الحسين مع ابن عمر وابن عباس :
وكان عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر مقيمين في مكة حينما أقبل الامامم الحسين إليها، وقد خفا لاستقباله والتشرف بخدمته، وكانا قد عزما على مغادرة مكة، فقال له ابن عمر ! " أبا عبد الله، رحمك الله، اتق الله الذي إليه معادك، فقد عرفت من عداوة أهل البيت - يعني بني أمية - لكم، وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية، ولست آمن أن يميل الناس إليه لمكان هذه الصفراء موطن، يريدون في ذلك قتله، وسفك دمه، وهو لم يشرك بالله ولا اتخذ من دونه وليا، ولم يتغير عما كان عليه رسول الله (ص).
" وانبرى ابن عباس يؤيد كلامه، ويدعم قوله قائلا :
" ما أقول :
فيهم الا انهم كفروا بالله ورسوله، ولا ياتون الصلاة الا وهم كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا الى هؤلاء، ومن يظل الله فلن تجد له سبيلا، وعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى، وأما أنت يا بن رسول الله فانك راس الفخار برسول الله، فلا تظن يابن بنت رسول الله أن الله غافل عما يفعل الظالمون وأنا اشهد أن من رغب عن مجاورتك، وطمع في محاربتك، ومحاربة نبيك محمد فماله من خلاق..." .
وانبرى الامام الحسين فصدق قوله قاثلا :
" اللهم نعم " .
وانطلق ابن عباس يظهر له الاستعداد للقيام بنصرته قاثلا :
" جعلت فداك يابن بنت رسول الله، كانك تريدني إلى نفسك ، وتريد مني أن أنصرك، والله الذي لا إله إلا هو ان لو ضربت بين يديك بسيفي هذا بيدي حتى انخلعا جميعا سن كفي لما كنت ممن وفى من حقك عشر العشر، وها انا بين يديك مرني بامرك " .
وقطع ابن عمر كلامه، وأقبل على الحسين فقال له :
" مهلا عما قد عزمت عليه، وارجع من هنا الى المدينة، وادخل في صلح القوم، ولا تغب عن وطنك، وحرم جدك رسول الله (ص) ولا تجعل لهؤلاء الذين لا خلاق لهم على نفسك حجة، وسبيلا، وإن أحببت أن لا تبايع فانت متروك حتى ترى رايك، فان يزيد بن معاوية عسى أن لا يعيش إلى قليلا فيكفيك الله أمره " .
وزجره الامام، ورد عليه قوله قائلا :
والبيضاء، فيقتلونك، ويهلك فيك بشر كثير، فاني قد سمعت رسول الله (ص) يقول :
" حسين مقتول، ولئن قتلوه وخذلوه، ولن ينصروه ليخذلهم الله إلى يوم القيامة، وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس واصبر كما صبرت لمعاوية من قبل، فلعل الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين.
" .
فقال له ابي الضيم " " أنا أبايع يزيد، وأدخل في صلحه ؟
! ! وقد قال النبي (ص) فيه وفي أبيه ما قال " :
وانبرى ابن عباس فقال له :
" صدقت أبا عبد الله قال النبي (ص) في حياته :
" ما لي وليزيد لا بارك الله في يزيد، وانه يقتل ولدي، وولد ابنتي الحسين، والذي نفسي بيده، لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه الا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم " .
وبكى ابن عباس والحسين، والتفت إليه قائلا :
" يا بن عباس أتعلم أني ابن بنت رسول الله (ص) ؟
" .
" اللهم نعم..نعلم ما في الدنيا أحد هو ابن بنت رسول الله غيرك وان نصرك لفرض على هذه الامة كفريضة الصلاة والزكاة التي لا يقبل أحدهما دون الاخرى.." .
