إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الفقه المقارن

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    صلاة التراويح
    وذلك أن صلاة التراويح ما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا كانت على عهده بل لم تكن على عهد أبي بكر ولا شرع الله الاجتماع لأداء نافلة من السنن غير صلاة الاستسقاء.

    وانما شرعه في الصلوات الواجبة كالفرائض الخمس اليومية،وصلاة الطواف، والعيدين، والآيات، وعلى الجنائز.

    وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقيم ليالي رمضان بأداء سننها في غير جماعة، وكان يحض على قيامها، فكان الناس يقيمونها على نحو ما رأوه صلى الله عليه وآله وسلم يقيمها.

    وهكذا كان الأمر على عهد أبي بكر حتى مضى لسبيله سنة ثلاثة عشرة للهجرة1 وقام بالأمر بعده عمر بن الخطاب، فصام شهر رمضان من تلك السنة لا يغير من قيام الشهر شيئاً، فلما كان شهر رمضان سنة أربع عشرة أتى المسجد ومعه بعض أصحابه، فرأى الناس يقيمون النوافل وهم ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد وقارئ ومسبح ومحرم بالتكبير ومحل بالتسليم في مظهر لم يرقه، ورأى من واجبه اصلاحه فسن لهم التراويح2

    155

    أوائل الليل من الشهر وجمع الناس عليها حكماً مبرماً، وكتب بذلك الى البلدان ونصب للناس في المدينة إمامين يصليان بهم التراويح إماماً للرجال وإماماً للنساء. وهذا كله أخبار متواترة.

    وحسبك منها ما أخرجه الشيخان في صحيحهما3 من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من قام رمضان - أي بأداء سننه - إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدم من ذنبه، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم توفي والأمر كذلك - أي وأمر القيام في شهر رمضان لم يغير عما كان عليه قبل وفاته صلى الله عليه وآله وسلم - ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر.

    وأخرج البخاري في كتاب التراويح أيضاً من الصحيح عن عبد الرحمن بن عبد القاري4 قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان الى المسجد فإذا الناس أوزع متفرقون، إلى أن قال: فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. قال عمر: نعمت البدعة هذه...

    قال العلامة القسطلاني في أول الصفحة الرابعة من الجزء الخامس من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري عند بلوغه الى قول عمر في

    156

    هذا الحديث: نعمت البدعة هذه، ما هذا لفظه: سماها بدعة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لم يسن لهم، ولا كانت ي زمن الصديق رضي الله عنه ولا أول الليل، ولا هذا العدد... الخ، وفي تحفة الباري وغيره من شرح البخاري مثله فراجع.

    وقال العلامة أبو الوليد محمد بن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر ي حوادث سنة 23 من تاريخه - روضة المناظر -: هو أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد،وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز،وأول من جمع الناس من إمام يصلي بهم التراويح... الخ.

    ولما ذكر السيوطي في كتابه - تاريخ الخلفاء - أوليات عمر نقلاً عن العسكري5 قال: هو أول من سمي أمير المؤمنين، وأول من سن قيام شهر رمضان - بالتراويح - وأول من حرم المتعة،وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات... الخ.

    وقال محمد بن سعد - حيث ترجم عمر في الجزء الثالث من الطبقات -: وهو أول من سن قيام شهر رمضان - بالتراويح - وجمع الناس على ذلك، وكتب به الى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وجعل للناس بالمدينة قارئين، قارئاً يصلي التراويح بالرجال، وقارئاً يصلي بالنساء... الخ.

    وقال ابن عبد البر في ترجمة عمر من الاستيعاب: وهو الذي نور شهر الصوم بصلاة الاشفاع فيه.

    كان هؤلاء عفا الله عنهم وعنا، رأوه رضي الله عنه قد استدرك

    157

    (بتراويحه) على الله ورسوله حكمة كانا عنها غافلين، بل هم بالغفلة - عن حكمة الله في شرائعه ونظمه - أحرى.

    وحسبنا في عدم تشريع الجماعة في سن شهر رمضان وغيرها انفراد مؤديها - جوف الليل في بيته - بربه عز وعلا يشكو إليه بثّه وحزنه، ويناجيه بمهماته مهمة مهمة حتى يأتي على أخرها ملحاً عليه، متوسلاً بسعة رحمته إليه، راجياً لاجئاً، راغباً، منيباً تائباً، معترفاً لائذاً عائذاً، لا يجد ملجأ من الله تعالى إلاَّ إليه، ولا منجى منه إلاَّ به.

    لهذا ترك الله السنن حرة من قيد الجماعة ليتزودوا فيها من الانفراد بالله ما أقبلت قلوبهم عليه، ونثطت أعضاؤهم له، يتقل منهم ما يستقل، ويستكثر من يستكثر، فانها خير موضوع، كما جاء في الأثر عن سيد البشر.

    أما ربطها بالجماعة فيحدُّ من هذا النفع، ويقلل من جدواه.

    أضف إلى هذا أن إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظها من البركة والشرف بالصلاة فيها» ويمسك عليها حظها من تربية الناشئة على هبها والنشاط لها، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء والأمهات والأجداد والجدات» وتأثيره ني شد الأبناء إليها شداً يرسخها في عقولهم وقلوبهم، وقد سأل عبد الله بن مسعود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من السجد فلأن أصلي في بيتي أحب إليَّ من أن أصلي في المسجد إلاَّ أن تكون صلاة مكتوبة. رواه احمد، وابن ماجة، وابن خزيمة في صحيحه كما في باب الترغيب في صلاة النافلة من كتاب الترغيب والترهيب للامام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري.

    158

    وعن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة، رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه.

    وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم.

    وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت، أخرجه البخاري ومسلم.

    وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته، وان الله جاعل في بيته من صلاته خيرا. رواه مسلم وغيره، ورواه ابن خزيمة في صحيحه بالإسناد إلى أبي سعيد، والسنن في هذا المعنى لا يسعها هذا الاملاء.

    لكن الخليفة رضي الله عنه رجل تنظيم وحزم، وقد راقه من صلاة الجماعة ما يتجلى فيها من الشعائر بأجلى المظاهر إلى ما لا يحصى من فوائدها الاجتماعية التي أشبع القول علماؤنا الاعلام ممن عالجوا هذه الأمور بوعي المسلم الحكيم وأنت تعلم أن الشرع الإسلامي لم يهمل هذه الناحية، بل اختص الواجبات من الصلوات بها، وترك النوافل للنواحي الأخر من مصالح البشر﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ..﴾.
    159

    هوامش
    1- وكان ذلك ليلة الأربعاء لثمان بقين من ج 2وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام.
    2- التراويح هي النافلة جماعة في ليالي شهر رمضان، وانما سميت تراويح للاستراحة فيها بعد كل أربع ركعات، ونحن الامامية لا تفوتنا والحمد لله نؤديها كما كان يؤديها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كماً وكيفاً عملاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي.
    3- فراجع من صحيح البخاري كتاب صلاة التراويح ص 233 من جزئه الأول. وراجع من صحيح مسلم باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح من كتاب صلاة المسافرين وقصرها ص 283والتي بعدها من جزئه الأول.
    4- عبد القاري بتنوين عبد وتشديد ياء القاري نسبة إلى قارة وهو ابن ديش بن ملحم بن غالب المدني. كان هذا عامل عمر على بيت المال وهو حليف بني زهرة. روى عن عمر وأبي طلحة، وأبي أيوب، وأبي هريرة. وروى عنه ابنه محمد، والزهري، ويحيى بن جعدة بن هبيرة. مات سنة ثمانين وله ثمان وسبعون سنة.
    5- العسكري هوا لحسن بن عبد الله بن سهيل بن سعيد بن يحيى يكنى أبا اللغوي له كتاب الأوائل فرغ من تأليفه يوم الأربعاء لعشر خلت من شعبان سنة 395.



    يتبع

    تعليق


    • #17
      الزكاة والصدقة
      الزكاة في اللغة: الطهارة والنماء والبركة والمدح1 مثل قوله تعالى: ﴿... أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا ...﴾2 أي أطهر، وما روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: "زكاة الأرض يبسها"3 أي طهارتها يبسها. وقول الإمام علي عليه السلام: "العلم يزكو على الانفاق"4 أ أي ينمو، وقولهم: "زكا الزرع"5 إذا حصل منه نمو وبركة، وقوله تعالى: ﴿... الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ ...﴾6 أي يمدحونها.

      في الشرع: ما يخرجه الانسان من حق الله تعالى إلى مستحقيه، وتسميته بذلك لما يكون فيها رجاء البركة أو لتزكية النفس أي تنيمتها بالخيرات والبركات أو لما جميعاً فإن الخيرين موجدان فيها7.

      وزكى أذى زكاة ماله.

      هذا ملخص ما ذكره أهل اللغة في بيان معنى الزكاة8.

      161

      أما الصدقة: فقد قال الراغب في مفرداته: "الصدقة ما يخرجه الانسان من ماله على وجه القربة كالزكاة لكن الصدقة تقال في الأصل للمتطوع به والزكاة للواجب"9.

      وقال الطبرسي في مجمع البيان: "الفرق بين الصدقة والزكاة أنَّ الزكاة لا تكون إلاَّ فرضاً، والصدقة قد تكون فرضاً وقد تكون نفلاً"10.

      ومن ثم نرى أن الزكاة لوحظ فيها معنى الوجوب وقصد منها حق الله في المال كما لوحظ في الصدقة التطوع، إي إعطاء المال قربة إلى الله تعالى وتد تلحظ فيها الرحمة على المعطى له مثل قول إخوة يوسف: ﴿... وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ...﴾11.

      وبما أنّ الزكاة لوحظ فيها الوجوب أي حق الله في المال نرى أنها تشمل أنواع الصدقات الواجبة والخمس الواجب وغيرها من كل ما كتب الله على الإنسان في المال.

      ويشهد لهذا ما ورد في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لملوك حمير: "وآتيتم الزكاة من المغانم خمس الله وسهم النبي وصفيه وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة"12.

      فان لفظ "من" بعد الزكاة لبيان أنواع الزكاة المذكورة بعدها وهي:

      162

      أ- من المغانم خمس الله.
      ب- سهم النبي وصفيه.

      ج- ما كتب الله على المؤمنين من الصدقة. أي القسم الواجب من الصدقة.

      وهكذا جعل الصدقة الواجبة قسما واحدا من أقسام الزكاة. وقد حصر الله الصدقة بالمواضع الثمانية المذكورة في قوله تعالى: ﴿... إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ...﴾13 ولم يحصر الزكاة بمورد ما، وقرنها بالصلاة في خمس وعشرين آية من كتابه الكريم14، وكلما قرنت الزكاة بالصلاة في كلام الله وكلام رسوله قصد منها مطلق حق الله في المال والذي منه: حقه في ما بلغ النصاب من النقدين والأنعام والغلّات أي الصدقات الواجبة، ومنا حقه في المغانم أي الخمس، وحقه في غيرهما.

      وإذ قرنت في كلامهما بالخمس، قصد منها الصدقات الواجبة خاصة. وكذلك إذا أضيفت في الكلام إلى احد موارد أصناف الصدقة مثل "زكاة الغنم" أو "زكاة النقدين" قصد منها عند ذاك أيضا صدقاتها الواجبة. ويسمى العامل على الصدقة في الحديث و السيرة بالمصدق15 و لا يقال "المزكي" ويقال لمعطي الصدقة "المتصدق"16 ولا يقال المزكي أو

      163

      المتزكي و"الصدقة" هي التي حرمت على بني هاشم17 وليست الزكاة، ولم ينتبه مسلم إلى هذا وكتب في صحيحه "باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى اله... "18، وأورد في الباب ثمانية أحاديث تنصّ على حرمة الصدقة عليهم وليست الزكاة كما قال، وعلى هذا فكل ما ورد في القران الكريم من أمثال قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾19، فهو أولاً أمر بإقامة كل ما يسمى صلاة سواء اليومية منها أو صلاة الآيات أو غيرهما. وثانيا أمر بأداء حق الله في المال سواء حقه في موارد الصدقة الواجبة، أو حقه في موارد الخمس أو في غيرهما.

      وكذلك المقصود في ما روي عن رسول الله انه قال: "إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك"20، انك إذا أديت حق الله في مالك أي جميع حقوق الله في المال فقد قضيت ما عليك، وكذلك ما روي عنه انه قال: "من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول الحول"21، أي لا حق لله في ماله. وورد في أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام: "وحق في الأموال الزكاة"22. ولعل سبب خفاء ذلك على الناس، أن الخلفاء لما اسقطوا الخمس بعد رسول الله ولم يبق مصداق للزكاة في ما يعمل به غير الصدقات، نسي الخمس متدرجاً، ولم يتبادر إلى الذهن من الزكاة في العصور الأخيرة غير الصدقات !.
      164

      هوامش
      1- راجع مادة (زكا) من نهاية اللغة لابن الاثير.
      2- سورة الكهف، الآية: 19.
      3- بمادة زكا من نهاية اللغة.
      4- نهج البلاغة، كتاب الحكم، العدد 147.
      5- مادة زكا من مفردات الراغب.
      6- سورة النساء، الآية: 49.
      7- راجع مادة زكا من مفردات الراغب.
      8- راجمنا في هذا وما يأتي بترجمة المصطلحات الآتية الراغب في مفرداته، وابن الأير في نهاية اللغة، وابن منظور في لسان العرب ،والقاموس وشرحه مضافاً إلى تفاسير القران مثل تفسير الطبري والطبرسي وغيرهما.
      9- بمادة صدق.
      10- مجمع البيان ج 1/ 384بتفسير الآية 272من سورة البقرة.
      11- سورة يوسف، الآية: 88.
      12- يأتي ذكر مصادر الكتاب في ما بعد إن شاء الله.
      13- سورة التوبة ؟ الآية: 60.
      14- راجع مادة الزكا من المعجم المفهرس لألفاظ القران الكريم.
      15- راجع مادة صدق بمفردات الراغب ونهاية اللغة ولسان العرب.
      16- قال الله تعالى {ان المصدقين المصدقات} الحديد/ 18 0 وقال: { والمتصدقين والمتصدقات } الأحزاب / 35، وراجع أبواب الزكاة في صحيح مسلم 3/172 ،وسنن أبي داود 1/ 202. والترمذي 3/ 172. ولا يعبأ بما ورد عند بعض المتأخرين مثل المتقي في كنز العمال.
      17- يأتي تفصيله في ما بعد إن شاء الله.
      18- صحيح مسلم 3/ 117.
      19- راجع مادة الزكاة في المعجم المفهرس لألفاظ القران الكريم.
      20- سنن الترمذي 3/ 97باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك.
      21- سنن الترمذي 3/ 125 باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول.
      22- الكافي 2/ 19 و20، وتفسير العياشي 1/ 252، والبحار 68/ 337و389.



