قالت الزهراء عليها السلام : فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزاً للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية .
X
-
عيون أخبار الرضا عليه السلام : حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن الرضا عليه السلام،
قال: قلت له يا بن رسول الله لأي علة أغرق الله عز وجل الدنيا كلها في زمن نوح عليه السلام وفيهم الأطفال وفيهم من لا ذنب له؟
فقال: ما كان فيهم الأطفال لأن الله عز وجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم، ومكان الله عز وجل ليهلك بعذابه لا ذنب له، وأما الباقون من قوم نوح فأغرقوا لتكذيبهم لنبي الله نوح عليه السلام وسائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده وأتاه.
عيون أخبار الرضا : حدثنا عبد الواحد محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه قال حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن جذان بن سليمان النيسابوري قال: حدثني إبراهيم بن محمد الهمداني
قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام: لأي علة أغرق الله عز وجل فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده؟
لأنه آمن عند رؤية البأس والايمان عند رؤية البأس غير مقبول وذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف قال الله عز وجل (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) وقال عز وجل (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت إيمانها خيرا) وهكذا فرعون لما أدركه الغرق، قال (آمنت إنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) فقيل له: (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد ولبسه على بدنه فلما أغرق ألقاه الله على نجوة من الأرض ببدنه لتكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقله بالحديد مرتفع من الأرض وسبيل الثقيل أن يرسب ولا يرتفع، وكان ذلك آية وعلامة ولعلة أخرى أغرق الله عز وجل فرعون وهي أنه: استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى لم تغث فرعون، لأنك لم تخلقه، ولو استغاث بي لأغثته.
عيون أخبار الرضا : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال: سألته عن أمير المؤمنين عليه السلام كيف مال الناس عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول الله (ص)؟
فقال: إنما مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله لأنه قد كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادين لله ولرسوله عددا كثيرا فكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم فلم يحبوا أن يتولى عليهم ولم يكن في قلوبهم غيره مثل ذلك لأنه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول الله (ص) مثل ما كان له فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه.
عيون أخبار الرضا : حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رضي الله قال: حدثنا أبي، عن جدي أحمد أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي يعقوب البلخي،
قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام فقلت له: لأي علة صارت الإمامة ولد الحسين عليه السلام دون ولد الحسن عليه السلام؟
فقال: الله عز وجل جعلها في ولد الحسين عليه السلام ولم يجعلها في ولد الحسن (والله لا يسئل عما يفعل).
عيون أخبار الرضا : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن الحسن بن النضر، قال: قلت للرضا عليه السلام: ما العلة في التكبير على الميت خمس تكبيرات؟
قال: رووا إنها اشتقت من خمس صلوات، فقال: هذا ظاهر الحديث فأما في وجه آخر فإن الله عز وجل قد فرض على العباد خمس فرائض الصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية، فجعل للميت كل فريضة تكبيرة واحدة فمن قبل الولاية كبر خمسا ومن لم يقبل الولاية كبر أربعا فمن أجل ذلك تكبرون خمسا ومن خالفكم يكبر أربعا.
عيون أخبار الرضا : حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن سعيد عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن مهر السنة كيف صار خمسمأة درهم؟
فقال: إن الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن لا يكبره مؤمن مأة تكبيرة ويحمده مأة تحميدة ويسبحه مأة تسبيحه ويهلله مأة تهليله ويصلي على محمد وآله مأة مرة ثم يقول: اللهم زوجني من الحور العين إلا زوجه الله حوراء من الجنة وجعل ذلك مهرها. فمن ثم أوحى الله عز وجل إلى نبيه (ص): أن يسن مهور المؤمنات خمسمأة درهم ففعل ذلك الله (ص).
عيون أخبار الرضا : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني عن علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت الرضا عليه السلام عن العلة التي من أجلها لا تحل المطلقة للعدة لزوجها حتى تنكح زوجا غيره؟
فقال: إن الله تبارك وتعالى إنما أذن في الطلاق مرتين، فقال عز وجل: (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) يعني في التطليقة الثالثة ولدخوله فيما كره الله عز وجل له من الطلاق الثالث حرمها الله عليه، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره لئلا يوقع الناس الاستخفاف بالطلاق ولا تضار النساء.