فقال له الحسين :
" يا بن عباس، ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله (ص) من داره، وقراره، ومولده وحرم رسوله، ومجاورة قبره ومسجده وموضع مهاجره، فتركوه خائفا مرعوبا لا يستقر في قرار، ولا ياوي في " اف لهذا الكلام أبدا ما دامت السماوات والارض، اسالك يا عبد الله أنا عندك على خطا من أمري ؟
فان كنت على خطا ردني فانا أخضع، وأسمع وأطيع " :
فقال ابن عمر :
" اللهم لا، ولم يكن الله تعالى يجعل ابن بنت رسول الله على خطا وليس مثلك من طهارته وصفوته من رسول الله (ص) على مثل يزيد ابن معاوية، ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف وترى من هذه الامة ما لا تحب، فارجع معنا إلى المدينة، وان لم تحب أن تبايع، فلا تبايع أبدا، واقعد في منزلك " .
" والتفت إليه الامام فاخبره عن خبث الامويين، وسوء نواياهم نحوه قائلا :
" هيهات يا بن عمر ان القوم لا يتركوني، وإن أصابوني، وان لم يصيبوني، فلا يزالون حى أبايع وأنا كاره، أو يقتلوني، أما تعلم يا عبد الله ان من هوان الدنيا على الله تعالى أنه أتي براس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني اسرائيل، والراس ينطق بالحجة عليهم ؟! !
أما تعلم يا أبا عبد الرحمن ان بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كلهم كانهم لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل الله عليهم ثم أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر..".
وكشفت هذه المحاورة عن تصميمه على الثورة، وعزمه على مناجزة يزيد لانه لا يتركه وشانه، فاما أن يبايع، وبذلك يذل هو ويذل الاسلام وتستباح حرماته، وأما أن يقتل عزيزا كريما، فاختار المنية للحفاظ على كرامته وكرامة الامة ومقدساتها .
وصيته لابن عباس :
وأقبل الحسين على ابن عباس، فعهد إليه بهذه الوصية قائلا :
" وأنت يابن عباس ابن عم أبي، لم تزل تامر بالخير منذ عرفتك ، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد والسداد، وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك، وتشير عليه بالصواب، فامض إلى المدينة في حفظ الله، ولا تخف علي شيئا من أخبارك، فاني مستوطن هذا الحرم ، ومقيم به ما رايت أهله يحيبونني، وينصرونني، فاذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم، واستعصمت بالكلمة التي قالها ابراهيم يوم ألقي في النار (حسبي الله ونعم الوكيل، فكانت النار عليه بردا وسلاما..).
رسائله الى زعماء البصرة :
وكتب الامام الى رؤساء الاخماس بالبصرة يستنهضهم على نصرته والاخذ بحقه وقد كتب إلى الاشراف ومن بينهم :
1 - مالك بن مسمع البكري
2 - الاحنف بن قيس
3 - المنذر بن الجارود
4 - مسعود بن عمرو
5 - قيس بن الهيثم
6 - عمر بن عبيد الله بن معمر وقد أرسل كتابا إليهم بنسخة واحدة وهذا نصه :
" أما بعد :
فان الله اصطفى محمدا (ص) من خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه، وقد نصح لعباده، وبلغ ما أرسل به، وكنا أهله وأولياءه وأوصياؤه وورثته، وأحق الناس بمقامه فاستاثر علينا قومنا بذلك، فرضينا، وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه :
وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فان السنة قد أميتت، والبدعة قد أحببت فان تسمعوا قولي :
اهدكم إلى سبيل الرشاد.." .
والقت هذه الرسالة الاضواء على الخلافة الاسلامية فهي - حسب تصريح الامام - حق لاهل البيت (ع) لانهم الصق الناس برسول الله (ص) وأكثرهم وعيا لاهدافه إلا أن القوم استاثروا بها، فلم يسع العترة الطاهرة إلا الصبر كراهة للفتنة وحفظا على وحدة المسلمين...كما حفلت هذه الرسالة بالدعوة إلى الحق بجميع رحابه ومفاهيمه، فدعت إلى احياء كتاب الله وسنة نبيه فان الحكم الاموي عمد إلى اقصائهما عن واقع الحياة...
وعلق بعض الكتاب على دعوة الامام لاهل البصرة لبيعته فقال :
" ان رسالة الحسين إلى أهل البصرة ترينا كيف كان يعرف مسؤليته ويمضي معها، فاهل البصرة لم يكتبوا إليه :
ولم يدعوه الى بلدهم، كما فعل أهل الكوفة، ومع هذا فهو يكتب إليهم، ويعدهم للمجابهة المحتومة ذلك أنه حين قرر أن ينهض بتبعات دينه وأمته، كان قراره هذا آتيا من أعماق روحه وضميره، وليس من حركة أهل الكوفة ودعوتهم إياه " .