      يتبع

      تعليق


      • #18
        الخمس
        الخمس في اللغة: اخذ واحد من خمسة، وخمستُ القوم: أخذت خمس أموالهم.
        أما معناه الشرعي فينبغي لدركه أن نرجع أولا إلى عرف العرب في العصر الجاهلي لمعرفة نظامهم الاجتماعي يومذاك في هذا الخصوص، ثم نعود إلى التشريع الإسلامي لندرس الخمس فيه وندرس أمره بعد ذلك لدى المسلمين بالتفصيل إن شاء الله تعالى، فإلى دراستهما في ما يلي:
        أولا: في العصر الجاهلي
        كان الرئيس عند العرب يأخذ في الجاهلية ربع الغنيمة ويقال: ربع القوم يربعهم ربعا أي اخذ ربع أموالهم وربع الجيش أي اخذ منهم وبع الغنيمة، ويقال للربع الذي يأخذه الرئيس: المِرباع. وفي الحديث، قال الرسول لعدي بن حاتم قبل أن يسلم: "إنك لتأكل المرباع وهو لا يحل في دينك"1. وقال الشاعر:
        لك المرباع منها والصفايا
        وحكمك والنشيطة والفضول
        الصفايا ما يصطفيه الرئيس، والنشيطة ما أصاب من الغنيمة قبل أن
        165
        تصير إلى مجتمع الحي، والفضول ما عجز أن يُقسّم لقلته فخصّ به الرئيس2.
        وفي النهاية: "إن فلانا قد ارتبع أمر القوم، أي انتظر أن يؤمر عليهم، وهو على رباعة قومه أي هو سيدهم".
        وفي مادة "خمس" من النهاية: ومنه حديث عدي بن حاتم "ربعت في الجاهلية وخمست في الإسلام" أي قدت الجيش في الحالين، لان الأمير في الجاهلية كان يأخذ ربع الغنيمة وجاء الاسلام فجعله الخمس وجعل له مصاريف، انتهى3.
        ثانيا: في العصر الإسلامي
        هذا ما كان في الجاهلية، أما في الاسلام فقد فرض الخمس في التشريع الاسلامي، وذكر في الكتاب والسنة كما يلي:
        أ - الخمس في كتاب الله
        قال الله سبحانه: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾4.
        هذه الآية وإن كانت قد نزلت في مورد خاص، ولكنها أعلنت حكماً
        166
        عاماً وهو وجوب أداء الخمس من أيّ شيء غنموا - أي فازوا به - لأهل الخمس، ولو كانت الآية تقصد وجوب أداء الخمس مما غنموا في الحرب خاصة، لكان ينبغي أن يقول عز اسمه: واعلموا أن ما غنمتم في الحرب، أو أنَّ ما غنمتم من العدى وليس يقول أن ما غنتم من شيء.
        في هذا التشريع: جعل الاسلام سهم الرئاسة الخمس بدل الربع في الجاهلية، وقلل مقداره، وكثر أصحابه، فجعله سهماً لله، وسهماً للرسول، وسهماً لذوي قربى الرسول، وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل من فقراء أقرباء الرسول، وجعل الخمس لازماً لكل ما غنموا من شي؟ عامة ولم يمحّضه بما غنموا في الحرب، وسماه الخمس مقابل المرباع في الجاهلية.
        ولما كان مفهوم الزكاة مساوقاً لحق الله في المال كما أشرنا إليه في ما سبق، فحيث ما ورد في القرآن الكريم حث على أداء الزكاة في ما ينوف على ثلاثين آية5، فهو حث على أداء الصدقات الواجبة والخمس المفروض في كل ما غنمه الانسان، وقد شرح الله حقه في المال في آيتين: آية الصدقة وآية الخمس، كان هذا ما استفدناه من كتاب الله في شأن الخمس.
        ب - الخمس في السنة
        أمر الرسول باخراج الخمس من غنائم الحرب ومن غير غنائم الحرب مثل الركاز كما روى ذلك كل من ابن عباس، وأبي هريرة، وجابر، وعبادة بن الصامت، وأنس ابن مالك، كما يلي:
        في مسند أحمد وسنن ابن ماجة واللفظ للأوّل، عن ابن عباس قال:
        167
        "قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الركاز الخمس"6.
        وفي صحيحي مسلم والبخاري، وسنن أبي داود، والترمذي، وابن ماجة، وموطأ مالك، ومسند احمد واللفظ للأوّل: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العجماء جُرحها جُبار، والمعِدن جُبارة، وفي الركاز الخمس" وفي بعض الروايات عند أحمد: البهيمة عقلها جبار7.
        شرح هذا الحديث أبو يوسف في كتاب الخراج وقال: كان أهل الجاهلية إذا عطب الرجل في قليب جعلوا القليب عقله، وإذا قتلته دابة جعلوها عقله، وإذا قتلته معدن جعلوه عقله، فسأل سائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال: العجماء جبار، والمعدن جُبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس " فقيل له: ما الركاز يا رسول الله ؟ فقال: "الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت"8 انتهى.
        168
        وفي مسند أحمد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "السائمة جبار، والجب جبار، المعدن جبار، وفي الركاز الخمس " قال الشعبي: الركاز الكنز العادي9.
        وفي مسند أحمد، عبادة بن الصامت قال: من قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جرحها جبار، والعجماء البهيمة من الأنعام وغيرها. والجبار هو الهدر الذي لا يغرم، وقضى في الركاز الخمس10.
        وفي مسند أحمد0عن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر فدخل صاحب لنا إلى خربة يقضي حابت فتناول لبنة ليستطيب بها فانهارت عليه تبراً فأخذها فأتى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بذلك، قال "زنها" فوزنها فإذا مائتا درهم، فقال النبي: "هذا ركاز وفيه الخمس"11.
        وفي مسند أحمد: ان رجلا من مزينة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسائل جاء فيها: فالكنز نجده في الخرب والآرام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فيه وفي الركاز الخميس"12.
        169
        وفي مادة "سيب" من نهاية اللغة ولسان العرب وتاج العروس وفي نهاية الارب والعقد الفريد وأسد الغابة واللفظ للأول. "وفي كتابه - أي كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - لوائل بن حجر: "وفي السيوب الخمس" السيوب: الركاز.
        وذكر انهم قالوا: "السيوب عروق الذهب والفضة تسيب في المعدن أي تتكون فيه وتظهر"، "والسيوب جمح سيب يريد به - أي يريد النبي بالسيب- المال المدفون في الجاهلية أو المعدن لأنه من فضل الله تعالى وعطائه لمن أصابه".
        وتفصيل كتاب رسول الله هذا في نهاية الارب للقلقشندي13.
        خلاصة الروايات السابقة
        خلاصة ما يستفاد من الروايات السابقة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بدفع الخمس من كل ما يستخرج من الأرض من ذهب وفضة، سواء كان كنزا أو معدنا وكلاهما ليسا من غائم الحرب، كما زعموا أنها - أي غائم الحرب - هي المقصود من "غنموا"، في الآية الكريمة، وإنما تدل تلكم الأحاديث على ما برهنا عليه أن ما "غنموا" قصد به في التشريع الإسلامي
        170
        "ما ظفر به من جهة العدى وغيرهم" فثبت من جميع ما سبق أن الخمس لا يخص غنائم الحرب وحدها في الاسلام، وكذلك استفاد الفقهاء من تلكم الروايات مثل القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج 14 فانه استنبط من الروايات حكم وجوب أداء الخمس من غير غنائم الحرب.
        قال أبو يوسف: في كل ما أصيب من المعادن من قليل أو كثيرلخمس، ولو أن رجلاً أصاب في معدن أقل من وزن مائتي درهم فضة أو أقل من وزن عشرين ذهباً، فإن فيه الخمس، ليس هذا موضع الزكاة15، إنما هو على موضع الغنائم، وليس في تراب ذلك شيء، إنما الخمس في الذهب الخالص، والفضة الخالصة، والحديد، والنحاس، والرصاص، ولا يحسب لمن استخرج ذلك من نفقته عليه شيء، قد تكون النفقة تستغرق ذلك كله، فلا يجب إذن فيه خمس عليه وفيه الخمس حين يفرغ من تصفيته قليلا كان أو كثيرا، ولا يحسب له من نفقته شيء من ذلك وما استخرج من المعادن سوى ذلك من الحجارة -مثل الياقوت والفيروزج والكحل والزئبق والكبريت والمغرة - فلا خمس في شيء16 من ذلك إنما ذلك كله بمنزلة الطين والتراب.
        قال: ولو أن الذي أصاب شيئاً من الذهب أو الفضة أو الحديد أوالرصاص أو النحاس، كان عليه دين فادح لم يبطل ذلك الخمس عنه، ألا ترى لو أن جندا من الأجناد، أصابوا غنيمة من أهل الحرب، خمست ولم ينظر أعليهم دين أم لا، ولو كان عليهم دين، لم يمنع ذلك من الخمس.
        قال: وأما الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه الله عز وجل في
        171
        الأرض يوم خلقت، فيه أيضاً الخمس، فمن أصاب كنزاً عادياً في غير ملك أحد فيه ذهب أو فضة أو جوهر أو ثياب، فإن في ذلك الخمس وأربعة أخماسه للذي أصابه، وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمس وما بقي فلهم.
        قال: ولو أن حربياً وجد في دار الاسلام ركازاً، وكان قد دخل بأمان نزع ذلك كله منه، ولا يكون له منه شيء. وان كان ذمياً أخذ منه الخمس، كما يؤخذ من المسلم، وسلم له أربعة أخماسه، وكذلك المكاتب يجد ركازاً في دار الاسلام فهو بعد الخمس...
        وقال أبو يوسف في "فصل ما يخرج من البحر": "وسألت يا أمير المؤمنين عما يخرج من البحر فإن في ما يخرج من البحر من حلية والعنبر الخمس"17.
        استعرضنا في ما سبق روايات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي أمرت بدفع الخمس عن أشياء غير غنائم الحرب، وكذلك ما استفادوه من تلك الروايات، وفي ما يلي نستعرض كتب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعهوده التي ورد فيها أمر بدفع الخمس.
        الخمس في كتب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعهوده
        أ – في صحيحي البخاري ومسلم وسنن النسائي ومسند أحمد واللفظ للأول: أن وفد عبد القيس لما قالوا لرسول الله: "ان بيننا وبينك المشركين من مضر، وإنا لا نصل إليك إلا في أشهر حرم، فمرنا
        172
        بجمل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة وندعو إليه من وراءنا".
        قل: "آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع ؛ آمركم بالايمان بالله، وهل تدرون ما الايمان بالله، شهادة أن لا إله إلأ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتعطوا الخمس من المغنم... "الحديث18.
        إن الرسول لما أمر وفد عبد القيس أن يعطوا الخمس من المغنم، لم يطلب اخراج خمس غنائم الحرب من قوم لا يستطيعون الخروج من حيهم في غير الأشهر الحرم من خوف المشركين من مضر، وإنما قصد من المغنم معناه الحقيقي في لغة العرب وهو الفوز بالشي، بلا مشقة كما سبق تفسيره، أي أن يعطوا خمس ما يربحون، أو لا أقل من أنه قصد معناه الحقيقي في الشرع وهو "ما ظفر به من جهة العدى وغيرهم".
        وكذلك الأمر في ما ورد في كتب عهوده للوافدين إليه من القبائل العربية وفي ما كتبه لرسله إليهم، وولاته عليهم مثل ما ورد في فتوح البلاذري، قال:
        "لما بلغ أهل اليمن ظهور رسول الله وعلو حقه، أتته وفودهم، فكتب لهم كتاباً بإقرارهم على ما أسلموا عليه من أموالهم وأراضيهم وركازهم، فأسلموا، ووجه إليهم رسله وعماله لتعريفهم شرايع الاسلام وسننه وقبض صدقاتهم، وجزى رؤوس من أقام على النصرانية واليهودية والمجوسية".
        173
        ثم ذكر هو وابن هشام والطبري وابن كثير واللفظ للبلاذري قال: كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن:
        ب - "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا بيان من الله ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...﴾19 عهد من محمد النبي رسول لله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى لله في أمره كله، وأن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وسقت السماء، ونصف العشر مما سقى الغرب"20.
        البعل: ما سقي بعروقه، والغرب: الدلو العظيمة.
        ج - ومثل ما كتب لسعد هذيم من قضاعة، وإلى جذام كتاباً واحداً يعلمهم فرائض الصدقة وأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أبي وعنبسة أو من أرسلاه"21.
        انّ الرسول حين طلب من قبيلتي سعد وجذام أن يدفعوا الصدقةوالخمس إلى رسوليه أو لمن يرسلاه إليه، لم يكن يطلب منهم خمس
        174
        غنائم حرب خاضوها مع الكفار،وإنما قصد ما استحق عليهما من الصدقة وخمس أربحهما.
        د - وكذلك ما كتب لمالك بن أحمر الجذامي، ولمن تبعه من المسلمين أماناً لهم ما أقاموا الصلاة واتبعوا المسلمين وجانبوا المشركين وأدوا الخمس من المغنم وسهم الغارمين وسهم كذا وكذا، الكتاب22.
        هـ - وما كتب للفجيع ومن تبعه: "من محمد النبي للفجيع ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة (وأطاع)23 الله ورسوله، وأعطى من المغانم خمس الله، ونصر النبي وأصحابه، وأشهد على إسلامه، وفارق المشركين فإنه آمن بأمان الله وأمان محمد"24.
        و- وما كتب للاسبذيين: "من محمد النبي رسول الله لعباد الله الاسبذيين ملوك عمان، من منهم بالبحرين أنهم إن أمنوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله، وأعطوا حق النبي، ونسكوا نسك المسلمين فانّهم أمنون وإن لهم ما أسلموا عليه، غير أن مال بيت النارثنيا لله ولرسوله، وان عشور التمر صدقة ونصف عشور الحبّ، وان للمسلمين
        175
        نثرهم ونصحهم، وان لهم ارحاءهم يطحنون بها ما شاؤوا"25.
        إن المقصود من حق النبي في هذا الكتاب هو الخمس وحده أو الخمس والصفي معاً.
        ز - وكذلك المقصود من "حظ الله وحظ الرسول" هو الخمس في ما كتب "لمن أسلم من حدس ولخم" وأقام الصلاة وأعطى الزكاة وأعطى حظ الله وحظ الرسول وفارق المشركين فإنه آمن بذمة الله وذمة محمد، ومن رجع عن دينه فإن ذمة الله وذمة رسول منه بريئة.. "الكتاب26.
        ح - وفي ما كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه: "ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة أو أطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي وفارقوا المشركين فإن لهم ذمة الله وذمة محمد بن عبد الله"27.
        ط - وفي ما كتب لبني معاوية بن جرول الطائيين: "لمن أسلم منهم وأقام الصلاة وأتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانم خمس الله
        176
        وسهم النبي وفارق المشركين وأشهد على إسلامه أنه آمن بأمان الله ورسوله وأن لهم ما أسلموا عليه"28.
        وكتاب آخر لبني جوين الطائيين، أو أنه رواية أخرى للكتاب الأول مع اختلاف يسير في اللفظ 29.
        ي- وفي ما كتب لجهينة بن زيد: "ان لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها على أن ترعوا بناتها وتشربوا ماءها، على أن تؤدّوا الخمس، وفي التيعة والصريمة، شاتان إذا اجتمعتا فإن فرقتا فشاة شاة، ليس على أهل المثير صدقة..."30.
        قال ابن الاثير في نهاية اللغة: "التبعة: اسم لأدنى ما يجب فيه الزكاة". و"الصريمة: القطيع من الابل والغنم".
        وقال: "المراد بها - أي بالصريمة - في الحديث في مائة وأحد وعشرين شاة إلى المائتين، إذا اجتمعت ففيها شاتان وإن كانت لرجلين وفرق بينهما ففي كل واحدة منها شاة " انتهى.
        177
        وأهل المثير: أهل بقر الحرث الذي يثير الأرض وليس عليهم فيه صدقة.
        ك - وقد ورد في بعض كتب الرسول ذكر "الصفي" بعد لفظ سهم النبي مثل ما ورد في كتابه لملوك حمير الآتي: "أما بعد فإن الله هداكم هدايته إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة من المغانم خمس الله وسهم النبي وصفيه وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة... " الكتاب31.
        ل - وما ورد في كتابه لبني ثعلبة بن عامرة: "من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وخمس المغنم وسهم النبي والصفي فهو آمن بأمان الله "الكتاب32.
        م - وما ورد في كتابه لبني زهير العكليين: "أنكم إذ شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وأديتم الخمس
        178
        من المغنم وسهم النبي وسهم الصفي، أنتم آمنون بأمان الله"، الكتاب33.
        ن - وما ورد في كتابه لبعض افخاذ جهينة: "من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس وسهم النبي الصفي"34.
        إن الصفي في هذه الكتب ويجمع على الصفايا، هو كل ما كانت خالصة لرسول الله من أموال وضياع وعقار، بالإضافة إلى سهمه من الخمس كما شرحناه سابقا.
        وعدا ما أوردنا في ما سبق ورد ذكر الخمس أيضا في كتابين آخرين نسبا إلى، رسول الله لم نعتمدهما لما ورد في الأول أنه كتبه لعبد يغوث من بلحارث35.
        ولم يكن الرسول يكتب "لعبد يغوث" ويغوث اسم صنم، بل كان يغير أسماء كهذا مثل عبدا لعزّى الذي بذله بعبد الرحمن، وعبد الحجر36.
        وعبد عمرو الأصم الذي بدلهما بعبد الله37.
        179
        والكتاب الثاني قيل، أنه كتبه لنهثل بن مالك الوائلي38 وقد بدء فيه بلفظ "باسمك اللهم " بدلا من بسم الله الرحمن الرحيم الذي كان الرسول يبدء به كتبه.
        في ما مر من كتب وعهود عندما كتب الرسول لسعد هذيم "أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أو من يرسلاه" لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم حرب اشتركوا فيها، بل كان يطلب ما استحق في أموالهم من خمس وصدقة.
        وكذلك في ما كتب لجهينة أن يشربوا ماء الأرض، ويرعوا أكلاءها على أن يؤدوا الخمس والصدقة لم يشترط للخوض في الحرب واكتساب الغنائم دفع الخمس، بل جعل دفع الخمس والصدقة شرطا للانتفاع من مرافق الأرض أي علمهم الحكم الإسلامي في ما يكسبون.
        وكذلك عندما علم وفد عبد القيس أن يدفعوا الخمس من المغنم ضمن تعليمهم جملا من الأمر ان عملوا بها دخلوا الجنة لم يطلب منهم وهم لا يستطيعون الخروج من حيهم في غير الأشهر الحرم من خوف المشركين أن يدفعوا اليه خمس غنائم حرب يخوضونها ضد المشركين وينتصرون فيها، بل طلب منهم دفع خمس أرباحهم.
        وكذلك في ما كتب من عهد لعامله عمرو بن حزم أن يأخذ الصدقات والخمس من قبائل اليمن، لم يعهد اليه أن يأخذ خمس غنائم حرب اشتركت القبائل فيها، وكذلك في ما كتب لتلك القبائل أو غيرها أن يدفعوا الخمس، وما كتب لغير عمرو بن حزم من عماله أن يأخذوا
        180
        الخمس من القبائل، إن شأن الخمس في كل تلك الكتب والعهود شأن الصدقة فيها وهما حق الله في أموالهم حسبما فرضه الله في أموالهم.
        ويؤكد ما ذكرناه من أن الخمس فيها ليس خمس غنائم الحرب ويوضحه، أن حكم الحرب في الإسلام يخاف ما كان عليه لدى القبائل العربية قبل الإسلام في أن يكون لكل مجموعة أو فرد الاختيار في الاغارة على غير أفراد القبيلة وغير حلفائها لنهب أموالهم كيف ما اتفق، وأنه عند ذاك يملك كل فرد ما نهب وسلب وحرب، وما عليه سوى دفع المرباع للرئيس، ليس الأمر هكذا في الاسلام ليصح للنبي أن يطالبهم بالخمس بدل الربع في ما يثيرون من حرب على غيرهم، لا، ليس لفرد مسلم في الاسلام ولا لجماعة اسلامية فيه أن يعلن الحرب على غير المسلم من تلقاء نفسه ويسلب وينهب كما يشاء ويقدر! وإنما الحاكم الإسلامي هو الذي يقدر ذلك ويقرر وفق قوانين الشرع الاسلامي،والفرد المسلم ينفذ قراره، ثم أن الحاكم الاسلامي بعد ذلك، أو نائبه، هما اللذان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب، ولا يملك أحد الغزاة عدا سلب القتيل شيئاً مما سلب، وإنما يأتي كل غاز بما سلب إليهما،وإلا من الغلول العار على أهله وشنار ونار يوم القيامة، والحاكم الاسلامي هو الذي يعين بعد إخراج الخمس للراجل سهمه وللفارس سهمه، ويرضخ للمرأة، وقد يشرك الغائب عن الحرب في الغنيمة ويعطى للمؤلفة قلوبهم إضعاف سهم المؤمن المجاهد.
        وإذا كان اعلان الحرب واخراج خمس غنائم الحرب على عهد النبي من شؤون النبي في هذه الأمة فماذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده ذلك في كتاب بعد كتاب وعهد بعد عهد إذ لم يكن الخمس في تلك
        181
        الكتب والعهود مثل الصدقة مما يجب في أموال المخاطبين وليس خاصاً بغنائم الحرب.
        وعلى هذا فلا بدّ إذاً من حمل لفظ الغنائم والمغنم في تلك الكتب والعهود على معناهما اللغوي: "الفوز بالشيء بلا مشقة"، أو معناهما الشرعي: "ما ظفر به من جهة العدى وغيره".
        أضف إلى هذا ما ذكرناه بتفسير الغنيمة في أول البحث، من أن الغنيمة أصبحت حقيقة في غنائم الحرب في المجتمع الاسلامي بعد تدوين اللغة لا قبله. ولا يصح مع هذا، حمل ما ورد في حديث الرسول على ما تعارف عليه الناس قرابة قرنين بعده، وأما ما ورد في بعض تلك الكتب والعهود بلفظ (حظ الله وحظ الرسول)، أو(احق النبي)، أو(سهم النبي)وما شابهها، فان تفسيرها في الآية الكريمة ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول ...﴾ وفي السنة النبوية التي تبين هذه الآية وتشرحها حيث تعينان سهم الله وسهم النبي في " المغنم " وهو الخمس وهو أيضاً حقهما وحظهما.
        وبعدما ثبت مما أوردناه في ما سبق أن النبي كان يأخذ الخمس من غنائم الحرب ومن غير غنائم الحرب، ويطلب ممن أسلم أن يؤدي الخمس من كل ما غنم عد ا ما فرض فيهن الصدقة، بعد هذا نبحث في ما يلي عن مواضع الخمس.
        مواضع الخمس في الكتاب والسنة
        في القرآن الكريم:
        نصت آية الخمس أن الخمس لله، ولرسوله، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل.
        182
        فمن هم ذو القربى؟ ومن هم من ذكروا بعده ؟
        أ- ذو القربى:
        إن شأن ذي القربى، والقربى، وأولي القربى، في الكلام شأن الوالدين فيه، فكما أن "الوالدين " أين ما ورد في الكلام قصد منه والدا المذكورين قبله ظاهرا أو مضمراً أو مقدراً، كذلك القربى وأولوه وذووه فمثال المذكور منها ظاهرا قبله في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى ...﴾39.
        فالمراد من " أولي القربى" هنا أولو قربى النبي والمؤمنين المذكورين ظاهرا قبل "أولي القربى".
        ومثال المذكور مضمرا قوله تعالى: ﴿... وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ...﴾40، والمراد من ذي القربى هنا قربى مرجع الضمير في "قلتم " و"اعدلوا".
        ومثال المذكور مقدرا قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى ...﴾41. والمراد قربى الميت المقدر ذكره في ما سبق من الآية، وكذلك شأن سائر ما ورد فيه ذكرى ذي القربى وأولي القربى في القرآن الكريم.
        وقد جمع الله في الذكر بين الوالدين وذي القربى في مكانين منهما، قال سبحانه: ﴿... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾42.
        في الآية الأولى قصد والدا بني اسرائيل وذوو قرباهم والمذكور
        183
        ظاهراً قبلهما، وفي الآية الثانية قصد والدا مرجع الضمير وذووه في(واعبدوا) و(ولا تشركوا ) وهم المؤمنون من هذه الأمة.
        وإذا ثبت هذا فنقول: لما قال الله سبحانه في آية الخمس ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ...﴾ فلا بد أنيكون المراد من "ذي القربى" هنا ذا قربى الرسول المذكور قبله بلا فاصلة بينهما، وإن لم يكن هذا فذا قربى من قصد الله في هذا المكان؟
        وكذلك المقصود من ذي القربى في قوله تعالى: ﴿مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ...﴾43 هم قربى الرسول وهو الاسم الظاهر المذكور قبله.
        وكذلك المقصود من القربى في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾44 هم قربى ضمير فاعل "اسألكم " وهو الرسول45.
        ب – اليتيم:
        اليتيم هو الذي مات أبوه وهو صغير قبل البلوغ.
        ج - المسكين:
        المسكين هو المحتاج الذي تسكنه الحاجة عما ينهض به الغني.
        184
        د - ابن السبيل:
        ابن السبيل هو ألمسافر المنقطع به سفره46.
        ويدل سياق آية الخمس على أن المقصود يتامى أقرباء الرسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وأن شأن هذه الألفاظ في الآية، شأن "ذي القربى" المذكور قبلها.
        مواضع الخمس في السنة ولدى المسلمين
        كان يقسم - الخمس - على ستة: لله وللرسول سهمان وسهم لأقاربه حتى قبض47.
        وعن ابي العالية الرياحي: كان رسول الله يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله، ثم يقسم ما بقى على خمسة اسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل.
        قال: والذي جعله للكعبة هو سهم الله48.
        تصرح هاتان الروايتان أن الخمس كان يقسم ستة أسهم وهذا هو الصواب لموافقته لنص أية الخمس. وما في رواية أبي العالية بأن الرسول كان يجعل سهم الله للكعبة، لعله وقع ذلك مرة واحدة، وأرى الصواب في
        185
        ذلك ما رواه عطاء بن أبي رباح قال: "خمس الله وخمس رسوله واحد وكان رسول الله يحمل منه ويعطى منه ويضعه حيث شاء ويضع به ما شاء49.
        ومثلها ما رواه ابن جريج قال: "... أربعة أخماس لمن حضر البأس والخمس الباقي لله ولرسوله خمسة يضعه حيث شاء وخمس لذوي القربى... الحديث"50.
        الصواب في رواية أبي العالية وابن جريج ما ورد فيهما أن أمر سهم الله وسهم رسوله من الخمس كان إلى رسول الله يحمل منهما ويعطي منهما ويضعهما حيث شاء ويصنع بهما ما شاء. أما ما يفهم من الروايتين أن "سهم الله وسهم الرسول واحدا " فانه يخالف ظاهر آية الخمس حيث قسم الله فيها الخمس الى ستة أسهم، إلا إذا قصدوا أن أمر السهمين واحد ولم يقصدوا أن السهمين سهم واحد.
        وكذلك لا يستقيم ما روا. قتادة قال: كان نبي الله إذا غنم غنيمة جعلت أخماسا فكان خمس لله ولرسوله ويقسم المسلمون ما بقي،وكان الخمس الذي جعل لله ولرسوله، لرسوله ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فكان هذا الخمس خمسة أخماس، خمس لله ولرسوله. الحديث51.
        186
        ويظهر من رواية ابن عباس في تفسير الطبري أن جعل السهمين سهماً واحداً كان بعد النبي، قال: "جعل سهم الله وسهم الرسول واحداً، ولذي القربى فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح"52.
        وروى الطبري - أيضا - عن مجاهد أنه قال: كان آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس53.
        وقال: قد علم الله أن في بني هاشم الفقراء نجعل لهم الخمس مكان الصدقة54.
        وقال: هؤلاء قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة55.
        وقال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام: أما قرأت في الانفال: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ الآية.
        قال: نعم.
        قال: فانكم لأنتم هم؟
        قال: نعم56.
        كان هذا تفسير لفظ "ذي القربى" الوارد في آية الخمس وغيرها؟ أما اليتامى والمساكين، فقد قال النيسابوري في تفسير الآية: روي عن علي بن
        187

