إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

لماذا الإجحاف بحق بعض الإئمة سلام الله عليهم ؟؟؟؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لماذا الإجحاف بحق بعض الإئمة سلام الله عليهم ؟؟؟؟

    بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين

    اللهم صلي على محمد و آل محمد حجج الله على الخلق إلى يوم الدين

    أخواني الأعزاء من النظر إلى المواضيع أرى إهمالاً منا نحن الشيعة في حق بعض الأئمة سلام الله عليهم و قد يكون البعض يجهل بعض الأشياء عنهم

    فلذلك سيكون هذا الموضوع بمثابة حلقات عن الأئمة سلام الله عليهم بطريقة مختصرة من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه .

    و بذلك ستكون البداية مع الإمام علي سلام الله عليه

  • #2
    أخي سليل الرسالة.......
    بارك الله بك وبجهودك الحثيثة لرفع لواء أهل بيت العصمة (ع)...
    ولكن انطلآقا من قول الرضا من آل محمد (ص) :" أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد" ألا تجد أنه من اللازم البدء بالرسول الأعظم (ص) الذي هو نفس أمير المؤمنين (ع)، وكذا أمير المؤمنين نفس الرسول.... لاسيما مع التركيز على نقاط الاختلاف في السيرة النبوية الشريفة بين أتباع مذهب أهل بيت العصمة (ع) ومذهب العوام...وذلك لإكمال الفائدة والأجر
    دمتم...
    والسلام عليكم

    تعليق


    • #3
      شكرا لك اخي على الفكرة ...ونتظر مواضيعك بفارغ الصبر

      تعليق


      • #4
        اللهـــــــــــــم صل على محمد وآل محمــــــــــــــد

        في الانتظااااااااااااااار بفارغ الصبر


        أرجوك لا تتأخر علينا ......

        تعليق


        • #5
          علي بن أبي طالب :

          نسبه الشريف : هو علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف و هو أول غلام يولد لأبوين هاشميين

          قال عليه السلام الخطبة الثانية من نهج البلاغة :

          لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي‏ءُ الْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ ، الآْنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ


          مولده عليه السلام

          من المعاجز التي حصلت عند ولادته ، و لم يحدث مثلها لأحد قبله ولا بعده ، ألا وهي مولده في وسط بيت الله الحرام في الكعبة المشرفة ، وقد حدث ذلك بإرادة الله سبحانه وبدعوة منه لفاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين عليه السلام إذ انشق لها ركن البيت لما استجارت به تطلب من الله تعالى أن يسهل عليها الولادة ، فدخلت في الكعبة وعاد الركن فالتأم والتصق . إنما حدث ذلك لكي لا يقول أحد أن ولادة علي بن أبي طالب داخل الكعبة كانت عند صدفة وليس فيها كرامة له (ع) .

          وكما في بعض الأخبار المروية أن فاطمة بنت أسد بقيت في الكعبة ثلاثة أيام ضيفة على ربها ، فصار الناس يتحدثون في المجالس والنوادي عن هذا الحادث الخارق والأمر الغريب ، وفي اليوم الثالث عند اجتماع الناس وتزاحمهم في المسجد الحرام ، وإذا بالركن ينشق ثانيا ، وتخرج فاطمة بنت أسد وعلى يديها ولدها الكريم علي (ع) ، ويعد علماء الإسلام شيعة وسنة هذه الفضيلة من خصائص أمير المؤمنين ، وقد قال الحاكم في المستدرك ، والعلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة / الفصل الأول ص 14 :

          ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه وهي فضيلة خصه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاء لمرتبته وإظهار لتكريمه



          إسمه سلام الله عليه

          نعلم جيداً من دراسة التاريخ أن إسم علي لم يكن له وجود قبل علي بن أبي طالب فهو أول إنسان سمي علي و لهذه التسمية خاصية ذكرها العلامة الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى / المودة الثامنة ، ونقل عنه الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودة / الباب السادس والخمسون

          عن العباس بن عبد المطلب (رض) قال : لما ولدت فاطمة بنت أسد عليا سمته باسم أبيها أسد ، ولم يرض أبو طالب بهذا الاسم فقال : هلم حتى نعلو [ جبل ] أبا قبيس ليلا وندعو خالق الخضراء لعله ينبئنا في اسمه ، فلما أمسيا خرجا وصعدا أبا قبيس ودعيا الله تعالى ، فأنشأ أبو طالب شعرا :

          يا رب هذا الغسق الدجى ****و القمر المنبلـــج المضــــــــي

          ‏بين لنا من أمرك الخفــــي ****ما ذا ترى في اسم ذا الصبي


          فإذا خشخشة من السماء ، فرفع أبو طالب طرفه فإذا لوح مثل زبرجد أخضر فيه أربعة أسطر فأخذه بكلتي يديه وضمه إلى صدره ضما شديدا فإذا مكتوب :

          يا أهل بيت المصطفى النبي**** خصصتما بالولد الــــــزكي

          ‏ إن اسمه من شامـخ العلي**** علي اشتق مـــن العلــي

          فسر أبو طالب سرورا عظيما وخر ساجدا لله تبارك وتعالى وعق [عنه] بعشر من الإبل ، وكان اللوح معلقا في بيت الله الحرام يفخر به بنو هاشم على قريش حتى غلب الحجاج بن الزبير ، انتهى كلام العلامة الهمداني

          و بذلك يتضح لنا من أين أستسقى أبوطالب إسم ولده علي و هذا إنما يدل يدل أيضاً على إيمان أبو طالب و توحيده لله الواحد القهار



          نشأته سلام الله عليه

          ذكر الطبري في تاريخه، روى بإسناده عن مجاهد قال كان من نعمة الله عز و جل على علي بن أبي طالب ع و ما صنع الله له و أراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله صلى الله عليه و آله للعباس و كان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال و قد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة فانطلق بنا فلنخفف عنه من عياله آخذ من بيته واحدا و تأخذ واحدا فنكفيهما عنه فقال العباس نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله صلى الله عليه و آله علياً فضمه إليه و أخذ العباس جعفرا رضي الله عنه فضمه إليه فلم يزل علي بن أبي طالب عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه و آله حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي عليه السلام فأقر به و صدقه و لم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم و استغنى عنه.

          فكان الإمام علي ربيب حضن النبي و علمه النبي فأحسن تعليمه و أدبه فأحسن تأديبه حتى أصبح باب مدينة العلم و الحكمة
          و كان عليه السلام أول من آمن بعد السيدة خديجة عليها السلام و لا نلتفت إلا من خصص و قال أول من آمن من الصبيان و ما إلى ذلك في محاولة لنزع هذه الفضيلة هنه عليه السلام و لكنه فندها بقوله :

          محمد النبي أخي وصنوي * وحــــمـزة سيد الشهداء عمي

          وجعفر الذي يضحي ويمسي * يطيـر مع الملائكة ابن أمي

          وبنت محمد سكني وعرسي * منـــوط لحمها بلحمي ودمي

          سبقتكم إلى الإســــلام طــرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي

          وأوجب لي ولايته عليكــــم * رسول الله يــــوم غـدير خــم

          فويل ثم ويل ثم ويل لمن يلقى * الإلــــه غـــــدا بظلمي


          و هذا دليل من الإمام علي أنه أول من آمن بعد السيدة خديجة عليها السلام



          الهجرة و قصة مبيته عليه السلام.

          قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ لعلي (عليه السلام) ـ : أرضيت أن أُطلب فلا أُوجد وتوجد؟ فلعله أن يبادر إليك الجهال فيقتلوك؟ قال: بلى يا رسول الله رضيت أن يكون روحي لروحك وقاءً ونفسي لنفسك فداء، بل رضيت أن يكون روحي ونفسي فداء أخ لك أو قريب...

          وهل أحب الحياة إلا لخدمتك، والتصرف بين أمرك ونهيك، ولمحبة أوليائك ونصرة أصفيائك ومجاهدة أعدائك.

          لولا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة.

          وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لعلي (عليه السلام) فإذا قضيت ما أمرتك من أمر فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله، وسر إلي لقدوم كتابي عليك، ولا تلبث بعده.

          فانطلق النبي إلى الغار، ونام علي في مكانه ولبس برده، فجاء قريش يريدون أن يقتلوا النبي (صلّى الله عليه وآله)، فجعلوا يرمون علياً وهم يرون أنه النبي وكان علي (عليه السلام) يتضور (يتلوى) من الألم ولا يتكلم لئلا يعرفوه، وكان القوم يريدون الهجوم على البيت ليلاً، فيمنعهم أبو لهب ويقول لهم: يا قوم إن في هذه الدار نساء بني هاشم وبناتهم، ولا نأمن أن تقع يد خاطئة إذا وقعت الصيحة عليهن، فيبقى ذلك علينا مسبة وعاراً إلى آخر الدهر في العرب.

          فجلسوا على الباب حتى طلع الفجر، فتواثبوا إلى الدار شاهرين سيوفهم، وقصدوا نحو مضجع النبي ومعهم خالد بن الوليد، فقال لهم أبو جهل: لا تقعوا به وهو نائم لا يشعر، ولكن ارموه بالأحجار لينتبه بها ثم اقتلوه، أيقظوه ليجد ألم القتل، ويرى السيوف تأخذه!! فرموه بأحجار ثقال صائبة، فكشف عن رأسه، وقال: ما شأنكم؟ فعرفوه، فإذا هو علي (عليه السلام) فقال أبو جهل: أما ترون محمداً كيف أبات هذا ونجا بنفسه لتشتغلوا به؟ وينجو محمد، لا تشتغلوا بعلي المخدوع لينجو بهلاكه محمد، وإلا فما منعه أن يبيت في موضعه إن كان ربه يمنع عنه كما يزعم.

          ثم قالوا: أين محمد؟ قال: أجعلتموني عليه رقيباً؟ ألستم قلتم: نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم.

          فأرادوا أن يضربوه فمنعهم أبو لهب، وقالوا لعلي: أنت كنت تخدعنا منذ الليلة (أي بنومك على فراش النبي خدعتنا وظننا أنك محمد) وبقي النبي (صلّى الله عليه وآله) في الغار ثلاثة أيام وكان علي يأتيه بالطعام والشراب .


          علي بن أبي طالب شجاعة قل مثيلها و لو أردنا أن نورد كل فصول شجاعته لما إتسع المنتدى لذلك و لهذا نذكر مثالين فقط

          شجاعته يوم بدر :-
          : أنه برز حمزة لعتبة، وبرز عبيدة لشيبة وبرز علي للوليد فقتل حمزة عتبة، وقتل عبيدة شيبة، وقتل علي الوليد، وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنقذه حمزة وعلي، وحمل حمزة وعلي عبيدة حتى أتيا به رسول الله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاستعبر فقال: يا رسول الله ألست شهيداً؟ قال: بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي.

          فقال: أما لو كان عمك حياً لعلم أني أولى بما قال منه، قال: وأي أعمامي تعني؟ فقال: أبو طالب حيث يقول:

          كذبتم وبيت الله يبزى محمد **** ولما نطاعن دونه ونناضل

          ونسلمه حتى نصرع حولــه **** ونذهل عن أبنائنا والحلائل

          فقال رسول الله رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة، فقال: يا رسول الله أسخطت علي في هذه الحالة؟ فقال: ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك.

          كان القتلى من المشركين في يوم بدر سبعين، قتل منهم علي بن أبي طالب سبعة وعشرين، وكان الأسرى سبعين!! صورة أخرى للواقعة: فصاح بهم عتبة: اتسبوا نعرفكم، فإن تكونوا أكفاء نقاتلكم.

          فقال عبيدة: أنا عبيدة وهو يومئذ أكبر المسلمين، فقال: هو كفو كريم، ثم قال لحمزة: من أنت؟ قال: حمزة بن عبد المطلب، أنا أسد الله وأسد رسوله، أنا صاحب الحلفاء، فقال له عتبة: سترى صولتك اليوم يا أسد الله وأسد رسوله قد لقيت أسد المطيبين!! فقال لعلي: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله وأخو رسوله، أنا علي بن أبي طالب.

          فقال: يا وليد دونك الغلام، فأقبل الوليد يشتد إلى علي، قد تنور وتخلق.

          وعليه خاتم من ذهب، بيده السيف قال علي: قد طال علي في طول نحو من ذراع، فختلته حتى ضربت يده التي فيها السيف، فبدرت يده وبدر السيف حتى نظرت إلى بصيص (بريق) الذهب في البطحاء، وصاح صيحة أسمع أهل العسكرين فذهب مولياً نحو أبيه وشد عليه علي (عليه السلام)، فضرب فخذه فسقط، وقام علي (عليه السلام) وقال:

          أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب*** وهاشم المطعم في العام السغب
          ......................أوفي بميثاقي وأحمي عن حسب

          ثم ضربه فقطع فخذه.

