إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

لماذا الإجحاف بحق بعض الإئمة سلام الله عليهم ؟؟؟؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    إستشهاده سلام الله عليه

    وقيل : كانت وفاته عليه السلام في الخامس والعشرين من شّوال.

    وقيل : في النصف من رجب، والأوّل هو المشهور، واتّفق المؤرّخون من الفريقين على أن وفاته كانت عام 148 كما قلنا.

    كما اتّفق مؤلفو الشيعة على أن المنصور اغتاله بالسمّ على يد عامله بالمدينة، وقيل أن السّم كان في عنب كما ذكر ذلك الكفعمي في المصباح.

    وذكر بعض أهل السنّة أيضاً موته بالسمّ، كما في «إِسعاف الراغبين» و«نور الأبصار» و«تذكرة الخواص» و«الصواعق المحرقة» وغيرها.


    ولمّا كاد أن يلفظ النفس الأخير من حياته أمر أن يجمعوا له كلّ مَن بينه وبينهم قرابة، وبعد أن اجتمعوا عنده فتح عينيه في وجوههم فقال مخاطباً لهم : إِن شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة.

    وهذا يدلّنا على عظم اهتمام الشارع الأقدس بالصلاة، فلم تشغل إِمامنا عليه السلام ساعة الموت عن هذه الوصيّة، وما ذاك إِلا لأنه الإمام الذي يهمّه أمر الاُمة وإِرشادها الى الصلاح حتّى آخر نفس من حياته، وكانت الصلاة أهم ما يوصي به ويلفت اليه.

    وأحسب إِنما خصّ أقرباءه بهذه الوصيّة، لأن الناس ترتقب منهم الإصلاح والإرشاد فيكون تبليغ هذه الوصيّة على ألسنتهم أنفذ، ولأنهم عترة الرسول فعسى أن يتوهّموا أن قربهم من النبي وسيلة للشفاعة بهم وإِن تسامحوا في بعض أحكام الشريعة، فأراد الصادق أن يلفتهم الى أن القرب لا ينفعهم ما لم يكونوا قائمين بفرائض اللّه.

    وكانت زوجته اُمّ حميدة تعجب من تلك الحال وأن الموت كيف لم يشغله عن الاهتمام بشأن هذه الوصيّة، فكانت تبكي اذا تذكّرت حالته تلك.

    وأمر أيضاً وهو بتلك الحال لكلّ واحد من ذوي رحمه بصلة، وللحسن الأفطس بسبعين ديناراً، فقالت له مولاته سالمة : أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك ؟ قال : تريدين ألا أكون من الذين قال اللّه عزّ وجل فيهم : «والذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب» نعم يا سالمة إِن اللّه خلق الجنّة فطيّب ريحها، وإِن ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريحها عاقّ ولا قاطع رحم.

    وهذا أيضاً يرشدنا الى أهميّة صِلة الأرحام بعد الصلاة وقد كشف في بيانه عن أثر القطيعة.

    وما اكتفى عليه السلام بصِلة رحمه فقط بل وصل من قطعه منهم بل مَن همّ بقتله، تلك الأخلاق النبويّة العالية

    فسلام عليك حين ولدت و حين تموت و حين تبعث حياً

    و موعدنا إن شاء الله مع الإمام موسى بن جعفر الكاظم

    تعليق


    • #62
      اللهــــــــــم صل على محمد وآل محمــــــــــــــد

      ، ولا سؤدد لسيّئ الخلق . ))


      آه يا مولاي يا أبا عبد الله ، لقد زعموا محبتكم وولائكم ، فأين هم عن مثل مناهل علمك ، علمتهم وأوفيت ، وهاهم اليوم يستميتون إنكارا لـ (( لولا السنتان لهلك النعمان )) ... فنعم ما أعطيت وبئس ما جوزيت منهم ..

      السلام عليك وعلى آبائك والمعذرة عن تقصيرنا

      تعليق


      • #63
        اللهــــــــم صل على محمد وآل محمـــــــــــد

        قال الأربلي :


        القـــائم الصــــــائم أكــــرم بــه مــــــن قــــائم مجـــتهد صــائمِ

        مـن معشر سنّو الندى والقرى وأشرقــــوا فـــــي الزمن القائمِ

        وأحـرزوا خصل العلى فاغتدوا أشــــرف خــــلق الله في العالمِ

        يـــــروي المعالي عــــالمٌ منهم مـــصدّق في النـــقل عـن عالمِ

        قد اســتووا في شرف المرتقى كــــــما تـــــساوت حلقة الخاتم

        مـــن ذا يجاريهم إذا ما اعتزوا إلــــــى عــــليِّ وإلى فاطـــــــمِ

        ومـــن يناويـــــهم إذا عــــدّدو خيــر بني الدنيا أبا القاســــــــــمِ



        معذرة مولاي سليل ، فهذه الأبيات أنقلها لاستقبال السيرة العطرة فأرجو معذرتنا ...

        تعليق


        • #64
          بسم الله الرحمن الرحيم

          اللهم صلي على محمد و آل محمد

          نكمل معكم السيرة العطرة لأئمة أهل البيت سلام الله عليهم و موضوعنا هو الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

          نسبه الشريف :

          هو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي


          مولده الشريف :

          يبدو أن قرية ( الأبواء ) الواقعة بين المدينة ومكة ، كانت تستقطب قوافل الحجاج من آل البيت أكثر من غيرها ، لأنها كانت مثوى أم الرسول آمنة بنت وهب .

          وفي طريقهم إلى المدينة قافلين من حج بيت اللـه الحرام حطت قافلة الإمام أبي عبد اللـه الصادق (ع) في هذه القرية ، وذلك في اليوم السابع عشر من شهر صفر الخير ، عام 128 هـ - على أشهر الروايات -، حيث قدم الإمام المائدة لضيوفه ، وجاءه الرسول من عند نسائه تبشره بالوليد المبارك .


          أبواه :
          والده : إمام الهدى أبو عبد اللـه جعفر بن محمد الصادق (ع) .

          والدتـــه : حميدة البربرية التي ربما كانت من الأندلس أو من المغرب ، وكانت تلقب بـ ( حميدة المصفـــاة ) .

          وقد كانت حميدة من فضليات النساء حيث اضطلعت بمهمة نشر الرسالة ، وقد روت بعض الأحاديث عن زوجها (ع) .

          فعن ابن سنان ، عن سابق بن الوليد ، عن المعلّى بن خنيس أن أبا عبد اللـه (ع) قال : ( حميدة مصفّاة من الأدناس ، كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أُدِّيت إليَّ كرامةً من اللـه لي والحجة من بعدي )


          صفاته :

          كانت ملامحه الشخصية (ع) تعبر عن تلك النفس الكبيرة ، وتلك المسؤولية العظمى التي كان عليه أدائها . ذلك الهاشمي الكريم أزهر الملامح ، مربع القامة ، تمام خضر ، حالك ، كث اللحية ، يفيض مطابة وجلالاً .

          وتكشف ألقابه عن الصفات الرسالية التي تجلّت فيه فهو : الكاظم والصابر والصالح ، والأمين . وفعلاً كانت حياته حافلة بتجليات هذه الصفات الفضيلة .



          نشأته :

          خلال عشرين عاماً من عمره الشريف كان والده الإمام أبو عبد اللـه الصادق (ع) يتعهده بالرعاية ، ويشير إلى فضائله ويبين لخاصة أوليائه أنه سيد ولده ، وأنه الإمام من بعده .

          إن الإمامة لابد أن تكون بنص صريح ، وقد تواترت النصوص على الأئمة الإثني عشر من الرسول الأكرم (ص) ، وهكذا كان كل إمام يوصي بمن بعده ، فلهذا كان الموالون لآل البيت (ع) حريصين على التأكد من إمامهم يسألون السلف عن الخلف .

          يــروي عبد الرحمن بن الحجاج يقول : دخلت على جعفر بن محمد في منزله وهو في بيت كذا من دار ،

          في مسجدٍ له وهو يدعو ، وعلى يمينه موسى بن جعفر يؤمِّن على دعائه ، فقلت له : جعلني اللـه فداك قد عرفت انقطاعي إليك ، وخدمتي لك ، فمن وليّ الأمر بعدك ؟ قال : ( يا عبد الرحمن إن موسى قد لبس الدرع فاستوت عليه ، فقلت له : لا أحتاج بعدها إلى شيء ) .

          وكان الإمام الصادق (ع) يوصي سائر أبنائه بحق ابنه موسى (ع) ، فهذا عبد اللـه بن جعفر أكبر سناً من الإمام موسى يتحدث إليه والده ويقول له : ما يمنعك أن تكون مثل أخيك ، فواللـه إني لأعرف النور في وجهــــه ، فقال عبد اللـه : وكيف ؟ أليس أبي وأبوه واحداً ؟ وأصلي وأصله واحداً ؟ فقال له أبو عبد اللـــه : ( إنه من نفسي وأنت ابني ).

          وكانت حياة الإمام موسى (ع) متميّزة منذ الصبا ، ولذلك فقد كانت في ذلك أمارة مقامه العظيم . جاء في حديث مأثور عن صفوان الجمّال وهو من خواصّ الشيعة ، سألت أبا عبد اللـه عن صاحب هذا الأمر ، قال : صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب ، وأقبل أبو الحسن وهو صغير ومعه بهمة عناق مكية ويقول لها: ( اسجدي لربك ، فأخذه أبو عبد اللـه وضمه إليه وقال بأبي أنت وأمي من لا يلهو ولا يلعب ).

          وهكذا شبّ موسى بن جعفر محبوباً بين إخوته بسبب وصفه المميز ، وعملا بوصايا والده بحقه ، فكان بين إخوته المتمسّكين بولاية علي بن جعفر ، جاء في الحديث المأثور عن محمد بن الوليد قال :

          ( سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق (ع) يقول : سمعت أبا جعفر بن محمد (ع) يقول لجماعة من خاصته وأصحابه : استوصوا بموسى ابني خيراً فإنه أفضل ولدي ، ومن أخلّف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة للـه عزّ وجلّ على كافة خلقه من بعدي ، وكان علي بن جعفر شديد التمسك بأخيه موسى، والإنقطاع إليه ، والتوفر على أخذ معالم الدين منه ، وله مسائل مشهورة عنه ، وجوابات رواها سماعاً منه، والأخبار فيما ذكرناه أكثر من أن تحصى على ما بيًّناه ووصفناه ).

          ولأن عهد الإمام الصادق (ع) مميَّز ببعض الانفراج ، وقد انتشرت معارف أهل البيت وأصبح مذهبهم من بين المذاهب الأكثر شيوعاً واتباعاً في العالم الإسلامي ، فلقد كان الخوف على مستقبل الطائفة شديداً ، حيث كان يخشى من طمع بعض القيادات في الرئاسة على الطائفة ، وربما انجرف معهم بعض أولاد الإمام الصادق أو أحفاده ، لذلك فقد كان تأكيد الإمام على أن الوصي بعده ابنه موسى شديداً ومستمراً .

          وهكذا كان فلقد انحرف البعض وزعم أن الوليّ بعد الإمام الصادق ( عليه السلام ) ابنه الأكبر إسماعيل، وقالوا بأنه لم يمت على عهد أبيه إنما غاب عن الأنظار .

          وكانت الفرقة الإسماعيلية ذات الشوكة التي أسست أكبر حركة ثورية بعد الحركة الرسالية ، وبَنت دولة عظيمة في شمال إفريقيا وكانت هذه الحركة وليدة هذا التصور الخاطىء .

          من هنا أشهد الإمام الصادق (ع) كبار شيعته على وفاة ابنه وأكد لهم أن الوصي الحق بعده إنما هو موسى (ع) .

          فلقد روي عن زرارة بن أعين أنه قال :

          ( دخلت على أبي عبد اللـه (ع) وعن يمينه سيد ولده موسى (ع) وقدّامه مرقد مغطى ، فقال لي : يا زرارة جئني بداود الرّقي ، وحمران ، وأبي بصير ، ودخل عليه المفضل بن عمر ، فخرجت فأحضرت من أمرني بإحضاره ، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد ، حتى صرنا في البيت ثلاثين رجلاً .

          فلما حشد المجلس قال : يا داود اكشف لي عن وجه اسماعيل ، فكشف عن وجهه ، فقال ابو عبد اللـه (ع) : يا داود أحيّ هو أم ميت ؟ قال داود : يا مولاي هو ميت ، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل ، حتى أتى على آخر من في المجلس وكل يقول : هو ميت يا مولاي ، فقال : اللـهم اشهد ثم أمر بغسله وحنوطه ، وإدراجه في أثوابه .

          فلما فرغ منه قال للمفضل : يا مفضل أحسر عن وجهه ، فحسر عن وجهه فقال : أحيّ هو أم ميت ؟ فقال ميت قال : اللـهم اشهد عليهم ، ثم حمل إلى قبره ، فلما وضع في لحده قال : يا مفضل أكشف عن وجهه ، وقال للجماعة : أحيّ هو أم ميت ؟ قلنا له : ميت فقال : اللـهم اشهد ، واشهدوا فإنه سيرتاب المبطلون ، يريدون إطفاء نور اللـه بأفواههم ثم أومأ إلى موسى ، واللـه متم نوره ولو كره المشركون ، ثم حثوا عليه التراب ، ثم أعاد علينا القول فقال : الميت المكفن المحنط المدفون في هذا اللحد من هو ؟ فقلنا : إسماعيل قال : اللـهم اشهد ، ثم أخذ بيد موسى (ع) وقال : هو حق والحق معه ومنه ، إلى أن يرث اللـه الأرض ومن عليها )





          عصر الإمام موسى بن جعفر (ع) :

          لقد كانت مدّة إمامة الكاظم (ع) خمسةً وثلاثين عاماً حيث اضطلع بها منذ أن كان عمره عشرين ربيعاً عام 148 هـ إلى أن استشهد عام 183 هـ وعمره خمسة وخمسون عاماً .

          وهكذا عاصر من ملوك بني العباس بقية ملك المنصور ، وملك المهدي لمدة ( 10) سنوات ، والهادي لمدة سنة واحدة ، وهارون الملقب بالرشيد لمدة (15) عاماً .

          وكان ملك بني العباس من أقوى ما يكون خلال هذه الفترة حتى سمّي عصر الرشيد بالعصر الذهبي ، ولا ريب أن قوة البلاد الإسلامية خلال هذا العصر لا يمكن قياسها بسائر العصور ، وفي ذات الوقت كانت الحركة الرسالية قد بلغت من القوة خلال عهد الإمام الكاظم (ع) ما أهّله للقيام بثورة شاملة لولا بعض الأقدار التي منعت اندلاع الثورة ، وأخرت نجاحها .

          وقد بلغ الصراع بين السلطة العباسية والحركة الرسالية الذَّروة في عهد الرشيد ، حيث نستوحي من مجموعة نصوص وحوادث تاريخية أن مخطط الثورة كان جاهزاً ، وأن السلطة العباسية قد فشلت في احتواء الثورة على أنها كانت في عصرها الذهبي ، ذلك لأن أنصار الحركة الرسالية قد ازدادوا ليس فقط بين الناس بل كان بعض كبار رجالات الدولة يميلون إلى حدٍ ما إلى الحركة الرسالية ، ولعل ذلك يفسر لنا محاولة المأمون العباسي خليفة الرشيد ، للتقرب إلى البيت العلوي وبالذات إلى الإمام علي بن موسى الرضا (ع) الذي قتل الرشيد والده (ع) . والحوادث التي تهدينا إلى تلك الحقيقة هي التالية :

          لقد بدأ الرساليون في ذلك الظرف يتناقلون الكلام ، وبلغ الأمر إلى السلطات ، إلى درجة أنه شاع وفشى ، فاعتقلت مجموعة من الرساليين وسجنت الإمام (ع) وقتلته بعد ذلك.

          ولقد شاعت فكرة قيام الإمام السابع إلى درجة أن السلطة استخدمتها كورقة إعلامية ضد الحركة الرسالية ، بعد أن دسّت السمّ إلى الإمام وقتلته في غياهب سجون بغداد ، كيف ؟

          إن من المعروف أن القائم لا يموت حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً ، وها هو الإمام السابع قد فارق الحياة ، إذاً هو ليس القائم المنتظر .

