الدستور القطري في الظروف الاقليمية الجديدة!!
بقلم: عبدالرحمن النعيمي
لا يختلف اثنان على أن دول مجلس التعاون الخليجي قد حققت قفزات كبيرة خلال العقود الاربعة المنصرمة، وخاصة بعد حرب اكتوبر 1973 وارتفاع اسعار النفط، في المجالات التعليمية والخدماتية والبني التحتية وارتفاع مستوى المعيشة والصحة، والحضور السياسي والاقتصادي في المحافل العربية والدولية بفضل امتلاكها الثروة النفطية.. وبات من الضروري ان تتم لمواكبة هذه المتغيرات المجتمعية تحولات على صعيد البناء الحقوقي ومؤسسات المجتمع المدني.
واجهت دول المنطقة معضلات كثيرة في التطور السياسي والقانوني، ابرزها تخلف بنى المجتمع التقليدية من جهة، وعجز الفئات الحاكمة عن استيعاب ما يفرضه التطور الموضوعي من تغييرات في البنية السياسية، اضافة الى أن بعض دول المنطقة قد فتحت الابواب للعمالة الاجنبية بحيث اصبحت عبئاً حقيقياً عليها، ولا تشكل القوى الاجتماعية المحلية قوى ضغط كبيرة على السلطات الحاكمة تفرض عليها التغيير السياسي المطلوب.
وفي الوقت نفسه فإن القوى الاجنبية التي تضاعفت مصالحها وخاصة بعد الحرب العراقية الايرانية وحرب الخليج الثانية، وانهيار المعسكر الاشتراكي، كانت توازن بين حاجتها الى مؤسسات سياسية ودستورية عصرية، وامكانية الاستفادة من الاشكال التقليدية والعلاقات مع كبار المسؤولين لتمرير الكثير من الصفقات والاتفاقيات التي يصعب تمريرها في دولة المؤسسات والقانون.
إلا ان الضغوط الخارجية والداخلية قد تضاعفت في السنوات الاخيرة، على كافة دول المجلس، واصبح شعار الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، والحق في اقامة مؤسسات نقابية وسياسية مستقلة عن الدولة.. اي تحقيق قفزة سياسية نوعية هما مشتركاً لدى الشخصيات المصلحة في الاسر الحاكمة، بالاضافة الى القوى الاجتماعية الجديدة ذات المصلحة في التغيير.
في هذا المضمار، كان لدولة قطر دور ملحوظ، فبالرغم من قوة المجتمع التقليدي والبنية القبلية التي لم تهتز كثيراً، وبالرغم من التمسك بالامتيازات التي قدمت للمواطنين بحيث اصبحوا متمسكين بها، ولا يدفعون باتجاه تحقيق اصلاح جذري يواكب العصر في مسألة المواطنة والمساواة بين ابناء الوطن والغاء كافة اشكال التمييز، بالرغم من ذلك، فإن الحكم يدفع باتجاه المزيد من الاصلاحات السياسية وباتجاه مغادرة مواقع قديمة تشكل عقبة في طريق التطور.. وجاء مشروع الدستور الدائم الذي صاغته وناقشته لجنة معينة من قبل سمو الحاكم، ولمدة ثلاث سنوات ثم الاعلان عن الاستفتاء عليه في نهاية الشهر الحالي ليشكل نقلة في الحياة السياسية.. رغم الملاحظات التي اوردها بعض الاخوة الديمقراطيين على بعض بنود الدستور خاصة في مسألة الفترة الزمنية التي لا يمكن اجراء اي تعديل عليه.
وقبيل اسابيع قليلة، وبالرغم من العزوف الشعبي عن الترشيح والانتخاب على غرار ما جرى في الانتخابات البلدية الاولى، الا ان نجاح امرأة، ولو بالتزكية في الانتخابات البلدية قد وضع قطر في مقدمة الصفوف الخليجية في اعطاء المرأة دوراً سياسياً ملموساً، بالرغم من ممانعة قطاعات كبيرة من المجتمع التقليدي التي تقف ضد اعطاء المرأة حقوقها السياسية ومساواتها مع الرجل. وجاء الدستور القطري في الوقت الذي احتدم النقاش في البحرين حول الدستور المنحة والتعديلات التي اجريت على دستور 1973 والتي جعلت قطاعات واسعة من الشعب ترفض المشاركة في الانتخابات ودفعت الجمعيات السياسية الاربع (العمل الديمقراطي، الوفاق الإسلامي، التجمع القومي، العمل الاسلامي) الى مقاطعة الانتخابات نظرا لاصرار السلطة على عدم تقديم التعديلات او الدستور الجديد لمجلس منتخب يناقش ويقر هذه التعديلات او الدستور الجديد.. اضافة الى تقليصه للصلاحيات التشريعية والرقابية للمجلس النيابي.. مما اعتبرته الجمعيات المقاطعة مجلس شورى مطورا نصفه منتخب ونصفه معين.