          ففي ذلك تقول هند بنت عتبة:

          أبي وعمي وشقيق بكري***أخي الذي كانوا كضوء البدر
          ...................بهم كسرت يا علي ظهري

          تعليق


          • #6
            شجاعتة يوم الخندق

            خرج فوارس من قريش منهم: عمرو بن عبد ود أخو بني عامر بن لؤي، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبد الله قد تلبسوا للقتال، وخرجوا على خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا: تهيئوا للحرب يا بني كنانة، فستعلمون اليوم من الفرسان؟ ثم أقبلوا تعنق بهم خيولهم حتى وقفوا على الخندق فقالوا: والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، وتعرفها قبل ذلك فقيل لهم: هذا من تدبير الفارسي الذي معه (سلمان) ثم تيمموا مكاناً ضيقاً من الخندق فضربوا خيولهم، فاقتحموا فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذ منهم الثغرة التي منها اقتحموا، وأقبلت الفرسان نحوهم، وكان بينهم عمرو بن عبد ود فارس قريش وكان قد قاتل يوم بدر حتى ارتث (حمل من المعركة) وأثقلته الجراح فلم يشهد أحداً، فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مشهده، وكان يعد بألف فارس وكان يسمى: فارس يليل لأنه: أقبل في ركب من قريش حتى إذا هو بيليل وهو واد قريب من بدر عرضت لهم بنو بكر في عدد فقال لأصحابه: امضوا، فمضوا، فقام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه، فعرف بذلك، وكان اسم الموضع الذي حفر فيه الخندق: المداد، وكان أول من طفره عمرو وأصابه، فقيل في ذلك:

            عمرو بن ود كان أول فارس ***** جزع المداد وكان فارس يليل

            وركز عمرو بن عبد ود رمحه في الأرض وأقبل يجول حوله، ويرتجز.

            وذكر ابن إسحاق أن عمرو بن عبد ود كان ينادي من يبارز؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من لهذا الكلب؟ فلم يجبه أحد فقام علي (عليه السلام) وهو مقنع في الحديد، فقال: أنا له يا نبي الله، فقال إنه عمرو، اجلس، ونادى عمرو: ألا رجل؟ وجعل يؤنبهم ويسبهم، ويقول أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها؟ فقام علي (عليه السلام) فقال: أنا له يا رسول الله، فأمره النبي بالجلوس رعاية لابنته فاطمة التي كانت تبكي على جراحات علي (عليه السلام) يوم أحد، ثم نادى الثالثة فقال:

            ولقد بححت من النــداء بــجمعكم هـل من مبــــارز؟

            ووقفت إذ جبن المشجع مـــــوقـف البطل المناجــز

            إنــــي كـــذلك لــــم أزل متسرعاً نحـــو الهزائــــــز

            إن السماحــــة والشجــاعة في الفتى خير الغرائز

            فقام علي (عليه السلام) فقال: يا رسول الله أنا.

            فقال: إنه عمرو، فقال: وإن كان عمراً وأنا علي بن أبي طالب!! فاستأذن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأذن له، وألبسه درعه ذات الفضول، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وعممه عمامة السحاب على رأسه تسعة أكوار (أدوار) ثم قال له: تقدم.

            فقال لما ولى: (اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق

            رأسه ومن تحت قدميه).

            ثم قال: برز الإيمان كله إلى الشرك كله.

            فمشى إليه وهو يقول:

            ويحك يا عمرو
            لا تعجلن فـقــــــــــــد أتاك مجيب صوتك غيـر عاجز

            ذو نبهـة وبصيــــــــرة و الصــدق منجـــــي كل فائز

            إني لأرجو أن أقيــــــــم عليك نائحـــــــــة الجنائــــز

            من ضربة نجلاء يبـــقى ذكـــرها عنـــــد الهزاهــــز

            وما زال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) آنذاك رافعاً يديه مقحماً رأسه إلى السماء داعياً به قائلاً: اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد، فاحفظ علي اليوم علياً، رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين.

            فقال عمرو: من أنت؟ وكان عمرو شيخاً كبيراً قد جاوز الثمانين، وكان نديم أبي طالب بن عبد المطلب في الجاهلية، فانتسب علي له.

            فقال عمرو: أجل، لقد كان أبوك نديماً لي وصديقاً، فارجع فإني لا أحب قتلك! فقال علي (عليه السلام): لكني أحب أن أقتلك! فقال عمرو: يا ابن أخي إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، فارجع وراءك خير لك، ما آمن ابن عمك حين بعثك إلي أن أختطفك برمحي هذا فأتركك شايلاً بين السماء والأرض لا حي ولا ميت!! فقال له علي (عليه السلام): قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة.

            فقال عمرو: كلتاهما لك يا علي؟ تلك إذاً قسمة ضيزى!! فقال علي (عليه السلام): إن قريشاً تتحدث عنك أنك قلت: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجيب، ولو إلى واحدة منها؟ قال: أجل.

            قال: فإني أدعوك إلى الإسلام، وفي رواية: أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

            قال: دع هذه!! أو نح هذا.

            قال: فإني أدعوك إلى أن ترجع بمن يتبعك من قريش إلى مكة، فإن يك محمد صادقاً فأنتم أعلى به عيناً، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره.

            قال: إذن تتحدث نساء قريش عني: أن غلاماً خدعني وينشد الشعراء في أشعارها أني جبنت، ورجعت على عقبي من الحرب، وخذلت قوماً رأسوني عليهم.

            قال: فإني أدعوك إلى البراز راجلاً، فجمى عمرو وقال: ما كنت أظن أحداً من العرب يرومها مني.

            ثم نزل فعقر فرسه ـ وقيل ضرب وجه فرسه ففر ـ ثم قصد نحو علي (عليه السلام) وضربه بالسيف على رأسه، فأصاب السيف الدرقة فقطعها، ووصل السيف إلى رأس علي (عليه السلام).

            فضربه علي (عليه السلام) على عاتقه فسقط، وفي رواية: فضربه على رجليه بالسيف فوقع على قفاه، وثار العجاج والغبار، وأقبل علي ليقطع رأسه فجلس على صدره، فتفل اللعين في وجه الإمام (عليه السلام) فغضب (عليه السلام)، وقام عن صدره يتمشى حتى سكن غضبه، ثم عاد إليه فقتله









            زواجه عليه السلام من سيدة نساء العالمين (( زوج النور من النور ))




            لما أدركت فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مدرك النساء خطبها أكابر قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام، والشرف والمال، وكان كلما ذكرها رجل من قريش لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) أعرض عنه رسول الله بوجهه، حتى كان الرجل منهم يظن ـ في نفسه ـ أن رسول الله فيه وحي من السماء.

            ولقد خطبها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أبو بكر، فقال له رسول الله: أمرها إلى ربها، وخطبها بعد أبي بكر عمر بن الخطاب، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كمقالته لأبي بكر.

            فجاء أبو بكر وسعد بن معاد إلى علي (عليه السلام) وهو خارج المدينة يسقي نخلاً له، وسألاه عما يمنعه عن خطبة فاطمة (عليها السلام) فقال لهما علي: ما يمنعني إلا الحياء وقلة ذات اليد (المال) فقال له سعد: اذهب إلى رسول الله واخطب منه فاطمة، فإنه يزوجك، والله ما أرى رسول الله يحبسها إلا عليك.

            فقال علي: فأقول ماذا؟ فقال سعد: تقول: جئت خاطباً إلى الله ورسوله فاطمة بنت محمد.

            فأقبل علي (عليه السلام) يقصد دار النبي، وهبط جبرائيل على الرسول وأخبره بمجيء علي، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في دار أم سلمة، فدق علي الباب، فقالت أم سلمة: من بالباب؟ فقال لها الرسول ـ من قبل أن يقول علي: أنا ـ : قومي يا أم سلمة فافتحي له الباب، ومريه بالدخول، فهذا رجل يحبه الله ورسوله ويحبهما.

            فقالت أم سلمة: فداك أبي وأمي، ومن هذا الذي تذكر فيه هذا وأنت لم تره؟ فقال: مه يا أم سلمة، فهذا رجل ليس بالخرق ولا بالنزق هذا أخي وابن عمي وأحب الخلق إلي.

            فقامت أم سلمة وفتحت الباب وإذا هو علي بن أبي طالب قالت أم سلمة: والله ما دخل حين فتحت الباب حتى علم أني رجعت إلى خدري، ثم دخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

            فقال النبي: وعليك السلام اجلس.

            فجلس علي، وجعل ينظر إلى الأرض، كأنه قصد لحاجة وهو يستحي أن يبديها، فهو مطرق إلى الأرض حياء من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال النبي: إني أرى أنك أتيت لحاجة، فقل ما حاجتك؟ وأبد ما في نفسك فكل حاجة لك مقضية.

            فقال علي (عليه السلام): فداك أبي وأمي، إنك لتعلم أنك أخذتني من عمك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبي، فغذيتني بغذائك وأدبتني بأدبك، فكنت إلي أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البر والشفقة، وأن الله تعالى هداني بك وعلى يديك وأنت (والله) يا رسول الله ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة.

            يا رسول الله: فقد أحببت ـ مع ما شد الله من عضدي بك ـ أن يكون لي بيت وأن يكون لي زوجة أسكن إليها، وقد أتيتك خاطباً راغباً، أخطب إليك ابنتك فاطمة! فهل أنت مزوجي يا رسول الله؟ فتهلل وجه رسول الله فرحاً وسروراً، ثم تبسم في وجه علي وقال: فهل معك شيء أزوجك به؟ فقال علي: فداك أبي وأمي، والله ما يخفى عليك من أمري شيء، أملك سيفي ودرعي وناضحي (البعير الذي يحمل عليه الماء) وما لي شيء غير هذا.

            فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا علي أما سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد به في سبيل الله وتقاتل به أعداء الله.

            وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه رحلك في سفرك ولكني قد زوجتك بالدرع، ورضيت بها منك.

            يا علي أبشرك؟.

            فقال: نعم فداك أبي وأمي، بشرني فإنك لم تزل ميمون النقيبة، مبارك الطائر، رشيد الأمر، صلى الله عليك.

            فقال (صلّى الله عليه وآله): ابشر فإن الله قد زوجكها في السماء من قبل أن أزوجك في الأرض.. إلى آخر كلامه.

            ثم قال: يا علي إنه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها ولكن على رسلك حتى أخرج إليك فدخل عليها فقامت فأخذت رداءه ونزعت نعليه وأتته بالوضوء فوضئته بيدها وغسلت رجليه ثم قعدت فقال لها: يا فاطمة فقالت: لبيك ما حاجتك يا رسول الله؟ قال: إن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه وقد ذكر عن أمرك شيئاً فما ترين؟ فسكتت ولم تول وجهها ولم ير فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها، فمضى علي إلى المسجد، وجاء رسول الله في أثره، وفي المسجد المهاجرون والأنصار، فصعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على درجة من المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: معاشر المسلمين إن جبرائيل أتاني آنفاً فأخبرني عن ربي عز وجل أنه جمع الملائكة عند البيت المعمور وأنه أشهدهم جميعاً أنه زوج أمته فاطمة بنت رسول الله من عبده علي بن أبي طالب، وأمرني أن أزوجه في الأرض وأشهدكم على ذلك، ثم جلس وقال لعلي: قم يا أبا الحسن فاخطب أنت لنفسك: فقام وحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال: الحمد لله شكراً لأنعمه وأياديه، ولا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه، وصلى الله على محمد صلاة تزلفه وتحظيه، والنكاح مما أمر الله عز وجل به ورضيه، ومجلسنا هذا مما قضاه الله وأذن فيه، وقد زوجني رسول الله ابنته فاطمة، وجعل صداقها درعي هذا وقد رضيت بذلك فاسألوه واشهدوا.
            التعديل الأخير تم بواسطة سليل الرسالة; الساعة 06-05-2003, 11:55 PM.

            تعليق


            • #7
              فقال المسلمون لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): زوجته يا رسول الله؟ فقال: نعم.

              فقالوا بارك الله لهما شملهما.