          وهكذا حاولت السلطة إبراز التناقض في أقوال الحركة الرسالية ، حيث نادى أزلام السلطة على نعش الإمام الكاظم (ع) ما يلي :

          هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت ، فانظروا إليه فنظروا .

          والواقع أن ( فشل الثورة ) أو تأخيرها ، واستشهاد الإمام المنتظر لقيادتها ، سبّب صدمة عنيفة لبعض أبناء الحركة الرسالية ، وكان امتحاناً عسيراً لولا ما ظهر بعدئذ من حكمة ذلك حيث تحول الوضع السياسي لمصلحتهم بعد هارون من دون إراقة الدماء .

          ولقد استغل بعض أصحاب المصالح الطامعين في الرئاسة أو المال هذه الصدمة عند السذّج من الناس ، وطفقوا يقولون أن موسى بن جعفر (ع) لم يمت ، وأنه لا يموت حتى يقوم بالأمر .

          ولقد قاوم الإمام علي بن موسى الرضا (ع) هذا المذهب الفاسد ، حتى اضمحل ولم يعد لهم وجود يذكر .

          فمثلاً جاء في الحديث المأثور عن جعفر بن محمد النوفلي قال : أتيت الرضا (ع) وهو بقنطرة أربق ، فسلمت عليه ثم جلست وقلت : جعلت فداك إن أناساً يزعمون أن أباك حيّ ، فقال : كذبوا لعنهم اللـه ، لو كان حياً ما قسم ميراثه ولا نكح نساءه ، ولكنه واللـه ذاق الموت كما ذاقه عليّ بن أبي طالب (ع) .

          وهكذا كانت المواجهة بين السلطة العباسية والحركة الرسالية قد بلغت الذروة ، وكان مخطط الثورة الشاملة جاهزاً لولا إذاعة السرّ ومبادرة السلطة باعتقال الإمام موسى الكاظم . وقد سردنا نصوصاً وشواهد تاريخية على ذلك ، وهناك المزيد من الشواهد نبينها فيما يلي :



          عهد الرشيد : قمة الإرهاب العباسي :

          بسبب تصاعد المد الرسالي ، وازدياد احتمالات سقوط النظام العباسي ، مارس هارون الرشيد إرهاباً لا مثيل له في تاريخ المواجهة بين السلطة العباسية وأئمة آل البيت (ع) .

          وسائر ألقابه أيضاً تدل على ميزة عصره ، فقد كان شيعته يكنون عنه بـ ( العبد الصالح ) و ( النفس الزكية ) و ( الصابر ) وتنوع كناه يدل أيضاً على السرّية التي اتسمت بها الحركة في عصره ، فهو “ أبو الحسن “ و “ أبو علي “ و “ أبو إبراهيم “ وقيل أيضاً “ أبو إسماعيل “ .

          ولقد بقي سيدنا الإمام موسى (ع) فترة طويلة في سجون آل عباس ، وكانت شهادته أيضاً بصورة مأساوية لا يساويها إلاّ شهادة جده أبي عبد اللـه الحسين (ع) ، وذلك يدل على أن خشيتهم كانت عظيمة من قيامه (ع) ضد ظلمهم وإرهابهم ، ذلك لأنه لا أحد من الطغاة كان يفكّر في تكرار غلطة يزيد بن معاوية في قتله لسيد الشهداء (ع) بصورة علنية ، إنما كانوا يفضلوا اغتيال أئمة آل البيت للتخلص منهم ، وللبراءة من دمائهم عند الجماهير المسلمة الذين كانوا يكّنون لآل بيت رسول اللـه كل ولاء واحترام .

          حتى الرشيد الذي استشهد الكاظم (ع) في سجنه ، حاول التبرؤ من دمه ، والتمويه بانه مات حتف أنفه ، أو أن السندي بن شاهك قائد شرطته هو الذي بادر بقتل الإمام دون أمره.

          ومن هنا نعلم أن السلطة لم تخاطر بقتل سيد أهل البيت ، لو لم تشعر بالخوف على مركزها . على أن السلطة قد قتلت - صبراً - الكثير من قيادات البيت العلوي

          تعليق


          • #65
            محنة البيت العلوي :

            وهكذا كانت محنة البيت العلوي عظيمة في تلك الحقبة ، حيث أنهم رفضوا التسليم لإرهاب النظام ، فزجّ بهم في السجون الرهيبة ، ومورس في حقهم كل ألوان التعذيب ، كما قتل النظام الكثير منهم صبراً . وإن ذلك لدليل على قوة شوكة المعارضة الرسالية وتهديدها للنظام ، كما هو دليل على مدى احتمال هذا البيت الطاهر للمآسي والمصائب من أجل رسالات اللـه ، ولم يكن عبثاً تأكيد الرسول (ص) على الإهتمام باهل بيته واعتبارهم ورثته ، وجعلهم محور أهل الحق ، وإن مثلهم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهلك .

            وفي القصة التالية بعض تلك المحن العظيمة التي توالت على أهل بيت الرسول من أبناء فاطمة وعلي عليهم السلام .

            عن عبيد اللـه البزاز النيسابوري - وكان مسناً - قال : كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة ، فرحلت إليه في بعض الأيّام ، فبلغه خبر قدومي فاستحضرني للوقت وعليّ ثياب السفر لم أغيّرها ، وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر .

            فلمّا دخلت إليه رأيته في بيت يجري فيه الماء فسلمت عليه وجلست ، فأتي بطست وإبريق فغسَّل يديه ، ثم أمرني فغسلت يدي واحضرت المائدة وذهب عني أنَي صائم وأني في شهر رمضان ، ثمّ ذكرت فأمسكت يدي ، فقال لي حميد : مالك لا تأكل ؟ فقلت أيها الأمير هذا شهر رمضان ، ولست بمريض ولا بي علّة توجب الإفطار ، ولعلّ الأمير له عذر في ذلك أو علّة توجب الإفطار ، فقال : ما بي علّة توجب الإفطار وإنّي لصحيح البدن ، ثم دمعت عيناه وبكى .

            فقلت له بعدما فرغ من طعامه : ما يبكيك أيّها الأمير ؟ فقال : أنفذ إليّ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب ، فلمّا دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتقد وسيفاً أخضر مسلولاً وبين يديه خادم واقف ، فلما قمت بين يديه رفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال ، فأطرق ثم أذن لي في الانصراف .

            فلم ألبث في منزلي حتى عاد الرسول إليَّ وقال : أجب أمير المؤمنين ، فقلت في نفسي : أنا واللـه أخاف أن يكون قد عزم على قتلي وأنه لما رآني استحيى منّي ، فعدت إلى بين يديه فرفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد ـ فتبسم ضاحكاً ، ثم أذن لي في الانصــراف .

            فلما دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إليَّ فقال : أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه وهو على حاله ، فرفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ، فقلت : بالنفس والمال والأهل والولدل والدين فضحك ، ثم قال لي : خذ هذا السيف وامتثل ما يامِّرك به هذا الخادم .

            قال : فتناول الخادم السيف وناولنيه وجاء بي إلى بيت بابه مغلق ففتحه فإذا به بئر في وسطه ، وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ، ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور والذوائب ، شيوخ وكهول وشبّان مقيَّدون ، فقال لي : إنَّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، وكانوا كلهم علويّة من ولد علي وفاطمة (ع) فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه حتى أتيت على آخرهم ، ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر .

            ثم فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضاً عشرون نفسا من العلويّة من ولد علي وفاطمة (ع) مقيدون ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ويرمي به في تلك البئر ، حتى أتيت على آخرهم ، ثم فتح باب البيت الثالـث فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً من ولد علي وفاطمة (ع) ، مقيدون عليهم الشعور والذوائب فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضاً فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه فيرمي به في تلك البئر ، حتى أتيت على تسعة عشر نفساً منهم ، وبقي شيخ منهم عليه شعر فقال لي : تبّاً لك يا مشؤوم أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدنا رسول اللـه (ص) وقد قتلت من أولاده ستين نفساً ، قد ولدهم عليّ وفاطمة (ع) ، فارتعشت يدي وارتعدت فرائصي فنظر إليَّ الخادم مغضباً وزبرني ، فأتيت على ذلك الشيخ أيضاً فقتلته ورمى به في تلك البئر ، فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستين نفساً من ولد رسول اللـه (ص) فما ينفعني صومي وصلاتي وأنا لا أشك أني مخلد في النار



            محنة العلماء الرساليين :

            وكانت محنة العلماء الكبار من الموالين لآل البيت عظيمة أيضاً أو ليسوا شيعة آل محمد (ص) ؟ فلابد أن يقتدوا بهم في بلائهم ، ومن أعظمهم بلاء محمد بن أبي عمير الأزدي البغدادي وهو في نفس الوقت من أعظمهم شأناً . وكان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة ، وأنسكهم نسكاً ، وأورعهم وأعبدهم ، وحكي عن الجاحظ أنه قال : كان أوحد أهل زمانه في الأشياء كلها ، وقال أيضاً : وكان وجهاً من وجوه الرافضة ، حبس أيام الرشيد ليلي القضاء . وقيل بل ليدلّ على الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر (ع) ، وضرب على ذلك ، وكاد يقر لعظيم الألم ، فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن يقول له : إتق اللـه يا محمد بن أبي عمير فصبر ففرّج اللـه عنه ، وروى الكشي أنه ضرب مائة وعشرين خشبة أيام هارون ، وتولى ضربه السندي بن شاهك ، وكان ذلك على التشيع ، وحبس فلم يفرج عنه ، حتى أدى من ماله واحداً وعشرين ألف درهم ، وروي أن المأمون حبسه حتى ولاه قضاء بعض البلاد ، وروى الشيخ المفيد في الاختصاص أنه حبس سبع عشرة سنة ، وفي مدة حبسه دفنت أخته كتبه فبقيت مدة أربع سنين ، فهلكت الكتب ، وقيل أنه تركها في غرفة فسال عليها المطر ، لذلك حدّث من حفظه ، ومما كان سلف له في أيدي الناس أدرك أيام الكاظم (ع) ولم يحدث عنه ، وأيام الرضا والجواد (ع) وحدّث عنهما ، ومات سنة 217



            إن التقية في ذلك الوقت تستلزم على الناس الذين يعملون مع الحكومة و يخافون أن يظهروا تشيعهم و نورد بعض الروايات في هذا الأمر

            1) قصة الدرّاعة :

            في الوقت الذي كان علي بن يقطين (( و هو أحد وزراء الرشيد و لكنه كان من الموالين و كاتم لتشيعه )) مقرباً إلى الرشيد ، كان جواسيسه لا يفتأون يحيطون به وبسائر الوزراء ، إذ كان هاجس موالاة وزراءه للإمام الحق موسى بن جعفر (ع) يلاحق الرشيد ليل نهار ، إلاّ أن العلم الإلهي الذي كان لأئمة آل البيت (ع) منع الرشيد من إثبات أي شيء بحق علي بن يقطين ، كما أن انضباط علي بن يقطين وشدة التزامه بالأوامر القيادية فوّتت على الرشيد فرصاً كثيرة ، ومنها ما ذكرت قصة الدرّاعة التي نبيِّنها فيما يلي : -

            روى إبراهيم بن الحسن بن راشد ، عن ابن يقطين قال : ( كنت واقفاً عند هارون الرشيد إذ جاءته هدايا ملك الروم ، وكان فيها درّاعة ديباج سوداء منسوجة بالذهب لم أر أحسن منها ، فرآني أنظر إليها فوهبها لي ، وبعثتها إلى أبي إبراهيم (ع) ومضت عليها برهة تسعة أشهر وانصرفت يوماً من عند هارون بعد أن تغدّيت بين يديه ، فلمّا دخلت داري قام إليّ خادمي الذي يأخذ ثيابي بمنديل على يده وكتاب لطيف ختمه رطب ، فقال : أتاني بهذا رجل الساعة فقال : أوصله إلى مولاك ساعة يدخل ، ففضضتُ الكتاب وإذ به كتاب مولاي أبي إبراهيم (ع) وفيه : يا علي هذا وقت حاجتك إلى الدرّاعة وقد بعثت بها إليك ، فكشفت طرف المنديل عنها ورأيتها وعرفتها ، ودخل عليّ خادم هارون بغير إذن فقال : أجب أمير المؤمنين .

            قلت : أيًّ شيء حدث ؟ قال لا أدري .

            فركبت ودخلت عليه ، وعنده عمر بن بزيع واقفاً بين يديه فقال : ما فعلت بالدرّاعة الّتي وهبتك ، قلت : خلع أمير المؤمنين عليّ كثير من دراريع وغيرها فعن أيّها يسألني ؟ قال : درّاعة الديباج السوداء الرّومية المذهّبة ، فقلت : ما عسى أن أصنع بها ألبسها في أوقات وأصلّي فيها ركعات ، وقد كنت دعوت بها عند منصرفي من دار أمير المؤمنين السّاعة لألبسها ، فنظر إلى عمر بن بزيع فقال : قل يحُضرها ، فأرسلت خادمي جاء بها ، فلمّا رآها قال : يا عمر ما ينبغي أن تنقل على عليّ بعد هذا شيئاً ، قال : فأمر لي بخمسين ألف درهم حملت مع الدرّاعة إلى داري ، قال عليّ بن يقطين : وكان الساّعي ابن عم لي فسوَّد اللـه وجهه وكذَّبه والحمد لله ).



            2) سرية الاتصالات :

            كيف كان يتم الاتصال بين الإمام وبين شيعته المتخفّين من أمثال علي بن يقطين ؟

            نحن لا نعرف مزيداً من التفاصيل حول طبيعة الاتصالات ،فهذه الحادثة الثانية تبين أبعاد الاتصالات السرية التي كانت تتم بين أئمة الهدى وشيعتهم .

            عن محمد بن مسعود ، عن الحسين بن شكيب ، عن بكر بن صالح ، عن إسماعيل بن عباد القصري، عن إسماعيل بن سلام وفلان بن حميد ، قالا : ( بعث إلينا علي بن يقطين فقال : اشتريا راحلتين ، وتجنبا الطريق - ودفع إلينا أموالاً وكتباً - حتى توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن موسى (ع) ولا يعلم بكما أحد ، قال : فأتينا الكوفة واشترينا راحلتين وتزوّدنا زاداً ، وخرجنا نتجنب الطريق ، حتى إذا صرنا ببطن الرمة شددنا راحلتنا ، ووضعنا لها العلف ، وقعدنا نأكل ، فبينما نحن كذلك ، إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري ، فلما قرب منَّا فإذا هو أبو الحسن موسى (ع) ، فقمنا وسلّمنا عليه ، ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا ، فأخرج من كمّه كتباً فناولنا إيّاها فقال : هذه جوابات كتبكم .

            قال : فقلنا : إنّ زادنا قد فني فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة ، فزرنا رسول اللـه وتزوّدنا زاداً فقال : هاتا ما معكما من الزّاد ، فأخرجنا الزّاد إليه فقلّبه بيده فقال : هذا يبلّغكما إلى الكوفة ، وأما رسول اللـه (ص) فقد رأيتماه ، إني صليت معهم الفجر ، وإنّي أريد ان أصلي معهم الظهر ، انصرفا في حفظ اللـه ).


            3) التقية حتى في كيفية الوضوء :

            وفشلت محاولات الوشاة ورجال مباحث النظام في كشف حقيقة علي بن يقطين ، فقام الرشيد بنفسه بعملية التجسس عليه ، فكانت عاقبته الفشل أيضاً كما في الخبر التالي : -

            روى محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضل قال : ( اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الأصابع إلى الكعبين ؟ أم من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى (ع) أن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء اللـه ، فكتب إليه أبو الحسن (ع) : فهمتُ ما ذكرتَ من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك فأن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلل شعرلحيتك وتمسح رأسك كله ، وتمسح ظاهر أذنيك . وباطنها ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً ولا تخالف ذلك إلى غيره .

            فلما وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجب بما رسم فيه ، ممّا أجمع العصابة على خلافه ، ثم قال : مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره ، وكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ ، ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالاً لأمر أبي الحسن (ع) ، وسعي بعليّ بن يقطين إلى الرشيد ، وقيل له : إنه رافضي مخالف لك .

