إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

نورانيات من مشعل الحسين (ع)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    اللهم صل على محمد و آل محمد ...

    تحية طيبة لكم يا عاشقة الحسين و خط الحسين و آباء الحسين و أخو الحسين و أبناء الحسين و أصحاب الحسين

    بارك الله فيكم و في تلك السطور الجميلة المنقولة عن إمامي الحسين عليه السلام

    و أرجو أن تسمحي لي بإضافتي المتواضعة هنا



    (( ملحمة كربلاء ))

    تعالوا أخواني و أخواتي نتجول معاً
    و نعيش هذه اللحظات الحزينة مع إمامنا سيد الشهداء الحسين عليه السلام
    و هو يتجول بين شهداء كربلاء باحثاً عن ناصر ينصره
    و هذه اللوحة الفنية الرائعة من شاعرنا الفذ
    شاعر آل البيت غازي الحداد

    و هذه القصيدة بصوته
    http://www.al-mahdi.org/poetry/al-ghubar.ram


    ------------------------------

    بسم الله رب الأرباب
    و الصلاة و السلام على محمد نور الكتاب
    و آله الطيبين الطاهرين الأنجاب

    إشعاع الشمس تعامد على منعرج الكثب ، فاستحالت نينوى وميضاَ لاهبا
    مثارُ النقع ألبس الشمسَ صفرته ، إنجلت الغبرة ، الحسين يتخطى القتلى
    وجد كل واحدٍ ملقىً كما تمنى

    -----------------------------------------


    الغبار انجلا عن سماء كربلاء
    إذا الحسين واقف وللدموع ذارف
    مناديا ً وا وحدتاه
    منادياً وا غربتاه


    ***

    نصرة آل المصطفى مبادئ القرآن
    حقٌ وعدلٌ مطلِقٌ حريةَ الإنسان
    قد زينت سيوفَهم مفارقُ الفرسان
    فصيرتَها شفقاً مختلِط الألوان
    ثم ارتدت رماحُهم من حِليةِ الرهبان
    من أسودٍ ومفصلٍ من أكبد الشجعان
    ومن نحور خصمِهم تدفقت غُدران
    بأسيفٍ في حدها عزائمُ الإيمان
    قد أرسلت لحومَهم لخافقِ الغربان
    فنالها من قبل أن يحِل بالتربان
    لكنما نُذرتُها وكثرة الذئبان
    قد أتعبتها والظمأ جيشٌ من الخذلان
    فصٌرحت وخلّفَت بسط الهدى حيران
    ظمآن يُبصِرُ المدى من الظما دخان
    وهو سلطان الورى وله فرض الولا
    بالموقف المشرف حس الضمير يعرف
    نداءَه وا وحدتاه
    نداءَه وا غربتاه


    ***

    مابين ألفِ جثةٍ لناصبٍ حقير
    مشى الحسين باحثاً عن عصبةِ الغدير
    وعند تلةِ الإبا بحرةِ الهجير
    رأى إماماً ساجداً إذا به "زُهير"
    بقربه جنازةٌ منظرها مثير
    رائحةُ القرآن منها تملأ الأثير
    ورأسه مجرحٌ وضلعه كسير
    هذا مرتل الكتابِ شيخُنا "بُرير"
    و"مسلم بن عوسج ٍ" يطربُه الصرير
    لذاك خر ضاحكاً ووجهُهُ منير
    و"ابن هلالٍ" جرحُه بوجههِ غزير
    إذا لم يكن عند اللقا بوجهه يدير
    و"الحرُ" كان هائجاً بالأبلقِ المغير
    لذاك صار رأسُه نصفين بالوتير
    شدَّ له عصابة ً سِبطُ الهدى البشير
    فأصبحت تاجاً له وأصبح الأمير
    حتى غلام الترك ذاك الفارس الصغير
    حط الحسينُ خدهُ بخدهِ العفير
    أو وهَبٍ من قوم عيسى معرسٍ نظير
    جاء يداوي قلبه بقلبه الكبير
    وكلما مشى قليلاً يلتقي نصير
    محتضناً صارمَه للعزةِ يشير
    هنا هناك هاهنا مقدَّسٌ جزير
    ما كان يرضيه بلا تقطيعهِ المصير
    فكل ما كان غلا أبلوه في أرض البلا
    فداءً للحسينِ نسلِ الهدى الأمينِ
    منادياً وا وحدتاه
    منادياً وا غربتاه


    ***

    توجعٌ سربَه الهواءُ بالألم
    وفحصة ٌضعيفة ٌ في الترب بالقدم
    كأنها فحصة شيخ ٍ هدّه الهرم
    تمنعه أن يستغيث عزةُ الكرم
    كأنه ضارَب حتى سيفَه انثلم
    وأضعف الظما والشيب قوة الهمم
    أقسم إلا للمنون بالوغى نعم
    ولا ورود غيرها كدراء بالرغم
    يبدو سعيداً ثغرُهُ بجرحه ابتسم
    كأنما يهدي الصليلُ سمعهُ نغم
    يبدو عنيداً كل عضوٍ عنده انفصم
    يبدو وفياً راكزاً بقلبه العلم
    يبدو عزيزاً لم تمت بنفسه الشيم
    يوصي بآل المصطفى بآخر النسم
    يعرف هذا يومه وضربة الأصم
    علمه الخضر أبو الحسين بالقِدَم
    هب الحسين يقتفي معالم الشَمَم
    إذا "حبيبُ" يلتوي بلاهبٍ ودم
    نادى "حبيبي" فانتشى "حبيبُ" وابتسم
    كأنما يسبح في الجنات بالنِعم
    صوت الحسين رده حياً من العدم
    وضّاح من إشراقه سُمي أبو القِسم
    والحزن هز كربلا حتى خيام الفضلا
    وابن النبي ودع حبيبَ وهو يدمع
    منادياً وا وحدتاه
    منادياً وا غربتاه


    ***

    خلف التخومِ مَلَكٌ مضطرِبُ الأنوار
    كأنه يلثم شيئاً يشبَه الأسفار
    كسِفر أيوبٍ مشع ٍ أو هدى المختار
    كنجمةٍ فوق الثرى أو قمر ٍ منهار
    تتضح الرؤيا قليلاً في مدى النُظّار
    السبط فوق جثةٍ قطعها البتار
    يبدو وحوله العدا بجحفلٍ دوار
    قطعةَ نور ٍ أشرقت في ظُلمة الأسحار
    أخي عليك حسرتي بخاطري كالنار
    يداك والرأس عليَّ تشمت الفُجار
    أخي قطعتَ حيلتي فحارت الأفكار
    أخي قصمتَ فقرتي يا مهجة الكرار
    أخي فمن لرايتي بقسطلٍ ثوار
    أخي ومن لعيّلتي من هجمةِ الأشرار
    آهٍ فجاوب الصدى آهٌ من الأستار
    وا كافلاه آه وا يتماه ومغوار
    أعقبها هرولةٌ لرُكّض ٍ عُثار
    على الوجوه بالفلا تطّلب الأخبار
    قام لها يردها خُزانة الأسرار
    والدمع جف بالظما فانسكبت أنوار
    ردّوا وعدّوا للسِبا في غربة الأسفار
    مات الكفيلُ و الحِما و انهدت الأسوار
    مات الكفيل و الحما على الفرات بالظما
    وابن النبي حائر يردُ بالحرائر
    منادياً وا وحدتاه
    منادياً وا غربتاه


    ***

    الشمعُ جامدٌ على أعمدة الخيمات
    والدمُ جامدٌ على "جسّام" بالوجنات
    كأن صوت أنةٍ تتبعها أنات
    من خيمة دون الخيام فوقها زينات
    كأن صوتَ حرةٍ نوريةِ الهيبات
    كأنها زعيمةٌ أنفاسها آيات
    تقول لا يا "سُكنة" لا تضربي الراحات
    "جسام" راح داعياً لفارس المسنات
    رايتنا بكفهِ تنكس الرايات
    لا يستوي كفيلنا لا يحضُر الفرحات
    صغيرتي نامي بقلبي هدأي الروعات
    فإنه مع الكفيل بالخضاب آت
    ما أكملت إلا وضجت بالخبا العمات
    هذا الحسين حاملاً معرِّس الحسرات
    منادياً يا زينبٌ يا ربةَ الثكلات
    قومي أتى عريسكم بأفجع الزفات
    أتى عريس كربلا مقطعا ً مفصلا
    إلى القلوب نازع وللحسين فاجع
    مناديا ً وا وحدتاه
    مناديا ً وا غربتاه


    ***

    مشى بوهجة الفلا يؤبن القتلا
    والنورُ من أجسادها يَكثُرُ بالأحلى
    فتىً كأن وجهَهُ صيره المولى
    لكي يقول للورى إني أنا الأعلى
    يرسم من صورته للمصطفى مِثلا
    عز على ناظرهِ أن يُوجِد الفصلا
    وإن نزى بسيفه مشتهياً صولا
    أوصت كتائبُ العدا بمالها الأهلا
    حارت به مرتجزا ً فاختلفت قولا
    جمع ٌ يراه المرتضى جمع ٌ يرى الشبل َ
    وكلما شكّت به شكّ بها النصلَ
    حتى إذا حزَّ بها أيقنت القتلَ
    فهل علمتم لأبٍ "كـالأكبر" نجلَ
    وهل عرفتم قبله إلى السما نسلا
    كلا و ما أكثر قول الحق في كلا
    لا كالحسين صابراً أو حاصداً فضلا
    إذ ليس مثل ثكلهِ بين الورى ثكلا
    فقيده كان لحسن شمسنا أصلا
    كل الرزايا والبلايا حرُها يصلا
    إلا رزايا كربلا تسمو على المسلا
    إلا رزايا كربلا فاجعةً إلى الملا
    ما للورى رزية كيوم الغاضرية
    لا كالندا وا وحدتاه
    لا كالندا وا غربتاه


    ***

    هناك شيءٌ مبهم على يد الحسين
    يلمع في شمس الفلا كقطعة اللجين
    يضمه بقلبه كأنه اليقين
    يشمه كأنه عبير الخالدين
    أجلاه وسط لفةٍ أمام الناصبين
    إذا به طفلٌ رضيعٌ ذابلَ الوتين
    من الظماء جامدٌ جمادَ الميتين
    مثلَ هلالٍ ناشئ ٍ من قبل ليلتين
    غافلْ يريك وجهه محمد الأمين
    أو ما تشاء فاتخذ جمال المرسلين
    بلوا لظى فؤاده ولو بقطرتين
    منذ ثلاث لم يذق من بارد المعين
    ساج ٍ بحجر أمه سجوّ اليائسين
    من السقاءِ واللواء والعم واليدين
    إن خِفتُمُ أن أرتوي خذوه واثقين
    أنّي وصحبي نلتقي بالله ظامئين
    فافترقت جموعهم بالرأيِّ فرقتين
    إحداهما قد صدمت رحمةَ آخرين
    مذهبها الحقدُ على الهداة الطيبين
    فليخضعوا أو الظما للموت صاغرين
    فاستل إبن كاهلٍ حرملةُ اللعين
    سهماً رمى نحو الرضيع بين العسكرين
    ما إن أحَسَ حره انتفض الجنين
    فل القماط و ارتمى في عنق الحسين
    رمى الحسين للسما بكفه الحزين
    دماءهُ مشتكيا ً لربِ العالمين
    يا مليكَ أمرنا خذ للرضا من دمنا
    و ارأف بحال عبدٍ ظامٍ جريح ٍ فردٍ
    مناديا ً وا وحدتاه
    وداعيا ً وا غربتاه


    ***

    الأرضُ فيها هزة ٌ والريح عاصفة
    وفي السماءِ نجمة ٌ حمراءُ صادفة
    كأنها مما ترى في الأرض ِ آسفة
    كأنها من حُمرةِ الأنوار ذارفة
    ترقبُ حال امرأة ٍ بالتل واقفة
    تندب ُ شمسا ً بالثرى بالدم ِ نازفة
    إن كنتَ حيا ً يا أخي فالخيلُ زاحفة
    على خيام ٍ ما بها سِترٌ لكاشفه
    تقول نجمةُ السما للسِّبط واصفه
    قام ثلاثاً فهوى والروح شارفه
    في قلبهِ ذو شُعَبٍ شترينِ نصفه
    من الحصاةِ غُرة ُالسجود تالفة
    في حلقهِ سهمٌ على الوريد كلفه
    في وجهه من دمل ِ الجراح ناتفه
    خاصرة ٌ مطعونة ٌ والضرب ُ أضعفه
    وكل ما صاح الظما الطعنُ أسعفه
    وزينبٌ بالربوةِ عليه هاتفه
    وهو يناديها ارجعي لنجد ِ الخائفة
    ردت إذا النيران بالخيمات قاصفة
    والنسوةُ من الظما والخوفِ ناشفة
    تعدو ولكن عدوة الصبور هادفة
    إلى عليلٍ ألمُ البلاء ِ أنحفه
    ماصُنعُنا أنت هنا زعيم الطائفة
    فقال فروا عمتي فأنتِ العارفة
    وللحسين أنّةُ الظمآن عازفة
    والشمر فوق صدرهِ قد حط موقفه
    ممكِّنا ً من القفا بالنحر مرهَفَه
    برى الكريم ثم فوق الرمح طرّفه
    فالله أكبــــر
    فارتج وادي كربلا حتى السماوات العلا
    فابن النبيِّ يذبح وبالهجير يطرح ؟!
    منادياً وا وحدتاه
    منادياً وا غربتاه


    حسينٌ وا حسيناه

    ------------------------------




    هذه الأبيات أنقلها لكم من شريط سمعته لشاعرنا الرائع ،
    و لذا فاعذرونا إ ن كان فيما نقلناه خطأ ما ..


    أخوكم الحــزب ،،،


    تعليق


    • #17
      اللهم صل على محمد وا ل محمد

      اخي الكريم اقدم لكم التحية الخالصة لمجهودكم العظيم و اشكركم لتفضلكم بالاضافة


      ووفقكم الله

      و عظم الله اجركم جميعا باستشهاد اخا رسول الله


      السلام عليك يا شهيد المحراب المظلوم يا أمير المؤمنين ..

      تعليق


      • #18
        المخطط الأموي الجاهلي:

        في المدينة المنوّرة كان الإمام الحسين (ع) يراقب المخطط الأموي الارهابي الذي عمل معاوية على تنفيذه بدءاً من إشاعة الإرهاب والتصفية الجسدية لأتباع علي (ع) أمثال حجر بن عدي ورشيد الهجري وعمرو بن الخزاعي.. مروراً بإغداق الأموال من أجل شراء الضمائر والذمم وافتراء الاحاديث الكاذبة ونسبتها إلى الرسول (ص) للنيل من علي وأهل بيته (ع). وإثارة الأحقاد القبلية والقومية للعمل على تمزيق أواصر الأمة وإلهائها عن قضاياها المصيرية. وانتهاءاً باغتيال الإمام الحسن (ع) تمهيداً لتتويج يزيد ملكاً على الأمة من بعده واتخاذ الخلافة طابعاً وراثياً ملكياً. وقد تمّ كل ذلك فعلاً بمرأى ومسمع الإمام الحسين (ع). فكان لا بد من اتخاذ موقف الرفض والمواجهة لاستنهاض الأمة وحملها على مجابهة المشروع الأموي الجاهلي الذي بلغ الذروة بتولي يزيد للسلطة وحمل الناس على مبايعته بالقوة عقب وفاة معاوية سنة 60 للهجرة.



        حركة الإمام الحسين (ع):

        تحرّك الإمام الحسين (ع) من المدينة إلى مكة التي كانت أكبر قاعدة دينية في الإسلام ومحلاً لتجمع الشخصيات الإسلامية الكبيرة. وذلك في سنة 60 للهجرة. وكان بصحبته عامة من كان بالمدينة من أهل بيته إلاّ أخاه محمد بن الحنفية. وحدّد بذلك موقفه الرافض للبيعة: "إنَّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحط الرحمة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر وقاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله" والهدف من تحركه هذا: "وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً. وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي أريد أن امر بالمعروف وأنهى عن المنكر..".



        أحداث الكوفة:

        ترامت إلى مسامع أهل الكوفة أخبار تحرك الإمام الحسين (ع) فبدأوا تحركهم الثوري. وما لبثت رسائلهم أن توالت على الإمام (ع) بالبيعة والموالاة طالبة إليه الحضور إلى الكوفة.

        تريث الإمام الحسين (ع) لهذا الطلب فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل ليستطلع الأجواء في الكوفة ويأخذ له البيعة منهم. فاستقبله الناس بالحفاوة والطاعة. ولكن مجريات الأحداث تغيّرت في الكوفة بتولي عبيد الله بن زياد الذي أشاع في أرجائها الرعب والإرهاب. مما جعل ميزان القوة ينقلب لصالح الأمويين وفرّ الناس عن مسلم الذي قضى شهيداً وحيداً في تلك الديار.

        في طريق الثورة:

        مضى الإمام الحسين (ع) في طريق الثورة ولم يستمر طويلاً حتى اعترضته طلائع الجيش الأموي بقيادة الحر بن يزيد الرياحي. واضطر الإمام (ع) إلى النزول بأرض كربلاء في الثاني من المحرّم سنة 61ه وتوافدت رايات ابن زياد لحصار الحسين (ع) وأهل بيته حتى تكاملوا ثلاثين ألفاً بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص. وفي اليوم الثامن من المحرّم أحاطوا بالحسين (ع) وأهل بيته ومنعوهم من الماء على شدّة الحر ثلاثة أيام بلياليها رغم وجود النساء والأطفال والرضع معه (ع).

        في ليلة العاشر من المحرَّم اشتغل الإمام الحسين (ع) وصحبه الأبرار بالصلاة والدعاء والمناجاة، والتهيؤ للقاء العدو.

        ثم وقف الإمام الحسين (ع) بطرفه الثابت، وقلبه المطمئن، رغم كثافة العدو، وكثرة عدده وعدَّته... فلم تنل تلك الجموع من عزيمته، ولم يؤثر ذلك الموقف على قراره وإرادته، بل كان كالطود الأشم، لم يفزع إلى غير الله.. لذلك رفع يديه للدعاء والمناجاة وقال: "اللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدَّة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدَّة، كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمَّن سواك، ففرّجته وكشفته، فأنت وليّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة...".

        وفي اليوم العاشر من المحرم وقعت حادثة كربلاء المروعة والتي شكّلت فيما بعد صرخة مدوية في ضمير الأمة تزلزل عروش الطواغيت على مرّ العصور.