عيون أخبار الرضا : حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدثني أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي قال:
قال المأمون يوما للرضا عليه السلام يا أبا الحسن أخبرني عن جدك أمير المؤمنين بأي وجه هو قسيم الجنة والنار وبأي معنى فقد كثر فكري في ذلك؟
فقال له الرضا عليه السلام: يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: حب علي إيمان وبغضه كفر؟ فقال: بلى فقال الرضا عليه السلام: فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار، فقال المأمون: لا أبقاني بعدك يا أبا الحسن أشهد أنك وارث علم رسول الله (ص) قال: أبو الصلت الهروي: فلما انصرف الرضا عليه السلام إلى منزله أتيته فقلت له: يا بن الله (ص) ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين؟ فقال الرضا عليه السلام: يا أبا الصلت إنما كلمته حيث هو ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي عليه السلام إنه قال: قال: رسول الله (ص): يا علي أنت قسيم الجنة يوم القيامة تقول للنار: هذا لي وهذا لك.
عيون أخبار الرضا : حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي، قال: حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثني القاسم بن إسماعيل أبي ذكوان، قال:
سمعت إبراهيم بن العباس يحدث عن الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر عليه السلام أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة إلا غضاضة؟
فقال لان الله لم ينزله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة.
- اقتباس
- تعليق
-
عيون أخبار الرضا عليه السلام :
حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان وحدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ومحمد بن أحمد السناني وعلي بن عبد الله الوراق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنهم قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل عن علي بن العباس، قال:
حدثنا القاسم بن الربيع الصحاف عن محمد بن سنان وحدثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي وعلي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة وأبو جعفر محمد بن موسى البرقي بالري رحمهم الله قالوا: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن محمد بن سنان أن علي بن موسى الرضا عليه السلام كتب إليه في جواب مسائله:
علة غسل الجنابة النظافة وتطهير الانسان نفسه مما أصاب من أذاه وتطهير سائر جسده لأن الجنابة خارجة كل جسده، فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله.
وعلة التخفيف في البول والغائط لأنه أكثر وأدوم من الجنابة فرضي فيه بالوضوء لكثرته ومشقته ومجيئه بغير إرادة ولا شهوة والجنابة لا تكون إلا باستلذاذ منهم والاكراه لأنفسهم.
وعلة غسل العيدين والجمعة وغير ذلك من الأغسال لما فيه من تعظيم العبد ربه واستقباله الكريم الجليل وطلب المغفرة لذنوبه وليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر الله تعالى فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم وتفضيلا له على سائر الأيام وزيادة في النوافل والعبادة ولتكون تلك طهارة له من الجمعة إلى الجمعة.
وعلة غسل الميت أنه يغسل لأنه يطهر وينظف أدناس أمراضه وما أصابه من صنوف علله، لأنه يلقي الملائكة ويباشر أهل الآخرة فيستحب إذا ورد على الله ولقي أهل الطهارة ويماسونه ويماسهم أن يكون طاهرا نظيفا موجها به إلى الله عز وجل ليطلب به ويشفع له.
وعلة أخرى أنه يخرج منه المني الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له.
وعلة اغتسال من غسله أو مسه فطهارة لما أصابه من نضح الميت لأن الميت إذا خرجت الروح منه بقي أكثر آفته فلذلك يتطهر منه ويطهر.
وعلة الوضوء التي من أجلها صار غسل الوجه والذراعين ومسح الرأس والرجلين فلقيامه بين يدي الله عز وجل واستقباله إياه بجوارحه الظاهرة وملاقاته بها الكرام الكاتبين فغسل الوجه للسجود والخضوع وغسل اليدين ليقلبهما ويرغب بهما ويرهب ويتبتل ومسح الرأس والقدمين لأنهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما في كل حالاته وليس فيهما من الخضوع والتبتل ما في الوجه والذراعين.
وعلة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأغنياء لأن الله تبارك وتعالى كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى كما قال الله تعالى (لتبلون في أموالكم وأنفسكم) في أموالكم بإخراج الزكاة وفي أنفسكم بتوطين الأنفس على الصبر مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عز وجل والطمع في الزيادة مع ما فيه من الرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف على أهل المسكنة والحث لهم على المواساة وتقوية الفقراء والمعونة على أمر الدين وهم عظة لأهل الغنى وعبرة ليستدلوا على فقراء الآخرة بهم وما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله تبارك وتعالى لما خولهم وأعطاهم والدعاء والتضرع والخوف من أن يصيروا مثلهم في أمور كثيرة في أداء الزكاة والصدقات وصلة الأرحام واصطناع المعروف.
وعلة الحج الوفادة إلى الله تعالى وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف وليكون تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل وما فيه من استخراج الأموال وتعب الأبدان وحظرها الشهوات واللذات والتقرب بالعبادة إلى الله عز وجل والخضوع والاستكانة والذل شاخصا إليه في الحر والبرد والامن والخوف دائبا في ذلك دائما وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرهبة إلى الله عز وجل ومنه ترك قساوة القلب وجسارة الأنفس ونسيان الذكر وانقطاع الرجاء والعمل وتجديد الحقوق وحظر النفس عن الفساد ومنفعة من في شرق الأرض وغربها ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لا يحج من تاجر وجالب وبائع ومشتر وكاسب ومسكين وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم.