وعلى أي حال فقد بعث الامام كتبه لاهل البصرة بيد مولى له يقال له سليمان، ويكني أبا رزين، وقد جد في السير حتى انتهى الى البصرة فسلم الكتب الى أربابها .
جواب الاحنف بن قيس :
وأجاب الاحنف بن قيس زعيم العراق الامام برسالة كتب فيها هذه الاية الكريمة ولم يزد عليها " فاصبر ان وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " وقد طلب من الامام الخلود الى الصبر، ولا يستخفه الذين لا يوقنون بالله ولا يرجون له وقارا .
استجابة يزيد بن مسعود :
واستجاب الزعيم الكبير يزيد بن مسعود النهشلي إلى تلبية نداء الحق فاندفع بوحي من ايمانه وعقيدته إلى نصرة الامام، فعقد مؤتمرا عاما دعا فيه القبائل العربية الموالية له وهي :
1 - بنو تميم
2 - بنو حنظلة
3 - بنو سعد ولما اجتمعت هذه القبائل، انبري فيهم خطيبا، فوجه خطابه أولا إلى بني تميم فقال لهم:
" يا بني تميم : كيف ترون موضعي فيكم، وحسبي منكم ؟
! " وتعالت أصوات بني تميم، وهي تعلن ولاءها المطلق، واكبارها له قائلين بلسان واحد :
" بخ بخ ! ! أنت والله فقرة الظهر، وراس الفخر حللت في الشرف وسطا، وتقدمت فيه فرطا.." وسره تاييدهم فانطلق يقول :
إني جمعتكم لامر أريد أن أشاوركم، وأستعين بكم عليه.." واندفعوا جميعا يظهرون له الولاء والطاعة قائلين :
" إنا والله نمنحك النصيحة، ونجهد لك الراى فقل حتى نسمع " وتطاولت الاعناق، واشرابت النفوس لتسمع ما يقول :
الزعيم الكبير، وانبرى قائلا :
" إن معاوية مات، فاهون به - والله - هالكا ومفقودا، الا انه قد انكسر باب الجور والاثم، وتضعضعت أركان الظلم، وكان قد احدث بيعة عقد بها أمرا ظن أنه قد أحكمه، وهيهات الذي أراد ! ! اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل، وقد قام يزيد شارب الخمور وراس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين، ويتامر عليهم بغير رضا منهم مع قصر حلم وقلة علم، لا يعرف من الحق موطا قدميه، فاقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين .
وهذا الحسين بن علي، وابن رسول الله (ص) ذو الشرف الاصيل والراي الاثيل له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف، وهو أولى بهذا الامر لسابقته وسنه، وقدمه وقرابته، يعطف على الصغير، ويحسن إلى الكبير، فاكرم به راعي رعية، وامام قوم وجبت لله به الحجة وبلغت به الموعظة، فلا تعشوا عن نور الحق، ولا تسكعوا في وهد الباطل، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله (ص) ونصرته، والله لا يقصر أحدكم عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده، والقلة في عشيرته .
وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها، وادرعت لها بدرعها، من لم يقتل يمت، ومن يهرب لم يفت، فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب " وحفل هذا الخطاب الرائع بامور بالغة الاهمية وهي :
أولا - : الاستهانة بهلاك معاوية، وانه قد انكسر بموته باب الظلم والجور .
ثانيا - : القدح في بيعة معاوية ليزيد .
ثالثا - : عرض الصفات الشريرة الماثلة في يزيد من الادمان على الخمر، وفقد الحلم، وعدم العلم، وعدم التبصر بالحق .
رابعا - : الدعوة إلى الالتفات حول الامام الحسين (ع) وذلك لما يتمتع به من الصفات الشريفة كاصالة الفكر، وغزارة العلم، وكبر السن، والعطف على الكبير والصغير وغير ذلك من النزعات الكريمة التي تجعله أهلا لامامة المسلمين .
خامسا - : انه عرض للجماهير عن استعداده الكامل للقيام بنصرة الامام والذب عنه .