        يتبع

        تعليق


        • #19
          الحسين عليه السلام أنه قيل له: أن الله تعالى قال: ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ﴾. فقال: أيتامنا ومساكيننا57.
          وروى الطبري عن منهال بن عمرو قال سألت عبد الله بن محمد بن علي، وعلي بن الحسين عن الخمس فقالا: هولنا.
          فقلت لعلي: إن الله يقول: ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾.
          فقالا: يتامانا ومساكيننا58.
          إلى هنا اعتمدنا كتب الحديث والسيرة والتفسير لدى مدرسة الخلفاء في ما أوردناه من أمر الخمس، وفي ما يلي مواضع الخمس لدى مدرسة أهل البيت.
          مواضع الخمس لدى مدرسة أهل البيت عليهم السلام
          تواترت الروايات عن أئمة أهل البيت أن الخمس يقسم على ستة أسهم: سهم منه لله، وسهم منه لرسوله، وسهم لذي القربى، وسهم ذي القربى في عصر الرسول لأهل البيت خاصة ومن بعده لهم، ثم لسائر الأئمة ألاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام، وأن السهام الثلاثة لله ولرسوله ولذي القربى للعنوان، وأن سهم الله لرسوله يضعه حيث يشاء، وما كان للنبي من سهمه وسهم الله يكون من بعده للامام القائم مقامه، فنصف الخمس في
          188
          هذه العصور كملاً لامام العصر، سهمان له بالوراثة وسهم مقسوم له من الله تعالى وعو سهم ذي القربى، وأن هذه الأسهم الثلاثة لامام العصر من حيث إمامته، والأسهم الثلاثة الأخرى سهم لأيتام بني هاشم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، وهؤلاء هم قرابة النبي الذين ذكرهم الله في قوله: ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾.
          وهم بنو عبد المطلب، الذكر منهم والأنثى، وهم غير أهل بيت النبي وملاك الاستحقاق في الطوائف الثلاث أمران:
          أ - قرابتهم من رسول الله.
          ب - افتقارهم الى الخمس في مؤنتهم، خلافاً لأصحاب السهام الثلاثة الأول الذين كانوا يستحقونها بالعنوان.
          ويقسم نصف الخمس على الطوائف الثلاث من بني هاشم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء فللوالي وأن عجز أو نقص عن استغنائهم فإن على الوالي أن ينفق من عنده بقد ر ما يستغنون به، وإنما صار عليه أن يموّلهم لان له ما فضل عنهم.
          ويعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة، فلو انتسبوا بالأم خاصة لم يعطوا من الخمس شيئاً، وتحل لهم الصدقات لأن الله يقول: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾.
          وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: أن المطلبي يشارك الهاشمي في سهام الخمس، ففي الحديث المروي عنع: "لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة، إن الله عز وجل جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثم قال: إن الرجل إذا لم يجد شيئاً حلت له الميتة، والصدقة لاتحل لأحد منهم إلا منهم إلا ألا يجد شيئاً ويكون ممن حلت له الميتة.
          189
          وان ما قبضه واحد من افراد الطوائف الثلاث من باب الخمس وتملكه، يصبح بعد وفاته كغيره مما تركه ينتقل الى وارثه، وكذلك ما كان قد قبضه النبي أو الامام الماضي من الاسهم الثلاثة وتملكه ينتقل بعد وفاته الى وارثه على حسب ما تقتضيه آية المواريث لا آية الخمس59.
          رواية واحدة تبين موضع الخمس في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
          في سنن أبي داود ومسند أحمد وتفسير الطبري وسنن النسائي وصحيح البخاري واللفظ للأول في باب مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى من كتاب الخراج عن جبير بن مطعم، قال:
          لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس، فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا: يا رسول الله ! هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضح الذي وضعك الله به منهم، فما بال اخوان بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا وبني المطلب لا نفترق - وفي رواية النسائي: إن بني المطلب لم يفارقوني – في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد، وشبك بين أصابعه60.
          190
          وفي رواية أخرى بمسند أحمد أن ذلك كان في غزوة حنين61.
          وفي رواية ثالثة بسنن أبي داود وسنن النسائي ومسند أحمد لم تعين فيها الغزوة62.
          وسبب قول عثان وجبير لرسول الله ما قالا وجوابه اياهما بما مر، ان عبد مناف ولد بنين أربعة:
          أ- هاشم واسمه عمرو.
          ب- المطلب.
          ج- عبد شمس.
          د- نوفل63.
          وأجمعت بنو هاشم وبنو المطلب على نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحاربتهم قريش جميعا وكتبت عليهم صحيفة بمقاطعتهم، فدخلوا جميعاًشعب أبي طالب ومكثوا فيه سني المقاطعة خلافاً لبني عبد شمس وبني نوفل الذين شاركوا قريشاً في أمرهم، وفي ذلك يقول ابن أبي الحديد:
          وكان مما بطأ ببني نوفل عن الاسلام ابطاء اخوتهم من بني عبد شمس، فلم يصحب النبي منهم أحد، ولا شهد مشاهده الكريمة خلافاً لبني المطلب، فقد حثهم على الاسلام فضل محبتهم لبني هاشم لأن أمر النبي كان بيناً، وإنما كان يمنع عنه الحسد والبغض ومن لم يكن فيه هذه العلة، لم يكن له دون الاسلام مانع، وشهد بدراً من بني المطلب بنو
          191
          الحارث بن المطلب كلهم: عبيدة وطفيل وحصين، ومسطح بن اثاثة بن عباد بن المطلب، وقال أبو طالب لمطعم بن عدي بن نوفر في أمر النبي لما تمالأت عليه قريش:
          جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا
          جزاء مسيء عاجلاً غير آجل
          الأبيات – انتهى64.
          ذكر الراوي في هذا الحديث وهو جبير بن مطعم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وضع "سهم ذي القربى" في بني هاشم وبني المطلب، ونحن نرى أن الذي شاهده الراوي في هذا الخبر، هو أن الرسول دفع إلى هؤلاء من سهام الخمس ولم يدفع منها إلى بني أمية وبني نوفل. أما تشخيص السهم الذي دفع الرسول منه إلى هؤلاء، فهذا ما ذكره الراوي من عند نفسه ولم يرو أن
          192
          الرسول قال ذلك. ومن الجائز أن الرسول قد أعطى بعض أولئك من سهم الله وسهم رسوله، فإن الرسول كان يضعهما حيث يشا، كما سبق ذكره، وأنه أعطى بعضهم من سهم المساكين فإن الصدقة كانت محرمة على فقرائهم.
          أوردنا بشيء من التفصيل آراء مدرسة الخلفاء في الخمس وأعمالهم فيه واستدلالهم على ما ارتأوا، وأشرنا إلى قول أئمة أهل البيت في الخمس وأنه يقسم لديهم على ستة أسهم ثلاثة منها لله ولرسوله ولذوي قرباه للعنوان، يقبض الرسول هذه الأسهم في حياته ويعود أمرها من بعده إلى الأئمة الاثنى عشر من أهل بيته، والأسهم الثلاثة الأخرى منه لفقراء بني هاشم وأيتامهم وأبناء سبيلهم مع وصف الفقر65.
          وقالوا أيضا: إن الخمس يجب إخراجه من كل مال فاز به المسلم من جهة العدى وغيرهم66 واستدلوا في كلتا المسألتين بعموم آية الخمس مع ما لديهم من سنة الرسول، قال فقهاء مدرستهم في مقام الاستدلال بالآية على المسألة الثانية:
          إن الآية وإن كانت قد نزلت في غنائم غزوة بدر، ولكن ليس للمورد أن يخصص67 والتخصيص من غير دليل باطل 68 وبيان الايراد على الاستدلال وجوابه كما يلي69:
          193
          إن المورد على الاستدلال بالآية قال: إن الآية نزلت في غنائم غزوة بدر فلا تشمل ما عدا غنائم الحرب.
          واجيب عنه: بأن نزول الآية في غزوة بدر لا يخصص الحكم العام الوارد في الآية - وهو وجوب أداء الخمس من المغنم - ويجعل الحكم خاضا بغنائم الحرب. ومثاله من غير هذا المورد؛ حكم جلد الشهود على الزنا إن لم يبلغ عددهم الأربعة والوارد في قصة الافك، فإن المورد وهو قصة الافك لا يخصص الحكم العام الذي ورد في الآيات وهو جلد الشهود إن لم يبلغوا أربعة بتلك الواقعة، وكذلك شأن حكم الظهار الوارد في سورة المجادلة فإنه ما خص المرأة التي جادلت وزوجها يومذاك وإن نزت الآية في شأنهما وهكذا الأمر في ما عداهما.
          وقالوا في الجواب أيضا: أن تخصيص الآية وتقييدها - بغائم دار الحرب - أولى بطلب الدليل عليه70 وأن على من يخصص الآية بها اقامة الدليل71.
          ومما يؤيد هذه الأجوبة ما ذكره القرطبي من مدرسة الخلفاء بتفسير الآية قال: والاتفاق - أي اتفاق علماء مدرسة الخلفاء - حاصل على أن المراد بقوله تعالى: ﴿أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ﴾ مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر،ولا يقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيناه72.
          إذاً فتخصيص الغنائم بغنائم دار الحرب خلاف المتبادر من اللفظ
          194
          عند أهل اللغة وقول علماء مدرسة الخلفاء التخصيص يخالف المعنى المتبادر من اللفظ عند إطلاقه.
          وأجيب على الإيراد إيضاً: بأن الآية وإن كنت نازلة في مورد خاص وهو غزوة بدر،ولكن من المعلوم عدم اختصاصها بذلك المورد الخاص، حتى أن من ذهب من العامة إلى عدم وجوب الخمس في مطلق الغنائم لم يخصه بخصوص مورد الآية بل عممه إلى مطلق الغنائم المأخوذة في الحروب، مع أنا لو بنينا على الجمود في استفادة الحكم من الآية بحيث لم نتعد موردها بوجه لوجب القول بعدم وجوب الخمس إلا على من شهد غزوة بدر في ما اغتم من المشركين في تلك الغزوة، ولم يقل بهذا أحد،فلا بد من التعدي من مورد الآية لا محالة، فنحن نتعدى منه إلى مطلق ما يصدق عليه الغنيمة سواء كان مكتسباً من الحرب أو التجارة أو الصناعة أو غير ذلك 73.
          وبالإضافة إلى استدلالهم بآية الخمس يستدلون بما ورد عن أئمة أهل البيت في هذا الحكم كما يفعلون في سائر الأحكام فإن الرسول قد أمر بالتمسك بهم في حديث الثقلين وغيره، سواء أسند الأئمة حديثهم إلى جدهم الرسول، مثل الحديث الذي رواه الصدوق في الخصال عن جعفر بن محمد، عن ابيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في وصيته له: يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام، حرم نساء الآباء على الأبناء فأنزل الله عز وجل ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء﴾74 ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله عز وجل: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم
          195
          مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ...﴾ لما حفر زمزم... الحديث75.
          ويعني هذا الحديث أن الآية تشمل غير غنائم الحرب، وقد سبق ذكر سنة الرسول في ذلك ايضاً.
          هذه خلاصة أدلة اتباع مدرسة أئمة أهل البيت في هذا المقام.
          196
          هوامش
          1- بمادة ربع من القاموس واللسان وتاج العروس ونهاية اللغة لابن الاثير وفي صحاج الجوهري بعضه. وسيرة ابن هشام 4/ 249.
          2- في نهاية اللغة 2/ 62.
          3- في نهاية اللغة 1/321، ومسند احمد 4/ 257، وعدى ابو طريف اسلم سنة 9هـ وشهد فتح العراق والجمل وصفين ونهروان مع الإمام وفقئت عينه بصفين. روى عنه المحدثون 66حديثا، توفي بالكوفة سنة 68هـ ترجمته بالاستيعاب وأسد الغابة والتقريب.
          4- سورة الأنفال: 41.
          5- راجح مادة الزكاة في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
          6- مسند أحمد 1/ 314، وسنن ابن ماجة ص 839
          7- صحيح مسلم 5/ 127 باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار اي هدر من كتاب الحدود بشرح النووي 11/ 225 ،وصحيح البخاري 1/ 181 باب في الركاز الخمس، و2/ 74 باب من حفر بئراً في ملكه لم يضمن من كتاب المساقاة وسنن أبي داود 2/ 254باب من قتل عمياً بين قوم من كتاب الحدود، وباب ما جاء في الركاز، 2/ 0 7، وسنن الترمذ ي 3/138 باب ما جاء في العجماء جرحها جبار وفي الركاز الخمس، وسنن ابنماجة ص 03 8 باب من أصاب وكازاً من كتاب النقطة، وموطأ مالك ج 1/ 244 باب زكاة الشركاء. ومسند أحمد ج 2/ 228 و239 و254 و274 و285 و319 و382 و386 و406و411و415و454و456و467و475و482و493و495و499و501و5 07، والأموال لابي عبيد ص 336.
          8- أبو يوسف يعقوب بن ابراهيم الانصاري ولد بالكوفة 113هـ وتلمذ على ابي حنيفة وهو أول من وضع الكتب على رأي أبي حنيفة وولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد، وتوفي منة 182هـ ونقلنا عن كتاب خراجه ط القاهرة 1346هـ ص 26 وقد وضعه لخليفة عصره الرشيد. وعطب اي هلك. والقلب: البئر لم تطو. والعقل: الدية.
          9- مسند أحمد 3/ 335و336و356و353،ومجمع الزوائد 3/ 78باب في الركاز من أصحاب رسول الله، توفي بالكوفة سنة 104هـ، أنساب السمعاني ص 336.