            فقال الرشيد لبعض خاصّته : قد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين والقذف له بخلافنا وميله إلى الرفض ولست أرى في خدمته لي تقصيراً ، وقد امتحنته مراراً فما ظَهَرْتُ منه على ما يُقذف به ، وأحبّ أن استبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرز منّي .

            فقيل له : إنّ الرّافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه ولا ترى غسل الرّجلين فامتحنه يا أمير المؤمنين من حيث لا يعلم ، بالوقوف على وضوئه ، فقال : أجل إنّ هذا الوجه يظهر به أمره ، ثم تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدّار ، حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرّشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين ، ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء ، فتمضمض ثلاثاً ، واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه ثلاثاً ، وخلّل شعر لحيته ، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ، ومسح رأسه وأذنيه ، وغسل رجليه والرشيد ينظر إليه .

            فلما رأه وقد فعل ذلك ولم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة ، وصلحت حاله عنده ، وورد عليه كتاب أبي الحسن (ع) : ابتداءً من الآن يا علي بن يقطين فتوضّأ كما أمر اللـه ، واغسل وجهك مرة فريضة ، وأخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك بنداوة وضوئك ، فقد زال ما كان يخاف عليك والسلام ).

            تعليق


            • #66
              معاجز الإمام الكاظم :

              هناك فرق كبير بين فكرة الغلو المرفوضة عند المسلمين بشدة ، وبين الإعتقاد بكرامة أولياء اللـه ، واستجابة اللـه دعائهم ، ونظرهم بنور اللـه إلى الحقائق .

              ذلك أن فكرة الغلو تسمو بالشخص إلى درجة الألوهية وترى أن الرب سبحانه وتعالى يحل في عباده ، حتى يصبح العبد هو الرب بروحه ، وتكون قدراته آنئذٍ ذاتية .

              بينما الإعتقاد بالإعجاز لدى أولياء اللـه يعكس التوحيد الخالص حيث يرفض أي تحول ذاتي في شخص النبي أو الإمام أو الولي ، إنما يعني تفضيل اللـه لعباده المخلصين ، وإكرامهم بالعلم أو القدرة .

              وفي الوقت الذي نجد الآيات القرآنية تقدس اللـه وتسبّحه وتذكرنا باستحالة حلوله في شيء أو شخص وتندد بعقائد الشرك ، في ذات الوقت تذْكر لنا معاجز الأنبياء (ع) التي دلّت على كرامتهم عند اللـه ، حيث أجرى اللـه على أيديهم تلك المعاجز فيقول اللـه سبحانه في شأن عيسى ابن مريم (ع) :

              { وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِاَيَةٍ مِن رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَاَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللـه وَاُبْرِئُ اْلأَكْمَهَ وَاْلأبْرَصَ وَاُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللـه وَاُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران/49)

              إن تكرار كلمة ( بإذن اللـه ) يدلل على أن تلك المعاجز لا تعني حلولاً إلهياً في شخص عيسى ليجعله ابناً لله سبحانه وتعالى عما يقوله المشركون ، بل على أن اللـه يهب لعبده ما يشاء وكيف يشاء ومتى يشاء .

              وهكذا كانت عقيدة المسلمين في الأئمة (ع) والأولياء بأن اللـه قد أكرمهم بالعلم والقدرة ، وهذا من صميم عقيدة التوحيد ، أوليس اللـه بقادر على أن يكفي عبده وينصره ويطلعه على غيبه إذا ارتضاه ؟ ولِمَ لا يفعل الرب بعبده المطيع له المخلص في العبادة مثل ذلك ؟ أوليس اللـه يحب التوّابين ويحب المتطّهرين ويحب المتوكّلين ، ويحب من يطيعه ، ويجزي من يعبده ، ويجزي المتصدقين ، ويجزي المحسنين ، ويكرم المتقين ، ويسلّم ويصلي على عباده الصابرين ؟ كما نقرأ في أكثر سور القرآن الكريم.

              إن من لا يعتقد بالتأييد الإلهي لعباده الصالحين وفي طليعتهم الأئمة المعصومين (ع) ، ويثير الشكوك حول معاجزهم ، يكاد يكفر بروح القرآن وباطنه ومحتواه وأعظم معانيه .

              1- لقد أنقذ اللـه سبحانه عبده الصالح موسى بن جعفر (ع) من طغاة عصره بفضل توكله عليه وتبتله إليه ، وكذلك ينجي اللـه المؤمنين .

              جاء في الحديث عن عبيد اللـه بن صالح قال : حدثني حاجب الفضل بن الربيع عن الفضل بن ربيع قال : كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواريّ فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك فقالت الجارية : لعل هذا من الريح ، فلم يمض إلاّ يسير حتى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح ، وإذا مسرور الكبير قد دخل عليّ فقال لي : أجب الأمير ، ولم يسلّم عليّ .

              فيئست من نفسي وقلت : هذا مسرور ، دخل إليّ بلا إذن ولم يسلم ، ما هو إلاّ القتل ، وكنت جنباً فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتى أغتسل ، فقالت لي الجارية : لما رأت تحيّري وتبلّدي : ثق باللـه عزّ وجلّ وانهض ، فنهضت ، ولبست ثيابي ، وخرجت معه حتى أتيت الدار ، فسلمت على أمير المؤمنين وهو في مرقده فرد عليَّ السلام فسقطت فقال : تداخلك رعب .؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، فتركني ساعة حتى سكنت ثم قال لي : صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر بن محمد وادفع إليه ثلاثين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاث مراكب ، وخيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا إلى أيّ بلد أراد وأحب .

              فقلت : يا أمير المؤمنين تأمر بإطلاق موسى بن جعفر ؟ قال : نعم فكرّرت ذلك عليه ثلاث مرات ، فقال لي : نعم ويلك أتريد ان أنكث العهد ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين وما العهد ؟ قال : بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود ما رأيت من السودان أعظم منه فقعد على صدري وقبض

              على حلقي وقال لي : حبست موسى بن جعفر ظالماً له ؟ فقلت : فأنا أطلقه وأهب له ، وأخلع عليه ، فأخذ عليّ عهد اللـه عزّ وجلّ وميثاقه ، وقام عن صدري ، وقد كادت نفسي تخرج .

              فخرجت من عنده ووافيت موسى بن جعفر (ع) وهو في حبسه ، فرأيته قائماّ يصلي فجلست حتى سلم ، ثم أبلغته سلام أمير المؤمنين ، وأعلمته بالذي أمرني به في أمره ، وأني قد أحضرت ما وصله به ، قال : إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله ؟ فقلت : لا وحق جدّك رسول اللـه ما أمرت إلاّ بهذا ، فقال : لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال إذ كانت فيه حقوق الأمة فقلت : ناشدتك باللـه أن لا ترده فيغتاظ ، فقال : إعمل به ما أحببت ، وأخذت بيده (ع) وأخرجته من السجن .

              ثم قلت له : يابن رسول اللـه أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل ، فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك ، ولما أجراه اللـه عزّ وجلّ علي يدي من هذا الأمر ، فقال (ع) : رأيت النبي (ص) ليلة الأربعاء في النوم فقال لي : يا موسى أنت محبوس مظلوم ؟ فقلت : نعم يا رسول اللـه محبوس مظلوم ، فكرر عليً ذلك ثلاثاً ثم قال :

              { وإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } (الانبياءِ/111) أصبح غداً صائماً وأتبعه بصيام الخميس والجمعة ، فإذا كان وقت الإفطار فصلّ اثنتي عشر ركعة تقرأ في كلّ ركعة الحمد واثنتي عشرة مرة قل هو اللـه أحد ، فإذا صلّيت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل : يا سابق الفوت يا سامع كلّ صوت يا محيي العظام وهي رميم بعد الموت ، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأن تعجل لي الفرج مما أنا فيه “ ففعلت فكان الذي رأيت .

              2 - وقد دعا سيدنا الكاظم (ع) لإنقاذ بعض المؤمنين من شيعته من ظلم الطاغية فاستجاب اللـه دعاءه حيث جاء في التاريخ عن صالح بن واقد الطبري قال : دخلت على موسى بن جعفر فقال : يا صالح إنه يدعوك الطاغية يعني هارون فيحبسك في محبسه ويسألك عني فقل إني لا أعرفه ، فإذا صرت إلى محبسه فقل من أردت أن تخرجه فأخرجه بإذن اللـه تعالى ، فدعاني هارون من طبرستان فقال : ما فعل موسى بن جعفر فقد بلغني أنه كان عندك ؟ فقلت : ما يدريني من موسى بن جعفر ؟ أنت يا أمير المؤمنين أعرف به وبمكانه ، فقال : اذهبوا به إلى الحبس ، فواللـه إني لفي بعض اللّيالي قاعد وأهل الحبس نيام إذ أنا به يقول : يا صالح ، قلت : لبيك قال : صرت إلى ههنا ؟ فقلت : نعم يا سيدي ، قال: قم فاخرج واتبعني ، فقمت وخرجت ، فلما صرنا إلى بعض الطريق قال : صالح يا رسول اللـه محبوس مظلوم فكرر عليّ ذلك ثلاثاً ، ثم قال :

              السلطان سلطاننا كرامة من اللـه أعطاناها ، قلت : يا سيدي فأين أحتجز من هذا الطاغية ؟ قال : عليك ببلادك فارجع إليها فإنه لن يصل إليك ، قال صالح : فرجعت إلى طبرستان ، فواللـه ما سأل ولا أدري أحبسني أم لا .

              3 - وينتفع بعلمه الإلهي في سبيل تربية شيعته على الانضباط ، باعتباره ضرورة قصوى في سائر حقول الحياة ، وبالذات حقل الجهاد ، جاء في الآثار :

              عن محمد بن الحسين بن علي عن حسان الواسطي ، عن موسى بن بكر قال : ( دفع إليّ أبو الحسن الأول (ع) رقعة فيها حوائج وقال لي : إعمل بما فيها ، فوضعتها تحت المصلّى ، وتوانيت عنها ، فمررت فإذا الرقعة في يده ، فسألني عن الرقعة فقلت : في البيت ، فقال : يا موسى إذا أمرتك بالشيء فاعمله وإلاّ غضبت عليك.

              4 - وربما اقتضى الأمر الإعجاز بهدف تأديب الشيعة على التواضع للحق ، والإبتعاد عن الكبر والتعالي للارتفاع بهم إلى مستوى ( حزب اللـه ) الذين لا يتمايزون عن بعضهم بما يملكون من مال أو علم أو منصب ، دعنا نقرأ معاً قصة علي بن يقطين ، وهو وزير في سلطان الطغاة ، وبحكم منصبه ربما أخذه الغرور وتعالى على سائر المؤمنين ، لننظر كيف يؤدبه الإمام ، ويستخدم قدرته الإلهية لتربية روح التقوى فيه .

              عن محمد بن علي الصوفي قال : ( استأذن إبراهيم الجمّال رضي اللـه عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه ، فحج علي بن يقطين في تلك السَّنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر فحجبه ، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين : سيدي ما ذنبي ؟ فقال : حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال ، وقد أبى اللـه أن يشكر سعيك أو يغفر لك حجب إبراهيم الجمّال ، فقلت : يا سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة ؟ فقال : إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً هناك مسرجاً ، قال : فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمّال بالكوفة ، فقرع الباب وقال : أنا علي بن يقطين.

              فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي ؟! فقال علي بن يقطين : يا هذا إن أمري عظيم ، وآلى عليه أن يأذن له ، فلما دخل قال : يا إبراهيم إن أبا الحسن (ع) أبى أن يقبلني أو تغفر لي ، فقال : يغفر اللـه لك فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمّال أن يطأ خده فامتنع ابراهيم من ذلك ، فآلى عليه ثانياً ففعل ، فلم يزل ابراهيم يطأ خده ، وعلي بن يقطين يقول : اللـهم اشهد ، ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب موسى بن جعفر (ع) بالمدينة ، فأذن له ودخل عليه فقبله ) .

              6 - باعتباره قائد المسلمين ، وخليفة رسول اللـه (ص) الذي تحلّى بمكارم الخلق المحمدي ، فإنه كان رحيماً بالمؤمنين عزيزاً عليه ما عندتم .

              وكثيراً ما كان ينظر بنور اللـه فيرى الضر الّذي قد يلحق بهم فيبادر برفعه عنهم بطريقة أو باخرى حتى ولو كان من النوع الفردي أو الجزئي ، دعنا نقرأ معاً القصة التالية :

              عن إبراهيم بن عبد الحميد قال : ( كتب إليّ أبو الحسن (ع) - قال عثمان بن عيسى وكنت حاضراً بالمدينة - : تحوّل عن منزلك ، فاغتمَّ بذلك ، وكان منزله منزلاً وسطاً بين المسجد والسوق ، فلم يتحوّل ، فعاد إليه الرسول : تحوّل عن منزلك ، فبقي ، ثم عاد إليه الثالثة : تحوّل عن منزلك ، فذهب وطلب منزلاً وكنت في المسجد ، ولم يجيء إلى المسجد إلاّ عتمة فقلت له : ما خلّفك ؟ فقال : ما تدري ما أصابني اليوم ؟ قلت : لا ، قال : ذهبت أستقي الماء من البر لأتوضأ فخرج الدلو مملوءاً خرءاً وقد عجّنا خبزنا بذلك الماء ، فطرحنا خبزنا وغسلنا ثيابنا ، فشغلني عن المجيء ، ونقلت متاعي إلى البيت الذي أكتريته ، فليس بالمنزل إلاّ الجارية ، الساعة أنصرف وآخذ بيدها ، فقلت : بارك اللـه لك ، ثم افترقنا ، فلمّا كان سحراً خرجنا إلى المسجد فقال : ما ترون ما حدث في هذه الليلة ؟ قلت : لا “ قال : سقط واللـه منزلي ، السفلى والعليا ).

              هكذا قدم الإمام نصيحته لشيعته في مسألة حياتية جزئية ولكنها هامة بالنسبة إلى الفرد المؤمن صاحب المسألة ، وفي واقعة أخرى نجد الإمام ينصح الفرد في مسألة تجارية تبدو هي الأخرى جزئية ولكنها تكشف عن حقيقة الإهتمام بامور المسلمين ، والواقعة رويت هكذا :

              عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن عثمان بن عيسى قال : ( أبو الحسن (ع) لإبراهيم بن عبد الحميــد ، ولقيه سحراً وإبراهيم ذاهب إلى قبا ، وأبو الحسن (ع) داخل إلى المدينة فقال : يا إبراهيـم فقلــت : لبيك ، قال : إلى أين ؟ قلت : إلى قبا ، فقال : في أي شيء ؟ فقلت : إنَّا كنا نشتري في كل سنة هذا التمر فأردت أن آتي رجلا من الأنصار فأشتري منه من الثمار ، فقال : وقد أمنتم الجراد ، ثم دخل ومضيت أنا فأخبرت أبا العز ، فقال : لا واللـه لا أشتري العام نخلة ، فما مرت بنا خامسة ، حتى بعث اللـه جراداً فأكل عامة مافي النخل ).

              تعليق


              • #67
                علـم الإمامــة :

                إن قاعدة الرسالات الإلهية قائمة على أساس الإيمان بالغيب ، وأبرز مظاهر الغيب هو العلم به من قبل عباد اللـه المقربين ، أوليس ذات الكتاب الذي يوحى إلى النبي - أيّ نبي - ويؤمر الناس باتباعه من الغيب ؟

                كيف علّم اللـه رسوله النبي الأمي كل تلك الرسالة العظيمة وذلك الكتاب الكريم ، الذي تحدّى العالمين أن يأتوا بمثل بعض سوره أو آياته .

                إننا نقرأ في الكتاب حجة عيسى ابن مريم على قومه أن ينبئهم بما يدّخرون في بيوتهم .

                وهكذا يكون علم الإمام الإلهي الذي تجاوز حدود علم الناس دليلاً على أنه مؤيد باللـه ، وأنه الإمام ، والحجة على الناس أجمعين .

                كيف يكون هذا العلم ؟ هل يكون عبر توارث الحديث عن رسول اللـه عن جبرائيل عن اللـه ، أم عبر نكت في القلوب ونقرٍ في الأسماع ، أو عبر عمود من نور ينظر إليه الإمام متى شاء اللـه أن يعلم شيئاً فيعلم ، أم بنزول الروح - وهو أعظم من الملائكة - عليه ليلة القدر ؟!

