إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حقُوق العلماء

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حقُوق العلماء

    حقُوق العلماء

    فضل العلم والعلماء :
    العلم... أجلّ الفضائل ، وأشرف المزايا ، وأعزّ ما يتحلّى به الإنسان . فهو أساس الحضارة ، ومصدر أمجاد الأُمم ، وعنوان سموّها وتفوّقها في الحياة ، ورائدها إلى السعاة الأبديّة ، وشرف الدارين .
    والعلماء... هُم ورثة الأنبياء ، وخزّان العلم ، ودُعاة الحقّ ، وأنصار الدين ، يهدون الناس إلى معرفة اللّه وطاعته ، ويوجهونّهم وُجهة الخير والصلاح .
    مِن أجل ذلك تضافرت الآيات والأخبار على تكريم العِلم والعُلماء ، والإشادة بمقامهما الرفيع .
    قال تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )( الزمر : 9) .
    وقال تعالى : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )(المجادلة : 11) .
    وقال تعالى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء )( فاطر : 28) .
    وقال تعالى : ( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ )( العنكبوت :43 ) .

    الصفحة 336

    وعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : مَن سلَك طريقاً يطلب فيه عِلماً ، سلَك اللّه به طريقاً إلى الجنّة ، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به ، وإنّه يستغفر لطالب العِلم مَن في السماء ومَن في الأرض ، حتّى الحوت في البحر . وفضل العالم على العابد ، كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر . وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورّثوا العلم ، فمَن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر )(1) .
    وقال الباقر ( عليه السلام ) : ( عالمٌ يُنتفع بعلمه أفضل مِن سبعين ألفَ عابد )(2) .
    وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا كان يوم القيامة ، جمع اللّه عزّ وجل الناس في صعيد واحد ، ووضعت الموازين ، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء ، فيرجح مِداد العلماء على دماء الشهداء )(3) .
    وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا كان يوم القيامة ، بعث اللّه عزّ وجل العالم والعابد ، فإذا وقفا بين يدي اللّه عزّ وجل ، قيل للعابد انطلق إلى الجنّة ، وقيل للعالم قِف تشفّع للناس بحسن تأديبك لهم )(4) .
    _____________________
    (1) الوافي ج 1، ص 42 ، عن الكافي .
    (2) الوافي ج 1 ، ص 40 عن الكافي .
    (3) الوافي ج 1 ص 40 ، عن الفقيه .
    (4) البحار م 1 ، ص 74 ، عن عِلل الشراع ، وبصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار .

    الصفحة 337

    وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( يا كُميل ، هلك خزّان الأموال وهُم أحياء ، والعلماء باقون ما بقيَ الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة )(1) .
    وعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) ، قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : يجيء الرجل يوم القيامة ، وله مِن الحسنات كالسحاب الركام ، أو كالجبال الراوسي ، فيقول : يا ربِّ ، أنّى لي هذا ولم أعملها ؟ فيقول : هذا عِلمك الذي علّمته الناس ، يُعمل به مِن بعدك )(2) .
    ولا غرابة أنْ يحظى العُلماء بتلك الخصائص الجليلة ، والمزايا الغرّ . فهم حماة الدين ، وأعلام الإسلام ، وحفَظَة آثاره الخالدة ، وتراثه المدخور . يحملون للناس عبر القرون ، مبادئ الشريعة وأحكامها وآدابها ، فتستهدي الأجيال بأنوار علومهم ، ويستنيرون بتوجيههم الهادف البنّاء .
    وبديهيّ أنّ تلك المنازل الرفيعة ، لا ينالها إلاّ العلماء المخلصون . المجاهدون في سبيل العقيدة والشريعة ، والسائرون على الخطّ الإسلامي ، والمتحلّون بآداب الإسلام وأخلاقه الكريمة .
    ولهؤلاء فضلٌ كبير ، وحقوقٌ مرعيّة في أعناق المسلمين ، جديرةٌ بكلّ عنايةٍ واهتمام ، وهي :
    _____________________
    (1) نهج البلاغة .
    (2) البحار م 1 ، ص 75 عن بصائر الدرجات .

