إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

دروس من هدي القرآن الكريم ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دروس من هدي القرآن الكريم ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

    المحاضرة الأولى

    دروس من هدي القرآن الكريم

    الصرخة في وجه المستكبرين


    ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
    بتاريخ :
    17/1/2002م
    اليمن ـ صعدة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    قلنا في الأسبوع الماضي في مثل هذا اليوم : مناسب جداً أن نجتمع كل يوم خميس في هذه القاعة ولتكن جلسة ، ممكن أن نسميها حتى جلسة تخزينه ، نخزن جميعاً، بدل أن نكون بشكل مجموعات كل مجموعة تخزن في بيت في هذه القرية وفي تلك القرية، وبدل أن تتحدث كل مجموعة لوحدها عن الأحداث التي تدور في العالم في هذا الـزمان، فلنتحدث جميعاً بدل أن نتحدث كمجموعات في بيوتنا في جلسات القات، فتنطلق التحاليل الخاطئة والمغلوطة ، وينطلق التأييد والرفض المغلوط في أكثره ،داخل هذه المجموعة وتلك المجموعة وتلك المجموعة من المخزنين في مجالس القات، وبدل أن نتحدث كمجاميع هكذا مفرقة في البيوت حديثاً أجوف ،تحليلاً لمجرد التحليل ، وأخبار لمجرد الفضول ، وبطابع الفضول نتناولها ،ثم نخرج وليس لدينا موقف ، تخرج كل مجموعة وليس لها رؤية معينة ،ولا موقف ثابت ،تتقلب في حديثها ومواقفها تبعاً لما تسمعه من وسائل الإعلام.
    فتكون النتيجة هي أن يهلك الناس أنفسهم ، تكون النتيجة هي أن يخرج هذا أو ذاك من ذلك المجلس ،أو من ذلك المجلس في هذه القرية أو تلك القرية ولا يدري بأنه قد تحول إلى كافر أو يهودي أو نصراني من حيث يشعر أو لا يشعر -وبالطبع من حيث لا يشعر- فلنجتمع هنا ولنخزن ولنتحدث ، ولكن بروحية أخرى ،نتناول أحداثاً ليست على ما تعودنا عليه ، ونحن ننظر إليها كأحداث بين أطراف هناك وكأنها لا تعنينا، صراع بين أطراف هناك ، وكأننا لسنا طرفاً في هذا الصراع أو كأننا لسنا المستهدفين نحن المسلمين في هذا الصراع. نتحدث بروحية من يفهم أنه طرف في هذا الصراع ومستهدف فيه شاء أم أبى ، بروحية من يفهم بأنه وإن تنصّل عن المسئولية هنا فلا يستطيع أن يتنصّل عنها يوم يقف بين يدي الله.
    نتحدث أيضاً لنكتشف الكثير من الحقائق داخل أنفسنا ،وفي الواقع ، وعلى صعيد الواقع الذي نعيشه وتعيشه الأمة الإسلامية كلها ، نتحدث بروح عملية ،بروح مسئولة، نخرج برؤية واحدة بموقف واحد، بنظرة واحدة بوعي واحد، هذا هو ما تفقده الأمة.
    نحن نعرف جميعاً إجمالاً أن كل المسلمين مستهدفون، أو أن الإسلام والمسلمين هم من تدور على رؤوسهم رحى هذه المؤامرات الرهيبة التي تأتي بقيادة أمريكا وإسرائيل ، ولكن كأننا لا ندري من هم المسلمون.
    المسلمون هم أولئك مثلي ومثلك من سكان هذه القرية وتلك القرية، وهذه المنطقة وتلك المنطقة ،أو أننا نتصور المسلمين مجتمعاً وهمياً ، مجتمعاً لا ندري في أي عالم هو؟. المسلمون هم نحن أبناء هذه القرى المتناثرة في سفوح الجبال ، أبناء المدن المنتشرة في مختلف بقاع العالم الإسلامي ، نحن المسلمين، نحن المستهدفون .. ومع هذا نبدو وكأننا غير مستعدين أن نفهم، غير مستعدين أن نصحوا ، بل يبدو غريباً علينا الحديث عن هذه الأحداث ، وكأنها أحداث لا تعنينا ، أو كأنها أحداث جديدة لم تطرق أخبارها مسامعنا، أو كأنها أحداث وليدة يومها.
    فعلاً أنا ألمس عندما نتحدث عن قضايا كهذه أننا نتحدث عن شيء جديد، ليس جديداً إنها مؤامرات مائة عام من الصهيونية ،من أعمال اليهود، خمسين عاماً من وجود إسرائيل ، الكيان الصهيوني المعتدي المحتل، الغُدّة السرطانية التي شبّهها الإمام الخميني رحمة الله عليه، بأنها (غدة سرطانية في جسم الأمة يجب أن تُسْتأصَل).
    إن دل هذا على شيء فإنما يدل على ماذا؟. يدل على خبث شديد لدى اليهود، أن يتحركوا عشرات السنين عشرات السنين ، ونحن بعد لم نعرف ماذا يعملون. أن يتحركوا لضربنا عاماً بعد عام ضرب نفوسنا من داخلها، ضرب الأمة من داخلها ،ثم لا نعلم من هم المستهدفون، أليس هذا من الخبث الشديد؟. من التضليل الشديد الذي يجيده اليهود ومن يدور في فلكهم؟.
    فلنتحدث لنكتشف الحقائق - كما قلت سابقاً - الحقائق في أنفسنا ، ولنقل لأولئك الذين تصلنا أخبار هذا العالم وما يعمله اليهود عن طريق وسائل إعلامهم، هكذا نحن نفهم الأخبار ، هكذا نحن نفهم الأخبار.
    ما هي الحقيقة التي نريد أن نكتشفها داخل أنفسنا؟.هي: هل نحن فعلاً نحس داخل أنفسنا بمسئولية أمام الله

    أمام ما يحدث؟. هل نحن فعلاً نحس بأننا مستهدفون أمام ما يحدث على أيدي اليهود ومن يدور في فلكهم من النصارى وغيرهم؟.
    عندما نتحدث عن القضية هذه ،وعن ضرورة أن يكون لنا موقف هل نحن نُحِسّ بخوف في أعماق نفوسنا؟وخوف ممن؟. بالطبع قد يكون الكثير يحسون بخوف أن نجتمع لنتحدث عن أمريكا وعن إسرائيل وعن اليهود وعن النصارى. ولكن ممن نخاف؟. هل أحد منكم يخاف من أمريكا؟. لا. هل أحد منكم يخاف من إسرائيل؟. لا.
    ممن تشعر بأنك تخاف منه؟. من هو الذي تشعر بأنك تخاف منه؟. عندما تتحدث عن أمريكا، عندما تتحدث عن إسرائيل، عندما تلعن اليهود والنصارى، إذا شعرنا في أعماق أنفسنا بأننا نخاف الدولة فإننا نشهد في أعماق أنفسنا على أن هؤلاء هم ماذا؟. هم أولياء لليهود والنصارى، أي دولة كانت يحدث في نفسك خوف منها فإنك في قرارة نفسك تشهد بأن تلك الدولة هي من أولياء اليهود والنصارى. هذه واحدة، وإلا ما الذي يمكن أن يخيفني من جانبهم إذا ما تحدثت عن أمريكا وإسرائيل وعن اليهود والنصارى؟؟.
    ثم لنقل لهم هم من يمكن أن يدخل في نفس أي واحد منا خوف منهم: (ليس من مصلحتكم أن تظهروا للناس بأنهم يخافونكم إذا ما تحدثوا عن اليهود والنصارى ، وتحدثوا عن أمريكا وإسرائيل؛ لأنكم وإن قلتم ما قلتم وإن صنعتم ما صنعتم من مبررات فإن القرآن علمنا أنها ليست بشيء ، أنها ليست واقعية ، القرآن الكريم قال لنا:{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة:52) من مصلحتكم أن لا تعززوا تلك الحقيقة في أعماق النفوس من أننا نخاف منكم إذا ما تحدثنا عن اليهود والنصارى ، إن أعماق النفوس هو مكمن الحقائق ، ففي أعماق النفوس تكون بذرات السَّخط ، تكون هناك بذور الحرية ، تكون هناك بذور الصرخات التي تسمعونها في وجوه أوليائكم وفي وجوهكم إذا ما تحركتم لتبرهنوا على أنكم فعلاً كما شعر الناس أمامكم بأنهم يخافون منكم فتعززون في أعماق نفوسهم هذه الحقيقة ،التي ليس من صالحكم أن تفهموا الناس بأنها حقيقة دعوها، فمن مصلحتكم أن تدعوها وهماً ، وأن تكون وهماً في نفوس الناس، ليس من مصلحتكم أن يكون من جانبكم أي تحرك ، أي حدث لتعززوا هذه الحقيقة في النفوس.
    وكما قلنا سابقاً: لا تستطيعون أبداً لا تستطيعون أبداً ما دام لدينا ـ كمؤمنين ـ إيمانٌ بالله وبصدق قوله هو ،أن كل ما ينطلق من عبارات تدل على مسارعة باتجاه فوق أو باتجاه تحت، إلى اليهود والنصارى فإنها تنبئ عن مرض في القلوب، وإن أول من هدد كل من تنطلق من فمه أو يتحرك بما يدل على مرض في قلبه ،إن أول من هدده هو الله حيث يقول:{ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}، بل هدد بأن حقائق أمركم ستكشف هناك {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:53) أليس هذا تهديد إلهي؟.
    نحن كل ما بدر منا، وكل صرخة نرفعها، كل اجتماع نعمله كهذا أو غيره نحن إنما تأثرنا بوسائل إعلامكم فماذا تريدون أنتم عندما تعرضون علينا أخبار ضربات اليهود والأمريكيين والإسرائيليين هنا وهناك في أفغانستان وفي فلسطين وفي كل بقعة من بقاع هذا العالم، عندما تعرضونها علينا ماذا تريدون أنتم من خلال العرض؟.
    عندما تأتي أنت أيها المذيع وتعرض علينا تلك الأخبار ، وعبر الأقمار الصناعية لنشاهدها ، فنشاهد أبناء الإسلام يُقًتَّلُون ويُذبحون، نشاهد مساكنهم تهدم ، هل تظن أننا سننظر إلى تلك الأحداث بروحية الصحفي الإخباري الذي يهمه الخبر فقط لمجرد الخبر. وتهمه نبرات صوته وهو يتحدث واهتزازات رأسه ، إن كنت لا تريد من نبرات صوتك أن توجد نبرات من الحرية نبرات في القلوب ، في الضمائر تصرخ بوجه أولئك الذين تقدم لنا أخبارهم ، إن كنت لا تريد باهتزاز رأسك أن تَهز مشاعر المسلمين هنا وهناك ،إن كنت إنما تحرص على نبرات صوتك وعلى اهتزازات رأسك لتظهر كَـ فَنيِّ إعلامي، نحن لا ننظر إلى الأحداث بروحيتك الفنية الإعلامية الإخبارية ، نحن مؤمنون ولسنا إعلاميين ولا صحفيين ولا إخباريين نحن نسمع قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (الصف:2ـ3) نحن ننظر إلى ما تعرضه على شاشة التلفزيون بنظرتنا البدائية ،نحن لا نزال عرباً لم نَتَمَدّن بعد، ببساطة تفكيرنا كعرب مسلمين لا تزال في نفوسنا بقية من إبَاءٍ ،بقية من إيمان ، فنحن لسنا ممن ينظر إلى تلك الأحداث كنظرتك أنت.
    لنقول لهم: إذا كنتم لا تريدون من خلال ما تعرضون أن تحدثوا في أنفسنا أن نصرخ في وجه أولئك الذين يصنعون بأبناء الإسلام ما تعرضونه أنتم علينا في وسائل إعلامكم فإنكم إنما تخدمون اليهود والنصارى وتخدمون أمريكا وإسرائيل بما تعرضون فعلاً؛ لأنكم إنما تريدون حينئذٍ بما تعرضون أن تعززوا في نفوس أبناء الإسلام في نفوس المسلمين الهزيمة والإحباط والشعور باليأس والشعور بالضَّعَة ، أو فاسكتوا فلا تعرضوا شيئاً ، ولكن لو سكتم فلم تعرضوا شيئاً ستكون إدانة أكبر وأكبر، ستكونون بسكوتكم تسكتون عن جرائم، تسكتون عن جرائم لليهود والنصارى في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي ضحيتها هم أبناء الإسلام، هم إخوانكم من المسلمين.
    هذه الحقيقة : التي يجب أن نعرفها وأن نقولها لأولئك، وأن نرفض الحقيقة التي يريدون أن يرسخوها في أنفسنا هم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، حقيقة الهزيمة ، (الهزيمة النفسية)، لا نسمح لأنفسنا ، لا نسمح لأنفسنا أن نشاهد دائماً تلك الأحداث وتلك المؤامرات الرهيبة جداً جداً ، ثم لا نسمح لأنفسنا أن يكون لها موقف ، سنكون من يشارك في دعم اليهود والنصارى عندما نرسخ الهزيمة في أنفسنا ، عندما نَجْبُن عن أي كلمة أمامهم.
    إذاً فهمنا بأنه ليس من صالح أي دولة كانت أن تُظهِر للآخرين ما يخيفهم من جانبها عندما يتحدثون ويصرخون في وجه أمريكا وإسرائيل ، عندما يرفعون صوتهم بلعنة اليهود الذين لعنهم الله على لسان أنبيائه وأوليائه.
    ثم سنسهم دائماً في كشف الحقائق في الساحة ؛ لأننا في عالم ربما هو آخر الزمان كما يقال ،ربما -والله أعلم- هو ذلك الزمن الذي يَتَغَرْبَل فيه الناس فيكونون فقط صفين فقط مؤمنون صريحون/ منافقون صريحون، والأحداث هي كفيلة بأن تغربل الناس ، وأن تكشف الحقائق.
    عندما نتحدث أيضاً هو لنعرف حقيقة أننا أمام واقع لا نخلوا فيه من حالتين، كل منهما تفرض علينا أن يكون لنا موقف ، نحن أمام وضعية مَهِيْنة، ذل، وخزي ، وعار ، استضعاف ، إهانة، إذلال ، نحن تحت رحمة اليهود والنصارى، نحن كعرب كمسلمين أصبحنا فعلاً تحت أقدام إسرائيل، تحت أقدام اليهود، هل هذه تكفي إن كنا لا نزال عرباً، إن كان لا يزال لدينا شهامة العربي وإباه ونَخْوَته ونجدته لتدفعنا إلى أن يكون لنا موقف.
    الحالة الثانية : هي ما يفرضه علينا ديننا، ما يفرضه علينا كتابنا القرآن الكريم من أنه لا بد أن يكون لنا موقف من منطلق الشعور بالمسئولية أمام الله سبحانه وتعالى، نحن لو رضينا - أو أوصلنا الآخرون إلى أن نرضى - بأن نقبل هذه الوضعية التي نحن عليها كمسلمين، أن نرضى بالذل أن نرضى بالقهر ، أن نرضى بالضَّعَة ، أن نرضى بأن نعيش في هذا العالم على فتات الآخرين وبقايا موائد الآخرين ، لكن هل يرضى الله لنا عندما نقف بين يديه السكوت؟. من منطلق أننا رضينا وقبلنا ولا إشكال فيما نحن فيه سنصبر وسنقبل. فإذا ما وقفنا بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، هل سنقول: (نحن في الدنيا كنا قد رضينا بما كنا عليه؟). هل سيُعْفينا ذلك عن أن يقال لنا: ألم نأمركم؟ {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} ( المؤمنون: من الآية105) ؟{ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} (غافر: من الآية50) ؟. ألم تسمعوا مثل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}(آل عمران: من الآية103) ومثل قوله تعالى{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}(آل عمران) أليست هذه الآيات تخاطبنا نحن؟. أليست تحملنا مسئولية؟.
    ألم يقل القرآن لنا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(آل عمران: من الآية110) ؟. ألم يقل الله لنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14) ؟.
    فإذا رضينا بما نحن عليه وأصبحت ضمائرنا ميتة،لا يحركها ما تسمع ولا ما تحس به من الذلة والهوان، فأعفينا أنفسنا هنا في الدنيا فإننا لن نُعفى أمام الله يوم القيامة،لابُدّ للناس من موقف،أو فلينتظروا ذلاً في الدنيا وخزياً في الدنيا وعذاباً في الآخرة،هذا هو منطق القرآن الكريم،الحقيقة القرآنية التي لا تتخلف لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}(الأنعام:من الآية115){وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}(الأنعام:من الآية34){مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}(قّ:29) ثم عندما نتحدث ونذكر الأحداث وما يحصل في هذا العالم وما يحدث ،ووصلنا إلى وعي بأنه فعلاً يجب أن يكون لنا موقف ، فما أكثر من يقول: (ماذا نعمل؟. ماذا نعمل وماذا بإمكاننا أن نعمل؟). أليس الناس يقولون هكذا؟. هذه وحدها تدل على أننا بحاجة إلى أن نعرف الحقائق الكثيرة عما يعمله اليهود وأولياء اليهود ،حتى تلمس فعلاً بأن الساحة ، بأن الميدان مفتوح أمامك لأعمال كثيرة جداً جداً جداً.
    أولا تدرون أن بإمكانكم أنتم في هذه القاعة أن تعملوا عملاً عظيماً ،وكل واحد منكم بإمكانه أن يعمله وستعرفون أنه عمل عظيم عندما تحسون في أنفسكم أن عملاً كهذا سيثير هذا أو ذاك ، وسينطلق المرجفون من هنا وهناك والمنافقون من هنا وهناك فيرجفون ويثبطون.
    الميدان ليس مقفلاً ، ليس مقفلاً أمام المسلمين ،أعمال اليهود والنصارى كثيرة، ومجالات واسعة ، واسعة جداً ،وهم يحسون بخطورة تحركك في أي مجال من المجالات لتضرب عملهم الفلاني ، أو تؤثر على مكانتهم بصورة عامة ، أو لتؤثر على ما يريدون أن يكون سائداً ، غطاء على العيون وعلى القلوب.
    (…)
    أو قد يقول البعض: (فقط هي أحداث هنا وهناك). لقد حُسِم الموضوع بالشكل الذي يؤهل أمريكا لأن تعمل ما تريد أن تعمل في بقاع العالم الإسلامي كله، فما سمعناه بالأمس في أفغانستان هو ما يُحَاك مثله اليوم ضد حزب الله في لبنان، هو ما يُحاك مثله اليوم ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، هو ما يُحاك مثله اليوم ضد المملكة العربية السعودية للسيطرة على الحج، على مشاعر الحج فنحن من كنا نصرخ لتحرير القدس، سنصرخ -إن كنا سنصرخ - عندما تُحتل مكة عندما تُحتل المدينة ، وهذا محتمل احتمالاً كبيراً جداً.
    فكيف ترى بأنه ليس بإمكانك أن تعمل ، أو ترى بأنك بمعزل عن هذا العالم وأنك لست بمستهدف ، أو ترى بأنك لست مُستذَل، ممن هو واحد من الأذلاء ، واحد من المستضعفين، واحد من المُهانين على أيدي اليهود والنصارى، كيف ترى بأنك لست مسئولاً أمام الله ،ولا أمام الأمة التي أنت واحد منها ، ولا أمام هذا الدين الذي أنت آمنت به؟!.
    هذا شيء مؤكد ، أنه بعد أن سلّم الجميع لأمريكا، أن تكون هي من يقود التحالف العالمي -والذي من ضمنه الدول العربية- لمكافحة الإرهاب.
    والإرهاب ما هو من وجهة نظر أمريكا ما هو الإرهاب؟. في رأس قائمة الإرهاب هو ذلك الجهاد الذي تكررت آياته على صفحات القرآن الكريم ، هذا هو الإرهاب رقم واحد ، من وجهة نظرهم.
    وهذا هو ما وقّع عليه زعماء العرب ، ما وقع زعماء المسلمين على طمسه ، إذاً ربما شاهدتم ما يُدبر ضد حزب الله، وفعلاً هذا هدف رئيسي من وراء كل ذلك التمثيل ،قصة أسامة أو التمثيلية التي كان بطلها أسامة وطالبان، فلا أسامة ولا طالبان هم المستهدَفون، ولا ذلك الحدث الذي حصل في نيويورك هو الذي حرك أمريكا ، من يدري من يدري أن المخابرات الأمريكية قد تكون هي من دبرت ذلك الحدث ؛لتصنع المبررات وتهيئ الأجواء لتضرب من يشكلون خطورة حقيقية عليها ، وهم الشيعة ، هم الشيعة [وإن كانوا في نفس الوقت يكرهون الجميع ويستهدفون الجميع سنة وشيعة.]
    اليهود يعرفون بأن السنِّية لن يشكلوا أي خطر عليهم ، ونحن رأينا فعلاً رأينا فعلاً ما يشهد بأنهم فعلاً ينظرون هذه النظرة. أليس زعماء العالم الإسلامي اليوم سنِّية؟. أليسوا سنّة كلهم؟. ربما واحد منهم (خاتمي) شيعي، هؤلاء هم ماذا عملوا في هذا العالم؟.
    أليسوا هم من وافق ، من سارع إلى التصديق على أن تكون أمريكا هي من يقود التحالف العالمي ضد ما يسمى بالإرهاب؟. ومن هو الذي يقود التحالف العالمي؟. أمريكا، أمريكا هم اليهود ،وأمريكا هي إسرائيل ،اليهود هم الذين يحركون أمريكا ويحركون إسرائيل ، ويحركون بريطانيا ويحركون معظم الدول الكبرى، اليهود هم الذين يحركونها.
    لقد تجلّت حقيقة خطيرة جداً.. خطيرة جداً جديرة بأن نلعن كل صوت رفع في تاريخ الإسلام أو خُطَّ بأقلام علماء السوء أو مؤرخي السوء الذين عملوا على تَدْجِيْنِ الأمة لكل حكام الجور على طول تاريخ الإسلام ، نقول لهم : انظروا ماذا جنت أيديكم في هذا العصر ، انظروا ما تركت أقلامكم، انظروا ما تركت أصواتكم، يوم كنتم تقولون: (يجب طاعة الظالم ، لا يجوز الخروج على الظالم، يجب طاعته لا يجوز الخروج عليه، سيحصل شق لعصى المسلمين)، وعبارات من هذه. أنتم يا من دَجَّنْتُم الأمة الإسلامية للحكام، انظروا كيف دَجَّنَها الحكام لليهود، انظروا كيف أصبحوا يتحركون كجنود لأمريكا وإسرائيل.
    و نحن نعرف - من نتعلم ومن نحمل علماً - ما أخطر ما أخطر ما تجني على نفسك وعلى الأمة باسم عالم وباسم علم. عندما رفعوا أصواتاً مثل تلك أيام أبي بكر أيام عمر ، أيام عثمان، أيام معاوية ، أيام يزيد، أصوات كانت تُرفع، وهكذا على طول تاريخ الأمة الإسلامية إلى اليوم نقول لهم: انظروا ،انظروا دَجَّنْتُمونا لأولئك فدجنونا لليهود ، وكما كنتم تقولون لنا أن نسكت، أسكتوا لا ترفعوا كلمة ضد هذا الخليفة أو هذا الرئيس ، أو ذلك الملك أو هذا الزعيم. هم اليوم يقولون لنا: اسكتوا لا تتحدثوا ضد أمريكا وضد إسرائيل.
    فما الذي حصل؟. ألم يقدم علماء السوء القرآن الكريم والإسلام كوسيلة لخدمة اليهود والنصارى في الأخير؟.
    هذا هو الذي حصل، هذا هو الذي حصل، ولا تُقْبل المبررات عند الله سبحانه وتعالى تحت اسم (لا نريد شق عصى المسلمين) ، هذا هو شق عصى المسلمين ، هذا هو كسر الأمة، هذا هو كسر نفوس المسلمين ،هذا هو كسر القرآن، وكسر الإسلام بكله، أن تصبح وسائل الإعلام، وأن تصبح الدول الإسلامية في معظمها هكذا تعمل على تَدْجِين الشعوب المسلمة ، أبناء الإسلام أبناء القرآن تُدَجِّنُهم لليهود والنصارى..أي خزي هذا؟!. وأي عار هذا؟!.
    ثم بعد هذا من يَجْبُن أن يرفع كلمة يصرخ بها في وجه أمريكا وإسرائيل فإنه أسوء من أولئك جميعاً ،إنه هو من توجهت إليه أقلام وأصوات علماء السوء ومؤرخي السوء على امتداد تاريخ الإسلام وإلى اليوم، وهو من تتجه إليه خطابات الزعماء بأن يسكت ،فإذا ما سكتَّ كنت أنت من تعطي الفاعلية لكل ذلك الذي حصل على أيدي علماء السوء وسلاطين الجور. فهل تقبل أنت.؟ هل تقبل أنت أن تكون من يعطي لكل ذلك الكلام فاعلية من اليوم فما بعد؟.
    ألا يكفيك أنت ما تشاهد ؟. ألا يكفيك ما ترى؟. إلى أين وصلت هذه الأمة تحت تلك العناوين؟؟.
    وهذا هو الذي كان يدفعنا - أيها الأخوة - إلى أن نتحدث بصراحة في مجالسنا بدئاً من أيام الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) إلى اليوم -حسب معرفتنا -؛لتتجلى الحقائق ، لنكتشف الحقائق، إذا كان هناك لا يزال ذرة من إيمان، ذرة من إباء، ذرة من شهامة
    .

