بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
خرافات عاشوراء ! .. بقلم عباس بن نخي.
كثيراً ما يردد بعضهم عبارة: تنقية المعتقدات، وتنزيه الشعائر الدينية (ولا سيما الحسينية) من الخرافات! وما زالت المقولة تتكرر والدعوى تُجتر، حتى صارت نغمة يعزفها كل متنطع سفيه، وأهزوجة ينعق بها كل أهوج سخيف. ويغرق بعضهم في الحمق ويغلبه الأفن والخرق، فتخاله طينة ربضة أو حمأة مدَّت بماء حتى ذهب تماسكها، فلا يرجو الخزَّاف منها جرَّة ولا يأمل آنية… لا لقوله في دنيا العلم قدر وقيمة، ولا لرأيه عند العقلاء شأن واعتبار، مهما مجَّده المأجور من الإعلام، وهلَّل له أنصاف المثقفين من العوام.
ولست أدري، ولا يدري غيري، ما هو مقصودهم ـ بالتحديد ـ من الخرافة؟ ولا أظنهم يعلمون ما يقولون أو يفقهون ما يهذون ويهرفون، فهم وإن ادَّعوا الثقافة، وتلبس بعضهم بزي أهل العلم، إلا أن يعاسيب الوهم تطن في آذانهم وذباب الجهل يحوم فوق رؤوسهم، وطيور الخواء تعشعش في صدورهم، وقد استقرت غربان الشؤم والفساد على أذرعهم، وغدت تنطلق من سواعدهم، فيرسلونها وهم يطلقون الكلام على عواهنه، ويصدرون الأحكام بلا روية ودون تحقيق ودراية، فيقع الخلط بين السقيم والصحيح، والغث والسمين، والرث المرقع والجديد، والأخطر: بين الحق والباطل.
وعلى الرغم من وَفرة المصادر وكثرة التداول، لم أقف على تعريف علمي دقيق للخرافة كمصطلح، إذا أطلقه متحدث أو سطره كاتب أو استعمله مفكر ومحلل، دلَّ على معنى بعينه، يخرجه عن الاستعمال الخاص، الذي لا يسمح للناقد بالملاحقة والمحاسبة، فسرعان ما يواجهك مُطلِقه بأنه لم يرد هذا المعنى بل ذاك، وأقفل عليك باب الردِّ والاحتجاج!..
منهم من ألحقها بالأسطورة، وقال في تعريفها: قصة قصيرة ذات رسالة أخلاقية، غالباً ما يكون أبطالها وُحوشاً أو جمادات. وقيل: فنٌّ قصصي خرافي، تمثِّل الحيوانات فيه الشخصيات الرئيسة، ولكن بصفات إنسانية وطاقات إلهية (كما أساطير اليونان). وقيل: جملة الأفعال أو الألفاظ أو الأعداد التي يُظن أنها تجلب السَّعد أو النَّحس، يتعلَّق بها العرَّافون ويصدقها الجهلة وضعاف العقول. ومن هنا ربطوها بالتشاؤم والتفاؤل، وخلطوها بالتطيُّر. وعرضها آخرون ببساطة: حديث باطل لا يمكن تصديقه.
ولعل الصورة تتبلور في عرض صاحب دائرة المعارف، وهو من قادة النهضة العربية، إلى جانب جمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي وناصيف اليازجي، وقل إن شئت طلائع التغريب ومؤسسي الفكر الالتقاطي الهجين، مع فارق يميز أولئك الرواد الأوائل عن أتباعهم المعاصرين، هو احترام أنفسهم، والتزام المنهجية العلمية في أطروحاتهم، والتخصص في الحقول التي يخوضون فيها، والجد والاجتهاد في عملهم، مما يفتقد اليوم في أدعياء الحداثة ولا تراه في الإصلاحيين المعاصرين. يقول بطرس البستاني: خُرافة معناها بالإفرنجية في الأصل شدة التمسك بالدين أو الغلو فيه، ولكن تُوُسِّع فيها في العربية والإفرنجية حتى صارت تدل على اعتقاد أمور منافية للدين الصحيح، أو الواقع، أو ما لا يقبله العقل السليم… وقد ترجم بعض المترجمين الميثولوجيا بالخرافة، فقالوا بدل ميثولوجيا اليونان مثلاً خرافات اليونان. وخرافة (اسم) رجل من بني عُذرة، استهوته الجن (أي اختطفته) على زعم بعضهم، فلما رجع أخبر بما رأى، فكذَّبوه، حتى قالوا لما لا يُـصدَّق: حديث خرافة، وعليه قول بعض الجاهلية: “حياة ثم موتٌ ثم بعث، حديث خُرافة يا أم عمرو”.
يتبع ...