    الصفحة 338

    1 - توقيرهم :
    وهو في طليعة حقوقهم المشروعة ، لتحلّيهم بالعلم والفضل ، وجهادهم في صيانة الشريعة الإسلامية وتعزيزها ، ودأبهم على إصلاح المُجتمع الإسلامي وإرشاده .
    وقد أعرب أهل البيت ( عليهم السلام ) عن جلالة العلماء ، وضرورة تبجيلهم وتوقيرهم ، قولاً وعملاً ، حتّى قرّروا أنّ النظر إليهم عبادة ، وأنّ بُغضهم مَدعاة للهلاك ، كما شهِد بذلك الحديث الشريف :
    فعن موسى بن جعفر عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : النظر في وجه العالم حبّاً له عبادة )(1) .
    وعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : أغد عالماً أو متعلّماً ، أو أُحِبَّ العلماء ، ولا تكُن رابعاً فتهلَك ببغضهم )(2) .
    وهكذا كانوا ( عليهم السلام ) يبجّلون العلماء ، ويرعونهم بالحفاوة والتكريم ، يحدّثنا الشيخ المفيد (ره) ، عن توقير الإمام الصادق ( عليه السلام ) لهشام بن الحكم ـ وكان مِن ألمع أصحابه وأسماهم مكانة عنده ـ : ( أنّه دخل عليه بمنى ، وهو غلامٌ أوّل ما اختلط عارضاه ، وفي مجلسه شيوخ الشيعة ، كحمران بن أعيَن ، وقيس الماصر ، ويونس بن يعقوب ، وأبي جعفر الأحوَل
    _____________________
    (1) البحار م1 ، ص 64 ، عن نوادر الراوندي .
    (2) البحار م 1 ، ص 59 ، عن خصال الصدوق(ره) .

    الصفحة 339

    وغيرهم ، فرفَعه على جماعتهم ، وليس فيهم إلاّ مَن هو أكبر سنّاً منه ) .
    فلمّا رأى أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) أنّ ذلك الفعل كبر على أصحابه ، قال : ( هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده )(1) .
    وجاء عن أحمد البزنطي ، قال : ( وبعث إليّ الرضا ( عليه السلام ) بحمارٍ له ، فجئت إلى صريا ، فمَكث عامّة الليل معه ، ثمّ أتيت بعشاء ، ثمّ قال : ( افرشوا له ) . ثمّ أتيت بوسادة طبريّة ومرادع وكساء قياصري وملحفة مروي ، فلمّا أصبت مِن العشاء ، قال لي : ( ما تريد أنْ تنام ؟) .
    قلت : بلى ، جُعلت فداك . فطرح عليّ الملحفة والكساء ، ثمّ قال : ( بيّتك اللّه في عافية ) .
    وكنّا على سطح ، فما نزل مِن عندي ، قلت في نفسي : قد نلت مِن هذا الرجل كرامة ما نالها أحدٌ قطّ(2) .
    2 - بِرّهم :
    همّة العلماء ، وهدفهم الأسمى ، خدمة الدين ، وبثّ التوعية الإسلاميّة ، وتوجيه المسلمين نحو الخُلق الكريم والسُلوك الأمثل ، وهذا ما يقتضيهم وقتاً واسعاً ، وجهداً ضخماً ، يعوقهم عن اكتساب الرزق وطلب المعاش كسائر الناس .
    فلا بدّ والحالة هذه ، للمؤمنين المعنيين بشؤون الدين ، والحريصين على
    _____________________
    (1) سفينة البحار ج 2 ، ص 719 .
    (2) سفينة البحار ج 1 ، ص 81 .