وعلة فرض الحج مرة واحدة لأن عز وجل وضع الفرائض على أدنى القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحد ثم رغب أهل القوة على قدر طاقتهم.
وعلة وضع البيت وسط الأرض أنه الموضع الذي من تحته دحيت وكل ريح تهب في الدنيا، فإنها تخرج من تحت الركن الشامي وهي أول بقعة وضعت في الأرض لأنها الوسط ليكون الغرض لأهل الشرق والغرب في ذلك سواء وسميت مكة مكة لأن كانوا يمكون فيها وكان يقال لمن قصدها: قد مكا وذلك قول الله عز وجل (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصديه) فالمكاء والتصدية صفق اليدين وعلة الطواف بالبيت أن الله تبارك وتعالى قال للملائكة (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فردوا على الله تعالى هذا الجواب فندموا ولاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله عز وجل أن يتعبد بمثل ذلك العباد فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش يسمى الضراح ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى المعمور بحذاء الضراح ثم وضع هذا البيت بحذاء البيت المعمور ثم أمر آدم عليه السلام فطاف به فتاب الله عز وجل عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة.
وعلة استلام الحجر أن الله تبارك وتعالى لما أخذ ميثاق بني آدم التقمه الحجر فمن ثم كلف الناس تعاهد ذلك الميثاق ومن ثم يقال عند الحجر: أمانتي أديتها وميثاق تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ومنه قول سلمان (ره) ليجيئن الحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس له لسان وشفتان يشهد لمن وافاه بالموافاة.
والعلة التي من أجلها سميت منى منى: أن جبرئيل قال: هناك لإبراهيم عليه السلام تمن على ربك ما شئت فتمنى إبراهيم في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء فأعطى مناه.
وعلة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون العبد ذليلا مسكينا مأجورا محتسبا صابرا فيكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات واعظا له في العاجل دليلا على الاجل ليعلم شدة مبلغ من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة.
وحرم الله قتل النفس: لعلة فساد الخلق في تحليله لو أحل وفنائهم وفساد التدبير.
وحرم الله عز وجل عقوق الوالدين: لما فيه من الخروج عن التوقير لطاعة الله عز وجل والتوقير للوالدين وتجنب كفر النعمة وإبطال الشكر وما يدعو في ذلك إلى قلة النسل وانقطاعه لما في العقوق من قلة توقير الوالدين والعرفان بحقهما وقطع الأرحام والزهد من الوالدين في الولد وترك التربية لعلة ترك الولد برهما.
وحرم الزنا: لما فيه من الفساد من قتل الأنفس وذهاب الأنساب وترك التربية للأطفال وفساد المواريث وما أشبه من وجوه الفساد.
وحرم أكل مال اليتيم ظلما لعلل كثيرة من وجوه الفساد أول ذلك أنه إذا أكل الانسان مال اليتيم ظلما فقد أعان على قتله إذ اليتيم غير مستغن ولا محتمل لنفسه ولا عليم بشأنه ولا له من يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه فإذا أكل ماله فكأنه قد قتله وصيره إلى الفقر والفاقة مع ما خوف الله عز وجل وجعل العقوبة في قوله عز وجل: (وليخش الذين لو تركوا خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله) ولقول أبي جعفر عليه السلام: أن الله عز وجل وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين عقوبة في الدنيا وعقوبة في الآخرة ففي تحريم مال اليتيم استبقاء اليتيم واستقلاله بنفسه والسلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه لما وعد الله فيه من العقوبة مع ما ذلك من طلب اليتيم بثاره إذا أدرك ووقوع الشحناء والعداوة والبغضاء حتى يتفانوا.
وحرم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة عليهم السلام وترك نصرتهم على الأعداء والعقوبة لهم على إنكار ما دعوا إليه من الاقرار بالربوبية وإظهار العدل وترك الجور وإماتة الفساد لما في من جرئة العدو على المسلمين وما يكون في ذلك من السبي والقتل وإبطال دين الله عز وجل وغيره من الفساد.
وحرم التعرب بعد الهجرة للرجوع عن الدين وترك مؤازرة الأنبياء والحجج عليهم السلام وما في ذلك من الفساد وإبطال حق كل ذي حق لا لعلة سكنى البدو وكذلك لو عرف بالرجل الدين كاملا لم يجز له مساكنة أهل الجهل والخوف عليهم لأنه لا يؤمن أن يقع منه ترك العلم والدخول مع أهل الجهل والتمادي في ذلك.