                الصحيح أن كل ذلك وربما غير ذلك مما لا نعلم من سبل العلم الإلهي يكون طريق علم الإمام ، ولم نكلف نحن بمعرفة تفاصيل ذلك ، إنما يكفينا أن الإمام يعلم - بإذن اللـه - بما يجهله الناس ، وبذلك يفضّل عليهم ، ولا بدّ أن يكون مطاعاً فيهم بإذن اللـه .

                جاء في حديث شريف عن أبي عبد اللـه الصادق (ع) :

                “ فال قلت : أخبرني عن علم عالمكم ؟ قال : وراثة من رسول اللـه (ص) ومن علي بن أبي طالب (ع) ، فقلت : إنَّا نتحدث أنه يقذف في قلبه أو ينكث في إذنه ، فقال : أو ذاك “.

                أي لعله يكون ذلك .

                والإمام الكاظم نطق بعلم الرسالة في كافة الحقول ، ويكفيك وصيته لهشام التي تعتبر خلاصة حكم الأنبياء ، وزبدة رؤى الرسالات ، وما نذكره فيما يلي رشح من بحر علمه الزاخر :

                1 - روي أن إسحاق بن عمار قال : ( لما حبس هارون أبا الحسن موسى (ع) دخل عليه أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، صاحبا أبي حنيفة فقال أحدهما للآخر : نحن على أحد الأمرين ، إما أن نساويه أو نشكله ، فجلسا بين يديه ، فجاء رجل كان موكلاً من قبل السندي بن شاهك ، فقال : إن نوبتي قد انقضت وأنــا على الإنصراف فإن كان لك حاجة أمرتني حتى آتيك بها في الوقت الذي تخلفني النوبة ؟ فقـال : مالي حاجة ، فلما أن خرج قال لأبي يوسف :

                ( ما أعجب هذا يسألني أن أكلفه حاجة من حوائجي ليرجع وهو ميت في هذه الليلة ) .

                فقاما فقال أحدهما للآخر : إنا جئنا لنسأله عن الفرض والسنَّة وهو الآن جاء بشيء آخر كأنه من علم الغيب .

                ثم بعثا برجل مع الرجل فقالا : إذهب حتى تلزمه وتنظر ما يكون من أمره في هذه الليلة وتأتينا بخبره من الغد ، فمضى الرجل فنام في مسجد في باب داره ، فلما أصبح سمع الواعية ورأى الناس يدخلون داره فقال : ما هذا ؟ قالوا قد مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة ، فانصرف إلى أبي يوسف ومحمد واخبرهما الخبر ، فأتيا أبا الحسن (ع) فقالا : قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال والحرام فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنه يموت في هذه الليلة ؟ قال :

                ( من الباب الذي أخبر بعلمه رسول اللـه (ص) علي بن أبي طالب (ع) ) . فلمّا ردّ عليهما هذا بقيا لا يحيران جواباً ).

                هكذا أوتي الإمام موسى بن جعفر (ع) علم المنايا كما أوتي ذلك من قبل أنبياء اللـه وأوليائه الكرام .

                2 - وكذلك أوتي علم منطق الناس بإذن اللـه تعالى ، فقد جاء في الحديث عن ابن أبي حمزة قال : (كنت عند أبي الحسن موسى (ع) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبشة اشتروا له ، فتكلم غلام منهم فكان جميلاً بكلام فأجابه موسى (ع) بلغته ، فتعجب الغلام وتعجبوا جميعاً وظنوا أنه لا يفهم كلامهم ، فقال له موسى : إني لأدفع إليك مالاً فادفع إلى كل منهم ثلاثين درهماً ، فخرجوا وبعضهم يقول لبعض : إنه أفصح منا بلغاتنا ، وهذه نعمة من اللـه علينا .

                قال علي بن أبي حمزة : فلما خرجوا قلت : يابن رسول اللـه رأيتك تكلم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم ؟! قال : نعم ، قال : وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم ؟ قال : نعم أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً ، وأن يعطي كل واحد منهم في كل شهر ثلاثين درهماً ، لأنه لما تكلم كان أعلمهم فإنه من أبناء ملوكهم ، فجعلته عليهم وأوصيته بما يحتاجون إليه ، وهو مع هذا غلام صدق ، ثم قال : لعلك عجبت من كلامي إياهم بالحبشة ؟ قلت : إي واللـه قال : ( لا تعجب فما خفي عليك من امري أعجب وأعجب ، وما الذي سمعته مني إلاّ كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة ، أفترى هذا الذي يأخذه بمنقاره ينقص من البحر ؟! والإمام بمنزلة البحر لا ينفذ ما عنده وعجائبه أكثر من عجائب البحر ).

                3 - وجاء في حديث آخر يرويه علي بن حمزة قال : ( أرسلني أبو الحسن (ع) إلى رجل قدّامه طبق يبيع بفلس فلس وقال : أعطه هذه الثمانية عشر درهماً وقل له : يقول لك أبو الحسن : انتفع بهذه الدراهم فإنهــا تكفيك حتى تموت ، فلما أعطيته بكى ، فقلت : وما يبكيك ؟ قال : ولم لا أبكي وقد نعيت إليّ نفسـي ، فقلت : وما عند اللـه خير مما أنت فيه ، فسكت وقال : من أنت يا عبد اللـه ؟ فقلت علي بن أبي حمزة ، قال : واللـه لهكذا قال لي سيدي ومولاي أني باعث إليك مع علي بن أبي حمزة برسالتي ، قال علي : فلبثت نحواً من عشرين ليلة ثم أتيت إليه وهو مريض فقلت : أوصني بما أحببت أنفذه من مالي ، قال : إذا أنا متّ فزوج ابنتي من رجل دين ، ثم بع داري وادفع ثمنها إلى أبي الحسن ، واشهد لي بالغسل والدفن والصلاة . قال : فلما دفنته زوّجت ابنته من رجل مؤمن وبعت داره وأتيت بثمنها إلى أبي الحسن (ع) فزكاه وترحم عليه وقال : رد هذه الدراهم فادفعها إلى ابنته ) .

                4 - وإذا كان علم الأئمة من اللـه ، فإن اللـه سبحانه لا يعجزه شيء في السماوات والأرض ، وقد تقضي حكمته أن يجعل علمه عند صبي في المهد ، كما فعل بالمسيح عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا (ع) ، وهكــذا أظهر قدرته في شخص الإمام الكاظم (ع) حيث جاء في حديث شريف مأثور عن عيسى شلقان قال : ( دخلت على أبي عبد اللـه (ع) وأنا أريد أن أسأله عن أبي الخطاب فقال لي مبتدئاً من قبل أن أجلس : ما منعك أن تلقى ابني موسى فتسأله عن جميع ما تريد ؟ قال عيسى : فذهبت إلى العبد الصالح (ع) وهو قاعد في الكتّاب وعلى شفتيه أثر المداد فقال لي مبتدئاً : يا عيسى إن اللـه أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلم يتحوّلوا عنها ، وأخذ ميثاق الوصيين على الوصية فلم يتحولوا عنها أبداً ، وإن قوماً إيمانهم عارية ، وإن أبا الخطاب ممن أعير الإيمان فسلبه اللـه إياه ، فضممته إليّ وقبلت ما بين عينيه وقلـت : ذرية بعضها من بعض .

                ثم رجعت إلى الصادق (ع) فقال : ما صنعت ؟ قلت : أتيته فأخبرني مبتدئاً من غير أن أسأله عن جميع ما اردت ، فعلمت عند ذلك أنه صاحب هذا الأمر ، فقال : يا عيسى إن ابني هذا الذي رأيت لو سألته عما بين دفتي المصحف ، لأجابك فيه بعلم ثم اخرجه ذلك اليوم من الكتاب ).

                5 - حينما يسقط الحجاب بين الرب وعبده ، وحينما يبلغ الصفاء الروحي والمعرفة الإلهية القمة ، فإن الدنيا تاتي مطيعة للعبد الصالح ، كما قال اللـه في الحديث القدسي :

                “ عبدي ، أطعني تكن مِثلي ( أو مَثَلي ) أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون “ .

                هكذا يروي لنا شقيق البلخي جانباً من الكرامة التي خصها اللـه تعالى لإمامنا السابع موسى بن جعفر (ع) فيقول : ( خرجت حاجّاً في سنة تسع وأربعين ومائة ، فنزلت القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم ، فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف ، فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة ، في رجليه نعلان وقد جلس منفرداً ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم ، واللـه لأمضين إليه ولأوبخنَّه ، فدنوت فلما رآني مقبلاً قال : يا شقيق :

                { اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } (الحُجُرات/12)

                ثم تركني ومضى ، فقلت في نفسي إن هذا الأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق بإسمي ، وما هذا إلاّ عبد صالح لألحقنَّه ولأسألنه أن يحللني ، فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني ، فلما نزلنا واقصة وإذا به يصلّ وأعضاؤه تضطرب ، ودموعه تجري فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه وأستحلّه .

                فصـبرت حتى جلس ، وأقبلت نحوه فلما رآني مقبلاً قال : يا شقيق اتلُ : { وإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى } (طه/82)

                ثم تركني ومضى ، فقلت : إن هذا الفتى لّمِنَ الأبدال ، لقد تكلّم على سرّي مرتيــن ، فلما نزلنا زُبالـة إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركــوة يريد أن يسقي ماءً ، فسقطت الركوة من يده في البئر وانا أنظر إليه ، فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول :

                أنــت ربـي إذ ظمئت إلـى الماء * وقوتـي إذا أردت الطعـــــــــامـا

                “ اللـهم سيدي مالي غيرها فلا تعدمنيها “ .

                قال شقيق : فواللـه لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها فمد يده وأخذ الركوة وملأها ماءً ، فتوضأ وصلى أربع ركعات ، ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب ، فأقبلت إليه وسلّمت عليه ، فرد عليّ السلام فقلت : أطعمني من فضل ما أنعم اللـه عليك ، فقال : يا شقيق لم تزل نعمة اللـه علينا ظاهرة وباطنة فاحسن ظنك بربك ، ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكّر ، فواللـه ما شربت ألذّ منه ولا أطيب ريحاً فشبعت ورويت وأقمت أياماً لا أشتهي طعاماً ولا شراباً .

                ثم لم أره حتى دخلنا مكة ، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل قائما يصلي بخشوع وأنين وبكاء ، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل ، فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبّح ، ثم قام فصلّى الغداة وطاف بالبيت أسبوعاً وخرج فتبعته ، وإذا له غاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته في الطريق ، ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه ، فقلت لبعض من رأيته بقرب منه : من هذا الفتى ؟ فقال : هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فقلت : قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيد ، ولقد نظم بعض المتقدّمـين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها فقال :

                ســـل شقـــيــق البلخــــي عـــنه ومــــــا * عـا يــن منـــه ومـــا الــــذي كــان أبصـرْ

                قــــال لمـــا حجـــجــت عــاينـت شخصــاً * شــاحـــب اللون ناحــــل الجـــسم أســمرْ

                ســــائـراً وحـــــده ولـــيـس لــــــــه زا د * فـــمــــــــازلـــــت دائـــمـــــــا اتـــفـــكــــرْ

                وتـــــوهـــمـت أنـــــه يـــسـأل النــــــاسّ * ولـــــم أدر أنـــه الحــــــج الأكــــــبــــــــر

                ثـــم عـــايـــنـــتــــــه ونـــحـــن نــــــزول * دون فيـدٍ عَـــلــى الكثـــيـــب الأحـــمــــــر

                يضــع الـــرمل فـي الإنـــاء ويـشـــربـــــ * ــهْ فـــنــــاديتــه وعـــقـــلــــي مـــحـــيـــر

                أسقـنــي شربـــــة فــــنــاولـــنــي مـــنــــ * ـهُ فـــعــــايـــنـــتـــــه ســويـــقـاً وسكّـــــر

                فســألت الحجـــيج مــــن يــــــــك هــذا ؟ * قيل هـذا الإمـام موسى بــن جعفـر

                تعليق


                • #68
                  بعد محنة أبي عبد اللـه الحسين (ع) ، وأكثر من سائر أئمة الـهدى من أهل بيت الرسول ، كانت محنة أبي إبراهيم موسى بن جعفر (ع) شديدة وأليمة .

                  لقد كان الرّشيد يترصده ولا يقدر عليه ، ولعله كان يخشى من بعث جيش إليه خوف انقلابه وتحوله إلى صفِّه ، وكانت السرّية التي عمل بها الرساليون تجعل السلطات لا تثق بأقرب الناس إليهم ، فهذا علي بن يقطين وزير الرّشيد ، وذاك وزيره الآخر جعفر بن محمد بن الأشعث شيعيان ، كما كان من بين قيادات جيشه ، وأبرز ولاته على الأمصار من يخفي ولائه لآل البيت (ع) ، فلذلك قرر الذهاب بنفسه إلى المدينة ، لإلقاء القبض عليه ، وأخذ معه قوّاته الخاصة ، بالإضافة إلى جيش من الشعراء ، وعلماء السلاطين ، والمستشارين و. و. كما أنه حمل معه الملايين مما سرقه من المحرومين ، فقسّمها بين الناس لشراء سكوتهم .

                  وخص منهم رؤساء القبائل ووجوه وأعيان المعارضة .

                  هكذا ذهب الرّشيد إلى المدينة ليلقي القبض على أعظم معارضي سلطانه الغاصب ، لننظر ما فعل :

                  أولاّ : جلس عدة أيام يستقبل الناس ويأمر لهم بالصِّلات السخية ، حتى أشبع بطون المعارضين ، ممن كانت معارضتهم للسلطة لأسباب شخصية ومصالح خاصة .

                  ثانياً : بعث في البلد من يبث الدعايات ضد أعداء السلطان ، وأغرى الشعراء وعملاء السلطة من أدعياء الدين بمدح السلطان وإصدار الفتاوى بحرمة محاربته .

                  ثالثاً : استعرض قوّته لأهل المدينة لكي لا يفكر أحد بمقاومته في هذا الوقت بالذات .

                  رابعاً : وحينما أكمل استعداده قام شخصياً بتطبيق البند الأخير من خطته الإرهابية ، فدخل مسجد رسول اللـه ، ربما في وقت يجتمع الناس لأداء الفريضة ، ولا يتخلف عنهـم - بالطبـع - الإمام موسـى بن جعفـر (ع) .

                  ثم تقدم إلى قبر الرسول وسلم عليه : وقال : السلام عليك يا رسول اللـه ، يا ابن عم .

                  وكان هدفه إثبات شرعية خلافته لرسول اللـه ، لتكون سبباً وجيهاً لاعتقال الإمام (ع) ، ولكن الإمام فوّت عليه هذه الفرصة ، وشق الصفوف حتى تقدمها وتوجه إلى القبر الشريف وقال في ذهول الجميع : السلام عليك يا رسول اللـه ، السلام عليك يا جدّاه .

                  فلإن كان رسول اللـه ابن عمك يا سلطان الجور ، وإنّك تدّعي شرعية سلطتك بانتمائك النسبي لرسول اللـه (ص) ، فإنه أقرب إليّ ، فهو جدي وأنا أحقَّ بخلافته منك .

                  ولكن الرّشيد استدرك الموقف وقال وهو يبرّر عزمه على اعتقال الإمام بالقول :

                  بأبي أنت وأمي يا رسول اللـه ، إني أعتذر إليك من أمر عزمت عليه ، وإني أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه ، لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حرباً تسفك فيها دماؤهم .

                  فلما كان اليوم التالي أرسل إليه الفضل بن الربيع وهو قائم يصلي في مقام رسول اللـه ، فأمر بالقبض عليه وحبسه .

                  وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في أحدهما ، ووجّه مع كل واحدة منهما خيلاً فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ، ليعمي على الناس امره ، وكان الإمام في القبة التي مضت على البصرة ، وأمر الرسول أن يسلم إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان والياً يومئذ على البصرة فمضى به فحبسه عنده سنة .

