة دون غيره.

                  فأجاب سماحته (دام ظله): لا خصوصية في رؤية الشخص نفسه، بل يثبت الهلال بالبينة بشروطها أيضاً.


                  ((هل يكون العيد ثلاثة أيام أو أكثر))
                  سأل أحد الفضلاء: بناءً على عدم اتحاد الآفاق ربما يكون العيد في الكرة الأرضية ثلاثة أيام بل وأربعة، فإنه فلكياً قد يكون الهلال قابلاً للرؤية في استراليا دون غيرها، وفي الليلة المقبلة في الشرق الأوسط يمكن رؤيته، وبعدها بليلة في شمال أمريكا، فيكون أول الشهر ثلاثة أيام، وربما أصبح أربعة أيام، فهل تلتزمون بذلك؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): مشكل في مثل هذا المورد.

                  علماً بأن هذا الموضوع لم يكن مطروحاً سابقاً، فهو أمر مستحدث لسهولة الاتصالات، وإن كان الفرض نادراً أيضاً.

                  ولكن على فرض تحققه فربما يقال بأنه خلاف الارتكاز بهذا المقدار، فاختلاف الشهر بيوم مقبول أما بثلاثة أيام فلا.

                  ○ قال أحد الفضلاء: هذا ليس خلاف الارتكاز، بل هو استغراب؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): الاستغراب لا يكون دليلاً، ولكن يبدو أن هذا الأمر خلاف المرتكز، وليس المستغرب فحسب، فهل يمكن القول بأن العيد في الأرض ثلاثة أيام أو أربعة.

                  ○ فقال أحد الفضلاء: إذا كان الأمر اعتبارياً فما المانع منه؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): ليس الكلام في المانع العقلي، بل ما الدليل عليه؟

                  ○ قال أحد الفضلاء: يمكن حل هذه المشكلة بطريقة ثلاثين يوماً، فإذا رؤي الهلال في الشهر الماضي فبعد مضي ثلاثين يوماً يثبت الشهر الجديد، وبذلك لا يكون العيد أكثر من يومين.

                  فأجاب سماحته (دام ظله): نعم هذا جيد.


                  ((دقة الفقهاء وورعهم))
                  ثم قال سماحته (دامت بركاته): إن فقهاء الشيعة أتعبوا أنفسهم في استنباط الأحكام الشرعية وبكل دقة واحتياط، وخبرة واجتهاد.

                  وكان السيد الوالد (رحمه الله) ينقل أنه كان يحضر ولعدة سنوات في جلسة الاستفتاء العلمية للحاج الآقا حسين القمي (رحمه الله)، وكان يحضر هذا المجلس العلمي عدد من الفقهاء والعلماء ربما كان يصل عددهم إلى العشرة، وكان ينعقد المجلس بعد صلاتي المغرب والعشاء ولمدة ساعة وربما أكثر وربما كان يتأخر إلى ساعات من الليل.

                  وكان هذا المجلس العلمي طيلة الليالي حتى في ليلة الخميس حيث الدروس معطلة، وكان المرحوم الحاج الآقا حسين القمي يرى استمرارها حتى في ليالي الجمعة، ولكن العلماء كانوا مشغولين بزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وسائر العبادات فكانت تعطل في تلك الليلة المباركة فقط.

                  يقول الوالد (رحمه الله): في فرع من فروع الحج استمر البحث فيه ثلاثة أسابيع، حتى وصلنا إلى نتيجة.

                  هذه هي الدقة والاجتهاد والورع والاحتياط، فجمع من الفقهاء الأتقياء الخبراء بل فوق التخصص يجتمعون ويبحثون في مسألة مسألة.

                  وهكذا كان علماؤنا الأبرار، من هنا نرى أن ما يفهمه المشهور لابد من ملاحظته وأخذه بعين الاعتبار، ففي بعض الموارد يوجب ذلك شبه الاطمينان.

                  وفي ما نحن فيه أكثر من تسعين بالمائة من الفقهاء لم يقولوا باتحاد الآفاق.

                  ○ سأل أحد الفضلاء: ورد أنه بعد قتل الإمام الحسين (عليه السلام) لم توفق الأمة لصوم ولا لفطر ولا أضحى.

                  فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ لا يُوَفَّقُونَ لِصَوْمٍ، فَقَالَ: (أَمَا إِنَّهُ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَةُ الْمَلَكِ فِيهِمْ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمَّا قَتَلُوا الْحُسَيْنَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَكاً يُنَادِي أَيَّتُهَا الأُمَّةُ الظَّالِمَةُ الْقَاتِلَةُ عِتْرَةَ نَبِيِّهَا لا وَفَّقَكُمُ اللَّهُ لِصَوْمٍ وَلا لِفِطْرٍ) (11).