وحرم ما أهل به لغير الله للذي أوجب الله عز وجل خلقه من الاقرار به وذكر اسمه على الذبائح المحللة ولئلا يسوى بين ما تقرب به إليه وبين ما جعل عبادة للشياطين والأوثان لأن في تسمية الله عز وجل الاقرار بربوبيته وتوحيده وما في الاهلال لغير الله من الشرك به والتقرب به إلى غيره ليكون ذكر الله وتسميته على الذبيحة فرقا بين ما أحل الله وبين ما حرم الله.
وحرم سباع الطير والوحش كلها: لاكلها من الجيف ولحوم الناس والعذرة وما أشبه ذلك فجعل عز وجل دلائل ما أحل من الوحش والطير وما حرم كما قال أبي عليه السلام: كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير حرام وكل ما كانت له قانصة من الطير فحلال وعلة أخرى يفرق بين ما أحل من الطير وما حرم قوله عليه السلام: كل ما دف ولا تأكل ما صف.
وحرم الأرنب لأنها بمنزلة السنور ولها مخاليب كمخاليب السنور وسباع الوحش فجرت مجريها مع قذرها في نفسها وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء لأنها مسخ.
وعله تحريم الربا: إنما نهى الله عنه لما فيه من فساد الأموال الانسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الاخر باطلا فبيع الربا وكس (قال الفيروزآبادي: الوكس كالوعد: النقصان والتنقيص لازم ومتعد.) على كل حال على المشتري وعلى البائع فحرم الله تبارك وتعالى الربا لعلة فساد الأموال كما حظر على السفيه أن يدفع ماله إليه لما يتخوف عليه من إفساده حتى يونس منه رشده فلهذه العلة حرم الله الربا وبيع الدرهم بالدرهمين يدا بيد.
وعلة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله تعالى لها ولم يكن ذلك منه إلا استخفاف بالتحريم للحرام والاستخفاف بذلك دخول في الكفر وعلة تحريم الربا بالنسبة لعلة ذهاب المعروف وتلف الأموال ورغبة الناس في الربح وتركهم القرض والفرض وصنائع المعروف ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال.
وحرم الخنزير: لأنه مشوه جعله الله عز وجل عظة للخلق وعبرة وتخويفا ودليلا على ما مسخ على خلقته ولأن غذاءه أقذر الأقذار مع علل كثيرة وكذلك حرم القرد لأنه مسخ مثل الخنزير وجعل عظة وعبرة للخلق ودليلا على ما مسخ على خلقته وصورته وجعل فيه شبها من الانسان ليدل على أنه من الخلق المغضوب عليهم.
وحرمت الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة ولما أراد الله عز وجل أن يجعل تسميته سببا للتحليل وفرقا بين الحلال والحرام.
وحرم الله عز وجل الدم كتحريم الميتة: لما فيه من فساد الأبدان ولأنه يورث الماء الأصفر ويبخر الفم وينتن الريح ويسئ الخلق ويورث القسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل والده وصاحبه.
وحرم الطحال لما فيه من الدم ولأن علته وعلة الدم والميتة واحدة لأنه يجري مجراها في الفساد.
وعلة المهر ووجوبه على الرجال ولا يجب على النساء أن يعطين أزواجهن لأن للرجل مؤنة المرأة ولأن المرأة بائعة نفسها والرجل مشتري ولا يكون البيع إلا بثمن ولا الشراء بغير إعطاء الثمن مع أن النساء محظورات عن التعامل والمتجر مع علل كثيرة.
وعلة التزويج للرجل أربعة نسوة وتحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد لأن الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه والمرأة لو كان لها زوجان وأكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو؟ إذ هم مشتركون في نكاحها وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف.
وعلة التزويج العبد اثنتين لا أكثر منه لأنه نصف رجل حر في الطلاق والنكاح لا يملك نفسه ولا له مال إنما ينفق مولاه عليه وليكون ذلك فرقا بينه وبين الحر وليكون أقل لاشتغاله عن خدمة مواليه.
وعلة الطلاق ثلاثا: لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضبه كان وليكون ذلك تخويفا وتأديبا للنساء وزجرا لهن عن معصية أزواجهن فاستحقت المرأة الفرقة والمباينة لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها.
وعلة تحريم المرأة تسع تطليقات فلا تحل له أبدا عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق ولا يستضعف المرأة وليكون ناظرا في أموره متيقظا معتبرا وليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات.
وعلة طلاق المملوك اثنتين لأن طلاق الأمة على النصف فجعله اثنتين احتياطا لكمال الفرائض وكذلك في الفرق في العدة للمتوفي عنها زوجها.