                  ثم كتب إلى الرّشيد أن خذه منّي ، وسلّمه إلى من شئت ، وإلاّ خلّيت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة ، فما أقدر على ذلك ، حتى أني لأتسمّع عليه إذا دعا لعله يدعو عليّ أو عليك فما أسمعه يدعو إلاّ لنفسه ، يسأله الرحمة والمغفرة ، فوجّه من تسلمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد ، فبقي عنده مدة طويلة ، وأراده الرّشيد على شيء من أمره فأبى ، فكتب بتسليمه إلى الفضل بن يحيى ، فتسلّمه منه وأراد ذلك منه فلم يفعل ، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة ، وهو حينئذ بالرقة .

                  فأنفذ مسروراً الخادم إلى بغداد على البريد ، وامره أن يدخل من فوره إلى موسى بن جعفر (ع) فيعرف خبره ، فإن كان الأمر على ما بلغه أوصل كتاباً منه إلى العباس بن محمد وأمره بامتثاله ، وأوصل منه كتاباً آخر إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس.

                  وتمضي الرواية التاريخية لتقول : وبلغ يحيى بن خالد فركب إلى الرّشيد ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه ، حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر ، ثم قال : التفت إليّ يا أمير المؤمنين فأصغى إليه فزعاً ، فقال له : إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد ، فانطلق وجهه وسرّ وأقبل على الناس فقال : إن الفضل كان عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه ، فقالوا له : نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت وقد توليناه . ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى أتى بغداد فماج الناس وأرجفوا بكل شيء ، فأظهر أنه ورد لتعديل السواد ، والنظر في أمر العمّال وتشاغل ببعض ذلك ، ودعا السندي فأمره فيه بامره ، فامتثله وسأل موسى (ع) السندي عند وفاته أن يحضره مولى له ينزل عند دار العبّاس بن محمد في أصحاب القصب ليغسله ، ففعــل ذلك ، قال : وسألتــــه أن يأذن لي أن أكفّنه فأبــى وقــال :

                  ( إنا أهل البيت مهور نسائنا وحجّ صرورتنا ، وأكفان موتانا من طاهر أموالنا ، وعندي كفني ) .

                  فلما مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا إليه ولا أثر به ، وشهدوا على ذلك وأخرج فوضع على الجسر ببغداد ، ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرّسون في وجهه وهو (ع) ميت .

                  قال : وحدّثني رجل من بعض الطالبيّين أنه نودي عليه : هذا موسى بن جعفر الذي تَزعم الرافضة أنه لا يموت ، فانظروا إليه ، فنظروا إليه .

                  قالوا : وحمل فدفن في مقابر قريش ، فوقع قبره ، إلى جانب رجل من النوفلِّيين يقال له عيسى بن عبد اللـه.

                  وتنقل الروايات التاريخية : أن الإمام (ع) كان يتصل بشيعته وأهل دعوته من السجون التي يتناقل فيها ، ويأمرهم بأمره ، كما انه كان يجيب عن مسائلهم السياسية ، والفقهية .

                  وقد نتساءل : كيف كان (ع) يتصل بهم ، لعله بطرق غيبية ، ولكن أحاديث كثيرة تبيّن لنا أن أكثر من سجن عندهم الإمام (ع) قالوا بإمامته ، بالرغم من أن السلطة كانت تختار سجّانه من بين أغلظ الناس وأكثرهم ولاءً لها ، لما كانوا يرونه فيه من شدة الإجتهاد في العبادة ، وغزارة العلم ومكارم الأخلاق ، ولما كانوا يرونه منه من كرامات .

                  وفي كتاب الأنوار قال العامري : إن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية خصيفة ، لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجـن ، فقـال قل له : { بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } (النَّـمْل/36).

                  لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها ، قال : فاستطار هارون غضباً وقال : إرجع إليه وقل له : ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخذناك ، واترك الجارية عنده وانصرف ، قال : فمضى ورجع ، ثم قام هارون عن مجلسه وأنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول : قدوس سبحانك سبحانك .

                  فقال هارون : سحرها واللـه موسى بن جعفر بسحره ، عليّ بها ، فأتي بها وهي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني الشأن البديع ، إنّي كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليله ونهاره ، فلما انصرف عن صلاته بوجهه وهو يسبح اللـه ويقدّسه قلت : يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها ؟ قال : وما حاجتي إليك ؟ قلت : إني أدخلت عليك لحوائجك قال : فما بال هؤلاء ؟ قالت : فالتفت فإذا روضة مزهــرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصائف لم أرَ مثل وجوههم حسناً ، ولا مثل لباسهم لباساً ، عليهم الحرير الأخضر ، والأكاليل والدرّ والياقوت ، وفي أيديهم الأباريق والمناديل ومن كل الطعام ، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت .

                  قال : فقال هارون : يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في

                  منامك ؟ قالت : لا واللـه يا سيدي إلاّ قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك ، فقال الرّشيد : إقبض هذه الخبيثة إليك ، فلا يسمع هذا منها أحد ، فأقبلت في الصلاة ، فإذا قيل لها في ذلك قالت : هكذا رأيت العبد الصالح (ع) ، فسئلت عن قولها قالت : إني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح ، حتى ندخل عليه فنحن له دونك ، فما زالت كذلك حتى ماتت ، وذلك قبل موت موسى بأيام يسيرة .

                  هذه هي كرامة الإمام (ع) على اللـه ، وتلك هي عاقبة الرّشيد الظَّالم الطَّاغي .

                  فسلام عليك أبا الحسن حين ولدت و حين استشهدت و حين تبعث حياً
                  نـسأل اللـه العلي العظيـم أن يجعلنا ممـن يتولى أوليائه ، ويتبرأ من أعدائه ، ويسير على نهجهم أئمة الهدى من آل محمد ( صلى اللـه عليه وعليهم اجمعين ) والحمد لله رب العالمين .


                  و موضوعنا إن شاء الله عن غريب الغرباء غريب طوس

                  و قبر بطوس يالها من مصيبــــــــة *** ألحت على الأحشاء بالزفرات
                  إلى الحش حتى يبعث الله قائمنا *** يفرج عنا الهم و الكربـــــــــات


                  باب الحوائج علي بن موسى الرضا

                  تعليق


                  • #69
                    بسم الله الرحمن الرحيم

                    اللهم صلي على محمد و آل محمد

                    و قبر بطوس يالها من مصيبــــــــة *** ألحت على الأحشاء بالزفرات
                    إلى الحشر حتى يبعث الله قائمنا *** يفرج عنا الهم و الكربـــــــــات


                    السلام عليك أيها الغريب .... يا باب الحوائج يا علي بن موسى الرضا


                    نسبه الشريف :
                    هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي

                    مولده الشريف :
                    وفي سنة مائة وثمان وأربعين من الهجرة في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام ولد الإمام (ع)، وعمَّ بيت الرسالة سرور وبهجة .

                    تقول أمه (تكتم الطاهرة) لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً في بطني فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً، فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم، فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر (ع) فقال لي : هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك، فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم ردّه إلي وقال : خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه .


                    خلقه وفضائله :

                    كان الإمام الرضا (ع) بمثابة قرآن ناطق، فخلقه من القرآن، وعلمه ومكرماته من القرآن، أوليس القرآن هو آية الله العظمى في خلقه، أولم ييسّره ربنا لمن شاء من عباده أن يستقيم عليه ؟ أوَ يكون ذلك غريباً أن يصبح من تمثل القرآن في حياته آية عظمى لرب العالمين .

                    وأعظم ميزات الإمام علي (ع) ان الله قد جعل أذنه واعية للقرآن .

                    وقد ذكّرنا الرسول بأنه يخلّف بعده الثقلين : كتاب الله وعترته أهل بيته، ثم بيّن أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض .

                    أوَلا يعني ذلك أن أهل بيت الرسالة (ع) كانوا مشكاة نور القرآن ومعدن خيرات الوحي ومستقر علم الله ؟.

                    وكان الإمام الرضا (ع) قد تمثل هذا النور - بكل وجوده حتى جاء في الحديث : عن ابي ذكوان قال : سمعت إبراهيم بن العباس يقول :

                    ما رأيت الرضا (ع) سئل عن شيء قط إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمنحه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاث ليالٍ،

                    فالقرآن كتاب الله ومن لا يتصل قلبه بنور الله لا يعرف كتابه، أو لم يقل ربنا سبحانه :

                    { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً } (الاسراء / 82) .

                    وبدرجة الإيمان، وبمستوى اليقين، وبقدر تجلي عظمة الرب في القلب يستضيء الإنسان بنور الله الذي تجلى به في كتابه ..

                    و كان من عبادته (ع) أنه إذا صلّى الفجر في أول وقتها يسجد لربه فلا يرفع رأسه الى أن ترتفع الشمــس..

                    وعندما كلّف المأمون العباسي وإليه على المدينة بمرافقة الإمام إلى خراسان، سأله - بعد مقدمه إليها - عن أحواله في الطريق ففصّل الحديث عن درجات عبادته وذكره وتبتله، فلما قص عليه ذلك أمره بأن يكتم عن الناس ذلك وكان مما نقله :

                    كان إذا أصبح صلى الغداة، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله، ويصلي على النبي وآله حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال، ثم جدد وضوءه وعاد إلى مصلاه .. وبعد أن يذكر كيفية صلاته وسجداته ونوافله إلى وقت العصر مما هو معروف في الفقه، ثم يقول أقام وصلى العصر فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم سجد سجدة يقول فيها مائة مرة “ حمداً لله “ .

                    ثم يذكر كيف كان يصلي بعد غروب الشمس ويسبّح ربه حتى يمضي قريب من ثلث الليل ثم يأوي إلى فراشــه .. فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه لنافلة الليل، واستمر على ذلك حتى يطلع الفجر، ثم يجلس للتعقيب حتى تطلع الشمس، ويسجد حتى يتعالى النهار .

                    ويضيف : وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوَّذ من النار .

                    وكان الإمام يرى أن ماله من فضل إنما هو بالتقوى وليس فقط بالانتساب إلى رسول الله (ص) بالولادة .

                    هكذا ينقل البيهقي عن الصولي عن محمد بن موسى بن نصر الرازي قال : سمعت أبي يقول : قال رجل للرضا والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً، فقال : “ التقوى شرفتهم وطاعة الله أعظمتهم “ .

                    فقال له آخر : أنت والله خير الناس، فقال له :

                    “ لا تحلـف يا هذا، خير مني من كان أتقى لله عزّ وجلّ وأطوع له واللـه ما نسخت هذه الآية :

                    { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .

                    وهذا الحديث يذكرنا بما يروى عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : “ لَولايتي لمحمد صلّى الله عليه وآله أحب إليّ من ولادتي منه “ .

                    وهكذا أطاع الله بكل جوانب حياته، فأحبه الله ونوّر قلبه بضياء المعرفة وألهمه من العلوم ما ألهمــه .

                    وجعله حجة بالغة على خلقه، أو لم نقرأ سورة (ص) كيف بيّن فيها ربنا مواهبه لعباده الصالحين، وأنه إنما أتاهم كل تلك المواهب لعبادتهم وإخلاصهم فقال مثلاً :

                    { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (ص/ 17) { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } (ص /20) . إلى أن يقول : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَأَبٍ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } (ص/25-26) .

                    وهكذا أناب الإمام الرضا (ع) إلى ربه فوهب الله له ما شاء من الكرامة والعلم ..

                    لقد زهد في الدنيا واستصغر شأنها، ورفض مغرياتها، فرفع الله الحجاب بينه وبين الحقائق لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وهو حجاب سميك بين الإنسان وبين حقائق الخلق ..

                    يذكر البيهقي عن الصولي : كان جلوس الرضا في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم .

                    وكان ذلك عندما أقبلت الدنيا عليه فلم يقبلها، وتزينت له فلم يغترّ بها . بل عندما كانت الخلافة العباسية في أوج عظمتها وبذخها وترفها وكان الإمام ولي عهد الخليفة في الظاهر يومئذ عاف الدنيا وشهواتها . هكذا تروي جارية اسمها عذر فتقول : اشتريت مع عدة جواري من الكوفة، وكنت من ولداتها (كانت مولودة في الكوفة) قالت : فحملنا إلى المأمون فكنا في داره في جنة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير فوهبني المأمون للرضا، فلما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم، وكانت علينــا قيّمة تنبهنا من الليل، وتأخذنا بالصلاة، وكان ذلك من أشد ما علينا فكنت أتمنى الخروج من داره .

                    وأعظم الزهد زهده في الخلافة بالطريقة التي عرضها عليه المأمون العباسي، فإن من الناس من يزهد في الدنيا طلباً لما هو أعظم من متاعها . ولا أعظم من الرئاسة في أعين الإنسان .

                    يقول الفضل بن سهل الذي شهد حوار المأمون مع الإمام الرضا في شأن الخلافة ما رأيت الملك ذليلاً مثل ذلك اليوم .

                    يقول المأمون العباسي فيما روي منه، فجهدت الجهد كله وأطمعته في الخلافة وما سواها فما أطمعني في نفسه


                    هكذا أفاض الإمام علمــه :

                    أربعة من أئمة الهدى تسنى لهم نشر معارف الإسلام في الآفاق . أولهم الإمام أمير المؤمنين وآخرهم الإمام الرضا والصادقان محمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم جميعاً صلوات الله) .

                    وبالرغم من أن جميع أئمة الهدى نشروا العلم، إلاّ أن الظروف ساعدت هؤلاء الأربعة على ذلك أكثر من الآخرين .

                    ولقد سبق الحديث - ببعض التفصيل - عن علم الأئمة ومصادره المتنوعة فيما سردته من حياة الإمام الباقر (ع) فنكتفي بذلك، وإنما نشير إلى آفاق العلم التي تناولتها أحاديث الإمام الرضا (ع) ونقل عن اليقطيني أنه قال : لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة “ .

                    ولقد قال الإمام مرة :

                    “ كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فأجيب عنها “ .
                    وقد بدأ بالفتيا في مسجد الرسول، وعمره الشريف نيف وعشرون عاماً .

                    ولنعرف دور الإمام الرضا في هذا الحقل لابد أن نعود قليلاً إلى الوراء، لنعرف أن الحزب العباسي الذي تسلط على رقاب المسلمين بعد الفراغ السياسي الذي أحدثه غياب السلطة الأموية قد وجد نفسه أمام تيارات سياسية معارضة، تعتمد على الفكر، وتتسلح بالنظريات الثقافية، وفي طليعتها التيار العلوي الذي كان يقود المعارضة السياسية إلى جنب قيادة الساحة الفكرية، والحزب العباسي الذي كان يعيش خواءً نظرياً قاتلاً لم يجد حيلةً إلاّ البحث عن مصادر خارجية للثقافة، فشجع حركة الترجمة وتوجه إلى الكتب الفلسفية قبل الكتب العلمية، وبنشاط هذه الحركة حدث في الأمة اضطراب فكري وتوتر ثقافي مما أضحى يهدد وحدة الأمة .

                    وكانت عوامل شتى تساهم في هذا الخطر :

                    اولاً : انشغال المفكرين بالقضايا السياسية .

                    ثانياً : ازدياد الإضراب السياسي، والحروب الداخلية التي تجر بطبيعتها الأمة إلى المزيد من التوتر الفكري .

                    ثالثاً :‏ وجود تيارات غريبة عن الأمة كان هدفها إفساد ثقافة المجتمع ومحاربة الإسلام باسم الإسلام، والتي كانت تغذيها حركات سياسية متصلة بالكفار .

                    وفي عهد المأمون العباسي بلغ الإضطراب الفكري قمته مما دفع الإمام الرضا (ع) بالتصدي لها .

                    وقد ساعده في ذلك انتقاله إلى حاضرة البلاد الإسلامية، وقبوله لولاية العهد مما جعله في قلب الصراعات الفكرية .

                    وهكذا كثرت حواراته مع سائر الملل والمذاهب، مما حدى بعلمائنا الكرام إفراد كتب حول ما روي عنه (ع)، مثل ما فعل الصدوق (رحمه الله) في كتابه عيون أخبار الرضا .

                    كذلك نستوحي من التأمل في كلماته أنها كانت تصد تشكيكات يبثها الأعداء حول الإسلام وبالذات حول عقلانية أحكامه، من هنا كثرحديثه عن علل الشرائع، والحكم التي وراء أحكام الدين . كما أن طائفة من كلماته المضيئة تعالج الشؤون الحياتية مثل رسالته الطبية المعروفة بطب الرضا (ع) .