              وانصرف رسول الله إلى أزواجه وأقبل فقال: يا علي انطلق الآن فبع درعك وائتني بثمنه حتى أهيئ لك ولابنتي فاطمة ما يصلحكما قال علي: فانطلقت فبعته بأربعمائة درهم سود هجرية وقيل بأربعمائة وثمانين أو خمسمائة من عثمان بن عفان فلما قبضت الدراهم أقبلت إلى رسول الله وطرحت الدراهم بين يديه، فدعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأبي بكر فدفعها إليه وقال: اشتر بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها، وبعث معه سلمان وبلالاً ليعيناه على حمل ما يشتريه، قال أبو بكر: أحصيت الدراهم التي أعطانيها ثلاثة وستين درهماً فانطلقت واشتريت فراشاً من خيش مصر محشواً بالصوف، ونطعاً من أدم، ووسادة من أدم حشوها من ليف النخل، وعباءة خيبرية، وقربة للماء، وكيزاناً، وجراراً، ومطهرة للماء، وستر صوف، رقيقاً وحملناه جميعاً حتى وضعناه بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلما نظر إليه بكى، وجرت دموعه ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف! قال علي: ودفع رسول الله باقي ثمن الدرع إلى أم سلمة فقال: اتركي هذه الدراهم عندك.

              ومكثت بعد ذلك شهراً لا أعاود رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمر فاطمة بشيء استحياء من رسول الله غير أني كنت إذا خلوت برسول الله يقول لي: يا أبا الحسن ما زوجتك سيدة نساء العالمين.

              قال علي: فلما كان بعد شهر دخل علي أخي عقيل بن أبي طالب فقال: يا أخي ما فرحت بشيء كفرحي بتزويجك فاطمة بنت محمد (صلّى الله عليه وآله)، يا أخي فما بالك لا تسأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يدخلها عليك فتقر عيناً باجتماع شملكما؟ قال علي: والله يا أخي إني لأحب ذلك وما يمنعني من مسألته إلا الحياء منه، فقال: أقسمت عليك إلا قمت معي.

              فقمنا نريد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلقيتنا في طريقنا أم أيمن مولاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فذكرنا ذلك لها فقالت لا تفعل ودعنا نحن نكلمه، فإن كلام النساء في هذا الأمر أحسن وأوقع بقلوب الرجال.

              ثم انثنت راجعة فدخلت على أم سلمة فأعلمتها بذلك وأعلمت نساء النبي فاجتمعن عند رسول الله وكان في بيته عائشة فأحدقن به وقلن: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الأحياء لقرت بذلك عينها.

              قالت أم سلمة: فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثم قال: خديجة! وأين مثل خديجة؟ صدقتني حين كذبني الناس وآزرتني على دين الله وأعانتني عليه بمالها!! إن الله عز وجل أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب الزمرد، لا صخب فيه ولا نصب.

              قالت أم سلمة فقلنا: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله إنك لم تذكر من خديجة أمراً إلا وقد كانت كذلك، غير أنها قد مضت إلى ربها فهنأها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في درجات جنته ورضوانه ورحمته، يا رسول الله وهذا أخوك في الدنيا وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحب أن تدخل عليه زوجته فاطمة تجمع بها شمله.

              فقال: يا أم سلمة فما بال علي لا يسألني ذلك؟ فقلت: الحياء منك يا رسول الله.

              قالت أم أيمن: فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): انطلقي إلى علي فآتيني به، فخرجت من عند رسول الله، فإذا علي ينتظرني، ليسألني عن جواب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وحضر علي (عليه السلام) عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

              فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): هيئ منزلاً حتى تحول فاطمة إليه، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله ما هاهنا منزل إلا منزل حارثة بن النعمان وكان لفاطمة (عليها السلام) يوم بنى بها أمير المؤمنين (عليه السلام) تسع سنين، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): والله لقد استحينا من حارثة بن النعمان قد أخذنا عامة منازله.

              فبلغ ذلك حارثة فجاء إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أنا ومالي لله ولرسوله، والله ما شيء أحب إلي مما تأخذه والذي تأخذه أحب إلي مما تتركه، فجزاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خيراً، فحولت فاطمة إلى علي (عليه السلام) في منزل حارثة، وبسطوا في بيت علي كثيباً (الرمل)، ونصبوا عوداً يوضع عليه السقاء (القربة) وستروه بكساء ونصبوا خشبة من حائط إلى حائط للثياب وبسط جلد كبش ومخدة ليف.

              فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): يا علي اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً، فجاء أصحابه بالهدايا، فأمر النبي فطحن البر (الحنطة) وخبز، وذبح الكبش واشترى علي تمرأ وسمناً، وأقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وحسر عن ذراعيه، وجعل يشدخ التمر في السمن فقال النبي: يا علي ادع من أحببت.

              قال علي: فأتيت المسجد وهو غاص بالناس، فناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة بنت محمد، فأجابوا من النخلات والزروع، وأقبل الناس إرسالاً وهم أكثر من أربعة آلاف رجل، وساير نساء المدينة، ورفعوا منها ما أرادوا، ولم ينقص من الطعام شيء، ثم دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالصحاف (الأواني) فملئت، ووجه بها إلى منازل أزواجه ثم أخذ صحفة، وقال: هذه لفاطمة وبعلها.

              (عن ابن بابويه): أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة سلام الله عليها وأن يفرحن ويرجزن ويكبرن ويحمدن ولا يقولن ما لا يرضي الله.

              قال جابر: فأركبها على ناقته ـ وفي رواية على بغلته الشهباء ـ وأخذ سلمان زمامها والنبي وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ونساء النبي (صلّى الله عليه وآله) قدامها يرجزن، فأنشأت أم سلمة تقول:

              سرن بعــــــون الله جاراتـــي واشكرنه فــــي كــــــل حالات

              واذكــرن ما أنعـــم رب العـلا مــــن كشف مكــــــروه وآفات

              فـقــد هـدانا بعد كفـر وقـــــد أنعشـــــــنا رب السمـــــــاوات

              وسرن مـع خير نساء الورى تفــــــدى بعمـــــات وخــــالات

              يا بنت مــــن فـضله ذو العلا بالوحـــي منـــه والرســــــالات

              وقالت عائشة:

              يا نسوة استتـــرن بالمعاجــر واذكرن ما يحسن في المحاضر

              واذكرن رب الناس إذ يخصـنا بـــدينـــه مع كل عـبـــد شاكـــر

              والحمـــد لله علـــى أفـضالـــه والشكـــر لله العـزيـــز القــــادر

              سرن بها فالله أعـطــى ذكرها وخصها منــــه بطهـــر طاهـــر

              وقالت حفصة:

              فاطمـــة خيـــر نساء البشــر ومــن لها وجــــه كوجه القـمر

              فــضلك الله عـلــى كل الورى بفـضل مـــن خص بآي الزمـــر

              زوجــــك الله فـتــى فاضــــلاً أعـنـي علياً خير من في الحضر

              فـســرن جاراتـــي بها فإنهــا كريمـــة بنت عـظيــــم الخطـــر

              وقالت معاذة أم سعد بن معاذ:

              أقـــول قـــولاً فـيـــه ما فـيــه وأذكـــــر الخـيـــــر وأبديـــــه

              محمــــد خيــــــر بنــــــي آدم ما فـيـــه مــــن كـبـــر ولا تيه

              بفـضلـــه عـــــرفـنا رشــــدنا فالله بالخيـــــــــر يجازيـــــــــه

              ونحــن مع بنت نبــي الهــدى ذي شـــرف قـــد مكــنت فـيــه

              فــــي ذروة شامخـة أصـــلها فـما أرى شيئـــــــــاً يدانيــــــه

              وكانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز ثم يكبرن ودخلن الدار ثم أنفذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) ثم دعا فاطمة سلام الله عليها فأخذ يدها ووضعها في يده وقال: بارك الله في ابنة رسول الله.

              يا علي: نعم الزوجة فاطمة ويا فاطمة نعم الزوج علي، ثم قال: يا علي هذه فاطمة وديعتي عندك، ثم قال النبي (صلّى الله عليه وآله): اللهم اجمع شملهما، وألف بين قلوبهما، واجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم، وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة، واجعل في ذريتهما البركة واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ويأمرون بما يرضيك، اللهم إنهما أحب خلقك إلي، فأحبهما واجعل عليهما منك حافظاً وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم.

              ثم خرج إلى الباب وهو يقول: طهركما وطهر نسلكما، أنا سلم لمن سالمكما، وحرب لمن حاربكما، أستودعكما الله، وأستخلفه عليكما.

              وباتت أسماء عندهما في البيت، وأصبح الصباح، وجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى زيارة العروسين، وقال: السلام عليكما، أأدخل؟ ففتحت أسماء الباب فدخل النبي، فسأل علياً (عليه السلام): كيف وجدت أهلك؟ قال: نعم العون على طاعة الله، وسأل فاطمة فقالت: خير بعل، وجاء النبي بعس (قدح) فيه لبن فقال لفاطمة: اشربي فداك أبوك، وقال لعلي: اشرب فداك ابن عمك.

              ثم قال (صلّى الله عليه وآله): يا علي آتيني بكوز من ماء، فجاء علي بكوز من ماء فتفل فيه ثلاثاً، وقرأ عليه آيات من كتاب الله تعالى ثم قال: يا علي اشربه، واترك فيه قليلاً ففعل علي ذلك.

              فرش النبي (صلّى الله عليه وآله) باقي الماء على رأسه وصدره، ثم قال: أذهب الله عنك الرجس يا علي وطهرك تطهيراً.

              وأمره بالخروج من البيت وخلي بابنته فاطمة وقال: كيف أنت يا بنية؟ وكيف رأيت زوجك؟ قالت: يا أبه خير زوج إلا أنه دخل علي نساء من قريش وقلن لي: زوجك رسول الله من فقير لا مال له.

              فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يا بنية ما أبوك بفقير، ولا بعلك بفقير.

              ولقد عرضت علي خزائن الأرض من الذهب والفضة فاخترت ما عند ربي عز وجل، يا بنية لو تعلمين ما علم أبوك لسمحت الدنيا في عينيك، والله يا بنية ما ألوتك نصحاً، إني زوجتك أقدمهم سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً، يا بنية إن الله عز وجل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار من أهلها رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك.

              يا بنية نعم الزوج زوجك لا تعصي له أمراً

              و بهذا تتضح لنا قصة إنتقال السيدة فاطمة الزهراء من بيت النبوة إلى بيت الإمامة

              سلام الله عليكم أهل البيت

              تعليق


              • #8
                و الآن نذكر أهم نقطة في حياة الإمام علي حديث الغدير و ما حصل فيه

                علي بن أبي طالب و الغدير

                كان جبرئيل عليه السلام في حجة الوداع وظروفها المصيرية ينزل على النبي صلى الله عليه وآله بأوامر ربه ، وقد يكون رافقه طوال موسم الحج ، وأملى عليه عبارات خطبه . . وكان مما قال له في المدينة :

                يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك إنه قد دنا أجلك ، وإني مستقدمك عليَّ ، ويأمرك أن تدل أمتك على حجهم ، كما دللتهم على صلاتهم وزكاتهم وصيامهم .

                وحج النبي صلى الله عليه وآله بالمسلمين ، وعلمهم حجهم ، وواصل تركيز مبادئ الإسلام في نفوسهم ، ومكانة الأئمة من عترته ، كما مر في حديث الأئمة الإثني عشر ، وحديث الثقلين ، وحديث فرض الخمس لهم ، وتحريم الصدقات عليهم ... غيرها.

                وفي آخر أيام الحج نزل عليه جبرئيل عليه السلام أن الله تعالى يأمرك أن تدل أمتك على وليهم ، فاعهد عهدك ، واعمد الى ماعندك من العلم وميراث الأنبياء فورثه إياه ، وأقمه للناس علماً ، فإني لم أقبض نبياً من أنبيائي إلا بعد إكمال ديني ، ولم أترك أرضي بغير حجة على خلقي . . . .

                فأخذ النبي صلى الله عليه وآله يفكر في طريقة الإعلان ، نظراً إلى وضع قريش المتشنج ، وقال في نفسه : أمتي حديثو عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ، ويقول قائل !

                لذلك قرر أن ينفذ هذا الأمر الإلهي الجديد في عترته ، بعد رجوعه إلى المدينة ، بالتمهيد المناسب ، وبمعونة الأنصار

                ورحل النبي صلى الله عليه وآله من مكة وهو ناوٍ أن يكون أول عمل يقوم به في المدينة إعلان ولاية عترته ، كما أمره ربه تعالى .

                لكن في اليوم الثالث من مسيره ، عندما وصل إلى كراع الغميم ، وهو كما في مراصد الإطلاع : موضع بين مكة والمدينة ، أمام عسفان بثمانية أميال.. جاءه جبرئيل عليه السلام لخمس ساعات مضت من النهار ، وقال له: يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من الناس ، إن الله لايهدي القوم الكافرين ) .

                فخاف النبي صلى الله عليه وآله وخشع لربه ، وتَسَمَّرَ في مكانه ، وأصدر أمره إلى المسلمين بالتوقف ، وكان أولهم قد وصل إلى مشارف الجحفة ، وكانت الجحفة بلدةً عامرةً على بعد ميلين أو أقل من كراع الغميم ، ولكن النبي صلى الله عليه وآله أراد تنفيذ الأمر الإلهي المشدد فوراً ، في المكان الذي نزل فيه الوحي ..