        تعليق


        • #19
          الحسين عليه السلام.. وسيلة جهاد وحيدة

          {فإن رجعك الله الى طائفةٍ منهم فاستئذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي ابداً ولن تقاتلوا معي عدوا انكم رضيتم بالقعود اول مرة فاقعدوا مع الخالفين... واذا أُنزلت سورةٌ ان آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استئذنك اولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين..لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا باموالهم وانفسهم واولئك لهم الخيرات واولئك هم المفلحون }. صدق الله العلي العظيم.
          لكل أمة منعطف موت او حياة.. ولعل اهم انجازات الابطال انهم يتدخلون في المنعطف الحاسم لينقذوا الامة من موت محقق.. او يأخذوا بيدها الى سبيل حياة جديدة وعزيزة.. فأين كان منعطف الموت في امتنا الاسلامية التي لا تبدو انها حالة شاذة عن الامم الاخرى التي تعرضت لمنعطفات الموت وانتهت.. ؟ لقد اشار القرآن الكريم الى حالة انقلاب حاسم في حياة الامة الاسلامية يلي غياب نبيها صلى الله عليه وآله وسلم.. { وما محمدٌ الا رسول ٌ قد خلت من قبله الرسل افإن مات او قُتل انقلبتم على اعقابكم..}.. لقد تحقق الانقلاب المؤسف بعد شهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة.. ولكن بلغ ذروته يوم صار طاغية كيزيد بن معاوية " خليفة " !!لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ولم يبق من الاسلام حينها كما يروي التاريخ الاّ التوجه الى الكعبة المشرفة !.. فانبعث الامام الحسين عليه السلام ليتصدى لاكبر مهمة في تاريخ الامة الاسلامية وهي مهمة انقاذها من موت محقق.. مضحياً بنفسه الشريفة وثلة من اهل بيته واصحابه.. واشار وهو في لحظات حياته الاخيرة التي بذلها للامة التي حاربته الى هذه الحقيقة.. - اشتد غضب الله على النصارى الذين قالوا ان المسيح هو ابن الله واشتد غضبه على اليهود الذين قالوا ان عزير ابن الله واشتد غضبه على امة اجتمعت كلمتها على قتل ابن بنت نبيها _.. موضحاً بذلك الاسباب الحقيقية التي انحرفت بسببها الامم السابقة والمنعطفات الحاسمة التي ادت الى موتها.. فبالنسبة للمسيحية بدأت نهايتها بما قالوه في عيسى واليهودية بما قالوه في عزير.. اما الامة الاسلامية فقد شارفت على الهلاك والانحراف بعد ان اجتمعت كلمتها على قتل ابن بنت نبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. واجتماع كلمة الامة على قتل الامام الحسين عليه السلام يشير الى حقيقة خطيرة.. وهي اجتماع كلمتها على الانقلاب على الاسلام.. والقبول بتحريفه.. والخضوع للقيادة المنحرفة التي تصدت لقيادة الامة دون القيادة التي جعلها الله تعالى لهذه الامة المتمثلة في النبي وآله عليه وعليهم السلام.. لقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وآله هو آخر الانبياء على الارض.. وكان حفيده الامام الحسين عليه السلام هو آخر ابن بنت نبي يُقتل على وجهها.. وكان اجتماع الامة على ذلك.. سواء بالمشاركة المباشرة او القبول.. او اللامبالاة.. هو المنعطف الحاسم الذي بدأ معه العد التنازلي لموت الامة بمقارقتها النبي واهل بيته عليهم السلام.. وما فعله الامام الحسين عليه السلام هو انه اطلق بدمائه الزكية ودماء اهل بيته وسبي نسائه.. اطلق انذاراً صارخاً للامة لكي تعود الى القيادة الربانية - النبوية.. وتخرج من هذا الاستسلام التام للقيادة المنحرفة.. ما فعله الامام الحسين عليه السلام هو انه اوضح للامة خطأها.. ونبهها الى الصواب.. وكانت كافية تلك الدماء العظيمة والتضحيات الجسيمة لتفعل فعلها في الامة وتهز ضميرها وتنبهها من غفلة الغافلين.. فصار الانحراف مفضوحاً.. والباطل معروفاً.. ونهضت قوى الايمان في كل زمان ومكان تتطلع الى اقامة الدين بقيادة اهله الشرعيين.. وهي حالة حفظت الامة ومنعتها من السقوط النهائي... على ان الحياة الحقيقية.. والنهضة المظفرة لن تتحقق لهذه الامة الا بالعودة عما انتهت اليه قبل اكثر من 1350 عاماً عندما اجتمعت كلمتها على الانقلاب على اهل البيت عليهم السلام.. الامر يحتاج الى ثورة في العقيدة والمفاهيم والثقافة.. بحيث تنقاد الامة لنبيها واهل بيته عليهم السلام وتتطلع الى قيادتهم ونهجهم حتى تبدأ خطاها على طريق العزة والنصر والخلاص.. هناك أمل كبير ينتظر هذه الثورة في حياة الامة حتى يأتيها ويقود حركتها الموعودة بالنصر تحت رايته.. هو محمدي آخر من ولد الحسين عليه السلام.. هو الامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الذي تؤكد الروايات انه سيخرج في يوم العاشر من محرم حيث قُتل جده الامام الحسين عليه السلام.. وحيث تجلى انقلاب الامة على نبيها واهل بيته عليهم السلام..
          هناك رغبة اكيدة في ابناء الامة للعمل والانتصار سيما مع التحديات الكبيرة والخطيرة التي تواجهها الامة اليوم.. ولكن مجرد هذه الرغبة لا تكفي لتحقيق العزة المنشودة.. ولعل من فوائد هذه الهجمة والتهديدات الخطيرة للامة انها تهديها الى وجود نقص استراتيجي في حركتها وهو نقص القيادة التي ينبغي ان تنقاد اليها وتتطلع الى ظهورها.. وريثما ذاك تتبع امتداداتها الخّيرة.. ذلك ان القيادة النبوية وامتداداتها من اهل بيته عليهم السلام هي شرط للنصر.. بل هي وسيلة لا بد منها لتحقيق ذلك النصر.. ولن تصل الامة الى شيء حتى لو جاهدت تحت غير رايتهم وقيادتهم عليهم السلام.. ولعل هذا ما يريد ان يوضحه لنا القرآن الكريم عندما يؤكد على ضرورة قيادة النبي صلى الله عليه وآله لحركة الجهاد وانها شرط للانتصار.. بل ان الفتح انما اعطاه الله للامة ولكن عبر النبي صلى الله عليه وآله(انا فتحنا لك فتحاً مبيناً).. هو فتح للامة لكن حققه الله تعالى للامة عبر نبيها الكريم.. ومن خلال قيادتها الربانية التي جعلها الله شرطاً للنهضة ووسيلة لها.. وعندما يدعو الله الامة للجهاد فان هناك دعوة خاصة للنبي صلى الله عليه وآله للجهاد {يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين وغلظ عليهم.. } فهناك تمييز لجهاد النبي صلى الله عليه وآله عن جهاد الامة.. اليس هو قائدها.. واهم اركان العمل والنصر هو القائد.. ثم الاتباع.. ان الآيات التي تلوناها في البداية مجرد نموذج على مدى تأكيد القرآن على ضرورة الجهاد مع القيادة النبوية وان الجهاد مرفوض تحت غير رايتها.. - ولن تقاتلوا معي عدواً -.. فالقضية ليست مقاتلة العدو فحسب.. بل المهم ان نقاتله مع الرسول صلى الله عليه وآله ثم من اوصى بهم من اهل بيته عليهم السلام.. - وجاهدوا مع رسوله -.. فلا معنى لجهاد مع غير الرسول واهل بيته...ومشكلة الامة في الكثير من فترات تاريخها انها " جاهدت " ولكن ليس تحت راية نبيها او اهل بيته عليهم السلام.. وهو جهاد مرفوض وغير منتج.. تماماً كمسجد ضرار فرغم انه في ظاهره مسجد ولاقامة الصلاة الا انه كان مسجداً لتجاوز القيادة النبوية لذلك صار مسجد ضرار وامر النبي صلى الله عليه وآله بهدمه بل وتعمد اهانته حتى لا تبقى له اي قدسية... بل ان الجهاد تحت غير الراية النبوية جهاد خطير ادى بالامة في فترات حالكة من تاريخها الى ان ترفع راية الجهاد في وجه ابن بنت نبيها الحسين عليه السلام.. وتقاتله وتقتله ابشع قتله وتدوس جسده تحت سنابك خيلها.!!
          ان للنبي القائد ومن اوصى بهم من بعده مكانة ومنزلة في كل قضايا الامة.. انهم وسيلة استغفار.. ولو انهم جاؤك واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما.. ووسيلة صلاة وقربى..- وصلوات الرسول الا انها قربة لهم سيدخلهم في رحمته -.. ووسيلة جهاد وانتصار كما اشرنا. القيادة شرط النصر ووسيلته ومشكلة الامة انها ضيعت قيادتها النيوية وامتدادها العلوي فتعطلت مسيرتها بل شارفت على الموت والهلاك لولا دماء الحسين عليه السلام التي انقذتها.. ولا نجاة حقيقية الا بركوب سفينة الحسين من جديد.. ولا نصر الا بهداه.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ان الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة) صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


          منقول

          تعليق


          • #20
            المكنونات التربوية:

            وتوفرت في سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) وريحانته الإمام الحسين (عليه السلام)، جميع العناصر التربوية الفذة التي لم يظفر بها غيره، فأخذ بجوهرها ولبابها وقد أعدته لقيادة الأمة، وتحمل رسالة الإسلام بجميع أبعادها ومكوناتها، كما أمدته بقوى روحية لاحد لها من الإيمان العميق بالله، والخلود إلى الصبر على ما انتابه من المحن والخطوب التي لا يطيقها أي كائن حي من بني الإنسان.

            أما الطاقات التربوية التي ظفر بها، وعملت على تقويمة وتزويدة بأضخم الثروات الفكرية والإصلاحية فهي:


            الوراثة

            حددت الوراثة بانها مشابهة الفرع لأصله، ولا تقتصر على المشابهة في المظاهر الشكلية وإنما تشمل الخواص الذاتية، والمقومات الطبيعية، كما نص على ذلك علماء الوراثة وقالوا: أن ذلك أمر بيّنُ في جميع الكائنات الحية فبذور القطن تخرج القطن، وبذور الزهرة تخرج الزهرة، وهكذا غيرها، فالفرع يحاكي أصله ويساويه في خواصه، وأدق صفاته، يقول (مندل):

            (أن كثيراً من الصفات الوراثية تنتقل بدون تجزئة أو تغير من أحد الأصلين أو منهما إلى الفرع..).

            وأكد هذه الظاهرة (هكسلي) بقوله:

            (إنه ما أثر أو خاصة لكائن عضوي إلا ويرجع إلى الوراثة أو إلى البيئة فالتكوين الوراثي يضع الحدود لما هو محتمل، والبيئة تقرر أن هذا الإحتمال سيتحقق، فالتكوين الوراثي إذن ليس إلا القدرة على التفاعل مع أية بيئة بطريق خاص..).

            ومعنى ذلك أن جميع الآثار والخواص التي تبدو في الأجهزة الحساسة من جسم الإنسان ترجع إلى العوامل الوراثية وقوانينها، والبيئة تقرر وقوع تلك المميزات وظهورها في الخارج، فاذن ليست البيئة إلا عاملاً مساعداً للوراثة، حسب البحوث التجريبية التي قام بها الاختصاصيون في بحوث الوراثة.

            وعلى أي حال فقد أكد علماء الوراثة بدون تردد أن الأبناء والأحفاد يرثون معظم صفات آبائهم وأجدادهم النفسية والجسمية، وهي تنتقل إليهم بغير ارادة ولا اختيار، وقد جاء هذا المعنى صريحاً فيما كتبه الدكتور (الكسيس كارل) عن الوراثة بقوله:

            (يمتد الزمن مثلما يمتد في الفرع إلى ما وراء حدوده الجسمية.. وحدوده الزمنية ليست أكثر دقة ولا ثباتاً من حدوده الاتساعية، فهو مرتبط بالماضي والمستقبل، على الرغم من أن ذاته لا تمتد خارج الحاضر.. وتأتي فرديتنا كما نعلم إلى الوجود حينما يدخل الحويمن في البويضة. ولكن عناصر الذات تكون موجودة قبل هذه اللحظة ومبعثرة في أنسجة أبوينا وأجدادنا وأسلافنا البعيدين جداً لأنا مصنوعون من مواد آبائنا وأمهاتنا الخلوية. وتتوقف في الماضي على حالة عضوية لا تتحلل... وتحمل في أنفسنا قطعاً ضئيلة لاعداد من أجسام أسلافنا، وما صفاتنا ونقائصنا إلا امتداد لنقائصهم وصفاتهم..)(1).

            وقد أكتشف الإسلام - قبل غيره - هذه الظاهرة: ودلل على فعالياتها، في التكوين النفسي والتربوي للفرد، وقد حث باصرار بالغ على أن تقوم الرابطة الزوجية على أساس وثيق من الاختبار والفحص عن سلوك الزوجين، وسلامتهما النفسية والخلقية من العيوب والنقص، ففي الحديث (تخيروا لنطفتكم فان العرق دساس) وأشار القرآن الكريم إلى ما تنقله الوراثة من أدق الصفات قال تعالى حكاية عن نبيه نوح: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراُ. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً)(2). فالآية دلت بوضوح على انتقال الكفر والإلحاد بالوراثة من الآباء إلى الأبناء، وقد حفلت موسوعات الحديث بكوكبة كبيرة من الأخبار التي أثرت عن أئمة أهل البيت (عليه السلام) وهي تدلل على واقع الوراثة وقوانينها ومالها من الأهمية البالغة في سلوك الإنسان، وتقّويم كيانه.

            على ضوء هذه الظاهرة التي لا تشذ في عطائها نجزم بأن سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) قد ورث من جده الرسول (صلى الله عليه وآله) صفاته الخلقية والنفسية، ومكوناته الروحية التي امتاز بها على سائر النبيين، وقد حدد كثير من الروايات مدى ما ورثه هو وأخوه الإمام الحسن من الصفات الجسمية من جدهما النبي (صلى الله عليه وآله) فقد جاء عن علي (عليه السلام) أنه قال: (من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بين عنقه وشعره فلينظر إلى الحسن، ومن سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) مابين عنقه الى كعبه خلقا ولونا فلينظر الى الحسين)(3) وفي رواية أنه كان أشبه النبي ما بين سرته إلى قدمه(4) وكما ورث هذه الظاهرة من جده فقد ورث منه مثله وسائر نزعاته وصفاته.

            الأسرة

            الأسرة(5) من العوامل المهمة في إيجاد عملية التطبيع الاجتماعي، وتشكيل شخصية الطفل، وإكسابه العادات التي تبقى ملازمة له طوال حياته، فهي البذرة الأولى في تكوين النمو الفردي، والسلوك الاجتماعي، وهي أكثر فعالية في إيجاد التوازن في سلوك الشخص من سائر العوامل التربوية الأخرى، فمنها يتعلم الطفل اللغة، ويكتسب القيم والتقاليد الاجتماعية.

            والأسرة إنما تنشأ أطفالها نشأة سليمة متسمة بالاتزان والبعد عن الشذوذ والانحراف فيما إذا شاع في البيت الاستقرار والمودة والطمأنينة وابتعد عن ألوان العنف والكراهية، وإذا لم ترع ذلك فإن أطفالها تصاب بعقد نفسية خطيرة تسبب لهم كثيراً من المشاكل والمصاعب، وقد ثبت في علم النفس أن أشد العقد خطورة، وأكثرها تمهيداً للاضطرابات الشخصية هي التي تكون في مرحلة الطفولة الباكرة خاصة من صلة الطفل بأبويه(6).

            كما أن من أهم وظائف الأسرة الإشراف على تربية الأطفال فانها مسؤولة عن عمليات التنشئة الإجتماعية التي يتعلم الطفل من خلالها خبرات الثقافة وقواعدها في صورة تؤهله في مستقبل حياته من المشاركة التفاعلية مع غيره من أعضاء المجتمع.

            وأهم وظائف الأسرة عند علماء التربية هي ما يلي:

            أ- أعداد الأطفال بالبيئة الصالحة لتحقيق حاجاتهم البيولوجية والاجتماعية.

            ب- أعدادهم للمشاركة في حياة المجتمع والتعرف على قيمه وعاداته.

            ج - توفير الاستقرار والأمن والحماية لهم.

            د- امدادهم بالوسائل التي تهيء لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع(7).

            هـ- تربيتهم بالتربية الأخلاقية والوجدانية والدينية(8).

            وعلى ضوء هذه البحوث التربوية الحديثة عن الأسرة ومدى أهميتها في تكوين الطفل، وتقويم سلوكه بحزم بأن الإمام الحسين (عليه السلام) كان وحيداً في خصائصه ومقوماته التي استمدها من أسرته فقد نشأ في أسرة تنتهي إليها كل مكرمة وفضيلة في الإسلام، فما أظلت قبة السماء أسرة أسمى ولا أزكى من أسرة آل الرسول (صلى الله عليه وآله)... لقد نشأ الإمام الحسين (عليه السلام) في ظل هذه الأسرة وتغذى بطباعها وأخلاقها، ونعرض - بإيجاز - لبعض النقاط المضيئة النابضة بالتربية الفذة التي ظفر بها الحسين (عليه السلام) في ظل الأسرة النبوية.


            التربية النبوية

            وقام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بدوره بتربية سبطه وريحانته فأفاض عليه بمكرماته ومثله وغذاه بقيمه ومكوناته ليكون صورة عنه، ويقول الرواة: إنه كان كثير الإهتمام والاعتناء بشأنه، فكان يصحبه معه في أكثر أوقاته فيشمه عرفه وطيبه، ويرسم له محاسن أفعاله، ومكارم أخلاقه، وقد علمه وهو في غضون الصبا سورة التوحيد(9)، ووردت إليه من تمر الصدقة فتناول منها الحسين تمرة وجعلها في فيه، فنزعها منه الرسول (صلى الله عليه وآله) وقال له: لا تحل لنا الصدقة(10)، وقد عوده وهو في سنه المبكر بذلك على الأباء، وعدم تناول ما لا يحل له، ومن الطبيعي أن إبعاد الطفل عن تناول الأغذية المشتبه فيها أو المحرمة لها أثرها الذاتي في سلوك الطفل وتنمية مداركه حسب ما دللت عليه البحوث الطبية الحديثة، فأن تناول الطفل للأغذية المحرمة مما يوقف فعالياته السلوكية، ويغرس في نفسه النزعات الشريرة كالقسوة، والاعتداء والهجوم المتطرف على الغير، وقد راعى الإسلام باهتمام بالغ هذه الجوانب فألزم بأبعاد الطفل عن تناول الغذاء المحرم(11) وكان أبعاد النبي (صلى الله عليه وآله) لسبطه الحسين عن تناول تمر الصدقة التي لا تحل لأهل البيت (عليهم السلام) تطبيقاًُ لهذا المنهج التربوي الفذ.. وسنذكر المزيد من ألوان تربيته له عند عرض ما أثر عنه (صلى الله عليه وآله) في حقه (عليه السلام).


            تربية الإمام له

            أما الإمام علي (عليه السلام) فهو المربى الأول الذي وضع أصول التربية، ومناهج السلوك، وقواعد الآداب، وقد ربى ولده الإمام الحسين (عليه السلام) بتربيته المشرقة فغذاه بالحكمة، وغذاه بالعفة والنزاهة، ورسم له مكارم الأخلاق والآداب، وغرس في نفسه معنوياته المتدفقة فجعله يتطلع إلى الفضائل حتى جعل اتجاهه السليم نحو الخير والحق، وقد زوده بعدة وصايا حافلة بالقيم الكريمة والمثل الإنسانية ومنها هذه الوصية القيمة الحافلة بالمواعظ والآداب الإجتماعية وما يحتاج إليه الناس في سلوكهم، وهي من أروع ما جاء في الإسلام من الأسس التربوية التي تبعث على التوازن، والأستقامة في السلوك قال عليه السلام:

            (يا بني أوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا(12) والقصد في الغنى والفقر، والعدل في الصديق والعدو والعمل في النشاط والكسل، والرضا عن الله تعالى في الشدة والرخاء.

            يا بني ما شر بعده الجنة بشر، ولا خير بعده النار بخير، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية... أعلم يا بني أن من أبصر عيب نفسه شغل عن غيره، ومن رضى بقسم الله تعالى لم يحزن على مافاته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر بئراً وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره أنكشفت عورات بيته، ومن نسي خطيئته استعظم خطئية غيره، ومن كابد الأمور عطب، ومن أقتحم البحر غرق، ومن أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن سفه عليهم شتم، ومن دخل مداخل السوء اتهم، ومن خالط الأنذال حقر، ومن جالس العلماء وقر، ومن مزح استخف به، ومن اعتزل سلم، ومن ترك الشهوات كان حراً، ومن ترك الحسد كان له المحبة من الناس.

            يا بني عز المؤمن غناه عن الناس، والقناعة مال لا ينفذ ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه، العجب ممن خاف العقاب ورجا الثواب فلم يعمل، الذكر نور والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، والسعيد من وعظ بغيره، والأدب خير ميراث، وحسن الخلق خير قرين.

            يا بني ليس مع قطيعة الرحم نماء، ولا مع الفجور غنى،... يا بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله، وواحد في ترك مجالسة السفهاء، ومن تزين بمعاصي الله عز وجل في المجالس ورثّه ذلاً من طلب العلم علم.

            يا بني رأس العلم الرفق وآفته الخرق، ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب، العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغني، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر خطأوه، ومن كثر خطأوه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار.

            يا بني لا تؤيسن مذنباً فكم من عاكف على ذنبه ختم له بالخير، ومن مقبل على عمله مفسد له في آخر عمره صار إلى النار من تحرى القصد خفت عليه الأمور.

            يا بني كثرة الزيارة تورث الملالة، يا بني الطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم، اعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله.

            يا بني كم من نظرة جلبت حسرة، وكم من كلمة جلبت نعمة، لا شرف أعلى من الإسلام ولا كرم أعلى من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا مال أذهب للفاقة من الرضى بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف تعجل الراحة، وتبوأ حفظ الدعة، الحرص مفتاح التعب، ومطية النصب وداع إلى التقحم في الذنوب، والشر جامع لمساوئ العيوب، وكفى أدباً لنفسك ما كرهته من غيرك، لأخيك مثل الذي عليك(13) لك، ومن تورط في الأمور من غير نظر في الصواب فقد تعرض لمفاجأة النوائب، التدبير قبل العمل يؤمنك الندم، من استقبل وجوه العمل والآراء عرف مواقع الخطأ، الصبر جنة من الفاقة، في خلاف النفس رشدها، الساعات تنقص الأعمار، ربك للباغين من أحكم الحاكيمن، وعالم بضمير المضمرين بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد، في كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى، ما أقرب الراحة من التعب، والبؤس من النعيم، والموت من الحياة، فطوبى لمن أخلص لله تعالى علمه وعمله وحبه وبغضه وأخذه وتركه، وكلامه وصمته، وبخ بخ لعالم علم فكف، وعمل فجد وخاف التباب(14) فأعد واستعد، إن سئل أفصح، وأن ترك سكت، وكلامه صواب، وصمته من غير عي عن الجواب، والويل كل الويل لمن بلى بحرمان وخذلان وعصيان، واستحسن لنفسه ما يكرهه لغيره، من لانت كلمته وجبت محبته، من لم يكن له حياء ولا سخاء فالموت أولى به من الحياة، لا تتم مرؤة الرجل حتى لا يبالي أي ثوبية لبس، ولا أي طعاميه أكل)(15).