          10- مسند أحمد 5/ 326.
          11- مسند أحمد 3/ 128، ومجمع الزوائد 3/ 77 باب في الركاز والمعادن، ومغازي الواقدي ص 682.
          12- مسند أحمد 2/ 186 و202و207واللفظ للأول، وفي سنن الترمذي 1/ 219باب اللقطة من كتاب الزكاة مع اختلاف في اللفظ. والأموال لأبي عبيد ص 337، وأشار الى هذه الأحاديث الترمذي في باب ما جاء العجماء جرحها جبار، وفي الركاز الخمس قال: وفي الباب عن أنس بن مالك وعبد الله بن عمرو وعباد بن الصامت وعمرو بن عوف المزني وجابر.
          13- نهاية الارب ص 21، يرويه عن كتاب الشفاء للقاضي عياض، والعقد الفريد 2/ 48 في الوفود، وبترجمة الضحاك من أسد الغابة 3: 38وأشار الى الكتاب صاحبا الاستيعاب وأسد الغابة بترجمة وائل. ووائل بن حجر كان أبوه من أقيال اليمن وفد الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكتب له عهدا جاء فيه ما أورده في المتن، بعث الرسول مع معاوية بن أبي سفيان فقال له معاوية: اردفني فقال: لست من أرداف الملوك، توفي وائل في خلافة معاوية، ترجمته بالاصابة 3: 592.
          14- الخراج ص 25-27.
          15- قصد بالزكاة هنا ما يقابل الخمس أي الصدقة.
          16- هذا يخالف عموم آية الخمس ويخالف ما في فقه أئمة أهل البيت.
          17- الخراج ص 83.، ونقل ابو عبيد في كتاب الاموال ص 345-348 قولين فيه: أ – أن فيه الزكاة. ب. أن فيه الخمس.
          18- بصحيح البخاري 4/305 اباب والله خلقكم وما تعلمون من كتاب التوحيد، وج 1/ ،13 19 منه، وج 3/ 53، وفي صحيح مسلم 1/35و36 باب الأمر بالايمان عن ابن عباس وغيره، وسنن النسائي 2/، 333 ومسند أحمد 3/ 318وج 5/، 136 وعبد القيس قبيلة من ربيعة كانت مواطنهم بتهامة، ثم انتقلوا الى البحرين وقدم وفدهم على الرسول في السنة التاسعة ولفظه في ص 12 من الاموال لأبي عبيد: وان تؤدوا خمس ما غنمتم.
          19- السورة 5 1.
          20- فتوح البلدان 1/ 84 باب اليمن، وسيرة ابن هشام 4/ 265- 266، والطبري 1/ 1727 - 1729، وتاريخ ابن كثير 5/ 76، وكتاب الخراج لابي يوسف ص 85 واللفظ -واللفظ للأول وهناك رواية أخرى أوردها الحاكم في لمستدرك 1/ 395 و396، وفي كنز العمال 5/ 517. وعمرو بن حزم أنصاري خزرجي شهد الخندق وما بعدها، توفي سنة احدى أو ثلاث أو أربع وخمسين هـ بالمدينة. أسد الغابة 4/ 99.
          21- طبقات ابن سعد 1/ 270، وجذام حي كبير من القحطانية، نسبهم بجمهرة ابن حزم ص 420- 421، وسعد هذيم من بطون قضاعة ينسبون الى قحطان نسبهم بجمهرة ابن حزم ص 447 أما أبي وعنبسة ففي الصحابة عدد بهذين الاسمين، ولم يميز ابن سعد رسولي النبي بكنية أو لقب أو نسب لتعرفهما.
          22- بترجمة مالك من أسد الغابة 4/ 271، والإصابة 3/ برقم 7593، ولسان الميزان 3/ 20، وفي الأخير ورد اسمه مبارك بدلا من مالك، ومالك بن أحمر من جذام بن عدي، بطن من كهلان وكانت مساكنهم بين مدين الى تبوك ولما أسلم مالك سأل الرسول أن يكتب له كتابا يدعو قومه إلى الإسلام، فكتب له في رقعة ادم عرضها أربعة أصابع وطولها قدر شبر.
          23- هكذا في أسد الغابة ورجح عندنا هذا على ما في طبقات ابن سعد: وأعطى.
          24- بطبقات ابن سعد 1/ 304- 305، وأسد الغابة 4/ 175، والإصابة 4/ الترجمة 6960 واللفظ للأول في ذكر وفد بني البكاء وهم بطن من بني عامر من العدنانية والفجيع ابن عبد الله البكائي، ترجمته في اسد الغابة والإصابة وذكرا وفادته إلى الرسول أيضا بترجمة بشر بن معاوية بن ثور البكائي. الاصابة 1/ 160.
          25- مجموعة الوثائق السياسية لمحمد حميد الله نقلا عن الاموال لأبي عبيد ص 52، وصبح الأعشى للقلقشندي 6/ 380. والأسبذي نسبة الى قرية بهجر كان يقال لها: الاسبذ، وما قيل: انه نسبة الى الاسبذيين الذين كانوا يعبدون الخيل لا يتفق وما ورد في كتاب الرسول لعباد الله الاسبذيين فان الرسول قد نسبهم الى عبودية الله وهذا ينافي ان ينسبهم بعده الى عبادة الخيل، راجع فتوح البلدان ص 95.
          26- طباقت ابن سعد 1/ 266 وحدس بن أريش بطن عظيم من لخم من القحطانية ونسبهم بجمهرة ابن محزم ص 423.
          27- طبقات ابن سعد 1/ 270 باب ذكر بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكتبه، وفي ترجمة جنادة بأسد الغابة ا / 300 وراجع كنز العمال ط الأولى ج 5/ 320. وذكروا لجنادة الأزدي أربع تراجم: 1- لجنادة بن ابي امية. 2- لجنادة بن مالك. 3- لجنادة الأزدي وهذا لم يذكروا اسم أبيه. 4 -جنادة غير منسوب، وأوردوا هذا الخبر بترجمة الأخير ولعل الأربعة شخص واحد. راجع اسد الغابة 1/ 298-، 300.
          28- طبقات ابن سعد 1/269
          29- طبقات ابن سعد 1/269. وجرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طي نسبهم بجمهرة ابن حزام ص 400-401.
          30- روى هذا الكتاب محمد حميد الله في مجموعة الوثائق السياسية ص 142 رقم 157 عن جمع الجوامع للسيوطي. وأورد بمادة صرم قسماً من الكتاب كل من ابن الاثير في نهاية اللغة وابن منظور في لسان العرب. وجهينة بن زيد من قضاعة من القحطانية، نسبهم بجمهرة ابن حزم ص 444- 446، وذكرت المصادر الثلاثة الآنفة أن الرسول كتب الكتاب مع عمرو بن مرة الجهني ثم الغطفاني وكنيته ابو مريم. وفد الى النبي وشهد اكثر غزوات، وسكن الشام وأدرك حكومة معاوية. اسد الغابة 4/ 130، وفي الاصابة 3/ 16: انه رجع الى قومه فدعاهم الى الاسلام في سلموا ووفدوا الى رسول الله، وانه توفي في خلافة معاوية.
          31- فتوح البلدان 1/ 85، وفي سيرة ابن هشام 4/ 258- 259بلفظ آخر وكذلك في مستدرك الحاكم 1/ 395، وراجع تهذيب تاريخ ابن عساكر 6/ 273 – 274، وكنز العمال ط الأولى 6/ 169، وص 13 من الاموال لأبي عبيد. وجمير بطن عظيم من القحطانية من بني سبأ بن يشجب، سكنوا اليمن قبل الاسلام ترجمتهم بجمهرة ابن حزم ص 234 – 438 وفدوا الى النبي في السنة التاسعة هجرية، والكتاب الى الحارث بن عبد كلال والنعمان من ملوك حمير.
          32- ورد الكتاب بترجمة صيفي بن عامر من الاصابة 2/ 186 الترجمة 4111، وأشار اليه بترجمته في كل من الاستيعاب بهامش الاصابة 2/ 186، واسد الغابة 3/ 34ووصفه ابن الأثير بسيد بني ثعلبة وبنو ثطبة بن عامر بطن من بكر بن وائل من العدنانية ونسبهم بجمهرة ابن حزم ص 316 وذكرت وفادة لبني ثطبة على رسول الله في السنة الثامنة ولست أدري أكان صيفي هذا فيهم أم لا، راجع طبقات ابن سعد 1/ 298، وعيون الاثر 2/ 248.
          33- سنن ابي داود 3/ 55 الباب 20 من كتاب الخراج وسنن النسائي 2/ 179، وطبقات ابن سعد 1/ 179، ومسند 5/ 77 و78 و363، وأسد الغابة 5/ 4 و389، والاستيعاب واللفظ لأول، وفي بعض الروايات اعطيت من المغانم الخمس وص 13 من الاموال لأبي عبيد. وزهير بن اقيش في تاج العروس 4/ 280حي من عكل كتب لهم رسول الله، وفي جمهرة ابن حزم ص 480بنو عكل بن عوف بن اد بن طابخة بن الياس بن مضر.
          34- طبقات ابن سعد 1/271.
          35- راجع ترجمتها باسد الغابة.
          36- راجع طبقات ابن سعد ا / 305
          37- طبقات ابن سعد ا / 248
          38- ذكره ابن سعد في الطبقات 1/ 268.
          39- سورة التوبة: 113.
          40- سورة الأنعام: 152.
          41- سورة النساء: 8.
          42- سورة البقرة: 83، وسورة النساء: 36.
          43- سورة الحشر: 7.
          44- سورة الشورى: 27.
          45- قد يرى العلماء من بعدنا في بحثنا هذا عن ذي القربى ونظائرها توضيحاً للواضحات التي لا ينبغي صرف الوقت في شرحها ولا يعلمون ما وجدنا في عصرنا وفي أقوال نابتة عصرنا من انحراف بعيد عن فهم مصطلحات الاسلام وعقائده وأحكامه فالجأنا ذلك الى أمثال هذا الشرح والبسط.
          46- راجع تفسير آية الخمس بمجمع البيان ومادة سبل من مفردات الراغب.
          47- تفسير النيشابوري بهامش الطبري ج 10..
          48- الاموال لابي عبيد ص 325وص 14 وتفسير الطبري ج 10/ 4 واحكام القرآن للجصاص ج 3/ 60، وفي ص 61 منه بايجاز واللفظ للأول. وأبو العالية الرياحي هو رفيع بن مهران مات سنة تسين أو بعدها، أخرج حديثه اصحاب الصحاح. تهذيب التهذيب1/ 252.
          49- الاموال لابي عبيد ص 325وص 14 وتفسير الطبري ج 10/ 4 واحكام القرآن للجصاص ج 3/ 60، وفي ص 61 منه بايجاز واللفظ للأول. وأبو العالية الرياحي هو رفيع بن مهران مات سنة تسين أو بعدها، أخرج حديثه اصحاب الصحاح. تهذيب التهذيب1/ 250.
          50- تفسير الطبري ج 0 1/ 5 بسندين. وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي مولى بني أمية، اخرج حديثه اصحاب الصحاح توفي سنة: 15هـ أو بعدها، تهذيب التهذيب 1/520
          51- تفسير الطبريج ج4/10. وقتادة بن دعامة الدوسي ابو الخطاب البصري اخرج حديثه اصحاب الصحاح مات سنة بضع عشرة ومائة، تهذيب التهذيب 2/ 123.
          52- تفسير الطبري ج 10/ 6.
          53- تفسير الطبري ج 10/ 5.
          54- نفس المصدر السابق.
          55- نفس المصدر السابق.
          56- نفس المصدر السابق.
          57- تفسير النيسابوري بهامش الطبري وتفسير الطبري ج: 10/ 7. والمنهال بن عمرو االأسدي - مولاهم - الكوفي من الطبقة الخامسة، اخرج حديثه اصحاب الصحاح عدا مسلم، تهذيب التهذيب 2/ 278. وعبد الله بن محمد بن علي بن ابي طالب توفي في السام سنة 199هـ، اخرج حديثه اصحاب الصحاح، تهذيب التهذيب 2/ 448. والامام علي بن الحسين زين العابدين توفي سنة 193 هـ، اخرج حديثه اصحاب الصحاح تهذيب التهذيب 2/34.
          58- الطبري ج 10/7
          59- رجعت في هذا البحث الى مصباح الفقيه للهمداني كتاب الخمس ص 44 1 - 150، واوجزت متون الاحاديث التي استشهد بها وأوردته هنابالاضافة الى رجوعي الى الموسوعات الحديثة الأخرى.
          60- رواه ابو داود في سننه ج 2/ 0 5، والطبري في تفسيره 0 1/ 0 5، وأحمد في مسنده 4/ 81، ويختلف لفظهم مح لفظ البخاري في صحيحه 3/ 36 باب غزوة خبير، ومع لفظ النسائي في سننه 2/ 178، وباب قسمة الخمس من كتاب الجهاد في سنن ابن ماجة ص 961 والواقدي في مغازيه ص 696، وفيه ان ذلك كان باشارة جبرئيل، وابو عبيد في الاموال ص 331. وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وام امه ام حبيب بنت العاص بن امية وكان أبوه احد من قام بنقض صحيفة المقاطة، اسلم بعد الحديبية أو بعد الفتح. اسد الغابة 1/ 281.
          61- مسند أحمد 4/ 85.
          62- سنن أبي داود 2/ 51- 52، وسنن النسائي 2/ 178، ومسند أحمد 4/ 83.
          63- راجع جمهرة نسب ابن حزم ص 94.
          64- أوردناه باختصار من شرح النهج 3/ 486، وعبيدة عبيد في المتن محرف وطفيل وحصين امهم سخيلة بن خزاعي الثقفي اسلم عبيدة قبل دخول النبي دار الارقم، وكان لسن من النبي بعشر سنين وهاجر مع اخوته وابن عمهم مسطح الى المدينة في وقت واحد. وفي ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة، عقد له رسول الله أول لوا ء عقد وبعثه في سنين راكباً من المهاجرين فالتقوا مع الشركين ورئيسهم أبو سفيان بثنية المرة وبارز عبيدة عتبة الاموي ببدر فاختلفا ضربتين اثبت كل منهما صاحبه فذفف علي وحمزة على عتبة وحملا عبيدة الى رسول الله فوضع رأسه على ركبته وتوفي بالصفراء مرجعهم من بدر وعمره ثلاث وستون سنة - اسد الغابة 3/ 356، وتوفي الطفيل سنة احدى أو اثنتين وثلاثين وتوفي أخوه الحصين بعده باربعة اشهر. أسد الغابة 3/ 52. روى ابن الاثير بترجمة الحصين في أد الغابة 3/ 24 عن ابن عباس ان قوله تعالى: ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه﴾ الآية 110 من سورة الكهف نزلت في علي وحمزة وجعفر وعبيدة والطفيل والحسين بني الحارث ومسطح بن اثاثة بن عباد بن المطلب. ومسطح امه ابنة ابي رهم بن المطنب وام امه رائطة بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر قيل توفي سنة اربع وثلاتين وقيل شهد صفين مع علي وتوفي سنة 37، اسد الغابة 4/ 354.
          65- معنى بيانه في باب مواضع الخمس لدى مدرسة أهل البيت.
          66- ورد ذلك بباب الخمس في الموسوعات الحديثية والكتب الفقهية لدى مدرسة أهل البيت.
          67- راجع كتاب الخمس بمستند النراقي وغير ه.
          68- المنتهي للعلامة الحلي (ت 729هـ)ج 1/ 729.
          69- توخينا الشرح والتبسيط في هذا الكتاب وتجنبنا المصطلحات العلمية مهما امكن ليعم نفعه إن شاء الله تعالى..
          70- مسالك الإفهام ج 2/ 80.
          71- الخلاف للشيخ الطوسي ج 2/ 110، وج ا/ 358، وقريب منه لفظ مصباح الفقيه ص 19 من كتاب الخمس.
          72- تفسير القرطبي 8/ 1.
          73- تقريرات الحاج السيد حسين البروجردي زبدة المقال ص 5.
          74- سورة النساء:22.
          75- الخصال ط. وتحقيق الغفاري ص 312.