وكان عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر مقيمين في مكة حينما أقبل الامامم الحسين إليها، وقد خفا لاستقباله والتشرف بخدمته، وكانا قد عزما على مغادرة مكة، فقال له ابن عمر ! " أبا عبد الله، رحمك الله، اتق الله الذي إليه معادك، فقد عرفت من عداوة أهل البيت - يعني بني أمية - لكم، وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية، ولست آمن أن يميل الناس إليه لمكان هذه الصفراء موطن، يريدون في ذلك قتله، وسفك دمه، وهو لم يشرك بالله ولا اتخذ من دونه وليا، ولم يتغير عما كان عليه رسول الله (ص).
" وانبرى ابن عباس يؤيد كلامه، ويدعم قوله قائلا :
" ما أقول :
فيهم الا انهم كفروا بالله ورسوله، ولا ياتون الصلاة الا وهم كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا الى هؤلاء، ومن يظل الله فلن تجد له سبيلا، وعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى، وأما أنت يا بن رسول الله فانك راس الفخار برسول الله، فلا تظن يابن بنت رسول الله أن الله غافل عما يفعل الظالمون وأنا اشهد أن من رغب عن مجاورتك، وطمع في محاربتك، ومحاربة نبيك محمد فماله من خلاق..." .
وانبرى الامام الحسين فصدق قوله قاثلا :
" اللهم نعم " .
وانطلق ابن عباس يظهر له الاستعداد للقيام بنصرته قاثلا :
" جعلت فداك يابن بنت رسول الله، كانك تريدني إلى نفسك ، وتريد مني أن أنصرك، والله الذي لا إله إلا هو ان لو ضربت بين يديك بسيفي هذا بيدي حتى انخلعا جميعا سن كفي لما كنت ممن وفى من حقك عشر العشر، وها انا بين يديك مرني بامرك " .
وقطع ابن عمر كلامه، وأقبل على الحسين فقال له :
" مهلا عما قد عزمت عليه، وارجع من هنا الى المدينة، وادخل في صلح القوم، ولا تغب عن وطنك، وحرم جدك رسول الله (ص) ولا تجعل لهؤلاء الذين لا خلاق لهم على نفسك حجة، وسبيلا، وإن أحببت أن لا تبايع فانت متروك حتى ترى رايك، فان يزيد بن معاوية عسى أن لا يعيش إلى قليلا فيكفيك الله أمره " .
وزجره الامام، ورد عليه قوله قائلا :
والبيضاء، فيقتلونك، ويهلك فيك بشر كثير، فاني قد سمعت رسول الله (ص) يقول :
" حسين مقتول، ولئن قتلوه وخذلوه، ولن ينصروه ليخذلهم الله إلى يوم القيامة، وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس واصبر كما صبرت لمعاوية من قبل، فلعل الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين.
" .
فقال له ابي الضيم " " أنا أبايع يزيد، وأدخل في صلحه ؟
! ! وقد قال النبي (ص) فيه وفي أبيه ما قال " :
وانبرى ابن عباس فقال له :
" صدقت أبا عبد الله قال النبي (ص) في حياته :
" ما لي وليزيد لا بارك الله في يزيد، وانه يقتل ولدي، وولد ابنتي الحسين، والذي نفسي بيده، لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه الا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم " .
وبكى ابن عباس والحسين، والتفت إليه قائلا :
" يا بن عباس أتعلم أني ابن بنت رسول الله (ص) ؟
" .
" اللهم نعم..نعلم ما في الدنيا أحد هو ابن بنت رسول الله غيرك وان نصرك لفرض على هذه الامة كفريضة الصلاة والزكاة التي لا يقبل أحدهما دون الاخرى.." .
فقال له الحسين :
" يا بن عباس، ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله (ص) من داره، وقراره، ومولده وحرم رسوله، ومجاورة قبره ومسجده وموضع مهاجره، فتركوه خائفا مرعوبا لا يستقر في قرار، ولا ياوي في " اف لهذا الكلام أبدا ما دامت السماوات والارض، اسالك يا عبد الله أنا عندك على خطا من أمري ؟
فان كنت على خطا ردني فانا أخضع، وأسمع وأطيع " :
فقال ابن عمر :
" اللهم لا، ولم يكن الله تعالى يجعل ابن بنت رسول الله على خطا وليس مثلك من طهارته وصفوته من رسول الله (ص) على مثل يزيد ابن معاوية، ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف وترى من هذه الامة ما لا تحب، فارجع معنا إلى المدينة، وان لم تحب أن تبايع، فلا تبايع أبدا، واقعد في منزلك " .