                    ومما يميز حياة الإمام الرضا (ع) العلمية أن كلماته كانت تلقى قبولاً في كافة الأوساط الإسلامية، ولعل ورود مدينة نيسابور التي كانت من الحواضر العلمية في العالم الإسلامي أظهرت مدى اهتمام علماء الإسلام بأحاديث الإمام، و تذكر الروايات

                    (أن الإمام الرضا لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي فاض فيها بفضيلة الشهادة، كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضة خالصة، فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله فقالا : أيها السيد ابن السادة، أيها الإمام وابن الأئمة أيها السلالة الطاهرة الرضية، أيها الخلاصة الزاكية النبوية بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلاّ أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدك، نَذْكُرك به .

                    فاستوقف البغلة، ورفع المظلة، وأقر عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة، فكانت ذؤابتاه كذوابتي رسول الله (ص) فقال (ع) :

                    “ حدثني أبي موسى بن جعفر الكاظم، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال : حدثني أبي محمد بن علي الباقر، قال : حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين، قال : حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض كربلاء، قال : حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة، قال : حدثني أخي وابن عمي محمد رسول الله (ص) قال : حدثني جبرائيل (ع) قال : سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول :

                    (كلمة لا إله إلاّ الله حصني فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي) “ .

                    صدق الله سبحانه وصدق جبرائيل (ع) وصدق رسول الله والأئمة عليهم السلام

                    تعليق


                    • #70
                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      اللهم صلي على محمد و آل محمد

                      و قبر بطوس يالها من مصيبــــــــة *** ألحت على الأحشاء بالزفرات
                      إلى الحشر حتى يبعث الله قائمنا *** يفرج عنا الهم و الكربـــــــــات


                      السلام عليك أيها الغريب .... يا باب الحوائج يا علي بن موسى الرضا


                      نسبه الشريف :
                      هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي

                      مولده الشريف :
                      وفي سنة مائة وثمان وأربعين من الهجرة في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام ولد الإمام (ع)، وعمَّ بيت الرسالة سرور وبهجة .

                      تقول أمه (تكتم الطاهرة) لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً في بطني فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً، فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم، فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر (ع) فقال لي : هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك، فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم ردّه إلي وقال : خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه .


                      خلقه وفضائله :

                      كان الإمام الرضا (ع) بمثابة قرآن ناطق، فخلقه من القرآن، وعلمه ومكرماته من القرآن، أوليس القرآن هو آية الله العظمى في خلقه، أولم ييسّره ربنا لمن شاء من عباده أن يستقيم عليه ؟ أوَ يكون ذلك غريباً أن يصبح من تمثل القرآن في حياته آية عظمى لرب العالمين .

                      وأعظم ميزات الإمام علي (ع) ان الله قد جعل أذنه واعية للقرآن .

                      وقد ذكّرنا الرسول بأنه يخلّف بعده الثقلين : كتاب الله وعترته أهل بيته، ثم بيّن أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض .

                      أوَلا يعني ذلك أن أهل بيت الرسالة (ع) كانوا مشكاة نور القرآن ومعدن خيرات الوحي ومستقر علم الله ؟.

                      وكان الإمام الرضا (ع) قد تمثل هذا النور - بكل وجوده حتى جاء في الحديث : عن ابي ذكوان قال : سمعت إبراهيم بن العباس يقول :

                      ما رأيت الرضا (ع) سئل عن شيء قط إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمنحه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاث ليالٍ،

                      فالقرآن كتاب الله ومن لا يتصل قلبه بنور الله لا يعرف كتابه، أو لم يقل ربنا سبحانه :

                      { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً } (الاسراء / 82) .

                      وبدرجة الإيمان، وبمستوى اليقين، وبقدر تجلي عظمة الرب في القلب يستضيء الإنسان بنور الله الذي تجلى به في كتابه ..

                      و كان من عبادته (ع) أنه إذا صلّى الفجر في أول وقتها يسجد لربه فلا يرفع رأسه الى أن ترتفع الشمــس..

                      وعندما كلّف المأمون العباسي وإليه على المدينة بمرافقة الإمام إلى خراسان، سأله - بعد مقدمه إليها - عن أحواله في الطريق ففصّل الحديث عن درجات عبادته وذكره وتبتله، فلما قص عليه ذلك أمره بأن يكتم عن الناس ذلك وكان مما نقله :

                      كان إذا أصبح صلى الغداة، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله، ويصلي على النبي وآله حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال، ثم جدد وضوءه وعاد إلى مصلاه .. وبعد أن يذكر كيفية صلاته وسجداته ونوافله إلى وقت العصر مما هو معروف في الفقه، ثم يقول أقام وصلى العصر فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم سجد سجدة يقول فيها مائة مرة “ حمداً لله “ .

                      ثم يذكر كيف كان يصلي بعد غروب الشمس ويسبّح ربه حتى يمضي قريب من ثلث الليل ثم يأوي إلى فراشــه .. فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه لنافلة الليل، واستمر على ذلك حتى يطلع الفجر، ثم يجلس للتعقيب حتى تطلع الشمس، ويسجد حتى يتعالى النهار .

                      ويضيف : وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوَّذ من النار .

                      وكان الإمام يرى أن ماله من فضل إنما هو بالتقوى وليس فقط بالانتساب إلى رسول الله (ص) بالولادة .

                      هكذا ينقل البيهقي عن الصولي عن محمد بن موسى بن نصر الرازي قال : سمعت أبي يقول : قال رجل للرضا والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً، فقال : “ التقوى شرفتهم وطاعة الله أعظمتهم “ .

                      فقال له آخر : أنت والله خير الناس، فقال له :

                      “ لا تحلـف يا هذا، خير مني من كان أتقى لله عزّ وجلّ وأطوع له واللـه ما نسخت هذه الآية :

                      { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .

                      وهذا الحديث يذكرنا بما يروى عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : “ لَولايتي لمحمد صلّى الله عليه وآله أحب إليّ من ولادتي منه “ .

                      وهكذا أطاع الله بكل جوانب حياته، فأحبه الله ونوّر قلبه بضياء المعرفة وألهمه من العلوم ما ألهمــه .

                      وجعله حجة بالغة على خلقه، أو لم نقرأ سورة (ص) كيف بيّن فيها ربنا مواهبه لعباده الصالحين، وأنه إنما أتاهم كل تلك المواهب لعبادتهم وإخلاصهم فقال مثلاً :

                      { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (ص/ 17) { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } (ص /20) . إلى أن يقول : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَأَبٍ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } (ص/25-26) .

                      وهكذا أناب الإمام الرضا (ع) إلى ربه فوهب الله له ما شاء من الكرامة والعلم ..

                      لقد زهد في الدنيا واستصغر شأنها، ورفض مغرياتها، فرفع الله الحجاب بينه وبين الحقائق لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وهو حجاب سميك بين الإنسان وبين حقائق الخلق ..

                      يذكر البيهقي عن الصولي : كان جلوس الرضا في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم .

                      وكان ذلك عندما أقبلت الدنيا عليه فلم يقبلها، وتزينت له فلم يغترّ بها . بل عندما كانت الخلافة العباسية في أوج عظمتها وبذخها وترفها وكان الإمام ولي عهد الخليفة في الظاهر يومئذ عاف الدنيا وشهواتها . هكذا تروي جارية اسمها عذر فتقول : اشتريت مع عدة جواري من الكوفة، وكنت من ولداتها (كانت مولودة في الكوفة) قالت : فحملنا إلى المأمون فكنا في داره في جنة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير فوهبني المأمون للرضا، فلما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم، وكانت علينــا قيّمة تنبهنا من الليل، وتأخذنا بالصلاة، وكان ذلك من أشد ما علينا فكنت أتمنى الخروج من داره .

                      وأعظم الزهد زهده في الخلافة بالطريقة التي عرضها عليه المأمون العباسي، فإن من الناس من يزهد في الدنيا طلباً لما هو أعظم من متاعها . ولا أعظم من الرئاسة في أعين الإنسان .

                      يقول الفضل بن سهل الذي شهد حوار المأمون مع الإمام الرضا في شأن الخلافة ما رأيت الملك ذليلاً مثل ذلك اليوم .

                      يقول المأمون العباسي فيما روي منه، فجهدت الجهد كله وأطمعته في الخلافة وما سواها فما أطمعني في نفسه


                      هكذا أفاض الإمام علمــه :

                      أربعة من أئمة الهدى تسنى لهم نشر معارف الإسلام في الآفاق . أولهم الإمام أمير المؤمنين وآخرهم الإمام الرضا والصادقان محمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم جميعاً صلوات الله) .

                      وبالرغم من أن جميع أئمة الهدى نشروا العلم، إلاّ أن الظروف ساعدت هؤلاء الأربعة على ذلك أكثر من الآخرين .

                      ولقد سبق الحديث - ببعض التفصيل - عن علم الأئمة ومصادره المتنوعة فيما سردته من حياة الإمام الباقر (ع) فنكتفي بذلك، وإنما نشير إلى آفاق العلم التي تناولتها أحاديث الإمام الرضا (ع) ونقل عن اليقطيني أنه قال : لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة “ .

                      ولقد قال الإمام مرة :

                      “ كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فأجيب عنها “ .
                      وقد بدأ بالفتيا في مسجد الرسول، وعمره الشريف نيف وعشرون عاماً .

                      ولنعرف دور الإمام الرضا في هذا الحقل لابد أن نعود قليلاً إلى الوراء، لنعرف أن الحزب العباسي الذي تسلط على رقاب المسلمين بعد الفراغ السياسي الذي أحدثه غياب السلطة الأموية قد وجد نفسه أمام تيارات سياسية معارضة، تعتمد على الفكر، وتتسلح بالنظريات الثقافية، وفي طليعتها التيار العلوي الذي كان يقود المعارضة السياسية إلى جنب قيادة الساحة الفكرية، والحزب العباسي الذي كان يعيش خواءً نظرياً قاتلاً لم يجد حيلةً إلاّ البحث عن مصادر خارجية للثقافة، فشجع حركة الترجمة وتوجه إلى الكتب الفلسفية قبل الكتب العلمية، وبنشاط هذه الحركة حدث في الأمة اضطراب فكري وتوتر ثقافي مما أضحى يهدد وحدة الأمة .

                      وكانت عوامل شتى تساهم في هذا الخطر :

                      اولاً : انشغال المفكرين بالقضايا السياسية .

                      ثانياً : ازدياد الإضراب السياسي، والحروب الداخلية التي تجر بطبيعتها الأمة إلى المزيد من التوتر الفكري .

                      ثالثاً :‏ وجود تيارات غريبة عن الأمة كان هدفها إفساد ثقافة المجتمع ومحاربة الإسلام باسم الإسلام، والتي كانت تغذيها حركات سياسية متصلة بالكفار .

                      وفي عهد المأمون العباسي بلغ الإضطراب الفكري قمته مما دفع الإمام الرضا (ع) بالتصدي لها .

                      وقد ساعده في ذلك انتقاله إلى حاضرة البلاد الإسلامية، وقبوله لولاية العهد مما جعله في قلب الصراعات الفكرية .

                      وهكذا كثرت حواراته مع سائر الملل والمذاهب، مما حدى بعلمائنا الكرام إفراد كتب حول ما روي عنه (ع)، مثل ما فعل الصدوق (رحمه الله) في كتابه عيون أخبار الرضا .

                      كذلك نستوحي من التأمل في كلماته أنها كانت تصد تشكيكات يبثها الأعداء حول الإسلام وبالذات حول عقلانية أحكامه، من هنا كثرحديثه عن علل الشرائع، والحكم التي وراء أحكام الدين . كما أن طائفة من كلماته المضيئة تعالج الشؤون الحياتية مثل رسالته الطبية المعروفة بطب الرضا (ع) .

                      ومما يميز حياة الإمام الرضا (ع) العلمية أن كلماته كانت تلقى قبولاً في كافة الأوساط الإسلامية، ولعل ورود مدينة نيسابور التي كانت من الحواضر العلمية في العالم الإسلامي أظهرت مدى اهتمام علماء الإسلام بأحاديث الإمام، و تذكر الروايات

                      (أن الإمام الرضا لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي فاض فيها بفضيلة الشهادة، كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضة خالصة، فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله فقالا : أيها السيد ابن السادة، أيها الإمام وابن الأئمة أيها السلالة الطاهرة الرضية، أيها الخلاصة الزاكية النبوية بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلاّ أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدك، نَذْكُرك به .

                      فاستوقف البغلة، ورفع المظلة، وأقر عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة، فكانت ذؤابتاه كذوابتي رسول الله (ص) فقال (ع) :

                      “ حدثني أبي موسى بن جعفر الكاظم، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال : حدثني أبي محمد بن علي الباقر، قال : حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين، قال : حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض كربلاء، قال : حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة، قال : حدثني أخي وابن عمي محمد رسول الله (ص) قال : حدثني جبرائيل (ع) قال : سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول :

                      (كلمة لا إله إلاّ الله حصني فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي) “ .

                      صدق الله سبحانه وصدق جبرائيل (ع) وصدق رسول الله والأئمة عليهم السلام

                      تعليق


                      • #71
                        بسم الله الرحمن الرحيم

                        اللهم صلي على محمد و آل محمد

                        و قبر بطوس يالها من مصيبــــــــة *** ألحت على الأحشاء بالزفرات
                        إلى الحشر حتى يبعث الله قائمنا *** يفرج عنا الهم و الكربـــــــــات


                        السلام عليك أيها الغريب .... يا باب الحوائج يا علي بن موسى الرضا


                        نسبه الشريف :
                        هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي

                        مولده الشريف :
                        وفي سنة مائة وثمان وأربعين من الهجرة في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام ولد الإمام (ع)، وعمَّ بيت الرسالة سرور وبهجة .

                        تقول أمه (تكتم الطاهرة) لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً في بطني فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً، فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم، فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر (ع) فقال لي : هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك، فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم ردّه إلي وقال : خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه .


                        خلقه وفضائله :

                        كان الإمام الرضا (ع) بمثابة قرآن ناطق، فخلقه من القرآن، وعلمه ومكرماته من القرآن، أوليس القرآن هو آية الله العظمى في خلقه، أولم ييسّره ربنا لمن شاء من عباده أن يستقيم عليه ؟ أوَ يكون ذلك غريباً أن يصبح من تمثل القرآن في حياته آية عظمى لرب العالمين .

                        وأعظم ميزات الإمام علي (ع) ان الله قد جعل أذنه واعية للقرآن .

                        وقد ذكّرنا الرسول بأنه يخلّف بعده الثقلين : كتاب الله وعترته أهل بيته، ثم بيّن أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض .

                        أوَلا يعني ذلك أن أهل بيت الرسالة (ع) كانوا مشكاة نور القرآن ومعدن خيرات الوحي ومستقر علم الله ؟.

                        وكان الإمام الرضا (ع) قد تمثل هذا النور - بكل وجوده حتى جاء في الحديث : عن ابي ذكوان قال : سمعت إبراهيم بن العباس يقول :

                        ما رأيت الرضا (ع) سئل عن شيء قط إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمنحه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاث ليالٍ،

                        فالقرآن كتاب الله ومن لا يتصل قلبه بنور الله لا يعرف كتابه، أو لم يقل ربنا سبحانه :

                        { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً } (الاسراء / 82) .

                        وبدرجة الإيمان، وبمستوى اليقين، وبقدر تجلي عظمة الرب في القلب يستضيء الإنسان بنور الله الذي تجلى به في كتابه ..

                        و كان من عبادته (ع) أنه إذا صلّى الفجر في أول وقتها يسجد لربه فلا يرفع رأسه الى أن ترتفع الشمــس..

                        وعندما كلّف المأمون العباسي وإليه على المدينة بمرافقة الإمام إلى خراسان، سأله - بعد مقدمه إليها - عن أحواله في الطريق ففصّل الحديث عن درجات عبادته وذكره وتبتله، فلما قص عليه ذلك أمره بأن يكتم عن الناس ذلك وكان مما نقله :

                        كان إذا أصبح صلى الغداة، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله، ويصلي على النبي وآله حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال، ثم جدد وضوءه وعاد إلى مصلاه .. وبعد أن يذكر كيفية صلاته وسجداته ونوافله إلى وقت العصر مما هو معروف في الفقه، ثم يقول أقام وصلى العصر فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم سجد سجدة يقول فيها مائة مرة “ حمداً لله “ .