            وحفلت هذه الوصية بآداب السلوك وتهذيب الأخلاق، والدعوة إلى تقوى الله التي هي القاعدة الأولى في وقاية النفس من الإنحراف والآثام وتوجيهها الوجهة الصالحة التي تتسم بالهدى والرشاد.


            تربية السيدة فاطمة (ع) له

            وعنت سيدة النساء (عليها السلام) بتربية وليدها الحسين، فغمرته بالحنان والعطف لتكون له بذلك شخصيته الاستقلالية، والشعور بذاتياته، كما غذته بالآداب الإسلامية، وعودته على الإستقامة، والاتجاه المطلق نحو الخير يقول العلائلي:

            (والذي انتهى إلينا من مجموعة أخبار الحسين أن أمه عنيت ببث المثل الإسلامية الاعتقادية لتشيع في نفسه فكرة الفضيلة على أتم معانيها، وأصح أوضاعها، ولا بدع فأن النبي (صلى الله عليه وآله) أشرف على توجيهه أيضاً في هذا الدور الذي يشعر الطفل فيه بالإستقلال.

            فالسيدة فاطمة أنمت في نفسه فكرة الخير، والحب المطلق والواجب ومدّدت في جوانحه وخوالجه أفكار الفضائل العليا بأن وجهت المبادئ الأدبية في طبيعته الوليدة، من أن تكون هي نقطة دائرتها إلى الله الذي هو فكرة يشترك فيها الجميع.

            وبذلك يكون الطفل قد رسم بنفسه دائرة محدودة قصيرة حين أدار هذه المبادئ الأدبية على شخص والدته، وقصرها عليها وما تجاوز بها إلى سواها من الكوائن، ورسمت له والدته دائرة غير متناهية حين جعلت فكرة الله نقطة الإرتكاز، ثم أدارت المبادئ الأدبية والفضائل عليها فاتسعت نفسه لتشمل وتستغرق العالم بعواطفها المهذبة، وتأخذه بالمثل الأعلى للخير والجمال...(16).

            لقد نشأ الإمام الحسين (عليه السلام) في جو تلك الأسرة العظيمة التي ما عرف التاريخ الإنساني لها نظيراً في إيمانها وهديها، وقد صار (عليه السلام) بحكم نشأته فيها من أفذاذ الفكر الإنساني ومن أبرز أئمة المسلمين.


            البيئة

            وأجمع المعنيون في البحوث التربوية والنفسية على أن البيئة من أهم العوامل التي تعتمد عليها التربية في تشكيل شخصية الطفل وأكسابه الغرائز والعادات، وهي مسؤولة عن أي انحطاط أو تأخر للقيم التربوية، كما أن استقرارها، وعدم اضطراب الأسرة لهما دخل كبير في استقامة سلوك النشئ ووداعته، وقد بحثت مؤسسة اليونسكو في هيئة الأمم المتحدة عن المؤثرات الخارجة عن الطبيعة في نفس الطفل، وبعد دراسة مستفيضة قام بها الإختصاصيون قدموا هذا التقرير: (مما لا شك فيه أن البيئة المستقرة سيكولوجياً، والأسرة الموحدة ألتي يعيش أعضاؤها في جو من العطف المتبادل هي أول أساس يرتكز عليه تكيف الطفل من الناحية العاطفية، وعلى هذا الأساس يستند الطفل فيما بعد في تركيز علاقاته الإجتماعية بصورة مرضية، أما إذا شوهت شخصية الطفل بسوء معاملة الوالدين فقد يعجز عن الاندماج في المجتمع...)(17).

            إن استقرار البيئة وعدم اضطرابها من أهم الأسباب الوثيقة في تماسك شخصية الطفل وازدهار حياته، ومناعته من القلق، وقد ذهب علماء النفس إلى أن اضطراب البيئة وما تحويه من تعقيدات، وما تشتمل عليه من أنواع الحرمان كل هذا يجعل الطفل يشعر بأنه يعيش في عالم متناقض مليء بالغش والخداع والخيانة والحسد وأنه مخلوق ضعيف لا حول له، ولا قوة تجاه هذا العالم العنيف(18)... وقد عنى الإسلام بصورة ايجابية في شؤون البيئة فارصد لا صلاحها وتطورها جميع أجهزته وطاقاته، وكان يهدف قبل كل شيء أن تسود فيها القيم العليا من الحق والعدل والمساواة، وأن تتلاشى فيها عوامل الانحطاط والتأخر من الجور والظلم والغبن، وأن تكون آمنة مستقرة خالية من الفتن والإضطراب حتى تمد الأمة بخيرة الرجال وأكثرهم كفاءة، وانطلاقاً في ميادين البر والخير والإصلاح.

            وقد انتجت البيئة الإسلامية العظماء والأفذاذ والعباقرة المصلحين الذين هم من خيرة ما أنتجته الإنسانية في جميع مراحل تاريخها كسيدنا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وعمار بن ياسر، وأبي ذر وأمثالهم من بناة العدل الإجتماعي في الإسلام.

            لقد نشأ الإمام الحسين (عليه السلام) في جو تلك البيئة الإسلامية الواعية التي فجرت النور وصنعت حضارة الإنسان، وقادت شعوب الأرض لتحقيق قضاياها المصيرية، وأبادت القوى التي تعمل على تأخير الإنسان، وانحطاطه تلك البيئة العظيمة التي هبت إلى ينابيع العدل تعب منها فتروي وتروي الأجيال الظامئة.

            وقد شاهد الإمام الحسين وهو في غضون الصبا ما حققته البيئة الإسلامية من الانتصارات الرائعة في إقامة دولة الإسلام، وتركيز أسسها، وأهدافها وبث مبادئها الهادفة إلى نشر المودة والدعة والأمن بين الناس.

            هذه بعض المكونات التربوية التي توفرت للإمام الحسين (عليه السلام) وقد أعدته ليكون الممثل الأعلى لجده الرسول (صلى الله عليه وآله) في الدعوة إلى الحق، والصلابة في العدل).





            الهوامش:

            1 - النظام التربوي في الإسلام ص 61 - 62.

            2- المعجم الكبير للطبراني مخطوط بخط العلامة السيد عزيز الطباطبائي اليزدي.

            3 - المعجم الكبير للطبراني مخطوط بخط العلامة السيد عزيز الطباطبائي اليزدي.

            4 - المنمق في أخبار قريش ص 499.

            5 - الأسرة: عند علماء الإجتماع هي الرابطة الإجتماعية التي تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما وتشمل الجدود والأحفاد. انظر علم الاجتماع ص 92.

            6 - الأمراض النفسية والعقلية.

            7 - النظام التربوي في الإسلام.

            8 - النظام الأسرة في الإسلام.

            9 - تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 319.

            10 - مسند الإمام أحمد ج 1 ص 201.

            11 - مسند الإمام أحمد ج 1 ص 201.

            12 - في نسخة في الرضا والغضب.

            13 - هكذا في الأصل ولعل الصواب (عليه).

            14 - التباب: الهلاك والخسران، ومنه قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب).

            15 - الأعجاز والإيجاز ص 33.

            16 - الإمام الحسين ص 289.

            17 - أثر الأسرة والمجتمع في الأحداث الذين هم دون الثالثة عشرة مؤسسة اليونسكو ص 35.

            18 - التكيف النفسي ص 22.

            تعليق


            • #21
              زوجاته وأبناؤه

              • أحوال أزواجه وأولاده (عليه السلام)

              كان له (عليه السلام) ستة أولاد:

              علي بن الحسين الأكبر زين العابدين (عليه السلام)، أمه شاه زنان بنت كسرى يزدجر بن شهريار.

              وعلي الأصغر قتل مع أبيه، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفيّة، والناس يغلطون ويقولون: إنه عليّ الأكبر.

              وجعفر بن الحسين وأمه قضاعية ومات في حياة أبيه ولا بقية له.

              وعبد الله قتل مع أبيه صغيراً وهو في حجر أبيه.

              وسكينة بنت الحسين (عليها السلام)، وأمها الرباب بنت أمرئ القيس بن عديّ ين أوس وهي أم عبد الله بن الحسين أيضاً.

              وفاطمة بنت الحسين (عليها السلام) وأمها أمّ إسحاق بن طلحة بن عبد الله تيمية(0).





              علي الأكبر (عليه السلام)



              • ولادته

              ولد عليّ الأكبر في الحادي عشر من شهر شعبان(1) سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة قبل مقتل عثمان بسنتين(2) وقد قتل سنة خمس وثلاثين وقول شيخنا الجليل ابن إدريس الحلّي في مزار (السرائر) ولد في خلافة عثمان يتفق معه.

              فيكون له يوم الطف ما يقارب سبعاً وعشرين سنة ويؤيّده اتّفاق المؤرّخين ورُباب النسب على أنّه أكبر من الإمام السجّاد الذي له يوم الطف ثلاث وعشرون سنة والتحديد بالسبع عشرة كما في منتخب الشيخ الطريحي أو الثمان عشرة كما في الإرشاد وإعلام الورى أو التسع عشرة كما في مناقب السروري، محكوم لذلك الاتفاق مع خلوّة عن الشاهد وكلمة ابن نما الحلّي في (مثير الأحزان): انّ له يومئذٍ أكثر من عشر سنين وان كانت مجملة إلاّ أنّها تقال لمن فوق العشرة بنحو ثلاث سنين ونحوها وهذا شيء غريب.

              وأغرب منه ما في (نقد المحصل) للخواجة نصير الدين الطوسي: ص 179 طبعة مصر (ان له يوم الطف سبع سنين).

              فإن القرائن دالة على منزلة له رفيعة عند أبيه الشهيد وتقدُمه على من معه من أصحابه وأهل بيته عدى عمّه العباس فإن المؤرخين اتفقوا على أن الحسين (عليه السلام) لما اجتمع ليلة عاشوراء بابن سعد أمر من كان معه بالتنحّي عنه إلاّ أخوه العباس وابنه عليّ الأكبر وكان مع ابن سعد غلامه وابنه حفص.

              ولما خطب (عليه السلام) يوم عاشوراء وسمع بكاء عياله قال لأخيه العباس وابنه عليّاً الأكبر سكتاهنّ فلعمري ليكثر بكاؤهنّ.

              ولما أمر الحسين أصحابه يوم الثامن بالذهاب إلى المشرعة للاستقاء بعث معهم علياً الأكبر قائداً فإن هذا يشهد بن للأكبر يومئذٍ أكثر من هذا السنّ كما أن رجزه عند الحملة يشهد به فهذا الرأي لا نعرف مأخذه.

              نعم من المحتمل قريباً إسقاط (عشرة) بعد السبع فيكون له سبع عشرة وهذا أليق وإن لم يوافقه التاريخ المتقدم.


              • كنيته

              جاء في زيارة عليّ الأكبر المروية عن أبي حمزة الثمالي، ان الإمام الصادق (عليه السلام) قال له:

              ضع خدّك على القبر وقل: صلى الله عليك يا أبا الحسن ثلاثاً(3).

              ولذلك تكون كنيته (عليه السلام): أبو الحسن.

              حيث إنه مثلما يحتمل أن تكون الكنية للتفاؤل بالولد، فيحتمل أنها صدرت بعد أن كان له ولد سمّي (الحسن) ورواية أحمد بن أبي نصر البزنطي تشهد بأنه كان متزوجاً من جارية له قد أولدها.

              على أن الاستضاءة من قول الإمام الصادق في تلك الزيارة التي رواها أبا حمزة تلمسنا جوهرة فريدة وحقيقة ناصعة أن للأكبر الشهيد أهلاً وولداً،وأن كان عقبه منقطع الآخر فإن الإمام الصادق يقول فيه:

              (صلى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك وأمهاتك الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).

              ولفظ الأبناء جمع بدلّ على أكثر من اثنين وكما يحتمل إرادة الصلبيين خاصة يحتمل أن يراد ما يعمهم وأبناءهم لكن الاحتمال الثاني مدفوع بظاهر إطلاق اللفظ عند العرف فإنه يختص بالصلبين.

              كما أن قوله (عليه السلام) «وعلى عترتك» دالّ عليه فإن عترة الرجل ذريته فلو لم يكن له ذرية لما صحّ استعمال هذا اللفظ وورود هذه الجملة في لسان الإمام العارف بخواص البلاغة ومقتضيات الأحوال أقوى برهان.

              وغير خافٍ أن هذه الرواية رواها الشيخ الجليل ابن قولويه في (كامل الزيارة) بسند صحيح ورجال ثقاة منهم علي بن مهزيار وهو من أوثق وكلاء أبي جعفر الجواد (عليه السلام) كما دل عليه قوله في كتابه إليه (لقد خبرتك وبلوتك في الطاعة والخدمة فلو قلت أني لم أر مثلك رجوت أن أكون صادقاً).

              وفيهم ابن أبي عمير الثقة الثبت وهو الذي ضربه السندي بن شاهك على التشيع بأمر الرشيد مائة وعشرين سوطاً ثم حبس ولم يطلق إلا بعد أن دفع مئة وعشرين ديناراً.


              • لقبه

              لقب السيد الشهيد (بالأكبر) لكونه أكبر من الإمام زين العابدين وقد صرّح بذلك السجاد (عليه السلام) حين قال له ابن زياد: أليس قتل الله علياً؟ فقال الإمام: كان أخ أكبر مني يسمى علياً فقتلتموه(4).

              فقال ابن زياد: بل الله قتله.

              فقال الإمام: الله يتوفى الأنفس حسب موتها.

              فالثابت عند أهل النسب والسيرة ان للحسين علياً الأكبر وعلياً الأصغر وهو السجاد وعبد الله الرضيع وجعفر درج في أيام أبيه.


              • والده

              عند التحدث عن أي شخصية مهما كانت، لابد من الرجوع للحديث عن أسرته، لاسيما والده ووالدته، فثمة صلة هامة ورابطة خطيرة بين الحديثين، للوقوف على الحقائق ولإماطة اللثام عن واقع الشخصية المعنية. نظراً للدور الأبوي الفعال في الشخص، بدءً من كونه نطفة، ومروراً بمراحل التكوين، حتى الولادة فالتربية والتهذيب..

              من ذا الذي يجهل والد سيدنا علي الأكبر، كلنا يعرفه، وكلنا يجهله، نعرفه بالاسم وببعض الأمور، ونجهل حقيقته الكاملة.

              إن الإمام سبط الرسول الحسين بن علي (صلوات الله عليهم)، ليس أباً فحسب، وليس بمستوى الأبوة فقط، إنه فوق ذلك المستوى بما يمثله من إشراف على الأمة بكل أبنائها وبناتها، وبما يتبناه من قضايا أبناء الأمة ودينهم الإسلامي الحنيف في بعده المستقبلي.

              هذا الأب العظيم من شأنه - دونما جدال - أن ينجب ابناً بمثابة أُمة من الناس، أن ينجب من يكون نوراً ونبراساً، وقائداً وقدوة.

              وعليه فلا تستكثر على ذلك الإمام إنجاب القادة ورجال العقيدة، وهو الإمام الذي تمكن من أن يصون شعوب الإسلام، ويحفظ الأمة العملاقة مع دينها ومبادئها الخلاقة..

              ولا نريد هنا أن نتكلم عن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فهذه الصفحات خاصة بولده ونجله فقط، كما أن الحديث عن الإمام لا يعد محاولة هينة ويسيرة بناءً على أنه ليس شخصاً عادياً يصح عنه الكلام كيفما اتفق الكلام، وإنما هو شخص امتزجت فيه المبادئ، فجسدها عملاً على أرض الواقع، إنه صاحب رسالة وسيد قضية.. رسالة ممتدة من رسالة جده الرسول الأعظم، وقضية تبرعمت من شجرة قضية جده النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).

              وبعد: فإنما نتجنب الخوض في الحديث من الإمام سيد الشهداء فلسعة مهمته الرسالية التي يلزمنا التحدث فيها وعنها، ولبعد وظيفته الإلهية، ورحابة طرحه لقضيته.. وأخيراً فلانه حقق عملياً - وعلى المدى البعيد - للأمة ما لم تستطع كل الأمة تحقيق بعضه.

              ذلك هو الوالد والأب والمربي الصارم القويّ، معلم الأمة. الذي أنجب للانعتاق والتحرير طاقات نورٍ متمثلةٍ بالشخصيات المضيئة التي اخترقت أستار الظلام عبر عصور الظلم والاضطهاد ووسط تفاقم الأوضاع.

              أخذ الإمام الحسين عن جده (مدينة العلم) ثروة من العلم والحكمة، وثروة من السمات البالغة في السمو.

              أخذ الإمام الحسين عن أبيه (باب مدينة العلم) وافر العلوم والامتيازات، أبوه أمير المؤمنين علي الذي ارتشف من نفس منهل النبي (صلى الله عليه وعليهم أجمعين). وراح الحسين بدوره يوزع ما عنده دون أن ينقص مخزونه أو ينضب ويفيض بما لديه على أولاده الأطهار والتابعين له بإحسان (وكل إناء بالذي فيه ينضح).

              كان حسين رحيماً ورحمة للمؤمنين، فكان علي الأكبر يشاطر والده في هذه الخصوصية الرحمانية.

              كان حسين قاسياً وقسوة على الكافرين والمنحرفين، فكان علي الأكبر حليف والده، صارماً لا يلين.

              كان حسين ثائراً وثورة يأبى الضيم عزيز النفس، وكان نجله مثله ولا يختلف عنه شديد التمسك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حريصاً جداً على الجهاد المصيري.

              وكان الإمام الحسين حسيناً بجميع حسنيات الإسلام، وكان نجله على الأكبر علياً رفيع المقام، يحذو حذو أبيه، حذو الحقائق بعضها وراء بعض... ولو أن رجالاً وشباباً عاشوا مع الحسين (عليه السلام) بعض الوقت وبعض العمر لما انفكوا عن تأثيره الرسالي الخطير، فكيف يكون ثائر هو نجله إذن؟ وكيف ستكون طبيعة الأثر والآثار وهو فلذة كبده، المتحدر من شامخ صلبه الطاهر؟

              (ذرية بعضها من بعض) [قرآن كريم...].


              • والدته السيدة ليلى الثقفية

              أما والدته فهي السيدة ليلى الثقفية. وهي عربية الأصل كما يوحي نسبها إلى بني ثقيف ذات الشهرة والصيت الذائع في الطائف وكل البقاع العربية.

              السيدة ليلى هذه نالت من الإيمان والحظوة لدى الله سبحانه وتعالى بحيث وُفقت لأن تكون مع نساء أهل بيت النبوة، تعيش أجواء التقى والإيمان، وتعيش آلام آل الرسول وآمالهم، وتشاطر الطاهرات أفراحهن وأتراحهن، وقد ظفرت بتوفيق كبير آخر، حيث أضحت وعاءً لأشبه الناس طراً برسول الله (صلى الله عليه وآله).. فهي امرأة رشيدة، جليلة القدر، سامية المنزلة، عالية المكانة، رفيعة الشرف في الأوساط الاجتماعية، كيف لا وهي زوجة سبط سيد المرسلين وسيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

              ونرى أن من الضروري التحدث عن أبيها عروة بن مسعود الثقفي كما سيأتي بعد أسطر.

              أما والدة ليلى، فهي ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، أي أن أبا سفيان يعد جداً لليلى، بيد أن شوائب أمية لم تمس من ليلى أو تؤثر فيها، بقدر تأثير العنصر العربي الثقفي فيها.. ونسبتها هذه لبني أمية كانت مسوغاً للجيش الأموي بكربلاء كيما يستميل علي الأكبر إلى جبهته بأسلوب مضحك هزيل وبمحاولة فاشلة.


              • أبو مرة عروة بن مسعود الثقفي

              من المعروف تاريخياً أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد بذل كثيراً وحرص على الصدع برسالته الخلاقة، وكانت الطائف هي أحد المراكز التي قصدها (صلى الله عليه وآله)، ومن المعروف جيداً مبلغ المعاناة من جراء جهل أهل الطائف لهذا الداعية المحرر، فقد عاد النبي من الطائف وهو متعب ومخضب بالدم.

              فلم يستجب لدعوته أحد قط، سوى رجل واحد تبع أثره ولحق به، ولا نعرف غيره، ثم إنه اتصل به فأسلم وحسن إسلامه، ذلك هو قطب ثقيف، والد السيدة ليلى، التي لا نعرف ما إذا كانت مولودة أو غير مولودة في تلك الفترة.

              إنه(5) (عروة بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، واسمه قيس بن منبّه بن بكر بن هوازن بن عكرمة بن حصفة بن قيس عيلان الثقفي.

              أبو مسعود، وقيل أبو يعفور شهد صلح الحديبية) وكني بأبي مرة.

              فعروة بن مسعود الثقفي، زعيم من زعماء العرب، وسيد ممن ساد قومه فأحسن السيادة، وهو رابع أربعة من العرب سادوا قومهم، كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) قول حول عروة، والثلاثة الآخرون، وهو قوله:

              (أربعة سادة في الإسلام: بشر بن هلال العبدي - وعدي بن حاتم - وسراقة بن مالك المدلجي - وعروة بن مسعود الثقفي)(6).