وعلة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال لضعفهن: عن الرؤية ومحاباتهن في النساء الطلاق فلذلك لا يجوز شهادتهن إلا في موضع ضرورة مثل شهادة القابلة وما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه كضرورة تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم يوجد غيرهم وفي كتاب الله عز وجل (اثنان ذوي عدل منكم مسلمين أو آخران من غيركم) كافرين ومثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم.
والعلة في شهادة أربعة في الزنا واثنين في سائر الحقوق: لشدة حد المحصن لأن فيه القتل فجعلت الشهادة فيه مضاعفة مغلظة لما فيه من قتل نفسه وذهاب نسب ولده ولفساد الميراث.
وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد لأن الولد مولود للوالد في قول الله عز وجل (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) مع أنه المأخوذ بمؤنته صغيرا أو كبيرا والمنسوب إليه أو المدعو له لقول الله عز وجل (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) وقول النبي (ص) أنت ومالك لأبيك وليس للوالدة كذلك لا تأخذ ماله إلا بإذنه أو بإذن الأب لأن الأب مأخوذ بنفقة الولد ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها.
والعلة في أن البينة في جميع الحقوق على المدعي واليمين على المدعى عليه ما خلا الدم لأن المدعي عليه جاحد ويمكنه إقامة البينة على الجحود ولأنه مجهول وصارت البينة في الدم على المدعى عليه واليمين على المدعي لأنه حوط يحتاط به المسلمون لئلا يبطل دم امرء مسلم وليكون زاجرا وناهيا للقاتل لشدة إقامة البينة عليه لان من يشهد على أنه لم يفعل قليل.
وأما علة القسامة أن جعلت خمسين رجلا فلما في ذلك من التغليظ والتشديد والاحتياط لئلا يهدر دم امرء مسلم.
وعلة قطع اليمين السارق لأنه يباشر الأشياء بيمينه وهي أفضل أعضائه وأنفعها له فجعل قطعها نكالا وعبرة للخلق لئلا يبتغوا أخذ الأموال من غير حلها ولأنه أكثر ما يباشر السرقة بيمينه وحرم غصب الأموال وأخذها من غير حلها لما من أنواع الفساد والفساد محرم لما فيه من الفناء وغير ذلك من وجوه الفساد.
وحرمة السرقة لما فيه من فساد الأموال وقتل الأنفس لو كانت مباحة ولما يأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد وما يدعو إلى ترك التجارات والصناعات في المكاسب واقتناء الأموال إذا كان الشئ المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد.
وعلة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ الجسد كله به فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره وهو أعظم الجنايات.
وعلة ضرب القاذف وشارب الخمر ثمانين جلدة لأن في القذف نفي الولد وقطع النفس وذهاب النسب وكذلك شارب الخمر لأنه إذا شرب هذى وإذا هذى افترى فوجب عليه حد المفتري.
وعلة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني والزانية لاستحقاقهما وقلة مبالاتهما بالضرب حتى كأنهما مطلق لهما ذلك الشئ.
وعلة أخرى أن المستخف بالله وبالحد كافر فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر وعلة تحريم الذكران للذكران والإناث بالأثاث لما ركب في الإناث وما طبع عليه الذكران ولما في إتيان الذكران الذكران والإناث الإناث من انقطاع النسل وفساد التدبير وخراب الدنيا.
وأحل الله تبارك وتعالى لحوم البقر والغنم والإبل لكثرتها وإمكان وجودها وتحليل بقر الوحش وغيرها من أصناف ما يؤكل الوحش المحللة لأن غذائها غير مكروه ولا محرم ولا هي مضرة بعضها ببعض ولا مضرة بالانس ولا في خلقتها تشويه.
وكره كل لحوم البغال والحمير الأهلية لحاجة إلى ظهورها واستعمالها والخوف من قلتها لا لقذر خلقتها ولا لقذر غذائها.
وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهن من النساء لما من تهييج الرجال وما يدعو التهييج إليه من الفساد والدخول فيما لا يحل ولا يجمل وكذلك ما أشبه الشعور إلا الذي قال الله تعالى (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) .
أي غير الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن.
وعلة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأن المرأة إذا تزوجت أخذت والرجل يعطي فلذلك وفر على الرجال.
وعلى أخرى في إعطاء الذكر مثلي ما يعطى الأنثى لان الأنثى في عيال الذكر إن احتاجت وعليه أن يعولها وعليه نفقتها وليس على المرأة أن تعول الرجل ولا يؤخذ بنفقته إن احتاج فوفر الله تعالى على الرجال لذلك وذلك قول الله عز وجل: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم).