    الصفحة 340

    كيانه... أنْ يوفّروا للعُلماء وسائل الحياة الكريمة ، والعيش اللائق . وذلك بأداء الحقوق الشرعيّة إليهم ، التي أمر اللّه بها ، وندب إليها ، مِن الزكاة والخُمس ، ووجوه الخيرات والمبرّات . فهم أحقّ الناس بها ، وأهمّ مصاديقها ، ليستطيعوا تحقيق أهدافهم ، والاضطلاع بمهامّهم الدينيّة ، دون أنْ يعوقهم عنها طلب المعاش .
    وقد كان الغيارى مِن المسلمين الأوّلين ، يتطوّعون بأريحيّة وسخاء ، في رصد الأموال ، وإيجاد الأوقاف ، واستغلالها لصالح العلماء ، وتوفير معاشهم .
    وكلّما تجاهل الناس أقدار العلماء ، وغمطوا حقوقهم ، أدّى إلى قلّة العلماء ، وهبوط الطاقات الروحيّة ، وضعف النشاط الديني . ممّا يُعرّض المجتمع الإسلامي لغزو المبادئ الهدّامة ، وخطر الزيغ والانحراف .
    3 - الاهتداء بهم :
    لا يستغني كلّ واعٍ مستنير ، عن الرجوع إلى الأخصّائيّين في مختلف العلوم والفنون ، للإفادة من معارفهم وتجاربهم ، كالأطباء والكيمياويّين والمهندسين ونحوهم من ذوي الاختصاص .
    وحيث كان العلماء الروحانيّون متخصّصين بالعلوم الدينيّة ، والمعارف الإسلاميّة ، قد أوقفوا أنفسهم على خدمة الشريعة الإسلاميّة ، ونشر مبادئها وأحكامها ، وهداية الناس وتوجيههم وجهة الخير والصلاح.. فجدير

    الصفحة 341

    بالمسلمين أنْ يستهدوا بهم ويجتنوا ثمرات علومهم ، ليكونوا على بصيرةٍ من عقيدتهم وشريعتهم ، ويتفادوا دعايات الغاوين والمُضلّلين مِن أعداء الإسلام .
    فإذا ما تنكّروا للعلماء المخلصين ، واستهانوا بتوجيههم وإرشادهم... جهلوا واقع دينهم ومبادئه وأحكامه ، وغدوا عرضةً للزيغ والانحراف .
    أنظروا كيف يحرض أهل البيت ( عليهم السلام ) على مجالسة العلماء ، والتزوّد من علومهم وآدابهم ، في نصوص عديدة :
    فعن الصادق ، عن أبيه عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة )(1) والمراد بأهل الدين ، علماء الدين العارفون بمبادئه ، العاملون بأحكامه .
    وجاء في حديث الرضا عن آبائه ( عليهم السلام ) ، قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : مجالسة العلماء عبادة )(2) .
    وقال لقمان لابنه : ( يا بني ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، فإنّ اللّه عزّ وجل يحيي القلوب بنور الحكمة ، كما يحيي الأرض بوابل السماء ) (3) .
    وعن الرضا عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : العلم خزائن ، ومفتاحه (مفتاحها خ ل) السؤال ، فاسألوا
    _____________________
    (1) البحار م 1 ص 62 ، عن ثواب الأعمال ، وأمالي الصدوق .
    (2) البحار م 1 ص 64 ، عن كشف الغمّة .
    (3) البحار م 1 ص 64 ، عن روضة الواعظين .

    الصفحة 342

    يرحمكم اللّه ، فإنّه يؤجر فيه أربعة : السائل ، والمعلم ، والمستمع ، والمحبّ لهم )(1) .
    وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّما يهلك الناس لأنّهم لا يسألون )(2) .
    _____________________
    (1) البحار م 1 ص 62 ، عن صحيفة الرضا ( عليه السلام ) وعيون أخبار الرضا .
    (2) الوافي ج 1 ص 46 ، عن الكافي .

    الصفحة 343

    حقوق الأساتذة والطلاب

    الأساتذة المخلصون ، المتحلّون بالإيمان والخلق الكريم ، لهم مكانة سامية ، وفضلٌ كبير على المجتمع ، بما يسدون إليه مِن جهودٍ مشكورة في تربية أبنائهم ، وتثقيفهم بالعلوم والآداب . فهم رواد الثقافة ، ودعاة العلم ، وبناة الحضارة ، وموجهو الجيل الجديد .
    لذلك كان للأساتذة على طلابهم حقوق جديرة بالرعاية والاهتمام . وأوّل حقوقهم على الطلاب ، أنْ يوقّروهم ويحترموهم احترام الآباء ، مكافأة لهم على تأديبهم ، وتنويرهم بالعلم ، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح . كما قيل للإسكندر : إنّك تعظّم معلّمك أكثر مِن تعظيمك لأبيك !!! فقال : لأنّ أبي سبب حياتي الفانية ، ومؤدّبي سبب الحياة الباقية .