                قال صلى الله عليه وآله للناس : أنيخوا ناقتي فوالله ما أبرح من هذا المكان حتى أبلغ رسالة ربي .. وأمرهم أن يردوا من تقدم من المسلمين إليه ، ويوقفوا من تأخر منهم حين يصلون إليه ..

                ونزل الرسول عن ناقته ، وكان جبرئيل إلى جانبه ، ينظر إليه نظرة الرضا ، وهو يراه يرتجف من خشية ربه ، وعيناه تدمعان خشوعاً وهو يقول : تهديدٌ .. ووعدٌ ووعيدٌ .. لأمضين في أمر الله ، فإن يتهموني ويكذبوني فهو أهون علي من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة !

                وقبل أن يفارقه جبرئيل أشار إليه على يمينه فإذا دوحة أشجار .. فودع النبي جبرئيل ومال إليها ، وحطَّ رحال النبوة عند غدير خُمٍّ .

                قال بعض المسلمين : فبينا نحن كذلك ، إذ سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ينادي: أيها الناس أجيبوا داعي الله .. فأتيناه مسرعين في شدة الحر، فإذا هو واضعٌ بعض ثوبه على رأسه .

                ونادى منادي النبي صلى الله عليه وآله في الناس بالصلاة جامعة ، ووقت الصلاة لم يَحُنْ بَعْدُ ولكن حانت قبلها ( صلاةٌ ) أخرى لابد من أدائها قبل صلاة الظهر ! إنها فريضة ولاية عترته الطاهرة ، ولا بد أن يبلغها عن ربه إلى المسلمين مهما قال فيه قائلون ، وقال فيهم قائلون !! فقد شدد عليه ربه في ذلك ، وأفهمه أن مسألة عترته ليست مسألة شخصية تخصه.. وأنك إن كنت تخشى الناس ، فالله أحق أن تخشاه وسيعصمك منهم ، فاصدع بما تؤمر !!

                ونزل المسلمون حول نبيهم صلى الله عليه وآله ، وكان ذلك اليوم قائظاً شديد الحر ، فأمرهم أن يكسحوا تحت الأشجار لتكون مكاناً لخطبة الولاية ، ثم للصلاة في ذلك الهجير ، وأن ينصبوا له أحجاراً كهيئة المنبر ، ليشرف على الناس ، فيرونه ويسمعهم كلامه ..

                ورتب المسلمون المكان والمنبر ، ووضعوا على أحجاره حدائج الإبل ، فصار منصة أكثر ارتفاعاً ، وحسناً ..

                وورد المسلمون ماء الغدير فشربوا منه ، واستقوا ، وتوضؤوا ..

                وتجمعوا لاستماع خطبة نبيهم صلى الله عليه وآله قبل الصلاة ، ولم يتسع لهم المكان تحت دوحة الغدير ، وكانت ستَّ أشجارٍ كبيرة ، فجلس كثير منهم في الشمس، أو استظل بظل ناقته ..

                عرفوا أن أمراً قد حدث ، وأن النبي صلى الله عليه وآله سيخطب.. فقد نزل عليه وحيٌ أوحدث أمرٌ مهمٌ أوجب أن يوقفهم في هذا الهجير ، ولا يصبر عليهم حتى يصلوا إلى مدينة الجحفة العامرة ، التي تبعد عنهم ميلين فقط !

                كان مجموع من شارك في حجة الوداع مئة ألف إلى مئة وعشرين ألفاً ، كما ذكرت الروايات ، ولكن هذا العدد كان في عرفات ومنى .. أما بعد أداء الحج فقد توزعوا ، فمنهم من أهل مكة رجعوا إليها ، ومنهم بلادهم عن طريق الطائف فسلكوا طريقها ، وآخرون بلادهم عن طريق جدة وما إليها ..

                أما الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله ومناطقهم عن طريق الجحفة والمدينة فكانوا عدة ألوف.. عشرة آلاف أو أكثر .. فقد قال الإمام الصادق عليه السلام مؤرخاً تضييع قريش لحادثة الغدير :

                ( العجب مما لقي علي بن أبي طالب ! إنه كان له عشرةُ آلافِ شاهدٍ ولم يقدر على أخذ حقه ، والرجل يأخذ حقه بشاهدين! ). الوسائل : 18/17.

                * * *

                لم يدم طويلاً تطلع المسلمين إلى ما سيفعله النبي صلى الله عليه وآله وما سيقوله .. فقد رأوه صعد على منبر الأحجار والأحداج ، وبدأ باسم الله تعالى وأخذ يرتل قصيدة نبوية في حمد الله تعالى والثناء عليه .. ويشهد الله والناس على عبوديته المطلقة لربه العظيم .

                ثم قدم لهم عذره ، لأنه اضطر أن ينزلهم في مكان قليل الماء والشجر ، ولم يمهلهم حتى يصلوا إلى بلدة الجحفة المناسبة لنزول مثل هذا القافلة الكبيرة ، المتوفر فيها ما يحتاج إليه المسافر .. ولا انتظر بهم وقت الصلاة ، بل ناداهم قبل وقتها ، وكلفهم الاستماع إليه في حر الظهيرة ..

                أخبرهم صلى الله عليه وآله أن جبرئيل عليه السلام نزل عليه في مسجد الخيف ، وأمره أن يقيم علياً للناس.. ثم قال لهم : إن الله عز وجل بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً، وخفت الناس أن يكذبوني ، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني : أمتي حديثو عهد بالجاهلية ، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي ، يقول قائل ، ويقول قائل ! فأتتني عزيمة من الله بتلة ( قاطعة ) في هذا المكان ، وتواعدني إن لم أبلغها ليعذبني . وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة من الناس ، وهو الكافي الكريم ، فأوحى إلي : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من الناس ، إن الله لايهدي القوم الكافرين ) .

                ثم قال صلى الله عليه وآله : لاإله إلا هو ، لايؤمن مكره ، ولا يخاف جوره ، أقرُّ له على نفسي بالعبودية ، وأشهد له بالربوبية ، وأؤدي ما أوحى إلي ، حذراً من أن لاأفعل فتحل بي منه قارعةٌ ، لايدفعها عني أحدٌ ، وإن عظمت حيلته .

                أيها الناس : إني أوشك أن أدعى فأجيب ، فما أنتم قائلون ؟

                فقالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت .

                فقال : أليس تشهدون أن لاإله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن الجنة حقٌ وأن النار حقٌ وأن البعث حق ؟

                قالوا : يا رسول الله بلى .

                فأومأ رسول الله إلى صدره وقال : وأنا معكم .

                ثم قال رسول الله : أنا لكم فرط ، وأنتم واردون عليَّ الحوض ، وسعته ما بين صنعاء إلى بصرى ، فيه عدد الكواكب قِدْحان ، ماؤه أشد بياضاً من الفضة .. فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين .

                فقام رجل فقال : يا رسول الله وما الثقلان ؟

                قال : الأكبر : كتاب الله ، طرفه بيد الله وسبب طرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به ولا تزلوا ولا تضلوا .

                والأصغر : عترتي أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض.. سألت ربي ذلك لهما ، فلا تقدموهم فتهلكوا ، ولا تتخلفوا عنهم فتضلوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم .

                أيها الناس : ألستم تعلمون أن الله عز وجل مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأني أولى بكم من أنفسكم ؟

                قالوا : بلى يا رسول الله .

                قال : قم يا علي . فقام علي ، وأقامه النبي صلى الله عليه وآله عن يمينه ، وأخذ بيده ورفعها حتى بان بياض إبطيهما ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه . اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار . فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار ، وعلى التابعين لهم بإحسان ، وعلى البادي والحاضر ، وعلى الأعجمي والعربي ، والحر والمملوك والصغير والكبير .

                فقام أحدهم فسأله وقال : يا رسول الله ولاؤه كماذا ؟

                فقال صلى الله عليه وآله : ولاؤه كولائي ، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه !

                وأفاض النبي صلى الله عليه وآله في بيان مكانة علي والعترة الطاهرة والأئمة الإثني عشر من بعده : علي والحسن والحسين ، وتسعة من ذرية الحسين ، واحدٌ بعد واحد ، مع القرآن والقرآن معهم ، لايفارقونه ولا يفارقهم ، حتى يردوا عليَّ حوضي...

                ثم أشهد المسلمين مراتٍ أنه قد بلغ عن ربه .. فشهدوا له ..

                وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب .. فوعدوه وقالوا : نعم ..

                وقام إليه آخرون فسألوه ... فأجابهم ..


                وما أن أتم خطبته ، حتى نزل جبرئيل بقوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) . فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي ، وولاية علي بعدي ..

                ونزل عن المنبر، وأمر أن تنصب لعلي خيمة، وأن يهنئه المسلمون بولايته عليهم.. حتى أنه أمر نساءه بتهنئته ، فجئن إلى باب خيمته وهنأنه !

                وكان من أوائل المهنئين عمر بن الخطاب فقال له : بخٍ بخٍ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة !

                وجاء حسان بن ثابت ، وقال : إئذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتاً تسمعهن ، فقال : قل على بركة الله ، فأنشد حسان :

                يناديهمُ يـوم الغديـر نبيُّهـــُــمْ **** بخمٍّ فأسمع بالرسول مناديـــا

                يقول فمن مولاكم ووليُّكُـــــمْ **** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

                إلهك مـولانا وأنت وليـــــــنـا **** ولم تر منا في الـولاية عاصيا

                فقال له قم يا عـــليُّ فإننـــي **** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

                فمن كنت مولاه فهذا وليــــه **** فكـونوا له أنصار صدق مواليا

                هناك دعـا اللهم وال وليــــه **** وكن للذي عــــادى علياً معاديا

                تعليق


                • #9
                  علي بن أبي طالب و الساعات الأخيرة مع رسول الله

                  مصيبة المسلمين الكبرى و الفاجعة العظمى يوم وفاة النبي صلوات الله و سلامه عليه

                  قال الله تبارك وتعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) صدق الله العظيم


                  عن علي (عليه السلام) قال: كان جبرائيل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه كل يوم وفي كل ليلة، فيقول،: السلام عليك إن ربك يقرؤك السلام فيقول: كيف تجدك؟ وهو أعلم بك ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفاً إلى ما أعطاك على الخلق، وأراد أن يكون عيادة المريض سنة في أمتك، فيقول النبي (صلّى الله عليه وآله) ـ إن كان وجعاً ـ : يا جبرائيل أجدني وجعاً فقال له جبرائيل: اعلم يا محمد إن الله لم يشدد عليك وما من أحد من خلقه أكرم عليه منك، ولكنه أحب أن يسمع صوتك ودعاك حتى تلقاه مستوجباً للدرجة والثواب الذي أعد لك، والكرامة والفضيلة على الخلق، وإن قال له النبي (صلّى الله عليه وآله) أجدني مريحاً في عافية.

                  قال له: فاحمد الله على ذلك فإنه يحب أن تحمد وتشكره ليزيدك إلى ما أعطاك خيراً فإنه يحب أن يحمد ويزيد من شكر.

                  قال: وإنه نزل عليه في الوقت الذي كان ينزل فيه فعرفنا حسه فقال علي (عليه السلام): فيخرج من كان في البيت غيري؟ فقال له جبرائيل: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويسألك وهو أعلم بك كيف تجدك؟ فقال له النبي: أجدني ميتاً.

                  قال له جبرائيل: يا محمد أبشر فإن الله إنما أراد أن يبلغك بما تجد ما أعد لك من الكرامة.

                  قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن ملك الموت استأذن علي فأذنت له، فدخل واستنظرته مجيئك فقال له: يا محمد إن ربك إليك مشتاق فما استأذن ملك الموت على أحد قبلك ولا يستأذن على أحد بعدك.

                  فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): لا تبرح يا جبرائيل حتى يعود، ثم أذن للنساء فدخلن فقال لأبنته: أدني مني يا فاطمة فأكبت عليه فناجاها، فرفعت رأسها وعيناها تهملان دموعاً فقال لها: أدني مني فدنت منه فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك، فتعجبنا لما رأينا فسألناها فأخبرتنا أنه نعى نفسه فبكيت فقال: يا بنية لا تجزعي فإني سألت ربي أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقاً بي فأخبرني أنه استجاب لي فضحكت، قال: ثم دعا النبي (صلّى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام) فقبلهما وشمهما وجعل يترشفهما وعيناه تهملان.