" والتفت إليه الامام فاخبره عن خبث الامويين، وسوء نواياهم نحوه قائلا :
" هيهات يا بن عمر ان القوم لا يتركوني، وإن أصابوني، وان لم يصيبوني، فلا يزالون حى أبايع وأنا كاره، أو يقتلوني، أما تعلم يا عبد الله ان من هوان الدنيا على الله تعالى أنه أتي براس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني اسرائيل، والراس ينطق بالحجة عليهم ؟! !
أما تعلم يا أبا عبد الرحمن ان بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كلهم كانهم لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل الله عليهم ثم أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر..".
وكشفت هذه المحاورة عن تصميمه على الثورة، وعزمه على مناجزة يزيد لانه لا يتركه وشانه، فاما أن يبايع، وبذلك يذل هو ويذل الاسلام وتستباح حرماته، وأما أن يقتل عزيزا كريما، فاختار المنية للحفاظ على كرامته وكرامة الامة ومقدساتها .
وصيته لابن عباس :
وأقبل الحسين على ابن عباس، فعهد إليه بهذه الوصية قائلا :
" وأنت يابن عباس ابن عم أبي، لم تزل تامر بالخير منذ عرفتك ، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد والسداد، وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك، وتشير عليه بالصواب، فامض إلى المدينة في حفظ الله، ولا تخف علي شيئا من أخبارك، فاني مستوطن هذا الحرم ، ومقيم به ما رايت أهله يحيبونني، وينصرونني، فاذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم، واستعصمت بالكلمة التي قالها ابراهيم يوم ألقي في النار (حسبي الله ونعم الوكيل، فكانت النار عليه بردا وسلاما..).
رسائله الى زعماء البصرة :
وكتب الامام الى رؤساء الاخماس بالبصرة يستنهضهم على نصرته والاخذ بحقه وقد كتب إلى الاشراف ومن بينهم :
1 - مالك بن مسمع البكري
2 - الاحنف بن قيس
3 - المنذر بن الجارود
4 - مسعود بن عمرو
5 - قيس بن الهيثم
6 - عمر بن عبيد الله بن معمر وقد أرسل كتابا إليهم بنسخة واحدة وهذا نصه :
" أما بعد :
فان الله اصطفى محمدا (ص) من خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه، وقد نصح لعباده، وبلغ ما أرسل به، وكنا أهله وأولياءه وأوصياؤه وورثته، وأحق الناس بمقامه فاستاثر علينا قومنا بذلك، فرضينا، وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه :
وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فان السنة قد أميتت، والبدعة قد أحببت فان تسمعوا قولي :
اهدكم إلى سبيل الرشاد.." .
والقت هذه الرسالة الاضواء على الخلافة الاسلامية فهي - حسب تصريح الامام - حق لاهل البيت (ع) لانهم الصق الناس برسول الله (ص) وأكثرهم وعيا لاهدافه إلا أن القوم استاثروا بها، فلم يسع العترة الطاهرة إلا الصبر كراهة للفتنة وحفظا على وحدة المسلمين...كما حفلت هذه الرسالة بالدعوة إلى الحق بجميع رحابه ومفاهيمه، فدعت إلى احياء كتاب الله وسنة نبيه فان الحكم الاموي عمد إلى اقصائهما عن واقع الحياة...
وعلق بعض الكتاب على دعوة الامام لاهل البصرة لبيعته فقال :
" ان رسالة الحسين إلى أهل البصرة ترينا كيف كان يعرف مسؤليته ويمضي معها، فاهل البصرة لم يكتبوا إليه :
ولم يدعوه الى بلدهم، كما فعل أهل الكوفة، ومع هذا فهو يكتب إليهم، ويعدهم للمجابهة المحتومة ذلك أنه حين قرر أن ينهض بتبعات دينه وأمته، كان قراره هذا آتيا من أعماق روحه وضميره، وليس من حركة أهل الكوفة ودعوتهم إياه " .