    قـم لـلمعلّم وفّـه
    التبجيلا كـاد المعلّم أنْ يكون
    رسولا
    أرأيت أكرم أو أجلّ مِن الذي يـبني ويُنشئ أنفساً
    وعُقولا

    وحسبُك في فضل المعلّم المُخلص وأجره الجزيل ، ما أعربت عنه نصوص أهل البيت ( عليهم السلام ) :
    فعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : يجيء الرجل يوم القيامة ، وله مِن الحسنات كالسحاب الركام ،



    يتبع

  • #2
    أو الجبال الراوسي . فيقول : يا ربِّ ، أنّى لي هذا ولم أعملها ؟ فيقول : هذا علمك الذي علمته الناس ، يعمل به من بعدك )(1) .
    وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( مَن علّم بابَ هدىً فله مثل أجرِ مَن عمِل به ، ولا ينقص أولئك مِن أُجورهم شيئاً ، ومَن علّم بابَ ضلالٍ كان عليه مثل أوزار مَن عمِل به ، ولا ينقص مِن أوزارهم شيئاً )(2) .
    ومِن حقوق الأساتذة على الطلاّب : تقدير جهودهم ومكافأتهم عليها بالشكر الجزيل ، وجميل الحفاوة والتكريم ، واتّباع نصائحهم العلميّة ، كاستيعاب الدروس وإنجاز الواجبات المدرسيّة .
    ومِن حقوقهم كذلك : التسامح والإغضاء عمّا يبدر منهم مِن صرامة أو غلظة تأديبيّة ، تهدف إلى تثقيف الطالب وتهذيب أخلاقه .
    وأبلغ وأجمع ما أُثر في حقوق الأساتذة المربّين ، قول الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) : ( وحقّ سايسك بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه ، وأنْ لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأنْ تدفع عنه إذا ذُكر عندك بسوء ، وأنْ تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوّاً ، ولا تعادِ له وليّاً . فإذا فعلت ذلك ، شهد لك ملائكة اللّه بأنّك قصدته ، وتعلّمت علمه للّه جلّ اسمه ، لا للناس )(1) .
    _____________________
    (1) البحار م 1 ص 75 ، عن بصائر الدرجات للشيخ محمّد بن الحسن الصفّار .
    (2) الوافي ج 1 ص 42 ، عن الكافي .
    (3) رسالة الحقوق للإمام السجّاد ( عليه السلام ) .

    الصفحة 345

    حقوق الطلاّب

    لطلاّب العلم فضلهم وكرامتهم ، باجتهادهم في تحصيل العِلم ، وحفظ تراثه ، ونقله للأجيال الصاعدة ، ليبقى الرصيد العلمي زاخراً نامياً مدى القرون والأجيال .
    من أجل ذلك ، نوّهت أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) بفضل طلاب العلم ، وشرف أقدارهم وجزيل أجرهم .
    فعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : طالب العِلم بين الجهّال كالحيّ بين الأموات )(1) .
    وعن أبي عبد اللّه ، قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : مَن سلَك طريقاً يطلب فيه عِلماً ، سلَك اللّه به طريقاً إلى الجنّة . وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العِلم رضاً به ، وإنّه ليستغفر لطالب العلم مَن في السماء ومَن في الأرض حتّى الحوت في البحر . وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر )(2) .
    وعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) :
    _____________________
    (1) البحار م 1 ص 58، عن أمالي الشيخ أبي علي ابن الشيخ الطوسي .
    (2) الوافي ج 1 ص 42 ، عن الكافي .