    ـــــــــــــــــــ
    البقية في الصفحة التالية

  • #2
    البقية

    البقية
    ـــــــــــــــــــــ

    ما يتعرض له اليوم حزب الله ، ومن هو حزب الله؟. إنهم سادة المجاهدين في هذا العالم ،هم من قدموا الشهداء، هم من حفظوا ماء وجه الأمة فعلاً، لقد ظهروا بالشكل الذي كنا نقول: (مازال هؤلاء يحافظون على
    ماء وجوهنا هم الذين حفظوا الشهادة على أن الإسلام لا يمكن أن يُهزَم).هم اليوم تحاك ضدهم المؤامرات ،ولكن بأسلوب آخر، هل اتهموا حزب الله بأنه كان وراء عملية ضرب البرج في نيويورك؟. لا أعتقد، لو اتهموه بذلك لشدّوا أنظار الأمة إلى حزب الله، وهذه حالة خطيرة جداً جداً على أمريكا وإسرائيل أن تنطلق من أفواههم كلمة واحدة تشد المسلمين إلى حزب الله ، حاوَلوا أن يشدوا أنظار المسلمين إلى ذلك الرمز الوهمي ،الذي لا يضر ولا ينفع، لا يضر أمريكا ولا ينفع المسلمين (أسامة وطالبان). أليسوا هم من اُتِّهِموا بحادث نيويورك من بعد ربع ساعة من الحادث تقريباً؟.
    حزب الله يُدبر لـه تحت عناوين أخرى لا تكون جذابة، وحينها عندما يُضرب حزب الله فنكون نحن المسلمين لم نعد نرى في حزب الله بأنه يشكل خطورة على أمريكا وإسرائيل ؛لأنه لم يقصم رأس أمريكا ، ذلك البرج الذي كان منتصباً في نيويورك.
    هذا من خبث اليهود أن يضربوا برجاً هكذا ؛لأنهم أصبحوا يعرفون أننا نحن العرب أصبحت أنظارنا كأنظار القطط، تنظر إلى الشيء الذي يتحرك طويلاً منتصباً، فيوهمونا بأن هذا رأس أمريكاَ ضُرب على يد أسامة وطالبان ،إذاً أولئك هم من ضرب أمريكا أما حزب الله ماذا عمل؟.
    ليُضرَب حزبُ الله فيما بعد ثم لا يتحرك في المسلمين شعرة واحدة ،يُضرب من يُضرَب فليُضرَب حزب الله فلتضرَب إيران فليُضرَب العراق كل هؤلاء ليسوا بشيء ، فقط نكون حريصين على أن يسلم أسامة وطالبان.
    وقد سلموا فعلاً ،لأن أمريكا كانت أحرص منا على سلامتهم ،أين هي الإحصائيات عن قتل واحدٍ من قادتهم؟. أين هي الإحصائيات عن قتل ولو ألف شخص منهم؟. لا شيء. الله يعلم وحده أين ذهبوا ، والأمريكيون يعلمون أيضاً أين ذهبوا. هكذا يخطط اليهود، هكذا يخطط اليهود.
    ولنعرف حقيقة واحدة من خلال هذا ، أن اليهود أن الأمريكيين على الرغم مما بحوزتهم من أسلحة تكفي لتدمير هذا العالم عدة مرات حريصون جداً جداً على أن لا يكون في أنفسنا سخط عليهم ، حريصون جداً جداً على أن لا نتفوه بكلمة واحدة تنبئ عن سخط أو تزرع سخطاً ضدهم في أي قرية ولو في قرية في أطرف بقعة من هذا العالم الإسلامي ، هل تعرفون أنهم حريصون على هذا؟.
    والقرآن الكريم كان يريد منا أن نكون هكذا عندما حدثنا أنهم أعداء ، يريد منا أن نحمل نظرة عداوة شديدة في نفوسنا نحوهم ،أي أن ننظر إليهم على أنهم أعداء لنا ولديننا، لكنا كنا أغبياء لم نعتمد على القرآن الكريم، كنا أغبياء، فجاءوا هم ليحاولوا أن يمسحوا هذه النظرة، أن يمسحوا هذا السخط.
    لماذا؟. لأنهم حينئذٍ سيتمكنون من ضرب أي منطقة أو أي جهة تشكل عليهم خطورة حقيقية، ثم لا يكون هناك في أنفسنا ما يثير سخطاً عليهم، ثم لا تكون تلك العملية مما يثير سخط الآخرين من أبناء هذه الأمة عليهم، هكذا يكون خبث اليهود والنصارى، هكذا يكون خبث اليهود بالذات، أما النصارى فهم هم قد أصبحوا ضحية لخبث اليهود، النصارى هم ضحية كمثلنا ،تلك الشعوب هم ضحية مثلنا لخبث اليهود، هم من يحركهم اليهود، من أصبحوا يصفقون لليهود.
    لماذا لم تبادر أمريكا إلى أن تتهم حزب الله وتضرب حزب الله ،ونحن نعلم بأن من هو رأس قائمة الإرهاب -كما تقول- هو إيران وحزب الله؟ ؛ لأن أمريكا هي اليهود ، اليهود هم الذين يحركونها ،هم يريدون أن يضربوا في الوقت الذي يكون فيه، ما حدث أو على ضوء ما حدث في نيويورك ، قد أحدث رعباً في نفوس الناس فبدت أمريكا تتحرك بقطعها (…)
    ثم سارع إليها الآخرون فأيدوها ، ثم انطلقوا هم ليكمموا أفواه المسلمين عن أن ينطقوا ، أن تنطلق من حناجرهم صرخة ضد أمريكا وضد إسرائيل. حينئذٍ رأت الأجواء المناسبة لأن تضرب هنا وهناك ، وتحت مبرر أصبح لدينا مقبولاً هو أن أولئك إرهابيون ،وطبعاً الإرهابيون قد أجمع العالم كله عليهم فليُضربوا.
    قد نسينا أننا مسلمون، نسينا أنه ليس فقط المستهدف هو حزب الله أو إيران إنما الأمة كلها، ألم نفرح نحن عندما رأيناهم يمسكون الوهابيين في اليمن؟. وقلنا: (نعمة ، وهذا من بداية الفرج أن يمسك هؤلاء لأنهم وُصِموا بأنهم إرهابيون). أنتم جميعاً ، أبناءْ هذا الشعب كله ممكن أن يكونوا إرهابيين في نظر أمريكا، وستكون أنت إرهابي داخل بيتك؛ لأنه لا يزال داخل بيتك كتاب إرهابي لديهم هو القرآن الكريم ، لا زال في بيتك -أنت أيها الزيدي- كتب هي - من وجهة نظر أمريكا - في بداية وفي أول قائمة الكتب الإرهابية، كتب أهل البيت عليهم السلام ، ليس فقط الوهابيون هم الضحية، ليسوا هم المستهدفين فعلاً ، زعماؤهم لن يتعرضوا لسوء -هذا ما اعتقد- كلها تمثيليات.
    الإرهابيون الحقيقيون هم الوهابيون يوم كانوا يفرقون كلمة الناس ، يوم كانوا ينطلقون داخل هذا المسجد وتلك القرية ، وهذه المدرسة وذلك المعهد؛ ليثيروا في أوساط الناس العداوة والبغضاء ضد بعضهم بعضاً؛ وليثقفوا أبناء المسلمين بالعقائد الباطلة التي جعلت الأمة ضحية طول تاريخها وأصبحت اليوم بسببها تحت أقدام اليهود والنصارى ، هم إرهابيون فعلاً عندما كانوا يعملون هذه الأعمال ضدنا نحن أبناء الإسلام ـ أمَّـا أمريكا فلا نعلم أنهم قد عملوا ضدها أي شيء ـ .
    ولكن على الرغم من هذا كله هل تعتقدون بأننا نؤيد أن يُمسكوا؟. نحن لا نؤيد أن يمسك يمني واحد تحت أي اسم كان ، سواء كان وهابياً شافعياً حنبلياً زيدياً كيفما كان، نحن نرفض ، نحن ندين ونستنكر أن يُمسك تحت عنوان أنه إرهابي ضد أمريكا ، وحتى (الزنداني) نفسه وهو من نكرهه، نحن لا نؤيد أن يمسك تحت عنوان أنه إرهابي ضد أمريكا.
    هذا ما يجب أن نتفاداه جميعاً ، ما يجب أن نتفاداه جميعاً، حتى وإن ارتحنا في داخل أنفسنا من واقع أن هؤلاء هم ضربونا، هم ضربونا فعلاً ، هم أثروا فعلاً، لكن أنت إذا أيدت فإنك أول من تحكم على نفسك متى ما قالوا أنك إرهابي أن تُسلَّم ثم لا أحد يدين ولا يستنكر ولا يصرخ.
    فعلاً نحن نكرههم، ونحملهم مسئولية ما أحدثوه من فرقة داخل الزيدية من البسطاء المساكين الذين أصبحوا ضحية لدجلهم وتضليلهم ،ونقول لهم: أنتم إرهابيون فعلاً بهذا الاعتبار، ولكننا فيما إذا تعرضتم لمسك تحت مسمى الإرهاب فإننا نستنكر أن يمسك أبغض شخص منكم عندنا.
    لأن هذا لم يكن حتى عند العرب البدائيين مما يمكن أن يقبل ،نحن كعرب ، نحن كمسلمين -وإن كنا طوائف متعددة- نرفض أن يكون لأمريكا أو إسرائيل، أن يكون لليهود تسلط على واحدٍ منا كائناً من كان، ونحن في داخلنا فلنتصارع، ونحن في داخلنا فلنصحح وضعيتنا، وهكذا يعمل من لا زالوا قبائل في بعض مناطق اليمن ،متى ما كانوا مختلفين فيما بينهم يتحدون صفاً واحداً ضد طرف آخر هو عدوٌ للجميع.
    نعود من جديد أمام هذه الأحداث لنقول: هل نحن مستعدون أن لا نعمل شيئاً؟. ثم إذا قلنا نحن مستعدون أن نعمل شيئاً فما هو الجواب على من يقول (ماذا نعمل؟).
    أقول لكم أيها الاخوة اصرخوا ، ألستم تملكون صرخة أن تنادوا:
    [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
    أليست هذه صرخة يمكن لأي واحد منكم أن يطلقها؟. بل شرف عظيم لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة فتكون هذه المدرسة ،وتكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة التي بالتأكيد - بإذن الله - ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل وفي أماكن أخرى ،وستجدون من يصرخ معكم - إن شاء الله - في مناطق أخرى:
    [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]( )
    هذه الصرخة أليست سهلة ، كل واحد بإمكانه أن يعملها وأن يقولها؟.
    إنها من وجهة نظر الأمريكيين - اليهود والنصارى - تشكل خطورة بالغة عليهم.
    لنقل لأنفسنا عندما نقول: ماذا نعمل؟. هكذا اعمل ، وهو أضعف الإيمان أن تعمل هكذا، في اجتماعاتنا، بعد صلاة الجمعة،وستعرفون أنها صرخة مؤثرة ، كيف سينطلق المنافقون هنا وهناك والمرجفون هنا وهناك ليخوفونكم، يتساءلون :ماذا؟. ما هذا؟.
    أتعرفون؟، المنافقون المرجفون هم المرآة التي تعكس لك فاعلية عملك ضد اليهود والنصارى ؛ لأن المنافقين هم إخوان اليهود والنصارى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ}(الحشر: من الآية11) فحتى تعرفون أنتم ،وتسمعون أنتم أثر صرختكم ستسمعون المنافقين هنا وهناك عندما تغضبهم هذه الصرخة ، يتساءلون لماذا؟. و ينطلقون ليخوفوكم من أن ترددوها.
    إذاً عرفنا أن باستطاعتنا أن نعمل، وأن بأيدينا وفي متناولنا كثير من الأعمال، وهذه الصرخة [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود - لأنهم هم من يحركون هذا العالم من يفسدون في هذا العالم - / النصر للإسلام] هي ستترك أثرها ، ستترك أثراً كبيراً في نفوس الناس، إنشاء الله.
    ما هو هذا الأثر؟. السخط ، السخط الذي يتفاداه اليهود بكل ما يمكن ،السخط الذي يعمل اليهود على أن يكون الآخرون من أبناء الإسلام هم البديل الذي يقوم بالعمل عنهم في مواجهة أبناء الإسلام، يتفادون أن يوجد في أنفسنا سخط عليهم، ليتركوا هذا الزعيم وهذا الرئيس وذلك الملك وذلك المسئول وتلك الأحزاب - كأحزاب المعارضة في الشمال في أفغانستان - تتلقى هي الجفاء، وتتلقى هي السخط ،وليبقى اليهود هم أولئك الذين يدفعون مبالغ كبيرة لبناء مدارس ومراكز صحية وهكذا ليمسحوا السخط.إنهم يدفعون المليارات من أجل أن يتفادوا السخط في نفوسنا، إنهم يعرفون كم سيكون هذا السخط مكلفاً ، كم سيكون هذا السخط مخيفاً لهم. كم سيكون هذا السخط عاملاً مهماً في جمع كلمة المسلمين ضدهم. كم سيكون هذا السخط عاملاً مهماً في بناء الأمة اقتصادياً وثقافياً وعلمياً، هم ليسوا أغبياء كمثلنا يقولون ماذا نعمل؟. هم يعرفون كل شيء.
    من خلالهم تستطيع أن تعرف ماذا تعمل إذا كنت لا تعرف القرآن الكريم ماذا تعمل ضدهم؟.
    والقرآن الكريم هو الذي أخبرنا عنهم ،وكيف نعمل ضدهم، فحاوِل أن تعرف جيداً ما يدبره اليهود والنصارى؛ لتلمس في الأخير إلى أين يصل ،ولتعرف في الأخير ماذا يمكن أن تعمل.
    نحن يجب أن نكون سبّاقين ، ونحن - في هذه القاعة- متعلمون وطلاب علم ووجهاء ، أن نكون سبّاقين ، ليكون لنا فضل السبق، فلنكن أول من يصرخ بهذا الشعار ،أول من يعلن الاستنكار ضد مسك أي شخص، من يستنكر أي عمل تريد أن تعمله أمريكا ضد حزب الله وضد إيران ، وضد العراق ، وضد أفغانستان ،وضد أي بلد إسلامي، وضد السعودية نفسها التي كنا نعاني منها ، - وما زلنا نعاني - الكثير الكثير ، الأمور أصبحت أكبر ، أكبر بكثير ، عدو الأمس قد يصبح صديق اليوم بالنسبة لك ، أمام هذه الأحداث المرعبة.
    ماذا لو تعرض الحج؟. هل تظنون أنه مستحيل؟. كنا نقرأ من سنين نقرأ من سنين نصوصاً لوزراء بريطانيين ونصوص ليهود ،وهم يصيحون من الحج ، وقرأنا للإمام الخميني وهو يؤكد - قبل أكثر من عشرين عاماً- بأن أمريكا وإسرائيل تخطط للاستيلاء على الحج.
    ولتعرف أهمية الحج بالنسبة للأمة وفي مواجهة أعداء الإسلام والمسلمين ارجع إلى القرآن الكريم تجد آيات الحج متوسطة للحديث عن بني إسرائيل ، وآيات الجهاد والإعداد ضدهم في أكثر من موقع في القرآن الكريم. فهم لا بد ، لا بد أن يعملوا للاستيلاء على الحج بأي وسيلة ممكنة، وقد رأوا بأن الأمور تهيأت لهم على هذا النحو، حتى أصبح زعماء المسلمين بعد أن فرقوا البلاد الإسلامية إلى دويلات، كل دولة لا يهمها أمر الدولة الأخرى ، فإذا ما ضُرِبَت السعودية تحت مسمى أنها دولة تدعم الإرهاب ، والسعوديون أنفسهم نستطيع أن نقطع بأنهم لم يعملوا ضد أمريكا أي شيء، لكنهم يواجَهون بحملة شديدة ، ويواجهون بحملات دعائية ضدهم في الغرب، تَصِمُهُم بأنهم دولة تدعم الإرهاب ، وأنهم إرهابيون ، وأن مصالح أمريكا في المنطقة معرضة للخطر من الإرهابيين، السعوديون أنفسهم لم يفهموا ما هذا؟. استغربوا جداً لماذا هذه الضجة ضدنا، ونحن أصدقاء، نحن أصدقاء لكم أيها الأمريكيون ، ما هذه الضجة ضدنا؟.
    كل ذلك يدل أن بالإمكان - فعلاً - أن تضرب السعودية للاستيلاء على الحرمين ، ونحن سننظر - في بقية بقاع الدنيا - بأن الذي حصل هو حصل داخل المملكة العربية السعودية ، وعلى مناطق هي تحت سيادة المملكة العربية السعودية، ونحن يمنيون وهم سعوديون ، نحن مصريون وهم سعوديون، نحن باكستانيون وهم سعوديون، نحن.. وهكذا كل دولة مسلمة ربما تقول هذا المنطق. وسيقول زعماؤها :لا ..السعودية إنما ضُرِبت لأنها دعمت الإرهاب، ثم سيقطع زعماء البلدان الأخرى علاقاتهم مع السعودية، كما قطعوها مع طالبان، ألم يقطعوها مع طالبان سريعاً؟. السعودية والإمارات العربية وباكستان كانت هي الدول التي اعترفت بـ(طالبان). ظهر في الصورة أن أمريكا تريد أن تضرب هؤلاء هم إرهابيون ، إذاً نقطع علاقاتنا معهم، سيتكرر هذا مع السعودية نفسها ، وقد يتكرر مع باكستان نفسها إذا ما جُنِّدَت الهند ضدها، وهكذا سيصبح اسم (إرهاب ، إرهاب، إرهاب، أنت إرهابي، دولة إرهابية) هي العبارة التي تُقَطِّع الأسباب ،وتقطع العلاقات ،وتُقَطِّع كل أسباب التواصل فيما بيننا.
    يمكن لأي شخص لا يستشعر المسؤولية ،يمكن لأي شخص لا يهمه أمر المسلمين ، يمكن لأي شخص ليس فيه ذرة من عروبة أن يقول للآخرين: (هم إرهابيون، من الذي قال لهم أن يعملوا هكذا ، هم إرهابيون)، تصبح كلمة للتبرير يبرر كل إنسان موقفه السلبي من الآخرين ، تبرر كل دولة موقفها السلبي من الدولة الأخرى وهكذا. حالة خطيرة استطاع اليهود والنصارى أن يصنعوها ، استطاعوا أن يصنعوها.
    ماذا يمكن أن نعمل نحن؟. ستقول الدولةنحن يمنيون وهم سعوديون ، والسعوديون هؤلاء هم دعموا الإرهاب ، وإنما يُضرَبوا من أجل أنهم إرهابيون) لن يتفوه اليهود بكلمة واحدة أنهم سيحتلون مكة والمدينة ، لكن سيحتلونها. وما زالوا محافظين على آثار اليهود في أماكن قريبة من المدينة، ويمكن لليمن نفسه أن يكون ضحية لليهود، هل تعرفون ذلك؟. والوثائق بأيديهم ،بأيديهم (بصائر) - حسب منطقنا - وثائق.
    أولاً ماذا يمكن أن يعملوا؟. كثير من المشائخ الذين كانوا هنا يحاربوننا يوم كانوا يستلمون من السعودية مبالغ ، ألم يكونوا هم من سهل للوهابيين أعمالهم؟، وهم يستلمون مبالغ من المال من السعودية؟. سيستلمون مبالغ من أمريكا ، لكن لعمل آخر ؛ليسكتونا ليضربونا، ليضربوا تراثنا ، مدارسنا بحجة أنها إرهابية.
    ثم عندما تتهيأ الأجواء على شكل أكبر وأكبر، ستسمع نبرة أن اليمن كان هو شعب يهودي في السابق، في التاريخ، أليس كذلك؟.{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُود ِ(4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)} (البروج) هذا كان في أيام أحد ملوك حِمْيَر الذي فرض على اليمنيين أن يكونوا يهوداً ، فرض اليهودية في اليمن ،وكان كثير من اليهود الذين كانوا ما يزالون في اليمن هم من بقايا اليهود الذين كانوا في أيام الدولة الحميرية في بعض مراحلها. ففرضوا اليهودية على اليمن.
    حينئذٍ سيقول كُتَّاب -من نوع أولئك الذين تأسفوا على أن بلقيس ذهبت إلى سليمان  لتسلم ،قالوا: (أننا خسرنا حضارة ، لماذا تذهب بلقيس لتسلم على يد سليمان ) - أقلام هنا في اليمن ستخدم اليهود، بعض الأحزاب حاولت أن يكون في أعضائها يهود، في بعض مناطق تعز وفي صنعاء ، -أنا لا أذكر اسم ذلك الحزب بالتحديد- يحاول أن يكون له علاقة قوية باليهود ، وأن يكون في أعضائه يهود ، ويفتخر بذلك، سينطلق كُتَّاب من هذا النوع يذكرونا بأمجادنا بحضارتنا السابقة. ألم يبدءوا بربطنا نحن اليمنيين -من قبل فترة طويلة- بتلك الأعمدة التي كانت ما تزال من آثار دولة بلقيس ، دولة السبئيين والمعينيين ، الأعمدة والآثار ألم يربطونا بها وأنها شاهد على حضارتنا وعلى مجدنا في التاريخ؟ ، سيصبح في الأخير شاهد على حضارتنا كأمة لها ثقافة أيام كنا يهود ، سيقولون هكذا ، ليس بعيداً ، لا تستبعدوا شيئاً أليس هناك داخل لبنان عملاء لإسرائيل ضد اللبنانيين؟. أليس هناك داخل الفلسطينيين من أبناء الفلسطينيين أنفسهم ممن يرون أبناء وطنهم أبناء إخوانهم ، أبناء أمهاتهم يُذبّحون ويُقتلون فيعملون مع إسرائيل وبكل إخلاص مقابل دولارات؟. ألم يحصل هذا؟. هل نحن اليمنيين لسنا على هذا النحو؟. والله كثير -فيما أعتقد- وسيظهر كثير من زعماء القبائل وليس فقط من الصغار ،صغار وكبار سيظهرون، ومثقفون وكُتَّاب سيظهرون. من باع دينه -والدين سواء يباع من وهابي أو من سعودي أو من إسرائيل أو من أمريكا - الذي باع دينه من هذا سيبيعه من هذا ، والذي سيدفع أكثر سيبيعه منه قبل أن يبيعه من الطرف الآخر.
    إذاً يجب - أيها الأخوة - أن لا نسمح لهذا التَّدجِين الذي يُراد له أن يكون في اليمن وفي بقية شعوب البلاد العربية أن لا تتكلم ضد اليهود، ولا تتكلم ضد النصارى سيقولون إرهابيون، ليضربوا هذا فتفرح، وتصبح أنت بوق إعلام يعجبك أن ضربوا ، والحمد لله ضُربوا ، ستخلق روحية يحمد الله الآخرون عندما تضرب أنت، ستعزز في نفوس الناس كلمة (إرهاب)، كلمة (إرهابي)، سيقولون إرهابي ، وأن يسكتوا عن أمريكا وإسرائيل، أن نسكت عن اليهود والنصارى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}(المائدة: من الآية78) من ذلك الزمان ، ثم نسكت عن لعنهم في هذا الزمان؟!. ونحن من نصيح تحت أقدامهم من شدة الألم ،من الخزي ، من العار، من الذل؟!.
    نسكت عن لعنهم؟ سنلعن اليهود والنصارى ،سنلعن أمريكا وإسرائيل، سنلعن أولياءهم حتى تترسخ في أوساطنا في أوساط الشعوب في أوساطنا نحن اليمنيين أولاً.
    لا نسمح لوسائل الإعلام أن تعزز الهزيمة في أنفسنا من خلال ما تعرضه ،لا نسمح - ولا للدولة نفسها - أن تطلب منا أن نسكت فنسكت، لا يجوز أن نسكت، لا يجوز أن نسكت أمام الله ،وليس هناك أي مبرر إطلاقاً ، ليس هناك أي مبرر ديني ،وأتحدى .. أتحدى من يمكن أن يخلق أي مبررٍ ديني في وضعية كهذه للسكوت أمام ما يحصل.
    فإذا كنا في الأخير لا نخاف الله ، وإنما نخاف الآخرين فنسكت خوفاً من الآخرين - ونحن قلنا أنهم هم يجب أن يكونوا من يعمل على أن لا يظهروا أنفسهم بالشكل الذي يخيف الآخرين منهم، لأنهم سيبرهنون على أنهم أولياء لليهود والنصارى - سنعمل على أن نصرخ ،ونعلن أننا نستنكر أن يُضرب حزب الله أن تضرب إيران أن يضرب العراق، ونحن صرخنا سابقاً .
    ألم تخرج مظاهرات في صعدة يوم زحف الأمريكيون وتلك الدول على العراق؟. نحن خرجنا مظاهرة و صرخنا فعلاً ،وأعلنا أننا مع الشعب العراقي ،وأننا ضد التدخل الأمريكي، وصرخنا عندما تدخلوا ورفعنا أصواتنا، وقمنا بمسيرة كبيرة في الشارع العام بصعدة.
    ونحن سنصرخ -وإن كان البعض منا داخل أحزاب متعددة- سنصرخ أينما كنا ،نحن لا نزال يمنيين ،ولا نزال فوق ذلك مسلمين ، نحن لا نزال شيعة، نحن لا نزال نحمل روحية أهل البيت عليهم السلام التي ما سكتت عن الظالمين ، التي لم تسكت يوم انطلق أولئك من علماء السوء من المغفلين الذين لم يفهموا الإسلام فانطلقوا ليدجنوا الأمة للظالمين ،فأصبح الظالمون يدجنوننا نحن المسلمين لليهود. أليس هذا الزمن هو زمن الحقائق؟. أليس هو الزمن الذي تجلى فيه كل شيء؟. ثم أمام الحقائق نسكت؟!. ومن يمتلكون الحقائق يسكتون؟!. لا يجوز أن نسكت.
    بل يجب أن نكون سباقين ،وأن نطلب من الآخرين أن يصرخوا في كل اجتماع في كل جمعة الخطباء ،حتى تتبخر كل محاولة لتكميم الأفواه ، كل محاولة لأن يسود الصمت ويعيدوا اللحاف من جديد على أعيننا.
    لقد تجلى في هذا الزمن أن كُشفت الأقنعة عن الكثير ،فهل نأتي نحن لنضع الأقنعة على وجوهنا ،ونغمض عيوننا بعد أن تجلت الحقائق ،وكُشفت الأقنعة عن وجوه الآخرين؟!. لا يجوز هذا ، لا يجوز.
    هذا هو حديثي في هذه الجلسة .
    أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لأن نكون من أنصار دينه ،وممن يصرخ في وجه أعدائه ،ممن يعمل على إعلاء كلمته ، وأن يتقبل منا ، وأن يُبَصِّرنا ويلهمنا ويوفقنا ويسددنا إنه على كل شيء قدير.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ــــــــــــــــــ
    انتهى كلامة من المحاضرة الأولى

    تعليق


    • #3
      المحاضرة الثانية

      المحاضرة الثانية


      دروس من هدي القرآن الكريم



      لاعذر للجميع
      أمام الله


      ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
      بتاريخ :
      21/12/1422ه‍
      اليمن ـ صعدة

      بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.
      إكمالاً للموضوع الذي تحدثنا عنه بعد العصر، وعلى ضوء المحاضرة التي سمعناها من الأستاذ زيد علي مصلح.
      أحب أن أقول: قد يكون طرح مثل هذه المواضيع عند الكثير من الناس شيئاً غير مألوف وشيئاً جديد وشيئاً قد يبدوا اختيارياً إذا ما أراد أحد أن يعمله أو أراد أن لا يعمله، قد يرى نفسه مختاراً أن لا يعمله، والمشكلة أننا أصبحنا نعتبر أن الإسلام أن الدين كله هو هذه المجموعة من الأحكام والمفاهيم والتوجيهات التي ألفناها ونشأنا عليها وكأنه ليس هناك أشياء أخرى كثيرة يريدها الله منا ، والحقيقة أن الشيء الذي يجب أن نهتدي به هو القرآن الكريم القرآن الكريم الذي قال الله فيه {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }(الإسراء: من الآية9) وسماه بأنه هدى للناس هدى للعالمين. العودة للقرآن الكريم للاهتداء به هو الطريق الصحيح ،هو الأسلوب الصحيح ،لا أن نظل على ما نحن عليه ونفهمه أنه كل شيء وكل ما يطلب منا من جهة الله سبحانه وتعالى.
      الشيء الغريب ليس هو طرح المواضيع هذه، الغريب هو أن تكون غريبةً في أنظارنا ،وغريبةً لدى الكثير منا ، هذا هو الشيء الغريب ،وما أكثر الأشياء الغريبة في واقعنا، أصبحنا كما روي عن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أنه قال في حديث ((كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً )).
      نحن نرى الآخرين اليهود والنصارى هم من يتحركون في البحار ، في مختلف بقاع الدنيا مقاتلين يحملون أسلحتهم طائراتهم دباباتهم قواعدهم العسكرية برية وبحرية ،فرقاً من الجنود من أمريكا ومن ألمانيا ومن فرنسا وأسبانيا وكندا و مختلف بلدان العالم الغربي هم من ينطلقون فاتحين ،هم من يتحركون يحملون أسلحتهم في مختلف بقاع الدنيا، وهذه الأمة الإسلامية أمة القرآن ،القرآن الذي أراد أن تتربى على أن تحمل روحاً جهادية أن تحمل مسئولية كبرى ،هي مسئولية أن تعمم دين الله في الأرض كلها ،حتى يظهر هذا الدين دينه الحق على الدين كله حتى يصل نوره إلى كل بقاع الدنيا.
      هذه الأمة التي قال الله عنها مذكراً بالمسئولية{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} للعالم كله { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران: من الآية110) أصبح الآن الحديث عن الجهاد ،الحديث عن المواقف القرآنية العملية في مواجهة أعداء الله ،الحديث عن نصر دين الله، الحديث عن بذل المال عن بذل النفس عن العمل أصبح غريباً ،أصبح منطقاً نادراً لا نسمعه من وسائل الإعلام في مختلف البلدان العربية إلا في النادر ،ولا نسمعه من المرشدين والعلماء والمعلمين إلا في النادر ولا ذكر له في مناهجنا الدراسية، ولا في ما يكتب في صحفنا، أصبح غريباً أن يتحدث الإنسان عن أنه يجب أن نتخذ موقفاً من أعداء الله.
      ولو نظر كل واحد منا إلى شاشة التلفزيون ، أو استمع إلى الأخبار لسمع بأذنيه أن هناك فرقاًَ من مختلف الدول الغربية من اليهود والنصارى مقاتلين، مجاهدين - على حسب ما يقولون هم عن أنفسهم - في البحر الأحمر وفي البحر العربي وفي الخليج وفي البحر الأبيض المتوسط وفي مختلف بقاع الدنيا في البر والبحر ،هؤلاء هم من كانت مسئوليتنا التي أراد الله لنا أن نقاتلهم حتى يكونوا أذلاء صاغرين ،من نصل بهم إلى درجة أن لا يفكروا أن يعملوا شيئاً ضد الإسلام والمسلمين.
      هذا خزي للمسلمين في الحقيقة ،خزي وتقصير عظيم أمام الله سبحانه وتعالى ،ونبذ لكتابه نبذ للقرآن خلف ظهورنا. ثم إذا ما جاء من يتحدث عن هذه الأشياء الغريبة فعلاً لا نستغربها، لا نستغرب أن نسمع أن في أفغانستان يأتي كل فترة إنزال مجاميع من الجنود كنديين أو أسبانيين أو أمريكيين أو فرنسيين أو غيرهم، لا نستغرب أن نسمع أن هناك سفناً أمريكية وهناك فرقاً لسفن أمريكية وفرنسية وألمانية وغيرها في البحر الأحمر وأن هناك جنوداً يدخلون اليمن وجنوداً يدخلون الجزيرة ،وجنوداً في العراق وجنوداً في مختلف بقاع الدنيا داخل بلاد المسلمين كأن هذا شيء طبيعي .
      وعندما يأتي من يتحدث ليوقظنا ويذكرنا بمسئوليتنا، نستغرب ما يقول، وإذا ما اتضح الأمر أكثر قد يتساءل الكثير: (لماذا الآخرون أيضاً لم يتحدثوا ، هناك علماء آخرون لم يتحدثوا؟). إذا لم يتحدث أحد العلماء قالوا: العلماء لم يتحدثوا. وإذا ما تحدث البعض قالوا: الباقون أيضاً لازم أن يتحدثوا جميعاً. إذا لم يتحدث الكل إذاً فالقضية غير ضرورية.
      الواقع أن الناس فيما بينهم يتهادنون - إن صحت العبارة - العلماء هم يرون أنفسهم معذورين ؛لأن الناس لا يتجاوبون ،والناس قد يرون أنفسهم ليس هناك ما يجب أن يعملوه لأن العلماء لم يقولوا شيئاً . ألسنا متهادنين في ما بيننا؟. لكن يوم القيامة قد يكشف الواقع فلا نعذر لا نحن ولا علماؤنا ، قد لا نعذر أمام الله سبحانه وتعالى.
      العلماء قد يكونون كثيرين في أي عصر، ومن يتوقع أن يتحرك العلماء جميعاً فإنه ينتظر المستحيل والتاريخ يشهد بهذا والحاضر يشهد بهذا . كانت إيران بلد مليئة بالحوزات العلمية ومليئة بالعلماء ،تحرك واحد منهم وتحرك معه من تحرك أيضاً من العلماء وقعد كبار من العلماء ،وقعد كثير من العلماء. في الماضي كانت هجر العلم في اليمن مليئة بالعلماء ،وكان ـ أحيانا ـ واحد منهم يتحرك.
      إذا ما تحرك أحد الناس وذكرنا بشيء يجب علينا أن نعمله هل يكون عذراً لنا أمام الله سبحانه وتعالى أن الآخرين لم يتحدثوا بعد؟. لا. لنرجع إلى القرآن الكريم، القرآن الكريم يتحدث عن قصة نبي الله موسى  عندما قال لقومه{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:21) عندما رفض بنو إسرائيل أمر نبي الله موسى  ذكر الله سبحانه وتعالى أيضاً كلام رجلين من بني إسرائيل {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة:23) ألم يذكر الله كلام الرجلين ويسطِّره في القرآن الكريم ككلام نبيه موسى  ؟. رجلان فقط.
      تلك الأمة التي كانت مع موسى ألم يكن فيها علماء وفيها عبّاد؟. هل تتصور نبياً من الأنبياء يعيش فترة مع أمته ثم لا يكون فيها علماء وعبّاد؟ ثم لا يكون فيها وُجهاء وشخصيات كبيرة ،وفيها مختلف فئات المجتمع تكون متواجدة، لكن موقف أولئك وإن كانوا علماء وإن كانوا وجهاء وإن كان فيهم عبّاد يعتبره الله سبحانه موقفاً لا قيمة له، يعتبره عصياناً له ولنبيه ،لكن رجلين منهم قال:{ قَالَ رَجُلانِ } ولم يقل قال عالمان أو قال عابدان أو قال شيخان أو قال رئيسان .
      لأن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى ما يقول الإنسان إن كان كلام هداية وتذكير بهداية فإنه المطلوب ،ومن يذكر الناس بما يجب عليهم هو المطلوب، لا عذر لهم أن يقولوا: الآخرون لم يتحدثوا معنا . هل كان عذراً لبني إسرائيل الذين قعدوا أن الآخرين منهم أيضاً - من علمائهم وعبّادهم - لم يقولوا كما قال الرجلان؟. الله ذكر كلام الرجلين {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة:23) ألم يرشدوا الناس إلى خطة عمليّة ينفذون بها الأمر الإلهي بدخول الأرض المقدسة ،و يحققون بها الاستجابة لنبيهم والطاعة لله ولرسوله ،ألم يُوجِّهوا إلى خطة عمليَّة ؟. هذان الرجلان سطّر الله كلامهما مع نبيه.
      كذلك قال عن مؤمن آل فرعون يسطر كلامه في صفحة كاملة في سورة غافر ذلك الكلام الجميل الذي قاله مؤمن آل فرعون ويذكره كما ذكر كلام نبي الله موسى  .
      إذا ما جاء أحد يتحدث معنا ويذكرنا بخطورة وضعية نحن نعيشها يذكرنا بعمل يجب علينا أن نعمله ثم نأتي لنبحث عن المخارج ومبررات القعود من هنا أو من هناك ،هذا من الأخطاء الكبيرة.
      أن تعرض ما سمعته منا على الآخرين باعتبار هل مثل هذا عمل يرضي الله سبحانه وتعالى؟ أعتقد لا أحد يمكن أن يقول لك من العلماء بأن هذا عمل لا يرضي الله: أن تهتف بشعار [ الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام] وأن تجند نفسك لمواجهة أعداء الله لا أحد من العلماء يستطيع أن يقول لك أنه عمل لا يرضي الله. والإنسان المسلم الحقيقي هو مَن همُّه أن يعمل ما يحقق له رضِى الله سبحانه وتعالى.
      لكن أن تسأل: هل يجب علينا؟. هل هناك ما يوجب علينا أن نقول كذا؟. قد يقول لك: لا. وتقول: ”ها شفتوا مابلا فلان، هوذا العالم الفلاني قال ماهو واجب علينا ”.
      هناك من العلماء من لا يتابع الأحداث، هناك من العلماء من يتمسك بقواعد يعتبر نفسه معذوراً أمام الله باعتباره غير متمكن أن يعمل شيئاً، وهناك من العلماء وهم كثير من إذا ما انطلق الناس في أعمال أيدوهم ودعوا لهم. ونحن جربنا هذا ،في الماضي كان كثير من علمائنا بما فيهم سيدي إبراهيم الشهاري وسيدي محمد حسين شريف وغيرهم من العلماء رحمة الله عليهم ممن قد ماتوا وممن لا زالوا موجودين كانوا يدعون لنا ،ويؤيدونا ، ويدعمونا بأموال أيام كنا نتحرك عام 1993م وأيام أعمال (حزب الحق) وهم كانوا يرون أن حركتنا تعتبر حركة ترضي الله سبحانه وتعالى، وأن تأييدهم لأعمالنا يعتبر مما يرفع عنهم العهدة أمام الله، أي أنهم أصبحوا يدعمون عملاً هو أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهو عمل لإعلاء كلمة الله، عمل يرضي الله سبحانه وتعالى؛ لأن أي عالم زيدي مرتبط بالقرآن وبأهل البيت عليهم السلام يجد في نفسه كثيراً من الاحراجات الداخلية أنه لا يأمر بمعروف لا ينهى عن منكر لا يجاهد.
      هو يعود إلى مسألة أن هناك عذر له أمام الله، هو أن الناس لا يستجيبون، الناس لا يقبلون، أن الناس لا يتحركون، فماذا يعمل، إذاً سيبقى في بيته، لكن متى ما رأى من يتحرك ارتاح هو، وانطلق هو لدعم من يتحرك من أجل أن يشارك ولو بتأييده، أن يشارك في عمل يرضي الله سبحانه وتعالى. ويعتبره من الأعمال التي يرى في نفسه حرجاً أنه لا يقوم بها. فعندما يقوم بعمل كهذا ،أو يؤيد أناساً يعملون أعمالاً كهذه يعتبر نفسه يؤدي ما يريد الله منه.
      نحن نريد أن نقول للناس: يمكن أن تسأل عالم أو علماء آخرين: (هل يجب علينا أن نقول كذا؟). قد يقول لك: لا. لكن ارجع إلى القرآن الكريم أو اسأل بطريقة صحيحة: قل (نحن نريد أن نحارب أمريكا وإسرائيل ، نحن نريد أن نواجه أعداء الله، نحن نراهم يتحركون داخل البلاد الإسلامية ووصلوا إلى بلادنا وإلى سواحل بلادنا ، نريد أن يكون لنا موقف ضدهم، هل هو عمل يرضي الله؟). فمن من العلماء يمكن أن يقول لك: (لا)؟. اسأل على هذا النحو وستجد الإجابة الصحيحة . أما أن تسأل فتقول (هل يجب أن نرفع شعار كذا، وأن نقاطع البضائع الأمريكية والإسرائيلية، أو..أو..؟) قد يقال لك: لا يجب. وربما لو تأمل هو وتفهم القضية أكثر لأفتاك بأنه يجب. وخلاصة المسألة هو: أننا كمسلمين يجب أن نقارن بين أنفسنا - وهذا كما قال الإمام علي : (متى أعترض الريب فيَّ حتى صِرت أُقْرَن بهذه النظائر) - نحن الآن يجب أن نقارن أنفسنا باليهود، فإذا ما وجدنا أن اليهود هم أكثر اهتماماً بقضاياهم ، أكثر اهتماماً بشؤونهم ، أكثر اهتماماً بديانتهم فإن هذا سيكشف بأننا أسوء من اليهود.
      ولنعرف بأننا في واقعنا في واقع مظلم أسوء من واقع اليهود أننا نرى أن اليهود والنصارى هم من يستذلوننا ، أليس كذلك؟. أليس المسلمون الآن أليس العرب الآن تحت أقدام اليهود والنصارى حكومات وشعوب؟. ألم يقل الله عن اليهود والنصارى أنه قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله؟. هل رفعت الذلة والمسكنة عنهم؟.لا لم تُرفع، ما يزالون كذلك، لكنا نحن من أصبحنا أذلّ منهم، من ضُربت علينا ذلة ومسكنة أسوء مما ضربت على بني إسرائيل. هل تفهموا هذا؟.
      لماذا؟ لأننا أضعنا مسئولية كبرى؛ لأننا نبذنا كتاب الله خلف ظهورنا ؛ لأننا لم نعد نهتم بشيء من أمر ديننا على الإطلاق؛ ولم نعد نحمل لا غضباً لله، لا إباءً وشهامةً عربيه.
      فعندما ترى أن الأمة العربية أن الأمة الإسلامية أصبحت تحت أقدام اليهود والنصارى، وأن اليهود والنصارى حكى الله عنهم بأنه ضرب عليهم الذلة والمسكنة وأنهم قد باءوا بغضب منه ،وترانا نحن المسلمين نحن العرب تحت رحمة اليهود والنصارى ،أليس كذلك؟.ماذا يعني هذا؟. يعني هذا أننا في واقعنا في تقصير ٍأمام الله أسوء من اليهود والنصارى،أن تقصيرنا أمام الله أشد مما يعمله اليهود والنصارى. لماذا؟ ؛لأن الله بعث رسولاً عربياً منا ، وكان تكريماً عظيماً لنا، ومِنَّة عظيمةً على العرب أن بعث منهم رسولاً جعله سيد الرسل وخاتم الرسل {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران: الآية164) { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } (الجمعة: الآية2) هؤلاء الأميين الذين لم يكونوا شيئاً ،لم يكونوا رقماً - كما يقول البعض - لم يكونوا يشكلون أي رقم في الساحة العالمية، بعث الله منهم رسولاً عربياً تكريماً لهم ونعمةً عليهم وتشريفاً لهم ، أنزل أفضل كتبه وأعظم كتبه بلغتهم القرآن الكريم ، كتاباً جعله أفضل كتبه ومهيمناً على كل كتبه السماوية السابقة، ألم يقل هكذا عن القرآن الكريم؟. بلغتهم نزل القرآن الكريم، أراد لهم أن يكونوا خير أمة، تتحرك هي تحت لواء هذه الرسالة، وتحمل هذه الرسالة فتصل بنورها إلى كل بقاع الدنيا فيكونوا هم سادة هذا العالم ،يكونوا هم الأمة المهيمنة على هذا العالم بكتابه المهيمن ،برسوله المهيمن ، بموقعهم الجغرافي المهيمن، حتى الموقع الجغرافي للأمة العربية هو الموقع المهم في الدنيا كلها، والخيرات البترول تواجده في البلاد العربية أكثر من أي منطقة أخرى. العرب ضيعوا كل هذا فكان ما يحصل في الدنيا هذه من فسادٍ العربُ مسئولون عنه، ما يحصل في الدنيا من فساد على أيدي اليهود والنصارى
      لو استجبنا وعرفنا الشرف الذي منحنا إياه ،الوسام العظيم الذي قلدنا به{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران: من الآية110) لو تحركنا على هذا الأساس - لكان العرب هم الأمة المهيمنة على الأمم كلها، ولاستطاعوا أن يصلوا بنور الإسلام إلى الدنيا كلها؛ لأنه أين بَعث الله محمداً(صلى الله عليه وعلى آله وسلم)؟. ألم يبعث في مكة في قرية داخل البلاد العربية؟. وهو رسول لمن؟.أليس رسولاً للعالمين جميعاً للبشرية كلها؟. إذاً فمن هو المكلف بأن يحمل رسالته للآخرين؟. أليس هم العرب؟ القرآن أين نزل؟ نزل في مكة وفي المدينة داخل البلاد العربية. وهو يقول عنه أنه للناس جميعاً ،كتاب للناس جميعاً، إذاً فالعرب هم من كان يُراد منهم أن يتحملوا مسئوليتهم التي هي شرف عظيم لهم كما قال الله في القرآن الكريم:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}شرف عظيم لك و لقومك { وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} (الزخرف:44) سوف تسألون عن هذا الشرف الذي قلدناكم إياه ثم أضعتموه. عندما أضاع العرب مسئوليتهم تمكن اليهود. هل تفهموا هذا؟.
      الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ضرب اليهود في كل الأماكن التي كانوا متواجدين فيها في الجزيرة العربية بنو قريظه، بنو النضير، وقينقاع، وخيبر، وغيرها من المناطق، منهم من طردهم ومنهم من قتلهم ،قضى على اليهود، وتحدث القرآن عن خطورة اليهود وأنهم يسعون في الأرض فساداً ،وأنهم يصدون عن دين الله ،وأنهم يريدون أن يضلوا الناس ،وأنهم يريدون أن يحولوا الناس إلى كفار ،وأنهم وأنهم ..الخ. إذاً فمن الذي يتحمل مسئولية يوقف اليهود عند حدودهم حتى لا يملئوا الأرض بالفساد؟. هم المسلمون هم العرب ، العرب بالذات هم الذين كان يُراد منهم أن لا يفسحوا المجال أمام اليهود ليفسدوا البشرية كلها ،أن يسبقوا هم بنور الإسلام إلى بقاع الدنيا قبل أن يسبق اليهود بفسادهم في الدنيا كلها، إذاً فكل فساد جاء من قِبَل اليهود في الدنيا كلها العرب شركاء معهم فيه؛ لأنهم قصروا ،وهم مَن أفسحوا المجال بتفريطهم في مسئوليتهم بالنهوض بدين الله حتى تمكن اليهود من أن يسيطروا في العالم ويفسدوا العالم ،ثم يهيمنوا على المسلمين، ثم يستذلون المسلمين يستذلون العرب. وهكذا وجدنا أنفسنا نحن المسلمين نحن العرب ـ وللأسف الشديد ـ تحت أقدام اليهود والنصارى.
      الكثير الذين لا يعرفون وضعيتنا هذه ،ولا يعرفون أين موقعنا أمام الله سبحانه وتعالى، إنه موقع تحت موقع اليهود والنصارى ،إن كنتم تفهموا هذه،تحت اليهود والنصارى؛ لأننا أضعنا، والزيدية بالذات تقع المسئولية عليهم أكثر من غيرهم ،هؤلاء الذين نتحدث معهم ثم يستغربوا كل ما نقول، الذين نتحدث معهم ثم يروننا نتحدث عن شيء لا أساس له؛ لأننا أصبحنا الآن نعيش في حالة التّيه كما عاش بنو إسرائيل ، بنو إسرائيل عاشوا بعد أن قال لهم نبيهم موسى  :{ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}(المائدة:21) فرفضوا، قالوا في الأخير{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة: من الآية24) {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة:26) عندما ترى نفسك أنك لا تتعقل ما يقال لك ،أنك لا تهتم بما يُطرح أمامك، أنه لا تثيرك الأشياء هذه التي تشاهدها في الساحة العالمية فاعلم بأنك تائه، أنت واحد من التائهين ،أنت واحد ممن ضربت عليهم الذلة والمسكنة.
      الله عندما ضرب الذلة والمسكنة على بني إسرائيل،بنو إسرائيل هم اختارهم الله ألم يخترهم هو، ألم يصطفهم هو ؟ ألم يقل { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة: من الآية47) ؟ ألم يقل موسى  لهم: { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ}(المائدة: من الآية20) ألم يقل الله عنهم:{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (الدخان:32) ألم يقل هكذا ؟ ثم لماذا ضرب عليهم الذلة والمسكنة؟ { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(البقرة: من الآية61) كانوا يقتلون الأنبياء يكذبون بآيات الله فقال: { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} فمَن عصى مَن اعتدى ستضرب عليه الذلة والمسكنة، من فرط في المسئولية. نحن عندما فرطنا في مسئوليتنا كعرب ،ونحن عندما فرطنا في مسئوليتنا كزيود أصبحت جريمتنا أكبر من جريمة اليهود والنصارى. باعتبار آثارها وتداعياتها ،وإن اختلفت في شكلها. ومن العجيب أن الكثير منا يظنون أننا نتجه إلى الجنة وليس صحيحاً ،ليس صحيحاً أننا نتجه إلى الجنة. العالم منا يقول: ” هي دنيا وهي أيام وإن شاء الله نموت وندخل الجنة ”. لا أعتقد ونحن على هذه الحالة.
      يجب على الناس أن يلتفتوا بجدية إلى واقعهم ،وأن ينظروا إلى ما حكاه الله عن بني إسرائيل، بنو إسرائيل اختارهم الله، واصطفاهم، وفضلهم، ولكنهم عندما فرطوا في المسئولية وعندما قصروا وتوانوا ،وعندما انطلق منهم العصيان والاعتداء ضرب عليهم الذلة والمسكنة.
      وعندما يقول الله سبحانه وتعالى لـك في الـقرآن الكـريم: { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}هو يقول لك وللآخرين بأنك وأنت إذا ما عصيت واعتديت، إذا ما قصرت في مسئوليتك، ستُعَرض نفسك لأن تضرب عليك الذلة والمسكنة ،وأن تَـتِيه كما تاه بنو إسرائيل من قبلك.
      الشيء الواضح أمامنا جميعاً هو أن إسرائيل مهيمنة على العرب، أليس كذلك؟. هو أن اليهود والنصارى يستذلون المسلمين، أليس كذلك؟. أليس واضحاً؟. نرجع إلى القرآن الكريم، ألم يقل الله عن اليهود والنصارى بأنه {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}(آل عمران: من الآية112) ؟. ألم يقل هكذا عنهم في آيتين في القرآن الكريم أنه ضرب عليهم الذلة والمسكنة، إذاً فلماذا نحن أذلاء تحت من ضُربت عليهم الذلة ،ونحن مساكين تحت من ضُربت عليهم المسكنة؟‍!. ونحن أيضاً تحت رحمتهم في غذائنا في كل شؤوننا تحت رحمة من قد باءوا بغضب من الله.
      ما السبب في ذلك؟. هو أننا فرطنا تفريطاً خطيراً ،وقصرنا تقصيراً كبيراً ،وإلا لما كان اليهود يمتلكون هذه الهيمنة ،ولما كانوا قد ملئوا الدنيا فساداً. ألم يملأ اليهود الدنيا فساداً؟. ألم يصل فسادهم إلى داخل كل البلاد الإسلامية إلى كل قرية إلى كل بيت تقريباً؟. فسادهم الثقافي ،فسادهم الأخلاقي ،فسادهم السياسي ،فسادهم الاقتصادي.
      الربا أليس من المعروف أن بني إسرائيل هم كانوا المشهورين بالتعامل بالربا؟. التعامل بالربا الآن أصبح طبيعياً وأصبح تعاملاً اقتصادياً طبيعياً داخل البلدان العربية كلها ،البنوك في البلدان العربية تتعامل بالربا بالمكشوف، و الشركات تتعامل بالربا بالمكشوف. ألم يُفسِد بنو إسرائيل حتى العربَ أنفسَهم؟ وحتى جعلوا الربا الذي قال الله في القرآن الكريم وهو يحذر منه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } (البقرة الآية 278 ـ 279) يتهدد بحرب من جهته ومن جهة رسوله لمن يتعاملون بالربا ، ثم يصبح الربا شيئاً طبيعياً.
      السفور والتبرج، تجد بعض النساء في القاهرة وفي معظم العواصم العربية ،وبدأ في صنعاء أيضاً بشكل متدرج كل سنه أسوء من السنة الماضية ،أصبح شيئاً طبيعياً ،لا تفرق بين المرأة المسلمة والمرأة اليهودية، لا تفرق بينهن شكلهن واحد ،ثقافتهن واحدة ،زيهن واحد ،أليس هذا من إفساد اليهود؟.
      ثم إذا وجدنا أنفسنا على هذا النحو فإن معنى ذلك بأن مَن هم في الدنيا أذلاء تحت من باءوا بغضب من الله أنه ربما قد غضب على هؤلاء أكثر مما غضب على أولئك.
      فإذا كان هؤلاء ينتظرون الجنة وهم من غضب الله عليهم في الدنيا ،والغضب من الله لا يأتي هكذا حالة لا أحد يعلمها ،أثارها تظهر ،الغضب من الله ،السخط على عباده على أحد من عباده تظهر آثاره في حياته تظهر آثاره بشكل ملموس ،إن الله قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طـه:124) أليس وضع الأمة العربية وضعاً سيئاً جداً في حياتهم المعيشية، في كل شئونهم؟. أصبح العربي لا يفتخر بأنه عربي، من هو ذلك الذي يفتخر بأنه عربي؟. هل أحد أصبح إلى درجة أن يفتخر بأنه عربي؟. أصبح العربي الذي يتجنس بجنسية أمريكية أو بريطانية يفتخر بأنه استطاع أن يتجنس أن يأخذ الجنسية الأمريكية أنه عربي أمريكي، لكن العربي الأصيل العربي الذي لا يزال عربياً أصبح لا يرى بأن هناك بين يديه ولا في واقع حياته ما يجعله يفتخر بأنه عربي ؛ لأنهم ابتعدوا عن الشرف الذي قال الله{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يقول المفسرون في معناها: وإنه لشرف لك وشرف لقومك أن يكونوا هم من يتحملون هذه الرسالة العظيمة. أي أن الله أعطى العرب أعظم مما أعطى بني إسرائيل، أن الله منح العرب من النعمة ومنحهم من المقام أعظم مما منح بني إسرائيل في تاريخهم ،ولكن العرب أضاعوه سريعاً . ومن بعد ما مات الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)بدأت إضاعتهم لهذه الرسالة التي هي شرف عظيم لهم.
      ثم نحن هكذا جيلاً بعد جيل إلى الآن، وفي هذا الزمن تجلى بشكل كبير تجلى بشكل واضح آثار تقصيرنا مع الله سبحانه وتعالى ،آثار إهمالنا في ديننا ،آثار عدم استشعارنا للمسئولية أمام الله، ظهرت آثاره على هذا الشكل المؤسف الذي أصبحنا إلى درجة لا نكاد نعي ما يقال لنا، ولا كيف نواجه الخطر الذي يتهددنا.
      ارجع إلى القرآن الكريم ثم ارجع إلى الأخبار فانظر أين موقعك؟. من الذي احتل موقعك في العالم؟. هم الألمان والفرنسيون والأمريكيون والبريطانيون والكنديون والأسبانيون وغيرهم ، هم من ملئوا البحر من حولك ، وملئوا الخليج من حولك، هم من أخذوا مواقع داخل بلادك، هم من أخذوا قواعد عسكرية في أرض الحجاز وفي غيرها ، هذه هي مواقعك أنت أيها العربي، أين مواقعك هناك، أنت الذي كان يجب أن تملأ البحار قواعدك ،وأن تملأ البر في أوروبا وأمريكا بقواعدك العسكرية لو كنت متمسكاً بدينك ،لو كنت تعرف الشرف العظيم الذي وهبك الله إياه. فلما فرطنا أصبحنا على هذا الحال.
      أريد أن أقول هذا وأنا على ثقة أن هذا هو الواقع الذي نحن عليه ؛ليفهم أولئك الذين يرون أنه ليس هناك أي شيء ،وأنه ليس هناك وضعية خطيرة. نحن في وضعية خطيرة مع الله، نحن في وضعية خطيرة جداً مع الله ،ونحن في وضعية خطيرة جداً أمام أعدائنا، ونحن في وضعية خطيرة في تفكيرنا وثقافتنا، نحن تحت الصفر ،ولا أدلّ على ذلك من أننا نرى أنفسنا جميعاً - بما فينا الزعماء - لا أحد منهم يجرؤ على أن يقول كلمة قوية في مواجهة اليهود.
      الزعماء هؤلاء الكبار الذين يبدون كباراً أمامنا ،ويبدون جبارين علينا ،ويبدون عظماء أمامنا ،ألست أنت تراهم صغاراً جداً أمام إسرائيل؟. تراهم صغاراً جداً في مؤتمرات القمة عندما يجتمعون؟. ترى كيف أن الآخرين يستصغرونهم ويحتقرونهم ،رئيس أمريكا أي مسئول في بريطانيا أو فرنسا، رئيس وزراء إسرائيل عندما يجتمع زعماء المسلمين جميعاً ـ إذا كان أحد منكم يتابع اجتماع زعماء المسلمين في (الدوحة)، اجتماع (القمة الإسلامية) في الدوحة ـ واليهود يضربون الفلسطينيين لم يتوقفوا ولم يخافوا ، اليهود يضربون كما يضربونهم أمس وقبل أمس وبكل برودة أعصاب، ولا يفكرون في هؤلاء الذين يجتمعون في الدوحة
      .