          يتبع

          تعليق


          • #20
            متعة الحج
            متعة الحج عملها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بها عن الله عز وجل، وهي مما نص الذكر الحكيم بقوله عز من قائل في سورة البقرة: ﴿ ... فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... ﴾4.

            صفة هذا التمتع

            أما صفة التمتع بالعمرة إلى الحج، فهي أن ينشئ، المتمتع بها احرامه في أشهر الحج5 من الميقات فيأتي مكة ويطوف بالبيت، ثم يسعى بين الصفا والمروة، ثم يقصر ويحل من إحرامه فيقيم بعد ذلك حلالاً، حتى ينشئ، في تلك السنة نفسها احراماً آخر للحج من مكة،

            197

            والأفضل من المسجد، ويخرج الى عرفات، ثم يفيض إلى المشعر الحرام ،ثم يأتي بأفعال الحج على ما هو مفصل في محله ،هذا هو التمتع بالعمرة إلى الحج.

            قال الامام ابن عبد البر القرطبي: لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى: ﴿... فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي...ِ﴾ هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج6. قلت: وهو فرض من نأى عن مكة بثمانية وأربعين ميلاً من كل جانب على الأصح7.

            وإنما أضيف الحج بهذه الكيفية إلى التمتع، أو قيل عنه: التمتع بالحج، لما فيه من المتعة: أي اللذة بإباحة محظورات الاحرام في المدة المتخللة بين الاحرامين وهذا ما كرهه عمر وبعض أتباعه، فقال قائلهم - كما أخرجه أبو داود في سننه8-: أنطلق وذكورنا تقطر؟.

            وفي مجمع البيان أن رجلاً قال: أنخرج حجاجاً ورؤوسنا تقطر؟ وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: إنك لن تؤمن بها أبداً9.

            وعن أبي موسى الأشعري أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك فانك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين -عمر- في

            198

            النسك بعد ك ،حتى لقيه أبو موسى بعد فسأله عن ذلك ،ففال عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد فعله هو وأصحابه ،ولكن كرهت أن يظلوا بهن معرسين في الأراك ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم10.

            وعن أبي موسى من طريق آخر أن عمر قال: هي سنة رسول الله - يعني المتعة - لكني أخشى أن يعرسوا بهن تحت الأراك ثم يروحون بهن حجاجا11.

            وعن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما قام عمر - أي بأمر الخلافة -قال: ان الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وان القرآن قد نزل منازله ،فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله12 وأبتوا نكاح هذه النساء، فإن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة13.

            وقد خطب الناس ذات يوم فقال وهو على المنبر بكل حرية وكل صراحة " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء"14.

            199

            وفي رواية أخرى15 أنه قال: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهن، وأحزمهن، وأعاقب عليهن: متعة الحج، ومتعة النساء، وحي على خير العمل.

            فصل:

            وقد أنكر عليه في ذلك أهل البيت كافة، وتبعهم في ذلك أولياؤهم جميعاً، ولم يقره عليه كثير من أعلام الصحابة وأخبارهم في ذلك متواترة.

            وحسبك منها ما أخرج مسلم في باب جواز التمتع من كتاب الحج من صحيحه16 فان فيه عن شقيق، قال: كان عثمان ينهى عن المتعة ،وكان علي يأمر بها، فقال عثمان لعلي كلمة، ثم قال علي: لقد علمت - يا عثمان - أنا تمتعنا على عهد رسول الله، فقال عثمان: أجل ولكنا كنا خائفين.

            وفيه عن سعيد بن المسيب، قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان،فكان عثمان ينهى عن المتعة والعمرة ،فقال له علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله تنهى عنه ؟ فقال عثمان: دعنا منك. فقال علي: إني لا أستطيع أن أدعك... (الحديث).

            وفيه عن غنيم بن قيس، قال: سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة، فقال: فعلناها وهذا17 كافر بالعرش.

            200

            وفيه عن أبي العلاء، عن مطرف، قال: قال لي عمران بن حصين إني لأحدثك بالحديث اليوم، ينفعك الله به بعد اليوم، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل أية تنسخ ذلك ،ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه، ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي.

            وفيه عن حميد بن هلال، عن مطرف، قال: قال لي عمران بن حصين أحدثتك حديثاً عسى الله أن ينفعك به، ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه.. الحديث.

            وفيه عن قتادة، عن مطرف، قال: بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال: إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي، فان عشت فاكتم عني، وإن مت فحدث بها إن شئت، واعلم أن نبي الله قد جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال رجل فيها برأيه ما شاء. وفيه من طريق أخر، عن قتادة عن مطرف بن الشخير، عن عمران بن حصين، قال: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينهنا عنها. قال فيها رجل برأيه ما شاء.

            وفيه من طريق عمران بن مسلم، عن أبي رجاء، قال: قال عمران بن حصين: نزلت أية المتعة في كتاب الله، يعني متعة الحج، فأمرنا بها

            201

            رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم ينزل آية تنسخ أية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله حتى مات. قال رجل برأيه بعد ما شاء.

            قلت: ولهذا الحديث طرق أخرى في صحيح مسلم، عن عمران بن حصين اكتفينا عنها بما أوردناه، وقد أخرجه البخاري أيضاً عن عمران بن حصين في باب التمتع من كتاب الحج من صحيحه فراجعه في ص 187 من جزئه الأول.

            وفيما جاء في التمتع من موطأ مالك18 عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب: أنه سمع سعد بن أبي وقاص ،والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان، وهما يذكران التمتع بالعمرة الى الحج، فقال الضحاك بن قيس: لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله عز وجل، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك، فقال سعد: قد صنعها رسول الله وصنعاها معه19.

            وفي مسند الامام أحمد من حديث ابن عباس20 قال: تمتع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: ما يقول عرية21. قال: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال

            202

            ابن عباس: أراهم سيهلكون. أقول: قال النبي، ويقولون نهى أبو بكر وعمر22.

            وعن أيوب قال: عروة لابن عباس: ألا تتقي الله ؟ ترخص في المتعة ؟! قال ابن عباس: سل أمك يل عرية. قال عروة: أما أبو بكر وعمر فلم يفعلاها، فقال ابن عباس: الله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله تعالى، نحدثكم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحدثوننا عن أبي بكر وعمر... الحديث23 .

            وفي باب متعة الحج من كتاب النكاح من صحيح مسلم24 عمن سأل ابن عباس عن متعة الحج فرخص يها،وكان ابن الزبير ينهى عنها،فقال ابن عباس: هذه أم ابن الزبير تحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص فيها فادخلوا عليها، قال: فدخلنا عليها فماذا هي امرأة ضخمة عمياء، فقالت:قد رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها.

            وفي صحيح الترمذي25 أن عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج ،قال: هي حلال، فقال له السائل: ان أباك قد نهى عنها، فقال: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال الرجل بل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إلى

            203

            كثير من أمثال هذه الصحاح الصراح في إنكار النهي عنها.

            على أن في حجة الودع بلاغاً لقوم يؤمنون، فراجع حديثها في باب حجة النبي من صحيح مسلم26 تجده صلى الله عليه وآله وسلم قد أعلنها على رؤوس الأشهاد، وكانوا أكثر من مائة الف رجالاً ونساءً من امته قد اجتمعوا ليحجوا معه من سائر الأقطار، وحين أعلن ذلك قام سراقة بن مالك بن خثعم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا التمتع أم للأبد ؟ فشبك أصابعه واحد بعد الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج، دخلت العمرة في الحج لأبد أبد.

            وقدم علي من اليمن ببدن النبي فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فذهبتُ إلى رسول الله مستفتياً فأخبرته، فقال: صدقت صدقت... الحديث
            204

            هوامش
            1- أي فعليه ما تيسر له من الهدي.
            2- آي فمن لم يجد الهدي ولا ثمنه فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج هي يوم السابع من ذي الحجة ويوم الثامن منه وهو يوم التروية ويوم التاسع وهو يوم عرفة، وان صام أول العشرة جاز له ذلك رخصة، وان صام يوم التروية ويوم عرفة قضى يوماً آخر بعد انقضاء أيام التشريق، وان فاته صوم يوم عرفة أيضاً صام الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق متتابعات.
            3- آي رجعتم إلى بلادكم.
            4- سورة البقرة: 196، أي ذلك الذي تقدم ذكره حول التمتع بالعمرة الى الحج ليس لأهل مكة ومن يجري مجراهم في القرب اليها كما بيناه في الأصل.
            5- وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة.
            6- نقل الفاضل النووي هذا القول عن ابن عبد البر في بعض بحثه عن حج التمتع من شرحه لصحيح مسلم، وشرح مسلم مطبوع على هامش شرحي البخاري فراجع منه ما هو في هامش ص 46 من الجزء السابع من الشرحين.
            7- الأخبار الصحيحة الدالة عليه، وقيل يعتبر بعده عن مكة باثني عشر ميلاً من كل جانب حملا للثمانية والأربعين على كونها موزعة على الجهات الأربع.
            8- سنن أبي داود مطبوعة في هامش شرح الزرقاني لموطىء مالك وهذا الحديث تجده بعين لفظه في هامش ص 103 من الجزء الثاني من شرحالزرقاني، فراجع.
            9- راجع تفسير الآية 195من سورة البقرة من المجمع فمن تمتع بالعمرة إلى الحج.
            10- أخرجه الامام أحمد من حديث عمر في ص 50من الجزء الأول من مسنده.
            11- أخرجه الامام أحمد من حديث عمر في ص 49 من الجزء الأول من مسنده.
            12- ما أدري والله ما المراد بهذا الكلام فهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتم الحج والعمرة على خلاف ما أمر الله ؟ !. وهل كان هو ومخاطبوه أعرف منه صلى الله عليه وآله وسلم بأوامر الله ونواهيه ؟ !.
            13- راجع من صحيح مسلم الباب في المتعة بالحج ص 467 من جزئه الأول تجد هذا الحديث وتجد بعده بلا فصل حديثا آخر هو أصرح في زجره عن التمتع بالعمرة الى الحج.
            14- هذا القول مستفيض عنه ( وقد نقله الامام الرازي حول تفسير قوله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة الى الحج) من سورة البقرة، ونقله ايضا في تفسير قوله عز من قال: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهنَّ) من سورة النساء فراجع.
            15- أرسلها الامام القوشجي ارسال المسلمات فراجعها في أواخر مباحث الامامة من كتابه (شرح التجريد) وهو من أئمة المتكلمين من الاشاعرة، وقد اعتذر بأن هذا القول إنما كان من عمر عن اجتهاد.
            16- ص 472وما بعدها الى ص 475من جزئه الأول فراجع.
            17- الاشارة (بهذا) الى معاوية بن أبي سفيان إذ كان حينئذ ينهى عن المتعة بالعمرة إلى الحج تبعاً لعمر وعثمان، والمراد بالكفر هنا دين الجاهلية كما صر ح به القاضي عياض فيما نقله النووي عنه في تعليقته على هذا الحديث من شرحه للصحيح. قال: والمراد بالمتعة العمرة التي كانت سنة سبع للهجرة. قال: وكان معاوية يومئذ كافراً، وإنما أسلم بعد ذلك عام الفتح. وفي قوله وهذا كافر بالعرش مضاف اليه محذوف تقديره وهذا كافر برب العرش.
            18- ص 130 من جزئه الأول.
            19- ان للزرقاني في ص 178 من الجزء الثاني من شرحه لموط مالك كلاما في شرح هذا الحديث لا يستغني عنه الباحثون فليراجع، صرَّح فيه بأن صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصنع أصحابه معه هو الحجة المقدمة على الاستنباط بالرأي.
            20- ص 337 من جزئه الأول.
            21- تصغير عروة.
            22- هذا الحديث اخرجه الامام ابن عبد البر النمري الاندلسي القرطبي في سفره الجليل - جامع بيان العلم وفضله - فراجع منه باب فضل السنة ومباينتها لأقاويل علماء. وراجع هذا الباب من مختصره للعلامة المحمصاني البيروتي ص 226.
            23- راجعه في الباب المذكور في التعليقة من كل من كتاب جامع بيان العلم ومختصره.
            24- تجد هذا الحديث في الباب الذي عنوانه (باب في متعة الحج) من كتاب الحج ص 479من جزئه الأول، وبعد هذا الحديث حديث هو أصرح منه فليراجع.
            25- ص 157 من جزئه الأول.
            26- فواجعه في ص 467وما بعدها الى ص 470 من جزئه الاول تجد ثمة فوائد جمة لا يستغني عنها الباحثون. وممن أنكرها المأمون أيام خلافته كما في ترجمة يحي بن أكثم لابن خلكان وأمر ان ينادي بتحليلها فدخل عليه محمد بن منصور وابو العيناء فوجداه يستاك ويقول وهو متغيظ: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهد ابي بكر وأنا أنهى عنهما ! قال: ومن انت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول الله وأبو بكر؟ ! فأراد محمد بن منصور أن يكلمه فأومأ إليه أبو العيناء وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن ؟ ! فلم يكلماه، قال: ودخل عليه يحي بن أكثم فخلا به وخوفه من الفتنة، إلى آخر ما قال ابن خلكان في وفياته.


            يتبع

            تعليق


            • #21
              نكاح المتعة وفيه فصول
              1 - حقيقته هذا نكاح

              إنما حقيقته أن تزوجك المرأة الحرة الكاملة المسلمة أو الكتابية نفسها، حيث لا يكون لك مانع في دين الإسلام عن نكاحها، من نسب أوسبب أو رضاع أو احصان أو عدة، أو غير ذلك من الموانع الشرعية،ككونها معقوداً عليها لأحد آبائك، وإن كان قد طلقها أو مات عنها قبل الدخول بها، وككونها أختاً لزوجتك مثلاً أو نحو ذلك.

              تزوجك هذه المرأة نفسها بمهر مسمى إلى أجل مسمى، بعقد نكاح جامع لشرائط الصحة الشرعية، فاقد لكل مانع شرعي كما سمعت فتقول لك بعد تبادل الرضا والاتفاق بينكما: زوجتك أو أنكحتك أو متعتك نفسي بمهر قدره كذا يوماً أو يومين أو شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين مثلاً، أو تذكر مدة أخرى معينة على الضبط فتقول أنت لها على الفور: قبلت، وتجوز الوكالة في هذا العقد من كلا الزوجين كغيره من العقود،وبتمامه تكون زوجة لك، وأنت تكون زوجاً لها، إلى منتهى الأجل المسمى في العقد، وبمجرد انتهائه تبين من غير طلاق كالاجارة، وللزوج فراقها قبل انتهائه بهبة المدة المعينة لا بالطلاق- عملاً بنصوص خاصة

              205

              حاكمة بذلك، ويجب عليها مع الدخول بها1 أن تعتد بعد هبة المدة أو انقضائها بقرأين، إذا كانت ممن تحيض، وإلاَّ فبخمسة وأربعين يومأ كالأمة، عملاً بأدلة خاصة تحكم بذلك.

              فإذا وهبها المدة أو انقضت قبل أن يمسها فما له عليها من عدة،كالمطلقة قبل المس2 وأولات الاحمال في المتعة أجلهن أن يضعن حملهن كالمطلقات، أما عد ة المتوفى عنها زوجها في نكاح المتعة فهي عدة المتوفى عنها زوجها في النكاح الدائم مطلقاً3.

              وولد المتعة ذكراً كان أو أنثى يلحق بأبيه ولا يدعى إلاَّ له كغيره من الأبناء والبنات، وله من الارث ما أوصانا الله به سبحانه بقوله عز من قائل: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ... ﴾4 ولا فرق بين ولديك المولود أحدهما منها والآخر من النكاح الدائم، وجميع العموميات الشرعية الواردة في الأبناء والآباء والأمهات شاملة لأبنا، المتعة وآبائهم وأمهاتهم، وكذا القول في العمومات الواردة من الأخوة والأخوات وأبنائهما، والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبنائهم ﴿... وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ ...﴾5 مطلقاً.

              نعم نكاح المتعة بمجرده لا يوجب توارثاً بين الزوجين ولا ليلة، ولا

              206

              نفقة للتمتع بها، وللزوج أن يعزل عنها، عملاً بأدلة خاصة العمومات الواردة في هذه الأمور من أحكام الزوجات.

              هذا نكاح المتعة بكنهه وهذه متعة النساء بحقيقتها، وهذا هو محل النزاع بيننا وبين الجمهور.

              2 - جماع الأمه على اشتراعه

              أجمع أهل القبلة كافة على أن الله تعالى شرع هذا النكاح في دين الاسلام، وهذا القدر مما لا ريب فيه لأحد من علماء المذاهب الإسلامية على اختلافهم في المشارب والمذاهب والآراء، بل لعل هذا ملحق - عند أهل العلم - بالضروريات مما ثبت عن سيد النبيين صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينكره أحد من علما، أمته، ومن ألم بما يقوله أهل المذاهب الإسلامية كلهم في حكم هذا النكاح مستقرئاً فقه الجميع، علم أنهم متصافقون على أصل مشروعيته وإنما يدعون نسخه كما ستسمعه إن شاء الله تعالى.

              3- دلالة الكتاب على اشتراعه

              حسبنا حجة على اشتراعه: قوله تعالى في سورة النساء: ﴿... فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ...﴾6 إذ أجمع أئمة أهل البيت وأولياؤهم على نزولها في نكاح المتعة، وكان أبي بن كعب، وابن عباس وسعيد بن جبير، والسدي، يقرأونها: ﴿فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى﴾7 وصرح عمران بن حصين الصحابي بنزول هذه الآية في

              207

              المتعة، وأنها لم تنسخ حتى قال رجل برأيه ما شاء8، ونص على نزول الآية في المتعة مجاهد أيضاً فيما أخرجه عنه الطبري في تفسيره الكبير9.