وعلة المرأة أنها لا ترث من العقار شيئا إلا قيمة الطوب والنقض لأن العقار لا يمكن تغييره وقلبه والمرأة يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها وليس الولد والوالد كذلك لأنه لا يمكن التفصي منهما والمرأة يمكن الاستبدال بها فما يجوز أن يجئ ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره إذا أشبهه وكان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله الثبات والقيام.
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
عيون أخبار الرضا : حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن محمد بن سنان قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول:
حرم الله الخمر لما فيها من الفساد ومن تغييرها عقول شاربيها وحملها إياهم على إنكار الله عز وجل والفرية عليه ورسله وسائر ما يكون منهم من الفساد والقتل والقذف والزنا وقلة الاحتجاز من شئ من الحرام، فبذلك قضينا على كل مسكر من الأشربة أنه حرام محرم لأنه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر فليجتنبه من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتولانا وينتحل مودتنا كل شراب مسكر فإنه لا عصمة بيننا وبين شاربيها.
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنه سمعها من الرضا علي بن موسى عليه السلام مرة بعده مرة وشيئا بعد شئ فجمعها وأطلق لعلي بن محمد بن قتيبة النيسابوري روايتها عنه عن الرضا عليه السلام
عيون أخبار الرضا : حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمأة قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري وحدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان قال:
قال الفضل بن شاذان: إن سئل سائل فقال أخبرني هل يجوز أن يكلف الحكيم عبده فعلا الأفاعيل لغير علة ولا معنى
قيل له: لا يجوز ذلك لأنه حكيم غير عابث ولا جاهل .
فإن قال قائل: فأخبرني لم كلف الخلق؟
قيل لعلل كثيرة فإن قال (قائل): فأخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة هي أم غير معروفة ولا موجودة؟ قيل: بل معروفة موجودة عند أهلها فإن قال: أتعرفونها أنتم أم لا تعرفونها؟ قيل لهم منها ما نعرفه ومنها ما لا نعرفه.
فإن قال (قائل): فما أول الفرائض؟ قيل له: الاقرار بالله وبرسوله وحجته وبما جاء من عند الله عز وجل
فان قال (قائل): لم أمر الخلق بالاقرار بالله وبرسله وبحججه وبما جاء من عند الله عز وجل؟
قيل: لعلل كثيرة منها أن من لم يقر بالله عز وجل ولم يجتنب معاصيه ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ولم يراقب أحدا فيما يشتهي ويستلذ عن الفساد والظلم وإذا فعل الناس هذه الأشياء وأرتكب كل إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لاحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين ووثوب بعضهم بعض فغصبوا الفروج والأموال وأباحوا الدماء والنساء وقتل بعضهم بعضا من حق ولا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل ومنها أن الله عز وجل حكيم ولا يكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة إلا الذي يحظر الفساد ويأمر بالصلاح ويزجر عن الظلم وينهي عن الفواحش ولا يكون حظر الفساد والامر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلا بعد الاقرار بالله عز وجل ومعرفة الامر والناهي ولو ترك الناس بغير إقرار بالله عز وجل ولا معرفته لم يثبت أمر بصلاح ولا نهي عن فساد إذ لا آمر ولا ناهي ومنها إنا وجدنا الخلق قد يفسدون بأمور باطنة مستورة عن الخلق فلولا الاقرار بالله وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحدا في ترك معصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبيرة إذا كان فعله ذلك مستورا عن الخلق مراقب لاحد فكان يكون في ذلك خلاف الخلق أجمعين فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلا بالاقرار منهم بعليم خبير يعلم السر وأخفى آمر بالصلاح ناه عن الفساد ولا تخفى عليه خافية ليكون في ذلك انزجار لهم عما يخلون من أنواع الفساد.
فإن قال (قائل): فلم وجب عليهم معرفة الرسل والاقرار بهم والاذعان لهم بالطاعة؟ قيل: لأنه لما أن لم يكن في خلقهم وقواهم ما يكملون به مصالحهم والصانع متعاليا عن أن يرى وكان ضعفهم وعجزهم إدراكه ظاهرا لم يكن بد لهم من رسول بينه وبينهم معصوم يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه ويقفهم على ما يكون به اجترار منافعهم ومضارهم فلو لم يجب معرفته وطاعته لم يكن لهم في مجئ الرسول منفعة ولا سد حاجة ولكان يكون إتيانه عبثا لغير منفعة وصلاح وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شئ.
فإن قال (قائل): فلم جعل أولي الامر وأمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة منها أن الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بان يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم لأنه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره فجعل قيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والاحكام ومنها انا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس ولما لا بد لهم منه في أمر الدين والدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بد له منه ولا قوام لهم إلا به فيقاتلون به عدوهم ويقسمون فيئهم ويقيم لهم جمعهم وجماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم ومنها أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة وذهب الدين وغيرت السنن والاحكام ولزاد فيه المبتدعون ونقص منه الملحدون وشبهوا ذلك على المسلمين لأنا وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحاءهم فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول (ص) لفسدوا نحو ما بينا وغيرت الشرائع والسنن والاحكام والايمان وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين.