    الصفحة 346

    ( طلب العِلم فريضة على كلّ مسلمٍ ، ألاّ إنّ اللّه يحبّ بُغاة العلم )(1) .
    وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : العالم والمتعلّم شريكان في الأجر ، للعالم أجران وللمتعلّم أجرٌ ، ولا خيرَ في سِوى ذلك )(2) .
    ومِن الواضح أنّ تلك الخصائص الرفيعة ، والمزايا المشرّفة ، لا ينالها إلاّ طلاّب العلم المخلصون ، المتذرّعون بطلبه إلى تزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم ، وكسب معرفة اللّه عزَّ وجل وشرف طاعته ورضاه ، فإذا ما تجرّدوا مِن تلك الخصائص والغايات ، حُرِموا تلك المآثر الخالدة ، ولم يجنوا إلاّ المآرب الماديّة الزائلة .
    وإليك مجملاً مِن حقوق الطلاّب :
    1 - يجدر بأولياء الطلاّب والمعنيّون بتربيتهم وتعليمهم ، أنْ يختاروا لهم أساتذة أكفّاء ، متحلّين بالإيمان وحُسن الخُلق ، ليكونوا قدوةً صالحة ونموذجاً حسناً لتلامذتهم .
    فالطالب شديد التأثّر والمحاكاة لأساتذته ومربّيه ، سرعان ما تنعكس في نفسه صفاتهم وأخلاقهم ، ومِن هنا وجب اختيار المدرّسين المتّصفين بالاستقامة والصلاح .
    2 - ومن حقوق الطلاب : أنْ يستشعروا مِن أساتذتهم اللطف والإشفاق ، فيُعامَلون معاملة الأبناء ، ويتفادون جهدهم عن احتقارهم واضطهادهم ؛ لأنّ ذلك يحدث ردّ فعلٍ سيّئٍ فيهم ، يوشك أنْ ينفّرهم مِن
    _____________________
    (1) الوافي ج 1 ص 36 ، عن الكافي .
    (2) البحار م 1 ص 56 ، عن بصائر الدرجات .

    الصفحة 347

    تحصيل العلم .
    لذلك كان مِن الحكمة في تهذيب الطلاّب وتشجيعهم على الدرس ، مكافأة المُحسن بالمدح والثناء ، وزجر المقصّر منهم بالتأنيب والتقريع ، الذي لا يجرح العاطفة ويهدر الكرامة ويُحدث ردّ فعلٍ في الطالب .
    انظر كيف يوصي الإمام زين العابدين بالمتعلّمين ، في رسالته الحقوقيّة ، فيقول ( عليه السلام ) : ( وأمّا حقّ رعيتك بالعلم ، فإنّ تعلّم أنّ اللّه عزَّ وجل إنّما جعلك قيّماً لهم فيما أتاك من العلم ، وفتح لك مِن خزائنه ، فإنْ أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ، ولم تضجر عليهم ، زادك اللّه مِن فضله، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك ، كان حقّاً على اللّه عزّ وجل أنْ يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلك ) .
    3 - وهكذا يجدر بالأساتذة أنْ يُراعوا استعداد الطالب ومستواه الفكري ، فيتدرّجوا به في مراقي العِلم حسب طاقته ومؤهّلاته الفكريّة ، فلا يطلعونهم على ما يسمو على أفهامهم ، وتقصر عنه مداركهم . مراعين إلى ذلك اتّجاه الطالب ورغبته فيما يختار مِن العلوم ، حيث لا يحسن قسرِه على علم لا يرغب فيه ، ولا يميل إليه .
    4 - ويحقّ للطلاّب على أساتذتهم أنْ يتعاهدوهم بالتوجيه والإرشاد ، في المجالات العلميّة وغيرها من آداب السيرة والسلوك ، لينشأ الطلاّب نشأةً مثاليّة ، ويكونوا نموذجاً رائعاً في الاستقامة والصلاح .
    وألزم النصائح وأجدرها بالإتّباع ، أنْ يعلم الطالب اللبيب أنّه يجب أنْ تكون الغاية مِن طلب العلم هي - كما أشرنا إليه - تزكية النفس ،

    الصفحة 348

    وتهذيب الضمير ، والتوصّل إلى شرف طاعة اللّه تعالى ورضاه . وكسب السعادة الأبديّة الخالدة .
    فإنْ لم يستهدف الطالب تلك الغايات السامية ، كان ماديّاً هزيل الغاية والمأرب ، لم يستثمر العلم استثماراً واعياً .
    وأصدق شاهد على ذلك ، الأُمم المتحضّرة اليوم ، فإنّها رغم سبقها وتفوّقها في ميادين العلم والاكتشاف ، تعيش حياة مزرية مِن تفسّخ الأخلاق ، وتسيّب القِيَم الروحيّة ، وطغيان الشرور فيها لنزعتها الماديّة ، وتجرّدها مِن الدين والأخلاق ، وغدت مِن جرّاء ذلك تتبارى بأفتك الأسلحة للقضاء على خصومها ومنافسيها ، ممّا صيّر العالم بركاناً يُنذر البشريّة بالدمار والهلاك .
    هذه لمحات خاطفة من حقوق الأساتذة والطلاّب ، ومَن شاء التوسّع فيها فليرجع إلى ما كتبه علماء الأخلاق في آداب المعلّمين والمتعلّمين ، وحقوق كلٍّ منهما على الآخر .