              ويشهد لذلك أن الله سبحانه قد أبان في أوائل السورة حكم النكاح الدائم بقوله عز من قائل: ﴿... فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ...﴾10 إلى أن قال: ﴿وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ...﴾11 فلو كانت هذه الآية في بيان "الدائم" أيضا للزم التكرار في سورة واحدة، أما إذا كانت لبيان المتعة فإنها تكون لبيان معنى جديد، وأولو الألباب ممن تدبروا القرآن الحكيم علموا أن سورة النساء قد اشتملت على بيان الأنكحة الإسلامية كلها، فالدائم وملك اليمين تبينا بقوله تعالى: ﴿... فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ﴾12 ونكاح الاماء مبين بقوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ...﴾13 إلى أن قال: ﴿...فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ

              208

              وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...﴾14 والمتعة مبينة بآيتها هذه ﴿... فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ...﴾

              4- اشتراعه بنصوص السنن

              حسبنا من السنة في هذا الباب: صحاح متواترة عن أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام وقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم في اشتراع هذا النكاح صحاحاً كثيرة عن كل من سلمة بن الأكوع، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وأبي ذر الغفاري، وعمران بن حصين، والأكوع بن عبد الله الأسلمي، وسبرة بن معبد، وأخرجها أحمد بن حنبل في مسنده من حديث هؤلاء كلهم ومن حديث عمر، وحديث ابنه عبد الله، وأخرج مسلم في باب نكاح المتعة من كتاب النكاح من الجزء الأول من صحيحه عن جابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ان رسول الله أذن لكم أن تستمتعوا، يعني متعة النساء، انتهى بلفظه. والصحاح في هذا المعنى أكثر من أن تستقصى في هذا الاملاء.

              5- القائلون بنسخه وحجتهم والنظر فيها

              قال أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من فقهاء الجمهور بنسخ هذا النكاح وتحريمه محتجين بأحاديث أخرجها الشيخان في صحيحيهما، وقد أمعنا فيها متجردين متحررين فوجدنا فيها من التعارض في وقت صدور النسخ ما لا يمكن الوثوق بها، فإن بعضها صريح بأن النسخ كان يوم خيبر، وفي بعضها أنه كان يوم الفتح، وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك، وفي بعضها أنه كان في حجة الوداع، وفي بعضها أنه كان في

              209

              عمرة القضاء، وفي بعضها أنه كان عام أوطاس، على أنها تناقض ما ستسمعه من صحاح البخاري ومسلم الدالة على عدم النسخ، وأن التحريم والنهي إنما كانا من الخليفة الثاني ببادرة بدرت على عهده من عمرو بن حريث، وكان الصحابة قبلها يستمتعون على عهد الخليفتين، كما كانوا يستمتعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وستسمع كلام عمران بن حصين، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأمير المؤمنين فتواه صريحاً بأن التحريم لم يكن من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما كان بنهي عمر، ومحال أن يكون هناك ناسخ يجهله هؤلاء وهم من علمت مكانتهم في العلم ومنزلتهم من رسول الله وملازمتهم إياه صلى الله عليه وآله وسلم. على أنه لو كان ثمة ناسخ لنبههم إليه بعض الواقفين عليه، وحيث لم يعارضهم أحد فيما كانوا ينسبونه من التحريم إلى عمر نفسه، علمنا أنهم أجمع معترفون بذلك، مقرون بأن لا ناسخ من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

              على أن الخليفة الثاني نفسه لم يدع النسخ كما ستسمعه من كلامه الصريح في اسناد التحريم والنهي إلى نفسه، ولو كان هناك ناسخ من الله عز وجل أو من رسوله لأسند التحريم إلى الله تعالى أو إلى الرسول، فإن ذلك أبلغ في الزجر وأولى بالذكر.

              وظني أن المتأخرين عن زمن الصحابة وضعوا أحاديث النسخ تصحيحا لرأي الخليفة، إذ تأول الأدلة فنهى وحرم متوعدا بالعقوبة، فقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما: متعة الحج، ومتعة النساء.

              ومن غريب الأمور دعوى بعض المتأخرين أن نكاح المتعة منسوخ

              210

              بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾15 بزعم أن المتمتع بها ليست زوجة ولا ملك يمين، قالوا: أما كونها ليست بملك يمين فمسلم، وأما كونها ليست بزوجة فلأنها لا نفقة لها ولا إرث ولا ليلة.

              والجواب: أنها زوجة شرعية بعقد نكاح شرعي كما سمعت، وعدم النفقة والارث والليلة فإنما هو لأدلة خاصة خصصت العمومات الواردة في أحكام الزوجات كما بيناه سابقاً.

              على أن هذه الآية مكية نزلت قبل الهجرة بالاتفاق، فلا يمكن أن تكون ناسخة لاباحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة بالاجماع.

              ومن عجيب أمر هؤلاء المتكلفين أن يقولوا بأن آية "المؤمنون" ناسخة لمتعة النساء، إذ ليست بزوجة ولا ملك يمين، فإذا قلنا لهم: ولم لا تكون ناسخة لنكاح الإماء المملوكات لغير الناكح وهن لسن بزوجات للناكح ولا بملك له، قالوا حينئذ: إن سورة "المؤمنون" مكية، ونكاح الاماء المذكورات إنما شرع بقوله تعالى في سورة النساء وهي مدنية: ﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾16 والمكي لا يكون ناسخاً للمدني، لوجوب تقدم المنسوخ على الناسخ، يقولون هذا القول وينسون أن المتعة إنما شرعت في المدينة، وأن آيتها في سورة النساء أيضا، وقد منينا بقوم لا يتدبرون فإنا لله وإنا إليه راجعون.

              211

              6- صحاح تنم على الخليفة

              أخرج مسلم - في باب المتعة بالحج والعمرة من صححه17 -بالاسناد إلى أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها، فذكر ذلك لجابر، فقال: على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قام عمر18 قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاءفأتموا الحج والعمرة وأبنوا نكاح هذه النساء فلو أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلآ رجمته بالحجارة 19.

              وهذا ما أخرجه أحمد بن حنبل من حديث عمر في مسنده20 عن أبي نضرة أيضاً، ولفظه عنده ما يلي: قال أبو نضرة: قلت لجابر: إن ابن الزبير ينهى عن المتعة، وان ابن عباس يأمر بها، فقال لي: على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر، فلما ولي عمر21 خطب الناس فقال: ان القرآن هو القرآن، وان رسول الله هو الرسول، وانهما

              212

              كانتا " متعتان " على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحداهما متعة الحج والأخرى متعة النساء22.

              وهذا صريح فصحيح في أن النهي إنما كان منه بعد ولايته وقيامه بأمر الخلافة.

              ومثله حديث عطا ء، فيما أخرجه مسلم في باب نكاح المتعة من صحيحه23 - قال: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر.

              وحديث أبي الزبير - كما في الباب المذكور من صحيح مسلم - قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع24 بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.

              وفي الباب المذكور من صحيح مسلم أيضاً عن أبي نضرة. قال: كنت عند جابر فأتاه آت فقال: ان ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهم25 على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نهانا عنهما عمر.

              وقد استفاض قول عمر على المنبر: متعتان كانتا على عهد

              213

              رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما26، متعة الحج ومتعة النساء. حتى نقل الرازي هذا القول عنه محتجاً به على تحريم متعة النساء، فراجع ما حول آيتها من تفسيره الكبير.

              وهذا متكلم الأشاعرة وأمامهم في المعقول والمنقول (القوشجي) يقول في أواخر مبحث الإمامة من سفره الجليل - شرح التجريد -: إن عمر قال وهو على المنبر: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أنهي عنهن وأحرفهن وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل، وقد اعتذر عنه بأنه هذا كان اجتهاداً منه وعن تأول، والأخبار في هذا ونحوه مما يضيق عنه وسع هذا الاملاء.

              وقد استمتع على عهد عمر ربيعة بن أمية بن خلف الثقفي أخو صفوان فيما أخرجه مالك - في باب نكاح المتعة من الموطأ - عن عروة الزبير قال: ان خولة بنت حكيم السلمية دخلت على عمر وقالت له: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر يجر رداءه فقال: هذه المتعة لو كنت تقدمت لرجمت. أي لو كنت تقدمت في تحريمها والانذار برجم فاعلها قبل هذا الوقت لرجمت ربيعة والمرأة التي استمتع بها، إذ كان هذا القول منه قبل نهيه عنها، نص على ذلك ابن عبد البر فيما نقله الزرقاني عنه في شرح الموطأ27 ولا يخفى ظهور هذا الكلام في أن التصرف في حكم المتعة إنما هو منه لا من سواه.

              7- المنكرون عليه

              أنكر عليه علي أمير المؤمنين ع 15 ند بلوغهما إلى آية المتعة من

              214

              تفسيريهما الكبيرين، إذ أخرجا بالاسناد إليه أنه قال: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاَّ شقي.

              وأنكر عليه ابن عباس نقال28: ما كانت المتعة إلاَّ رحمة رحم الله بها أمة محمد لولا نهيه - أي عمر - عنها ما احتاج إلى الزنى إلا شقي – أي قليل من الناس - كما فسرها ابن الأثير في مادة شفى بالفاء من النهاية، وكان ابن عباس يجاهر بإباحتها، وله في ذلك مع ابن الزبير- حتى في أيام إمارته -حكايات هول المقام بذكرها29.

              وأنكر عليه جابر كما سمعت من حديثه في ذلك.

              وأنكر عليه ابنه عبد الله كما هو ثابت عنه، وقد أخرج الامام أحمد في ص 95من الجزء الثاني من مسنده من حديث عبد الله بن عمر قال – وقد سئل عن متعة النساء -: والله ما كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زانين ولا مسافحين. ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله يقول: ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر.

              وسئل مرة أخرى عن متعة النساء فقال - كما عن صحيح الترمذي30-: هي حلال. فقيل له: إن أباك نهى عنها. فقال: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي؟!

              وأنكر عليه عبد الله بن مسعود كما هو معلوم عنه، وقد أخرج

              215

              الشيخان في صحيحيهما واللفظ للبخاري31 عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل معين، ثم قرأ علينا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾32. وأنت تعلم ما في تلاوة الآية من الإنكار الشديد على تحريمها كما صر ح بها شارحو الصحيحين.

              وأنكر عليه عمران بن حصين فيما استفاض عنه، وقد نقل الرازي33 عنه أنه قال: أنزل الله في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء. قال الرازي: يريد عمر.

              وأخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: نزلت أية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينه عنها حتى مات، ثم قال رجل برأيه ما شاء.

              وأخرج أحمد في مسنده، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله، وعملنا بها مع رسول الله، فلم تنزل آية بنسخها، ولم ينه عنها النبي حتى مات.

              وأمر المأمون أيام خلافته أن ينادي بتحليل المتعة، فدخل عليه محمد بن منصور وأبو العيناء فوجداه يستاك ويقول - فيما نقله ابن

              216

              خلكان –34 وهو متغيظ: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما. قال: ومن أنت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر، فأراد محمد بن منصور أن يكلمه، فأومأ إليه أبو العيناء وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن ؟ ! فلم يكلماه، ودخل عليه يحيى بن أكثم فخلا به وخوفه من الفتنة وذكر له أن الناس يرونه قد أحدث في الاسلام بهذا النداء حدثاً عظيماً يثير العامة والخاصة، إذ لا فرق عندهم بين النداء بإباحة المتعة والنداء بإباحة الزنى، ولم يزل به حتى صرف عزيمته إشفاقاً على ملكه ونفسه.

              وممن استنكر حرمة المتعة وأباحها وعمل بها عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبو خالد المكي المولود سنة ثمانين والمتوفي سنة تسع وأربعين ومائة وكان من أعلام التابعين، ترجمه ابن خلكان في وفياته، وابن سعد في ص 361 من الجزء 5 من طبقاته، وقد احتج به أهل الصحاح وترجمه ابن القيسراني في ص 14 3من كتابه (الجمع بين رجال الصحيحين) وأورده الذهبي في ميزانه فذكر أنه تزوج نحواً من تسعين امرأة بنكاح المتعة وأنه كان يرى الرخصة في ذلك قال: وكان فقيه أهل مكة في زمانه.

              8- رأى الامامية في المتعة

              أجمع الامامية - تبعاً لأئمتهم الاثني عشر عليهم السلام- على دوام حلها، وحسبهم حجة على ذلك: ما قد سمعته من اجماع أهل القبلة على أن الله تعالى شرعها في دينه القويم، وأذن في الإذن بها منادي نبيه العظيم، ولم يثبت نسخها عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انقطع الوحي باختيار

              217

              الله تعالى لنبيه دار كرامته، بل ثبت عدم نسخها بنصوص صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة، فراجعها في مظانها من وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة. على أن في صحاح أهل السنة وسائر مسانيدهم نصوصاً صريحة في بقاء حلها واستمرار العمل بها على عهد أبي بكر وشطر من عهد عمر حتى صدر منه النهي عنها في شأن عمرو بن حريث، وحسبك من ذلك ما أوردناه في هذه العجالة، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
              218

              هوامش
              1- وعدم بلوغها من اليأس الشرعي.
              2- ولا عدة على من بلغت سن اليأس كالمطلقة أيضاً.
              3- سواء أكانت مدخولاً بها أم لا وسواء أكانت يائساً أم لا وسواء أكانت حبلى أم حائلاً. وعدة الحبلى إذا مات عنها زوجها في كلا النكاحين، أبعد الأجلين وهما: وضح الحمل ومضي المدة وهي أربعة أشهر وعشر بعد علمها بموت الزوج.
              4- سورة النساء: 11.
              5- سورة الأحزاب: 6.
              6- سورة النساء: 24
              7- أخرج ذلك عنهم غير واحد من الأعلام كالإمام الطبري حول الآية من أوائل الجزء الخامس من تفسيره الكبير، والزمخشري أرسل هذه القراء ة في كشافه عن ابن عباس ارسال المسلمات ونقل عياض عن المازري - كما في أول باب نكاح المتعة في شرح صحيح مسلم للامام النووي -: ان ابن مسود قرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل، والرازي ذكر في تفسير الآية أنه روى عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن قال: وهذا أيضاً هو قراءة ابن عباس. قال: والأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة. قال: فكان ذلك اجماعاً من الأمة على صحة هذه القراء ة إلى آخر كلامه في ص 201 من الجزء 3 من تفسيره الكبير.
              8- على كلامه في هذا الشأن قريباً.
              9- راجع ص 9 من جزئه الخامس.
              10- سورة النساء: 3.
              11- سورة النساء: 4.
              12- سورة النساء: 3.
              13- سورة النساء: 26.
              14- سورة النساء: 26.
              15- سورة المؤمنون: 5،6
              16- سورة النساء:26.
              17- صفحة 467من جزئه الأول طبع مصر سنة 1306.
              18- أي فلما قام بأمر الخلافة، وهذا صريح بان هذه الأحداث: النهي والتحريم والانذار لم تكن من قبل.
              19- الرجم حد من حدود الله عز وجل لا يشترعه إلاَّ نبي، على أن القائل بالمتعة مستنبط اباحتها من الكتاب والسنة، فإن كان مصيباً فبهما اخذ، وان كان مخطئاً فإنما هو مشتبه لا حد عليه لو فعلها، فإن الحدود تدرأ بالشبهات.
              20- صفحة 52من جزئه الأول.
              21- هذا صريح بأن تحريم المتعة الذي أشاد به الخليفة في خطابه لم يكن قبل ولايته على الناس.
              22- لا مندوحة عن قبول روايته إذ قال: كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما تحريمه إياهما فلرأي رآه.
              23- صفحة 535 من جزئه الأول.
              24- الظاهر من قوله: كنا نتمتع أن سيرة الصحابة كانت مستمرة على ذلك بعلم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر قبل نهيه.
              25- فعلناهما ظاهر باستمرار سيرتهم على فعلها كقوله السابق نستمتع وكقوله استمتعنا.
              26- لا يخفى ظهوره في أن النبي إنما هو منه لا من الله تعالى ولا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
              27- حيث يشرح هذا الحديث في الموطأ.
              28- فيما رواه عنه أبن جريج وعمر بن دينار.
              29- ألفتك إلى ما كان منها في صفحة 489من المجلد 4من شرح نهج البلاغة الحميدي أحمد يدي حيث ترجم ابن الزبير أثناء شرحه لقول أمير المؤمنين عليه السلام: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم.
              30- نقله عن الترمذي كل من العلامة في نهج الصدق والشهيد الثاني في مبحث المتعة من روضته
              31- في الصفحة الثانية أو الثالثة من كتاب النكاح فراجع.
              32- سورة المائدة: 87.
              33- أثناء بحثه عن حكم متعة النساء حول آيتها من تفسيره الكبير.
              34- في ترجمة القاضي يحيى بن أكثم.