                        ثم يذكر كيف كان يصلي بعد غروب الشمس ويسبّح ربه حتى يمضي قريب من ثلث الليل ثم يأوي إلى فراشــه .. فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه لنافلة الليل، واستمر على ذلك حتى يطلع الفجر، ثم يجلس للتعقيب حتى تطلع الشمس، ويسجد حتى يتعالى النهار .

                        ويضيف : وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوَّذ من النار .

                        وكان الإمام يرى أن ماله من فضل إنما هو بالتقوى وليس فقط بالانتساب إلى رسول الله (ص) بالولادة .

                        هكذا ينقل البيهقي عن الصولي عن محمد بن موسى بن نصر الرازي قال : سمعت أبي يقول : قال رجل للرضا والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً، فقال : “ التقوى شرفتهم وطاعة الله أعظمتهم “ .

                        فقال له آخر : أنت والله خير الناس، فقال له :

                        “ لا تحلـف يا هذا، خير مني من كان أتقى لله عزّ وجلّ وأطوع له واللـه ما نسخت هذه الآية :

                        { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .

                        وهذا الحديث يذكرنا بما يروى عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : “ لَولايتي لمحمد صلّى الله عليه وآله أحب إليّ من ولادتي منه “ .

                        وهكذا أطاع الله بكل جوانب حياته، فأحبه الله ونوّر قلبه بضياء المعرفة وألهمه من العلوم ما ألهمــه .

                        وجعله حجة بالغة على خلقه، أو لم نقرأ سورة (ص) كيف بيّن فيها ربنا مواهبه لعباده الصالحين، وأنه إنما أتاهم كل تلك المواهب لعبادتهم وإخلاصهم فقال مثلاً :

                        { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (ص/ 17) { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } (ص /20) . إلى أن يقول : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَأَبٍ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } (ص/25-26) .

                        وهكذا أناب الإمام الرضا (ع) إلى ربه فوهب الله له ما شاء من الكرامة والعلم ..

                        لقد زهد في الدنيا واستصغر شأنها، ورفض مغرياتها، فرفع الله الحجاب بينه وبين الحقائق لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وهو حجاب سميك بين الإنسان وبين حقائق الخلق ..

                        يذكر البيهقي عن الصولي : كان جلوس الرضا في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم .

                        وكان ذلك عندما أقبلت الدنيا عليه فلم يقبلها، وتزينت له فلم يغترّ بها . بل عندما كانت الخلافة العباسية في أوج عظمتها وبذخها وترفها وكان الإمام ولي عهد الخليفة في الظاهر يومئذ عاف الدنيا وشهواتها . هكذا تروي جارية اسمها عذر فتقول : اشتريت مع عدة جواري من الكوفة، وكنت من ولداتها (كانت مولودة في الكوفة) قالت : فحملنا إلى المأمون فكنا في داره في جنة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير فوهبني المأمون للرضا، فلما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم، وكانت علينــا قيّمة تنبهنا من الليل، وتأخذنا بالصلاة، وكان ذلك من أشد ما علينا فكنت أتمنى الخروج من داره .

                        وأعظم الزهد زهده في الخلافة بالطريقة التي عرضها عليه المأمون العباسي، فإن من الناس من يزهد في الدنيا طلباً لما هو أعظم من متاعها . ولا أعظم من الرئاسة في أعين الإنسان .

                        يقول الفضل بن سهل الذي شهد حوار المأمون مع الإمام الرضا في شأن الخلافة ما رأيت الملك ذليلاً مثل ذلك اليوم .

                        يقول المأمون العباسي فيما روي منه، فجهدت الجهد كله وأطمعته في الخلافة وما سواها فما أطمعني في نفسه


                        هكذا أفاض الإمام علمــه :

                        أربعة من أئمة الهدى تسنى لهم نشر معارف الإسلام في الآفاق . أولهم الإمام أمير المؤمنين وآخرهم الإمام الرضا والصادقان محمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم جميعاً صلوات الله) .

                        وبالرغم من أن جميع أئمة الهدى نشروا العلم، إلاّ أن الظروف ساعدت هؤلاء الأربعة على ذلك أكثر من الآخرين .

                        ولقد سبق الحديث - ببعض التفصيل - عن علم الأئمة ومصادره المتنوعة فيما سردته من حياة الإمام الباقر (ع) فنكتفي بذلك، وإنما نشير إلى آفاق العلم التي تناولتها أحاديث الإمام الرضا (ع) ونقل عن اليقطيني أنه قال : لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة “ .

                        ولقد قال الإمام مرة :

                        “ كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فأجيب عنها “ .
                        وقد بدأ بالفتيا في مسجد الرسول، وعمره الشريف نيف وعشرون عاماً .

                        ولنعرف دور الإمام الرضا في هذا الحقل لابد أن نعود قليلاً إلى الوراء، لنعرف أن الحزب العباسي الذي تسلط على رقاب المسلمين بعد الفراغ السياسي الذي أحدثه غياب السلطة الأموية قد وجد نفسه أمام تيارات سياسية معارضة، تعتمد على الفكر، وتتسلح بالنظريات الثقافية، وفي طليعتها التيار العلوي الذي كان يقود المعارضة السياسية إلى جنب قيادة الساحة الفكرية، والحزب العباسي الذي كان يعيش خواءً نظرياً قاتلاً لم يجد حيلةً إلاّ البحث عن مصادر خارجية للثقافة، فشجع حركة الترجمة وتوجه إلى الكتب الفلسفية قبل الكتب العلمية، وبنشاط هذه الحركة حدث في الأمة اضطراب فكري وتوتر ثقافي مما أضحى يهدد وحدة الأمة .

                        وكانت عوامل شتى تساهم في هذا الخطر :

                        اولاً : انشغال المفكرين بالقضايا السياسية .

                        ثانياً : ازدياد الإضراب السياسي، والحروب الداخلية التي تجر بطبيعتها الأمة إلى المزيد من التوتر الفكري .

                        ثالثاً :‏ وجود تيارات غريبة عن الأمة كان هدفها إفساد ثقافة المجتمع ومحاربة الإسلام باسم الإسلام، والتي كانت تغذيها حركات سياسية متصلة بالكفار .

                        وفي عهد المأمون العباسي بلغ الإضطراب الفكري قمته مما دفع الإمام الرضا (ع) بالتصدي لها .

                        وقد ساعده في ذلك انتقاله إلى حاضرة البلاد الإسلامية، وقبوله لولاية العهد مما جعله في قلب الصراعات الفكرية .

                        وهكذا كثرت حواراته مع سائر الملل والمذاهب، مما حدى بعلمائنا الكرام إفراد كتب حول ما روي عنه (ع)، مثل ما فعل الصدوق (رحمه الله) في كتابه عيون أخبار الرضا .

                        كذلك نستوحي من التأمل في كلماته أنها كانت تصد تشكيكات يبثها الأعداء حول الإسلام وبالذات حول عقلانية أحكامه، من هنا كثرحديثه عن علل الشرائع، والحكم التي وراء أحكام الدين . كما أن طائفة من كلماته المضيئة تعالج الشؤون الحياتية مثل رسالته الطبية المعروفة بطب الرضا (ع) .

                        ومما يميز حياة الإمام الرضا (ع) العلمية أن كلماته كانت تلقى قبولاً في كافة الأوساط الإسلامية، ولعل ورود مدينة نيسابور التي كانت من الحواضر العلمية في العالم الإسلامي أظهرت مدى اهتمام علماء الإسلام بأحاديث الإمام، و تذكر الروايات

                        (أن الإمام الرضا لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي فاض فيها بفضيلة الشهادة، كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضة خالصة، فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله فقالا : أيها السيد ابن السادة، أيها الإمام وابن الأئمة أيها السلالة الطاهرة الرضية، أيها الخلاصة الزاكية النبوية بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلاّ أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدك، نَذْكُرك به .

                        فاستوقف البغلة، ورفع المظلة، وأقر عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة، فكانت ذؤابتاه كذوابتي رسول الله (ص) فقال (ع) :

                        “ حدثني أبي موسى بن جعفر الكاظم، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال : حدثني أبي محمد بن علي الباقر، قال : حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين، قال : حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض كربلاء، قال : حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة، قال : حدثني أخي وابن عمي محمد رسول الله (ص) قال : حدثني جبرائيل (ع) قال : سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول :

                        (كلمة لا إله إلاّ الله حصني فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي) “ .

                        صدق الله سبحانه وصدق جبرائيل (ع) وصدق رسول الله والأئمة عليهم السلام

                        تعليق


                        • #72
                          بسم الله الرحمن الرحيم

                          اللهم صلي على محمد و آل محمد

                          و قبر بطوس يالها من مصيبــــــــة *** ألحت على الأحشاء بالزفرات
                          إلى الحشر حتى يبعث الله قائمنا *** يفرج عنا الهم و الكربـــــــــات


                          السلام عليك أيها الغريب .... يا باب الحوائج يا علي بن موسى الرضا


                          نسبه الشريف :
                          هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي

                          مولده الشريف :
                          وفي سنة مائة وثمان وأربعين من الهجرة في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام ولد الإمام (ع)، وعمَّ بيت الرسالة سرور وبهجة .

                          تقول أمه (تكتم الطاهرة) لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً في بطني فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً، فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم، فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر (ع) فقال لي : هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك، فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم ردّه إلي وقال : خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه .


                          خلقه وفضائله :

                          كان الإمام الرضا (ع) بمثابة قرآن ناطق، فخلقه من القرآن، وعلمه ومكرماته من القرآن، أوليس القرآن هو آية الله العظمى في خلقه، أولم ييسّره ربنا لمن شاء من عباده أن يستقيم عليه ؟ أوَ يكون ذلك غريباً أن يصبح من تمثل القرآن في حياته آية عظمى لرب العالمين .

                          وأعظم ميزات الإمام علي (ع) ان الله قد جعل أذنه واعية للقرآن .

                          وقد ذكّرنا الرسول بأنه يخلّف بعده الثقلين : كتاب الله وعترته أهل بيته، ثم بيّن أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض .

                          أوَلا يعني ذلك أن أهل بيت الرسالة (ع) كانوا مشكاة نور القرآن ومعدن خيرات الوحي ومستقر علم الله ؟.

                          وكان الإمام الرضا (ع) قد تمثل هذا النور - بكل وجوده حتى جاء في الحديث : عن ابي ذكوان قال : سمعت إبراهيم بن العباس يقول :

                          ما رأيت الرضا (ع) سئل عن شيء قط إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمنحه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاث ليالٍ،

                          فالقرآن كتاب الله ومن لا يتصل قلبه بنور الله لا يعرف كتابه، أو لم يقل ربنا سبحانه :

                          { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً } (الاسراء / 82) .

                          وبدرجة الإيمان، وبمستوى اليقين، وبقدر تجلي عظمة الرب في القلب يستضيء الإنسان بنور الله الذي تجلى به في كتابه ..

                          و كان من عبادته (ع) أنه إذا صلّى الفجر في أول وقتها يسجد لربه فلا يرفع رأسه الى أن ترتفع الشمــس..

                          وعندما كلّف المأمون العباسي وإليه على المدينة بمرافقة الإمام إلى خراسان، سأله - بعد مقدمه إليها - عن أحواله في الطريق ففصّل الحديث عن درجات عبادته وذكره وتبتله، فلما قص عليه ذلك أمره بأن يكتم عن الناس ذلك وكان مما نقله :

                          كان إذا أصبح صلى الغداة، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله، ويصلي على النبي وآله حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال، ثم جدد وضوءه وعاد إلى مصلاه .. وبعد أن يذكر كيفية صلاته وسجداته ونوافله إلى وقت العصر مما هو معروف في الفقه، ثم يقول أقام وصلى العصر فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم سجد سجدة يقول فيها مائة مرة “ حمداً لله “ .

                          ثم يذكر كيف كان يصلي بعد غروب الشمس ويسبّح ربه حتى يمضي قريب من ثلث الليل ثم يأوي إلى فراشــه .. فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه لنافلة الليل، واستمر على ذلك حتى يطلع الفجر، ثم يجلس للتعقيب حتى تطلع الشمس، ويسجد حتى يتعالى النهار .

                          ويضيف : وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوَّذ من النار .

                          وكان الإمام يرى أن ماله من فضل إنما هو بالتقوى وليس فقط بالانتساب إلى رسول الله (ص) بالولادة .

                          هكذا ينقل البيهقي عن الصولي عن محمد بن موسى بن نصر الرازي قال : سمعت أبي يقول : قال رجل للرضا والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً، فقال : “ التقوى شرفتهم وطاعة الله أعظمتهم “ .

                          فقال له آخر : أنت والله خير الناس، فقال له :

                          “ لا تحلـف يا هذا، خير مني من كان أتقى لله عزّ وجلّ وأطوع له واللـه ما نسخت هذه الآية :

                          { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .

                          وهذا الحديث يذكرنا بما يروى عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : “ لَولايتي لمحمد صلّى الله عليه وآله أحب إليّ من ولادتي منه “ .

                          وهكذا أطاع الله بكل جوانب حياته، فأحبه الله ونوّر قلبه بضياء المعرفة وألهمه من العلوم ما ألهمــه .

                          وجعله حجة بالغة على خلقه، أو لم نقرأ سورة (ص) كيف بيّن فيها ربنا مواهبه لعباده الصالحين، وأنه إنما أتاهم كل تلك المواهب لعبادتهم وإخلاصهم فقال مثلاً :

                          { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (ص/ 17) { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } (ص /20) . إلى أن يقول : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَأَبٍ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } (ص/25-26) .

                          وهكذا أناب الإمام الرضا (ع) إلى ربه فوهب الله له ما شاء من الكرامة والعلم ..

                          لقد زهد في الدنيا واستصغر شأنها، ورفض مغرياتها، فرفع الله الحجاب بينه وبين الحقائق لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وهو حجاب سميك بين الإنسان وبين حقائق الخلق ..

                          يذكر البيهقي عن الصولي : كان جلوس الرضا في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم .

                          وكان ذلك عندما أقبلت الدنيا عليه فلم يقبلها، وتزينت له فلم يغترّ بها . بل عندما كانت الخلافة العباسية في أوج عظمتها وبذخها وترفها وكان الإمام ولي عهد الخليفة في الظاهر يومئذ عاف الدنيا وشهواتها . هكذا تروي جارية اسمها عذر فتقول : اشتريت مع عدة جواري من الكوفة، وكنت من ولداتها (كانت مولودة في الكوفة) قالت : فحملنا إلى المأمون فكنا في داره في جنة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير فوهبني المأمون للرضا، فلما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم، وكانت علينــا قيّمة تنبهنا من الليل، وتأخذنا بالصلاة، وكان ذلك من أشد ما علينا فكنت أتمنى الخروج من داره .

                          وأعظم الزهد زهده في الخلافة بالطريقة التي عرضها عليه المأمون العباسي، فإن من الناس من يزهد في الدنيا طلباً لما هو أعظم من متاعها . ولا أعظم من الرئاسة في أعين الإنسان .

                          يقول الفضل بن سهل الذي شهد حوار المأمون مع الإمام الرضا في شأن الخلافة ما رأيت الملك ذليلاً مثل ذلك اليوم .

                          يقول المأمون العباسي فيما روي منه، فجهدت الجهد كله وأطمعته في الخلافة وما سواها فما أطمعني في نفسه


                          هكذا أفاض الإمام علمــه :

                          أربعة من أئمة الهدى تسنى لهم نشر معارف الإسلام في الآفاق . أولهم الإمام أمير المؤمنين وآخرهم الإمام الرضا والصادقان محمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم جميعاً صلوات الله) .

                          وبالرغم من أن جميع أئمة الهدى نشروا العلم، إلاّ أن الظروف ساعدت هؤلاء الأربعة على ذلك أكثر من الآخرين .