    الصفحة 349

    حقوق الوالدين والأولاد

    حقوق الوالدين
    كيف يستطيع هذا القلم أنْ يصوّر جلالة الأبوين ، وفضلهما على الأولاد ، فهما سبب وجودهم ، وعماد حياتهم ، وقوام فضلهم ، ونجاحهم في الحياة .
    وقد جهد الوالدان ما استطاعا في رعاية أبنائهما ماديّاً ومعنويّاً ، وتحمّلا في سبيلهم أشدّ المتاعب والمشاقّ . فاضطلعت الأُمّ بأعباء الحمل ، وعناء الوضع ، ومشقّة الإرضاع ، وجهد التربية والمداراة .
    واضطلع الأب بأعباء الجهاد ، والسعي في توفير وسائل العَيش لأبنائه ، وتثقيفهم وتأديبهم ، وإعدادهم للحياة السعيدة الهانئة .
    تحمّل الأبوان تلك الجهود الضخمة ، فرحين مغتبطين ، لا يريدان مِن أولادهما ثناءً ولا أجراً .
    وناهيك في رأفة الوالدين وحنانهما الجمّ ، أنّهما يُؤثران تفوّق أولادهم عليهم في مجالات الفضل والكمال ، ليكونوا مثاراً للإعجاب ومدعاةً للفخر والاعتزاز ، خلافاً لما طبع عليه الإنسان مِن حبّ الظهور والتفوّق على غيره .
    من أجل ذلك كان فضل الوالدين على الولد عظيماً وحقّهما جسيماً ، سما على كلّ فضل وحقٌّ ، بعد فضل اللّه عزّ وجل وحقّه .

    الصفحة 350

    برّ الوالدين :
    وهذا ما يحتّم على الأبناء النُّبلاء أنْ يُقدّروا فضل آبائهم وعظيم إحسانهم ، فيجازونهم بما يستحقّونه مِن حُسن الوفاء ، وجميل التوقير والإجلال ، ولطف البرّ والإحسان ، وسموّ الرعاية والتكريم ، أدبيّاً وماديّاً .
    أنظر كيف يعظم القرآن الكريم شأن الأبوين ، ويحضّ على إجلالها ومصاحبتهما بالبرّ والمعروف ، حيث قال : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً )( لقمان : 14 - 15 ).
    وقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً )( الإسراء : 23 - 24 ) .
    فقد أعربت هاتان الآيتان عن فضل الوالدين ومقامهما الرفيع ، وضرورة مكافأتهما بالشكر الجزيل ، والبرِّ والإحسان اللائقين بهما ، فأمرت الآية الأُولى بشكرهما بعد شكر اللّه تعالى ، وقرنت الثانية الإحسان إليهما بعبادته عزّ وجل ، وهذا غاية التعزيز والتكريم .
    وعلى هدي القرآن وضَوئه تواترت أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) :

    الصفحة 351

    قال الباقر ( عليه السلام ) : ( ثلاث لم يجعل اللّه تعالى فيهنّ رخصة : أداء الأمانة إلى البَرِّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبَرِّ والفاجر ، وبرّ الوالدين بريّن كانا أو فاجرين )(1) .
    وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ رجُلاً أتى النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، فقال : يا رسول اللّه ، أوصني . فقال : لا تشرك باللّه شيئاً ، وإنْ حُرِقت بالنار وعذّبت إلاّ وقلبك مطمئنٌّ بالإيمان . ووالديك ، فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين ، وإنْ أمَراك أنْ تخرج مِن أهلِك ومالك فافعل ، فإنّ ذلك من الإيمان )(2) .
    وعن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : كن بارّاً ، واقتصر على الجنّة ، وإنْ كنت عاقّاً فاقتصر على النار )
    وعنه ( عليه السلام ) ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : نظر الولد إلى والدَيه حبّاً لهما عبادة )(4) .
    وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( مَن أحبّ أنْ يُخفّف اللّه عزّ وجل عنه سكَرات الموت ، فليكن لقرابته وصولاً ، وبوالديه بارّاً ، فإذا كان كذلك هوّن اللّه عليه سكَرات الموت ، ولم يُصبه في حياته فقرٌ أبداً )(5) .
    _____________________
    (1) الوافي ج 3 ص 93 ، عن الكافي .
    (2) الوافي ج 3 ص 91 - 92 ، عن الكافي .
    (3) الوافي ج 3 ص 155 ، عن الكافي .
    (4) البحار م 16 ج 4 ص 24 ، عن كشف الغمّة الأربلي .
    (5) البحار م 16 ج 4 ص 21 ، عن أمالي الشيخ الصدوق ، وأمالي ابن الشيخ الطوسي .