              يتبع

              تعليق


              • #22
                تزويج زوجة المفقود
                قال الفاضل الدواليبي1: وكذلك اجتهد عمر في زوجة المفقود حيث حكم بأن لزوجة المفقود بعد أن يمضي أربع سنوات على فقدانه أن تتزوج بعد أن تقضي عدتها، وإن لم يثبت موت زوجها، وذلك دفعاً لضرر بقاء الزوجة مطلقة مدى العمر.
                قال: وبذلك أخذ الامام مالك خلافاً لمذهب الحنفية والشافعية الذين قالوا ببقاء الزوجة في عصمة زوجها المفقود حتى تثبت وفاته آو تموت أقرانه، لان الأصل النظري في ذلك اعتبار الاستمرار في حياته حتى يقوم دليل على اتقطاعها.
                قال: غير أن عمر رضي الله عنه أجدر بالاعتبار لما فيه من دفع ضرر ظاهر عن زوجة المفقود، وفيه كما نرى اطلاق النكاح لها خلافاً لظواهر نصوص الشريعة التي أخذ بها بقية الأئمة.
                قال: وما هذا إلا تغيير للاحكام تبعاً للأحوال، وذلك تقدير لظروف خاصة لا بد من تقديرها دفعاً للضرر والحرج، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لاضرر ولا ضرار. وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿... هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ...﴾2، قال: وليس ذلك فى الحقيقة تعطيل للنصوص بل إعمال لها على ضوء المصلحة والظروف، انتهى بلفظه.
                219
                قلت أما نحن الامامية فان لدينا عن أئمة العترة الطاهرة نصوصاً تحكم على الأصل النظري في ذلك، لتريحها بأن المفقود إذا جهل خبره، وكان لزوجته من ينفق عليها، وجب عليها التربص إلى أن يحضر، أو تثبت وفاته، أو ما يقوم مقامهما. وإن لم يكن ثمة من ينفق عليها فلها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فإن فعلت بحث الحاكم عن أمره أربع سنين من حين رفع أمرها إليه، في الجهة التي فقد فيها إن كان معينة وإلاَّ ففي الجهات الأربع، ثم يطلقها الحاكم نفسه، أو يأمر الولي، والأحوط تقديم أمر الولي به فإن امتنع طلق الحاكم لأنه مدلول الأخبار الصحيحة، وإنما يصح هذا الطلاق بعد المدة، ورجوع الرسل أو ما في حكمه، وتعتد بعده عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، وتحل بعد العدة للزواج، فإن جاء المفقود في العدة فهو أملك بها، وإلاَّ فلا سبيل له عليها، سواء أوجدها قد تزوجت أم لا. هذا مذهب الامامية في المسألة تبعاً لأئمتهم عليهم السلام.
                220
                هوامش
                1- في ص241والتي بعدها من كتابه أصول الفقه.
                2- سورة الحج، الآية: 78.
                يتبع

                تعليق


                • #23
                  الطلاق وما أحدثوا فيه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
                  وذلك أن الطلاق الثلاث الذي لا تحل المطلقة بعده لمطلقها إلاَّ بالمحلل الشرعي المعروف، إنما هو الطلاق الثالث، المسبوق برجعتين مسبوقتين بطلاقين، وذلك بأن يطلقها أولاً ثم يرجعها، ثم يطلقها ثانياً ثم يرجعها، ثم يطلقها ثالثأ وحينئذ لا تحل له حتى تأتي بالمحلل المعلوم. هذا هو الطلاق الثلاث الذي لا تحل المطلقة بعد لمطلقها حتى تنكح زوجاًغيره، وبه جاء التنزيل: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ...﴾1 إلى أن قال عز من قائل: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾2.

                  وإليك ما قاله أئمة العربية في تفسيرها، واللفظ للزمخشري في كشافه جعله كشرح مزجي، قال: ﴿الطَّلاَقُ﴾ بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم ﴿مَرَّتَانِ﴾ أي التطليق ألشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والارسال دفعة واحدة. ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن أراد التكرير كقوله: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾3 أي كرة بعد كرة. إلى أن قال: وقوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ تخيير لهم - بعد أن علمهم كيف يطلقون - بين أن يمسكوا النساء بحسن العشرة

                  221

                  والقيام بواجبهن، وبين أن يسرحوهن السراح الجميل الذي لهن عليهم. قال: وقيل معناه الطلاق الرجعي مرتان - مرة بعد مرة - لأنه لا رجعة بعد الثلاث.. إلى أن قال: ﴿فَإِن طَلَّقَهَ﴾ الطلاق المذكور الموصوف بالتكرار في قوله تعالى: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ﴾ واستوفى نصابه أو فإن طلقها مرة ثالثة بعد المرتين ﴿فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ﴾ أي بعد ذلك التطليق ﴿حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾... الخ.

                  قلت: هذا هو معنى الآية وهو المتبادر مها إلى الأذهان وبه فسرها المفسرون كافة، ولا يمكن أن يكون قوله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ﴾ متناولاَ لقول القائل لزوجته (أنت طالق ثلاثاً) إلاَّ أن يكون قبل ذلك قد تكرر منه طلاقها مرتين بعد كل مرة منهما رجعة كما لا يخفى.

                  لكن عمر رأى أيام خلافته تهافت الرجال على طلاق أزواجهم ثلاثاً بانشاء واحد فألزمهم بما ألزموا به أنفسهم عقوبة أو تأديباً، والسنن صريحة في نسبة ذلك اليه.

                  وحسبك منها ما عن طاووس من أن أبا الصهباء قال لابن عباس:هات من هناتك ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأبي بكر واحدة ؟ فقال: قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم. انتهى بلفظ مسلم في صحيحه4.

                  وعن ابن عباس من عدة طرق كلها صحيحة، قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث

                  222

                  واحدة، فقال عمر بن الخطاب: أن الناس قد استعجلوا في أمر قد كان لهم فيه أناة، فلو أمضياه عليهم، فأمعناه عليهم. انتهى بلفظ مسلم في صحيحه5.

                  وأخرجه الحاكم في مستدركه مصرحاً بصحته على شرط الشيخين ،وأورده الذهبي في تلخيص المستدرك معترفاً بصحته على شرطهما أيضا6.

                  وأخرجه الامام أحمد من حديث ابن عباس في مسنده7.ورواه غير واحد من أصحاب السنن وإثبات السنن8.

                  ونقله العلامة الشيخ رشيد رضا في ص 210 من المجلد الرابع من مجلته " المنار" عن كل من أبي داود والنسائي والحاكم والبيهقي، ثم قال - ما هذا لفظه -: ومن قضاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخلافه ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس9 قال: طلق ركانة زوجته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: طلقها؟ قال: ثلاثاً. قال صلى الله عليه وآله وسلم: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت.

                  وأخرج النسائي من رواية مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن محمود بن لبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً

                  223

                  فقام صلى الله عليه وآله وسلم غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ! حتى قام رجل، فقال يارسول الله ألا تقتله10؟ إلى آخر ما جاء من السنن الصحيحة صريحاً في ذلك، ولذا ترى علماء الاسلام واثباتهم يرسلونه إرسال المسلمات.

                  وحسبك منهم الاستاذ الكبير خالد محمد خالد المصري المعاصروقد قال في كتابه" الديمقراطية": ترك عمر بن الخطاب النصوص الدينية المقدسة من القرآن والسنة عندما دعته المصلحة لذلك، فبينا يقسم القرآن للمؤلفة قلوبهم حظاً من الزكاة ويؤديه الرسول وأبو بكر، يأتي عمر فيقول لا نعطي على الاسلام شيئاً، وبينا يجيز الرسول وأبو بكر بيع أمهات الأولاد يأتي عمر فيحرم بيعهن، وبينا الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع واحداً بحكم السنة والاجماع، جاء عمر فترك السنة وحطم الاجماع.

                  هذا كلامه بعين لفظه فراجعه في ص150 من (ديمقراطيته).

                  وقال الاستاذ الدكتور الدواليبي - حيث ذكر عمر وايقاعه الطلاق الثلاث بكلمة واحدة في كتابه أصول الفقه11 ما هذا لفظه: «ومما أحدثه عمر رضي الله عنه تاييداً لقاعدة تفسير الأحكام بتغيير الزمان، هو ايقاعه الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، مع أن المطلق في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزمن خليفته أبي بكر وصدراً من خلافة عمر كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة كما ثبت ذلك في الخبر الصحيح عن ابن عباس، وقد

                  224

                  قال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.

                  قال: وقال ابن القيم الجوزية في ذلك: ولكن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رأى أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق، وكثر منهم ايقاعه جملة واحدة فرأى من المصلحة عقوبتهم بامضائه عليهم فإذا علموا ذلك كفوا عن الطلاق، فرأى عمر أن هذا مصلحة لهم في زمانه ورأى أن ما كان عليه في عهد النبي وعهد الصديق وصدراً من خلافته كان الأليق بهم لأنهم لم يتتابعوا فيه، وكانوا يتقون الله في الطلاق.. إلى أن قال: فهذا مما تغيرت به الفتوى لتغير الزمان12.

                  قال: وعلم الصحابة حسن سياسة عمر وتأديبه لرعيته في ذلك فوافقوه على ما ألزم به13 وصرحوا لمن استفتاهم بذلك14. قال: غير أن ابن القيم نفسه جاء فأبدى ملاحظته بالنسبة لزمنه، رغبة في الرجوع بالحكم إلى ما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن الزمن قد تغير أيضاً، وأصبح إيقاع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة مدعاة لفتح باب التحليل الذي كان مسدوداً على عهد الصحابة15 وقال: بأن العقوبة إذا تضمنت مفسدة أكثر

                  225

                  من الفعل المعاقب عليه كان تركها أحب إلى الله ورسوله16.

                  قال: وقال ابن تيمية: ولو رأى عمر رضي الله عنه عبث المسلمين في تحليل المبانة لمطلقها ثلاثاً لعاد الى ما كان عليه الأمر في عهد الرسول.
                  قال: وإن ما أبداه ابن تيمية من الملاحظات القيمة قد كان مدعاة لعودة المحاكم الشرعية في مصر الآن إلى ما كان عليه الحكم في عهد الرسول عملاً بقاعدة تغير الأزمان17.
                  226

                  هوامش
                  1- سورة البقرة، الآية: 229.
                  2- سورة البقرة، الآية: 230.
                  3- سورة الملك، الآية: 4.
                  4- في باب طلاق الثلاث هن كتاب الطلاق ص 575 من الجزء الأول من صحيحه. وأخرجه البيهقي ص 336 من الجزء السابع من سننه، وأبو داود في كتاب الطلاق من السنن فراجع منه الحديث الأخير من باب نسخ المراجعة بعد الثلاث تطليقات.
                  5- في باب طلاق الثلاث من كتاب الطلاق من جزئه الأول.
                  6- راجع من كل من المستدرك وتلخيصه كتاب الطلاق ص 196 من الجزء الثاني فإن هذين الكتابين مطبوعان معاً وصحائفهما متحدة.
                  7- راجع من المسند ص 314من جزئه الأول.
                  8- كالبيهقي ص 336 من الجز، السابع من سننه، والقرطبي في الجزء الثالث ص 130 من تفسيره جازماً بصحته وغير هؤلاء من أمثالهم.
                  9- ذكره ابن اسحاق في ص 191 من الجزء الثاني من سيرته.
                  10- وقد نقله قاسم بك أمين المصري ص 172 من كتابه - تحرير المرأة -عن النسائي والقرطبي والزيلعي لكن بالاسناد الى ابن عباس، وربما دل هذا الحديث على فساد الطلاق الثلاث بالمرة لكونه لعبأ. وبذلك قال سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين، لكن الصواب أن اللعب انما هو في قول ثلاثاً فيلغي، وأما قوله أنت طالق يؤثر أثره لأنه جد لا لعب فيه.
                  11- فراجع منه آخر ص 346والتي بعدها.
                  12- سبحانك اللهم إذا صح للمجتهدين تغيير أمثال هذه الفتوى بتغيير الزمان حتى في هذه الفترة الوجيزة الكائنة بين خلافة الخليفتين، فعلى أحكام الكتاب والسنة ونصوصهما السلام. وي. وي. ما أفظ هذا الخطر إذا بنى المجتهدون على مثل هذه القاعدة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
                  13- هذا مما لا دليل عليه، بل الأدلة قائمة على خلافه.
                  14- قل هاتوا برهانكم.
                  15- لم يكن في الزمن تغير ولا تغير الزمن يوجب تغير الحكم الشرعي المنصوص عليه في الكتاب والسنة وانما عمل ابن القيم به علمأ منه أنه حكم الله تعالى.
                  16- سبحاك الله ما هذا اللاعب.
                  17- بل عملاً بنص الكتاب وصريح السنة.




                  يتبع

                  تعليق


                  • #24
                    الإشهاد على الطلاق
                    ومما انفردت به الإمامية، القول: بأن شهادة عدلين شرط في وقوع اطلاق، ومتى فقد لم يقع الطلاق وخالف باقي الفقهاء في ذلك1.

                    وقال الشيخ الطوسي: كل طلاق لم يحضره شاهدان مسلمان عدلان وإن تكاملت سائر الشروط، فإن لا يقع. وخالف جميع الفقهاء ولم يعتبر أحد منهم الشهادة2.

                    ولا تجد عنواناً للبحث في الكتب الفقهية لأهل السنة وإنما تقف على آرائهم في كتب التفسير عند تفسير قوله سبحانه: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ...﴾3. وهم بين من يجعلونه قيداً للطلاق والرجعة، ومن يخصه قيداً للرجعة المستفادة من قوله: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾.

                    روى الطبري عن السدي أنه فسر قوله سبحانه: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ تارة بالرجعة وقال: أشهدوا على الامساك إن أمسكتموهن وذلك هو الرجعة، وأخرى بها وبالطلاق وقال: عند الطلاق وعند المراجعة.

                    227

                    ونقل عن ابن عباس: أنه فسرها بالطلاق والرجعة4

                    وقال السيوطي: أخرج عبد الرزاق عن عطاء قال: النكاح بالشهود، والطلاق بالشهود، والمراجعة بالشهود.

                    وسئل عمران بن حصين عن رجل طلق ولم يشهد، وراجع ولم يشهد؟ قال: بس ما صنع طلق في بدعة وارتجع في غير سنة فليشد على طلاقه ومراجعته وليستغفر الله5.

                    قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا﴾ أمرنا بالاشهاد على الطلاق، وقيل: على الرجعة، والظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق. ثم الاشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كقوله: ﴿وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ وعند الشافعي واجب في الرجعة6.

                    وقال الآلوسي ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ عند الرجعة إن اخترتموها أو الفرقة إن اخترتموها تبرياً عن الريبة7.

                    إلى غير ذلك من الكلمات الواردة في تفسير الآية.

                    وممن أصحر بالحقيقة عالمان جليلان: أحمد محمد شاكر القاضي المصري، والشيخ أبو زهرة. قال الأول بعد ما نقل الآيتين من أول سورة الطلاق: والظاهر من سياق الآيتين أن قوله: ﴿وَأَشْهِدُوا﴾ راجع إلى الطلاق وإلى الرجعة معاً والأمر للوجوب، لأنه مدلوله الحقيقي، ولا ينصرف إلى غير الوجوب - كالندب - إلاَّ بقرينة ولا قرينة هنا تصرفه عن

                    228

                    الوجوب، بل القرائن ما تؤيد حمله على الوجوب - إلى أن قال-: فمن أشهد على طلاقه، فقد أتى بالطلاق على الوجه المأمور به، ومن أشهد على الرجعة فكذلك، ومن لم يفعل فقد تعدى حدود الله الذي حده له فوقع عمله باطلاً، لا يترتب عليه أي أثر من أثاره - إلى أن قال: - وذهب الشيعة الى وجوب الاشهاد في الطلاق والله ركن من أركانه، ولم يوجبووه في الرجعة، والتفريق بينهما غريب لا دليل عليه 8.

                    وقال أبو زهرة: قال فقها، الشيعة الإمامية الاثني عشرية والإسماعيلية: إن الطلاق لا يقع من غير اشهاد عدلين: لقوله تعالى (في أحكام الطلاق وانشائه في سورة الطلاق): ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ...﴾ فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر اشاء الطلاق وجواز الرجعة، فكان المناسب أن يكون راجعاً إليه، وإن تعليل الاشهاد بانه يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر يرشح ذلك ويقويه، لأن حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها الى الزوجين، فيكون لهما مخرج من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله سبحانه وتعالى.

                    وأنه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا هذا الرأي فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين9.

                    وهذه النصوص تعرب عن كون القوم بين من يقول برجوع الاشهاد الى الرجعة وحدها وبين من يقول برجوعه إليها وإلى اطلاق، ولم يقل

                    229

                    أحد برجوعه الى الطلاق وحده إلاّ ما عرفته من كلام أبي زهرة. وعلى ذلك فاللازم علينا بعد نقل النص، التدبر والاهتداء بكتاب الله إلى حكمه.

                    قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾10.

                    إن المراد من بلوغهن أجلهن: اقترابهن من آخر زمان العدة واشرافهن عليه، والمراد بامساكهن: الرجوع على سبيل الاستعارة، كما أن المراد بمفارقتهن: تركهن ليخرجن من العدة ويبن.

                    لا شك أن قوله: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ﴾ ظاهر في الوجوب كسائر الأوامر الواردة في الشرع ولا يعدل عنه إلى غيره إلاّ بدليل، إنما الكلام في متعلقه. فهناك احتمالات ثلاث:

                    ا - أن يكون قيداً لقوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾.
                    2- أن يكون قيداً لقوله: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾.
                    3- أن يكون قيداً لقوله: ﴿وْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾.

                    لم يقل أحد برجوع القيد الى الأخير فالأمر يدور بين رجوعه إلى الأول أو الثاني، فالظاهر رجوعه إلى الأول وذلك لأن السورة بصدد بيان

                    230

                    أحكام الطلاق، وقد افتتحت بقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء﴾ فذكرت للطلاق عدة أحكام:

                    1- أن يكون الطلاق لعدتهن.
                    2- احصاء العدة.
                    3- عدم خروجهن من بيوتهن.
                    4- خيار الزوج بين الامساك والمفارقة عند اقتراب عدتهن من الانتهاء.
                    5- اشهاد ذوي عدل منكم.
                    6- عدة المسترابة.
                    7- عدة من لا تحيض وهي في سن من تحيض.
                    8- عدة أولات الأحمال.

                    وإذا لاحظت مجموع آيات السورة من أولها إلى الآية السابعة تجد أنها بصدد بيان أحكام الطلاق لأنه المقصود لأصلي، لا الرجوع المستفاد من قوله: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾ وقد ذكر تبعاً.

                    وهذا هو المروى عن أئمتنا عليهم السلام روى محمد بن مسلم قال: "قدم رجل الى أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة فقال: إني طلقت امرأتي بعد ما طهرت من محيضها قبل أن أجامعها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أشهدت رجلين ذوي عدل كما أمرك الله؟ فقال: لا، فقال: اذهب فإن طلاقك ليس بشيء"11.

                    231

                    وروى بكر بن أعين عن الصادقين ‘أنهما قالا: "وإن طلقها في استقبال عدتها طاهراً من غير جماع، ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين ،فليس طلاقه إياها بطلاق"12.