جاء مشروع الدستور الدائم لقطر متطوراً في هذا الجانب عن دستور البحرين المنحة.. حيث سمح بانتخاب ثلثي اعضاء المجلس واعطى الحاكم حق تعيين ثلث الاعضاء.. وحق انتخاب رئيس المجلس.. كما ثبت حق المرأة السياسي.. الا ان هناك حاجة ماسة الى قانون للجنسية يزيل الكثير من الاحتقان المجتمعي.. ويرفد البلاد بامكانيات بشرية من (البدون) او الدرجة الثانية او العرب والاجانب الذين قدموا خدمات جليلة للبلاد، ويستحقون ان يسهموا في التطوير السياسي للدولة. واذا كانت النصوص ملزمة وضرورية.. فإن الممارسة هي مقياس قناعة الحكم او المجتمع بالتطور التشريعي الذي حصلت عليه البلاد. وحيث تتوافر النية والرغبة الملموسة لدى كبار المسؤولين في دفع المجتمع الى الامام، وخاصة القطاع النسائي الذي يشهد نهضة حقيقية في قطر، تسهم في دفع بقية دول المنطقة الى ازالة بعض القيود السياسية والاجتماعية عن نصف المجتمع.. الا ان هذا التطوير يحتاج الى مؤسسات مجتمعية يسهم فيها كل المؤمنين بالاصلاح.. وكل القوى الاجتماعية الحديثة التي طالبت بحقها في تنظيم صفوفها عبر جمعيات مهنية أو سياسية تشكل قوة ارتكاز للمشروع الاصلاحي في قطر.
ولعل الاخوة المسؤولين في قطر، يستفيدون من التجربة البحرينية في مجال مؤسسات المجتمع المدني، حيث كان لها فضل كبير، ليس فقط في استقرار وامن البلاد.. وانما في حشد الكثير من القوى والامكانيات لدفع عجلة التطور الى الامام.
__________________
بقلم: عبدالرحمن النعيمي
لا يختلف اثنان على أن دول مجلس التعاون الخليجي قد حققت قفزات كبيرة خلال العقود الاربعة المنصرمة، وخاصة بعد حرب اكتوبر 1973 وارتفاع اسعار النفط، في المجالات التعليمية والخدماتية والبني التحتية وارتفاع مستوى المعيشة والصحة، والحضور السياسي والاقتصادي في المحافل العربية والدولية بفضل امتلاكها الثروة النفطية.. وبات من الضروري ان تتم لمواكبة هذه المتغيرات المجتمعية تحولات على صعيد البناء الحقوقي ومؤسسات المجتمع المدني.
واجهت دول المنطقة معضلات كثيرة في التطور السياسي والقانوني، ابرزها تخلف بنى المجتمع التقليدية من جهة، وعجز الفئات الحاكمة عن استيعاب ما يفرضه التطور الموضوعي من تغييرات في البنية السياسية، اضافة الى أن بعض دول المنطقة قد فتحت الابواب للعمالة الاجنبية بحيث اصبحت عبئاً حقيقياً عليها، ولا تشكل القوى الاجتماعية المحلية قوى ضغط كبيرة على السلطات الحاكمة تفرض عليها التغيير السياسي المطلوب.
وفي الوقت نفسه فإن القوى الاجنبية التي تضاعفت مصالحها وخاصة بعد الحرب العراقية الايرانية وحرب الخليج الثانية، وانهيار المعسكر الاشتراكي، كانت توازن بين حاجتها الى مؤسسات سياسية ودستورية عصرية، وامكانية الاستفادة من الاشكال التقليدية والعلاقات مع كبار المسؤولين لتمرير الكثير من الصفقات والاتفاقيات التي يصعب تمريرها في دولة المؤسسات والقانون.
إلا ان الضغوط الخارجية والداخلية قد تضاعفت في السنوات الاخيرة، على كافة دول المجلس، واصبح شعار الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، والحق في اقامة مؤسسات نقابية وسياسية مستقلة عن الدولة.. اي تحقيق قفزة سياسية نوعية هما مشتركاً لدى الشخصيات المصلحة في الاسر الحاكمة، بالاضافة الى القوى الاجتماعية الجديدة ذات المصلحة في التغيير.