                  في علل الشرائع: عن الإمام الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال لما حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال للعباس: يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ فرد عليه وقال: يا رسول الله: أنا شيخ كبير كثير العيال، قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ قال: فأطرق هنيئة ثم قال: يا عباس أتأخذ تراث رسول الله وتنجز عداته وتؤدي دينه.

                  فقال: بأبي أنت وأمي أنا شيخ كبير كثير العيال قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أما إني سأعطيها من يأخذ بحقها.

                  ثم قال: يا علي يا أخا محمد أتنجز عداة محمد وتقضي دينه وتأخذ تراثه؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي.

                  فنزع خاتمه من إصبعه فقال: تختم بهذا في حياتي فوضعه علي (عليه السلام) في إصبعه اليمنى فصاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية وسيفي: ذي الفقار وعمامتي: السحاب والبرد والأبرقة والقضيب.

                  فقال: يا علي أن جبرائيل أتاني بها.

                  فقال: يا محمد إجعلها في حلقة الدرع واستوفر بها مكان المنطقة ثم دعا بزوجي نعال عربيين إحداهما مخصوفة والأخرى غير مخصوفه، والقميص الذي اسري به فيه، والقميص الذي خرج فيه يوم أحد والقلانس الثلاث قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين وقلنسوة كان يلبسها.

                  ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا بلال علي بالبغلتين: الصهباء والدلدل والناقتين: العضباء والصهباء والفرسين الجناح الذي كان يوقف بباب مسجد رسول الله لحوائج الناس، يبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الرجل في حاجته فيركبه وحيزوم وهو الذي يقول أقدم حيزوم.

                  والحمار اليعفور.

                  ثم قال: يا علي إقبضها في حياتي حتى لا ينازعك فيها أحد بعدي.

                  وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة (عليها السلام) بأبي وأمي أنت!!! أرسلي إلى بعلك فادعيه لي.

                  فقالت فاطمة للحسين (عليه السلام): إنطلق إلى أبيك فقل: يدعوك جدي.

                  فانطلق إليه الحسين فدعاه فأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى دخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) عنده وهي تقول: واكرباه لكربك يا أبتاه.

                  فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، إن النبي لا يشق عليه الجيب، ولا يخمش عليه الوجه، ولا يدعى عليه بالويل ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ولو عاش إبراهيم لكان نبياً.

                  ثم قال يا علي أدن مني.

                  فدنا منه فقال أدخل أذنك في في.

                  ففعل.

                  فقال: يا أخي ألم تسمع قول الله تعالى في كتابه (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)؟ قال: بلى يا رسول الله.

                  قال: هم أنت وشيعتك يجيئون غراً محجلين، شباعاً مرويين، أولم تسمع قول الله في كتابه (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية)؟ قال: بلى يا رسول الله.

                  قال: هم أعداؤك وشيعتهم، يجوزون يوم القيامة ظماء مظمئين، أشقياء معذبين، كفار منافقين، ذلك لك ولشيعتك، وهذا لعدوك ولشيعتهم.

                  ولما حضره الموت كان أمير المؤمنين (عليه السلام) حاضراً عنده فلما قرب خروج نفسه (صلّى الله عليه وآله) قال له: ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله تعالى فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصل علي أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله تعالى.

                  فأخذ علي (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وحهه وتندبه وتبكي وتقول:

                  وأبيض يستقى الغمام بوجهه*****ثمال اليتامى عصمة الأرامل

                  ففتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عينه، وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي (وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم)
                  فبكت طويلاً وأومأ إليها بالدنو منه فدنت منه فأسرّ إليها شيئاً تهلل وجهها له.

                  ثم قبض (صلّى الله عليه وآله) ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) تحت حنكه ففاضت نفسه (صلّى الله عليه وآله) فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره.

                  وقال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أوصى إلى علي (عليه السلام) أن لا يغسلني غيرك فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله من يناولني الماء؟ إنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أُقلّبك؟ فقال: جبرائيل معك يعاونك، ويناولك الفضل الماء، وقل له فليغمض عينيه، فإنه لا أحد يرى عورتي غيرك إلا انفقأت عيناه.

                  كان الفضل بن العباس يناوله الماء وجبرائيل يعاونه، وعلي يغسله، فلما أن فرغ من غسله وكفنه أتاه العباس فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا على أن يدفن النبي (صلّى الله عليه وآله) في بقيع المصلى، وأن يؤمهم رجل منهم، فخرج علي إلى الناس فقال: يا أيها الناس: أما تعلمون أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً؟ وهل تعلمون أنه (صلّى الله عليه وآله) لعن من يجعل مع الله إلهاً؟ ولعن من كسر رباعيته وشق لثته؟ فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت.

                  فقال: إني أدفن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في البقعة التي قبض فيها.

                  ثم قام على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون.

                  لما أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) غسل الرسول (صلّى الله عليه وآله) استدعى الفضل بن العباس فأمره أن يناوله الماء لغسله فغسله بعد أن عصب عينيه، ثم شق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ إلى سرته وتولى (عليه السلام) غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يعطيه الماء ويعينه عليه فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده، ولم يشترك معه أحد في الصلاة عليه، وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم بالصلاة عليه، وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام، وينصرفون، وإن الله تعالى لم يقبض نبياً في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها.

                  فسلم القوم لذلك ورضوا به، ولما صلى المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح، وكان ذلك عادة أهل مكة، وأنفذ (أرسل) إلى زيد بن سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد، فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك.

                  فوجد أبو طلحه فقيل له: احفر لرسول الله.

                  فحفر له لحداً، ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي إن نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يذهب، أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال ليدخل أنس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (عليه السلام) انزل القبر.

                  فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على يديه ودلاّه في حفرته، فلما حصل في الأرض قال له أخرج.

                  فخرج ونزل علي (عليه السلام) إلى القبر، فكشف عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووضع خده على الأرض موجهاً إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب.

                  وكان (عليه السلام) يرثي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول:

                  الموت لا والداً يبقي ولا ولـد****هذا السبيل إلى أن لا ترى أحد

                  هذا النبي ولم يخلد لأمتــــــه****لـــو خلّد الله خلقاً قبله خلـــــدا

                  للموت فينا سهام غير خاطئة****من فاته اليوم سهم لم يفته غدا

                  وكان (عليه السلام) يصلح قبر رسول الله بمسحاته، وكانت وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر في السنة العاشرة من الهجرة كما هو مشهور عند أهل بيته عليهم و(عليه السلام).

                  تعليق


                  • #10
                    آجركم الله يا سليل الرسالة وحشرك مع من تتولى وتحب محمد وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم اجمعين

                    تعليق


                    • #11
                      علي بن أبي طالب و خلافة من سبقه .

                      كان سلام الله عليه يعتبر المنهل العذب و الحل الأيسر لكل معضلة يقعوا بها لقصر العلم بها فأين هم من باب مدينة العلم و الحكمة ... و ربيب رسول الله و تلميذه النجيب

                      فمع أنهم غصبوا حقه في الخلافة إلا أن يتعين عليه مساعتدهم في الحكم على الناس حتى لا تقع المظالم على الخلث و هذا من واجبه كإمام معصوم منصب من الله عزوجل

                      و لن نذكر القصص التي وقعت فقد باتت معروفة للجميع و من أردها سأكتبها في موضوع آخر حول علم الإمام علي سلام الله عليه



                      علي بن أبي طالب في خلافته ...كيف تمت و ما الذي واجهتها هذه الفترة

                      بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان أجمعت الأمة على بيعة الإمام علي (عليه السلام) خليفة لها، وقد اجتاحت النفوس موجة من العاطفة نحوه، ولكنه رد الأمة بقوله: «.. دعوني والتمسوا غيري».

                      إن علياً أبى أن يكون أسيراً للعاطفة، فلعل نقمة بعض الناس على عثمان هي التي أججت نحوه العاطفة وشدت إليه التيار، وهو يريد من الأمة إقراراً إرادياً لإمامته...

                      ثم أن علياً ليس ممن تغريه المناصب وتستهويه الكراسي حتى يستجيب فور إقبال الناس عليه ولهذا لم يستجب لضغط الجمهور في بادئ الأمر، قبل وضعهم أمام اختبار ليتأكد من مدى قدرة الناس على تلقي مناهجه والاستجابة لخططه إذا تسلم زمام الأمر.

                      فبالرغم من أن العاصمة المقدسة «المدينة المنورة» قد أصرت على اختياره على شكل تظاهرات حقيقية وتجمعات مكثفة حتى صارت المطالبة بقيادته إجماعية ولا جماعية، فإنه (عليه السلام) بقي عند موقفه المتريث، بيد أن إصرار الأمة على بيعته جعلته يطرح عليها شروطه لقبول الخلافة، فإن بايعته الأمة وفقاً لما يملي من شروط استجاب هو لمطلبها في استخلافه...

                      وحين أذاع بيانه المتضمن لشروطه «.. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب..».

                      سارعت الأمة مذعنة لشروطه، ومدت يد البيعة على الطاعة إليه، فلبى مطلبها ليواجه مسؤولياته القيادة في الأمة الإسلامية على الصعيد الفكري والعملي...

                      وقد كانت من أولى مهامه (عليه السلام) أن يزيل صور الانحراف التي طرأت على الحياة الإسلامية، وأن يعود بالأمة إلى أصالة المنهج الإلهي

                      و أول الغارات على بلاد الإمام علي كانت بقيادة طلحة و الزبير و السيدة عائشة في موقعة الجمل على الرغم من أن طلحة والزبير كانا من أشد الناقمين على سياسة عثمان ومع أنهما سبقا الناس في البيعة للإمام علي (عليه السلام) بعد قتل عثمان، فإن الحركة التي قادها الإمام (عليه السلام) في الحياة الإسلامية لم تجد هوى في نفسهم فبدوا في العمل للخروج على الإمام (عليه السلام) وإثارة المسلمين عليه، فكانت حصيلة ذلك فتنة كبدت الأمة خسارة فادحة.

                      وقد بذل الإمام (عليه السلام) جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة فلم يأل جهداً في بذل النصح لهم وتحميلهم مغبة ما سيكون إذا نشبت الحرب، وهذه نصيحته (عليه السلام) لهما:

                      «أما بعد يا طلحة، ويا زبير، فقد علمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني، ولم أبايعهم حتى أكرهوني، وأنتما أول من بادر إلى بيعتي، ولم تدخلا في هذا الأمر، بسلطان غالب، ولا لعرض حاضر، وأنت يا زبير، ففارس قريش، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما، ألا وهؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه، وأنتما رجلان من المهاجرين، وقد أخرجتما أمكما من بيتها الذي أمرها الله تعالى أن تقر فيه، والله حسبكما..».

                      وفي البصرة استمر الإمام (عليه السلام) يبذل نصحه من أجل حقن الدماء، فأرسل للناكثين رسولاً يدعوهم للصلح ورأب الصدع.

                      كما التقى بالزبير وذكره بأمور جرت لهما في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها: ما حملك على ما صنعت يا زبير؟

                      قال: حملني على ذلك الطلب بدم عثمان!

                      فقال الإمام: إن أنصفت نفسك، أنت وأصحابك قتلتموه، ولكني أنشدك الله يا زبير أما تذكر، قال لك رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا زبير أتحب علياً، فقلت، وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي.

                      فقال لك: أما أنك تخرج عليه وأنت له ظالم!

                      فقال الزبير: اللهم بلى، قد كان ذلك.

                      فقال الإمام: «أنشدك الله أتذكر يوم جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عند بني عوف، وأنت معه، وهو آخذ بيدك فاستقبلته، فسلمت عليه، فضحك في وجهي، وضحكت إليه. فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال (صلى الله عليه وآله) لك: مهلاً يا زبير ليس بعلي زهو، ولتخرجن عليه يوماً وأنت ظالم له؟

                      قال الزبير: اللهم بلى، ولكني قد نسيت ذلك، وبعد أن ذكرتنيه لأنصرفنَّ».

                      وقد عزم الزبير على اعتزال الناس، غير أن ابنه عبد الله وصفه بالجبن إن هو أقدم على ذلك.

                      وهكذا تفجّر الموقف واندلع القتال بين المعسكرين..

                      وقد أسفرت المعركة عن انتصار ساحق لمعسكر الإمام (عليه السلام) فأعلن الإمام العفو العام عن جميع المشتركين في حربه:

                      «ألا لا يجهز على جريح، ولا يتبع مولٍ، ولا يطعن في وجه مدبر، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ولا يستحلن فرج ولا مال، وانظروا ما حضر به الحرب من آنية فاقبضوه، وما كان سوى ذلك، فهو لورثته، ولا يطلبن عبد خارج من المعسكر، وما كان من دابة أو سلاح فهو لكم، وليس لكم أم ولد –الأمة استولدت ذكراً أو أنثى– والمواريث على فريضة الله، وأي امرأة قتل زوجها، فلتعتد أربعة أشهر وعشراً.