وعلى أي حال فقد بعث الامام كتبه لاهل البصرة بيد مولى له يقال له سليمان، ويكني أبا رزين، وقد جد في السير حتى انتهى الى البصرة فسلم الكتب الى أربابها .
جواب الاحنف بن قيس :
وأجاب الاحنف بن قيس زعيم العراق الامام برسالة كتب فيها هذه الاية الكريمة ولم يزد عليها " فاصبر ان وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " وقد طلب من الامام الخلود الى الصبر، ولا يستخفه الذين لا يوقنون بالله ولا يرجون له وقارا .
استجابة يزيد بن مسعود :
واستجاب الزعيم الكبير يزيد بن مسعود النهشلي إلى تلبية نداء الحق فاندفع بوحي من ايمانه وعقيدته إلى نصرة الامام، فعقد مؤتمرا عاما دعا فيه القبائل العربية الموالية له وهي :
1 - بنو تميم
2 - بنو حنظلة
3 - بنو سعد ولما اجتمعت هذه القبائل، انبري فيهم خطيبا، فوجه خطابه أولا إلى بني تميم فقال لهم:
" يا بني تميم : كيف ترون موضعي فيكم، وحسبي منكم ؟
! " وتعالت أصوات بني تميم، وهي تعلن ولاءها المطلق، واكبارها له قائلين بلسان واحد :
" بخ بخ ! ! أنت والله فقرة الظهر، وراس الفخر حللت في الشرف وسطا، وتقدمت فيه فرطا.." وسره تاييدهم فانطلق يقول :
إني جمعتكم لامر أريد أن أشاوركم، وأستعين بكم عليه.." واندفعوا جميعا يظهرون له الولاء والطاعة قائلين :
" إنا والله نمنحك النصيحة، ونجهد لك الراى فقل حتى نسمع " وتطاولت الاعناق، واشرابت النفوس لتسمع ما يقول :
الزعيم الكبير، وانبرى قائلا :
" إن معاوية مات، فاهون به - والله - هالكا ومفقودا، الا انه قد انكسر باب الجور والاثم، وتضعضعت أركان الظلم، وكان قد احدث بيعة عقد بها أمرا ظن أنه قد أحكمه، وهيهات الذي أراد ! ! اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل، وقد قام يزيد شارب الخمور وراس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين، ويتامر عليهم بغير رضا منهم مع قصر حلم وقلة علم، لا يعرف من الحق موطا قدميه، فاقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين .
وهذا الحسين بن علي، وابن رسول الله (ص) ذو الشرف الاصيل والراي الاثيل له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف، وهو أولى بهذا الامر لسابقته وسنه، وقدمه وقرابته، يعطف على الصغير، ويحسن إلى الكبير، فاكرم به راعي رعية، وامام قوم وجبت لله به الحجة وبلغت به الموعظة، فلا تعشوا عن نور الحق، ولا تسكعوا في وهد الباطل، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله (ص) ونصرته، والله لا يقصر أحدكم عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده، والقلة في عشيرته .
وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها، وادرعت لها بدرعها، من لم يقتل يمت، ومن يهرب لم يفت، فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب " وحفل هذا الخطاب الرائع بامور بالغة الاهمية وهي :
أولا - : الاستهانة بهلاك معاوية، وانه قد انكسر بموته باب الظلم والجور .
ثانيا - : القدح في بيعة معاوية ليزيد .
ثالثا - : عرض الصفات الشريرة الماثلة في يزيد من الادمان على الخمر، وفقد الحلم، وعدم العلم، وعدم التبصر بالحق .
رابعا - : الدعوة إلى الالتفات حول الامام الحسين (ع) وذلك لما يتمتع به من الصفات الشريفة كاصالة الفكر، وغزارة العلم، وكبر السن، والعطف على الكبير والصغير وغير ذلك من النزعات الكريمة التي تجعله أهلا لامامة المسلمين .
خامسا - : انه عرض للجماهير عن استعداده الكامل للقيام بنصرة الامام والذب عنه .
تعليق