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
خرافات عاشوراء ! .. بقلم عباس بن نخي.
كثيراً ما يردد بعضهم عبارة: تنقية المعتقدات، وتنزيه الشعائر الدينية (ولا سيما الحسينية) من الخرافات! وما زالت المقولة تتكرر والدعوى تُجتر، حتى صارت نغمة يعزفها كل متنطع سفيه، وأهزوجة ينعق بها كل أهوج سخيف. ويغرق بعضهم في الحمق ويغلبه الأفن والخرق، فتخاله طينة ربضة أو حمأة مدَّت بماء حتى ذهب تماسكها، فلا يرجو الخزَّاف منها جرَّة ولا يأمل آنية… لا لقوله في دنيا العلم قدر وقيمة، ولا لرأيه عند العقلاء شأن واعتبار، مهما مجَّده المأجور من الإعلام، وهلَّل له أنصاف المثقفين من العوام.
ولست أدري، ولا يدري غيري، ما هو مقصودهم ـ بالتحديد ـ من الخرافة؟ ولا أظنهم يعلمون ما يقولون أو يفقهون ما يهذون ويهرفون، فهم وإن ادَّعوا الثقافة، وتلبس بعضهم بزي أهل العلم، إلا أن يعاسيب الوهم تطن في آذانهم وذباب الجهل يحوم فوق رؤوسهم، وطيور الخواء تعشعش في صدورهم، وقد استقرت غربان الشؤم والفساد على أذرعهم، وغدت تنطلق من سواعدهم، فيرسلونها وهم يطلقون الكلام على عواهنه، ويصدرون الأحكام بلا روية ودون تحقيق ودراية، فيقع الخلط بين السقيم والصحيح، والغث والسمين، والرث المرقع والجديد، والأخطر: بين الحق والباطل.
وعلى الرغم من وَفرة المصادر وكثرة التداول، لم أقف على تعريف علمي دقيق للخرافة كمصطلح، إذا أطلقه متحدث أو سطره كاتب أو استعمله مفكر ومحلل، دلَّ على معنى بعينه، يخرجه عن الاستعمال الخاص، الذي لا يسمح للناقد بالملاحقة والمحاسبة، فسرعان ما يواجهك مُطلِقه بأنه لم يرد هذا المعنى بل ذاك، وأقفل عليك باب الردِّ والاحتجاج!..
منهم من ألحقها بالأسطورة، وقال في تعريفها: قصة قصيرة ذات رسالة أخلاقية، غالباً ما يكون أبطالها وُحوشاً أو جمادات. وقيل: فنٌّ قصصي خرافي، تمثِّل الحيوانات فيه الشخصيات الرئيسة، ولكن بصفات إنسانية وطاقات إلهية (كما أساطير اليونان). وقيل: جملة الأفعال أو الألفاظ أو الأعداد التي يُظن أنها تجلب السَّعد أو النَّحس، يتعلَّق بها العرَّافون ويصدقها الجهلة وضعاف العقول. ومن هنا ربطوها بالتشاؤم والتفاؤل، وخلطوها بالتطيُّر. وعرضها آخرون ببساطة: حديث باطل لا يمكن تصديقه.
ولعل الصورة تتبلور في عرض صاحب دائرة المعارف، وهو من قادة النهضة العربية، إلى جانب جمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي وناصيف اليازجي، وقل إن شئت طلائع التغريب ومؤسسي الفكر الالتقاطي الهجين، مع فارق يميز أولئك الرواد الأوائل عن أتباعهم المعاصرين، هو احترام أنفسهم، والتزام المنهجية العلمية في أطروحاتهم، والتخصص في الحقول التي يخوضون فيها، والجد والاجتهاد في عملهم، مما يفتقد اليوم في أدعياء الحداثة ولا تراه في الإصلاحيين المعاصرين. يقول بطرس البستاني: خُرافة معناها بالإفرنجية في الأصل شدة التمسك بالدين أو الغلو فيه، ولكن تُوُسِّع فيها في العربية والإفرنجية حتى صارت تدل على اعتقاد أمور منافية للدين الصحيح، أو الواقع، أو ما لا يقبله العقل السليم… وقد ترجم بعض المترجمين الميثولوجيا بالخرافة، فقالوا بدل ميثولوجيا اليونان مثلاً خرافات اليونان. وخرافة (اسم) رجل من بني عُذرة، استهوته الجن (أي اختطفته) على زعم بعضهم، فلما رجع أخبر بما رأى، فكذَّبوه، حتى قالوا لما لا يُـصدَّق: حديث خرافة، وعليه قول بعض الجاهلية: “حياة ثم موتٌ ثم بعث، حديث خُرافة يا أم عمرو”.
يتبع ...
تعليق