              وعلى هذا فإن مركز عروة في المجتمع العربي، مركز رفيع مرموق، وذلك قبل أن يُسلم ويعلن إسلامه، بحيث بلغت منزلته عند العرب مبلغاً متزايداً حتى بالغوا به فتطرفوا إذ عظموه تعظيماً على حساب محمد ذي الخلق العظيم، وعظموه ليجعلوا منه شخصية تضاهي النبي الأعظم.. وهذا ما نص عليه القرآن في موقف معروف، إذ حكى عنهم ما قاله أحدهم - الوليد بن المغيرة - على سبيل المقارنة الفاشلة.

              (قالوا لولا نزِّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)(7).

              والمقصود من القريتين هما مكة والطائف، أما المقصود من العظيمين فيهما، فهو القائل نفسه - الوليد بن المغيرة - بمكة ويعني بالثاني عروة الثقفي بالطائف، كما عن قتادة وورد في الإصابة والاستيعاب ذلك.

              أجل كان عروة شخصية مرموقة، لكنه أبى أن يزعم العظمة كغيره مثل ابن المغيرة وأمثاله، وكان شجاعاً وجريئاً بحيث إنه صمم على أن يدعو قومه للإسلام حالما يعود إلى الطائف وهكذا كان. فبعدما أسلم على يد الرسول الذي تبع أثره من الطائف وأدركه قبل دخول المدينة، وبعد أن تمكن الإسلام والإيمان من قلبه، استأذن النبي (صلى الله عليه وآله) كي يرجع لهداية قومه.

              (وسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يرجع إلى قومه بالإسلام. فقال يا رسول الله، أنا أحب إليهم من أبصارهم، وكان فيهم محبباً مطاعاً، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام فأظهر دينه رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم، فلما أشرف على قومه(8)، وقد دعاهم إلى دينه - رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله -).

              ومن إيمانه ورضاه وقناعته بواجب الصدع بالرسالة مع تحمل دفع الثمن باهظاً إنه أجاب بجواب واضح اليقين حينما سألوه (وقيل لعروة: ما ترى في دمك؟ قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليّ، فليس فيّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن يرتحل عنكم)(9).

              هذا وكان من حسن الهيئة كالمسيح عيسى (وكان عروة يُشبَّه بالمسيح (عليه السلام) في صورته)(10) وكان من حسن العاقبة والمصير كما نسب للنبي (صلى الله عليه وآله) قوله: إن مثله في قومه مثل صاحب يس من قومه(11) دعا قومه إلى الله فقتلوه(12).

              فضلاً عن ذلك، قال النبي (صلى الله عليه وآله): (رأيت عيسى ابن مريم، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود)(13).

              يتجلى من ذلك أن هذا الصحابي الجليل كان أثيراً عند النبي (صلى الله عليه وآله)، وله في نفسه موقع ومكانة.. هذا وان التاريخ لم يورد عنه ما يسيء إليه أو يتهمه، فهو رجل نزيه السمعة صاحب مكانة وسامي الوقعة.. كما أنه شخصية عظيمة قياساً لشخصيات القبائل الأخرى. ولله مطلق العظمة.

              أسلم في السنة التاسعة من الهجرة - بعيد رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) من رحلته الرسالية إلى الطائف - وقتل عروة الثقفي أثناء إعلانه دينه ودعوته، وكان يتأهب لأداء فريضة الصلاة كما جاء في (نفس المهموم).

              أما كلمات الرسول (صلى الله عليه وآله) التي وردت بصدد عروة، فهي لعمرك من أروع أوسمة التقدير التي منحا الرسول القائد إلى جنده الدعاة الصامدين الصابرين أوسمة الشرف المذخور والفخر الخالد في الدنيا والآخرة.. وأهم وسام - بعد إعلان أنه شبيه النبي عيسى (عليه السلام) - هو أنه نظير النبي ياسين في قومه.

              ولا نعتقد أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) يشبهه بياسين لمجرد أنه دعا قومه فقتلوه كياسين (عليه السلام). وإنما لأنه رجل دعوة على بينة من دينه ورجل إيمان وتقى وإخلاص ويقين، ولأنه بلغ من شرف الإيمان ما منحه شرف الشهادة، ثم شرف الإشادة به على لسان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).

              ذلك هو والد السيدة ليلى، المجاهد الشهيد عروة بن مسعود الثقفي (رضوان الله عليه).

              وقد ترك في نفس ابنته ليلى آثار الهدى والإيمان والاستقامة على الدين الحنيف. وفي أي سن كانت الفتاة ليلى فإنها ولا شك قد أحست بفقد والدها الحبيب، وكلما نضجت وكبرت شعرت بأن أباها مضى ضحية قضية سماوية مقدسة، حتى بلغت اليقين بأنه صرع وقتل لا كمن صرع وقتل من العرب وأشراف القبائل، لقد راح والدها شهيداً وقرباناً لله من أجل رسالته، وليس قتيلاً أثناء صراع قبلي رخيص.

              وعليه فقد كانت أول نكبة أصابت قلبها، هي هذه الحادثة الشديدة الوقع على الفتيات اللواتي يصعب عليهن الاستغناء عن حنان الأبوة وصل الوالد المؤمن الشجاع. ثم توالت عليها النكبات - بعد أن أضحت ليلى أحد أعضاء هيئة نساء البيت المحمدي الكريم - إذ راحت تعيش أجواء بيت النبوة والرسالة صاحب القوة والأصالة، في مواصلة الصدع بمقدرات القرآن ومبادئ الإسلام، حتى ختمت ليلى حياتها وهي صابرة صامدة محتسبة قد تحملت ألوان الأسى والألم وقدمت لرسالة الإسلام ما أنجبت من صالحين وطاهرين.

              أي أن استشهاد والدها ليس مجرد أول نكبة، بل أول درس على ضرورة الصمود ووجوب الصبر لمواصلة العمل من قبل المؤمن والمؤمنة، البنت والزوجة، وأول تجربة للسيدة ليلى على تحمل شدة وطأة نتائج الدعوة ودفع ثمن العمل لدين الله سبحانه وتعالى.

              أجل تلك هي ليلى الثقفية والدة علي الأكبر، التي لم تستمد قيمتها من أمها ولم تستمد كرامتها ومنزلتها حتى من أبيها، وإنما استمدت رقيها من تقواها وانتمائها ثم انتسابها للأسرة المحمدية المقدسة، ولارتباطها الوشيج بشخص الإمام العظيم أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) وكفاها بذلك فخراً حينَ تفتخرُ.


              • نشأته وترعرعه

              ولد علي في بيت يتمتع بالحضور الكامل للإيمان والتقوى بيت رحب الفكر واسع المعرفة مزدحم بالصالحين والطاهرين والذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، الذين لا يفتأون يحرصون على صيانة مبادئ رسالتهم، ويتمسكون بحرفيتها، ويرفعون ألوية العقيدة عالياً.. بيت هو العقيدة بذاتها، الأمر الذي يفسر دعوة الله للناس كي يحبون ذلك البيت ويوادونه، ويحاربون من يكرهه ويعادون.. بيت عامر بكل ما يمت للإسلام بصلة وللحق والحقائق بروابط وعلائق.

              ومن شأن الوليد الذي يفتح عينيه في أجواء الصفاء لبيت الصفوة، وأوساط الشرف والسؤدد، وبيئة الخير والصلاح والهدى، من شأنه أن ينشأ على إفاضات ذلك البيت النبيل، وقبسات أهل ذلك البيت من الرجال الذين أنيطت بهم حراسة القضية الإسلامية، وصيانة الشرع الشريف، وحفظ الدين المحمدي الحنيف.

              نشأ وهو يرتشف لبن صدور المؤمنات التقيات، وقد تشرب بأخلص العواطف وصادق الحنان، وراح جسده ينمو وتنمو مشاعره السليمة وروحه الطاهرة، ونفسه السوية، أكل وشرب مما أنعم الله به حلالاً طيباً لا يأتيه الباطل والشبهة.. نشأ على أسمى معاني المؤمنين الأتقياء، ومزاحمهم الجميل معه.

              فمادته ومعنوياته من فيض حوض طاهر نقي، بمعنى أن جسده وروحه تنزها عن الشوائب المكدرة والأدران المقيتة.

              ترعرع علي الأكبر في تلك الأوساط النظيفة، حيث قضى سني حياة صباه يدرج بين صفوة الرجال وصفوة النساء، وخيرة الفتيان والصبيان، بين شخصيات جليلة القدر وشباب يسمون نحو الكمال والعز والإباء.

              نشأ وترعرع وهو ملء العين، فتخطى الزمن وتجاوز الأيام، مضى يقضي أياماً زاهرة وليالٍ مباركة، وأشهراً وسنيناً خالدات، متسلقاً الدهر، يعلو فوق هامة التاريخ شخصاً فريداً في مجمل خصوصياته، وشاباً خلاقاً في ربيع حياته، فرجلاً بطلاً يتفرد في مميزات جمة وجليلة سامية. إذ نال من التربية ما يصعب على الكثيرين حصوله ونيله، حتى أبناء الملوك والأمراء، أبناء الأكاسرة، والقياصرة، وما هو وجه الشبه حتى نذكر ونمثل بأبناء الملوك؟!


              • تربيته

              شب نحو العلى والكمال، فهو بمستوى تعاطي القيم والمثل والتربويات القيمة، والحق أن آل الرسول (صلى الله عليه وآله) مكيفون لذلك منذ الصغر بدءً من نعومة أظفارهم أي لا يشترط فيهم بلوغ سنٍ معينة ليكونوا على استعداد لأمر ما، كالتربية مثلاً التي تساير نشأتهم وترافق ترعرع صغارهم (الكبار).

              أخذ علي الأكبر من التربية الشيء الكثير - دون أن نستكثره (عليه سلام الله) عليه - وذلك من أعضاء الأسرة الرسالية سواءً الرجال أو النساء، وخصوصاً والده الإمام الحسين الذي يقع عليه عبء إعداده وتعبئته (إن صح قولنا عبء)، والحق أن ذلك لم يكن عبئاً بنظرتهم، أهل البيت، لأنه من أخص خصوصياتهم، فلا يصعب عليهم تكوين النموذج الحي في التربية.

              قد ندرك ببساطة عوامل بلوغ أحدهم مستوىً تربوياً عالياً جداً، وهي بعض عوامل تضلعهم العلم واضطلاعهم بالحكمة فضلاً عن التربية بالذات، وذلك عندما نأخذ بنظر الاعتبار وجود العناصر، أو توفر المقدمات الأساسية هذهِ سلفاً. وهي:

              1 - خلو الشخصية من الشوائب السلبية المعكرة والرافضة للإيجابيات والنافرة من الصفاء.

              2 - طهارة الروح، وصفاء النفس.

              3 - سلامة الضمير.. والتجاوب مع الوجدان.

              4 - نزاهة المشاعر، وسمو الأحاسيس.

              5 - التطلع للأفضل والتوق للأحسن.

              6 - السعي للاقتراب من الكمال وبلوغ مستوى المسؤوليات ومستوى حمل الرسالة.

              هذه كلها مجتمعة تشكل تُربة الأرض الخصبة لبذر بذور التربية وغرس أشجار التربية الراسخة الأصول، الضاربة الجذور.. الثابتة في الواقع طالما تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

              لقد كانوا - أهل البيت - يحرصون على تطبيق نظرياتهم التربوية الرحبة، ويشددون على ضبط الأساليب التهذيبية، ويخلصون في ممارستهم المنهجية من أجل إعداد الإنسان، إعداداً لا يقبلوه إن لم يكن معادلاً لمهامه ومعادلاً لواجباته ومخاطر مسؤولياته الموكل بها.

              إنهم لا يقلدون أحداً أو فئة في طرائق التربية، وإنما لهم عمقهم الفكري وبعد نظرتهم وإبداع أساليبهم، وممارساتهم المبتكرة، انهم يأخذون من الإسلام ما فيه من شذرات ليضيفوا إليها ليوضحوها ويفصلوها بتحويلها إلى فعل وعمل، إلى ترجمة حيوية صادقة، وذلك بجرها جراً إلى حيز التطبيق، لتدخل دائرة التجربة المؤكدة النجاح والحتمية العطاء..

              أضف إلى تلك الممارسات الجادة، امتلاكهم للخبرة الواسعة جداً وإدراكهم للمناهج الفاشلة في هذا المضمار.

              ثم إن خريج مدارسهم إنسان رفيع في التربية، عالٍ في العلم، علواً يؤهله وبجدارة لأن يكون هو بشخصه مربياً ومعلماً ينهج ويبدع في المنهج الإسلامي، بل يكون هو بالذات مدرسة مستقلة كفيلة باستيعاب المجتمع وتقديم العطاءات الإصلاحية له، لأن خريج مدارسهم مكيف لذلك جاهز له بحكم مضمونه ومحتواه (وكل إناء بالذي فيه ينضح).

              ولمن يريد الوقوف على مدارس التربية عند أهل البيت ومناهجهم الواعية، ولمن يريد التوفر على نظرياتهم الثرية، فما عليه إلا أن يراجع مذخوراتهم والثروة الكبيرة من التراث الذي خلفوه. سلام الله عليهم...

              إن خصوصيات مناهجهم التربوية قد انعكست على مواقفهم الصارمة الحاسمة، ففوق أنها سر كمالهم، فهي تفسر مواقفهم المبدئية وقراراتهم الخطيرة التي آلوا على ألا يفرطوا في جنبها.

              ونحن إذ نمجد، والمسلمون إذ يمجدون ذلك فيهم فليس من باب الزهو بهم، وإنما من باب التأثر والاقتداء بهم لندرك أسرار سيرتهم وأبعاد أعمالهم الصعبة وأمرهم المستصعب، الذي عجز الرجال عن تحمله لافتقارهم للرجولة ولأن رجولتهم الضعيفة تنقصها تربويات الإسلام وفق منهاجه التام.


              • الأكبر يشبه الرسول

              إن أخلاق صاحب الدعوة الإلهية التي خصه المهيمن سبحانه بها من دون العالم أجمع وامتاز فيها على الأنبياء والرسل واستكبرها المولى تعالى فوصفها بالعظمة إذ يقول فيها: (وإنك لعلى خلق عظيم)(14).

              لم ينص المؤرخون على مشابهة آل النبي (صلى الله عليه وآله) له في جميع الصفات إلا ولده الأكبر.

              يحدث السروي عن جابر الأنصاري إن فاطمة الزهراء تشبه أباها في المشية فإنها تميل على الجانب الأيمن مرة وعلى الأيسر أخرى(15).

              ورواية الصدوق تشهد بأن الحسن شابه جده في الهيبة والسؤدد والحسين في الجود والشجاعة(16).

              وأخرج الحاكم النيسابوري عن علي (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجعفر الطيّار أشبهت خَلقي وخُلقي(17).

              ويحدث الشيخ الجليل الشيخ فخر الدين الطريحي في المنتخب إن الحسين قال في حق الرضيع: اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد (صلى الله عليه وآله).

              وهذه الشواهد كلها لا تدل على مشابهة العترة الطاهرة للرسول في جميع الصفات الكريمة.

              لكن كلمة الحسين الذهبية في حق ولده الأكبر:

              اللهم إشهد إنه برز إليهم أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك وكنا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه(18).

              ترشدنا إلى أن فقيد بيت النبوة كان في وقته مرآة الجمال النبوي ومثال كماله الأسمى وأنموذجاً من منطقه البليغ الرائع حتى إن أباه (عليه السلام) إذا اشتاق إلى رؤية ذلك المحيا الأبهج الذي يقول فيه حسان مصرحاً بالحقيقة غير مبالغ:

              وأحســن مـنـك لـم تـر قـط عـيـني وأجمل مـنـك لـم تـلـد الـنــسـاء

              خـلـقـت مـبـرءاً عـن كــــل عــيـب كـأنـك قـد خـلـقـت كـمـا تـشـاء

              عطف نظره إليه، أو أراد سماع ذلك الصوت المبهج الذي ترك نغمات داود خاضعة للطفه أصاخ إلى قيله، أو راقه تجديد العهد بتلكم الخلائق الكريمة التي مدحها الله تعالى بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) توجه بكله إليه.

              وأنت تعلم أن جامع هذا الخلق الممدوح يشمل ما كان يتحلى به رسول الله من ورع وإخلاص وشجاعة وكرم وحلم وبشاشة في العشرة ودماثة في الخلق ولين الجانب وخشونة في ذات الله وتجنب عن الدنايا والرذائل سواء في ذلك ما حضرته الشريعة أو زجرت عنه الإنسانية الكاملة إلى غيرها مما حق له أن يعد عظيماً عند الله تعالى.

              إن الآثار وإن أفادت مشابهة أفذاذ من البشر لشخصية الرسالة لكن (الأكبر) هو المثل الأعلى لتلك الذات القدسية الكاملة المعصومة عن كل خطأ المنزهة عن أي عيب المحلاة بالجمال القدسي الإلهي فلا يعدوه أن يكون معصوماً كالذوات الطاهرة من الأئمة المعصومين وإن احتاج إلى إمام يركن.

              وليس ببعيد من فضل الباري جل شأنه أن يوجد ذاتاً كاملة منزهة عن كل عيب مبرأة عن أي شين وعار وإن كلمة سيد الشهداء تلفتنا إلى تحقق تلك الشخصية القدسية بما حوته من فضائل ومحامد في ولده علي الأكبر (عليه السلام).

              أضف إلى ذلك ما جاء في زيارته المخصوصة في أول رجب من قول الإمام (عليه السلام).

              كما منَّ عليك من قبل وجعلك من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

              وإذهاب الرجس معنى العصمة فهي متحققة فيه وإن لم تكن واجبة كوجوبها في الإمام المطلق الحجة على الخلق.


              • فضله

              لقد كان علي الأكبر (سلام الله عليه) إبان شبابه تطفح عليه لوائح العظمة وتلوح على أساريره أنواح الفضيلة ويتدفق من جوانبه الكرم النبوي فكان على شرفه الباذخ ومجده الأثيل وخطره التليد الطارف متلفعاً بكل خصال الخير يرفل على باحة المنعة بأبراد المناقب القشيبة وحلل المآثر الساطعة من معروف طافح ونائل متدفق وضرائب حميدة كاثرت النجوم فكثرتها وطاولت الجبال فبذتها وكان فذ وقته في جميع الفضائل آخذاً بأعضاء الشرف والسؤدد وإن الواصف مهما تشدق لينحسر بيانه عن بلوغ غاية فضله ولم يجد المخالف إلا البخوع له ومما يرشدنا إلى ظهور الفضائل وزهو المآثر عن علي الأكبر في عصره قول مادحه:

              لـم تـــر عـيـن نـظـرت مـــثـــــلــه مــن محتـف يـمشي ومن ناعل

              يـغــلي نـهــيء الـلـحــم حـتـــى إذا أُنـضج لم يغل على الأكل(19)

              كــــان إذا شــــــــــبــت لــه نــاره أوقــدهــا بالـشرف القابل(20)

              كـيـمـا يــــراهـــا بائـس مـــرمــــل أو فـرد حــي لـيــس بــالآهــل

              لا يــؤثـــــر الـدنـيـا عـلــى ديــنـــه ولا يـــبـيـع الــــحــق بالباطــل

              أعني ابن ليلى ذا الـسدي والـندى أعني ابن بنت الحسب الفاضل(21)

              وهذه الصفات التي نضدها الشاعر في مسلكه الذهني لم تجر مجرى المبالغة في القول أو الخيال الشعري وإنما هي حقائق راهنة كيف لا وقد تفرع (الأكبر) من الدوحة النبوية وكان غصناً من أغصان الخلافة الإلهية وإن الفضائل والفواضل بأسرها موروثة له من سلفه الطاهر الهاشمي.

              ومما يشهد له أن معاوية مع ما عليه من المباينة مع الهاشميين لم يسعه إلا الاعتراف أمام قومه باجتماع الفضائل في (علي الأكبر) وأنه جدير بالخلافة وقابل للزعامة الدينية يوم قال من حضر عنده من أهل الشام وغيرهم:

              من أحق بهذا الأمر:

              قالوا: أنت.

              فقال معاوية: لا أولى الناس بهذا الأمر عليّ بن الحسين بن علي جدّه رسول الله وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني أمية وزهو ثقيف(22).

              نحن لا نشك في أن الأكبر كان جامعاً للفضائل وحائزاً لما هو أربى وأرقى منها وهو العصمة عن المآثم ومنافيات الأخلاق والمروءة ولا يأتي بما يخالف الأولى كيف لا وقد جمع الخلق المحمدي بأتمّ معانيه وحتى عن الدنس من الآثام بشهادة أبيه الواقف على نفسيات الرجال وكما شهد نص الزيارة المتلوة عند قبره في أول رجب والتي علمها الصادق (عليه السلام) أبا حمزة الثمالي(23).

              وهذه الكلمة الصادرة من معاوية ترشدنا إلى أن علياً الأكبر يومئذ معروف عند هل الشام وغيرهم بأنه الجامع للقداسة الإلهية ومحاسن الأخلاق بأجلى مظاهرها وإلا فلا يعقل أن يشير معاوية بأهلية الخلافة إلى رجل غير مرموق عند الناس من جميع الفضائل.