                      حرب صفين

                      بعد أن تم لعلي (عليه السلام) النصر عاد بجيشه إلى الكوفة، وبعد أن عزز الجيش عزم على التوجه إلى الشام لتصفية المعارضة التي يقودها معاوية بن أبي سفيان هناك وسار الإمام (عليه السلام) على رأس جيشه، غير أن أنباء مسير الإمام (عليه السلام) نحو الشام قد بلغت الناكثين هناك، فقرروا ملاقاة الزحف الإسلامي فتلاقى الجيشان عند نهر الفرات...

                      وبدأ الإمام (عليه السلام) ببذل مساعيه لإصلاح الموقف بالوسائل السلمية، فأرسل وفداً ثلاثياً إلى معاوية، يدعوه إلى تقوى الله والحفاظ على وحدة الصف والدخول في إجماع الأمة «.. اذهبوا إلى هذا الرجل –معاوية– وادعوه إلى الله تعالى، وإلى الطاعة والجماعة، لعل الله تعالى أن يهديه، ويلتئم شمل هذه الأمة»

                      والتقى الوفد بقائد المعارضة، وأبلغوه بنوايا الإمام (عليه السلام) ووضعوه أمام الله تعالى وحذروه مغبة ما يقدم عليه، غير أن معاوية أبدى إصراراً، وقد ختم رده على الوفد «انصرفوا عني فليس عندي إلا السيف»

                      وحيث أن همّ الأمام (عليه السلام) أن يحقن دماء المسلمين ويصونهم من التمزق، ويدرأ التصدع عن صفهم، فقد طلب من معاوية أن ينازله إلى ميدان القتال فيتقاتلا دون الناس لكي تكون إمامة الأمة لمن يغلب «يا معاوية علام يقتتل الناس؟ أبرز إلي ودع الناس، فيكون الأمر لمن غلب».

                      إلا أن معاوية قد رفض خوفاً من بطش الإمام (عليه السلام) وبالرغم من أن الجيش الأموي قد بدأ القتال من جانبه، فإن الإمام (عليه السلام) قد التزم بضبط النفس كذلك وحاول أن يحصر القتال في حدود المبارزة المحدودة.

                      ولما لم تلق محاولات الإمام (عليه السلام) الرأب الصدع –الذي خلفه معاوية في صف الأمة– استجابة، تفجر الموقف بحرب واسعة النطاق استمرت أسبوعين دون هوادة.

                      وقد لاحت تباشير النصر لصالح معسكر الإمام (عليه السلام) وأوشكت القوى الباغية على الانهزام، فدبروا «خدعة المصاحف» فرفعوا المصاحف على رؤوس الرماح والسيوف.. مما نجم عن تلك الخطة الماكرة تغير جوهري في الموقف العام.

                      ولقد كان لرفع المصاحف من لدن معسكر معاوية صدى عميقاً في معسكر الإمام (عليه السلام) إذ سرعان ما سارت كثرة كاثرة من جيشه مطالبة بإيقاف القتال.. فكثر اللغط بين الصفوف وآثر الآلاف ترك الحرب..

                      واضطرو الإمام أن يبعث الأشعث بن قيس إلى معاوية للتعرف على ما يريد من وراء رفعه للمصاحف، فعاد يحمل رغبة معاوية في التحكيم.. ثم تلى ذلك الفصل الثاني من المأساة، فاختارت الغوغاء أبا موسى الأشعري لتمثيل معسكر الإمام (عليه السلام) بينما اختار معاوية عمرو ابن العاص. على أن الإمام (عليه السلام) قد رفض فكرة تمثيل الأشعري لمعسكره باعتبار أن الأشعري كان معتزلاً للإمام (عليه السلام) ولم يكن يرى في الإمام أهلاً لتولي الخلافة بعد عثمان - هو وآخرون ممن اعتزلوا الإمام (عليه السلام)– وكان يخذل الناس عن نصرة الإمام، مما حمل الإمام على عزله من ولاية الكوفة..

                      وقد رجح الإمام (عليه السلام) أن يكون الممثل لمعسكره في التحكيم عبد الله بن عباس، غير أن الغوغاء أصروا على اختيار أبي موسى الأشعري بالرغم من تأكيد الإمام على ضعفه ووهن رأيه إضافة إلى مرتكزاته الفكرية وموقفه من حكومة الإمام (عليه السلام).

                      وها هو الإمام (عليه السلام) يخاطب المخدوعين بقوله «قد عصيتموني في أول الأمر –يشير إلى قبول التحكيم وإيقاف القتال– فلا تعصوني الآن، لا أرى أن تولوا أبا موسى الحكومة فإنه ضعيف عن عمرو ومكائده».

                      إلا أنهم أصروا على اختيار الأشعري..
                      وقد جاءت نتائج التحكيم –كما توقع الإمام (عليه السلام) لصالح معاوية حيث بدأ الأمر يستتب له شيئاً فشيئاً



                      حرب النهروان

                      بعد واقعة التحكيم عاد الإمام (عليه السلام) بجيشه إلى الكوفة.. ففوجئ بخروج طائفة من جيشه يبلغ تعدادها أربعة آلاف، معلنة تمردها على الإمام (عليه السلام) فلم تدخل معه الكوفة.. وإنما سلكت سبيلها إلى حركة وراء، فاتخذت مواقعها هناك...

                      فعند تمرد تلك الفئة وخروجها من جيش الإمام (عليه السلام) أعلنت مبررات خروجها تحت شعار «لا حكم إلا لله، لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله، قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا معنا في حكمنا عليهم، وقد كانت منّا خطيئة وزلة حين رضينا بالحكمين، وقد تبنا إلى ربنا، ورجعنا عن ذلك، فارجع –يقصدون الإمام (عليه السلام)– كما رجعنا، وإلا فنحن منك براء

                      بيد أن الإمام (عليه السلام) أوضح لهم حينئذ أن الخلق الإسلامي يقتضي الوفاء بالعهد –الهدنة لمدة عام– الذي أبرم بين المعسكرين قائلاً: «ويحكم، بعد الرضا والعهد والميثاق أرجع؟»

                      أوليس الله يقول «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً، إن الله يعلم ما تفعلون»

                      ولقد كان الإمام (عليه السلام) عازماً على عدم التعرض لهم ابتداء ليمنحهم فرصة التفكير جدياً بما أقدموا عليه.

                      غير أنهم بدأوا يشكلون خطراً حقيقياً على دولة الإمام (عليه السلام) من الداخل.. وبدأ خطرهم يتعاظم فقتلوا بعض الأبرياء، وهددوا الآمنين، فقتلوا الصحابي الجليل عبد الله بن خباب وبقروا بطن زوجته وهي حامل مقرب دون مبرر.. وقتلوا نسوة من طي.

                      فلما بلغ أمرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) أرسل إليهم الحارث بن مرة العبدي، ليتعرف على حقيقة الموقف، غير أنهم قتلوه كذلك.

                      فلما علم الإمام (عليه السلام) بالأمر كرّ راجعاً من الأنبار –حيث كان قد اتخذها مركزاً لتجميع قواته المتجهة نحو الشام– وعندما اقتربت قواته منهم بذل مساعيه من أجل إصلاح الموقف دون إراقة للدماء، فبعث إليهم أن يرسلوا إليه قتلة المؤمنين عبد الله بن خباب والحارث العبدي وغيرهما وهو يكف عنهم، ولكنهم أجابوه: أنهم كلهم قتلوه..

                      وبعث الإمام (عليه السلام) إليهم الصحابي الجليل قيس بن سعد فوعظهم، وحذرهم مغبة موقفهم الأحمق... وأهاب بهم للرجوع عما يرون من جواز سفك دماء المسلمين وتكفيرهم دون وجه حق...

                      فأرسل إليهم أبا أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) وبعد أن وعظهم، رفع راية ونادى: من جاء هذه الراية –ممن لم يقتل– فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة أو المدائن فهو آمن لا حاجة لنا به بعد أن نصيب قتلة إخواننا.

                      وقد نجحت المحاولة إلى حد كبير حيث تفرقوا شيئاً بعد شيء حتى انخفض عددهم إلى أربعة آلاف إذ كان عددهم اثني عشر ألفاً.

                      وقد بدأ الباقون منهم الهجوم من جانبهم على جيش الإمام (عليه السلام) فأمر أصحابه بالكف عنهم حتى يبدؤوا بالقتال. فلما بدأ الخوارج القتال، طوقتهم قوات الإمام (عليه السلام) وتحقق الظفر لراية الحق.

                      رواه أبو سعيد الخدري قال «سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يخرج في هذه الأمة قوم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية»

                      تعليق


                      • #12
                        الإمام علي في ذمة الله ... شهيد المحراب

                        لبــــس الإســــــلام أبـــراد الســـــــواد *** يـــــوم أردى المرتضى سيف المرادي

                        ليـــــــلة مــــا أصبـــــحــــت إلا وقـــــد *** غـــــــلب الغــــــي عـــلى أمــر الرشاد

                        والصـــــــلاح انخــــــفــــضت أعـــلامه *** وغــــــدت تــــــــرفع أعـــــلام الفــساد

                        مـــــا رعـــــى الغـــــادر شــهر الله في *** حــــــجة الله عـــــــلى كـــــل العــــــباد

                        وبــــبــــيـــــــت الله قــــــد جـــــــدلــــه *** ساجـــــدا ينـــــشج مــن خــوف المعاد

                        قـــــــتـــــلوه وهــــــو فـــــي محــــرابه *** طــــــاوي الأحـــــشاء عـــن ماء وزاد

                        فــــــبكتـــه الإنـــــس والجــــــن مــــعا *** وطيـــــور الجـــــو مـع وحش البوادي

                        وبــــــكـــاه المـــــلأ الأعـــــــلى دمـــــا *** وغــــــدا جــــــبريل بالـــــويل يــــنادي

                        هــــــدمـــــت والله أركـــــان الهــــــدى *** حــــــيث لا مـــــن منذرٍ فينا ينادي

                        روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطب في آخر جمعة من شهر شعبان وتحدث عن شهر رمضان وشرفه وثواب الطاعة فيه فقام إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟

                        فقال: يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل، ثم بكى (صلى الله عليه وآله).

                        قال له أمير المؤمنين: يا رسول الله ما يبكيك؟

                        قال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك، وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة صالح فيضربك ضربة على مفرق رأسك، ويشقه نصفين ويخضّب لحيتك من دم رأسك.

                        فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟

                        فقال (صلى الله عليه وآله): في سلامة دينك؛ ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا علي من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبّك فقد سبّني، لأنك مني كنفسي، وروحك من روحي وطينتك من طينتي، وإن الله عز وجل خلقني وإياك واصطفاني وإياك، واختارني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي، يا علي أنت وصيي وأبو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري، ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية انك لحجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته على عباده

                        وفي الليلة التاسعة عشر كان الإمام (عليه السلام) في دار ابنته أم كلثوم فقدمت له فطوره في طبق فيه: قرصان من خبز الشعير، وقصعة فيها لبن حامض، فأمر الإمام ابنته أن ترفع اللبن، وأفطر بالخبز والملح، ولم يشرب من اللبن شيئاً لأن في الملح كفاية، وأكل قرصاً واحداً، ثم حمد الله وأثنى عليه، و قام إلى الصلاة، ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرعاً إلى الله تعالى، وكان يكثر الدخول والخروج وينظر إلى السماء ويقول: هي، هي والله الليلة التي وعدنيها حبيبي رسول الله.

                        ثم رقد هنيئة وانتبه مرعوباً وجعل يمسح وجهه بثوبه، ونهض قائماً على قدميه وهو يقول: اللهم بارك لنا في لقائك.

                        ويكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ثم صلى حتى ذهب بعض الليل، ثم جلس للتعقيب، ثم نامت عيناه وهو جالس، ثم انتبه من نومته مرعوباً، وقالت أم كلثوم: قال لأولاده: إني رأيت في هذه الليلة رؤيا هالتني وأريد أن أقصها عليكم قالوا: وما هي؟ قال: إني رأيت الساعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في منامي وهو يقول لي: يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب، يجيء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا والله مشتاق إليك، وإنك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان، فهلم إلينا فما عندنا خير لك وأبقى.

                        قال: فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب وأبدوا العويل، فأقسم عليهم بالسكوت فسكتوا، ثم أقبل عليهم يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر قالت أم كلثوم: لم يزل أبي تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ثم يخرج ساعة بعد ساعة يقلب طرفه في السماء وينظر في الكواكب وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت، وإنها الليلة التي وعدت بها، ثم يعود إلى مصلاه ويقول: اللهم بارك لي في الموت.