      ــــــــــــــــــ
      البقيه في الصفحة التالية

      تعليق


      • #4
        البقية

        البقية
        ـــــــــــــــــــ
        الآن في هذه الأيام قد تحصل قمة في بيروت لزعماء العرب الضعف بارز عليها من الآن ،ويتحدثون عنها من الآن كيف قد تكون ،والإسرائيليون ما زالوا شغالين يضربون الفلسطينيين، وأمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكل هذه الدول ما زالت تتحرك بقطعها العسكرية ، وكل مرة يوصلون جنوداً في أفغانستان أوهناك أو هنا وفي جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً باعتبارها بلداناً إسلامية ،أي أنهم يحتقروننا جميعاً ،يستذلوننا حتى الزعماء منا،هؤلاء الذين يبدون عظماء ،ويبدون جبارين ،ويبدون كباراً وصورهم تملأ الشوارع هم لا يساوون عند أولئك شيئاً.
        فنحن نريد أن نفهم من هذا أننا إذا لم نتدارك أنفسنا مع الله أولاً ،أنه غير صحيح أننا نسير في طريق الجنة ، وإن كنت تتركّع في اليوم والليلة ألف ركعة ، هذه الصلاة إذا لم تكن صلاة تدفعك إلى أن ترتبط بالله أكثر وأكثر وأن تنطلق للاستجابة لله في كل المواقع التي أمرك بأن تتحرك فيها فإنها لا تنفع.
        الدين دين متكامل دين مترابط ،الله ذكر عن بني إسرائيل هكذا أنهم كانوا على ما نحن عليه يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، والتوراة بين أظهرهم ،والتوراة يقرؤونها ويكتبونها، هل اليهودي كفر بشيء من التوراة بأنه ليس من التوراة ؟. التوراة كلها هم مؤمنون بأنها كتاب الله ،التوراة شأنها عندهم كالقرآن عندنا ، عندما يقول الله فيهم{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة: من الآية85) أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض لا يعني أنهم قالوا: هذا النص أو ذاك من التوراة نحن كافرون به، إنما لأنهم يتركون العمل به ويرفضون العمل به مع الالتزام بأشياء فيها ،الأمر الذي نحن في واقعنا عليه بالنسبة للقرآن الكريم ،نترك العمل بل نرفض، واقع الرفض ليس فقط واقع من يجهل ثم إذا ما علم التزم وعمل ،بل واقع الرافض الذي لا يريد أن يعمل ولا يفكر في أن يعمل ،هذا هو من معاني الكفر في القرآن كما قال الله تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(آل عمران: من الآية97) أي من رفض وهو مستطيع فلم يحج رفض لم يهتم بالموضوع ،ليس مستعداً أن يحج، وكما قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة:67) أي الرافضين لما أمرت بإبلاغه يرفضون ولاية الإمام علي إذ كان ذلك هو الذي أمره الله بإبلاغه في هذه الآية كما نص على ذلك الإمام الهادي  وغيره ، يرفضون ما تبلغهم به يا محمد ليسوا مستعدين أن يقبلوه ،هذا هو كفر ؛لأن الكفر كله ـ وإن إختلف حكمه ـ إنما هو الرفض، لم يكن العربي الكافر بالله ،ذلك الذي يعبد الصنم لم يكن كافراً بالله بمعنى أنه غير مؤمن بوجود الله كانوا مؤمنين بوجود الله والقرآن تحدث عنهم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }(الزخرف: من الآية87) {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (الزخرف:9) أليس هذا في القرآن؟. لكنهم كانوا رافضين الإيمان برسول الله محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) رافضين الإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى فسماهم كافرين.الكفر هو الرفض ،هو أن لا تكون مستعداً أن تلتزم وتعمل ،هذا هو كفر، وإن كان حكمه يختلف.
        وكما حكى عن بني إسرائيل أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض هذا هو واقعنا نحن نلتزم بأجزاء من الدين وأجزاء أخرى لا نلتزم بها ؛لأننا لم نعرفها ،أو لم نتعود عليها ،أو لم نسمعها أو لأنها تبدوا بالشكل الذي تقول معه : ”والله أما هذه قد تكون مثيره ،وقد تكون شاقه وقد تكون مخيفة ”. نبحث عن السهل في الدين الذي لا يثير حتى ولا قِطّ علينا ، الذي لا يُثِير أحداً علينا، ونريد أن نصل بهذا إلى الجنة ،والله يقول عن من يبلِّغون دينه باعتبار أن في دينه ما قد يثير الآخرين ضدك ،في دينه ما قد يخشى الكثير من الناس أن يبلغوه ويتكلموا عنه {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}(الأحزاب: من الآية39) ماذا تعني هذه الآية؟. أن في رسالات الله ،أن في دين الله ما يثير الآخرين ،وما قد يجعل كثيراً من الناس يخشون أن يبلغوه. لماذا؟. لو كان الدين كله على هذا النمط الذي نحن عليه ليس مما يثير لما قال عن من يبلغون رسالات الله أنهم يخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله. هذا يدل على أن هناك في دينه ما يكون تبليغه مما يثير الآخرين ضدك ، مما قد يُدخلك في مواجهة مع الآخرين. مَن هم الآخرون؟. أهل الباطل أهل الكفر أهل النفاق يهود أو نصارى أو كيف ما كانوا ، هؤلاء هم من قد يواجهونك.
        فلأن في دين الله، وهذه هي قيمة الدين ،هي عظمة الدين، لو كان الدين على هذا النحو الذي نحن عليه لما كان له قيمة؛ لأنه دين لا أثر له في الحياة، ولا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً، دين ليس لـه موقف من الباطل، أليس هذا هو ديننا الذي نحن عليه ،أو الجزء من الدين الذي نحن عليه؟. لو كان الإسلام على هذا النحو الذي نحن عليه لما كانت له قيمة، ولما كان له ذوق ولا طعم ؛لأنه إسلام لا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً ولا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً ولا يواجه مبطلاً ولا يواجه كافراً ولا يواجه منافقاً ولا يواجه مفسداً، إسلام لا يبذل صاحبه من أجل الله ديناراً واحداً.
        ألم يقل الله عن إرساله للرسل وإنزاله للكتب أن المهمة تتمثل في:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(النحل: من الآية36) واجتنبوا الطاغوت، فلتفهم أن ما نحن عليه ليس هو الإسلام الصحيح، عندما ترى نفسك أنه لا ينطلق منك مواقف تثير أهل الباطل ولا تثير أهل الكفر ولا تثير المنافقين أنك لست على شيء، وإذا كنت ترى أنك على الإسلام كله فأنت تكذب على نفسك وتكذب على دينك.
        إن الإسلام هو الذي حرك محمداً (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لماذا هذا الإسلام لا يحرك الآخرين ؟ لماذا كان محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والإمام علي والإمام الحسن  والإمام الحسين  وآخرون كانوا يتحركون؟. هل كان ذلك الإسلام الذي كانوا عليه موديلاً قديماً؟ كان يدفعهم أن يتحركوا من أجله؟ أما إسلام هذا العصر فهو إسلام مسالم لأعداء الله لا يريد منك أن تتحرك ضد أحد؟!. ولا أن تثير ضدك أحداً؟، ولا أن تجرح مشاعر أحد، حتى الأمريكيين ،لا تريد أن تجرح مشاعرهم أن تقول: (الموت لأمريكا) قد يجرح مشاعرهم ومشاعر أوليائهم، وهذا شيء قد يثيرهم علينا ،أو قد يؤثر على علاقتنا أو صداقتنا معهم، أو قد يؤثر على مساعدة تأتي من قبلهم، لا نريد أن نجرح مشاعرهم.
        هذا الإسلام الذي فقدنا محتواه وحرفنا مفاهيمه أصبح مختلفاً عن إسلام محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ،أن الذي حرك رسول الله في بدر وأحد وحنين والأحزاب وتبوك وغيرها هو القرآن، الذي حرك الإمام علي  في كل مواقفه هو القرآن، وأنت تقول وتدعو الله أن يحشرك في زمرة محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ألسنا نقول هكذا؟. ندعو الله أن يحشرنا في زمرة محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)؟. تحرك بحركة محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) تحرك بحركة الإمام علي محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والإمام علي لم يكن لديهم أكثر من القرآن ، هل تفهموا هذا؟. لم يكن لديهم أكثر من القرآن.
        ألم يقل الله لرسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم){اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ }(الأنعام: من الآية106) {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (الاحقاف: من الآية9) أي أني وأنا أتحرك في بدر و في أحد و في حنين وفي كل المواقع { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}.
        لماذا نحن إذا ما اتبعنا القرآن فإنه لا يحركنا؟. هل نحن نتبع ما أنزل الله إلينا ولكنه لا يحركنا؟ لا يمكن ، ولكنا نحن غير متبعين للقرآن وغير متبعين لرسول الله محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
        ونحن لا نزال تمر السنين علينا سنة بعد سنه، تنبت لحيتك، ثم يبدأ الشيب فيها، ثم تصفى شيباً، ثم تتعصى ثم تموت، وسنة بعد سنة ونحن لا نفكر من جديد في تصحيح وضعيتنا مع الله سبحانه وتعالى، وفي أن نلتفت التفاته واعية إلى القرآن وإلى واقعنا, ما بالنا لم نتساءل حتى ونحن نقرأ القرآن عندما نصل إلى قوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً} بعد أن تحدث عن المسلمين كيف يجب أن يكونوا حتى يصلوا إلى درجة أن يضربوا الآخرين فيصبحوا فيما إذا تحركوا هم ضدك لن تكون حركتهم أكثر من مجرد أذية طنين ذباب لا أثر له {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111) {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(آل عمران:112) ألسنا نقرأ هذه الآية ،ثم لا ننظر إلى أنفسنا؟. إذاً فما بال هؤلاء الذين قد ضُربت عليهم الذلة والمسكنة هم من يهيمنون علينا؟. هل أحد منا يتساءل هذا السؤال عندما يصل في سورة آل عمران إلى هذه الآية؟. هل أحد يتساءل :هؤلاء قوم ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ونراهم مهيمنين علينا إذاً ما بالنا؟!. ما السبب؟. هل أحد يتساءل؟؟. لا نتساءل.
        لا نتساءل جميعاً لا نحن ولا علماؤنا ولا كبارنا ولا صغارنا، نتلو القرآن هكذا بغير تأمل أشبه شيء بالطنين في شهر رمضان وفي غير رمضان، لا نتساءل، لا نتدبر، لا نتأمل، لا نقيّم الوضع الذي نعيشه.
        ثم في نفس الوقت لا ننظر من جهة أخرى إلى أنه هل بالإمكان أن نصل إلى الجنة؟. هل نحن في طريق الجنة أو أن طريق الجنة طريق أخرى؟. طريق الجنة هي طريق أولئك الذين قال عنهم في هذه السورة بالذات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ} (المائدة:من الآية54) ليسوا من النوعية التي تقول: ما نشتي مشاكل عندما تحدثهم بما يعمل أعداء الله وتذكر لهم الجهاد في سبيل الله، أليست هذه كلمة معروفة عندنا: ”والله فلان يشتي يقلب علينا بمشاكل”، القرآن يلغي هذه ، ومن يقولون هذه الكلمة أبداً لا يمكن أن يكونوا في طريق الجنة لأن الله يقول {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:142) ولا يمكن أن يكونوا ممن يعتزون في الدنيا والآخرة.
        هو يقول عن تلك النوعية { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ألسنا أقوياء على بعضنا بعض في الخصومات؟. وكل واحد منا يتوجه بكل ما يملك ضد صاحبه على (مَشْرَب) أو على أرضيه أو على أي شيء وأذلاء أمام الكافرين ،أمام أهل الباطل ،أمام اليهود والنصارى أذلاء.
        يذل الكبير فينا ونحن نذل بذله، يخاف الرئيس أو الملك فيقول: أسكتوا لا أحد يتحدث. ونحن نقول: تمام. ولا نتحدث ونسكت، يخاف فنخاف بخوفه إلى هذه الدرجة حتى أصبحنا أذلة أمام اليهود والنصارى ،أذلة أمام أهل الباطل والله يقول عن تلك النخبة{ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ}.
        [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
        {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}،ينطلقون هم ؛لأنهم قوم كما قال عنهم {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}ليسوا حتى بحاجة إلى كلام كثير يزحزحهم ويدفعهم فينطلقون متثاقلين. هم من ينطلقون بوعي كامل وبرغبة كاملة لأنهم يحبون الله {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}. ومن يحب الله لا يبحث عن المخارج والممالص من عند سيدي فلان أو سيدنا فلان.
        هم قوم يبحثون عن العمل الذي فيه رضى الله ؛لأنهم يحبون الله والله يحبهم . { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ} لم يقل حتى، ولا يخافون قتل قاتل ،أولا يخافون القتل. أساساً هم منطلقون للجهاد هم من يريدون أن يستبسلوا ويبذلوا أنفسهم في سبيل الله، فأن تخوفوه بالقتل هذا شيء غريب هذا شيء لا يثيره ولا يخيفه لأنه يجاهد. ماذا بقي أن تعمل؟. أن تلومه. قد يأتي اللوم مثلاً يقول: (لماذا أنت تقوم فتتحرك؟ هذا سيدي فلان لم يتحرك. لماذا أنتم يا آل فلان تتحركون أما آل فلان لم يتحركوا؟. هل أنت أحسن من فلان؟. وهل فلان أحسن من فلان). أليس هذا اللوم يحصل؟. هم واعون ولا يخافون لومة لائم ،عارفون لطريقهم وعارفون لنهجهم وعلى بصيرة من أمرهم، لا يمكن لأحد أن يؤثر فيهم فيما إذا لامهم.
        { وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ } أما أن يخاف المشاكل أو يخاف القتل فهذا الشيء الذي لا تستطيع أن تخيفه به لأنه منطلق مجاهد ، أن تنطلق إلى مجاهد لتخوفه بالقتل هذا شيء غير صحيح ،هو لن يتأثر. أن تخوف الإمام علي في بدر بالقتل هل سيخاف؟. لا يمكن أن يخاف وهو في ميدان الجهاد ،وهو انطلق مجاهد مستبسل يبذل نفسه في سبيل الله.
        أولئك الناس المسلمين منا الذين يجعلون عذاب الناس أعظم من عذاب الله وعذاب الناس أشد من عذاب الله،
        نريد إسلاماً ليس فيه مشاكل. أليس هذا هو الصحيح؟. نريد إسلاماً لا نبذل فيه شيئاً من أموالنا ولا نقف فيه موقفاً قوياً، ولا يثير علينا مديراً ولا محافظاً ولا رئيساً ولا يهودياً ولا نصرانياً ،إسلام سهل.
        كأننا نريد ما لم يحظ به رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، هل تعرفون هذا؟. كأننا نجعل أنفسنا فوق رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)،كأننا نجعل أنفسنا عند الله أعظم من محمد(صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وعلي. هل هذا صحيح؟. هذا تفكير المغفلين. لو كانت المسألة على هذا النحو لما تعب محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لما جاهد ولما جاهد الإمام علي  ولما جاهد الآخرون. نحن نريد من الله أن يحشرنا في زمرة محمد ولا يكون بيننا وبينه محط أصبع في الجنة ،أن يحشرنا الله في زمرة محمد وأن يسقينا بيد الإمام علي  من الحوض ،ونحن في نفس الوقت غير مستعدين أن نتحمل أي مشقة من أجل ديننا ،ولا أن نبذل أي ريال في سبيل ديننا ،ونريد من الله أن يدخلنا الجنة، أي كأننا نريد ما لم يحصل لرسول الله محمد(صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
        ألم يقل الله لرسوله محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم){فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}(النساء: من الآية84) في الأخير إذا لم تجد من يقاتل في سبيل الله إلا أنت فقاتل أنت.
        [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
        وعندما بنى مسجده (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)لم يبنه كـ(مَكْسَلة) ، كما هو الحال في نظرتنا إلى مساجدنا الآن أصبحت (مَكَاسِل).كان مسجده قاعدة ينطلق منها للجهاد ،قاعدة يتحرك منها روح الجهاد يزرع فيها روح الجهاد والتضحية في نفوس المسلمين .كان مسجده قلعة عسكرية. أما نحن فإننا من يقول بعضنا لبعض من العُـبَّاد” أترك ..مالك حاجه، والهَمَ الله في شغلك وعملك وأموالك ،ومن بيتك إلى مسجدك، احمد الله ذا معك مسجد قريب ، ومعك بَرْكَة فيها ماء كثير توضأ وصل واترك الآخرين، لست أحسن من سيدي فلان ولست أحسن من فلان”.
        أصبحت مساجدنا مكاسل، وأصبحت الصلاة لا تحرك فينا شيئاً ،لا تشدنا إلى الله ولا تلفتنا إلى شيء ،مع أن الصلاة هامة جداً ولها إيْمَاءَاتُها الكثيرة ومعانيها الكثيرة وإشاراتها الكثيرة، والمساجد لها قيمتها العظيمة في الإسلام لكن إذا ما كانت مساجد متفرعة من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)وليس من مسجد الضرار الذي احرقه رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)إذا كانت المساجد متفرعة ،من مسجد رسول الله فهي مساجد لله بما تعنيه الكلمة، والصلاة فيها لها فضلها ولها عظمتها أما إذا كانت المساجد هكذا ونضع فيها المصاحف، فلا الصلاة، ولا المصحف، ولا المسجد، بقي له معناه الحقيقي في نفوسنا، فنحن إذاً نصنع للإسلام مخزناً نضع القرآن فيه ونقول له: ” اجلس مكانك هنا ،لا تزعجنا ”.
        ونحن نصلي ونقرأ القرآن أحياناً ولكن لا نتأمل في الصلاة ، أليس هناك محاريب في المساجد يتقدم فيها واحد يصلي ؟ أي أن يلتفّ الناس حول قيادة واحدة صف واحد{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف:4) الصلاة تعلمنا كيف يجب أن نقف صفاً واحداً تحت قيادة واحدة في الاتجاه على صراط الله وفي الاتجاه في طريق الله سبحانه وتعالى وفي سبيله، وكم للصلاة من معاني. ولكن لا نستفيد منها شيئاً ،كل العبادات ذابت معانيها في نفوسنا، الإسلام أصبحنا نشوهه، الإسلام لم يعد له طعم في نفوسنا ،الإسلام لم يعد يحرك لدينا شيئاً لا في نفوسنا ولا في واقع حياتنا.
        أريد أن أقول هذا القول لنا جميعاً نحن الذين لا نفهم أين موقعنا أمام الله، ربما قد نكون -والله أعلم والعياذ بالله إذا لم نصح ولم نرجع إلى الله - ممن يقول فيما بعد: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}(الزمر: من الآية56) تظهر لنا أشياء كثيرة كنا نفرط فيها وكنا نقصر فيها وكنا نتغافل عنها وكنا لا نبالي بها وإذا بنا نرى أنفسنا في أعظم حسرة، ونحن من كنا نقول: ” ماهي إلا دنيا وإن شاء الله الآخرة وندخل الجنة ”. أليست الجنة مقاماً عالياً مقاماً عظيماً؟. الجنة مقام تكريم { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ }(آل عمران: 133 ـ 134) أعدت للمتقين المجاهدين {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية111).
        مقاماً عظيماً ونحن قد يتثاقل البعض منا أن يقول : الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل. والمفروض أنك تقول الموت لأمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل وكندا وأسبانيا وكم نعدد قل مع إسرائيل واحدة منها ـ أمريكا - وهي (الشيطان الأكبر) وهي من تحرك الآخرين.
        [ الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
        إذا كنت غير مستعد أن تقول هذه الكلمة فانظر إلى البحر تأمل قليلاً في البحر تجد الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين والألمان حولك وداخلين إلى بلادك إلى البلاد العربية، ليس ليقولوا ( الموت لك ) سيميتونك فعلاً وليس فقط مجرد أن يقولوا قولاً. سيميتونك ويميتون شرفك وكرامتك وعزتك ودينك و روحيتك وسموك، وسيفسدون أبناءك وبناتك، وسترى نفسك في أحط مستوى.
        واليمن في رأس القائمة اليمن والعراق وسوريا وإيران وأرض الحجاز ،لو نقول لكم الآن أن إسرائيل أن اليهود والنصارى يخططون للاستيلاء على الحج فقد تقولون: مستحيل. مع أن الإمام الخميني قال من قبل عشرين سنه: أن أمريكا وإسرائيل تخططان للاستيلاء على الحرمين. هم قد عرفوا أنه عندما استولوا على القدس صرخنا على القدس وتكلمنا عن القدس دون موقف جاد إلى أن أصبح كلامنا لا يخيفهم ، وهو ثالث الحرمين عرفوا بأن بإمكانهم أن يأخذوا ثاني الحرمين وأول الحرمين ثم يكون الكلام هو الكلام من قِبَلنا ويكون الموقف هو الموقف. لماذا قد يخططون للاستيلاء على الحرمين؟.
        ألسنا نعرف جميعاً أن السعودية هي دولة صديقة لأمريكا؟. أليس كل الناس يعرفون هذا؟. السعودية دولة صديقة لأمريكا ، لكن لماذا تُواجَه السعودية بحملة دعائية شديدة من جانب أمريكا ودول الغرب، الإعلام في الغرب الصحف والكتب والقنوات التلفزيونية والإذاعات وغيرها تتحدث عن السعودية أنها دولة إرهابية وتدعم الإرهاب وأنها وأنها …الخ . السعوديون لمسنا عنهم بأنهم اختلفت وضعيتهم الآن يشعرون بخوف شديد، يتحدثون: نحن لسنا إرهابيين، لماذا يقولون نحن إرهابيين، ماذا عملنا؟. لم يعملوا شيئاً ضد أمريكا ،لكن أولئك يريدون الاستيلاء على الحرمين فعلاً.
        لماذا يستولون على الحرمين؟.
        لأن الحج هذا الحج الذي لا نفهمه نحن عندما نحج من اليمن ومن السعودية ومن مصر نحن العرب الأغبياء عندما نحج، اليهود يفهمون قيمة الحج أكثر مما نفهمه ، اليهود يعرفون خطورة الحج وأهمية الحج أكثر مما نفهمه نحن . ما أكثر من يحجون ولا يفهمون قيمة الحج.
        الحج له أثره المهم ،له أثره الكبير في خدمة وحدة الأمة الإسلامية، ألم يجزءوا البلاد الإسلامية إلى دويلات خمسين دولة أو أكثر؟. وجزءوا البلاد العربية إلى عدة دويلات، لكن بقي الحج مشكلة يلتقي فيه المسلمون من كل منطقة، إذاًما زال الحج رمزاً لوحدة المسلمين ويلتقي حوله المسلمون ويحمل معانٍ كثيرة لو جاء من يذكر المسلمين بها ستشكل خطورة بالغة عليهم على الغربيين على اليهود والنصارى.
        ولهم نصوص نحن نقرأها نصوص من وزراء منهم ومفكرين منهم يتحدثون عن خطورة الحج وأنه يجب أن يستولوا على الحج ،وأنهم يجب أن يهيمنوا على هذه البقعة.
        الآن تحرك إعلامهم وعادة - كما يقال - (الحرب أولها كلام) أليس هذا معروفاً؟. أولاً، يتحدثون عن الإرهاب وأن السعودية تدعم الإرهاب. ماذا عملت السعودية؟. كلها خدمة لأمريكا، قدمت كل الخدمات لأمريكا عملت كل شيء لأمريكا ،لماذا أصبحت الآن لا فضل لها ولا جميل يُرعَى لها ولا شيء يُحسب لها، ويقال عنها: دولة إرهابية؟. لأنهم يريدون أن يمهدوا بذلك ،بعد أن عرفوا أننا نحن العرب أصبحنا جميعاً إذا ما قالت أمريكا: هذه دولة إرهابية انفصل عنها الآخرون، إذا ما قالت أمريكا: هذا الشخص إرهابي. انفصل عنه الآخرون وابتعدوا، عرفوا بأن بإمكانهم أن يضربوا في الحجاز كما ضربوا في أفغانستان وأن يضربوا في العراق كما ضربوا في أفغانستان وأن يضربوا في اليمن. لا أحد من الدول يمكن أن يعترض على ما تعمله أمريكا ضد ذلك الشعب أو ذاك؛لأنه قد اتفقنا جميعاً على أن نكافح الإرهاب وهذه الدولة إرهابية، السعودية إرهابية، تدعم الإرهاب، أسامه من السعودية وتجارهم يدعمون الدُعاة .
        هؤلاء هم من دعموهم تحت توجيهات أمريكا فانقلبت المسألة فأصبح عملهم في خدمة أمريكا إدانةً ضدهم من أمريكا نفسها ، وأصبحوا يقولون عنهم أنهم يدعمون الوهابيين بأموالهم فهم يدعمون الإرهاب إ ذاً.
        السعودية الآن في حالة سيئه أضطرهم الأمر إلى أن يلجئوا إلى إيران وأن يتصالحوا مع إيران ،وأن يحسنوا علاقتهم مع إيران ، وفعلاً الإيرانيون حجوا هذه السنة كثيراً حوالي خمسه وثمانين ألفاً، واستطاعوا أن ينشروا كتباً كثيرة ،وبياناً للسيد الخامنائي انتشر بأعداد كبيرة، وتسهيلات كبيرة لهم.
        بدءوا يخافون جداً أن هناك عمل مرتب ضدهم ،اليهود يريدون أن يسيطروا على الحج..لماذا ؟. ليحولوا دون أن يستخدم الحج من قِبَل أي فئة من المسلمين لديها وعي إسلامي صحيح فيعمم في أوساط المسلمين في هذا المؤتمر الإسلامي الهام الحج ،الذي يحضره المسلمون من كل بقعه.
        لاحظوا عندما اتجه الإيرانيون لتوزيع هذا البيان وتوزيع هذه الكتب وهذه الأشرطة و(سيد يهات) الكمبيوتر، أليست تصل إلى أكثر بقاع الدنيا؟ هكذا يرى اليهود والنصارى أن الحج يشكل خطورة بالغة عليهم.
        ولأن الحج مهم في مجال مواجهة اليهود والنصارى، جاءت الآيات القرآنية في الحديث عن الحج متوسطة لآيات الحديث عن اليهود والنصارى في كل من سورة البقرة وسورة آل عمران والنساء ،ثلاث سور أذكرها من السور الطوال. كما جاء الحديث عن ولاية الإمام علي  داخل الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل ،كما جاء الحديث عن الوحدة والاعتصام بحبل الله جميعاً ضمن الحديث عن بني إسرائيل لأن بني إسرائيل هم المشكلة الكبرى في هذا العالم ضد هذه الأمة وضد هذا الدين ،هم العدو التاريخي للمسلمين من ذلك اليوم إلى آخر أيام الدنيا . هم العدو التاريخي.
        فهم ـ فعلاً ـ يخططوا للاستيلاء عليه، وإذا ما استولوا عليه فهم قد عرفوا أننا أصبحنا نصدق كل شيء من عندهم ،وأننا أصبحنا أبواقاً للإعلام نردد أي تبرير يأتي من قبلهم، عندما يقولون: نحن جئنا إلى اليمن من أجل أن نساعد الدولة اليمنية على مكافحة الإرهاب. يصدق البعض بهذا ويرددها ويخدمهم في أن تُعمم على أكبر قطاع من الناس، ليفهمهم أنهم إنما جاءوا لمكافحة الإرهاب، وسيدخلون الحجاز من أجل مكافحة الإرهاب ،ومن أجل مكافحة الإرهاب يحرقون القرآن، ومن أجل مكافحة الإرهاب يهدمون الكعبة ، ومن أجل مكافحة الإرهاب يمنعون الحج ،ومن أجل مكافحة الإرهاب يدوسون العرب بأقدامهم ونحن نصدق كل تبرير يقولونه.
        لقد وثقوا بأن كل كلمة يقولونها تبرر أعمالهم ضدنا أصبحت مقبولة لدينا وأصبحت وسائل إعلامنا ترددها ، وأصبحنا نحن نستسيغها ونقبلها ونغمض أعيننا عن الواقع الملموس ،نؤمن بالخدعة ولا نلتفت إلى الواقع الملموس الذي باستطاعتك أن تلمس من خلاله شرَّهم وخطرهم، تغمض عينيك وتكف يديك وتصدق التبرير الذي يعلنونه.
        عندما يصل الأمر إلى هذه الدرجة يخططون للاستيلاء على الحرمين الشريفين،يخططون للاستيلاء على اليمن، لكنْ استعمارٌ حديث، احتلال حديث لم يعد بالشكل الأول أن يجعلون زعيماً أمريكياً يحكم، لا لن يجعلوه أمريكياً، سيجعلونه يهودياً سواء يهودي من أصل إسرائيلي، أو يهودياً يمنياً من أصل يمني أو كيفما كان، المهم يهودياً سواء يحمل هوية إسلامية أو يهودياً حقيقياً يكون بالشكل الذي ينسجم معهم.
        إذا كانوا يعملون هذه الأعمال ثم أنت لم تؤمن بعد ولم تستيقظ بعد، ولم تصدق بعد بأن هناك ما يجب أن يحرك مشاعرك ولو درجة واحدة، ماذا يعني هذا؟. غفلة شديدة، تَيه رهيب، ذلة إلهية رهيبة. هل يستثيرنا هذا عندما نقول أننا فعلاً نلمس أنهم بدءوا يتحركون من أجل الهيمنة على الحرمين الشريفين وليس فقط القدس؟.
        العرب يرددون الآن ضمن أقوالهم : (من أجل إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس). هل إسرائيل تلتفت إلى هذا الكلام . هي ليست حول أن تسلم القدس هي تبحث عن الحرمين الآخرين ، إن الحرمين الآخرين هما اللذان يشكلان خطورة عليها وليس القدس ، ارتباطهم بالقدس هو ارتباط تاريخي فقط ،ليس لأن القدس منطقة ذات أهمية عند المسلمين أوتشكل خطورة بالغة عليهم. لا، وإنما باعتبارها مدينة يقولون بأنه كان هناك هيكل سليمان وأنها هي المدينة التي كتب الله لهم أن يدخلوها ،وعبارات من هذه، ارتباط هوية دينيه وتاريخية، أما الحرمين فهم الذين يشكلون خطورة بالغة عليهم على مستقبلهم ، وأكد لهم ذلك تأملهم للقرآن ـ القرآن الذي لا نفهمه نحن ـ وأكد لهم ذلك أنهم وجدوا أن الحج يستخدم من قبل أي حركه إسلامية لتوعية الآخرين. وهكذا أراد الله للحج أن يكون ملتقى إسلامياً ،يذكر الناس فيه بعضهم بعضاَ بما يجب عليهم أن يعملوه من أجل دينهم وفي سبيل مواجهة أعدائهم.
        الإمام الخميني الذي عرف الحج بمعناه القرآني، هو من عرف كيف يتعامل مع الحج فوجه الإيرانيين إلى أن يرفعوا شعار البراءة من أمريكا البراءة من المشركين البراءة من إسرائيل، ونحن هنا كنا نقول: لماذا يعمل هؤلاء، ولم ندرِ بأن أول عَمَلٍ لتحويل الحج إلى حج إسلامي تَصَدَّر ببراءة ٍقرأها الإمام علي  ـ إمامُنا ـ العشر الآيات الأولى من سورة براءة هي بداية تحويل الحج إلى حج إسلامي {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}(التوبة: من الآية3) ورسوله بريء من المشركين وقرأ البراءة من المشركين الإمام علي بن أبي طالب  .
        ونحن كنا نقول هنا ونحن شيعة الإمام علي :ما بال هؤلاء يرفعون (الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل) البراءة من المشركين هذا حج؟ ”حج يا حاج”. وحجنا نحن اليمنيين نردد: ” حج يا حاج ” عجالين ونحن نطوف ونسعى ونرمي الجمار نردد:”حج يا حاج ” على عجلة.
        فالإمام الخميني عندما أمرهم أن يرفعوا البراءة من المشركين في الحج أنه هكذا بداية تحويل الحج أن يُصبَغ بالصبغة الإسلامية تَصدَّر بإعلان البراءة قرأها الإمام علي وهي براءة من الله ورسوله ،هذا هو الحج.