              كما أن معاوية لم يشك في أن هاتيك الفضائل موروثة له من سلفه الطاهر فحسب ولكنه تغافل عن ذلك حتى شرك معهم غيرهم لمغازي تختلج في صدره.

              أولاً: أراد أن يزحزح الخلافة عن أبيه الحسين المنصوص عليه من جده النبي (صلى الله عليه وآله) وأبيه الوصي (عليه السلام) بإيجاد شخص من هذا البيت يكون مرجع الأمة في النوائب وغياثها المرتجى وفصل القضاء وتبياناً للمشكلات.

              وثانياً: أراد تخفيف وطأة المنازع في خلافته بحصر شرائط الخلافة في هذه الأمور الثلاثة دون غيرها لفقده أهم ما يشترط في الخليفة على المسلمين من العلم والعصمة والنص.

              ثالثاً: أراد إثبات فضيلة في قومه غير أن البرهنة تعوزه فشرك معه من لا يدافع في فضله وهم الهاشميون وثقيف وأنت على ثقة من خلو البيت الأموي من كل فضيلة ومكرمة منذ نشأة جدهم عبد شمس الذي كفله أخوه هاشم وقد كان مملقاً لا مال له وأمية الذي استعبده عبد المطلب عشر سنين وذلك لما تراهنا على فرسين وجعلا الخطر لمن سبقت فرسه مئة من الإبل وعشرة عبيد وعشر إماء واستعباد سنة وجز الناصية.

              فسبق فرس عبد المطلب فأخذ الخطر وقسمه في قريش وأراد جز ناصيته فافتدى ذلك باستعباد عشر سنين فكان أمية يعد في حشم عبد المطلب هذه المدة.

              وأما حرب بن أمية جد معاوية فأجاره عبد المطلب من ابنه الزبير وكفأ عليه إناء هاشم الذ يهشم فيه الثريد(24) وكان أبو سفيان شحيحاً بخيلاً لا ينفق على زوجته هند فألجأها ذلك إلى السرقة من ماله لتنفق على فنسها وولدها.

              فأنّى يقاسون هؤلاء بهاشم مطعم الحاج وساقيهم وكانت مائدته منصوبة لا ترفع في السرّاء والضرّاء وهو أول من سن لقريش الرحلتين إلى اليمن والشام وأخذ لهم من ملوك الروم وغسان ما يعتصمون به(25).

              وقد كانت تجارة قريش لا تعدو نفس مكة وضواحيها وإنما تقدم عليهم الأعاجم بالسلع فيشترونها حتى رحل هاشم إلى الشام ونزل على قيصر فأعجبه حسن خلقه وجمال هيئته وكرمه فلم يحجبه وأذن له بالقدوم عليه بالتجارة وكتب أماناً بينهم فارتقت منزلة هاشم بين الناس وسافر في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام واشترك في تجارته رؤساء القبائل من العرب ومن ملوك اليمن والشام وجعل له معهم ربحاً وساق لهم إبلاً مع إبله وكفاهم مؤنة الأسفار على أن يكفوه أذى الأعداء في طريقه إليهم ومنصرفه فكان في ذلك صلاح عام للفريقين وكان المقيم رابحاً والمسافر محفوظاً فأخصبت قريش بذلك وأتاها الخير من البلاد العالية والسافلة ببركة هاشم وهذا هو الإيلاف المذكور في القرآن المجيد(26).

              (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف)(27).

              وأما عبد المطلب فكان يدعى شيبة الحمد لكثرة حمد الناس له لكونه مفزع قريش في النوائب وملجأهم في الأمور فكان شريف قومه وسيدهم كمالاً ورفعة غير مدافع وهو من حلماء قريش وحكمائهم وقد سن لهم أشياء أمضاها له الإسلام.

              فإنه حرم نساء الآباء على الأنباء، ووجد كنزاً أخرج خمسه وتصدق به، وسن في القتل مئة من الإبل، ولم يكن للطواف عند قريش عدد فسنه سبعة أشواط، وقطع يد السارق، وحرم الخمر والزنا، وأن لا يطوف بالبيت عريان، ولا يستقسم بالأزلام، ولا يؤكل ما ذبح على النصب(28).

              وقيل له الفياض لجوده وكثرة نائله حتى ان مائدته يأكل منها الراكب ثم ترفع إلى جبل أبي قبيس لتأكل منها الطيور والوحوش(29).

              ولمنعته وشرفه كان يفرش له بإزاء الكعبة ولم يفرش لأي أحد من قريش ولا يجالسه على بساط الأبهة والعظمة إلا نبيّ الرحمة(30).

              وكان وصياً من الأوصياء وقارئاً للكتب السماوية ولم يزل يلهج في محافل قريش بظهور نبيّ من صلبه ثم يوصي ولده وقومه بالإيمان به واتباع أمره(31).

              وأما أبو طالب سيد البطحاء وموئل قريش وزعيمهم المقدم بعد أبيه لا يفات رأيه ومن غريب أمره ان قريشاً لما أبصرت العجائب ليلة ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) جاؤوا بالآلهة إلى جبل أبي قبيس يتضرعون إليها ليسكن ما حل بهم فارتج الجبل وسقطت الأصنام فازداد تحيرهم وفزعوا إلى أبي طالب لأنه كأبيه عصمة المستجير وسألوه عن ذلك فرفع يديه مبتهلاً إلى الله سبحانه يقول:

              (إلهي أسألك بالمحمدية المحمودة والعلوية العالية والفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة).

              فسكن ما حل بهم ببركات هذه الأسماء الطيبة الكريمة على الله تعالى وعرفت قريش فضل هذه الأسماء قبل ظهورها فكانت العرب تكتب هذه الأسماء وتدعوا بها في المهمات فيكشف الله تعالى عنها ضراءها ولم تكن تعرف حقيقتها(32).

              وما عسى أن يقول القائل فيمن هو أشرف الخليقة وعلة الكائنات المتكون من النور الإلهي القدسي: نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وأعطف عليه في الفضائل كلها وصيه المقدم الذي هو منه بمنزلة هارون من موسى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ثم ريحانته سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

              فعلي الأكبر هو المتفرع من هذه الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء والوارث لهذه المآثر النيرة والحائز على جمال النبوة وأُبهة الخلافة الإلهية.

              ورث الصــفــات الـغــر فهي تراثه عــن كل غطريف وشهم أصيد

              في بأس حـــمزة في شجاعة حيدر بأبي الحسين وفي مهابة أحمد

              وتـراه في خـلق وطـيـب خـلائــــق وبـلـيـغ نـطـق كـالـنـبـي مــحمد


              • في مسيرة الركب التاريخية

              انطلق الركب الحسيني بمسيرته التاريخية من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة، البلد الأمين، دار السلام والاطمئنان، وبعدما أضحت مكة غير ذات أمان مهتوكة الحرمة، ولأسباب متظافرة اتجهت المسيرة العملاقة نحو الشمال إلى العراق حيث إقليم الكوفة فكربلاء.

              وأخذ الكرب يلف الصحراء ويطوي البيداء، ويعبر ويصعد الهضاب ويقطع السهول متجاوزاً التلال والمرتفعات. يحث خطى السير لا يلوي على شيء. قد حملت الجمال معدات السفر والعتاد، ومحامل النساء. فيما امتطى الفرسان صهوات جيادهم.

              وقد لحقهم مئات من الرجال النفعيين الذين ظنوا باقبال الدنيا على الحسين (عليه السلام)، وقد أدرك الإمام دوافعهم فسلك معهم عدة أساليب لإرجاعهم وإبعادهم عن جهاده النقي، وللإبقاء على صفوة الرجال وخلاصة الرساليين الأبطال، ممن لا منفعة دنيوية تحدوهم ولا مصلحة شخصية تدعوهم، إلا إعلاء كلمة الله بإظهار الحق ودمغ الباطل.

              مرَ الركب بعدة مناطق في الطريق، كمنطقة الصفاح، وزرود والخزيمية. ومنطقة الثعلبية... .

              وهنا في هذه المنطقة بالذات حيث بلغها الركب في المساء، وعليّ الأكبر يسير معهم ليلاً نهاراً، يسير كلما ساروا ويقف كلما وقفوا، ويحث جواده كلما حثوا الجياد.. حتى بلغ منهم النصب وأخذهم التعب، وفي ذلك المساء بتلك المنطقة غفى الإمام الحسين، وأخذه الكرى، فرأى في نومه المؤقت رؤيا أزالت عنه الكرى، وفتح عينيه على أثرها، وأخذ يسترجع (إنا لله وإنا إليه راجعون)(33) وهذه عبارة عن تعقيب على مضمون الرؤيا ومعناها.

              فانتبه نجله علي الأكبر الذي كان يسير على مقربة منه فالتفت حالما سمعه، ليستفسر من والده العظيم عما دعاه للاسترجاع، فأجابه الأب القائد.

              (رأيت فارساً وقف عليّ، وهو يقول: أنتم تسيرون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة، فعلمت أن أنفسنا قد نعيت إلينا) وفي رواية لا توجد عبارة (... إلى الجنة).

              فبادر ولده علي قائلاً بصرامة المؤمن القوي (يا أبة أفلسنا على الحق؟) قال إمام الحق: (بلى يا بني، والذي إليه مرجع العباد).

              فرد علي بكلمة نابعة من العزة والإباء: (يا أبه إذن لا نبالي بالموت) وفي الأعيان أنه قال: (فإننا إذن لا نبالي أن نموت محقين) فعقب والده الإمام بكلمة التقدير العالية الرفيعة، التي جاءت بصيغة الدعاء، وأي دعاء من أب لوالده، أم أي كلمة هذه التي ينطق بها الإمام الحسين شخصياً لولده عليّ الأكبر بالذات... (جزاك الله يا بني عني خير ما جزى به ولداً عن والده)(34).. وهكذا هي تحية الإجلال لموقف الصلابة الشجاع. أكرم بهذه الأبوة وتلك البنوة، الممتدان من أصول الأنبياء وخاتم النبوة.

              لقد تحدى كل العقبات والمعوقات التي تحول دون تحقيق أهداف الحق، فطالما نحن على حق ينبغي أن لا نهاب الموت، الموت الذي حتى لو أيقنا قربه ودنوه منه، الموت المؤكد في الموقف المعين بالذات، الموت على الإيمان واليقين.. واليقين من أسماء الموت (أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله حتى أتاك اليقين).

              فلابد من نصب الموت أمام الأعين في السلم والحرب، ولابد للؤمن من حمل الكفن إن لم يحمل معه خشبة الصَلْب. فلا يقولن أحد أن منيته وأجله في غير هذه الحادثة الجهادية أو هذه الحرب، لأن ذلك معناه سابق نية على التهرب والإنسلال وعدم الرغبة في تمام التحرير وكامل الاستقلال.

              إن هذه الرواية وحديث علي مع أبيه لابد أن نستفيد منه ولنتعرف على حقيقة شخصية علي من خلاله. (وفي الحديث من الدلالة على جلالة علي بن الحسين الأكبر، وحسن بصيرته، وشجاعته ورباطة جأشه، وشدة معرفته بالله تعالى، ما لا يخفى)(35).

              لقد كان حواراً جهادياً عظيماً، يذكرنا بحوار نبي الله إبراهيم مع نجله النبي إسماعيل. فحينما قص إبراهيم الرؤيا، (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك)، أجابه ابنه إسماعيل بقوله: (يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين).

              فثمة تشابه من حيث الغرض وهو الفداء والتضحية غير أن ثمة فوارق. فجواب إسماعيل كان مفروضاً عليه بحكم طبيعة الرؤيا فهو مطالب بالرد المناسب ومطلوب للتضحية بذاتِه دون سواه. بينما لم يكن مفروضاً على علي الأكبر أن يجيب وليس الرد مطلوباً منه، ولم يك مطلوباً للتضحية بذاته ولوحده، وكان بمقدوره أن لا يجيب على ما ذكره أبيه من رؤيا.. لكنه أجاب بنبرات الصارم وعزيمة الصابر الصامد الذي لا يلين.

              ولا نريد أن نعقد مقارنة بين الحوارين، فلا تفاضل بين النجلين الطاهرين، بحصول الفرق بين الموقفين وطبيعة القضيتين.

              وبعد فقد تقدم إسماعيل صابراً، ليقدمه والده قرباناً ويبقى هو - والده - حياً، ثم غير الله سبحانه قضاءه إذ بدى له أن ينزل كبشاً كبديل (ففدينا بكبش عظيم) فنجا إسماعيل من مذبحة كادت تنهيه.

              بينما تقدم علي الأكبر مع والده وكوكبة الرجال والشبان صفوة الأمة المسلمة، تقدم بأقدام ثابتة وخطوات لا تثنيها أي قوة مضادة إلى حيث مذبحه الذي ذبح عليه وقطع تقطيعاً هو ومن سبقه، بمرأى والده، بل مضى حتى والده قرباناً وضحية، أجل ذلك بحكم اختلاف القضية، ويا لها من قضية عظيمة لا كبش - مهما كان عظيماً - يعوضها أو يعادلها.

              أجل سار علي وواصل مع الركب المجيد، سار والحق يحدوه، وأمامه نصبت صخرة الذبح من أجل أقدس قضية حَتَمَتْ أرقى فداء وتفانٍ وتضحية.

              تعليق


              • #22
                علي يرابط في كربلاء مع المرابطين:

                حتى إذا وصل الركب في مسيرته، ربى الطف، وتلاع شاطئ الفرات، وقف الإمام الحسين ليتعرف على اسم المنطقة وما هي إلا برهة زمنية حتى أعلن بأنها موعده ومستودعه ومنازل الأبطال ومقابر الشهداء.

                ها هنا والله مناخ ركابنا.. وها هنا قَتل رجالنا.. حتى قال: وها هنا تزار قبورنا. بهذه التربة وعدني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا خلف.

                فنزلها الرجال والشباب، وقد انطلق الصبيان يلعبون ويرتعون، بينما أخذ الرجال يبنون البيوت وينصبون الفساطيط والخيام، فبانت أطناب الخيام وظهرت مواقعها بأهلها المرابطين على الحق.. ورابط علي الأكبر في بطحاء كربلاء، منذ اليوم الثاني حتى العاشر من شهر محرم.

                أما الجيش المعادي الذي يرابط على شط الفرات فقد أخذ يتكاثر كل ضحى وكل يوم حتى كملت عدته يوم تاسوعاء، إذ كانت الكتائب تتوافد لترابط قبالة الجبهة الحسينية. ولكثرتها تسنى لها تنفيذ أوامر منع الماء الصادرة من ابن زياد، حيث ضربوا على نهر الفرات حصاراً يحول دون بلوغ ضفافه أي ضام عطشان.

                وظل علي في انتظار دوره وأداء مهامه، فهو يترقب بدء القتال مع الأعداء، وبدء دوره خصوصاً، إذ كان في رأيه أن يكون هو أول قتيل وشهيد. لقد وقف إلى جانب ثلة الهاشميين تحت لواء عمه العملاق، العباس بن علي (عليهما السلام). ليطالب بأن يكونوا هم - بنو هاشم - أول من يبرز للميدان.

                بيد أن عصبة الأنصار ترى أنها هي الأول دخولاً للميدان وقد تجمعوا تحت لواء المجاهد حبيب بن مظاهر الأسدي وهم يطالبون بسبق الهاشميين للجهاد والقتل.

                وتدور بين الطرفين مباراة كلامية.. ويستمر تنافس الجناحين على الظفر بالأولوية لخوض غمار الحرب العادلة. ولا أحد يرضى بأن يكون ثانياً، كل يؤثر نفسه على الموت قبل غيره، وبطبيعة الحال فإن علياً كان أكثر عزماً وأشد رغبة في إحراز تلك الأسبقية والأولوية، فهو من جناح الهاشميين الذي يقول بضرورة تَقَدُم بني هاشم لأنهم حَمَلة الرسالة وثقل الحديد لا يحمله إلا أهله.

                وأخيراً إحتكم الجناحان إلى الإمام الحسين (ع) فحكم الإمام القائد للأنصار بالسبق لدخول الساحة.

                وظل الهاشميون في ترقب لدورهم.

                وظل علي الأكبر خصوصاً أشد شوقاً لساعته ولحظات سعادته.

                على مصارع الأنصار - ومصرع الحر الرياحي: -

                حمى الوطيس واحتدم الصراع، إذ دارت رحى حرب ضروس، جالت خلالها الخيل واشتد اشتباك الأسنة، واختلاف السيوف، فما انجلت الغبرة إلا عن جمع من القتلى.. كانت تلك هي الحملة الأولى في صبيحة عاشوراء، التي اشترك فيها الجميع وتمخضت عن قتل عشرات ومئات الأمويين، كما أسفرت عن خمسين قتيل شهيد من رجالات الإسلام الحسينيين (عليهم سلام الله ورضوانه).

                ثم آب كل إلى موقعه. وبدأت عصبة الأنصار - أي ممن تبقى منهم - يستأذنون الإمام الحسين للجهاد مثنى وفراداً، وهو يأذن لهم - وكان عاشوراء يوماً مشهوداً حيث صعدوا مسرح الجهاد والاستشهاد وهم لا يلوون على شيء، ولا يفكرون بشيء سوى الفداء والفناء من أجل مجد الإسلام والبقاء الرسالي.

                ظل علي يرمق ببصره البعيد أطراف الميدان.

                مُكبراً تفاني الأنصار البواسل الشجعان.

                فقد كان قوي العزيمة، لا تخونه إرادته ولا تلين عزيمته أو تضعف شكيمته، قوي البأس ثابت الجنان. صَلب صامد على مصارع عصبة الأنصار، حتى إنه شهد مصارعهم وكان يرثيهم ويؤبنهم مشتاقاً لما آلوا إليه - كما وقف على جسد أحدهم وهو يرثيه بأبيات نفيسة.

                إذ أشرف علي الأكبر على جسد البطل المجاهد الحر بن يزيد الرياحي، وقد سبقه والده الحسين الذي أبَنَه بقوله:

                (بخ بخ لك يا حر، أنت الحر كما سمتك أمك وأنت الحر في الدنيا والآخرة). أو (سعيد في الآخرة).

                فعقب علي الأكبر قائلاً:

                لـنـعــم الــحرّ حـرّ بـنـــي ريــــــاح صــبـور عـنــد مشتبك الرماح

                ونـعـــم الــحــر إذ نــادى حــــسيناً فجاد بنفسه عند الصباح(36)

                إنه يقرر بأبياته أن للحر صبراً، فيقرر أن له إيماناً قوياً بحيث أنه تحمل المخاطر، وصبر - لكي ينجز مهمته - رغم اشتداد اشتباك الأسنة والسيوف وكل الأسلحة. (صبور عند مشتبك الرماح).

                كما ويقرر أنه قدم أغلى ما لديه، وسخى بما عنده وجاد بما يملك من ثمين ونفيس وهل أثمن من النفس والحياة (فجاد بنفسه عند الصباح) والحق أن (الجود بالنفس أقصى غاية الجود)

                فضلاً عما نلمسه من إكبار وافتخار بمن هو نعم الرجل، نعم الشخصية الفاضلة، ونعم الحر، بحيث أبى التقيد بالذل والارتهان بالعبودية، ورنا إلى نعماء العز والحرية، دونما خوف من دفع الضريبة الباهضة لتلك النعمة.. وهي ضريبة الدم والروح.. وكذا تكون سجية الأبطال.

                وبقي علي الأكبر يرقب الميدان عن كثب: معرباً عن روعة صمود الصابرين المجاهدين، ومكبراً جهادهم. متشوقاً إلى دوره ونزوله للساحة. بعد أن مضى من مضى وبقي من بقي.

                (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه * فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر * وما بدلوا تبديلا).

                صد الله العلي العظيم


                • السبق للجهاد

                المبادرة الفورية:

                لقد أدى الأنصار أدوارهم على أحسن ما يرام، فمضوا إلى حيث نعم الله ورضوان ربهم وجنان وعدهم إياها، إنه لا يخلف الميعاد.

                ولم يدع علي واحداً يسبقه، بعد إذ إنفرد الإمام وأهل بيته، فكانوا البقية الباقية من الشجرة المحمدية. الوحيدون على وجه الأرض، من آل الرسول الأعظم (ص) فطفق بعضهم يودع بعضاً. ومال أحدهم على الآخر يعانقه بحرارة وشوق.. وصف المؤرخون ذلك المشهد الرهيب واتفقوا على هذا المعنى:

                (لما قتل أصحاب الحسين (عليه السلام) ولم يبق معه إلا أهل بيته خاصة، وهم ولد علي بن أبي طالب (عليه السلام) وولد جعفر وولد عقيل، اجتمعوا يودع بعضهم بعضاً، وعزموا على الحرب، فتقدم علي بن الحسين (عليه السلام)، وكان من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خَلقاً، وخُلقاً).

                أما وداع علي لأهله من النساء كأمهِ وأخواته وعماتهِ لاسيما عمته الحوراء زينب (عليها السلام)، فقد حفل بالآلام والأشجان. فقد آن فراق ذكرى المصطفى (صلى الله عليه وآله) هكذا شعرن وأحست كل منهن.