                          ولقد سبق الحديث - ببعض التفصيل - عن علم الأئمة ومصادره المتنوعة فيما سردته من حياة الإمام الباقر (ع) فنكتفي بذلك، وإنما نشير إلى آفاق العلم التي تناولتها أحاديث الإمام الرضا (ع) ونقل عن اليقطيني أنه قال : لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة “ .

                          ولقد قال الإمام مرة :

                          “ كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فأجيب عنها “ .
                          وقد بدأ بالفتيا في مسجد الرسول، وعمره الشريف نيف وعشرون عاماً .

                          ولنعرف دور الإمام الرضا في هذا الحقل لابد أن نعود قليلاً إلى الوراء، لنعرف أن الحزب العباسي الذي تسلط على رقاب المسلمين بعد الفراغ السياسي الذي أحدثه غياب السلطة الأموية قد وجد نفسه أمام تيارات سياسية معارضة، تعتمد على الفكر، وتتسلح بالنظريات الثقافية، وفي طليعتها التيار العلوي الذي كان يقود المعارضة السياسية إلى جنب قيادة الساحة الفكرية، والحزب العباسي الذي كان يعيش خواءً نظرياً قاتلاً لم يجد حيلةً إلاّ البحث عن مصادر خارجية للثقافة، فشجع حركة الترجمة وتوجه إلى الكتب الفلسفية قبل الكتب العلمية، وبنشاط هذه الحركة حدث في الأمة اضطراب فكري وتوتر ثقافي مما أضحى يهدد وحدة الأمة .

                          وكانت عوامل شتى تساهم في هذا الخطر :

                          اولاً : انشغال المفكرين بالقضايا السياسية .

                          ثانياً : ازدياد الإضراب السياسي، والحروب الداخلية التي تجر بطبيعتها الأمة إلى المزيد من التوتر الفكري .

                          ثالثاً :‏ وجود تيارات غريبة عن الأمة كان هدفها إفساد ثقافة المجتمع ومحاربة الإسلام باسم الإسلام، والتي كانت تغذيها حركات سياسية متصلة بالكفار .

                          وفي عهد المأمون العباسي بلغ الإضطراب الفكري قمته مما دفع الإمام الرضا (ع) بالتصدي لها .

                          وقد ساعده في ذلك انتقاله إلى حاضرة البلاد الإسلامية، وقبوله لولاية العهد مما جعله في قلب الصراعات الفكرية .

                          وهكذا كثرت حواراته مع سائر الملل والمذاهب، مما حدى بعلمائنا الكرام إفراد كتب حول ما روي عنه (ع)، مثل ما فعل الصدوق (رحمه الله) في كتابه عيون أخبار الرضا .

                          كذلك نستوحي من التأمل في كلماته أنها كانت تصد تشكيكات يبثها الأعداء حول الإسلام وبالذات حول عقلانية أحكامه، من هنا كثرحديثه عن علل الشرائع، والحكم التي وراء أحكام الدين . كما أن طائفة من كلماته المضيئة تعالج الشؤون الحياتية مثل رسالته الطبية المعروفة بطب الرضا (ع) .

                          ومما يميز حياة الإمام الرضا (ع) العلمية أن كلماته كانت تلقى قبولاً في كافة الأوساط الإسلامية، ولعل ورود مدينة نيسابور التي كانت من الحواضر العلمية في العالم الإسلامي أظهرت مدى اهتمام علماء الإسلام بأحاديث الإمام، و تذكر الروايات

                          (أن الإمام الرضا لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي فاض فيها بفضيلة الشهادة، كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضة خالصة، فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله فقالا : أيها السيد ابن السادة، أيها الإمام وابن الأئمة أيها السلالة الطاهرة الرضية، أيها الخلاصة الزاكية النبوية بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلاّ أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدك، نَذْكُرك به .

                          فاستوقف البغلة، ورفع المظلة، وأقر عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة، فكانت ذؤابتاه كذوابتي رسول الله (ص) فقال (ع) :

                          “ حدثني أبي موسى بن جعفر الكاظم، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال : حدثني أبي محمد بن علي الباقر، قال : حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين، قال : حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض كربلاء، قال : حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة، قال : حدثني أخي وابن عمي محمد رسول الله (ص) قال : حدثني جبرائيل (ع) قال : سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول :

                          (كلمة لا إله إلاّ الله حصني فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي) “ .

                          صدق الله سبحانه وصدق جبرائيل (ع) وصدق رسول الله والأئمة عليهم السلام

                          تعليق


                          • #73
                            بسم الله الرحمن الرحيم

                            اللهم صلي على محمد و آل محمد

                            و قبر بطوس يالها من مصيبــــــــة *** ألحت على الأحشاء بالزفرات
                            إلى الحشر حتى يبعث الله قائمنا *** يفرج عنا الهم و الكربـــــــــات


                            السلام عليك أيها الغريب .... يا باب الحوائج يا علي بن موسى الرضا


                            نسبه الشريف :
                            هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي

                            مولده الشريف :
                            وفي سنة مائة وثمان وأربعين من الهجرة في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام ولد الإمام (ع)، وعمَّ بيت الرسالة سرور وبهجة .

                            تقول أمه (تكتم الطاهرة) لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً في بطني فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً، فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم، فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر (ع) فقال لي : هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك، فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم ردّه إلي وقال : خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه .


                            خلقه وفضائله :

                            كان الإمام الرضا (ع) بمثابة قرآن ناطق، فخلقه من القرآن، وعلمه ومكرماته من القرآن، أوليس القرآن هو آية الله العظمى في خلقه، أولم ييسّره ربنا لمن شاء من عباده أن يستقيم عليه ؟ أوَ يكون ذلك غريباً أن يصبح من تمثل القرآن في حياته آية عظمى لرب العالمين .

                            وأعظم ميزات الإمام علي (ع) ان الله قد جعل أذنه واعية للقرآن .

                            وقد ذكّرنا الرسول بأنه يخلّف بعده الثقلين : كتاب الله وعترته أهل بيته، ثم بيّن أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض .

                            أوَلا يعني ذلك أن أهل بيت الرسالة (ع) كانوا مشكاة نور القرآن ومعدن خيرات الوحي ومستقر علم الله ؟.

                            وكان الإمام الرضا (ع) قد تمثل هذا النور - بكل وجوده حتى جاء في الحديث : عن ابي ذكوان قال : سمعت إبراهيم بن العباس يقول :

                            ما رأيت الرضا (ع) سئل عن شيء قط إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمنحه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاث ليالٍ،

                            فالقرآن كتاب الله ومن لا يتصل قلبه بنور الله لا يعرف كتابه، أو لم يقل ربنا سبحانه :

                            { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً } (الاسراء / 82) .

                            وبدرجة الإيمان، وبمستوى اليقين، وبقدر تجلي عظمة الرب في القلب يستضيء الإنسان بنور الله الذي تجلى به في كتابه ..

                            و كان من عبادته (ع) أنه إذا صلّى الفجر في أول وقتها يسجد لربه فلا يرفع رأسه الى أن ترتفع الشمــس..

                            وعندما كلّف المأمون العباسي وإليه على المدينة بمرافقة الإمام إلى خراسان، سأله - بعد مقدمه إليها - عن أحواله في الطريق ففصّل الحديث عن درجات عبادته وذكره وتبتله، فلما قص عليه ذلك أمره بأن يكتم عن الناس ذلك وكان مما نقله :

                            كان إذا أصبح صلى الغداة، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله، ويصلي على النبي وآله حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال، ثم جدد وضوءه وعاد إلى مصلاه .. وبعد أن يذكر كيفية صلاته وسجداته ونوافله إلى وقت العصر مما هو معروف في الفقه، ثم يقول أقام وصلى العصر فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم سجد سجدة يقول فيها مائة مرة “ حمداً لله “ .

                            ثم يذكر كيف كان يصلي بعد غروب الشمس ويسبّح ربه حتى يمضي قريب من ثلث الليل ثم يأوي إلى فراشــه .. فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه لنافلة الليل، واستمر على ذلك حتى يطلع الفجر، ثم يجلس للتعقيب حتى تطلع الشمس، ويسجد حتى يتعالى النهار .

                            ويضيف : وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوَّذ من النار .

                            وكان الإمام يرى أن ماله من فضل إنما هو بالتقوى وليس فقط بالانتساب إلى رسول الله (ص) بالولادة .

                            هكذا ينقل البيهقي عن الصولي عن محمد بن موسى بن نصر الرازي قال : سمعت أبي يقول : قال رجل للرضا والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً، فقال : “ التقوى شرفتهم وطاعة الله أعظمتهم “ .

                            فقال له آخر : أنت والله خير الناس، فقال له :

                            “ لا تحلـف يا هذا، خير مني من كان أتقى لله عزّ وجلّ وأطوع له واللـه ما نسخت هذه الآية :

                            { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .

                            وهذا الحديث يذكرنا بما يروى عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : “ لَولايتي لمحمد صلّى الله عليه وآله أحب إليّ من ولادتي منه “ .

                            وهكذا أطاع الله بكل جوانب حياته، فأحبه الله ونوّر قلبه بضياء المعرفة وألهمه من العلوم ما ألهمــه .

                            وجعله حجة بالغة على خلقه، أو لم نقرأ سورة (ص) كيف بيّن فيها ربنا مواهبه لعباده الصالحين، وأنه إنما أتاهم كل تلك المواهب لعبادتهم وإخلاصهم فقال مثلاً :

                            { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (ص/ 17) { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } (ص /20) . إلى أن يقول : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَأَبٍ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } (ص/25-26) .

                            وهكذا أناب الإمام الرضا (ع) إلى ربه فوهب الله له ما شاء من الكرامة والعلم ..

                            لقد زهد في الدنيا واستصغر شأنها، ورفض مغرياتها، فرفع الله الحجاب بينه وبين الحقائق لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وهو حجاب سميك بين الإنسان وبين حقائق الخلق ..

                            يذكر البيهقي عن الصولي : كان جلوس الرضا في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم .

                            وكان ذلك عندما أقبلت الدنيا عليه فلم يقبلها، وتزينت له فلم يغترّ بها . بل عندما كانت الخلافة العباسية في أوج عظمتها وبذخها وترفها وكان الإمام ولي عهد الخليفة في الظاهر يومئذ عاف الدنيا وشهواتها . هكذا تروي جارية اسمها عذر فتقول : اشتريت مع عدة جواري من الكوفة، وكنت من ولداتها (كانت مولودة في الكوفة) قالت : فحملنا إلى المأمون فكنا في داره في جنة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير فوهبني المأمون للرضا، فلما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم، وكانت علينــا قيّمة تنبهنا من الليل، وتأخذنا بالصلاة، وكان ذلك من أشد ما علينا فكنت أتمنى الخروج من داره .

                            وأعظم الزهد زهده في الخلافة بالطريقة التي عرضها عليه المأمون العباسي، فإن من الناس من يزهد في الدنيا طلباً لما هو أعظم من متاعها . ولا أعظم من الرئاسة في أعين الإنسان .

                            يقول الفضل بن سهل الذي شهد حوار المأمون مع الإمام الرضا في شأن الخلافة ما رأيت الملك ذليلاً مثل ذلك اليوم .

                            يقول المأمون العباسي فيما روي منه، فجهدت الجهد كله وأطمعته في الخلافة وما سواها فما أطمعني في نفسه


                            هكذا أفاض الإمام علمــه :

                            أربعة من أئمة الهدى تسنى لهم نشر معارف الإسلام في الآفاق . أولهم الإمام أمير المؤمنين وآخرهم الإمام الرضا والصادقان محمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم جميعاً صلوات الله) .

                            وبالرغم من أن جميع أئمة الهدى نشروا العلم، إلاّ أن الظروف ساعدت هؤلاء الأربعة على ذلك أكثر من الآخرين .

                            ولقد سبق الحديث - ببعض التفصيل - عن علم الأئمة ومصادره المتنوعة فيما سردته من حياة الإمام الباقر (ع) فنكتفي بذلك، وإنما نشير إلى آفاق العلم التي تناولتها أحاديث الإمام الرضا (ع) ونقل عن اليقطيني أنه قال : لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة “ .

                            ولقد قال الإمام مرة :

                            “ كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فأجيب عنها “ .
                            وقد بدأ بالفتيا في مسجد الرسول، وعمره الشريف نيف وعشرون عاماً .

                            ولنعرف دور الإمام الرضا في هذا الحقل لابد أن نعود قليلاً إلى الوراء، لنعرف أن الحزب العباسي الذي تسلط على رقاب المسلمين بعد الفراغ السياسي الذي أحدثه غياب السلطة الأموية قد وجد نفسه أمام تيارات سياسية معارضة، تعتمد على الفكر، وتتسلح بالنظريات الثقافية، وفي طليعتها التيار العلوي الذي كان يقود المعارضة السياسية إلى جنب قيادة الساحة الفكرية، والحزب العباسي الذي كان يعيش خواءً نظرياً قاتلاً لم يجد حيلةً إلاّ البحث عن مصادر خارجية للثقافة، فشجع حركة الترجمة وتوجه إلى الكتب الفلسفية قبل الكتب العلمية، وبنشاط هذه الحركة حدث في الأمة اضطراب فكري وتوتر ثقافي مما أضحى يهدد وحدة الأمة .

                            وكانت عوامل شتى تساهم في هذا الخطر :

                            اولاً : انشغال المفكرين بالقضايا السياسية .

                            ثانياً : ازدياد الإضراب السياسي، والحروب الداخلية التي تجر بطبيعتها الأمة إلى المزيد من التوتر الفكري .

                            ثالثاً :‏ وجود تيارات غريبة عن الأمة كان هدفها إفساد ثقافة المجتمع ومحاربة الإسلام باسم الإسلام، والتي كانت تغذيها حركات سياسية متصلة بالكفار .

                            وفي عهد المأمون العباسي بلغ الإضطراب الفكري قمته مما دفع الإمام الرضا (ع) بالتصدي لها .

                            وقد ساعده في ذلك انتقاله إلى حاضرة البلاد الإسلامية، وقبوله لولاية العهد مما جعله في قلب الصراعات الفكرية .

                            وهكذا كثرت حواراته مع سائر الملل والمذاهب، مما حدى بعلمائنا الكرام إفراد كتب حول ما روي عنه (ع)، مثل ما فعل الصدوق (رحمه الله) في كتابه عيون أخبار الرضا .

                            كذلك نستوحي من التأمل في كلماته أنها كانت تصد تشكيكات يبثها الأعداء حول الإسلام وبالذات حول عقلانية أحكامه، من هنا كثرحديثه عن علل الشرائع، والحكم التي وراء أحكام الدين . كما أن طائفة من كلماته المضيئة تعالج الشؤون الحياتية مثل رسالته الطبية المعروفة بطب الرضا (ع) .

                            ومما يميز حياة الإمام الرضا (ع) العلمية أن كلماته كانت تلقى قبولاً في كافة الأوساط الإسلامية، ولعل ورود مدينة نيسابور التي كانت من الحواضر العلمية في العالم الإسلامي أظهرت مدى اهتمام علماء الإسلام بأحاديث الإمام، و تذكر الروايات

                            (أن الإمام الرضا لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي فاض فيها بفضيلة الشهادة، كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضة خالصة، فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله فقالا : أيها السيد ابن السادة، أيها الإمام وابن الأئمة أيها السلالة الطاهرة الرضية، أيها الخلاصة الزاكية النبوية بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلاّ أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدك، نَذْكُرك به .

                            فاستوقف البغلة، ورفع المظلة، وأقر عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة، فكانت ذؤابتاه كذوابتي رسول الله (ص) فقال (ع) :

                            “ حدثني أبي موسى بن جعفر الكاظم، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال : حدثني أبي محمد بن علي الباقر، قال : حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين، قال : حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض كربلاء، قال : حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة، قال : حدثني أخي وابن عمي محمد رسول الله (ص) قال : حدثني جبرائيل (ع) قال : سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول :

                            (كلمة لا إله إلاّ الله حصني فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي) “ .

                            صدق الله سبحانه وصدق جبرائيل (ع) وصدق رسول الله والأئمة عليهم السلام

                            تعليق


                            • #74
                              اللهّــم صَــلِ عَلــى مُحَمَّــدٍ وآل مُحَمّــد

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
                              ردود 2
                              14 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
                              استجابة 1
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X