        ــــــــــــــــــــ
        البقية في الصفحة التالية

        تعليق


        • #5
          البقية

          البقية
          ــــــــــــــــــ
          حتى البراءة التي يعلنها الإيرانيون أو يعلنها أي أحد من الناس هي ما تزال أقل من البراءة التي قرأها الإمام علي ، الإمام علي  قرأ براءة من نوع أكثر مما يرفعه الإيرانيون في الحج ،براءة من المشركين وإعلان الحرب عليهم ،وإعلان بأنه لا يجوز أن يعودوا أبداً إلى هذه المواقع المقدسة. وكان فينا من يقول: لا، نحج وبس، هذه عبادة ”ماهو وقت أمريكا وإسرائيل”.
          هكذا نقول لأننا لا نفهم شيئاً، هذه مشكلتنا لا نفهم إلا السطحيات، الحج عبادة مهمة ، لها علاقتها الكبيرة بوحدة الأمة ،لها علاقتها الكبيرة بتأهيل الأمة لمواجهة أعدائها من اليهود والنصارى.
          عبادة مهمة إنما عطلها آل سعود، وعطلها اليهود والنصارى ولم يكتفوا بما يعمله آل سعود، القضية عندهم خطيرة جداً إذا كانت القضية كبيرة جداً عندهم هم لا يثقون بعملائهم ولا بأصدقائهم ،مهما كنت صديقاً ربما يظهر أحد فيحصل كما حصل في إيران، ربما يظهر أحد يسيطر على المنطقة هذه ثم تفلت من أيدينا ،يَرون أن عليهم أن يسيطروا مباشرة ،لم يعودوا يثقون بعملائهم أبداً ،هم يتنكرون لعملائهم ويضربونهم في الأخير متى ما اقتضت سياستهم أن يتخذوا موقفاً منهم يعملون تبريرات كثيرة وكلاماً كثيراً ضدك وأنت كنت صديقهم ، هكذا سيصبح الحال لدينا في اليمن ، حتى تصبح إنساناً يستعجل الناسُ أن تُضرَب، هكذا يعمل اليهود استطاعوا في أعمالهم معنا نحن المسلمين يعملون دعاية على أي أحد منا دعاية دعاية قالوا بيحركوا سفنهم من هناك حتى أصبحنا عجالين أكثر منهم على أن يضرب هذا البلد أو ذاك.
          الآن لو يقولون أنهم يريدون أن يضربوا العراق فنحن سنبقى قلقين نريد أن يضربوا العراق، استطاعوا أن يروضونا حتى أننا نصبح أعجل منهم على ضربهم لبعضنا.
          يوم قالوا يريدون أن يضربوا أفغانستان قالوا لا زالت سفنهم هناك وحركتهم بطيه فكلنا عجالين نريد أن يضربوا أفغانستان من أجل أن نتفرج وبس هكذا قد يصبح الحال لدينا في اليمن.
          نحن نحمل نفوساً قد ضاعت وظلت ،قد خُذلنا - والله أعلم - من قِبل الله،لم يعد تفكيرنا مستقيم ،لم تعد آراؤنا صحيحة، لم يعد فهمنا للدين صحيح، لم يعد شيئاً لدينا صحيح. - أقول هذا حقيقة لكم - أصبحت الأمور لدينا غريبة جداً ،وأصبح من يصنع الرأي العام لدينا من يصنع ثقافتنا من نردد كلامهم هم اليهود. عندما أقول لك عن وجود الأمريكيين: هم دخلوا بجنود وأسلحة إلى اليمن ،هم ماذا يريدون أن يعملوا؟. هم يشكلون خطورة على اليمن فتقول لي: لا.هم جاءوا من أجل أن يحاربوا الإرهاب و يساعدوا الدولة اليمنية في محاربة الإرهاب. ألست هنا تقبل كلام اليهود أكثر مما تقبل كلامي ، وأنت تسمع أنهم دخلوا بشكل عساكر ومعهم أسلحة وسفن حربيه قريبة من الساحل ،أهكذا يعمل الناس الذين يقدمون خدمة؟ وهل تَعَوَّد الأمريكيون على أن يقدموا خدمة لأي أحد من الناس؟!.
          إذا كانوا يريدون أن يقدموا خدمة لماذا لا يقدمون خدمة للفلسطينيين فيفكوا عنهم هذا الظلم الرهيب الذي تمارسه إسرائيل ضدهم؟. لماذا لا نقول هكذا لأنفسنا؟. أنتم أيها الأمريكيون تريدون أن تقدموا لنا خدمة مما يدلنا على أنكم كاذبون أنكم لو كنتم تريدون أن تقدموا خدمة لأحد لقدمتم خدمة للفلسطينيين المساكين الذين يُذبحون كل يوم على أيدي الإسرائيليين وتدمر بيوتهم وتدمر مزارعهم. أم أنهم يحبون اليمنيين أكثر؟. هل هم يحبونا، هل هم ـ فعلاً ـ همهم أن يقدموا لنا خدمة؟ وأنه أزعجهم جداً أن هناك ثلاثة إرهابيين أزعجهم جداً هذا لأن الرئيس قال: (ونحن عانينا من الإرهاب). فقالوا: ابشر بنا نحن سنأتي لنساعدك على أساس أن لا تعاني لا أنت ولا الأحباب في اليمن، نحن نحبكم والله يقول:{هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}(آل عمران: من الآية119) {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}(البقرة: من الآية105) {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}(المائدة: من الآية82) هكذا يقول الله عنهم أنهم أعداء وأنهم لا يحبوننا وأنهم يعضوا أناملهم من الغيظ حنقاً وحقداً علينا ثم نعتقد بغبائنا أنهم جاءوا ليقدموا خدمة لنا.!
          وعندما تتحدث مع الناس عن الحقيقة تجد أن التبرير الذي قدموه هم مقبول عند البعض أكثر من كلام أي شخص من علمائنا. يقال: لا، هم قالوا جاءوا ليكافحوا الإرهاب، من أجل أن لا نعاني من الإرهاب، وهم دخلوا بأسلحتهم.
          إذاً لا بأس بهذا افترض أنك لم تفهم إذاً افترض كم سيبقون وهم يريدون أن يكافحوا الإرهاب؟. أحسب لهم سنه على أطول شيء أحسب لهم سنه. أليس في خلال سنة يمكنهم أن يكافحوا الإرهاب ثم يعودوا؟. إذاً انتظروا بعد سنه هل سيرحلون؟. هل سيغادرون؟. أم أنكم سترون أشياء أخرى، وسترون إرهاباً آخر . هم سيصنعون إرهاباً ،هم سيفجرون على أنفسهم ويفجرون على أشياء قريبه من حولهم ، وحتى إذا ما أرادوا أن يضربوك سيجعلون أحداً من أفراد القاعدة يزور منطقتك ثم يقولون: إذاً عندك واحد من القاعدة أنتم في بلادكم واحد من القاعدة ، أكيد إذاً أنتم تدعمون الإرهاب.
          القاعدة الذين قالوا أنهم ضربوها في أفغانستان اتضح أنهم لم يضربوهم وأنهم ما زالوا بخير ؛لأنهم بحاجة إليهم ليوزعوهم فيما بعد.تكلم الرئيس ذات مرة كلاماً مضحكاً عندما سألوه عن أسامه كيف إذا جاء إلى اليمن؟. قال :” أنتم حاولوا أن لا يجيء ،حاولوا وأنتم عدة دول أن تمسكوه لايخرج ، تستطيعوا ”.هو خائف أنهم سيوصلون أسامة إلى اليمن هم، سيحاولون أن يوصلوا أسامة إلى اليمن ثم يقولون :هاه أسامه ،إذاً له علاقة باليمن هذا اليمن منبع الإرهاب. ثم يضربونهم.
          منطقة معيَّنة أنت تقول: لسنا إرهابيين ونحن لا نفعل شيئاً، ولم نتكلم ـ والله - بكلمة. فيقال: هم معهم أفراد من القاعدة . أفراد القاعدة قد توزعوا على خمسين دوله. أين هم الذين قتلوهم من طالبان والقاعدة؟. لم يقتلوهم لأنهم بحاجة إليهم يحاجه إلى أسامه وهم أصدقاء ،هم أحرص على حياة أسامه منا جميعاً ، هم بحاجة إلى أسامه ، لو أمكن أن يطبعوا على أسامه نسخ كثيرة لو أمكن أن يطبعوا على أسامه الكثير لعملوا ، لأنهم سيحتاجونه فيما بعد، هم قالوا لعلي عبد الله: هناك أفراد من القاعدة،
          قالت بعض الصحف بأنهم قتلوا يمني في أمريكا لأن في أوراقه اسم القاعدة ـ تلك المدينة اليمنية المعروفة ـ وأنهم يستجْوِبُون يمنيين في أمريكا لأن في وثائقهم (من مواليد القاعدة) وأنهم كانوا في القاعدة. يعني هم من قاعدة ابن لادن من أصحاب ابن لادن هكذا يخادعون ،هكذا يضللون ونحن بعد لم نفهم شيئاً ،ومن فهم يعتبر القضية عادية.
          نحن نقول للناس يجب علينا يجب علينا أن يكون لنا مواقف أولاً لنفك عن أنفسنا الذلة والسخط الإلهي ،هناك ذله إلهية هناك ذلة إلهيه ـ فيما أعتقد ـ قد ضربت علينا نحن وعلماؤنا ،نحن زعمائنا الكل قد ضربت عليهم الذلة. يجب أن يكون لنا موقف في مواجهة هؤلاء حتى نرضي الله سبحانه وتعالى عنا ، وأقل موقف هو أن تردد هذا الشعار بعد صلاة الجمعة حتى يعرف الأمريكيون أن هناك من يكرههم وهناك من يسخط عليهم ،
          [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
          وحتى لا تكون لا شيء في الحياة ،حتى لا تكون ميت الأحياء يتحرك اليهود والنصارى فيملئون بحر الدنيا وبرها وأنت المسلم لا ترفع حتى ولا كلمة ضدهم وأنت من كان يجب أن تحتل تلك المواقع التي هم فيها.
          إذا لم نردد هذا الشعار واللهُ في القرآن الكريم قد أمرحتى بما هو أقل من هذا لإرهاب أعدائه وأعدائنا، وهو (رباط الخيل) في قوله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ }(الأنفال: من الآية60) هل نزلت هذه الآية وكان المسلمون قد أصبح لهم حدود يرابطون عليها مع مناطق أخرى؟. بل معناه اعملوا على أن تُظهروا أنفسكم أمام أعداءكم برباط الخيل عند بيوتكم أن هناك خيل لديكم أي أنكم مستعدون للقتال فعندما يأتي أحد المشركين فيرى عند بيت هذا خيلاً ويرى عند بيت الآخر خيلاً ،سيرى أن هذه أمة مجاهدة معدين أنفسهم، وهذا يرهبهم .
          إذا لم يكن لديك تفكير بأن تبحث عما ترهب به أعداء الله أو أن يقال لك هذا شئ بالتأكيد يرهب أعداء الله ثم لا تعمله وهو شيء سهل جداً أن تقوله ثم لا تقوله فاعلم بأنه لم يعد لديك ذرة من إيمان ولا ذرة من إباء، وأنك تائه كما تاه بنو إسرائيل من قبلك.
          هذا ما أريد أن أقوله لنا جميعاً - سواء عملنا أو لم نعمل - من خلال ما فهمناه ونحن نتابع الأحداث، ومن خلال ما فهمناه ونحن نتأمل كتاب الله سبحانه وتعالى أنه إذا لم يكن لدي ولا لديك اهتمام بأن نقاتلهم وليس فقط بأن نرفع:هذا الشعار، ولكن إذا لم أرفع الآن هذا الشعار، [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام] وهو الشيء الذي أستطيعه وأنت تستطيعه. وأنا أؤكد لك أنه شيء أثره بمثابة ضرب الرصاص عليهم ،أنه شيء بالتأكيد أثره بمثابة ضرب الرصاص إلى صدورهم إذا ما انتشر في أوساط الناس،
          إذا لم نرفعه الآن فماذا يتوقع مني ومنك بعد وأي اهتمام بقي لدينا.
          أنا قلت لكم في العصر بأن هناك خبراً أن البيت الأبيض انزعج جداً عندما رفع تقرير عن استبيان داخل عشره آلاف شخص في سبع دول عربية أن هناك سخط ضد أمريكا انزعجت أمريكا ،هم ليسوا أغبياء مثلنا ،يريد أن يضربك وأعصابك باردة لا تفكر بأن تعد ضده أي شيء ،لكن أن يستثيرك يعني ذلك أنه سيجعلك تفكر كيف تمتلك وتبحث عن قوة لتواجهه بها وتضربه ،أليس كذلك؟. هو يريد أن يضربك بهدوء من أجل أن لا يخسر أكثر في مواجهتك.
          وليس كمثلنا نحن إذا حصل مشاجرة بين شخصين حاول أن يخرج كل ما في الشمطة في رأس صاحبه، الأمريكي لا يريد هذا ،إنه يريد أن يضربك بأقل تكلفة ممكنة ،يحسب ألف حساب للدولار الواحد فيضربك بأقل تكلفة. وإذا ما اضطرته الظروف أن يضربك بصاروخ إلى بلدك فاعرف أنه لن يخسر في هذا الصاروخ إلا كواحد من بقية العرب إذا ما ضربك بصاروخ إلى داخل بلدك.
          ألم يضربوا العراق بصواريخ؟. ألم يضربوا ليبيا بصواريخ؟. عندما ضربوا العراق بمختلف الصواريخ ومختلف الأسلحة ما كانت خسارة الأمريكي إلا أقل من خسارة العربي في قيمة هذا الصاروخ ،هم ليسوا أغبياء، إنهم يحسبون حساب الاقتصاد حساب المال.
          بعض الناس قد يقول: إذا رفعنا شعار (الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل) سيضربوننا بصاروخ. هم لا يضربونك، كم يكلف الصاروخ؟. هل تعتقد أنهم مثلنا إذا حقد على الآخر فسيفجر كل شيء في رأسه، لا. أليس لديهم أسلحه نووية؟ أليسوا يخافون من إيران ويكرهون إيران جداً؟ لماذا لا يضربون إيران؟. بتفكيرنا قد نقول : لماذا لا يضربون بقنابل على إيران ويسحقونها؟.
          هم حكماء وليسوا بُلَداء، يعرف أنه أَن أَضرِب دون أن أكون قد مهدت الأجواء حتى أجعل الآخرين أعجل مني على ضرب صاحبهم إذاً سأخسر، لن أضربك إلا بعد أن أرى الناس من حولك قد أصبحوا مشتاقين أن يروك تُضرب، وسيدفعون ويساهمون في قيمة الصاروخ إذا رأوك تُضرَب.
          هكذا في أفغانستان عملوا هذا الشيء، أمريكا لم تتحرك لضرب أفغانستان إلا بعد أن عملت وثائق فيما بينها وبين الآخرين تحالف دولي تحالف عالمي بقيادة أمريكا، ومَن أيَّدَ هذا التحالف؟. الدول العربية كلها ،وليس تأييداً فقط بل وتدفع معهم. أنت إذا لم تدفع إذا لم تؤيد إذا لم تشارك أنت إذاً لا بد أنك تدعم الإرهاب. فضربوا في أفغانستان وبأموال الناس جميعاً.
          ثم بعد قاموا يمتنون على الأفغانيين بأنهم يريدون أن يعمروا أفغانستان. من الذي يعمر أفغانستان؟. يجب على السعودية واليابان ودول أخرى، حالة رهيبة وغريبة.
          أنا قلت: أن هذا من المصاديق التي تؤكد أننا فعلاً طبقنا ما يقول اليهود ،اليهود يقولون: بأنهم شعب الله المختار، وأنهم هم الناس الحقيقيون وأن الآخرين من البشر ليسوا أناس حقيقيين. هكذا يقولون، قالوا: نحن لسنا بشراً حقيقيين نحن خلقنا الله لخدمتهم وإنما خلقنا في صورة بشر من أجل أن ننسجم معهم ونؤدي خدمتهم على شكل أفضل. هكذا يقولون.
          فعلاً أصبح هذا شيء نحن نؤكده في واقعنا كأننا لسنا أناساً وإلا لما جاء اليهود يضربونا بأموالنا وندفع تكاليف الحرب، ثم نحن بعد أن يغادروا نحن من نكلف بأن نبني ما دمروا، هذا ما حصل في أفغانستان. إيران عليها أن تدفع والسعودية عليها أن تدفع ربع الدمار الذي في أفغانستان، والإمارات عليها أن تدفع ودول أخرى عليها أن تدفع.اليهود يدمرون ثم هم يقدمون أنفسهم بأنهم من عملوا الجميل مع الأفغانيين فهم من جعلوا الآخرين يبنون، إذاً فتحركوا أنتم أيها المسلمون تحركوا فابنوا ما دمرنا والفضل لنا، سخرية رهيبة أصبحنا لا ندركها ولا نفهمها.
          أسأل الله سبحانه أن يوفقنا إلى أن نستبصر وأن نفهم ،أن نفهم ماذا ينبغي أن نعمل ،أن يبصرنا رشدنا ، أن يفهمنا ما يجب علينا ،أن يفك عنا هذا التّـيْه الذي نحن فيه، وأن يوفقنا لأن نكون من المجاهدين في سبيله ممن يواجهون أعداءه، وهذا هو الفضل العظيم كما قال الله عن أولئك { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة: من الآية 54 )
          وصلى الله على محمد وعلى آله
          [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