                ظهر علي بأنه شديد الحرص على السبق للساحة وعلى أن يكون أول ضحية وقرباناً لله سبحانه وتعالى(37). وهذه الظاهرة تحتاج إلى وقفة.

                فلاشك أن المسؤوليات الجسام لا تناط إلا بأهلها، وخليق بهم تحمل عبئها وما يترتب عليها من مضاعفات، لأنهم سدنة الرسالة، وحراس المبادئ ذات الأصالة. فهم لا يختارون التأخير عن دورهم، الأمر الذي يفسر حالات التنافس بين الهاشميين والأنصار، وعمليات الرهان على الأسبقية، كما أشرنا حيث حسم الإمام ذلك الموقف لرغبة الأنصار المجاهدين على رضى منه.

                أما وإن علياً يسبق أخوته من الهاشميين. فذلك ما يفسره نفس المعنى، فنظراً لكونه نجل الإمام القائد المتحدر من صلبه الشامخ، فهو يشعر بخصوصيته، لا لكي يسلم وينعم، بل لكي يبادر ويعمل ويضحي فيكون المثل الأعلى.

                وليس هذا من باب المفاضلة والمكابرة، بقدر ما هو من باب الإيثار، فخليق به أن يتقدم على الجميع مؤثراً سلامتهم وعدم نظرهِ لجراحهم أو مواقع مصارعهم.

                ولما كانت القضية قضية الإسلام الحسينية، فلا يحسن به أن ينتظر إلى آخر شوط وآخر دور، فهو نجل القائد، ومن باب أولى أن يكون هو المتقدم.

                وهكذا تتجلى علو التربية ورفعة التوجيه وسمو الآداب وجلال التهذيب المتوفر في شخص علي الأكبر. فما كانت تربية أهل البيت تنص على معنىً يخالفه عملهم، ليس فيهم قوالاً غير فعال. وإنما جبلوا على ممارسة تطبيقات مقررات الرسالة والدين الحنيف وحتى الآداب والمثل البسيطة والمفاهيم الخلقية العملية.


                الاستئذان للنزال:

                إتجه نحو أبيه الإمام، فاتخذ له موقفاً أمامه، وظل صامتاً مطرقاً برأسه، نظر إليه والده الحسين فأدرك ما يريد، فكل ما ظهر عليه من لامة حربه ومدرعته وإسراجه لفرسه يدل على عزمه للمضي على ما مضى عليه من سبقوه، يدل على لهفته لمباشرة الجهاد المسلح.

                وراح الحسين ينظر إليه بنظرت ملؤها الرفق والحنان والإشفاق، أخذ يطيل النظر إليه، فاتخذت عواطف الأبوة الطاهرة مستقرها بين جوانح الأب العظيم.

                دار التفاهم على صعيد الصمت.. وتم تبادل البيان من خلال مؤشرات موقف الأشجان. ولم يكن الفراق عجيباً ولا غريباً، إذ (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة). (لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه فيوفينا أجور الصابرين) كما في خطابه التاريخي بمكة.

                ترى هل عز على الحسين فراق حبيبه وريحانته وذكرى رسول الله؟ هل يا ترى يمنعه عن التسرع أو يؤجل دوره إلى حين؟ نعم عز عليه ولكنه لا يمنعه أو يؤجل جهاده.

                عز عليه عزاً لا حد له، بيد أن الحسين يسيطر عليه أمر أكبر وأخطر، ذلك هو عز القضية التي من أجلها نهض بنهضته وصدع بمبدأ الجهاد. فبعز رسالته هان عليه عز الأحبة وآلام الوحدة والغربة. فالموقف شجي ومحرج لكنه في غاية التحرج في قضية الدين بحيث هونت عليه فقد الحياة وحراجة تقديم البنين.

                وأخذت الآهات مأخذها في داخل صدره، وراح ينظر إليه. إلى أشبه من وطئ الحصى بجدهِ النبي المصطفى.

                واغرورقت عيناه بالدموع. وطفق إليه ليضمه ليحتضنه ويلثمه. وقف الشباب الهاشمي أمام المشهد الحزين، وقد دام العناق طويلا. فماذا تتصور عن عناق صدق الأشواق. عناق لحظات الفراق.

                أجل إنها آخر فرصة لتبادل القبلات المنغصة.

                وفهم علي الأكبر، وأدرك من تلك الإجراءات الأبوية أنه لا مانع من خوض غمار الحرب الرسالية فوراً، فمال إلى جواده الذي أعده وأسرجه فامتطى صهوته واتجه نحو تأكيد الحقائق، وراح عيون الهاشميين ترمقه بحب عظيم وإشفاق كبير، فكيف بأبيه الحسين الذي أخذت عينيه ترافقه، واستمر يلاحقه بنظراته وتابعه بقلبه البصير الذي يخفق على النهاية والمصير، لهذا الفتى المحمدي، لقد وجدناه يحول طرفه ليرمق السماء وليناجي ربه، رافعاً شيبته الشريفة وقد أرخى عينيه لتسيل الدموع كل مسيل:

                (اللهم أشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولِك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه.

                اللهم فامنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي الولاة عنهم أبدا، فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا)(38).

                في تلك الأثناء كان علي (سلام الله عليه)، يبتعد رويداً رويداً متجهاً نحو الحشود البشرية المتراكمة كالغنم النائمة وقد وبخ الإمام، قائد الأعداء، عمر بن سعد بن أبي وقاص، وتوعده مؤكداً له استحالة حصوله على نيل مصالحه من قتال عترة الرسول وإبادتهم وقطع رحمهم، فصاح به.

                (ما لَك! قطع الله رحمك ولا بارك الله لك في أمرك، وسلط الله عليك من يذبحك بعدي على فراشك، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من محمد رسول الله)(39).

                ثم حول طرفه إلى ولده الذي دنا من الجيش الهجين وأخذ ينظر إليه، وقد رفع الإمام صوته وهو يتسلى بتلاوة قول الله تبارك وتعالى(40):

                (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).

                سمع الجميع تلاوة الإمام الحسين (سلام الله عليه)، سمعوا حقيقة كون علي الأكبر ممن اصطفاه الله سبحانه، وارتضاه، وانه ماضٍ إلى حيث أداء حق الاصطفاء وحق المسؤوليات في ظل العز والإباء.


                محاولة أموية لاستمالته:

                ساد في العصر الجاهلي البائد صراع وخراب أدى إلى سفك الدماء وإراقتها دونما حساب، وذلك بفعل الروح العشائرية والعصبية القبلية، وقد اشترك في تلك الحروب والمعارك أفراد وجماعات قد لا ناقة لهم فيها ولا جمل - كما يقول المثل -.

                فلا يتأخرون عن إشعال نار معركة لأدنى سبب تافه وصلة قربى رخيصة، ولربما كانت صلة مصطنعة وهمية أو مجرد استلحاق لا غير. ويكفينا أن نتذكر أدوار زياد بن أبيه ومهامه الإجرامية الشنيعة عقيب استلحاق معاوية له بأبيه صخر بن حرب (أبا سفيان) إذ أضحى زياد بن أبي سفيان، وصار أبا سفيان والد زياد بالإستعارة، فكان عليه أن يؤدي حق النسب والرحم، وقل حق الاستلحاق، والرابطة الوهمية. وقد جرت على الأمة ويلات ومآسي نتيجة لوهم النسب هذا ونتيجة لتمكين معاوية لزياد من رقاب المؤمنين.

                فالمعاني الجاهلية التي عادت لتسود في زمن بني أمية كان لها الأثر البالغ في صنع كثير من الأحداث وفي حرب أهل الحق وآل الرسول.. ويحدث أحياناً إستمالة بعض العناصر من طرف ما إلى طرف آخر من هذا المنطلق ووفق منطق الصراع القبلي. فما أن يُلاحظ وجود عناصر أو عنصر واحد له صلة رحمية حتى يعرضوا عليه منطق حمية الجاهلية. وقد أشرنا إلى أن جدة علي الأكبر لامهِ، وهي ميمونة من بني أمية.

                (ولهذا دعاه أهل الشام - حسب قول البخاري - إلى الأمان، وقالوا: إن لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد بن معاوية، يريدون رحم ميمونة بنت أبي سفيان)(41).

                وهذا ما أشار إليه الزبيري، ولم يقل أهل الشام أو أن القائل هو شامي وإنما عراقي.

                (وكان رجل من أهل العراق دعا علي بن الحسين الأكبر إلى الأمان، وقال له: إن لك قرابة بأمير المؤمنين يعني يزيد بن معاوية، ونريد أن نرعى هذا الرحم! فإن شئت أمناك)(42).

                وثمة شيء آخر وهو أن قائد الجيش، عمر بن سعد بن أبي وقاص من أم أموية وهي أخت ميمونة أي من بنات أبي سفيان(43).

                فللنسب والرحم سلطان على نفوس الناس، يسوقهم حيثما اشتهى من بيده زمام اللعبة، كسلطان الطائفية اليوم في السياسة الدولية المعاصرة، حيث إن السُني أو الشيعي، ثم المسيحي أو اليهودي، أو من له أدنى رابطة بأي من تلك الطوائف يمكن أن يُسخر ويستغل ويستخدم، وهو ما نلاحظه ونلمسه لمس اليد.

                ولأن سلطان العصبية مستحوذ على الأمويين، وأذنابهم من الشاميين والعراقيين، ولأن سطوة القبلية مهيمنة عليهم، برزت أطروحة حمية الجاهلية بلا حياء ولا خجل وعُرضت على علي الأكبر ظناً منهم بجدواها، وقد كانوا من البلادة والغباء بحيث قارنوا أفذاذ الأمة كعلي الأكبر بأنفسهم هم شذاذ الآفاق ونبذة الكتاب، ونسوا أن علياً ونظائره لا يستجيبون لتلك الدعوات حتى وإن بلغ السيل الزبى.

                فما موقف علي من تلك الأطروحة وذلك العرض؟؟

                لابد أن ندرك بأن العرض هذا رخيص، وعلي يتجاوب مع العرض الثمين النفيس، الذي يكون أقل ما يدفع له الجسد والروح. وقد سبق له أن استجاب لعرض لا يدانيه عَرض آخر، لم يقدمه شامي ولا عراقي، عرض ليس من أجل يزيد والرحم. وإنما قدمه رجل آخر، وأي رجل ذلك الذي هز مهده جبرائيل، سبط سيد المرسلين ونجل سيد الوصيين وابن الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين. أي رجل هذا وأي عرض يحمل. إن هذا الرجل بذاته وعظمته يكفي قبل أن يقدم ما عنده من عرض مبدئي، فهو بذاته عرض رسالي نفيس لا يقاس.

                أجل إن لعلي الأكبر عهداً ووعداً بالمصادقة على ميثاق وقعه حول ما قُدم له، حيث أطروحة الحسين الحرة، ولهذا أجاب أهل العرض الرخيص بجواب حدي بقوله:

                (لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله أحق أن ترعى)(44).. ثم هجم عليهم.

                فلا رحم ولا قرابة أقدس مما وصى القرآن بها وحرص بشدة عليها، فأي يزيد أم أية رحم أموية هذه.

                (لقرابة رسول الله أحق أن ترعى من قرابة يزيد بن معاوية.. ثم شد عليهم)(45).

                وبهذا فقد قابل علي منطق الجاهلية الرعناء، بمنطق الرسالة والقرآن العظيم (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى).

                وأعظم ما في الموقف أنه لم يقل لهم أنه أبي وأنا ابنه فعليَّ أن أدافع عنه، ولم يذكرهم بأنه سليل الرسول ولهذا يراعي رحمه وصلته بالهاشميين، وإنما كان جوابه جواب المؤمن بالرسالة وحتمية حفظ قربى الرسول، وقد يكون مستساغاً أن يعلن كونه يراعي نسبه المقدس ولم يعلن ذلك وإنما قرر بصيغة جوابه، الواجب الشرعي على كل فرد مسلم كأمر مفروض لا محيص عنه ولا مناص منه (فقرابة رسول الله أحق أن ترعى) لا لأنها مجرد قرابة الرسول وإنما لأنها قد أنيطت بها الرسالة والدين الحنيف.

                أخيراً: كان علي في غنى عن تلك البادرة البليدة، لأنه أسمى من تلك العروض التافهة، لكن العدو كان مضطرب العقلية مرتبك الموقف. كما أننا في غنى عن الوقوف الطويل هنا، لولا الحاجة الماسة للتأكيد البياني على الأخلاق الجاهلية والقيم والمثل الجاهلية التي حورب بها الإمام الحسين وآله وأنصاره، من حيث عورضت بها الرسالة من قبل وحورب بها مسبقاً جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).


                المجاهد العنيد

                الجولة الأولى:

                وإمتشق حسامه المهند من غمده، ونزل مخترقاً صفوف العدو المتكبر، فراح الأكبر في كبرياء العز يضرب الأجلاف ويجندل الجبناء، ويحصد بهم فيوقع أكبر الخسائر في أوساطهم. راح يضربهم فوق الأعناق ويضرب منهم كل بنان.

                ظهر تأثيره عليهم حينما دخل دائرتهم وأخذ يخوض في وسطهم العسكري، ليمزق جمعهم ويفرق صفوفهم ويشتت شملهم الشريد، فقلب وقوفهم وحالة سكونهم إلى حركة دائمة، وركض وهروب فهزيمة، فالرجل من إذا هرب نجا.

                وغاب شخص علي الأكبر بينهم غياباً تاماً يتجلى للعيان بما يلعبه فيهم ويؤثر عليهم، فلا يظهر منه غير نشاطه المتمثل بهز العسكر وزعزعة الجيش إذ كان نزاله المسلح بكل طاقاته وقدراته مما أعيى الفرسان المدججين والكماة الناصبين، واستمر في فعالياته البطولية يخرق الصفوف ويتحدى السيوف.

                نزل فيهم نزول الأسد الجريح، وخاض بهم خوضاً لم يشهدوا له مثيلاً قط، فما يترك كتيبة إلا وعاد إليها وما يلبث أن يرجع لمن فرقهم بسيفه الصقيل، مضى يتصرف بهم حسبما يريد، وقد عجزوا عن وضع حد له وإيقاف قواه التي تواصل استعراضهم فتكيل لهم الضرب وتنزل بهم الخسائر الجسيمة.

                (ولهذا حرصوا على أن ينتقموا منه بعد قتله، وذلك بتمزيق جسده).

                حتى إذا ما جهلوه وظنوا أنه علي بن أبي طالب قد خرج إليهم، لأنهم لم يصدقوا أن هذه الحمالات الشجاعة لغيره، طفق يكشف لهم عن هويته المقدسة واسمه الشريف - كما قيل عن سبب ارجوزته التالية -. أو أنه أراد توضيح شخصيته ومهمته المنوطة به فبادر معلناً لهم، وهو ما زال ماضياً بعزم لا يلين، ينشدهم أنشودته الخالدة وأرجوزته المجيدة.

                أنا عـلي بـن الـحسيـن بـن عــــلي نـحـن ورب البيت أولى بالنبي

                تا الله لا يـحـكم فـيـنـا ابن الـدعـي أضرب بالسيف أحامي عن أبي

                ضرب غلام هاشمي علوي(46)

                أعلن لهم أنه نجل الحسين حفيد أمير المؤمنين علي.

                كما أعلن رفضه لحكم الطلقاء وسياسة إدارة الأدعياء فلا وفاق عليها مهما بلغ الثمن (تالله لا يحكم فينا ابن الدعي).

                أبلغهم أنه سيواصل سيره بسيفه المصلت فوق رؤوسهم ذاباً عن الدين الحنيف ومحامياً لأبيه سيد الأمة.

                نبههم أن صرامته وتصلبه، وضرباته الفتاكة لها ما وراءها من رصيد هاشمي، فقوة ضربته وعزيمة ساعده، وتحمله لمشاق المعارك وهول الحروب إنما له أصالته بدءً من هاشم خير الكيان القرشي.. تلك المعاني السامية والإيحاءات الجدية تصك أسماع الأعداء، وهو يكرر انشودته ويكر عليهم كرات جده الكرار فلا يعرف أي معنى للفرار.

                (فلم يزل يقاتل حتى ضج أهل الكوفة لكثرة من قتل منهم، حتى روي أنه علىعطشه قتل مئة وعشرين رجلاً)(47).

                لم يفت في عضده العطش بل حتى الجراح المعضلة، يسمو يحدق فيهم متعالياً فوق الجواد الناهض. وإذا ما تحاوموه بجمع وكتائب يردهم ويجبرهم على التقهقر والنكوص قسراً.

                يـرمي الـكـتـائب والفلا غـصت بها فـي مـثـلها مـن بـأسـه المتوقد

                فـيـردهـا قـسراً عـلى أعـقابــهـــــا فــي بـأس عرنين العرينة ملبد

                وما همَّ بالعجز، وهو شامخ على صهوة جواده بجراحه الدامية المتدفقة دماً عبيطاً، حتى إذا زاد ألم العطش وأخذ منه مأخذاً إلى جانب الجراح والدماء السائلة، ورجع وهو يأمل أن ينال شربة من الماء لو وصل إلى المخيمات.


                العودة المؤقتة:

                وعاد ولكن ليرجع، عاد كيما يعود إليهم، إذ توعدهم ثم إنه على موعد مع الله سلفاً، موعد لا يخلفه في مكان وزمان سوى... غير أنه الآن عطشان لحد قد يمكن العدو منه، فهو ظمآن إلى درجة تفقده الرؤية الجيدة، فلا يرى الأوباش ولا يميز الأشياء.. عاد.

                عاد وهو يحمل رأس أحد فرسان الأموية المدعو، بكر بن غانم، الذي تحدى علياً وصمم على قتله بقوله: (لأثكلن أباه)، لكن علي الأكبر تلقاه فبارزه حتى صرعه وأرداه وحمل رأسه وهو يحس بالجهد الشديد الوطأة فوصل المخيم الحسيني وقد رمى بالرأس، وهو يردد.

                صيد الـمـلــوك أرانـب وثــعــالـــب وإذا بـــرزت فـــصيدي الأبطال

                هذا ما جاء في رواية.. بينما أجمعت الروايات حول عودته المؤقتة، على جفاف حشاشته، ويبوس فمه، وذبول شفتيه، حتى بلغ لسانه أقصى حدود الذبول بعظم الظمأ الذي ناله.

                فهل كان متيقناً، أو معتقداً حصوله على جرعة ماء يطفي بها لهيب العطش؟ فنحن نقرأ له كونه طلب من أبيه شربة من الماء.. (يا أبه: العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة من الماء سبيل، أتقوى بها على الأعداء)(48).

                فترقرقت واغرورقت عينا أبيه.

                وأي سبيل هذا يا سيدي.. أم كيف.

                ليت شعري.. أو ما يرى عليّ حال أهله وذويه، ويبوس حتى شفتي أبيه، وإن فاقد الشيء لا يعطيه.

                وكأني به يجيب فيقول: أجل وهو كذلك فأنا أدرى بسر الحال، ولكن الأمل.. إنه الأمل في إطفاء غائلة الظمأ.

                إنه يعلم جيداً، بيد أن أمله كان قوياً وأراد أن يقتنع أو يقنع نفسه فقط، فهي حالة نفسية ألحت عليه بالعودة وإلا فالماء غير موجود (ولكن لحاجة في نفس يعقوب قضاها).

                وهذا الحد الأدنى من أمل الإرتواء النسبي لم يتحقق، ولذا دمعت عينا أبيه الحسين، ولا أدري كيف دمعت وسالت الدموع حينما أجاب الأب العطشان ولده بقوله: (واغوثاه.. ما أسرع الملتقى بجدك فيسقيك بكأسهِ شربة لا تظمأ بعدها أبداً). وفي رواية أنه أجابه بقول:

                (يا بني قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدك محمداً صلى الله عليه وآله فيسقيك بكأسه الأوفى)(49).

                وعن الخوارزمي: (فبكى الحسين وقال: يا بني، عز على محمد وعلى علي وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك وتستغيث بهم فلا يغيثونك، يا بني هات لسانك، فأخذ لسانه فمصه، ودفع إليه خاتمه وقال له: خذ هذا الخاتم في فيك وارجع إلى قتال عدوك، فإني أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً)(50).

                ثم إنه (عليه السلام) إنتزع الخاتم ليضعه علي في فمه تحت لسانه.. وهذه عملية اسعافية قد تفيد ان للخاتم - أو أي شيء بنفس حجمه - دور في إثاره الغدد لتفرز ما يسعف الحال(51).

                وبعد أقل القليل من الماء، فعطف ليودع أمه التي روي عنها أنها كانت شديدة القلق عليه حتى أغمي عليها وأفاقت ورأسها في حجر ولدها العائد من الجولة الأولى والذي لا بد له من جولة ثانية كيما ينال شرف الشهادة المقدسة.. وراح يودع الجميع ليواصل المسيرة الفردية المسلحة رغم مكابدته لوطأة العطش وظنى الظمأ، وقد كتب في حالته هذه أحد الشعراء المؤمنين قائلاً فيه:

                ويـؤوب للـتــوديــع وهــو مــكابــد لــظمـى الـفؤاد وللحديد المجهد

                صادي الحشا وحسامه ريــان مــن ماء الـطلا وغــلـيـله لـم يـبـرد

                يشكو لخير أب ظماه ومــا اشــتكى ظمأ الحشا إلا إلى الظامي الصدي

                كانت حـشاشـته كـصالية الـغــضـــا ولـسـانـه ظـمـأ كـشـقـة مـبـرد

                فانـصـاع يـؤثـره عــــلـيـه بـريـقـه لــو كان ثمة ريـقـه لــم يـجـمـد

                ومـذ انـثـنـى يـلـقى الـكريهة باسماً والموت منه بمسمع وبمشـهـد

                لف الوغى وأجـالـها جـول الـرحى بـمـثـقـف مـن بـأســه ومـهــند


                الجولة الثانية:

                (ما أسرع الملتقى بجدك فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً...