                  وعَنْ رَزِينٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): لَمَّا ضُرِبَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) بِالسَّيْفِ فَسَقَطَ رَأْسُهُ ثُمَّ ابْتُدِرَ لِيُقْطَعَ رَأْسُهُ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ: أَلا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ الْمُتَحَيِّرَةُ الضَّالَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا، لا وَفَّقَكُمُ اللَّهُ لأَضْحًى وَلا لِفِطْرٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): فَلا جَرَمَ وَاللَّهِ مَا وُفِّقُوا وَلا يُوَفَّقُونَ حَتَّى يَثْأَرَ ثَائِرُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) (12).

                  فأجاب سماحته (دام ظله): نعم ولكن على الإنسان أن يسعى لكي لا يخطأ، وإذا أخطأ لا يكون عن تقصير بل عن قصور حتى يغفر الله له. مضافاً إلى احتمال كون ذلك بالنسبة إلى المخالفين.


                  ((متى يفطر المريض))
                  سأل أحد الفضلاء: إذا كان على الإنسان أن يبلع بعض الحبوب في وسط النهار فما حكم صومه؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): هذا هو المريض الذي يجوز أو يجب عليه الافطار، فإطلاق (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) (13) يشمله، فلا يجب عليه الصوم ومن أول الفجر يفطر ولا حاجة إلى الانتظار لوقت بلع الحبوب، فإن الضرر أو خوف الضرر على صحة الإنسان مسوغ للإفطار.

                  ○ سأل أحد الفضلاء: إذا كان الشخص مريضاً ولا يعلم بأنه مريض ولم يصم عصياناً، وبعد تمام الشهر تبين أنه كان مريضاً فهل عليه الكفارة؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): لا كفارة عليه لأنه مجرد تجر، ولم يكن مكلفاً بالصوم واقعاً، فيشمله (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً) (14).

                  ○ سأل أحد الفضلاء: فلماذا صومه صحيح إن لم يعلم به، مع أنه واقعاً لم يكن مكلفاً بالصوم؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): هذا في الضرر المسوغ للإفطار لا الموجب له، أما في الموجب كما لو صام ومات بسبب الصوم فهل صومه صحيح، فيه تأمل والمسألة بحاجة إلى مراجعة.

                  ○ سأل أحد الفضلاء: إذا أفطر ولم يصم عصياناً، ثم تبين بعد الشهر أن الصوم كان فيه الخوف الكبير، حيث كان من المحتمل أن يموت بصومه بنسبة خمسين بالمائة، ولكن لم يعلم بهذا الخطر ولم يمت، فتبين أنه واقعاً لم يكن يضره؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): هذا من إفطار العمد، لأنه لم يكن خوف حينذاك حيث لم يعلم بهذا الخطر، ولم يكن ضرر واقعاً حيث لم يمت، فعليه القضاء والكفارة.

                  وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. انتهى

                  الليلة الثانية والعشرون
                  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
                  (1) الفقيه: ج1 ص512 ـ 513 باب صلاة العيدين ح1481.
                  (2) وهذا مثل أن يقال: جعل الله دلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر وقتاً لصلاة المسلمين، فهل يدل ذلك على اتحاد الآفاق؟
                  (3) انظر كتاب العين: ج3 ص56 مادة (محق) وفيه: (والمحاق آخر الشهر إذا انمحق الهلال فلم ير)
                  . وفي مجمع البحرين: ج5 ص234 مادة (محق): (المحاق بالضم والكسر لغة ثلاث ليال في آخره لا يكاد يرى القمر فيها لخفائه).
                  وفي لسان العرب مادة (محق): (المحاق آخر الشهر إذا أمحق الهلال فلم ير).
                  (4) وسائل الشيعة: ج10 ص265 ب5 ح13381.
                  (5) تهذيب الأحكام: ج4 ص178 ب41 ح65.
                  (6) تهذيب الأحكام: ج4 ص157 ب41 ح11.
                  (7) وسائل الشيعة: ج10 ص292 ب12 ح13447.
                  (8) العروة الوثقى: ج2 ص225 المسألة 4.
                  (9) تهذيب الأحكام: ج2 ص264 ب13 باب المواقيت ح90.
                  (10) تهذيب الأحكام: ج4 ص155 ب41 باب علامة أول شهر رمضان وآخره ودليل دخوله ح2، وفيه: (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الأَهِلَّةِ فَقَالَ: هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهُورِ فَإِذَا رَأَيْتَ الْهِلالَ فَصُمْ وَإِذَا رَأَيْتَهُ فَأَفْطِر). (11) الكافي: ج4 ص169 باب النوادر ح1.
                  (12) الكافي: ج4 ص170 باب النوادر ح3.
                  (13) سورة البقرة: 184.
                  (14) سورة البقرة: 184.

                  تعليق


                  • #24
                    هذه التقريرات كانت لسماحة الشيخ الفدائي ومنقولة من موقع السيد صادق الحُسيني الشيرازيّ الرسمي .

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    x

                    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                    صورة التسجيل تحديث الصورة

                    اقرأ في منتديات يا حسين

                    تقليص

                    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                    يعمل...
                    X