          ـــــــــــــــــــــــ
          انتهى كلامة من المحاضرة الثانية

          تعليق


          • #6
            المحاضرة الثالثة

            سلسلة معرفة الله (7-15)

            دروس من هدي القرآن الكريم

            معرفة الله


            عظمة الله




            الدرس السابع

            ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
            بتاريخ:
            25/1/2002م
            اليمن ـ صعدة






            بسم الله الرحمن الرحيم

            الحمد لله رب العالمين.
            وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
            في مجال معرفة الله سبحانه وتعالى، وفي سبيل ترسيخ مفاهيم معرفته سبحانه وتعالى في أنفسنا لتعزيز الثقة به سبحانه وتعالى هناك وسيلة هي من أهم الوسائل ،تلك الوسيلة هي: التمجيد والتعظيم لله سبحانه وتعالى من خلال عرض الثناء عليه بكماله ،كماله المطلق، والقرآن الكريم قد اشتمل على كثير من الآيات الكريمة التي كانت على هذا الأسلوب، قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (الحشر:22) {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الحشر:23) {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر:24)
            {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255) {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر:65) {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:18) {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (القصص:70) { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:73) { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:101 ـ103) وكثير من السور في القرآن الكريم تصَدَّرت بالثناء على الله مثل قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} (سـبأ:1ـ2) {عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(سـبأ: من الآية3)
            وسور أخرى تصدَّرت بقوله تعالى {سَبَّحَ}أو{ يُسَبِّحُ} مثل ما في أول هذه السورة سورة التغابن {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التغابن:1) {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر:1) وكقولـه تعالى {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (يّـس:83) وقوله تعالى{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}،{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ}{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}(الروم:17ـ19) وما أكثر ما ورد في القرآن الكريم من أمثال هذه الآيات.
            وليس فقط في القرآن الكريم بل ورد على هذا النحو أذكار كثيرة شرعها الله لعباده أن يرددوها في صلاتهم وفي غير صلاتهم مثل( سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ، والله أكبر). وهذه من أذكار الصلاة وكذلك (سبحان الله العظيم وبحمده) ، (سبحان الله الأعلى وبحمده ) ونحن في الصلاة ،ندخل في الصلاة بالتكبير لله (اللَّهُ أَكْبَرُ) وداخلها نكرر التكبير لله عند الركوع وعند السجود وعند القيام ،وعند القعود.
            والتسبيحة: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ،والله أكبر) هي من الأذكار التي وردت أحاديث بفضلها.
            كل هذا هو في الواقع خطاب ثناء على الله، يردده الإنسان بلسانه ليترك آثاراً في النفس.
            إذا تأملنا في الآيات الأولى قول الله تعالى { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } يتبادر إلى ذهنك كل ما عرضه في القرآن الكريم من أنه الملك ،وأنه الإله ،وأنه الرب ،وأنه المدبر لشئون السموات والأرض ،وأنه مالك لأمر عباده، هو الذي يحكم فيهم ،هو الذي يتولى هدايتهم، هو الذي يُشرِّع لهم ، { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }.
            كلمة {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه} التي نرددها ونرفعها في أذاننا كل يوم للصلاة ، كلمة {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} التي تتردد في القران كثيراً ، سواء بعبارة {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}أو عبارة { لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} تكريرها جيلاً بعد جيل سراً وجهراً هي في حد ذاتها دليل على أنه فعلاً ليس هناك إله إلا الله.
            من هو ذلك الإله الذي جاء يعترض علينا فيقول :لا ،بقي واحد ثاني. عندما نؤذن في الصلاة وبمكبرات الصوت (أشهد أن لا إله إلا الله) ونكرر ذلك ثم نقول في الأخير لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ونقرأ القرآن وهو مليء بـ{لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}لو كان هناك إله آخر لظهر.
            فنحن نرددها جيلاً بعد جيل مئات السنين ، يرددها المسلمون في كل بقاع الدنيا ، ولا أحد ظهر ليقول بأنه باقي واحد ثاني هو أنا.إذاً فحقيقة ليس هناك إله آخر.
            إنما نحن الذين نصنع آلهة داخل أنفسنا ، نصنع آلهة من الأشخاص ممن هم عبيد كالأنعام وليسوا حتى مثل بقية الناس، نحن من نصنعهم آلهة، ونحن من نصنع داخل أنفسنا آلهة، في الوقت الذي نسمع قول الله تعالى يتكرر في آذاننا وعلى مسامعنا {فاعلم أنه لا إله إلا الله}. والمؤذن للصلاة يقول لنا: (لا إله إلا الله ). ونحن نقول في صلاتنا { سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ،والله أكبر }.
            لماذا لا نفكر في كيف يجب أن نستفيد من تكرير { لا إله إلا الله } فنرسخ في داخل أنفسنا أن ما سوى الله لا يجب أن يخيفنا ، ولا ينبغي أن نخاف منه ، لا ينبغي أن نعتمد عليه ،ونطمئن إليه في مقابل الابتعاد عن إلهنا الذي لا إله إلا هو ،وهو الله سبحانه وتعالى.
            في درس سابق ( ) حول قول الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (محمد:19) تحدثنا كثيراً عن كيف يجب أن نتعامل مع{لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، وكيف يجب أن يكون ترديدنا لها، وكيف نستفيد منها ، وكيف هو الأثر الكبير ،الأثر المهم الذي تصنعه في النفوس ، التي تحاول أن ترسخ معانيها فيها ، كيف ستصبح قوة تقهر كل من يبرزون في هذا العالم كآلهة للناس ، ممن هم عبيد أذلاء ضعفاء أمام الله الواحد القهار، جبار السموات والأرض ، وكيف يجب أن تكون ثقتنا بالله ثقة مطلقة ، فما الذي يمكن أن نخاف منه سوى الله؟. من الذي يملك ما يملكه الله؟. من هو الكامل ككمال الله؟. من هو الحي الذي لا يموت ـ سوى الله؟. من هو القاهر كقهر الله؟. من هو الجبار كجبروت الله؟. لا أحد. لا أحد.
            حتى كل من يبرزون في هذه الأرض يتَعَاظَمُون أنفسهم ويقدمون أنفسهم كجبارين وطواغيت إنهم أذلاء ،إنهم ضعفاء،إنهم مساكين، مساكين أمام جبروت الله الواحد القهار، ما أضعفهم، وما أحقرهم، وما أذلهم، وما أذلنا نحن، وما أحقرنا، وما أضعفنا إذا أصبحنا نخاف منهم ولا نخاف من الله، ما أضعفنا وما أحقرنا وما أعمى بصائرنا إذا اطمئنينا إليهم، ولا نطمئن ولا نثق بالله سبحانه وتعالى.
            سبحانه وتعالى هو الله وحده فبه ثِق ،وعليه توكل ،وإياه فاسأل ، وبه فاستعِن، وإليه فارغب، وإياه فارهب، وإياه فاعبد، وله فأخلص ،{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }. أليست هذه وحدها تكفي أن تتعامل مع الله على هذا النحو، وأن تنظر إليه هذه النظرة؟ ؛أنه لا إله ءَأْلَهُ إليه ،أتجه إليه ،أصْمُد إليه ، أقصده، أعبده إلا الله
            {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أليس في هذا ما يدفعني إلى أن أثق به ،وأطمئن إليه، وأتوكل عليه، وأشعر بعظمته ، وأرسخ في نفسي الشعور بعظمته؟. هو عالم الغيب والشهادة ، فهو من إذا اعتصمت به اعتصمت بمن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، بمن لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، فمتى يمكن أن يَسْتَغْفِلني أعدائي إذا كان وليي هو من يعلم الغيب في السموات والأرض ،هو عالم الغيب والشهادة؟. وأين يمكن أن أكون فلا يراني؟ أو أدعوه فلا يسمعني؟{قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}(طـه:46) {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ}{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الشعراء:217ـ 220)
            { هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وكما قلنا في درس سابق أن مجموع اللفظتين تفيد المبالغة في أنه رحيم بعباده.
            ولو تأملنا من خلال هدايته للناس ،من خلال تشريعه للناس، من خلال تدبيره لشئون عباده، لشئون مملكته لوجدنا ما يبهرنا من مظاهر رحمته بنا، لوجدنا ما يبهرنا من مظاهر حلمه عنا. رحمته الواسعة بنا ونحن ما نزال في بطون أمهاتنا ،وبهذا ذكَّرنا في القرآن الكريم.
            رحمته بنا ونحن في أحضان أمهاتنا، يعطفن علينا بقلوب مليئة بالرأفة والشفقة على الرغم من أننا نكون في ظرف لا ننفع الأمهات فيه بشيء ، بل نؤذيهنّ. أليس الولد يؤذي أمه بأشياء كثيرة؟. يقلقها وقت نومها ، يقلقها أثناء عملها ، يوسخ ثيابها، وتخدمه بكل رغبة ، تخدمه بكل ارتياح ، يعجبها وترتاح حتى عندما تسمع صوته، وإن كان في منتصف الليل بعد أعمال شاقة طول النهار، يعجبها أن تسمع صوته ، وتضمه إلى صدرها وتَحْنُو عليه بقلبها وعطفها.
            وهكذا تجد في مختلف الحيوانات الأخرى، حتى تلك الحيوانات الشرسة ،تلك الحيوانات ذات المنظر البشع. أنثى التمساح التي ليس له حِجْر تحتضن صغارها فيه، أين تضع صغارها؟. في فمها. ذلك الفم المليء بالأسنان الرهيبة ، فم طويل فيه مواشير من الأسنان فتحمل أولادها برفق وشفقة فوق أسنانها الرهيبة المفترسة، فيحس بالطمأنينة، ويحس بالارتياح فوق تلك الأسنان، التي لو رآها واحد منا عن بُعْد لولى هارباً من بشاعتها ،لا تحاول أن تطبق فمَها على صغارها، تطبق فمها بالشكل الذي فقط يمسك صغارها. الرحمة حتى داخل الفم المليء بالأسنان المفترسة البشعة الشكل الكثيرة العدد.
            وهكذا تجد في بقية مخلوقات الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بمرحلة من مراحل المخلوقات هي مرحلة الولادة، ومرحلة الحضانة للصغار.
            مظاهر رحمته تعالى بنا واسعة جداً حتى في تشريعه لنا ،يشرع لنا ما هو ضروري بالنسبة لحياتنا أن نسير عليه، حتى وإن لم يكن هناك من ورائه لا جنة ولا نار. المتأمل يرى بأنه فعلاً ضروري للحياة ،أليس الناس يشرعون لأنفسهم قوانين ودساتير؟ ،هل وراءها جنة أو نار من الدولة التي تشرعها؟. لا. مجرد تشريعات يقال: تمشون عليها لتستقر بها الحياة السياسية والاقتصادية ، ويحصل استقرار داخل هذا الشعب أو ذلك الشعب فيسعد الناس. هذا كل ما يقولونه من وراء ما يشرعون. ومع هذا ما أكثر الأخطاء التي تظهر في تلك التشريعات ؛لأنها ناقصة جاءت من قاصرين وناقصين شرعوها للناس، الناس الذين لا يمكن أن يعلم بما هو تشريع مناسب لهم إلا الله الذي خلقهم سبحانه وتعالى.
            أمَّا الله سبحانه وتعالى فتجد كيف أنه فيما هدانا الله إليه وفيما شرّعه لنا مما هو ضروري بالنسبة لحياتنا لتستقيم عليه، ويسعد الناس في السير على نهجه ، يأتي ليعدنا على ذلك بالأجر العظيم والثواب الكبير ، برضاه وبالأمن يوم لقاه، وبالجنة التي عرضها السموات والأرض التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتَلَذّ الأعين. أليس هذا من مظاهر رحمة الله؟.
            لو أتى رئيس من الرؤساء وصاغ دستوراً معيناً ،أو قانوناً في مجال من المجالات وقال: من التزم به وسار عليه فسوف نعطيه قطعة أرض في محافظة (حضرموت) سعتها كذا وكذا بمضختها بالقائمين عليها ،لاتجه الناس لتطبيق ذلك القانون،ولآمنوا به ربما أعظم من إيمانهم بالقرآن من أجل أن يحصلوا على قطعة أرض، أو من أجل أن يحصل الواحد منهم على وظيفة معينة، وما قيمة الوظيفة ،وما قيمة قطعة الأرض في مقابل جنة عرضها السموات والأرض؟!. {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} (محمد:15) كل هذه الأنهار ،كل تلك الجنات المتدلية الثمار، كل تلك الجنات الواسعة المساحات، كل ذلك النعيم الدائم الذي لا ينقطع ،كله يعتبر زيادة منه سبحانه وتعالى ،رحمة لعباده ، وعدهم به فيما إذا ساروا على هديه، والتزموا بتشريعه، أن يمنحهم ذلك النعيم العظيم، هذه رحمة عظيمة.
            ثم تجد أثناء دفعه للناس إلى أن يلتزموا بتشريعه ، ودفعه بالناس إلى أن يسيروا على صراطه المستقيم الذي يوصلهم إلى مستقر رحمته الجنة، يفتح لهم في الدنيا أبواباً كثيرة لمضاعفة الأجر : من أول وَهْلَه الحسنه بعشر حسنات.
            أي الناس من أقاربك من أرحم الناس بك يمكن أن يبادلك على هذا النحو في تصرفاتك معه الحسنه بعشر حسنات؟. هل يمكن أن تتعامل معك أمُّك على هذا النحو في أمور تخصها فتقول لك: يا بني اذهب واعمل وحاول أن تكسب لي مائة ريال وأنا سأعطيك بدل المائة ألف ريال، هل هذا يحصل؟. أو أبوك هل يمكن أن يعمل هكذا؟. أو حتى أولادك هل يمكن أن يعملوا هكذا؟. أي الناس ممن هم رحماء بك يمكن أن يتعاملوا معك على هذا النحو؟ من حيث المبدأ مائه بألف ريال أو حسنه بعشر حسنات؟. لا أحد إلا الله سبحانه وتعالى .
            من الذي فرض عليه هذا؟. هل أحد فرض عليه هذا من جهة عباده؟. لا.
            هو الرحمن الرحيم ،هو الرؤوف الرحيم الذي يرشدنا، ويشجعنا بمضاعفة الأجر على أعمالنا، لنكون جديرين بما وعد به أولياءه، لتثقل موازيننا يوم القيامة. فجعل الحسنة بعشر حسنات والسيئة واحدة منك يكتبها واحدة ،وعندما تتوب تمحي كلها وتتبدل حسنات مكانها، أليست هذه رحمة؟.{يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (الفرقان: من الآية70) {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}(هود: من الآية114) يحتفظ لك برصيدك من الحسنات مهما أمكن، إلا أن تأتي أنت بحماقتك فتعمل ما يحبطها ،فتصبح أنت من جنيت على نفسك.
            قد أعتذرُ إلى شخصٍ أسأت إليه ،ماذا يمكن أن يعمل لي بدل اعتذاري إليه؟. سيقول لي: ” جاهك على الرأس يا رجال ، وكانت زلّة وانتهت، ونحن اخوة من الآن فصاعدا ”. أليس هذا كل ما يمكن أن يعمله شخص يحترم وصولك إليه لتعتذر من زلة بدرت منك نحوه؟. أما الله فهو يتوب عليك بل هو أحياناً - ومع بعض عباده - يتوب عليهم أولاً ليتوبوا، {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَـتُوبُوا}(التوبة: من الآية118) ومتى ما تاب أحدنا من زلة بدرت منه، أو سيئة هي في نفس الوقت ضر عليه وليست على الله. هل هناك ضر على الله فيما أعمل؟. فلأنني رفعت ضراً عن الله قدّر لي ذلك العمل فبادلني بحسنات بدل تلك الأزمة التي فككتها عنه؟. ليس هكذا.
            الله لا تضره معاصينا ،معاصينا ضر علينا نحن ،ولكن على الرغم من ذلك يأتي هو فيبدل ـ عندما نتوب إليه ـ يبدل سيئاتنا بحسنات ،الأمر الذي لا يكاد أن يفعله أي شخص ممن تعتذر نحوهم من زلة بدرت منك إليهم وإن كانت ضراً عليهم.
            أما الله سبحانه وتعالى فهو الذي لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه ، وهكذا يتعامل معنا.
            ثم هل هذا هو أكثر ما يمكن الحصول عليه وما يمكن أن يعمله بالنسبة لمضاعفة الحسنات؟. لا. يفتح مجالات واسعة ،ويفتح أبواباً واسعة: في خلال اليوم هناك أوقات معينة فيها، يُضاعِِف فيها الأعمال. في خلال الأربعة والعشرين ساعة هناك وقت متأخر في ثلث الليل الأخير يضاعف فيه الأعمال والحسنات أكثر. هناك داخل الأسبوع يوم واحد يضاعف فيه الحسنات وهو يوم الجمعة ، في نفس هذا اليوم ساعة واحدة يضاعف فيها الأجر أكثر. في السنة هناك شهر يضاعف فيه الحسنات أكثر إلى سبعين ضعفاً، وفي نفس الشهر ليلة واحدة يضاعف فيها الحسنات آلاف الأضعاف هي ليلة القَدْر.
            في ليالٍ وأيام معينة هي ليال العشر الأولى ذي الحجة تضاعف فيها الحسنات أكثر. هذا بالنسبة للزمن.
            وكذلك بالنسبة للأماكن هناك يفتح أماكن معينة تكون العبادة فيها أفضل: المساجد ،والمساجد متعددة هناك مساجد العبادة فيها أفضل من العبادة في المساجد الأخرى ، كالمسجد الحرام ومسجد رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والمسجد الأقصى، في داخل المسجد الحرام بجوار الكعبة تبدوا الحسنات أكثر وتضاعف أكثر.
            ثم بالنسبة للأجواء التي تُؤدى فيها العبادة تجد كيف أن العمل الجماعي يكون الأجر فيه مضاعفاً أكثر فعندما تصلي جماعة تصبح صلاتك بنحو خمس وعشرين صلاة.
            وفيما يتعلق بالمال يفتح مجالات لمضاعفة الأجر بشكل أفضل وأكثر من الحسنة بعشر إلى الحسنة بسبعمائة حسنة وأكثر {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة:261) أليس هو سبحانه وتعالى برحمته من يعمل على أن يضاعف حسناتنا؟. تلك الحسنات التي تصدر منا بأعمال بسيطة وليس بحاجة إليها ،بل نحن المحتاجون إليها ، فيضاعفها لنا ليرفع درجاتنا ،لأنه حتى وإن كان يريد منا أن ندخل الجنة فهو يريد أن ندخلها ونحظى بدرجات رفيعة فيها.
            فيما يتعلق بأعمالك أنت في الدنيا وأنت تجمع المال من الذي يمكن أن يتعامل معك من أسرتك على هذا النحو فيفرغ وقته ويُجهد نفسه في تَـثْمِير رأس مالك. فتجمع عند أخيك أو عند والدك أو عند أمك مائة ألف فيقوم هو بتثميرها ومضاعفتها فلا تمُرّ عليها فترة من الزمن إلا وقد أصبحت سبعمائة ألف ،هل هناك أحد يعمل هذا؟.
            هل يمكن لأبيك أن يعمل هذا؟ تودع عنده مائة ألف فيقوم هو بالعمل فيها والتجارة فيها واستثمارها لتصبح بعد أربع أو خمس سنين سبعمائة ألف؟. لا. بل قد لا يبقى رأس المال سالماً. سيأكلها ويقول: الولد وما ملك لأبيه، أليس هذا هو ما قد يحصل؟. وهكذا تجد أمك ،هكذا تجد أخاك ،هكذا تجد أباك، هكذا تجد إخوانك وأصدقاءك ،ليس هناك أحد مستعد ـ ممن هو رحيم بك ـ أن يُجهد نفسه ليُثَمِّر رأس مالك هكذا.
            ثم بعد أن يُثَمِّر رأس مالك فيصبح سبعمائة ألف هل سيعطيك فيما بعد سيارة قيمتها أربعة ملايين جائزة على أن مالك كثر إلى سبعمائة ألف هل هذا ممكن؟. أما الله فيعطي بعد مضاعفة الحسنات يضاعفها يضاعفها ثم في الأخير يعطيك جائزة مهمة جداً جداً لا يساويها شيء {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة: من الآية72)
            الإنسان لو يتأمل في القرآن الكريم لوجد من دلائل رحمة الله الواسعة في مجال هدايته وتشريعه لعباده وفيما يصنع الله لعباده لوجد كم هو ـ فعلاً ـ رحمن ورحيم، رحيم رحيم بعباده ما يجعله يستحي ويخجل أمام الله.
            هذا فيما يتعلق بتشريعه، وكما سبق فيما يتعلق بتدبيره لشئون خلقه مما ذكرنا من رعاية الصغار في المخلوقات.
            تدبيره أيضاً لشئون خلقه من الليل والنهار والحر والبرد وإنزال المطر وأشعة الشمس وكلها كلها تكون بالشكل الذي لا يضر الإنسان، ولا يضر ما يعتبر من الضروريات لبقائه حياً في هذه الدنيا ولاستقامة معيشته فيها ،فيأت الليل بقدر ،ويأتي النهار بقدر ،وتصل أشعة الشمس إلينا بقدر ،وين‍زل إلينا الماء من السماء مفرقاً بقطرات حتى لا يجرف أموالنا وبيوتنا وهو ملايين الأطنان في السماء.
            هل يأتي بالسحاب فين‍زل الماء منه دفعة واحدة على بلد واحد؟. كان سينهينا. لكن ين‍زل بشكل قطرات متفرقة فتجتمع القطرات فترى منها الأودية التي تجرف الصخرات.
            وكم ذكر في القرآن الكريم فيما يتعلق بتدبير شئون خلقه من مظاهر رحمته بهم ،ليفهموا أنه رحيم بهم.
            وإذا فهمنا أنه رحيم بنا ماذا يعني ذلك؟.
            هل يعني أن نقول لك الحمد يا الله، ولك الشكر يا الله)، ثم نتجه إلى اتخاذ آلهة من دونه نطيعهم ونمجدهم، وكأنه سبحانه مجرد فاعل خير لا علاقة له بنا ولا دخل له في شئوننا ـ لاـ إنه إلهنا وملكنا وربنا هو خالقنا ورازقنا بيده حياتنا وموتنا وإليه مصيرنا، هو الذي يجب أن نطيعه ونحبه ونتولاه ونعتصم به ونتوكل عليه ونخشاه.
            إذا عرفنا كم هو رحيم بنا، فستترك هذه المعرفة شعوراً مهماً في أنفسنا ؛لأنك حينها -كما ذكرت سابقاً- تستعرض أقرب المقربين إليك فلا تجد فيهم من يمكن أن يكون فيه معشار معشار ما يحيطك الله به من عنايته ورحمته، دع عنك مدير المديرية التي أنت فيها ،محافظ المحافظة التي أنت فيها ،رئيس البلد الذي أنت فيه من لا يعلم أين أنت ،ولا ممن أنت ،ولا كيف أنت ،ولا يبالي على أي حال كنت ،وهم من نخافهم، من نرغب إليهم، من نرمي بكل توجيهات الله بعيداً عنا من أجل الخوف منهم، من نتردد في أن نقول الحق من أجل الخوف منهم ،هل هم يمتلكون ما نخاف منه مثلما يمتلك الله؟. لا. هل أن فضلهم علينا أعظم من فضل الله علينا؟. لا. هل أن رحمتهم بنا أعظم من رحمة الله بنا ،فنحن نؤثر الرغبة إليهم والالتزام بتوجيهاتهم أكثر مما يصدر من جانب الله تعالى؟.لماذا؟. لماذا كل ذلك؟.
            لأنا كما قال الله سبحانه وتعالى {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (عبس:17) قتل: لعن، لعن الإنسان ما أكفره!!.
            وفعلاً كل إنسان يستحق اللعنة إذا لم يرجع ليتفهم جيّداً معاني رحمة الله به ،يتفهم جيداً معاني معرفته بالله ، ليعرف بأنه ليس هناك ما يمكن أن يدفعه إلى أن يميل إلى هذا الجانب أو ذلك الجانب لا لرغبة ولا لرهبة ،ولا لخوف ولا لرجاء.
            ومما يؤكد لنا أهمية المعرفة والتفهم لمعنى أنه تعالى رحيم بنا أن الله سبحانه وتعالى صدر سور كتابه الكريم بآية{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وهي آية من أعظم الآيات وأهمها،لها دلالتها المهمة جداً جداً، على أن كل هداية منه تعالى، وكل تشريع منه، وكل توجيه داخل هذا القرآن الكريم هو من منطلق رحمته، يقوم على أساس رحمته ،ويسير بنا في أجواء رحمته ، وينتهي بنا إلى مستقر رحمته. ثم تجد داخل السور نفسها أنه تكرر كثيراً ذكر الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مجتمعة أو مفترقة مثل{تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}( فصلت:2) {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة:2ـ3) وهكذا تتكرر.
            لو نأتي إلى هذا الاسم الإلهي {الرَّحِيمِ} ونتأمل مظاهر رحمته فينا لكفتنا هذه، فضلاً عن اسمه {عَلِيمٌ و حَكِيمٌ و خَبِيرٌ و سَمِيعٌ و بَصِيرٌ و قَدِيرٌ} إلى آخر أسماءه الحسنى ،اسمه العظيم{رَّحِيمِ} وحده لو نأتي ونتأمل معناه ونتلمّس مظاهره في حياتنا كلها، وفي تشريعه لنا لوجدنا أنفسنا في حالة سيئة من الكفران بالله ، من الظلم لأنفسنا ، وسنرى أنفسنا كما قال الله سبحانه وتعالى {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}(ابراهيم: من الآية34)
            وعندما يذكِّرنا بنعمه في القرآن الكريم فهو كذلك لننظر إليها من منظار أنها مظهر من مظاهر رحمته بنا أيضاً ألم يتكرر في آيات كثيرة تذكيره تعالى لنا بنعمه علينا؟.أ لم تتكرر آيات كثيرة يقول لنا فيها {وما بكم من نعمة فمن الله} {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}(لقمان: من الآية20) {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}(براهيم: من الآية34) وكون الأشياء كلها بالنسبة لنا نعمة منه أليس ذلك يعني أنها مظهر من مظاهر رحمته بنا؟. أليس ذلك يعني أنه سبحانه وتعالى رحيم بنا؟.
            ثم نأتي إلى بقية الأسماء الحسنى التي أثنى الله سبحانه وتعالى بها على نفسه في هذه الآية ؛لننظر إليه سبحانه وتعالى نظرةَ مَن نفسُه ممتلئة بالشعور بعظمة الله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ}(الحشر: من الآية23) يكرر نفس العبارة الأولى {هُوَ اللَّهُ}ولهذا التكرير أثره الهام في خلق التفاتة لدى الإنسان ليتوجه بانقطاع إلى الله، ثم أنظر كيف جاء بعدها جملةٌ من أسمائه تعالى من أول الآية تستشعر عظمة الله، الذي قال {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}(الحشر: من الآية21) لتتذكر دائماً من هو، كلما ذكِر اسمه أو تليت عليك آياته أنه {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ـ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الحشر:22 ـ23) أنه {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } أنه الذي { لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} أنه الذي { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ثم تأمل كيف جاءت هذه الأسماء كلها بـ(أل) التي تفيد الاختصاص فقوله تعالى{الْمَلِكُ}يعني أنه هو وحده من له ملك السماوات والأرض وما فيهما ، إذاً فهو هو وحده من له حق التصرف فينا ،وهو وحده من يجب أن نرغب إليه ، ونخاف منه.
            ثم تجد مُلكَه سبحانه وتعالى ليس كمُلكِ الآخرين من البشر مُلْك تسلُّط،مُلك جبروت، ملك طغيان ، أوامر جافة ، وَنواهي جافة، لا تكريم فيها ولا كرامة معها. أما الله عز وجْل فإن ملكه مُلْكُ رحمة وهداية ملك تكريم ورعاية كله قائم من منطلق أن رب العالمين ، وهو الرحمن الرحيم بهم ، نفس المعنى الذي جاء في أول سورة الفاتحة{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة:1ـ3) هو الذي ربوبيته تقوم على أساس رحمته، ربوبيته لعباده مظهر من مظاهر مُلكه وتدبير لشئون عباده الذين هو مَلِكُهم.