                وما أروع هذا الارتواء الروحي والشربة المعنوية والجرعة المشبعة بالمعاني الجليلة، وقد عملت عملها في نفس علي الأكبر، فغدى إلى الحلبة في جولته هذه وهو أشد اشتياقاً للارتواء الأبدي بماء الكأس الأوفى لجده المصطفى من حوض الكوثر وجنة عدن.

                إنها لبشارة مبهجة، لا يعيها أو يستوعبها فيتأثر بها إلا ذوي العلم والإيمان واليقين بما ينتظرهم من نعيم الفردوس ويفيض من على موائدها أو ضفاف أنهارها.

                وتقدم البطل، العملاق العطشان الراوي من الإيمان.

                وامتشق حسامه فرن رنينه إيذاناً ببدء، فعالياته وشق الرمال معتلياً صهوة جواده الذي خلف وراءه غبرة غليظة ممتدة. شد عليهم ليكتسحهم كسحاً، ويكرد جحافلهم كرداً.

                (فزحف فيهم زحف العلوي السابق، وغبّر في وجوه القوم، ولم يشعروا أهو (الأكبر) يطرد الجماهير من أعدائه، أم أن (الوصي) عليه السلام يزأر في الميدان، أم أن الصواعق تترى في بريق سيفه، فأكثر القتلى في أهل الكوفة حتى أكمل المئتين)(52).

                هذا وهو يؤكد لهم بأن ثمة حقائق قد تجلت للحرب هذه، وهي حقائق ثابتة، ولا مجال للتفريط في حق تلك الحقائق ذات البراهين والمصاديق الواضحة البينة على الساحة فأثناء شنهِ لحملاته، صرح لهم مؤكداً وبأسلوبه الجميل من خلال أرجوزة جملية وأنشودة ثانية جليلة، كررها على مسامعهم بمنطقه المسدد:

                الـحـرب قـد بـانـت لـهـا حـقـائــــق وأظـهـــرت من بعدها مصادق

                والله رب الـــعــــــرش لا نـفـــارق جــمــوعــكــم أو تغمد البوارق

                فبناء على تلك الحقائق وما تبعها من مصاديق عملية، فهو يواصل دورُه أبداً دون أن يترك الساحة، كيما يقوم بتدعيم المصاديق، ولن يفارق مهمته قط، لأنه سليل أهل الحق وسادة الحقيقة وربان الحقائق التي بدأت جلية على أيديهم وواصلوا الكفاح من أجلها، والجهاد خلال الصراع في خضم التنازع على البقاء والإبقاء، وإنه سيبقى وسيثابر على ثباته ويكرر وثباتهِ بتحدٍ وصرامة وغلظة (والله رب العرش لا نفارق).

                فاضمروا له الكيد، وبينوا له المكر، إذ أوغر صدورهم وملأها رعباً وقلل من شأن شجعانهم، مستصغراً فرسانهم.

                مضى بلا ملل يؤدي أعماله في ضوء أقواله، ويحقق منطق انشودته الخطيرة، وليبر بقسمه براً لا حد له، عبر صولاته المحمدية، صولة إثر صولة وسط الحلبة في آخر جولة، زاحفاً زحفه الجهادي باطشاً بطش الأسد الغاضب.

                ويكاد ينهار البطل العقائدي العطشان، فقد تقاسمت طاقاته كل من : التعب والإرهاق، والظمأ الشديد، والجراح التي توزعت على جسده الشريف، فأخذ الدم يتدفق وينساب من جراح جسمه كالميزاب.

                لكنه ظل شامخاً بجراح جسده يقاتل قتالاً شديداً إذ بلغت فيه روح التفاني حد الإستهانة بالدنيا واستصغار شأن الحياة.

                قتال من ليس لسلامته أدنى أمل. وعلى هذا الأساس ومن هذا المقياس، عليك أن تتأمل وتحسن تقدير موقف هذه الشخصية الشابة، الشخصية العقائدية العملاقة. فالتضحية من أجل القضايا العادلة، والشباب الدائم، والمثابرة والتوثب على العدو مما لا غنى عنه، إذ أن الصمود قوة نستمدها من الصامدين، والصبر نستلهمه مفهوماً حركياً، لا مفهوماً انهزامياً، مفهوماً إيجابياً حساساً لا سلبياً ردئياً.

                والصبر مفهوم حركي علينا أن نستلهم من رواده أبعاده ومراميه، ومنهم نحدد معانيه.

                ما برح علي يجول في أوساط معسكرهم يلقنهم أقسى الدروس، ولا يكادون يحددون له ساحة أو موقعاً - كيما يضيقوا عليه - حتى يوسعها عليهم بشنه للهجمات. وشاهد بعضهم جسده الذي سالت منه الدماء كل مسيل، فأدركوا أنه قد ضعف عن القتال أو يكاد. ولاحظوا وهم في رعب وذعر وانهزام أنه قد يجف جسده من الدم كما جف من الماء. وعندها سيشفون به صدورهم الموغرة.


                الانتقام:

                (عليّ آثام العرب إن مر بي وهو يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه)(53).

                هذا ما قاله أحد المرتزقة في معسكر العدو، وقد إلتاع وتعذب من شدة حملات علي الأكبر وصولاته حتى بلغ من البغض له والحنق عليه والحقد بحيث صمم على التصدي لهذا المجاهد العطشان، ولاشك أن هذا المرتزق قد ذاق أنواع العذاب من هروب وهزيمة وجبن من سيف عليّ الأكبر، ولكنه حينما لاحظ تعب عليّ وإرهاقه تجرد من جبنه واستجمع جرأته وقال قولته تلك.

                إنه المدعو (مرة بن منقذ بن النعمان العبدي) الذي تتضح روحه الجاهلية من كلماته ومنطقه (علي آثام العرب يستحقها وهي عليه وهو بمستواها، إذ إنه كاره ومعادٍ وقاتل لأشبه الناس بسيد العرب والعجم، وبالرغم من المنطق القرآني الناهي لمثل ذلك المعنى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) نجد أن ذلك الجندي الجاهلي مصمم على تحمل أوزار العرب، مع أنه مستوزر كثيراً من الأوزار، وهكذا أحب أن يحمل على ظهره هو ومن على شاكلته أوزاراً ثقيلة لا طاقة لهم ببعضها. (ومن أوزار الذين يضلونهم ألا ساء ما يزرون).

                ولولا العار عليه من قبل رفاقه لصمم ولأقسم باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، لكن صيغة تصحيحه تلك أقل كشفاً لمضمونه الجاهلي كما يتوهم، وعلى كل حال فإن الأهداف والدوافع الدفينة قد انكشفت، وتكشفت عن الحرب الجارية هذه حقائق لم تخف أو تنطمس.

                الــحـــرب قــد بــانــت لها حـقائـق وأظــهــرت مــن بـعدها مصادق

                ولكي لا نهمل النص السابق علينا أن نلاحظ ما فيه ونرى ما يمكن أن نستوحيه. قال: (... إن مر بي)، كما قال: (... وهو يفعل مثل ما كان يفعل).

                يبدو جلياً أن علياً كان لا يترك لهم جمعاً إلا ومر به ولا كتيبة إلا وهاجمها، وكأنه كان يستعرضهم بحملاته استعراضاً عسكرياً مرعباً، بحيث أنه ما أن يترك كتيبة إلى غيرها حتى يعود إليها وإلى غيرها، وهكذا كان نشاطه منقطع النظير بحيث أنهم يتوقعون معاودته وكرته عليهم ثانية لهذا توقع ذلك الجندي فقال: (... إن مر بي).

                ويبدو أنه كان يفعل بهم فعلاً لهم يشهدوه طوال حياتهم العسكرية من شاب مسلح بمفرده، فكان استعراضه للجيش رهيباً إن مرة العبدي لاحظ حرص علي الأكبر على تلقين جموعهم دروساً قاسية وتعليم جحافلهم حقائق بطولية رسالية لا تنسى لاحظ حرصه على عدم إهمال أي كتيبة دون أن يطعمها بالقتلى والجرحى ويختم لها بالهزيمة المنكرة فحقد حقداً قوياً. (عليّ آثام العرب، إن مر بي وهو يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه).

                فانتظر دور الكرة العلوية على كتيبته الأموية، وقد نزع منه لباس الهروب والهزيمة، وكأنه نسي أنه جبان جلف جافي..

                فراح يتربص ويلتمس الفرص، ليطعنه ولو عن بُعد منه، وبينما كان الشجاع العطشان يستعرضهم رغم ضعف بدنه ذي الجراح المثخنة المكثفة، ويزحف على جموعهم بالتتابع، كأنما هو زحف منتظم، وبينما كان يشق طريقه مقاتلاً بقواه الباقية، دنا الجندي المرتزق فتأهب مستجمعاً جرأته على الله ورسوله، وجسارته على الحقائق مسدداً رمحه الطويل في ظهر علي(54) سلام الله عليه فغرز الرمح - أو السهم - فيه، فانحنى علي على جواده، ثم ثنى له العدو بضربة على رأسه الشريف، ففجه، حينها أطلق علي الأكبر صوته بالسلام على أبيه.

                (يا أبتاه عليك مني السلام. هذا جدي يقرئك السلام ويقول لك عجل القدوم إلينا).

                ثم شهق شهقة فاضت أثرها روحه الزكية.

                لكنهم لم يتركوه، فثمة دور ومهمة لهم. ترى ماذا فعلوا به وبجسده الذي أذاقهم مر طعم المواقف المسلحة؟؟؟


                الشهيد

                المنتقمون

                ما أن تناهى إلى مسامع أبيه الحسين صوت حبيبه وسلام ريحانته حتى طفق نحو الساحة معتلياً جواده، كأنه في سرعته طائر ينقضّ من علو الفضاء.

                ولكن بأي حال وجده أم بأي وضعية رآه.

                لقد وجده جسداً ممزقاً مبعثر الأشلاء، متناثر الأعضاء، تتدلى بعض أوصاله من جانبي جواده الذي كساه الدم الزكي حلة حمراء... هكذا تركوه.

                فلم يتركوه إلا بعد أن مثلوا به سريعاً، إذ إحتوشوه من كل جهة، وما أسرع ما وضعوا سيوفهم وحرابهم وسكاكينهم ليقطعوه تقطيعاً ويمزقوا جسمه تمزيقاً. ليشفوا غيظ صدورهم، ويرووا حقد قلوبهم مما أدخله عليهم من عذاب دنيوي هذا الشاب العطشان الشجاع الذي شكل جيشاً يقابلهم بمفرده، وعسكراً لوحده، وأمة بذاته.

                كان (سلام الله عليه) صلباً صابراً في الباساء، شديداً في الله، غليظاً على الأعداء، الأمر الذي يفسر شوق ابن العبدي للإنتقام منه، ثم أشواق أولئك المرتزقة الذين آلوا إلا أن يشبعوا غريزة الإنتقام، وكان كل منهم أراد أن يتبرك بجسده ويتزلف للشيطان بطعنه وغرز حربته بعضو من أعضائه الشامخة التي أذاقتهم مر الحياة، وحنظل المواقف العسكرية.

                ولولا محبي الإمام الحسين (عليه السلام) لأكلوه، لأكلوا كبده وقلبه، وما يدريك؟ ولم العجب؟ ألم تلوك (آكلة الأكباد) هند الأموية كبد عمه حمزة الذي كان يجول في بطحاء الجزيرة.

                أجل لولا إسراع الحسين لأتوا على أشلائه بأنيابهم فضلاً عن حرابهم، ولكان أثراً بعد عين.. وتلك سجية الأجلاف.

                وصل الإمام إليه، وأخذ يطيل النظر إليه، ثم إلتحق به شباب هاشم مواقعهم حول الجسد الصريع وهم يقرؤون آيات البطولة الرسالية والعظمة على صفحات جسده وعظامه المهشمة.

                وهدأ جيش الأعداء بعد ضجيج دام خلال الجولتين وسكن العسكر بعد اضطراب طويل، فتنفسوا الصعداء، وانشغل بعضهم بجر القتلى مع أوزارهم، ودفن الجثث البالية فيما انشغل الجرحى بدمل جراحهم وأنين الشقاء يصدر منهم، بينما انشغل الباقي بتراشق التهم والعيوب وكل منهم يعيّر صاحبه بالهزيمة ويتبرأ كذباً من الهروب.


                الإمام الحسين مع أشلاء الشهيد

                لا نفهم لماذا وضع الإمام خده على خد ولده المجاهد العظيم، وبالأحرى نحن لا نفهم ما رتله الإمام وتلاه حينذاك، فلم ندرك سر هذا الإجراء الذي لا يخلو من معنى.

                غير أننا نفهم بأن الآلام قد ألمت بالإمام نتيجة التنكيل وشدة الانتقام بهذا الجسد الشريف، وقد ضاق به مشهد ولده سليل المصطفى فهو عبارة عن أشلاء موزعة وأعضاء مقطعة.. ثم تزداد حسرات الإمام وآهاته لما يدركه عميقاً من منزلة لهذا القتيل، ومن شأن وحرمة عند الله وعند رسول الله لذلك تمتم:

                (قتل الله قوماً قتلوك يا بني، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول... على الدنيا بعدك العفا)(55).

                فصغرت الدنيا بعين الإمام. ثم إنه قال وآثار الشجون قد تجلت على سحنته الشريفة.

                (أما أنت يا ولدي، فقد استرحت من هم الدنيا وغمها وسرت إلى روح وريحان وجنة ورضوان، وبقي أبوك لهمها وغمها، فما أسرع لحوقه بك).

                ونزلت بالحسين آلام ظهرت معالمها على كيفية قيامه من الأرض، كأنه العجوز المتعب، وظهرت معالمها حينما اعتذر من حمل ولده بنفسه. فطلب من الشبيبة الهاشمية أن تتبنى حمله، لأنه وقد صرح (والله لا طاقة لي على حمله).

                قام الحسين ونهض الشباب الهاشمي وقد حملوا الشهيد العظيم.

                قال الحسين وهو مختنق بعبرته يحبس حسراته وأهاته في صدره، قام وهو يكفكف بقايا دموعه محتسباً صابراً.. وأخذ يطيل النظر إلى الشهيد المحمول، فكما تابعه حينما خرج للحرب وودعه، يتابعه الآن بطرفه ويلاحقه بالنظر إلى جثمانه الممزق وهو يقطر ويسيل دماً، تحمله أكف الشباب بمطارف حمراء ناقعة بالدم.

                شباب لا يخيفهم الموقف ولا يرهبهم المنظر، كما لا يخشون نفس المصير الذي آل إليه هذا المحمول. شباب ينتظرون مهامهم وأدوارهم، يتنافسون ويتسابقون وكأنما هم يتسلون وفي الحلبات يمرحون، وكأني بهم لا يحملونه فحسب بل يحملون الثأر له ولمن سبقه، يحملون فكره وعقيدته، وإذ هم يضعونه في مخيم الشهداء، فلا ليبقوا معه. هم جاءوا به لا ليجلسوا حوله، وإنما لكي يواصلوا دوره، أو يجددوا صولاته في الميدان، وفعلاً كانوا يحملونه ليرجعوا، ولولا الأوامر الحسينية بحمله إلى المخيم، لما عاد الشباب المؤمن العقائدي إليها، ولباشروا وشهروا السيوف من هناك.

                ذلك لأن الشهيد عندهم يغري الآخرين بالشهادة ولا يخيفهم منها، يشوقهم ويجعلهم يتلهفون لها ولا يرهبونها.

                يبقى في ذهن الحسين هذا الأب الكبير، ذكرى ولده علي الأكبر، ويبقى في تصوره، صوت علي، وصورة علي، ومنطق علي، وخلق علي، ومجمل مواصفات النبي.. وإذ كان هو ذكرى الرسول ومنعكس صورة النبي، فقد فقده وفقدوه جميعاً..

                ويتذكر الأب العظيم علويات ولده ومحمديات ابنه، أقواله الصارمة وكلماته الصلبة الكثار التي لا نملك منها إلا أقل القليل، يتذكره جيداً وهو أدرى بما قاله ولده بمنطقه الجميل وأسلوبه الجليل.. فهو يتصوره متكلماً مرة.

                (لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله أحق أن ترعى).

                (نحن ورب البيت أولى بالنبي)، (يا أبه أفلسنا على الحق)، (إذن لا نبالي بالموت)، (والله لا يحكم فينا ابن الدعي)، (الحرب قد بانت لها حقائق)، (يا أبتاه عليك مني السلام)...

                آه ذكريات أيام وساعات مضت.

                (جزاك الله يا ولدي خير ما جزي به والد عن ولده).

                (ما أجرأهم على الرحمن وانتهاك حرمة الرسول).


                • مرقد الأكبر

                إن البرهنة الصحيحة في كل ما يفعله الإمام المعصوم الحكيم ترشدنا إلى مرجع فعلي من بيان حكم أو إشادة بذكر رجل أو إظهار فضيلة أو غاية كريمة أو مزية ظاهرة.

                وإنا إذا نظرنا إلى فعل الإمام زين العابدين في وضع (علي الأكبر) قريباً من أبيه نعرف من ذلك الغرض الباعث له وهو تعريف الملأ الديني بما حواه [أبو الحسن] من مزايا جليلة وصفات فاضلة وانه أقرب من أولئك الصفوة إلى المهيمن تعالى لما حواه من ملكات لا تدركها أحلام البشر.

                وهناك شيء آخر لاحظه الإمام الحجة الواقف على نفسيات الرجال وتقدير أعمالهم ذلك ان هذه الحالة أشجى للقلوب وأذرف للدموع فأي مؤمن يقف بذاك الحرم القدسي فلا يتمثل لديه [والد وما ولد] وما تضمنه ذلك القبر من شلو مبضع ودماء سائلة وجروح دامية ورأس محزوز وأصبح مفصول وجناجن طحنتها سنابك العاديات وأحشاء التهبت بالظما وقلب تشعب بالسهام.

                وإلى جنبه بضعة الرسالة شبيه النبي (صلى الله عليه وآله) خلقاً وخُلقاً ومنطقاً مقطع بالسيوف إرباً إرباً.

                وإن الإمام الشهيد عانى ما جرى على ولده وديعة (محمد) فينظر إليه معفراً على البوغاء ولم تدع المقاضب منه عضواً سالماً حتى فارقه أو فارق نفسه التي بين جنبيه ولم يسعه أن يغيثه بماء أو يرد عنه عادية فوضع خده على خده ولم يرفعه إلا بدموع منهلة وزفرات متصاعدة.

                فبطبع الحال يكون الموالي الماثل أمام الضريح المطهر معتلج الأشجان متدفق العبرة مرتفع العقيرة ويشتد ولاؤه ووده الذي هو أجر الرسالة.

                (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)(56).


                • زيارته:

                في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي الحالة أشجى للقلوب وأذرف للدموع فأي مؤمن يقف بذأن صفوان الجمال استأذن الصادق (عليه السلام) في زيارة الحسين وسأله أن يعلمه ما يقول إلى أن قال له ثم صر إلى رجلي الحسين وقف عند رأس علي بن الحسين وقل:

                السلام عليك يا ابن رسول الله سلام عليك يا ابن نبيّ الله السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين السلام عليك يا ابن الحسين الشهيد السلام عليك يا ابن الشهيد وابن الشهيد السلام عليك أيها المظلوم وابن المظلوم لعن الله أمّة قتلتك ولعن الله أمّة ظلمتك ولعن الله أمّة سمعت بذلك فرضيت به.

                ثم انكب على القبر وقبله وقل:

                السلام عليك يا ولي الله وابن وليه لقد عظمت المصيبة وجلّت الرزية بك علينا وعلى جميع المسلمين فلعن الله أمة قتلتك وأبرأ إلى الله وإليك منهم.