                        ويكثر من قول: (أنا لله وأنا إليه راجعون) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويصلى على النبي (صلّى الله عليه وآله) ويستغفر الله كثيراً قالت أم كلثوم فلما رأيته في تلك الليلة قلقاً متململاً كثير الذكر والاستغفار أرقت معه ليلتي وقلت: يا أبتاه ما لي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟ قال: يا بنية إن أباك قتل الأبطال وخاض الأهوال وما دخل الخوف له جوفاً، وما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة ثم قال: (أنا لله وأنا إليه راجعون).

                        فقلت يا أبا ما لك تنعى نفسك منذ الليلة؟ قال: بنية قد قرب الأجل وانقطع الأمل قالت أم كلثوم: فبكيت فقال لي يا بنية لا تبكي فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إلي النبي (صلّى الله عليه وآله) ثم إنه نعس وطوى ساعة ثم استيقظ من نومه، وقال: يا بنية إذا قرب الأذان فأعلميني.

                        ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى قالت أم كلثوم: فجعلت أرقب الأذان فلما لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء، ثم أيقظته فأسبغ الوضوء، وقام ولبس ثيابه وفتح بابه ثم نزل إلى الدار وكان في الدار إوز قد أهدي إلى أخي الحسين (عليه السلام) فلما نزل خرجن وراءه ورفرفن، وصحن في وجهه.

                        وكان قبل تلك الليلة لم يصحن فقال (عليه السلام): لا إله إلا الله، صوائح تتبعها نوائح، وفي غداة غد يظهر القضاء.

                        فقلت: يا أبتاه هكذا تتطير؟ فقال: بنية ما منا أهل البيت من يتطير ولا يتطير به.

                        ولكن قول جرى على لساني ثم قال: يا بنية بحقي عليك إلا ما أطلقتيه، وقد حبست ما ليس له لسان، ولا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش فأطعميه واسقيه وإلا خلي سبيله يأكل من حشائش الأرض.

                        فلما وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه فتعلق الباب بمئزره فانحل مئزره حتى سقط فأخذه وشده وهو يقول:

                        أشدد حيازيمك للموت **** فإن الموت لاقيكــــــا
                        ولا تجزع من المــوت **** إذا حــل بناديكــــــــا
                        كما أضحك الدهـــــــر **** كذاك الدهر يبكـــيكا

                        ثم قال: اللهم بارك لنا في الموت اللهم بارك لنا في لقائك قالت أم كلثوم: وكنت أمشي خلفه فلما سمعته يقول ذلك قلت: واغوثاه يا أبتاه أراك تنعى نفسك منذ الليلة قال: يا بنية ما هو بنعاء ولكنها دلالات وعلامات للموت يتبع بعضها بعضاً، فامسكي عن الجواب، ثم فتح الباب وخرج قالت أم كلثوم: فجئت إلى أخي الحسن (عليه السلام) فقلت: يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا وهو قد خرج في هذا الليل الغلس فالحقه فقام الحسن بن علي (عليه السلام) وتبعه فلحق به قبل أن يدخل الجامع فأمره الإمام بالرجوع فرجع.

                        عدو الله عبد الرحمن بن ملجم جاء تلك الليلة وبات في المسجد ينتظر طلوع الفجر ومجيء الإمام للصلاة وهو يفكر حول الجريمة العظمى التي قصد ارتكابها ومعه رجلان: شبيب بن بحرة ووردان بن مجالد يساعدانه على قتل الإمام.

                        وسار الإمام إلى المسجد فصلى في المسجد، ثم صعد المأذنة ووضع سبابته في أذنيه وتنحنح، ثم أذن، فلم يبق في الكوفة بيت إلا اخترقه صوته، ثم نزل عن المأذنة وهو يسبح الله ويقدسه ويكبره، ويكثر من الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله)، وكان يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم: الصلاة، يرحمك الله، قم إلى الصلاة المكتوبة ثم يتلو: (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر).

                        لم يزل الإمام يفعل ذلك حتى وصل إلى ابن ملجم وهو نائم على وجهه وقد أخفى سيفه تحت إزاره فقال له الإمام: يا هذا قم من نومك هذا فإنها نومة يمقتها الله، وهي نومة الشيطان، ونومة أهل النار بل نم على يمينك فإنها نومة العلماء، أو على يسارك فإنها نومة الحكماء، أو نم على ظهرك فإنها نومة الأنبياء.

                        ثم قال له الإمام: لقد هممت بشيء تكاد السماوات أن يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً، ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك ثم تركه، واتجه إلى المحراب، وقام قائماً يصلي، وكان (عليه السلام) يطيل الركوع والسجود في صلاته، فقام المجرم الشقي لإنجاز أكبر جريمة في تاريخ الكون!! وأقبل مسرعاً يمشي حتى وقف بازاء الاسطوانة التي كان الإمام يصلي عليها، فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وسجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها فتقدم اللعين وأخذ السيف وهزه ثم ضربه على رأسه الشريف فوقعت الضربة على مكان الضربة التي ضربه عمر بن عبدود العامري.

                        فوقع الإمام على وجهه قائلاً: بسم الله وعلى ملة رسول الله ثم صاح الإمام: قتلني ابن ملجم قتلني ابن اليهودية، أيها الناس لا يفوتكم ابن ملجم. و قد أخبر عن قاتله حتى لا يذهب الأبرياء ظلماً في مقتله

                        حتى في تلك اللحظة يحافظ الإمام على النظام وعلى حياة الناس، نبع الدم العبيط من هامة الإمام وسال على وجهه المنير، وخضب لحيته الكريمة وصدق كلام الرسول ووقع ما أخبر به، لم يفقد الإمام وعيه وما انهارت أعصابه بالرغم من وصول الضربة إلى جبهته وبين حاجبيه، فجعل يشد الضربة بمئزره ويضع عليها التراب، ولم يمهله الدم فقد سال على صدره وأزياقه، وعوضاً من التأوه والتألم والتوجع كان يقول (صلوات الله عليه): فزت ورب الكعبة! هذا ما وعد الله ورسوله! وصدق الله ورسوله! استولت الدهشة والذهول على الناس، وخاصة على المصلين في المسجد، وفي تلك اللحظة هتف جبرائيل بذلك الهتاف السماوي.

                        فاصطفت أبواب الجامع وضجت الملائكة في السماء بالدعاء وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة ونادى جبرائيل بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: تهدمت والله أركان الهدى وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى وانفصمت والله العروة الوثقى قتل ابن عم محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) قتل الوصي المجتبى قتل علي المرتضى، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء.

                        فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرائيل لطمت على وجهها، وخدها وشقت جيبها وصاحت: واأبتاه واعلياه وامحمداه واسيداه.

                        وخرج الحسن والحسين فإذا الناس ينوحون وينادون: واإماماه واأمير المؤمنيناه، قتل والله إمام عابد مجاهد لم يسجد لصنم قط وكان أشبه الناس برسول الله.

                        فلما سمع الحسن والحسين (عليهما السلام) صرخات الناس ناديا: واأبتاه واعلياه ليت الموت أعدمنا الحياة، فلما وصلا إلى الجامع ودخلا وجدا أبا جعدة بن هبيرة ومعه جماعة من الناس وهم يجتهدون أن يقيموا الإمام في المحراب ليصلي بالناس.

                        فلم يطق على النهوض، وتأخر عن الصف وتقدم الحسن (عليه السلام) فصلى بالناس، وأمير المؤمنين (عليه السلام) صلى إيماء من جلوس وهو يمسح الدم عن وجهه وكريمته يميل تارة ويسكن أخرى والحسن (عليه السلام) ينادي: واانقطاع ظهراه! يعز ـ والله ـ علي أن أراك هكذا ـ ففتح الإمام (عليه السلام) عينه.

                        وقال: يا بني لا جزع على أبيك بعد اليوم! هذا جدك محمد المصطفى وجدتك خديجة الكبرى وأمك فاطمة الزهراء والحور العين محدقون فينتظرون قدوم أبيك، فطب نفساً وقر عيناً وكف عن البكاء، فإن الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السماء.

                        ثم إن الخبر شاع في جوانب الكوفة وانحشر الناس حتى المخدرات خرجن من خدرهن إلى الجامع ينظرون إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فدخل الناس الجامع فوجدوا الحسن (عليه السلام) ورأس أبيه في حجره وقد غسل الدم عنه، وشد الضربة وهي بعدها تشخب دماً ووجهه قد زاد بياضاً بصفرة وهو يرمق السماء بطرفه، ولسانه يسبح الله ويوحده، وهو يقول أسألك يا رب الرفيع الأعلى.

                        فأخذ الحسن (عليه السلام) رأسه في حجره فوجده مغشياً عليه فعندها بكى بكاء شديداً وجعل يقبل وجه أبيه وما بين عينيه وموضع سجوده فسقط من دموعه قطرات على وجه أمير المؤمنين (عليه السلام) ففتح عينيه فرآه باكياً.

                        تعليق


                        • #13
                          فقال له الإمام (عليه السلام): يا بني يا حسن ما هذا البكاء؟ يا بني لا روع على أبيك بعد اليوم! يا بني أتجزع على أبيك وغداً تقتل بعدي مسموماً مظلوماً؟ ويقتل أخوك بالسيف هكذا؟ وتلحقان بجدكما وأبيكما وأمكما؟ فقال له الحسن (عليه السلام): يا أبتاه ما تعرفنا من قتلك؟ ومن فعل بك هذا؟ قال (عليه السلام): قتلني ابن اليهودية: عبد الرحمن بن ملجم المرادي فقال: يا أباه من أي طريق مضى؟ قا لا يمضي أحد في طلبه فإنه سيطلع عليكم من هذا الباب.

                          وأشار بيده الشريفة إلى باب كنده.

                          ولم يزل السم يسري في رأسه وبدنه ثم أغمي عليه ساعة والناس ينتظرون قدوم الملعون من باب كنده، فاشتغل الناس بالنظر إلى الباب ويرتقبون قدوم الملعون وقد غص المسجد بالعالم ما بين باكٍ ومحزون فما كان إلا ساعة وإذا بالصيحة قد ارتفعت، من الناس وقد جاءوا بعدو الله ابن ملجم مكتوفاً هذا يلعنه وهذا يضربه.

                          فوقع الناس بعضهم على بعض ينظرون إليه فأقبلوا باللعين مكتوفاً وهم ينهشون لحمه بأسنانهم، ويقولون له: يا عدو الله ما فعلت؟ أهلكت أمة محمد (صلّى الله عليه وآله) وقتلت خير الناس.

                          فلما جاءوا به أوقفوه بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما نظر إليه الحسن (عليه السلام): قال له: يا ويلك يا لعين! يا عدو الله! أنت قاتل أمير المؤمنين ومثكلنا بإمام المسلمين؟ هذا جزاؤه منك حيث آواك وقربك وأدناك وآثرك على غيرك؟ وهل كان بئس الإمام لك حتى جازيته هذا الجزاء يا شقي؟؟ فلم يتكلم بل دمعت عيناه.

                          فقال له الملعون: يا أبا محمد أفأنت تنقذ من في النار؟ فعند ذاك ضج الناس بالبكاء والنحيب.

                          فأمر الحسن (عليه السلام) بالسكوت ثم التفت الحسن (عليه السلام) إلى الذي جاء به حذيفة فقال له: كيف ظفرت بعدو الله وأين لقيته؟ فقال: يا مولاي كنت نائماً في داري إذ سمعت زوجتي الزعقة، وناعياً ينعي أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يقول: تهدمت والله أركان الهدى وانطمست والله أعلام التقى قتل ابن عم محمد المصطفى قتل علي المرتضى قتله أشقى الأشقياء.

                          فأيقظتني وقالت لي: أنت نائم؟ وقد قتل إمامك علي بن أبي طالب.

                          فانتبهت من كلامها فزعاً مرعوباً وقلت لها: يا ويلك ما هذا الكلام؟ رض الله فاك! لعل الشيطان قد ألقى في سمعك هذا أن أمير المؤمنين ليس لأحد من خلق الله تعالى قبله تبعه ولا ظلامة، فمن ذا الذي يقدر على قتل أمير المؤمنين؟ وهو الأسد الضرغام والبطل الهمام والفارس القمقام فأكثرت علي وقالت: إني سمعت ما لم تسمع وعلمت ما لم تعلم، فقلت لها: وما سمعت فأخبرتي بالصوت.

                          ثم قالت: ما أظن أن بيتاً في الكوفة إلا وقد دخله هذا الصوت.