                    وروى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال لأبي يوسف: "إن الدين ليس بقياس كقياسك وقياس أصحابك، إن الله أمر في في كتابه بالطلاق وأكد فيه بشاهدين ولم يرض بهما إلآ عدلين، وأمر في كتابه التزويج وأهمله بلا شهود، فأتيتم بشاهدين فيما أبطل الله، وأبطلتم شاهدين فيما أكد الله عز وجل، وأجزتم طلاق المجون والسكران، ثم ذكرحكم تظلل المحرم"13.

                    قال الطبرسي: قال المفسرون: أمروا أن يشهدوا عند الطلاق وعند الرجعة شاهدي عدل حتى لا تجحد المرأة المراجعة بعد انقضاء العدة ولا الرجل الطلاق. وقيل: معناه وأشهدوا على الطلاق صيانة لدينكم، وهو المروي عن أئمتنا عليهم السلام وهذا أليق بالظاهر، لأنا إذا حملناه على الطلاق كان أمراً يقتضي الوجوب وهو من شرائط الطلاق، ومن قال: إن ذلك راجع إلى المراجعة، حمله على الندب 14.

                    ثم إن الشيخ أحمد محمد شاكر، القاضي الشرعي بمصر كتب كتاباً حول "نظام الطلاق في الإسلام" وأهدى نسخة منه مشفوعة بكتاب إلى العلامة الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وكتب إليه: إنني ذهبت إلى اشتراط حضور شاهدين حين الطلاق، وانه إذا حصل الطلاق في غير

                    232

                    حضرة الشاهدين لم يكن طلاقاً ولم يعتد به، وهذا القول وإن كان مخالفاً للمذاهب الأربعة المعروفة إلاّ أنه يؤيده الدليل ويوافق مذهب الأئمة أهل البيت والشيعة الإمامية. وذهبت أيضاً إلى اشتراط حضور شاهدين حين المراجعة، وهو يوافق أحد قولين للإمام الشافعي ويخالف مذهب أهل البيت والشيعة، واستغربت15 من قولهم أن يفرقوا بينهما والدليل له: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ واحد فيها.

                    وأجاب العلامة كاشف الغطاء في رسالة إليه بين وجه التفريق بينهما وإليك نص ما يهمنا من الرسالة: قال بعد كلام: "وكأتك - أنار الله برهانك - لم تمعن النظر هنا في الآيات الكريمة كما هي عادتك من الامعان في غير هذا المقام، وإلا لما كان يخفى عليك أن السورة الشريفة مسوقة لبيان خصوص الطلاق وأحكامه حتى أنها قد سميت بسورة الطلاق، وابتدأ الكلام في صدرها بقوله تعالى: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء﴾ ثم ذكر لزوم وقوع الطلاق في صدر العدة أي لا يكون في طهر المواقعة، ولا في الحيض، ولزوم احصاء العدة، وعدم اخراجهن من البيوت ،ثم استطرد إلى ذكر الرجعة في خلال بيان أحكام الطلاق حيث قال مز شأنه: ﴿إِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ أي إذا أشرفن على الخروج من العدة ،فلكم امساكهن بالرجعة أو تركهن على المفارقة. ثم عاد إلى تتمة أحكام الطلاق فقال: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ أي في الطلاق الذي سيق الكلام كله لبيان أحكامه ويستهجن عوده إلى الرجعة التي لم تذكر إلاّ تبعاً واستطراداً، ألا ترى لو

                    233

                    قال القائل: إذا جاءك العالم وجب عليك احترامه واكرامه وأن تستقبله سواء جاء وحده أومع خادمه أو رفيقه، ويجب المشايعة وحسن الموادعة، فإنك لا تفهم من هذا الكلام إلاّ وجوب المشايعة والموادعة للعالم لا له ولخادمه ورفيقه، وإن تأخرا عنه، وهذا لعمري حسب القواعد العربية والذوق السليم جلي واضح لم يكن ليخفى عليك وأنت خريت العربية لولا الغفلة (وللغفلات تعرض للاريب)، هذا من حيث لفظ الدليل وسياق الآية الكريمة.

                    وهنالك ما هو أدق وأحق بالاعتبار من حيث الحكمة الشرعية والفلسفة الإسلامية وشموخ مقامها وبعد نظرها في أحكامها. وهو أن من المعلوم انه ما من حلال أبغض إلى الله سبحانه من الطلاق، ودين الإسلام كما تعلمون - جمعي اجتماعي - لا يرغب في أي نوع من أنوع الفرقة لا سيما في العائلة والأسرة، وعلى الأخص في الزيجة بعد ما أفضى كل منهما إلى الآخر بما أفضى.

                    فالشارع بحكمته العالية يريد تقليل وقوع الطلاق والفرقة، فكثر قيوده وشروطه على القاعدة المعروفة من أن الشيء إذا كثرت قيوده عز أو قل وجوده، فاعتبر الشاهدين العدلين للضبط أوّلاً،وللتأخير والأناة ثانياً، وعسى إلى أن يحضر الشاهدان أو يحضر الزوجان أو أحدهما عندهما يحصل الندم ويعودان إلى الالفة كما أشير إليه بقوله تعالى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ً﴾ وهذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين، لا شك أنها ملحوظة للشارع الحكيم مضافاً إلى الفوائد الأخر، وهذا كله بعكس قضية الرجوع فإن الشارع يريد التعجيل به ولعل للتأخير آفات فلم يوجب في الرجعة أي شرط من الشروط.

                    234

                    وتصح عندنا معشر الإمامية - بكل ما دل عليها من قول أو فعل أو إشارة - لا يشترط فيها صيغة خاصة كما يشترط في الطلاق، كل ذلك تسهيلاً لوقوع هذا الأمر المحبوب للشارع الرحيم بعباده والرغبة الأكيدة في ألفتهم وعدم تفرقهم، وكيف لا يكفي في الرجعة حتى الاشارة ولمسها ووضع يده عليها بقصد الرجوع وهي - أي المطلقة الرجعية - عندما معشر الامامية لا تزال زوجة إلى أن تخرج من العدة، ولذا ترثه ويرثها، وتغسله ويغسلها، وتجب عليه نفقتها، ولا يجوز أن يتزوج بأختها، وبالخامسة، إلى غير ذلك من أحكام الزوجية"16 17.
                    235

                    هوامش
                    1- المرتضى: الانتصار: 127-128.
                    2- الطوسى: الخلاف: 2، كتاب الطلاق المسألة 5.
                    3- سورة الطلاق، الآية: 2.
                    4- الطبري: جامع البيان: 28/ 88.
                    5- السيوطي: الدر المنثور: 6/ 232، وعمران بن حصين من كبار أصحاب الإمام علي عليه السلام
                    6- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 18/ 157.
                    7- الآلوسي: روح المعاني: 28/ 134.
                    8- أحمد محمد شاكر: نظام الطلاق في الإسلام: 118 - 119.
                    9- أبو زهرة: الأحوال الشخصية: 365كما في الفقه على المذاهب الخمسة: ا 17(والآية 2-3 من سورة الطلاق).
                    10- سورة: الطلاق، الآية: ا - 2.
                    11- الوسائل: ج 15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7و3و12ولاحظ بقية أحاديث الباب.
                    12- المصدر نفسه.
                    13- المصدر نفسه.
                    14- مجمع البيان: 5/ 306.
                    15- مر نص كلامه حيث قال: والتفريق بينهما غريب.
                    16- أصل الشيعة وأصولها: 163 - 165، الطبعة الثانية.
                    17- أخذنا هذا البحث من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ جعفر السبحاني.


                    يتبع

                    تعليق


                    • #25
                      عدة الحامل المتوفى عنها زوجها
                      شرح البيهقي في شعب الايمان: أن امرأة استفتت عمر فقالت له: وضعت حملي بعد وفاة زوجي قبل انقضاء العدة، فأفتاها بوجوب التربص إلى أبعد الأجلين، فعارضه أبي بن كعب بمحضر من المرأة، وروى له: ان عدتها أن تضع حملها، وأباح لها أن تتزوج قبل الأربعة أشهر والعشر، فلم يقل عمر لها سوى: اني اسمع ما تسمعين1، وعدل عن فتواه متوقفاً، لكنه بعد ذلك وافق أبي بن كعب فقال، بأنها لو وضعت ذا بطنها وزوجها على السرير لم يدفن حلت للأزواج2 وعلى هذا المنهاج سلك أهل المذاهب الأربعة إلى هذه الأيام.

                      لكنا نحن الامامية وجدنا في القرآن الحكيم آيتين تتعارضان في عدة المتوفي عنها زوجها وهي حبلى، وهما قوله عز من قائل: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًاً﴾. فالحبلى المتوفى عنها زوجها إذا أخذت بالآية الاولى حلت للازواج بوضع حملها وان لم تمض المدة المضروبة في الآية الثانية، وإن أخذت بالآية الثانية حلت للازواج بمضي المدة المضروبة فيها وان لم تضع حملها، وعلى كلا

                      237

                      الفرضين تكون مخالفة لإحدى الآيتين، ولا يمكنها الأخذ بكلتيهما معاً إلاَّ إذا تربصت إلى أبعد الأجلين، فإذاً لا مندوحة لها عن ذلك، وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وابن عباس3 وعليه الامامية عملاً بنصوص أئمتهم عليهم السلام.

                      فصل

                      اختلف المسلمون في ابتداء عدة الوفاة التي هي أربعة أشهر وعشر، فالذي عليه الجمهور ان ابتداءها إنما هو موت زوجها سواء أعلمت بموته إذا مات أم لم تعلم لغيبته عنها أو لسبب آخر. أما ما نحن عليه من الرأي، والعمل في هذه العدة، فانما ابتداؤها علم الزوجة بوفاة زوجها فلو تأخرعلمها بذلك مهما تأخر فلا تتزوج حتى تمضي عليها - بعد علمها بالوفاة - أربعة أشهر وعشر، وحينئذ تحل للأزواج عملاً بالتربص الذي هو صريح الآية، وأخذاً بالحداد الواجب على المرأة يموت زوجها.

                      238

                      اشتراط التوارث بين الأخوة والأخوات أن لا يكون للموروث منهم ولد

                      قال الله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.

                      الآية صريحة في اشتراط التوارث بين الأخوة والأخوات، أن لا يكون للموروث منهم ولد، والبنت ولد لغة وعرفاً4.

                      لكن عمر بن الخطاب حمل الولد في الآية على الذكر خاصة فواسى في الميراث بين بنت الميت وأخته لأبيه وأمه، فجعل لكل منهما النصف مما ترك، وتبعه في ذلك أهل المذاهب الأربعة.

                      أما أئمة العترة الطاهرة وأولياؤهم الامامية فقد أجمعوا بأن لا حق للأخوة وسائر العصبة مطلقاً مع وجود الولد ذكراً كان أم أنثى متعدداً كان أم منفرداً محتجين بهذه الآية، وبقوله تعالى: ﴿وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ﴾5 ولهم في سقوط العصبة مع وجود الولد ولو كان بنتاً واحدة، لهجة شديدة يعرفها من راجع نصوصهم في المواريث،

                      239

                      ودونه كتاب وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة وسائر مسانيدهم.

                      وقد سئل ابن عباس عن رجل توفي وترك بنته وأخته لأبيه وأمه فقال: ليس لأخته شيء والبنت تأخذ النصف فرضاً والباقي تأخذه رداً. قال السائل: فان عمر قضى بغير ذلك. فقال ابن عباس: أأنتم أعلم أم الله ؟ قال السائل: ما أدري وجه هذا حتى سألت ابن طاووس فذكرت له قول ابن عباس، فقال: أخبرني أبي أنه سمع ابن عباس يقول: قال الله عز وجل: إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، فقلتم أنتم: لها نصف ما ترك وإن كان لها ولد6.
                      240

                      هوامش
                      1- وهذا الحديث هو الحديث 3376 في ص 166من ج 5 من كنز العمال فراجع.
                      2- هذه الفتوى أخرجنا عنه بالاسناد اليه كل من البيهقي وابن أبي شيبة في سننهما وهي الحديث 3379 في ص 166 من الجزء الخامس من الكنز.
                      3- رواه عنهما الزمخشري في الكشاف فراجع منه تفسير قوله تعالى {وأولات الاحمال جلهن أن يضمه حملهن} من سورة الطلاق وهذا مذهب أهل البيت عليهم السلام وهو الأحوط.
                      4- ومعاجم اللغة كلها تشهد بذلك، وحسبك {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} وبشر بعض العرب ببنت فقال: والله ما في بنعم الولد.
                      5- سورة الأنفال:75.
                      6- أخرج هذا الحديث جماعة من حفظة السنن ومو موجود في كتاب الفرائض ص 339من الجزء الرابع من مستدرك الحاكم، وقد صرح ثمة بانه صحيح على شرط الشيخين، واورده الذهبي في تلخيص المستدرك حاكماً بصحته على شرطهما ايضاً فراجع.


                      يتبع

                      تعليق


                      • #26
                        عول الفرائض
                        اختلف المسلمون في جواز العول وعدمه، وحقيقة العول أن تنقص التركة عن ذوي السهام كأختين وزوج فإذ للأختين الثلثين وللزوج النصف، وقد التبس الأمر فيها على الخليفة الثاني فلم يدر أيهم قدم الله ليقدمه ،وأيهم أخر ليؤخره ،فقضى بتوزيع النقص على الجميع ،لكن أئمة أهل البيت وعلماؤهم عرفوا المقدم عند الله فقدموه، وعرفوا المؤخر فأخروه، وأهل البيت أدرى بالذي فيه.

                        قال الامام أبو جعفر الباقر عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إن الذي أحصى رمل عالج ليعلم أن السهام لا تعول على ستة1 لو يبصرون وجهها.

                        وكان ابن عباس يقول: من شاء باهلته عند الحجر الأسود أن الله لم يذكر في كتابه نصفين وثلثاً، وقال أيضاً: سبحان الله العظيم أترون أن الذي أحصى رمل عالج عدداً جعل في مال نصفاً ونصفاً وثلثاًَ، هذان

                        241

                        النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث ؟ فقال له: يا أبا العباس فمن أول من أعال الفرائض ؟ فقال: لما التفت الفرائض عند عمر ودفع بعضها بعضاً، قال: والله ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر، وما أجد شيئاً هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص، قال ابن عباس: وأيم الله لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله ما عالت الفريضة، فقيل له: أيها قدم الله وأيها أخر، فقال: كل فريضة لم يهبطها الله إلاَّ إلى فريضة، فهذا ما قدم الله وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلاَّ ما بقي، فتلك التي أخر. قال: فأما التي قدم فالزوج له النصف، فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شيء ومثله الزوجة والأم. قال: وأما التي أخر ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان، فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلاَّ ما بقي. قال: فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدئ بما قدم فأعطي حقه كاملاً فإن بقي شيء كان لما أخر. الحديث أورده شيخنا الشهيد الثاني في الروضة، قال: وإنما ذكرناه على طوله لاشتماله على أمور مهمة.

                        قلت: وأخرج الحاكم في كتاب الفرائض ص 340 من الجزء الرابع من المستدرك عن ابن عباس أنه قال: أول من أعال الفرائض عمر، وأيم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة، فقيل له: وأيها قدم الله، وأيها أخر، فقال: كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن فريضة إلأ إلى فريضة، فهذا ما قدم الله عز وجل كالزوج والزوجة والأم، وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلاَّ ما بقي فتلك التي أخر الله عز وجل كالأخوات والبنات، فإذا اجتمع من قدم الله عز وجل ومن أخر بدئ بمن قدم فأعطي حقه كاملاً، فإن بقي شيء كان لمن أخر... (الحديث )2.

                        242

                        وعلى هذا، فاذا اجتمع الزوج والأم والبنات بدئ بالزوج والأم فأعطيا فريضتهما الثانية الربع للزوج والسدس للأم كاملين، وأعطي الباقي للبنتين بالسواء، ولو اجتمع الأختان مع هؤلاء لم يكن لهما شيء أصلاً ،لأن مراتب الارث بالنسب عند أئمة أهل البيت وأوليائهم ثلاث:

                        المرتبة الأولى: الآباء والأمهات دون آبائهم وأمهاتهم، والأبناء والبنات على ما هو مفصل في محله.

                        المرتبة الثانية: الأخوة والأخوات والأجداد والجدات على ما هو مبين في مظانة من كتب الفقه والحديث.

                        المرتبة الثالثة: الأعمام والعمات والأخوال والخالات على ما هو مفصل في فقهنا وحديثنا، فلا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود أحد من سابقتها ﴿وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ﴾3 هذا مذهب الأئمة من العترة التي جعلها الله ورسوله بمنزلة الكتب إلى يوم الحساب، وعليه اجماع الامامية. فالأختان من أهل المرتبة الثانية كما بيناه، فلا ترثان مع وجود الأم. والله تعالى أعلم.
                        243

                        هوامش
                        1- كان الناس على عهده عليه السلام يفرضون كل شيء ستة أجزاء كل جزء سدس، كما يفرضون اليوم في عرفنا أربعة وعشرين قيراطاً، وعليه فيكون مراده عليه السلام أنكم لو تبصرون وجوه السهام إذا تعارضت لم تتجاوز السهام عن الستة، وحيث أنكم لم تبصروا طرقها فقد تجاوزن عن الستة إذ أنكم تزيدون على الستة بقدر الناقص، مثلاً إذا اجتمع أبوان وبنتان وزوج فللأبوين اثنان من الستة وللبنتين أربعة منها فتمت الستة فتزيدون على الستة واحداً ونصفاً للزوج فتتجاوز السهام من الستة إلى سبعة ونصف. وهذا ممتنع ولا يجوز على الله تعالى أن يفرضه أبداً.
                        2- قال الحاكم بعد إيراده: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، قلت: والذهبي لم يتعقبه إذ أورده في التلخيص إذعاناً بصحته. ولنا حول العول في أجوبة موسى جار الله أبحاث دقيقة فليراجعها كل ولوع بتمحيص الحقيقة.
                        3- سورة الأنفال، الآية: 75.

                        تعليق

                        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                        حفظ-تلقائي
                        x

                        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                        صورة التسجيل تحديث الصورة

                        اقرأ في منتديات يا حسين

                        تقليص

                        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                        يعمل...
                        X