                • رثاء وشاعر

                للخطيب الفاضل الشيخ أحمد الوائلي

                قـالــت سـعـاد وقـد تـمـلـك نـاظري مـتـرقـرق مـن أدمـع حــمــــراء

                مـتـحـيـر بـيـن الـخـدود ومحـجـري يـستـــاق بــيـــن مسـرة وشجاء

                إنـي عـهـدتـك لـلـشـجـون مـغـالـباً فـمـتـى ألـفـت تـنـفـس الـصـعـداء

                فـأجـبـتـهـا والـمـوريـات تـحدشـت تـذكـي أوار الـحــزن في أحشائي

                حـزن (ابن ليلى) يسـتـدر مدامعي ومــضـــاء عــزمــتـه يثير هنائي

                نـدب تـحـــــدر مـــن سـلالة فـتـيـة مـلأوا ربـــاع الأرض بــــــالآلاء

                بــدر تـتـوجــه خــلائــق (أحــمــد) بــفـــصـــاحــة وسـمـاحة ومضاء

                مـتـجـلـبـب مـن (حـيـدر) بـشجاعة ومــــن (الـحـسين) مـوشح باباء

                سـل عـنه أكـنـاف الطفوف فكم بها تــركت صـفيحـتـه مـن الأشــــلاء

                وسـل الـقـواضـب والـقـنا عن نثره والنظم فهي بـه مـن الـخـبـــــراء

                مـلك الـوغى بـحسامـه فأحـالـهــــا دهــمـــاء أعــيــت ألـسن البلغاء

                خـرسـت مـقـاولـهـا فـلا مـتـكـــلــم وغــدت تـــشـــيــر إلــيه بالإيماء

                سـيـان عـنـد سـنـانـه وحـسامـــــه يــوم الــهــيــاج قــريـبها والنائي

                بـطـل تـخـب بـه ربـيـبـة سـبـسب يـهـتـز صـلـواهـا مــن الـــخـــيـلاء

                غـراء تـستـبـق الـنـواظر إن سرت أوحـــت لـــذهـــنـك ليلة الإسراء

                غـيـران يـفـتـك بالألــــوف وعمره مــا جــاوز العقدين في الإحصاء

                و (الـسبـط) يـرصـده وفـوق جبينه لـلـنظـارين بــوادر الــــــــــسراء

                وأصـاخ يـسمع رجـزه ويـجـيـبــــه الـــمـيـــدان عند الرجز بالأصداء

                وإذا بـــه يـــدعــــوه أدركــنـي فقد دارت عــلـــي بــجـــمعها أعدائي

                فـانـقـض مــثل الصقر شام فريسة وجلا الصفوف وجال في الأرجاء

                حــتى إذا دفــع العــدى عـن شـبـله آوى إلــيــه بـــلـــوعــة وبــكــاء

                الــفـاه مـنـعـفر الـجـبـيـن تـمازجت حـمـــر الـدماء بوجنة بــيــضــاء

                ورأى شـفار الـمـرهفات تـلاعـبـت بـجـمـال تـلـك الـقـامـة الـهــيـفاء

                فـجـثـا وأقـنـع للـسمـاء بـشيــبـــــة مـغـمـورة بـمـدامـع ودمــــــــــاء

                يا عـدل قـد قـتـلـوا شـبـيـه (محمد) انزل بساحتــهــم عــظــيــم بــلاء



                سكينة بنت الإمام الحسين (عليهما السلام)

                نسبها وولادتها:

                هي آمنة بنـت الحســين بـن علـي بـن أبي طالب. ولـدت في سنة 47 هـ ، وسـميت باسم جدتها أم النبي، أمها الرباب بنت امرئ العتيى بن عدي بن أوس بن جابر، وقد استقبل البيت الهـاشمي قبلهـا مولد أخيها الشقيق عبد الله بن الحسين الذي استشهد مع أبيه (عليه السلام).


                اسمها ولقبها

                هي آمنة بنت الإمام الحسين (عليه السلام)، أما سُكينة فهو لقب لها، ورد في (تاريخ ابن خلكان): (أن (سكينة) سّيدة نساء عصرها كما روي أن اسمها هو (آمنة) وقيل (أمينة) ولكن لشدّة هدوئها وسكونها كنّتها أمها بـ(سكينة) فدرج ذلك اسماً عليها)(57).


                زواجها:

                إن أخبار زواج السيدة سكينة بنت الحسين (عليهما السلام) فيها من التناقض والاضطراب الشيء العجيب، مما لا يُقبل لامرأة بسيطة، والسبب يعود هنا أن ما كتب من تاريخ في العصر الأموي، فيه الكثير من تزييف الحقائق والظلم لكثير ممن عاشوا في تلك الفترة من الزمن، وخصوصا في حق آل النبي، والصحيح من زواج السيدة سكينة إنها تزوجت بـعبد الله الأكبر بن الإمام الحسن (عليه السلام) السبط وهو أخو القاسم وأمهما رملة وقد استشهد يوم الطف قبل أخيه القاسم (رضي الله عنهما).


                سيرتها وأخبارها:

                كانت سلام الله عليها سيدّة نساء عصرها وأجملهن وأوقرهن ذكاءً وعقلاً وعفةً، لذا كانت زينة المجالس ونورها الساطع في المدينة المنورة، كما كان منزلها محلاً لانعقاد المؤتمرات العلميّة والندوات الفقهيّة النسائية.

                السيدة سكينة ، كانت بادية الاعتزاز بنسبها العالي وشرفها الرفيع . وكان خصومها يقرون لها بهذا الاعتزاز ويرونها أهلا لأن تباهي به من تباهي فتسكته.

                روي أن لها السيرة الجميلة والعقل التام، وكانت على منزلة كبيرة من الجمال والأدب والكرم والسخاء الوافر، وروى العلامة المجلسي في مساعدتها للفقراء: (أراد علي بن الحسين (عليهما السلام) الحج فأنفذت إليه أخته سكينة بنت الحسين (عليه السلام) ألف درهم فلحقوه بها بظهر الحرّة، فلما نزل فرّقها على المساكين).


                السيدة سكينة وفاجعة الطف:

                فقد عاشت السيدة سكينة فاجعة كربلاء وكان عمرها تسعة عشر ربيعاً في واقعة الطف حيث سجّلت أروع مواقف البطولة في معارضة الطغيان الأموي فأصيبت بأبيها وبأخويها علي وعبد الله، وعمومتها وزوجها وبني عمومتها وأصحاب أبيها رضوان الله عليهم أجمعين، وقد أثرت فيها مصيبة أخيها الرضيع تأثيراً عظمياً حتى أنها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الإمام الحسين (عليه السلام) ولحظ ذلك سيد الشهداء فوقف يكلمها مصبراً وهو يقول:

                سيطول بعدي يا سكينة فأعلمي*** منك البكاء إذا الحمام دهانــــي

                لا تحرقـــــي قلبي بدمعة حسرة*** ما كان مني الروح في جثماني

                فإذا قتلت فأنت أولــــــــى بالذي***تأتينه يا خيـــرة النســوانِِ(58)

                السيدة (سكينة) من تلك السلالة الملائكية، لمع شعاعها في سماء البطولة والإباء فبلغت ذروة الكمال البشري ضاربة أروع مثال في التفاني والتضحية، كيف لا وهي ربيبة منازل الوحي ومدارس الشريعة، بنت الحسين الشهيد وفرع اللبؤة الثكلى السيدة (رباب) سلام الله عليها.

                وحضرت سكينة واقعة الطف مع أبيها الإمام الحسين (عليه السلام)، وشاهدت مصرعه، وروى أنها اعتنقت جسد أبيها بعد قتله فاجتمع عدة من الأعراب حتى جرّوها عنه، وأخذت مع الأسرى والسبايا ورؤوس الشهداء إلى الكوفة ثم إلى الشام، بعدها عادت مع أخيها زين العابدين (عليه السلام) إلى المدينة.

                وروي إن يزيد بن معاوية لما أدخل عليه نساء أهل البيت (عليهم السلام) قال للرباب (أم سكينة) أنت التي كان يقول فيك الحسين وفي ابنتك سكينة:

                لعمرك إنني لأحب داراً***تكون بها سكينة والرباب

                فقالت: نعم، والظاهر من الشعر أنه (عليه السلام) كان يحبها حباً شديداً.


                وفاتها:

                توفيت سكينة (عليها السلام) في الخامس من ربيع الأول سنة 117 هـ عن عمر يناهز الخمسة والسبعين عاماً مع أختها فاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، بالمدينة المنورة أيام حكم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.

                لكنها ظلّت مشعلاً ينير للأجيال درب الكرامة والعزّة ومكافحة الظلم واسترداد الحقّ السليب بالتفاني بكل نفسٍ ونفيس إذا كان الشرف والدين هو الهدف السامي الذّي يجب الوصول إليه.


                قبرها:

                جامع السيدة سكينة ـ القاهرة

                يقع بحي الخليفة بمدينة القاهرة وأختلف المؤرخون على صحة وجود السيدة سكينة به والمسجد الموجود حاليا يرجع إلى عهد عبد الرحمن كتخدا عام1173 هجري وقامت وزارة الأوقاف في القرن الثالث عشر الهجري بتجديده والسيدة سكينة هي السيدة آمنة بنت الحسين بن على بن أبى طالب (عليهما السلام) وأمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدى بن أوس وولدت السيدة سكينة عام 47 هجري.

                الباب الصغير ـ دمشق

                وهناك قبر كتب عليه هذا مقام السيدة سكينة كريمة الإمام الحسين شهيد كربلاء (عليه السلام)، في مدينة دمشق في منطقة تعرف بالباب الصغير.



                الهوامش

                0- ص 255، وفي الأصل : تميمية.

                1- أنيس الشيعة للحجة السيد محمد عبد الحسين بن محمد عبد الهادي الجعفري الطياري الهندي الكربلائي ألفه باسم السلطان فتح علي شاه سنة 1241 هـ، قال الحجة الشيخ آغا بزرك في الذريعة: ج 2 ص 458 رأيت الكتاب في النجف عند السيد آغا التستري وهو بالفارسية.

                2- الحدايق الوردية مخطوط.

                3- كامل الزيارات لابن قولويه: ص 240.

                4- الطبري في المنتخب من الذيل ملحق بجزء 12 ص 39، وابن كثير في البداية: ج 9 ص 103 والديمري في حياة الحيوان بمادة البصل.

                5- أنظر الاستيعاب في معرفة الأصحاب - لابن عبد البر، ق 3 ج 3 ص 1066 - 1067 طبعة مصر.

                6- أنظر نفس المهموم، للشيخ القمي.

                7- سورة الزخرف: الآية 31.

                8- وبلفظ: فلما أشرف عليه قومه راجع الاستيعاب.

                9- الاستيعاب، والإصابة: ج 3 ص 112 - 113 المطبوع على هامش الاستيعاب.

                10- نفس المصدر.

                11- الاستيعاب، والإصابة.

                12- نفس المهموم، للشيخ القمي.

                13- نفس المهموم، للشيخ القمي.

                14- سورة القلم: الآية 4.

                15- المناقب: ج 2 112 إيران.

                16- الخصال: ج 1 ص 39.

                17- مستدرك الحاكم: ج 3 ص 211.

                18- اللهوف للسيد ابن طاووس: ص 63 صيدا.

                19- يغلي: الأولى بمعنى يفير، والنهيء: كامير اللحم الني، ويغل: الثانية ضد يرخص.

                20- الشرف: الموضع العالي، والقابل: بمعنى المقبل.

                21- السدى: هو الندى أول الليل، والندى: هو النائل آخر الليل.

                22- مقاتل الطالبيي: ص 31، إيران.

                23- كامل الزيارة لابن قولويه.

                24- شرح لابن أبي الحديد: ج 3 ص 466.

                25- تاريخ الطبري: ج 2 ص 180.

                26- شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 3 ص 454 و 458.

                27- سورة قريش: الآية 1 - 2.

                28- الخصال للصدوق: ج 1 ص 312. والسيرة الحلبية: ج 1 ص 5.

                29- النبراس في تاريخ بني العباس: ص 165 والسيرة الحلبية: ج 1 ص 4.

                30- تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 11، وتاريخ الخميس: ج 1 ص 270.

                31- البحار: ج 9 ص 31.

                32- روضة الواعظين للفتال: ص 69.

                33- في رواية أنه قال: (إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين)، أعيان الشيعة، للسيد الأمين: ج 41 ص 171.

                34- الفتوح، لابن اعم: ج5 ص 123، وبحار الأنوار، للمجلسي: ج 44 ص 379، 380، وتاريخ الإسلام، للذهبي: ج 2 ص 346، والأعيان.. غيرها بتفاوت ملحوظ في صيغ الروايات المدونة.

                35- السيد الأمين في الأعيان.

                36- مقتل الحسين، للخوارزمي: ج 2 ص 11 ومقتل العوالم : ص 85 ورويت الأبيات مع إضافات، كما وقيل أنها للإمام الحسين:

                لنعم الحر حر بني رياح صبور عند مشتبك الرماح

                ونعم الحر في وهج المنايا إذ الأبطال تخطر بالصفاح

                ونعم الحر إذ واسى حسيناً وجاد بنفسه عند الصباح

                فيا ربي أظفه في جنان وزوجه من الحور الملاح

                لقد فاز الأولى نصروا حسيناً وفازوا بالكرامة والفلاح

                37- وقيل إنه ليس الأول، بل لقد أدرجه ابن أعثم في الفتوح: ج 5 ص 207 فجعله آخر من قتل، وهذا ما لا شهرة فيه.

                38- الفتوح: ج 5 ص 207 و 208، ومقتل الحسين، للخوارزمي: ج 2 ص 30، بتفاوت لفظي.

                39- المصدر السابق.

                40- المصدر السابق.

                41- كتاب سر السلسلة العلوية، لأبي نصر البخاري: ص 30 وهو من أعلام القرن الرابع للهجرة. حقق كتابه السيد صادق الصدر طبعة النجف الأشرف.

                42- كتاب نسب قريش، للزبيري ص 57 وهو من أعلام القرن الثالث للهجرة، حقق كتابه المستشرق أفرنستال.

                43- وسيلة الدارين، للزنجاني: ص 292.

                44- نسب قريش للزبيري: ص 57.

                45- سر السلسلة العلوية، للبخاري: ص 30.

                46- الإرشاد، للشيخ المفيد، وغيره كالمقتل، للخوارزمي، وأعيان الشيعة، وفي الفتوح بعض الزيادة عن هذا. وفي الطبري والكامل نقصان عنه. وهكذا بتفاوت جلي.

                47- مقتل الحسين، للخوارزمي: ح 2 ص 30 وفي الفتوح جاء (فلم يزل يقاتل حتى ضج أهل الشام من كثرة من قتل منهم، فرجع إلى بيه وقد أصابته جراحات كثيرة): ج 5 ص 209 بمعنى أن ثمة تسليم بوجود بعض الشاميين.

                48- الفتوح: ج 5 ص 209. ومقتل الحسين، للخوارزمي: ج 2 ص 30 - 31.

                49- الفتوح، لابن أعثم: ج 5 ص 209.

                50- مقتل الحسين، للخوارزمي: ج 2 ص 31.

                51- مقتل الحسين، للسيد المقرم هامش: ص 313.

                52- مقتل الحسين، للمقرم: ص 313.

                53- الطبري: ح 4 ص 340.

                54- وفي كتاب اللهوف، لابن طاووس أنه سدد له سهماً قاتلاً.

                55- الطبري: ج 4 ص 340، واللهوف: ص 44، وابن الأثير: ج 3 ص 293.

                56- سورة الشورى: الآية 23.

                57- الشيخ عباس القميّ في (نفس المهموم) شذرات الذهب ج 1 ص 154.

                58- محمد الحسون أعلام النساء المؤمنات دار الأسوة للطباعة.

                تعليق


                • #23
                  الحسن والحسين عليهما السلام سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانتاه ، وسيدا شباب أهل الجنة ، ومن أهل الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وقد ثبتت محبتهما بنصّ القرآن الكريم في آية المودة المتقدمة في أول هذا الفصل ، ونضيف هنا طرفاً من الحديث الصحيح الوارد في محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهما وتأكيده على حبّهما والتمسك بهما ، وذلك لاَنهما يمثلان الخطّ الرسالي الصحيح الذي يدعو إلى التمسك بمبادىَ الاِسلام الاَصيل ومنهج الكتاب الكريم والسُنّة المحمدية الغرّاء قولاً وعملاً .
                  وفيما يلي بعض ما ورد في محبة الحسنين عليهما السلام من صحيح الاَثر ومتواتر الخبر :
                  1 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الحسن والحسين ابناي، من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار» (1).
                  2 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « هذان ابناي ، الحسن والحسين ، اللهمّ إني أُحبّهما ، اللهمّ فأحبهما وأحبّ من يُحبّهما » (2).
                  ____________
                  1) المستدرك على الصحيحين للحاكم 3 : 166 وقال : صحيح على شرط الشيخين . ومسند أحمد 2 : 288 . وسنن الترمذي 5 : 656 ـ 660 . وكنز العمال 13 : 105 . ومجمع الزوائد 9 : 179 و181 . الصواعق المحرقة : 191 ـ 192 باب 11 . ذخائر العقبى : 123 .
                  2) صحيح البخاري 5 : 100 ـ 101 | 235 . وسنن الترمذي 5 : 656 و3769 و3772 . ومسند
                  =


                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 71 )
                  وسنن الترمذي 5: 698 | 3867 . ومصابيح السُنّة 4 : 185 | 4799 . والمستدرك للحاكم 3: 158 . ومجمع الزوائد 9 : 203 . والجامع الصغير 2 : 208 | 5833 .
                  3 ـ وفي حديث أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحسن والحسين : « من أحبني فليحبّ هذين » (1).
                  4 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ذروهما بأبي وأمي ، من أحبني فليحبّ هذين » (2).
                  5 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : وقد اعتنق الحسن عليه السلام : « اللهمَّ إنّي أحبه فأحبه وأحب من يحبه » (3) .
                  6 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « حسين مني وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الاَسباط » (4).
                  7 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « الحسن والحسين ريحانتاي » (5).
                  8 ـ وعن أبي أيوب الانصاري ، قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
                  ____________

                  =

                  أحمد 2 : 446 و5 : 369 . ومسند الطيالسي 10 : 332 ، دار المعرفة ـ بيروت . والتاريخ الكبير | البخاري 2 : 286 . ومجمع الزوائد 9 : 180 . وكنز العمال 6 : 220 . وأُسد الغابة 2 : 12 .
                  1) مسند الطيالسي 10 : 327 . وتاريخ الاِسلام | الذهبي 5 : 100 .
                  2) حلية الاَولياء 8 : 305 . والمعجم الكبير 3 : 40 | 2644 . وذخائر العقبى : 123 . وكنز العمال 13: 107 . والجامع الصغير 2 : 328 . والاصابة 1 : 329 . ومجمع الزوائد 9 : 179 .
                  3) سنن الترمذي 5 : 641 و642 .
                  4) التاريخ الكبير | البخاري 8 : 415 | 3536 . وسنن الترمذي 5 : 658 | 3775 . وسنن ابن ماجة 1 : 151 | 144 . ومسند أحمد 4 : 172 . والمستدرك | الحاكم 3 : 177 . ومصابيح السُنّة 4: 195 | 4833 . وأُسد الغابة 2 : 19 . والجامع الصغير 1 : 575 | 3727 . وجامع الاصول 10 : 21 وغيرها كثير .
                  5) صحيح البخاري 5 : 102 | 241 و 8 : 11 | 23 كتاب الاَدب . وسنن الترمذي 5 : 657 | 3770 . ومسند أحمد 2 : 85 و 93 و 114 و 153 . ومسند الطيالسي 8 : 260 ـ 261 . وحلية الاَولياء 5 : 70 . وفتح الباري 8 : 100 . وأُسد الغابة 2 : 20 .

                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 72 )
                  والحسن والحسين يلعبان بين يديه ، فقلت : يا رسول الله أتحبهما ؟ فقال : « وكيف لا أُحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما » (1).
                  وممّا تقدم يتبين أنّ حب الحسن والحسين عليهما السلام واجب على كل مسلم ومسلمة لقوله تعالى : ( لقَد كانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنةٌ ) (2)، وهذا الحبّ جزء لا يتجزأ من مودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام والذي يقتضي الرضوان ونيل أرفع الدرجات ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه أخذ بيد الحسن والحسين فقال : « من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأُمهما كان معي في درجتي يوم القيامة » (3).
                  على أن المراد من إيجاب مودّة أهل البيت عليهم السلام ليس مجرد المحبة وحسب ، بل العمل بما تقتضيه من الاقتداء بهديهم والتولّي لهم والبراءة من أعدائهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من سره أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوالِ علياً من بعدي ، وليوالِ وليّه ، وليقتدِ بأهل بيتي من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أُمتي ، القاطعين بهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي » (4) .
                  ____________
                  1) كنز العمال 6 : 222 و7 : 110 . ومجمع الزوائد 9 : 181 . وبنحوه في سنن الترمذي 5 : 657 | 3770 و3772 .
                  2) سورة الاحزاب : 33 | 21 .
                  3) صحيح الترمذي 5 : 641 ـ 642 | 3733 . ومسند أحمد 1 : 77 . جامع الاصول 9 : 157 | 6706 .
                  4) شرح ابن أبي الحديد 9 : 170 | 12 . وحلية الاَولياء 1 : 86 . وكنز العمال 12 : 103 | 24198.

                  تعليق


                  • #24
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم

                    لبيك يا حسين(ع)

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    x

                    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                    صورة التسجيل تحديث الصورة

                    اقرأ في منتديات يا حسين

                    تقليص

                    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 09:44 PM
                    استجابة 1
                    5 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                    بواسطة ibrahim aly awaly
                     
                    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
                    ردود 2
                    12 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                    بواسطة ibrahim aly awaly
                     
                    يعمل...
                    X