                          قال: وبينما أنا وهي في مراجعة الكلام وإذا بصيحة عظيمة وجلبة وقائل يقول: قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فحس قلبي بالشر فمددت يدي إلى سيفي وسللته من غمده، وأخذته ونزلت مسرعاً، وفتحت باب داري وخرجت، فلما صرت في وسط الجادة نظرت يميناً وشمالاً فإذا بعدو الله يجول فيها، يطلب مهرباً فلم يجد، وإذا قد انسدت الطرقات في وجهه، فلما نظرت إليه وهو كذلك رابني أمره فناديته: من أنت وما تريد؟ لا أم لك! في وسط هذا الدرب؟ فتسمى بغير اسمه، وانتمى إلى غير كنيته فقلت له: من أين أقبلت؟ قال: من منزلي قلت: وإلى أين تريد لأن تمضي في هذا الوقت؟ قال إلى الحيرة، فقلت: ولم لا تقعد حتى تصلي مع أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة الغدة وتمضي في حاجتك؟ فقال: أخشى أن أقعد للصلاة فتفوتني حاجتي.

                          فقلت: يا ويلك إني سمعت صيحة وقائلاً يقول قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فهل عندك من ذلك خبر؟ قال: لا علم لي بذلك.

                          فقلت له: ولم لا تمضي معي حتى تحقق الخبر وتمضي في حاجتك؟ فقال: أنا ماض في حاجتي وهي أهم من ذلك.

                          فلما قال لي مثل ذلك القول قلت: يا لكع الرجال حاجتك أحب إليك من الجسس لأمير المؤمنين وإمام المسلمين؟ وإذا والله يا لكع ما لك عند الله من خلاق.

                          وحملت عليه بسيفي وهممت أن أعلو به، فراغ عني فبينما أنا أخاطبه وهو يخاطبني إذ هبت ريح فكشفت إزاره وإذا بسيفه يلمع تحت الإزار وكأنه مرآة مصقولة.

                          فلما رأيت بريقه تحت ثيابه قلت: يا ويلك ما هذا السيف المشهور تحت ثيابك؟ لعلك أنت قاتل أمير المؤمنين فأراد أن يقول: لا.

                          فأنطق الله لسانه بالحق فقال: نعم، فرفعت سيفي وضربته فرفع هو سيفه وهم أن يعلوني به فانحرفت عنه فضربته على ساقيه فأوقعته ووقع لجينه ووقعت عليه وصرخت صرخة شديدة وأردت أخذ سيفه فمانعني عنه، فخرج أهل الحيرة فأعانوني عليه حتى أوثقته وجئتك به، فهو بين يديك جعلني الله فداك فاصنع به ما شئت.

                          فقال الحسن (عليه السلام): الحمد لله الذي نصر وليه وخذل عدوه ثم انكب الحسن (عليه السلام) على أبيه يقبله وقال: يا أباه هذا عدو الله وعدوك قد أمكن الله منه.

                          ففتح عينيه (عليه السلام) وهو يقول: أرفقوا بي يا ملائكة ربي.

                          فقال له الحسن (عليه السلام): هذا عدو الله وعدوك ابن ملجم قد أمكن الله منه وقد حضر بين يديك.

                          ففتح أمير المؤمنين (عليه السلام) عينيه ونظر إليه وهو مكتوف وسيفه معلق في عنقه.

                          فقال له بضعف وانكسار صوت ورأفة ورحمة: يا هذا لقد جئت عظيماً، وارتكبت أمراً عظيماً، وخطباً جسيماً، أبئس الإمام كنت لك حتى جازيتني بهذا الجزاء؟ ألم أكن شفيقاً عليك وآثرتك على غيرك وأحسنت إليك وزدت في عطائك؟ ألم أكن يقال لي فيك كذا وكذا، فخليت لك السبيل ومنحتك عطائي؟ وقد كنت أعلم أنك قاتلي لا محالة ولكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالى عليك يا لكع فغلبت عليك الشقاوة فقتلتني يا شقي الأشقياء؟ فدمعت عينا ابن ملجم وقال يا أمير المؤمنين: أفأنت تنقذ من في النار.

                          قال له: صدقت ثم التفت (عليه السلام) إلى ولده الحسن (عليه السلام) وقال له: إرفق يا ولدي بأسيرك.

                          وارحمه وأحسن إليه واشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أم رأسه وقلبه يرجف خوفاً وفزعاً؟؟ فقال له الحسن (عليه السلام) يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به؟ فقال: نعم يا بني نحن أهل بيت لا نزداد على الذنب إلينا إلا كرماً وعفواً! والرحمة والشفقة من شيمتنا! بحقي عليك فاطعمه يا بني مما تأكله! واسقه مما تشرب! ولا تقيد له قدماً ولا تغل له يداً! فإن أنتا مت فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة ولا تحرقه بالنار ولا تمثل بالرجل فإني سمعت جدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، وإن أنا عشت فأنا أولى به بالعفو عنه وأنا أعلم بما أفعل به
                          و توجع الإمام ثلاث ليالي حتى إذا أسبل الروح وضجت الكوفة بالبكاء والنحيب، وخرجت النساء خلف الجنازة لاطمات فمنعهن الحسن وردهن إلى أماكنهم، والحسين يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أنا لله وأنا إليه راجعون، يا أبتاه واإنقطاع ظهراه، من أجلك تعلمت البكاء، إلى الله المشتكى.

                          أمر الإمام الحسن الناس بالإنصراف، ولم يبق إلا أولاد أمير المؤمنين وعدد قليل من أخص أصحابه المعتمد عليهم، فابتعدوا عن الكوفة في جوف الليل قاصدين النجف، وإذا بمقدم السرير قد وضع، فوضع الحسن والحسين مؤخر السرير، وقام الحسن وصلى مع جماعة على أبيه فكبر سبعاً كما أمر أبوه، ثم زحزح السرير، وكشف التراب وإذا بقبر مقبور ولحد مشقوق وساجة منقورة مكتوب عليها: هذا ادخره نوح النبي للعبد الصالح الطاهر بن المطهر.

                          ولما أرادوا إنزاله إلى القبر سمعوا هاتفاً يقول: أنزلوه إلى التربة الطاهرة فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب، فدهش الناس من سماع الهاتف، وانتهى الدفن قبل الفجر، وأخفوا قبره كما أوصى به، لأنه (عليه السلام) كان يعلم من عداوة الخوارج والأعداء له، فقد روي في منتخب التواريخ أن الحجاج بن يوسف نبش في النجف آلاف القبور يفتش عن جثمان علي (عليه السلام) ولكنه لم يعثر عليه، ولم يزل القبر مخفياً عن الناس لا يعرف به إلا أولاد الإمام وأخصاء الشيعة إلى أيام هارون الرشيد.

                          ولما فرغوا من دفن الإمام (عليه السلام) قام صعصعة بن صوحان يؤبن الإمام بهذه الكلمات، فوقف على القبر ووضع إحدى يديه على فؤاده والأخرى قد أخذ بها التراب وضرب به رأسه ثم قال: بأبي لأنت وأمي يا أمير المؤمنين هنيئاً لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك وظفرت برأيك، وربحت تجارتك، وقدمت على خالقك فتلقاك ببشارته، وحفتك ملائكته، واستقررت في جوار المصطفى فأكرمك الله بجواره، ولحقت بدرجة أخيك المصطفى وشربت بكأسه الأوفى، فأسأل الله أن يمن علينا باقتفائنا أثرك، والعمل بسيرتك، والموالاة لأوليائك، والمعاداة لأعدائك، وأن يحشرنا في زمرة أوليائك، فقد نلت ما لم ينله أحد، وأدركت ما لم يدركه أحد، وجاهدت في سبيل ربك بين يدي أخيك المصطفى حق جهاده، وقمت بدين الله حق القيام حتى أقمت السنن، وأبرت الفتن، واستقام الإسلام وأنتظم الإيمان، فعليك مني أفضل الصلاة والسلام، بك أعتدل ظهر المؤمنين واتضحت أعلام السبل، وأقيمت السنن، وما جمع لأحد مناقبك وخصالك، سبقت إلى إجابة النبي (صلّى الله عليه وآله) مقدماً مؤثراً، وسارعت إلى نصرته، ووقيته بنفسك ورميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر، قصم الله بك كل جبار عنيد، وذل بك كل ذي بأس شديد، وهدم بك حصون أهل الشرك والكفر والعدوان والردى، وقتل بك أهل الضلال من العدى، فهنيئاً لك يا أمير المؤمنين كنت أقرب الناس من رسول الله قربى وأولهم سلماً وأكثرهم علماً وفهماً.

                          فهنيئاً لك يا أبا الحسن، لقد شرف الله مقامك، وكنت أقرب الناس إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نسباً، وأولهم إسلاماً وأوفاهم يقيناً، وأشدهم قلباً، وأبذلهم لنفسه مجاهداً، وأعظمهم في الخير نصيباً، فلا حرمنا الله أجرك، ولا ذلنا بعدك، فوالله لقد كانت حياتك مفاتيح للخير ومغالق للشر، وإن يومك هذا مفتاح كل شر ومغلاق كل خير، ولو أن الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة.

                          ذكر ابن أبي الحديد أن صعصعة بن صوحان العبدي رثا أمير المؤمنين علياً بهذه الأبيات:

                          ألا، من لي بأنسك يا أخيـــــــا**ومــن لي أن أبثك ما لديـــا؟
                          طوتك خطوب دهر قد تولـــــى**لذاك خطوبه نشراً وطيـــــــا
                          فلو نشرت قواك لي المنايـــــا**شكــوت إليك ما صنعت إليا
                          بكيتك يا علي بدرّ عينـــــــــي**فلم يغن البكاء عليك شيـــــا
                          كفى حزناً بدفنك ثم إنــــــــي**نفضـت تراب قبرك من يديا
                          وكانت في حياتك لي عظـــــاة**وأنت اليوم أوعظ منك حيــا
                          فيا أسفي عليك وطول شوقي**ألا لو أن ذلك رد شيــــــــــا

                          ثم بكى بكاءً شديداً وأبكى كل من كان معه، وعدلوا إلى الحسن والحسين ومحمد وجعفر والعباس ويحيى وعون وعبد الله، فعزوهم في أبيهم وانصرف الناس ورجع أولاد أمير المؤمنين إلى الكوفة ولم يشعر بهم أحد:

                          قم ناشد الإسلام عن مصابـــــــه**أصيـب بالنبي أم كتابــــــه
                          بلى قضى نفـس النبي المصطفى**وأدرج الليلة في أثوابـــــه
                          فاصفر وجــــه الدين لاصفـراره**وخضــب الإيمان لختضابـه
                          قتلتم الصلاة في محرابهــــــــــا**يا قاتليه وهو في محرابـــه

                          ثم عمدوا إلى عبد الرحمن بن ملجم فقتلوه، وهجم الناس على قطام وقطعوها بالسيوف ونهبوا دارها وأحرقوا جثتها وجثة أبن ملجم.

                          في ناسخ التواريخ لما توفي أمير المؤمنين (عليه السلام) وقتل أبن ملجم، خرج أبن عباس إلى الناس فقال: إن أمير المؤمنين توفي، وقد ترك لكم خلفاً، فإن أحببتم خرج إليكم، وإن كرهتم فلا أحد على أحد، فبكى الناس وقالوا: بل يخرج إلينا.

                          فخرج الإمام الحسن وعليه ثوب أسود، واعتلى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولم يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه، وكان رسول الله يوجهه برايته، فيكفيه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه.

                          ولقد توفي في الليلة التي نزل فيها القرآن، وعرج فيها بعيسى بن مريم، والتي قبض فيها يوشع بن نون وصي موسى، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطيته أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس..


                          و موعدنا إن شاء الله مع الإمام الحسن سلام الله عليه و سيرته الزكية

                          تعليق


                          • #14
                            اللهـــــــم صل على محمد وآل محمــــــــــد

                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .........

                            مولانا / جزاك الله عن كل حرف كتبته خير الجزاء وأحسنه ، وجمعك الله بآل بيت النبوة


                            قسماً بدمائك يا حيدر ،، وبشبلك محزوز المنحر ..... باقِ بولائي وبكل وفائي

                            لن أخشى ممن يتجبر ،، خذ عيني ،، لا بل خذ أكثر .... اعطيك دمائي وبكل وفائي

                            تعليق


                            • #15
                              أختي العزيزة رردة شكراً لك و هذا الموضوع عسى أن يعم بالفائدة عليكم


                              أخي العزيز مرتضى ... جزاك الله عنا كل الخير


                              أختي العزيزة مبتدئة12 جزاك الله ألف خير ... أسأل الله العلي القدير أن يكون هذا الموضوع فيه من الفائدة في بيان بعض الجوانب التي قد يكون التاريخ غيبها عن الواقع

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
                              ردود 2
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X