فإن (قائل): فلم لا يجوز أن لا يكون في الأرض إمامان في وقت واحد وأكثر من ذلك؟ قيل: لعلل منها أن الواحد يختلف فعله وتدبيره والاثنين لا يتفق فعلهما وتدبيرهما وذلك انا لم نجد اثنين إلا مختلفي الهمم والإرادة فإذا كانا اثنين ثم اختلفت هممهما وإرادتهما وتدبيرهما وكانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه فكأن يكون في ذلك اختلاف الخلق والتشاجر والفساد ثم لا يكون أحد مطيعا لأحدهما إلا وهو عاص للاخر فتعم معصية أهل الأرض ثم لا يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة والايمان ويكونون إنما أتوا في ذلك من قبل الصانع الذي وضع لهم باب الاختلاف والتشاجر والفساد إذ أمرهم باتباع المختلفين ومنها أنه لو كانا إمامين لكان لكل من الخصمين أن يدعو إلى غير الذي يدعو إليه صاحبه في الحكومة ثم لا يكون أحدهما أولى بان يتبع صاحبه فيبطل الحقوق والاحكام والحدود ومنها أنه لا يكون واحد من الحجتين أولى بالنطق والحكم والأمر والنهي من الاخر وإذا كان هذا كذلك وجب عليهما أن يبتديا بالكلام وليس لأحدهما أن يسبق صاحبه بشئ إذا كانا في الإمامة شرعا واحدا فإن جاز لأحدهما السكوت جاز السكوت للاخر وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والاحكام وعطلت الحدود وصار الناس كأنهم لا إمام لهم.
فإن (قائل): فلم لا يجوز أن يكون الامام من غير جنس الرسول (ص)؟ قيل: لعلل منها أنه لما كان الامام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه ويتميزه بها من غيره وهي القرابة المشهورة والوصية الظاهرة ليعرف من غيره ويهتدي إليه بعينه، ومنها أنه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسل إذ جعل أولاد الرسول أتباعا لأولاد أعدائه كأبي جهل وابن أبي معيط لأنه قد يجوز بزعمهم أن ينتقل في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصير أولاد الرسول تابعين وأولاد أعداء الله وأعداء رسوله متبوعين فكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره وأحق، ومنها أن الخلق إذا أقروا للرسول بالرسالة وأذعنوا له بالطاعة لم يتكبر أحد منهم عن أن يتبع ولده ويطيع ذريته ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس، وإذا كان ذلك في غير جنس الرسول كان كل واحد في نفسه أنهم أولى به من غيره ودخلهم من الكبر ولم تسنح أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم، فكان يكون ذلك داعية لهم إلى الفساد والنفاق والاختلاف.
فإن قال (قائل): فلم وجب عليهم الاقرار والمعرفة بان الله واحد أحد؟: قيل لعلل منها إنه لو لم يجب عليهم الاقرار والمعرفة لجاز لهم أن يتوهموا مدبرين أو أكثر من ذلك وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره لأن كل انسان منهم كان لا يدري لأنه إنما يعبد غير الذي خلقه ويطيع غير أمره فلا يكونون على حقيقة من صانعهم وخالقهم ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناه إذا لا يعرف الامر بعينه ولا الناهي من غيره، ومنها أنه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يعبد ويطاع من الاخر وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع الله وفي إجازة أن لا يطاع الله كفر بالله وبجميع كتبه ورسله وإثبات كل باطل وترك كل حق وتحليل كل حرام وتحريم كل حلال والدخول في كل معصية والخروج من كل طاعة وإباحة كل فساد وإبطال كل حق ومنها أنه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لإبليس أن يدعي أنه ذلك الاخر حتى يضاد الله تعالى في جميع حكمه ويصرف العباد إلى نفسه فيكون في ذلك أعظم الكفر وأشد النفاق.
فإن قال (قائل): فلم وجب عليهم الاقرار بالله بأنه ليس كمثله شئ؟
قيل: لعلل منها أن لا يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره غير مشتبه عليهم أمر ربهم وصانعهم ورازقهم وأنهم لولا يعلموا أنه ليس كمثله شئ لم يدروا لعل ربهم وصانعهم هذه الأصنام التي نصبها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران إذا كان جائزا أن يكون عليهم مشتبه وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلها وارتكاب معاصيه كلها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الأرباب وأمرها ونهيها ومنها أنه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أن ليس كمثله شئ لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل والتغيير والزوال والفناء والكذب والاعتداء ومن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فنائه ولم يوثق بعدله ولم يحقق قوله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية.