    الصفحة 352

    وعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) : ( إنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أتته أُختٌ له مِن الرضاعة ، فلمّا نظر إليها سرّ بها وبسط ملحفته لها ، فأجلسها عليها ، ثمّ أقبل يُحدّثها ويضحك في وجهها . ثمّ قامت فذهبت ، وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنّع بها . فقيل له : يا رسول اللّه ، صنعت بأُخته ما لم تصنع به ، وهو رجل ! فقال : ( لأنّها كانت أبرّ بوالديها منه )(1) .
    * * *
    وفي الوقت الذي أوصت الشريعة الإسلامية ببرِّ الوالدين والإحسان إليهما ، فقد آثرت الأُمّ بالقسط الأوفر مِن الرعاية والبر ، نظراً لما انفردت به مِن جهودٍ جبّارة وأتعابٍ مُضنية في سبيل أبنائها ، كالحمل والرضاع ، ونحوهما مِن وظائف الأُمومة وواجباتها المُرهقة .
    فعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : ( جاء رجلٌ إلى النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) فقال : يا رسول اللّه ، مَن أبرّ ؟ قال : أُمّك . قال : ثمّ مَن ؟ قال : أُمّك . قال : ثمّ مَن ؟ قال : أُمّك . قال : ثمّ مَن ؟ قال : أباك )(2) .
    وعن إبراهيم بن مهزم قال : خرجت مِن عند أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) ليلةً ممسياً ، فأتيت منزلي في المدينة ، وكانت أُمّي معي . فوقع بيني وبينها كلام ، فأغلظت لها . فلمّا كان مِن الغد ، صلّيت الغداة ، وأتيت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) ، فلمّا دخلت عليه ، قال لي مبتدئاً : ( يا أبا مهزم ، مالك ولِخالدة ؟ أغلظت في كلامها البارحة ، أما علِمت أنّ بطنها منزلٌ قد سكنته ،
    ______________________________
    (1) الوافي ج3 ص92 ، عن الكافي .
    (2) الوافي ج3 ص92 ، عن الكافي .

    الصفحة 353

    وأنّ حِجرها مهدٌ قد غمزته ، وثديها وعاءٌ قد شربته ؟ ) قال قلت : بلى . قال : فلا تغلظ لها(1) .
    واستمع إلى الإمام السجّاد ( عليه السلام ) ، وهو يوصي بالأمّ ، مُعدّداً جهودها وفضلها على الأبناء ، بأُسلوبٍ عاطفيٍّ أخّاذ ، فيقول ( عليه السلام ) :
    ( وأمّا حقّ أُمّك : أنْ تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحدٌ أحداً ، وأعطتك مِن ثمرة قلبها ما لا يُعطي أحدٌ أحداً ، ووَقَتك بجميع جوارحها ، ولم تُبال أنْ تجوع وتُطعِمك ، وتَعطش وتسقيك ، وتعري وتكسوك ، وتَضحى وتظلّك ، وتهجر النوم لأجلك ، ووَقَتك الحرّ والبرد لتكون لها ، فإنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون اللّه وتوفيقه )(2) .
    * * *
    وبِرّ الوالدين ، وإنْ كان له طيبتُه ووقعه الجميل في نفس الوالدين ، بيد أنّه يزداد طيبةً ووقْعاً حسَناً عند عجزهما وشدّة احتياجهما إلى الرعاية والبر ، كحالات المرض والشيخوخة ، وإلى هذا أشار القرآن الكريم : ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) .
    وقد ورد أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، فقال :
    _____________________
    (1) البحار م 16 ج 4ص 23 ، عن بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار .
    (2) رسالة الحقوق للإمام السجاد ( عليه السلام ) .

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
    استجابة 1
    12 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
    بواسطة ibrahim aly awaly
     
    يعمل...
    X