            ـــــــــــــــــــــ
            البقية في الصفحة التالية

            تعليق


            • #7
              البقية

              البقية
              ـــــــــــــــــ
              {الْقُدُّوسُ} المُن‍َزَّه المُعَظّم ،فأنت عندما تكون منقطعاً ،إليه ملتجئاً إليه تجهر بأنه ربك وأنه ملكك ،وأنه إلهك ،وأنه وليّك، فإنه من هو فخرٌ لك أن يكون إلهك ؛لأنه (قدُّوس)، هو من‍زّه ، هو معظّم ، أنت لم تلجئ نفسك إلى طرف تستحي إذا ما أحد عرف أنه وليك أو أنه قدوتك أو أنه رئيسك أو أنه ملكك فتخزى ،أما الله فإنه من يشرفك أنه إلهك أنه ربك وملكك، من تتشرف بأنك عبدٌ له
              ولهذه القضية أهميتها في السمو بالنفس حتى على مستوى القدوات من البشر، ألم نقل في مقام آخر إن من الفخر لنا، أن قدواتنا من أهل البيت ، ليسوا من أولئك الملطخين بعار المخالفة للرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) الملطخين بالأخطاء والمساوئ، والمواقف السيئة، فنجهد أنفسنا في الدفاع عنهم وفي تَنْمِيق مظهرهم.
              قدواتنا من أهل البيت هم من أولئك المن‍زهين المطهرين الكاملين في أنفسهم بإكمال الله لهم، ممن يشرفنا أن نقتدي بهم. فأنت لا تخجل إذا ما قلت أن وليّك الإمام علي بن أبي طالب  ، عد إلى الإمام علي  تعرّف على الإمام علي  تجد أنه بالشكل الذي يشرفك ،بالشكل الذي يجعلك تفتخر بأنه إمامك ،بأنك تتولاه.
              ولكن انظر إلى الآخرين كيف يتعبون أنفسهم وهم دائماً يدافعون عمن يتولونهم ، يحرفون معاني القرآن من أجلهم ، يحرفون معاني كلام رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) من أجلهم. يعملون على أن يحولوا سيئاتهم إلى حسنات ، يعملون على أن يقدموهم للأمة كأعلام. ولكن يكفينا شهادة على أنهم ليسوا ممن يمكن أن نفخر بهم إذا ما انتمينا إليهم أننا نجدكم أنتم تتعبون أنفسكم وأنتم تغطّون على خطيئاتهم ،وعلى قصورهم ونقصهم.
              الله سبحانه وتعالى {الْقُدُّوسُ}، هو الذي تفتخر بعبوديتك له، وتفخر بقربك منه. أليس هناك في هذه الدنيا من يفخر بأنه مقرب من الرئيس أو مقرب من الملك؟. ويرى لنفسه مكانة عظيمة يتطاول بها على الناس ، أنه شخص له كلمته عند الرئيس أو عند الملك أو عند رئيس الوزراء أو عند الشيخ فلان، أليس هذا هو ما نراه؟. ومن هم هؤلاء؟. من هم هؤلاء؟. البشر الضعفاء القاصرون الناقصون المساكين.
              فإذا كنا نجد من يفخر بقربه منهم ،من يفخر بتوليه لهم، من يفخر بطاعته لهم ، فلماذا نحن لا نفخر على الآخرين بأننا نعمل لنكون مقربين إلى الله؟!. أن نبحث عن كيف نحصل على ما فيه مجد لنا ،وعزة لنا، وفخر لنا هو أن نقرب من الله وأن نعزِّز علاقتنا به، وأن نرسخ تولينا له ؛لأنه {الْقُدُّوسُ}.
              {السَّلامُ الْمُؤْمِنُ} سلام لأوليائه ، مؤمن لأوليائه ، فكن من أوليائه ليرعاك ويحيطك بالسلامة بالأمن من الضلال ، من الذل في هذه الدنيا، وهو من سيوصلك إلى دار السلام في الآخرة ، ألم يصف جنـته بأنها دار السلام في الآخرة؟.
              {الْمُهَيْمِنُ} هو المهيمن على كل شيء ،فكيف تخاف ،وكيف ترهب ممن هم تحت هيمنته!!. إذا كان رئيس أمريكا هو من يهيمن على بقية الزعماء ،ومَن هو؟ ، أليس هو مَن الله مهيمن عليه؟. فما هو إلا ذرة من ذرات هذا الكون الذي يهيمن الله عليه ،فانظر كيف نـتعامل نحن: نخاف من شخص هناك وهو مهيمن عليه شخص آخر، وهذا الشخص الآخر هو مهيمن عليه شخص آخر، وهذا الكبير في الأخير هناك من هو مهيمن عليه وهو الله الواحد القهار، الذي يقول لنا في كتابه {هُوَ اللَّهُ}.
              عبارة (هو) هي تناجيك في كل لحظة وأنت تبحث عن أن تـنصرف بذهنك إلى هذه الجهة أو إلى هذه الجهة ، تقول لك: {هُوَ} وحده {اللَّهُ}.
              بالإمكان إذا كنت تبحث عن السلام ،أو تبحث عن الأمن ، كما هو حال العرب الآن في صراعهم مع أعداء الإسلام والمسلمين يبحثون عن السلام ويـبحثون عن الأمن ،فلم يجدوا سلاماً ولم يجدوا أمناً وإنما وجدوا ذلاً وقهراً وإهانة ، ودوساً بالأقدام. لماذا لا تعودون إلى الله وهو الذي سيمنحكم السلام. أليست إسرائيل هي في موقع سلام بالنسبة للفلسطينيين؛ لأنها مهيمنة عليهم؟. هل هي التي تخافهم أم هم الذين يخافونها؟.
              نحن لو التجأنا إلى الله سبحانه وتعالى ـ بما فينا تلك الحكومات التي تبحث عن السلام ،وأولئك الكبار الذين يبحثون عن السلام من أمريكا، ويبحثون عن السلام من روسيا ، يـبحثون عن السلام من بلدان أوروبا، بل يـبحثون عن السلام من إسرائيل نفسها ، عودوا إلى الله هو الذي سيمنحكم القوة ،يمنحكم العزة فتكونوا أنتم المهيمنين على الآخرين لأنكم تمسكتم بالله السلام المؤمن المهيمن وهناك من الذي يستطيع أن يسيطر عليكم؟. من الذي يستطيع أن يؤذيكم؟. من الذي يمكنه أن يقهركم؟. أوليس هذا هو السلام؟.
              السلام لا يتحقق لك إلا إذا كنت في موقف عزة وقوة ومكانة، أما أن تبحث عن السلام وأنت تحت، - كما يصنع بعض الفلسطينيين، وكما يصنع العرب الآن - فإنما هو استسلام ،هو استسلام ،وأنت في الواقع تحت رحمة عدوك، بإمكانه أن يضربك في أي وقت ، بإمكانه أن يختلق لك مشكلة مع أي بلد آخر فتدخل في حرب مع ذلك البلد كما رأينا.
              هل يريد الناس سلاماً بما تعنيه الكلمة ،وأمناً بما تعنيه الكلمة؟. فليعودوا إلى السلام المؤمن المهيمن ، الذي كتابه مهيمن على الكتب ،الذي سيجعلهم مهيمنين بكتابه على بقية الأمم وحينها سيحظون بالسلام، وينعم العالم كله بالسلام.
              والإسلام هو دين السلام، لكن السلام بمعناه الصحيح، وليس بمعنى إقفال ملفات الحرب من جانب مع أعداء الله وأعدائهم فليس هذا هو السلام.؟ أن نقول : انتهى الأمر أن نلغي الجهاد ، ونلغي الحروب لنعيش مع الآخرين في سلام. هذا هو ما حصل لنا نحن المسلمين ، وما عمله كبارنا ،ظلوا يلهثون وراء السلام ويناشدون الآخرين بأننا نريد السلام ويـبحثون عن السلام ، بعد أن ألقوا آلة الحرب وألغوا اسم (الجهاد) ،فما الذي حصل؟. هل حصل سلام أم حصل دوس بالأقدام؟. بل حصل استسلام. أليس هذا هو الذي حصل؟.
              إفهم إسلامك الذي سيحقق لك السلام، فهو دين الله السلام ،لكن بمعنى آخر، متى ما سرت على نهج هذا الدين، متى ما تمسكت بهذا الدين ،متى ما اعتصمت بالله المشرِّع والهادي بهذا الدين ستكون قوياً ،ستكون عزيزاً ، ستكون الأعلى حتى وإن كنتم ترون أنفسكم في وضعية لا تملكون ما يملك العدو من قدرات وإمكانيات مادية {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}(محمد:35). ألم يستنكر عليهم أن يدعوا إلى السِّلم وهم في موقف يجب أن يكونوا هم الأعلون؟. فكيف تبحث عن السّلم مع الآخرين وأنت من يجب أن تكون أنت من يحاول الآخرون أن يبحثوا عن السِّلم معك ، فتقول لهم: أدخلوا في الإسلام لتحظوا بالسِّلم ،ليكون لكم ما لنا وعليكم ما علينا. ألم يكن هذا ما عمله الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في أيام جهاده ،عندما كان يخيرهم بين واحدة من اثنتين :إما الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،أو الحرب. أنتم تريدون السلام إذاً ادخلوا في هذا الإسلام لتحظوا بالسلام ، وإلا فليس أمامكم إلا السيف. حينها يصح أن نقول عن أنفسنا بأننا قد حصلنا على السلام ، وحينها سنعرف معنى كلمة(السلام) الذي شُوِّه معناه ، فأصبح يعني الآن الاستسلام للآخرين.
              {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} أليس في هذه الأسماء الحسنى -التي تتحدث عن كمال الله سبحانه وتعالى- أليس فيها ما يصنع الثقة في نفوس أولئك الذين ارْتَمَوا تحت أقدام أمريكا وإسرائيل؟. لماذا يعرضون عن الله وهم من يعترفون ويشهدون بأنفسهم بأنهم مسلمون ،وأنهم مؤمنون بهذا القرآن الكريم؟ وبرسوله الكريم محمد(صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
              هذه هي التي ضربت المسلمين كباراً وصغاراً (عدم الثقة بالله) ، عدم الثقة بالله حتى فينا نحن الصغار نخاف من شخص هو مسكين بالنسبة للآخرين فهناك من هو مهيمن عليه ،والذي هو مهيمن عليه مسكين بالنسبة لذلك الأمريكي الذي في واشنطن الذي هو مهيمن عليه ،والكل مساكين ومقهورون تحت جبروت الله وقهره.
              ارتبط بالله رأساً وتجاوز كل هذه الأصنام في هذه الدنيا، وارتبط بالله رأساً، وثق به ، وهو من سيجعلك قوياً أقوى مما يملكه هؤلاء من وسائل القوة في هذه الدنيا.
              هو أيضاً { الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} بما في هذه الأسماء من معاني العزة والجبروت والقهر للأعداء ،فأنت عندما تلتجئ إليه لا يمكن أن تقول عنه: (الله هو طيب ، لكن نفسه سمحة فإذا كان كذلك فلن يحرك ساكناً مع أعدائنا، ونحن عارفين له، فهو يريدنا أن نمسح أكتافهم ونحاول أن نحسن أخلاقنا معهم لأنه مسكين سالك لطريقه لا يريد أن يتدخل في شيء). هل الله هكذا؟. حاشى الله أن يكون كذلك.
              الله في الوقت الذي يقول لنا{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ} هذه الأسماء تبدوا رقيقة ،ولكنه يقول أيضاً -إذا ما وثقت به وأنت في ميدان المواجهة والصراع مع أعدائك وأعدائه من يريدون ظلمك وقمعك واستذلالك- هو {عَزِيز} يمكنك أن تمتنع به ، وهو (جَبَّار،مُتَكَبِّر) سيقهرهم، وسيجعلك أنت من تقهرهم،ألم يقل الله تعالى{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}(التوبة:14) هو يقول: سأجعلكم جبارين على أعدائكم ،ومتكبرين على أعدائكم ،لكن عندما تثقوا بي. عندما تثق بالله ، ستثق بمن هو سلام لك وأمْنٌ لك في مقامات السلام معه ، وهو عزيز جبار متكبر سيمنحك من عزته وكبريائه وجبروته ما تقهر به أعداءك وأعداءه ، ليس هناك نقص إطلاقاً في جانب الله عندما تثق به وتلتجئ إليه.
              عندما تشعر بعظمته ليس فيه صفة واحدة كما هي في الناس ، والتي نسمعها كثيراً من بعضنا بعض تقول: (فعلاً أن فلاناً رجل جيد ، ولا يقصر في شيء لكن ليس من أهل هذه المواقف التي تحتاج إلى القوة ، ولا قدرة له في مثل هذا الموقف).
              أما الله فهو من يكون لك في كل المواقف ،ولك بأكثر مما يمكن أن تدرك ، ويرعاك من حيث لا تحتسب ،ويملأ قلوب الآخرين رعباً بالشكل الذي لا يمكن أن تصنعه وسائل إعلامك ،ولا يمكن أن تصنعه أيضاً آليتك العسكرية. هو من نصر نبيه بالرُّعب بمسافة شهر، وكم كان الجيش الذي معه؟. هم أولئك الذين حُوصروا في المدينة عدد قليل ونصره الله بالرعب، فكان بعض أعدائه من اليهود يخربون بيوتهم ويقطعون نخيلهم أحياناً ، ويرحلون خوفاً ورعباً من قبل أن يجيّش الجيوش عليهم،
              { الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} بعد هذه الأسماء الحسنى ترى غريباً جداً جداً أولئك الذين يلتجئون إلى غير الله سبحانه وتعالى ما أسوأ حالهم! ، ما أحط مكانتهم!، وما أتعسهم!. وما ألأمهم!، عندما يلتجئون إلى غير الله ،إلى صنم من الأخشاب أو صنم من الحجر أو صنم من البشر؛ لأنهم يخافون ، ويرجون منه أشياء ،والله قال لهم في هذه الآيات {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(الحشر:23) من يمكن أن ترجوه ،من يمكن أن تعتمدواعليه ، من يجب أن تخافوه؛ ولأنه ليس هناك في هذا العالم ، ليس هناك في الوجود من يمكن أن يكون متصفاً بكمال الله سبحانه وتعالى ،ولا بجزءٍ من كمال الله سبحانه وتعالى -إن صح التعبير- فإن من الظلم لأنفسنا ومن الإساءة إلى الله ربنا الذي هو { الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ } من الإساءة البالغة إليه أن نجعل له شركاء فنمنحهم ولاءنا ، ومنهم نخاف ،وإليهم نرغب.
              { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }. تن‍زيه لله عن أن يكون له شريك ، تن‍زيه لله وتقديس له عن أن يكون له شريك في ملكه، شريك في ألوهيته تنزيه له عن أن يسوّى به غيره،فيجعل نِدَّا له أو شريكاً له، تنزيه له عن أي قصور أو تقصير في تدابيره لشئون خلقه.
              {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(الحشر:24) {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ} هو من قال لبني إسرائيل: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}(الاسراء:6) عندما يقول الناس: نحن قليل الآخرون قد يستذلونا ،قد يُقتل منا كذا ،ونحن قليل لا نستطيع أن نعمل شيئاً). الله هو الخالق، هو الذي يستطيع أن يمدكم بأموال وبنين ، ألم يقل نوح  لقومه {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً}(نوح:10) {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً}(نوح:11) {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}(نوح:12) إذا ما قتل ابني هذا وابني هذا هو من سيمدني بأبناء آخرين {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً }.
              هو الخالق هو البارئ ، كلمة {بَارِئ} تشبه معنى كلمة {خَالِق} فيما تعنيه من الإبداع والابتداع، أو أنه فاطر ما خلقه.
              { الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } أن يخلق الشيء على كيفية معينة على نحوٍ معين ، الذي برأ النّسَمَة ، كما كان في قَسَم الإمام علي ( والذي فلق الحبّة وبرأ النّسَمة) خلقها على كيفية معينة ، فطرها هو وابتدعها هو بدون مثال سابق.
              {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فهنا ذكر لنا مجموعة من أسمائه الحسنى ، ماذا تعني؟. تعني كمالاً بالنسبة لله سبحانه وتعالى، ليس مجرد أسماء ألفاظ لا تعني شيئاً. الآن لو وضعنا لشخص منا عدة أسماء هل يمكن أن تزيد في معانيه شيئاً فنسميه :أحمد ومحمد وقاسم وصالح ومسفر وجابر. هل لهذا زيادة فيك؟. لا. هل تغير هذه الكلمات عن كمال بالنسبة لك؟ أو تعطي شهادة بكمالك؟.الله هنا عرض لنا مجموعة من أسمائه الحسنى التي هي حديث عن كماله ، كماله المطلق في كل شيء ، (عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر)
              ثم قال لك أيضاً له الأسماء الحسنى ، عُد إليها في بقية الآيات والسور في القرآن الكريم واجمعها وستجد كم هي. أشبه شيء بإحالة لنا إلى ما ذكره من أسماءه في بقية السور والآيات الأخرى، ارجع إليها هناك حكيم ، حليم سميع ، بصير إلى آخر أسمائه الحسنى، تلك الأسماء التي تشهد بكماله ، لترى نفسك بأنه يمكن لك، بل يجب عليك، بل لا يجوز لك غير هذا أن تتوكل عليه ،وأن تثق به ،وأن تستشعر عظمته سبحانه وتعالى.
              استشعار عظمته في نفوسنا أن تملأ عظمته نفوسنا ،هذه قضية مهمة ، قضية مهمة، ولا شيء يمكن أن يمنحنا هذا الشعور سوى القرآن الكريم فيما يعرضه من أسماء الله الحسنى ، ومعانيها ،ومظاهرها ،وما فيها من شهادة بكمال الله سبحانه وتعالى.
              { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } هذه آية الكرسي -تحدثنا عنها في درس سابق- ، هي في نفس هذا المسار يمكن أن نتحدث عنها في مجال خلق شعور بعظمة الله سبحانه وتعالى ، وثناء عليه ،وشهادة بكماله، وكل أسمائه الحسنى ، هي مفردات تعبر عن كماله المطلق سبحانه وتعالى هو العلي العظيم.
              وهذا الأسلوب بالنسبة لنا يجب أن نرسخه في حياتنا أن تكون هناك أوقات كما نحن ندعو الله في أوقات معينة يكون هناك أوقات نمجِّد الله فيها ، نعظم الله نقدس الله ، من خلال ذكره الكثير الذي شرعه مثل (سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، ولا إِلَهَ إلا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ) يردد الإنسان هذه التسبيحة كلما تذكر ،هي ثناء على الله ، وتعظيم وتمجيد لله سبحانه وتعالى ، تترك في النفس أثراً طيباً هو شعور بعظمة الله ، وتذكر دائم لله سبحانه وتعالى.
              هناك أيضاً في دعاء الإمام علي  أو في ما أثر عنه ، وفيما أثر عن الإمام زين العابدين  من هذا النوع، من الكلام الذي هو تمجيد لله شيء كثير ،مناسب جداً أن يعود الإنسان إليه. فقط نحن نرى أنفسنا ندعو الله سبحانه وتعالى أدعية ربنا آتنا ..اللهم اقض حاجاتنا ، اللهم ..اللهم) أليس هذا هو ما يحصل؟. هذا يسمى دعاء ، هناك نوع آخر يسمى (تمجيد لله وثناء عليه)، هو عبادة مهمة ذات قيمة عظيمة، ولها أثرها فيما يتعلق بالنفس، في مقام معرفة الله سبحانه وتعالى واستشعار عظمته.
              فيما أثر عن الإمام زين العابدين  في دعاء يوم عرفة قال  : (الحمد لله رب العالمين ،اللهم لك الحمد بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام،رب الأرباب ،وإله كل مَأْلُوه، وخالق كل مخلوق، ووارث كل شيء، ليس كمثله شيء ،ولا يعزب عنه علم شيء ،وهو بكل شيء محيط، وهو على كل شيء رقيب.
              أنت الله لا إله إلا أنت،الأحد المُتَوحِّد، الفرد المُتَفَرِّد. وأنت الله لا إله إلا أنت، الكريم المتكرم، العظيم المتعظم، الكبير المتكبر. وأنت الله لا إله إلا أنت العلي المتعال الشديد المِحَال. وأنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم العليم الحكيم. وأنت الله لا إله إلا أنت السميع البصير القديم( ) الخبير. وأنت الله لا إله إلا أنت الكريم الأكرم ،الدائم الأدْوَم. وأنت الله لا إله إلا أنت ،الأول قبل كل أحد ،والآخر بعد كل عدد. وأنت الله لا إله إلا أنت الدّاني في علوّه والعالي في دُنُوِّه. وأنت الله لا إله إلا أنت ذو البَهَاء والمجد ،والكبرياء والحمد. وأنت الله لا إله إلا أنت الذي أنشأت الأشياء من غير سِنْخٍ( ) ، وصوَّرت ما صورت من غير مثال ،وابتدعتَ المبتدَعات بلا احتِذَاء، أنت الذي قدَّرت كل شيء تقديراً ،ويسرت كل شيء تيسيراً ،ودبرت ما دونك تدبيراً.
              أنت الذي لم يُعِنْك على خلقك شريك، ولم يؤازرك في أمرك وزير، ولم يكن لك مشاهد ولا نظير، أنت الذي أردت فكان حتماً ما أردت ، وقضَيتَ فكان عَدلاً ما قضيتَ ، وحكمت فكان نَصَفاً ما حكمت، أنت الذي لا يحويك مكان ،ولم يقم لسلطانك سلطان، ولم يُعْيِك برهان ولا بيان. أنت الذي أحصيت كل شيء عدداً ، وجعلت لكل شيء أمداً وقدرت كل شيء تقديراً. أنت الذي قصُرَت الأوهامُ عن ذاتيّتك ، وعجزت الأَفهامُ عن كيفيتك ،ولم تدرك الأبصار موضع أيْنِيَّتِك ، أنت الذي لا تُحَد فتكون محدوداً، ولم تُمثَّل فتكون موجوداً( ) ،ولم تلد فتكون مولوداً. أنت الذي لا ضد معك فيعاندك ، ولا عِدْل فَيُكَاثِرَك ،ولا نِدَّ لك فيعارضك ،أنت الذي ابتدأ واخترع ، واستحدث وابتدع، وأحسن صنع ما صنع،
              سبحانك ما أجل شأنك ، وأسْنَى في الأماكن مكانَك( )، وأصدع بالحق فرقانَك، سبحانك من لطيفٍ ما ألطفك ، ورؤوفٍ ما أرأفك ، وحكيمٍ ما أعرفك، سبحانك من مليكٍ ما أمنعك، وجوادٍ ما أوسعك، ورفيعٍ ما أرفعك، ذو البهاء والمجد ، والكبرياء والحمد ، سبحانك بسطت بالخيرات يدك( )، وَعُرِفت الهداية من عندك، فمن التمسك لدين أو دنيا وجدك.
              سبحانك خضع لك من جرى في علمك، وخشع لعظمتك ما دون عرشك، وانقاد للتسليم لك كل خلقك، سبحانك لا تُحَسّ ولا تُجَس ، ولا تُمَس، ولا تُكَاد ولا تُمَاط ( )،ولا تُنازع ،ولا تجارَى ،ولا تُمَارَى ، ولا تخادَع ،ولا تماكَر. سبحانك سبيلك جَدَد( )، وأمرك رَشَد ،وأنت حي صمد. سبحانك قولك حُكم، وقضاؤك حَتْم، وإرادتك عزم. سبحانك لا رادّ لمشيئتك ، ولا مبدل لكلماتك. سبحانك باهر الآيات فاطر السموات، بارئ النسمات).
              أليس هذا تمجيداً لله تعالى؟.
              وهكذا الإمام زين العابدين  يُمَجِّد الله سبحانه وتعالى بهذا الأسلوب الذي يشد النفوس نحو الله ،يشد القلوب نحو الله سبحانه وتعالى ، ومن خلاله تتعرف على معاني أسماء الله الحسنى ، وتعرف سعة علم الله ، ما أمكنك ذلك، وتعرف حكمته، وتدبيره، وقدرته.
              أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يعرفنا بأسمائه الحسنى ، وأن يعرفنا من كماله ما يجعلنا نثق به ، ونعتمد عليه، ونعتز به فنؤمن به ونقدس له.
              وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              ــــــــــــــــ
              انتهى كلامة من المحاضرة الثالثة