في هذا المضمار، كان لدولة قطر دور ملحوظ، فبالرغم من قوة المجتمع التقليدي والبنية القبلية التي لم تهتز كثيراً، وبالرغم من التمسك بالامتيازات التي قدمت للمواطنين بحيث اصبحوا متمسكين بها، ولا يدفعون باتجاه تحقيق اصلاح جذري يواكب العصر في مسألة المواطنة والمساواة بين ابناء الوطن والغاء كافة اشكال التمييز، بالرغم من ذلك، فإن الحكم يدفع باتجاه المزيد من الاصلاحات السياسية وباتجاه مغادرة مواقع قديمة تشكل عقبة في طريق التطور.. وجاء مشروع الدستور الدائم الذي صاغته وناقشته لجنة معينة من قبل سمو الحاكم، ولمدة ثلاث سنوات ثم الاعلان عن الاستفتاء عليه في نهاية الشهر الحالي ليشكل نقلة في الحياة السياسية.. رغم الملاحظات التي اوردها بعض الاخوة الديمقراطيين على بعض بنود الدستور خاصة في مسألة الفترة الزمنية التي لا يمكن اجراء اي تعديل عليه.
وقبيل اسابيع قليلة، وبالرغم من العزوف الشعبي عن الترشيح والانتخاب على غرار ما جرى في الانتخابات البلدية الاولى، الا ان نجاح امرأة، ولو بالتزكية في الانتخابات البلدية قد وضع قطر في مقدمة الصفوف الخليجية في اعطاء المرأة دوراً سياسياً ملموساً، بالرغم من ممانعة قطاعات كبيرة من المجتمع التقليدي التي تقف ضد اعطاء المرأة حقوقها السياسية ومساواتها مع الرجل. وجاء الدستور القطري في الوقت الذي احتدم النقاش في البحرين حول الدستور المنحة والتعديلات التي اجريت على دستور 1973 والتي جعلت قطاعات واسعة من الشعب ترفض المشاركة في الانتخابات ودفعت الجمعيات السياسية الاربع (العمل الديمقراطي، الوفاق الإسلامي، التجمع القومي، العمل الاسلامي) الى مقاطعة الانتخابات نظرا لاصرار السلطة على عدم تقديم التعديلات او الدستور الجديد لمجلس منتخب يناقش ويقر هذه التعديلات او الدستور الجديد.. اضافة الى تقليصه للصلاحيات التشريعية والرقابية للمجلس النيابي.. مما اعتبرته الجمعيات المقاطعة مجلس شورى مطورا نصفه منتخب ونصفه معين.
جاء مشروع الدستور الدائم لقطر متطوراً في هذا الجانب عن دستور البحرين المنحة.. حيث سمح بانتخاب ثلثي اعضاء المجلس واعطى الحاكم حق تعيين ثلث الاعضاء.. وحق انتخاب رئيس المجلس.. كما ثبت حق المرأة السياسي.. الا ان هناك حاجة ماسة الى قانون للجنسية يزيل الكثير من الاحتقان المجتمعي.. ويرفد البلاد بامكانيات بشرية من (البدون) او الدرجة الثانية او العرب والاجانب الذين قدموا خدمات جليلة للبلاد، ويستحقون ان يسهموا في التطوير السياسي للدولة. واذا كانت النصوص ملزمة وضرورية.. فإن الممارسة هي مقياس قناعة الحكم او المجتمع بالتطور التشريعي الذي حصلت عليه البلاد. وحيث تتوافر النية والرغبة الملموسة لدى كبار المسؤولين في دفع المجتمع الى الامام، وخاصة القطاع النسائي الذي يشهد نهضة حقيقية في قطر، تسهم في دفع بقية دول المنطقة الى ازالة بعض القيود السياسية والاجتماعية عن نصف المجتمع.. الا ان هذا التطوير يحتاج الى مؤسسات مجتمعية يسهم فيها كل المؤمنين بالاصلاح.. وكل القوى الاجتماعية الحديثة التي طالبت بحقها في تنظيم صفوفها عبر جمعيات مهنية أو سياسية تشكل قوة ارتكاز للمشروع الاصلاحي في قطر.
ولعل الاخوة المسؤولين في قطر، يستفيدون من التجربة البحرينية في مجال مؤسسات المجتمع المدني، حيث كان لها فضل كبير، ليس فقط في استقرار وامن البلاد.. وانما في حشد الكثير من القوى والامكانيات لدفع عجلة التطور الى الامام.
__________________