فإن قال (قائل): لم أمر الله العباد ونهاهم؟ قيل: لأنه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلا بالأمر والنهي والمنع من الفساد والتغاصب.
فإن قال (قائل): فلم تعبدهم؟ قيل لئلا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لأدبه ولا لاهين عن أمره ونهيه إذا كان فيه صلاحهم وقوامهم فلو تركوا بغير تعبد لطال عليهم الأمد فقست قلوبهم.
فإن قال (قائل): فلم أمروا بالصلاة؟ قيل: لأن في الصلاة الاقرار بالربوبية وهو صلاح عام لان فيه خلع الأنداد والقيام بين يدي الجبار بالذل والاستكانة والخضوع والخشوع والاعتراف وطلب الإقالة من سالف الذنوب ووضع الجبهة على الأرض كل يوم وليلة ليكون العبد ذاكرا لله غير ناس له ويكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا في الزيادة للدين والدنيا مع ما فيه من الانزجار الفساد، وصار ذلك عليه في كل يوم وليله لئلا ينسى العبد مدبره وخالقه فيبطر ويطغي وليكون في طاعة خالقه والقيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي وحاجزا ومانعا له عن أنواع الفساد.
فإن قال (قائل): فلم أمروا بالوضوء وبدأ به؟ قيل له: لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار وعند مناجاته إياه مطيعا له فيما أمره نقيا من الأدناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار.
فإن قال (قائل): فلم وجب ذلك على الوجه واليدين والرأس والرجلين؟ قيل: لأن العبد إذا قام بين يدي الجبار فإنما ينكشف عن جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء وذلك بأنه بوجهه يسجد ويخضع وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتل وينسك وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده وبرجليه يقوم ويقعد.
فإن قال (قائل): فلم وجب الغسل على الوجه واليدين وجعل المسح على الرأس والرجلين ولم يجعل ذلك غسلا كله أو مسحا كله؟ قيل: لعلل شتى منها أن العبادة العظمى إنما هي الركوع والسجود وإنما يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين لا بالرأس والرجلين ومنها أن الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس والرجلين ويشتد ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض وأوقات من الليل والنهار وغسل الوجه واليدين أخف من غسل الرأس والرجلين وإذا وضعت الفرائض على قدر أقل طاقة من أهل الصحة ثم عم فيها القوي والضعيف ومنها أن الرأس والرجلين ليس هما في كل وقت بأديان ظاهران كالوجه واليدين لموضع العمامة والخفين وغير ذلك.
فإن قال (قائل): فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون سائر الأشياء؟ قيل: لأن الطرفين هما طريق النجاسة وليس للانسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما، فأمروا بالطهارة عندما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم وأما النوم فلان النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه واسترخى فكان أغلب الأشياء عليه في الخروج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلة.
فإن قال (قائل): فلم لم يأمروا بالغسل من هذه النجاسة كما أمروا بالغسل من الجنابة؟ قيل: لأن هذا شئ دائم غير ممكن للخلق الاغتسال منه كلما يصيب ذلك (ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها) والجنابة ليست هي أمر دائم إنما هي شهوة تصيبها إذا أراد ويمكنه تعجيلها وتأخيرها الأيام الثلاثة والأقل والأكثر وليس ذلك هكذا.
فإن قال (قائل): فلم أمروا بالغسل من الجنابة ولم يؤمروا بالغسل من الخلا وهو أنجس من الجنابة وأقذر؟ قيل: من أجل أن الجنابة من نفس الانسان وهو شئ يخرج من جميع جسده والخلا ليس هو من نفس الانسان إنما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب.
فإن قال (قائل): أخبرني عن الاذان لم أمروا؟ قيل: لعلل كثيرة منها أن يكون تذكيرا للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عن الصلاة وليكون داعيا إلى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالايمان معلنا بالاسلام مؤذنا لمن نسيها وإنما يقال: مؤذن لأنه يؤذن بالصلاة.
فإن قال (قائل): فلم بدأ بالتكبير قبل التهليل؟ قيل: لأنه أراد أن يبدأ بذكره واسمه لأن أسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف وفي التهليل أسم الله في آخر الحرف فبدء بالحرف الذي أسم الله في أوله لا في آخره.
- اقتباس
- تعليق
تعليق
اقرأ في منتديات يا حسين
تقليص
المواضيع | إحصائيات | آخر مشاركة | ||
---|---|---|---|---|
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
|
ردود 2
9 مشاهدات
0 معجبون
|
آخر مشاركة
بواسطة ibrahim aly awaly
اليوم, 07:23 AM
|
تعليق