              تعليق


              • #8
                المحاضرة الرابعة

                SIZE=20px]دروس من هدي القرآن الكريم[/size]

                الثقافة القرآنية


                ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
                بتاريخ :4/8/2002م

                اليمن ـ صعدة


                بسم الله الرحمن الرحيم

                الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
                والصلاة والسلام على رسول الله ، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وأنزل عليه الكتاب المبين ليعلم الأمة، ويزكيهم، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين.
                في البداية نعتذر للأخوة المعلمين وللطلاب جميعاً أننا لم نقم بزيارتهم إلى الآن ، وليس ذلك عدم اعتبار لهذا العمل ، أو عدم تقدير لما يقوم به الأخوة المعلمون والطلاب، وإنما لشواغل أخرى، ولثقتنا ـ أيضاً ـ أن في المدرسة من الاخوة المعلمين من فيهم الكفاية في التعليم وفي التوجيه وفي الإرشاد وفي التربية، وليس هناك حاجة بالنسبة لنا، لكن هذه زيارة نتشرف بها لهذه المدرسة ، نتشرف بها للأخوة المعلمين وللطلاب جميعاً، ولنتحدث معكم ، أيضاً لم نجعلها بشكل رسمي كمحاضرة ، بل جلسة عادية طبيعية ، ولنتحدث معكم ونشترك مع الأخوة المعلمين في توجيهكم بما ألهمنا الله كما يقول الناس (نريد مما ألهمك الله).
                في البداية نقول: هي نعمة عظيمة علينا جميعاً ، علينا كمعلمين وعليكم كطلاب أن يُتاح لنا جميعاً فرصة أن نُعلم ونتعلم ، ففي الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة)) فهي نعمة ، والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ـ على الرغم مما تمنن به على عباده من نعم مادية كثيرة ـ يعُدُّ نعمة الهداية ، نعمة الدين ، نعمة الإسلام يعدها أعظم النعم على البشرية ، أعظم النعم على الناس جميعاً ، لهذا نجد كيف ذكر الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية - ربما قد تكون ترددت في القرآن أربع مرات - وهو يذكر للناس أنه قد مَنّ عليهم بنعمة عظيمة لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (آل عمران:164) وفي هذه الآية يقول هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ .(الجمعة:2)
                شر الضلال والآثار السيئة للضلال تعتبر بالنسبة للإنسان أشد وأفتك وأسوأ من أن تنقص عليه نعم مادية أخرى ، أسوأ من الجوع ، أسوأ من الفقر ، أسوأ من المرض ، لأن تلك مصائب وأضرار وشرور قد لا يترتب عليها آثار سيئة جداً، أما الضلال ، أما مصيبة الضلال ، أن يعيش الإنسان في ضلال ، أن يعيش الناس في ضلال فإن آثاره سيئة جداً في الدنيا وفي الآخرة ، ومن أسوأ عواقب الضلال هو الخلود في جهنم ـ نعوذ بالله من جهنم ـ يمكن أن تجوع فتسُد رمقك بأي شيء ، حتى ولو من النباتات ، ولا يؤدي بك الجوع إلى جهنم ، يمكن أن تعاني في فترة من حياتك ظروفاً صعبة ،تعاني من الفقر أو المرض لكنه لا يؤدي بك هذا إلى جهنم.
                أما الضلال فأنه يؤدي بالناس إلى الخزي في الدنيا ، إلى الذلة، إلى القهر ، إلى العبودية لأولياء الشيطان ، إلى الخضوع للفساد والباطل ، وبالتالي سوء الممات ،سوء البعث ، سوء الحساب والخلود في جهنم.
                فالله عندما يذكّر عباده بأنه منّ عليهم برسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، ومنّ عليهم بأن أنزل عليه القرآن يتلوه على الناس يُعلمهم به ، يزكيهم به ،  وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ  وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (الجمعة:3) أولئك الذين عاصروه نعمة كبيرة عليهم ومِنّة عظيمة منّ الله عليهم، هم ومن بعدهم  وَآخَرِينَ مِنْهُمْ  من الناس من الأميين  لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم  ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الجمعة:4) هذا فضل عظيم من الله أن يبعث الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في الأميين.
                كلمة (أمِّيين) تطلق على العرب باعتبار أنهم كانوا فيما يتعلق بالقراءة والكتابة لم تكن منتشرة فيهم ، وقد يكون اسماً يطلق على من سوى أهل الكتاب من الأمم ، ولا تزال تستخدم إلى الآن عند أهل الكتاب أنفسهم ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ .(آل عمران: من الآية75) وكيفما كانت إذ كان العرب أمة أمّية ، ليس لها ثقافة ، ليس في أوساطها أعداد كبيرة من المثقفين من العلماء ، أمة تعيش حالة بدائية فأن تحصل على هذه النقلة العظيمة من مرحلة البدائية مرحلة الأمية إلى أن تُمنح هذا القرآن العظيم الذي جعله الله مهيمناً على كل الكتب السماوية السابقة.
                القرآن كتاب عظيم كتاب واسع ، ثقافته عالية جداً ، عالية جداً تجعل هذه الأمة ـ لو تثقفت بثقافته ـ أعظم ثقافة ، وأكثر إنجازاً ، وأعظم آثاراً في الحياة ، وأسمى أسمى روحاً ، وأسمى وضعية ، وأزكى وأطهر نفوساً من أي أمة أخرى ، إنه يقول:  يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ  فتكون نفوسهم زاكية ، مجتمعهم زاكي ، حياتهم زاكية ، نظرتهم صحيحة ، رؤيتهم صحيحة ، أعمالهم كلها زاكية.
                 وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ  الكتاب هو القرآن الكريم ، كرره مرتين في هذه الآية ، لأنه هو المهمة الرئيسية للرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)هو أن يتلو الكتاب على الناس ، يعلم الناس بهذا الكتاب ، عمله كله يدور حول القرآن الكريم، يتلو عليهم الكتاب ،  يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ التي هي القرآن الكريم.
                 وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ  الحكمة هنا ما هي؟. عادةً يقول بعض المفسرين أنها السُنة. يسمونها السنة ، الكتاب والحكمة قالوا الكتاب والسنة، هذا غير صحيح. الحكمة أن تكون تصرفاتهم حكيمة ،أن تكون مواقفهم حكيمة ،أن تكون رؤيتهم حكيمة. الحكمة هي تتجسد بشكل مواقف بشكل رؤى ، بشكل أعمال ، هي تعكس وعي صحيح ، وعياً راقياً ،تعكس زكاءً في النفس ، تعكس عظمة لدى الإنسان وحكمة في الأمور.  وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ  وليست الحكمة هي السنُّة كما يقول بعض المفسرين لأن الله قال في آية أخرى لنساء النبي وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ  (الأحزاب: من الآية34) هل معنى ذلك أنهن يقرأن أحاديث في البيوت؟ ـ أو يذكرن ما يتلى من أحاديث في بيوتهن ـ فهل كان الحديث يتلى كما يتلى القرءان؟.
                القرآن اسم عام للقرآن الكريم والقرآن الكريم داخله آيات ، وكلمة (آيات القرآن) لا تعني فقط الفقرة من الكلام ما بين الرقم والرقم ، ما بين الدائرة والدائرة ، بل آياته حقائقه وأعلامه فيما يتعلق بالحياة بصورة عامة ، فيما يتعلق بالتشريعات بصورة عامة ، فيما يتعلق بالهداية بشكل عام.
                والقرآن الكريم فيه أشياء كثيرة تتجه نحو الإنسان لتمنحه الحكمة كما قال في سورة الإسراء بعد أن ذكر عدة وصايا حكيمة ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ  (الاسراء: من الآية39) كلمة (حكمة) في القرآن الكريم لا تعني سُنة إطلاقاً. رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) مُهمتُه هو أن يعلم الناس هذا القرآن بما فيه من آيات وهي أعلام وحقائق في كل مجال تتناوله.
                 وَيُزَكِّيهِمْ تزكوا نفوسهم تسمو تطهر ، وعيهم يرتقي يرتفع بما فيه من الحكمة؛ ولهذا جاء في أكثر من آية يصف القرآن الكريم بأنه كتاب (حكيم) ،وسماه في أكثر من آية بأنه (حكيم) ، وأن آياته (أُحْكِمَت) ،وأن آياته (محكمة) إلى آخر ما في القرآن الكريم من ثناء على نفس القرآن .. إنه في الأخير يجعل كل من يسيرون على وفق توجيهاته ويتثقفون بثقافته يُمنحون الحكمة ، والعكس الذين لا يسيرون على ثقافة القرآن لا يهتمون بالقرآن سيفقدون الحكمة ، وسيظهر مدى حاجة الناس إلى الحكمة في المواقف المطلوبة منهم ، في القضايا التي تواجههم ،مثلاً الآن في هذا الوضع الذي نعيش فيه وتعيش فيه الأمة العربية والأمة الإسلامية ، ونحن نسمع تهديدات اليهود والنصارى ، تهديدات أمريكا وإسرائيل وسخريتها من الإسلام ومن المسلمين وعلماء الإسلام ومن حكام المسلمين بشكل رهيب جداً ، تجد موقف الناس الآن بكل فئاتهم يتنافى مع الحكمة ، أي هم فقدوا الآن المواقف الحكيمة مما يواجهون ، والرؤية الحكيمة لما يواجهون ، والنظرة الصحيحة للوضع الذي يعيشون.
                فقدوا الحكمة فعادوا إلى الأُمية، عدنا إلى الأمية من جديد ، بينما الله سبحانه وتعالى كان قد أنقذنا من تلك الأمية لمّا كنا عرباً بدائيين لا نعرف شيئاً ،لا ثقافة ،لا تعليم ،لا وعي ، وعي يكون بمستوى قضايا عالمية ، قضايا تهم الإنسان كإنسان بصورة عامة ، عدنا من جديد إلى الأمية على الرغم من وجود القرآن الكريم فيما بيننا ، على الرغم من أننا نقرأ ونكتب ، ومدارس متعددة وصحف ومجلات ومكتبات في الشوارع ومكتبات عامة في الجامعات ومراكز علم كثيرة جداً ، مدارس أساسية مدارس ثانوية وجامعات ومراكز علمية ومكتبات تملأ الشوارع ، وكتب على الأرصفة أيضاً تُباع ، ومجلات كل يوم تصدر أو كل أسبوع، لكن لا يمكن أن يُخرج العرب من الأمية إلا القرآن الكريم فتصبح أمة ثقافتها أعلى من ثقافة الآخرين ، مواقفها حكيمة ، رؤيتها حكيمة.
                الآن أصبح وضعنا وضعاً رهيباً جداً ، ومؤسفاً جداً ، الآن ليس هناك رؤية في الساحة ، ليس هناك موقفاً في الساحة للعرب ، هاهم مستسلمين الآن ، ونرى مع الأيام كل مرة إنجاز لأمريكا وإسرائيل في سياستهم ، كل مرة إنجاز ، كل مرة يسوقون العرب إلى تنازلات ، إلى تقديم استسلام أكثر وأشياء من هذه ، وبقيت الأمة كلها مستسلمة، هل هذا موقف حكيم؟. ليس موقفاً حكيماً، بل الرجل العادي من الناس يقول: ماذا دهى العرب ؟! لو أن العرب اجتمعوا ،لو أن الزعماء اجتمعوا لاستطاعوا ضرب إسرائيل. أي مُحلل عادي من الناس يشهد بأن وضعية العرب هذه كلها ليست من الحكمة في شيء.
                إذاً فنحن عندما نتعلم يجب أن يكون همنا هو ماذا ؟ أن نتعلم القرآن الكريم ، ثقافتنا تكون ثقافة قرآنية ، عنوان حركتنا ونحن نتعلم ونُعلّم ونحن نرشد ونحن في أي مجال من مجالات الثقافة أن ندور حول ثقافة القرآن الكريم.
                وعندما نقول نحن نريد لهؤلاء الطلاب أن يتعلموا القرآن الكريم ربما قد شُوِّهت صورة القرآن فيفهم الطالب أن معناه أن يكون لـه (مَعْشَر يُسَمِّعه ومعشر ثاني يوم يسمعه حتى يكمل المصحف ويرجع من جديد) أي أن يقرأ القرآن ثم يعيده بالشكل المعروف سابقاً. القرآن علوم واسعة ، القرآن معارف عظيمة، القرآن أوسع من الحياة ، أوسع مما يمكن أن يستوعبه ذهنك ، مما يمكن أن تستوعبه أنت كإنسان في مداركك ، القرآن واسع جداً ،وعظيم جداً ، هو ( بحر ) كما قال الإمام علي  (( بحر لا يُدرَك قعره)).
                نحن إذا ما انطلقنا من الأساس وعنوان ثقافتنا أن نتثقف بالقرآن الكريم سنجد القرآن الكريم هو هكذا ، عندما نتعلمه ونتبعه يزكينا يسمو بنا ، يمنحنا الله به الحكمة ، يمنحنا القوة ، يمنحنا كل القيم ، كل القيم التي لما ضاعت ضاعت الأمة بضياعها ، كما هو حاصل الآن في وضع المسلمين ، وفي وضع العرب بالذات. وشرف عظيم جداً لنا ،ونتمنى أن نكون بمستوى أن نثقف الآخرين بالقرآن الكريم ، وأن نتثقف بثقافة القرآن الكريم  ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ  يؤتيه من يشاء فلنحاول أن نكون ممن يشاء الله أن يؤتوا هذا الفضل العظيم.
                لا تتصوروا إطلاقاً أن العلم هو في أن ننتهي من رصات من الكتب ، ربما رصات من الكتب توجد في نفسك جهلاً وضلالاً، إنها لا تنفع. استعرض الآن المكاتب في الشوارع في المدن نجد رصات من الكتب، رصّات من الكتب في الحديث في التفسير في الفقه في فنون أخرى لكن كم تجد داخلها من ضلال ،كم تجد أنها تنسف الإنسان حتى أنه لا يبقى على فطرته.
                لم يعد العرب حتى في مواقفهم من الآخرين ، لم يعودوا على فطرتهم السابقة كعرب يوم كانوا عرباً على فطرتهم كانوا يمتلكوا قيماً ، يأبى العربي أن يُضَام ، يأبى أن يُظلم ، يتمتع بقيم مهمة: النّجدة ، الفروسية ، الشجاعة ، الكرم ، الاستبسال. كانوا معروفين بهذا حتى في عصر قبل الإسلام، لم يكن أحد يستطيع أن يستعمرهم ، معظم البلاد العربية لم يكن أحد يستطيع أن يستعمرهم ، وإن كان هناك بعض مناطق مثلاً في الشام كانت تستعمرها الدولة الرومانية ، وبعض مناطق في العراق يستعمرها الأكاسرة ، لكن مثلاً شبه الجزيرة واليمن كانت في معظم مراحلها لا تخضع للاستعمار، وكانوا يقاومون، وكانوا يأبَون.
                اليهود عاشوا فترة طويلة جداً بين العرب وهم كانوا بأعداد كبيرة ، كان أهل خيبر -أثناء حصار رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)لخيبر- كان يُقال أن عددهم نحو عشرين ألف مقاتل ، اليهود كانوا نحو عشرين ألف مقاتل ، هناك جماعات بني قريضة، بني قينقاع ويهود آخرون ، هؤلاء أنفسهم لم يستطيعوا في تلك الفترة ، وهم اليهود من يمتلكون المكر ويمتلكون الطموح إلى إقامة دولة ، ويعرفون أن تاريخهم كان فيه إمبراطوريات قامت لهم وقامت لهم حضارة فكانوا ما يزالون يَحنُّون إلى تكرير ذلك الشيء الذي فات عنهم ، ولكن لم يستطيعوا ، كانوا يحتاجون إلى أن يعيشوا في ظل حماية زعامات عربية وقُوًى عربية ، وكان اليهود كل اليهود حول المدينة معظمهم يدخلون في أحلاف مع زعماء من قبائل المدينة وما جاورها ، أي لم يستطع اليهود -فضلاً من أن يسيطروا - لم يستطيعوا أن يستقلوا في الحفاظ على أنفسهم ، وأن يحققوا لأنفسهم أمناً.
                ما الذي أوصل العرب إلى هذا ؟ أحياناً الإنسان إذا ما تُرك على فطرته يدرك أشياء كثيرة ، لكنه أحياناً بعض الثقافات تمسخه عن الإنسانية وتحطه ، تقدم له الجبن ديناً ، تقدم له الخضوع للظلم ديناً يدين الله به ، كما روى في الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)أنه قال (سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي [نهائياً لا يقفون عند حد] قالوا ماذا تأمرنا يا رسول الله؟. قال ( اسمع وأطع الأمير ، وإن قصم ظهرك وأخذ مالك).
                العربي يوم كان جاهلي ، يوم كان جاهلي ، يوم كان على فطرته ما كان يمكن إطلاقاً أن يقبل مثل هذا ، لكن لما قُدِّمت لـه المسألة باسم دين ، لما قُدِّم -الآن .. الآن في هذا الظرف- السكوت والخضوع بأنه هو الحكمة ،هو السياسة ، هو الرؤية الحكيمة لفلان أو فلان ، وقُدِّمَ السكوت من أجل أن لا تثير الآخرين علينا ، من أجل كذا ، من أجل كذا. عندما يثقف الإنسان ثقافة مغلوطة هذه هي الضربة القاضية.
                تجد بين الرصات الكثيرة من الكتب الكثير من الضلال الذي لا يبقيك حتى ولا إنسان على فطرتك على طبيعتك. الإنسان بطبيعته هو مُنح ـ كما مُنحت بقية الحيوانات كل حيوان ـ وسيلة للدفاع عن نفسه ،له مشاعره التي تجعله ينطلق يدافع عن نفسه ليرهب خصمه ، أنت عندما تجد ـ مثلاً الشيء الذي نعرفة كثيراً- القِطَّ عندما يلقى الكلب كيف يعمل، يحاول يرهبه ، يحاول أن ينتفخ ، ويعرض مخالبه وأسنانه ويصدر صوتاً مرعباً فيترك الكلب أحياناً يتراجع ، يبعد عنه وهو أكبر منه وأقدر منه. لم نُترك كأي حيوان آخر ،لأن قضية الدفاع عن النفس ، الدفاع عن الكرامة ، الدفاع عن البلد ، الدفاع عن الثقافة القائمة لدى الناس هي فطرة هي غريزة، ألم ينطلق العرب ليواجهوا الإسلام ويغضبون لآلهتهم وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ  (صّ:6) قاتلوا من أجلها ، جاهدوا من أجلها ،ضحوا من أجلها ، قريش سخروا الأموال التي جاءت من أموال القافلة أيام غزوة بدر ، سخروها في تمويل جيش ضد محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)فكانوا هكذا في تلك الفترة يوم كانوا لا زالوا أناساً ، إنساناً يغضب يثور لتقاليده لثقافته ، يغضب على من يظلمه، وأصبحنا هكذا بالثقافة المغلوطة ، بالفتاوى المحرفة ، بالحكمة التي تُقَدِّم الخنوع والجمود.
                لاحظ عندما يقول الله هنا في القرآن الكريم أن من مهام رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)أن يعلمنا الكتاب والحكمة ،ما هي الحكمة الآن في مواجهة أمريكا وإسرائيل ، ومؤامراتهم وخططهم والتي أصبحت علنيّة ومكشوفة، وأصبحت أيضاً هجمة ليس معها ولا أي ذرة من احترام لهذه الأمة ولا حتى لزعماء هذه الأمة، سخرية، احتقار ، امتهان بشكل عجيب ، ربما لم يحصل مثل هذا في التاريخ، ما هي الحكمة الآن ؟ تجد أنها الحكمة التي يرفضها القرآن التي يهدد القرآن على من تمسك بها ، ما هي الحكمة؟. السكوت ، تسكت وتخضع ، ولا أحد يتحدث بكلمة ، لا شعار يرَدد ،ولا تتكلم في أمريكا.
                العجيب أن هذه الحكمة قد تُعتبر أنها هي الشيء الذي يضمن للناس سلامة ما هم عليه ، أو الذي يضمن للبلد سلامته فلا يهيمن عليه أعداء الله ، وأن هذا موقف حكيم ، أن الزعيم الفلاني يمكنه من خلال هذه السياسة أن يوفر للبلاد مبالغ كبيرة من الدولارات، ويقولون: رأيتم أنه رجل حكيم، استطاع أن يخدع الأمريكيين فيدخلون بلادنا وبعد ذلك باستطاعته أن يخرجهم ، فقط بقدر ما يأخذ منهم أموالاً. الأموال نفسها التي وعد بها الأمريكيون لم يسلموها ، لم يعطوا حتى أفغانستان ولم يعطوا لأحد ، إنها وعود كاذبة. ينطلق هذا التبرير حتى من بعض أشخاص هم حملوا القرآن.
                وأي عمل تنطلق فيه هو وفق منطق القرآن - الذي هو حكيم كما قال الله فيه- يُقال لك: لا . هذا تصرف غلط ، وهذا يؤدي إلى القضاء على الزيدية ، ويؤدي إلى كذا ، ويؤدي إلى كذا ، وسكته ، ولا موقف. انطلقت الحكمة مغلوطة ، لم يبق للإنسان حتى تقديراته الطبيعية للأشياء ، لم يبق للإنسان أن ينطلق في الموقف الطبيعي من القضايا التي أمامه ، بل يُجَمِّدون الناس ، يخذلون الناس باسم حكمة.
                وهكذا نحن إذا لم نتثقف بثقافة القرآن الكريم فسنفقد كل شيء ، وسنعود إلى أُمية كانت الأمية الأولى أفضل منها، الأمية التي قال الله عنها بأنها  وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (آل عمران: من الآية164) سنعود إلى مرحلة من الضلال أسوأ أسوأ بكثير مما كان أولئك الذين قال عنهم  وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ  ؛لأننا فقدنا أن نلتزم بديننا ، أن نتمسك بقيمه ، وفقدنا أيضاً قيمنا الإنسانية الطبيعية والتي هي للإنسان كأي حيوان آخر. أليس الإنسان يتمتع بمشاعر الغضب فيغضب أحياناً؟ هذا شيء فطري وغريزي ،حب الانتقام ، حب التضحية من أجل شيء عزيز عليه؟. سنصبح أُميين أسوأ من الأمية التي كان عليها العرب ، حينها لا يبقى لدينا دين ،ولا يبقى لدينا نجدة ،ولا كرامة ،ولا شجاعة، ولا إباء ،ولا فروسية ، ولا أي شيء آخر.
                إذاً فليفهم كل طالب أنه عندما نأتي إلى المدرسة ونتعلم فقد تسمع أنت كلمات من هنا وهناك: (يتعلم واحد ما أوجب الله، وماله وما عليه ،يعلم ما لـه وما عليه). ومطبوع في ذهنك وذهن من يحدثك (مالك وما عليك) أن تعرف كيف تتوضأ وكيف تصلي وكيف تصوم وكيف تزكي وتحج وانتهى الأمر .لا. مالنا وما علينا هو القرآن ،باختصار هو القرآن الكريم من ألفه إلى يائه ، فعندما نتصور بأن ثقافة القرآن الكريم هي شيء زيادة على مالك وما عليك فتقول: أنا أريد أن أقرأ كتاباً فقهياً لأعرف من باب الطهارة إلى نهاية أبواب الفقه، وحينئذٍ أقول: قد عرفت مالي وما عليّ. هذا غير صحيح ، هذا جزء عرفته مما ينبغي أن تعرفه ، تعرف كيف تتوضأ كيف تتطهر ، كيف تصلى كيف تصوم ، كيف تزكي ، كيف تحج ، كيف تتعامل مع أفراد أسرتك مع والديك ، مع إخوانك ، كيف تتعامل مع جيرانك ، كيف تتعامل مع المجتمع من حولك. ولكن يبقى المجال واسعاً جداً ، في مجالات كثيرة جداً هي أكثر الواجبات وهي الواجبات المهمة التي إذا لم نلحظها ونتثقف حتى نعرف كيف يمكن أن نصل إلى أدائها سنفقد أيضاً قيمة هذه العبادات التي نقول نريد أن نتعلمها ، فعندما تصلي تصبح الصلاة لا قيمة لها في حياتك ، لا قيمة لها فيما بينك وبين الله ، لا تفهم منها شيئاً ، تزكى تحج ، تعمل أعمالاً من هذه تعتبر في الواقع فاقدة لأثرها في الحياة ،فاقدة لما يمكن أن تصنعه في نفسك من أثر يشدك إلى الله سبحانه وتعالى.
                فنحن عندما نقول نتثقف بثقافة القرآن ، وعندما نأتي ونقول نريد أن نتعلم ما أوجب الله علينا، ويدري الإنسان ماله وما عليه نتجه إلى القرآن الكريم هو مالنا وهو ما علينا ، فيه ما يزكينا ، فيه ما يمنحنا الحكمة ، فيه ما يهدينا في كل شئون الحياة ، فيه ما يجعلنا نموت سعداء ونبعث سعداء ، وندخل الجنة ، ونسلم من عذاب الله ، فالقضية هذه مهمة جداً.
                وأعتقد أنه يجب أن يكون أبرز عمل لنا في المراكز ، وأبرز عنوان في المراكز وفي حياتنا الثقافية بصورة عامة هي أن نحرص على أن نتثقف بثقافة القرآن الكريم ، وأن ندور حول القرآن الكريم ، ونهتم بمعارفه وعلومه ، ونوطِّن أنفسنا على أن نكون من النوعية الممتازة التي أثنى عليها داخله (المؤمنين).
                عندما يقرأ الإنسان صفات المؤمنين في القرآن الكريم يجد صفاتاً راقية وعندما تعود إلى المجتمع تجدها صفات مفقودة، أليس هذا حاصل ؟ وكأن القرآن يتحدث عن نوعية من الناس ليست موجودة؟..
                إذاً فعندما أنت تقول -وهذا من الخداع للنفس ، الإنسان قد يخدع نفسه- أنا أريد أن أعرف مالي وما عليّ ، ولا أرى أن مما عليّ هو أن أكون ممن يتمتع بتلك المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه والمؤمنين من عباده في القرآن الكريم فأنا أخدع نفسي؛ لأن الجنة أعدت لمن ؟ أعدت للمؤمنين ، أعدت للمتقين ، أعدت لأولياء الله ، والعزة في الدنيا أعدت للمؤمنين  وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ  (المنافقون: من الآية8)الرفعة ،الشرف ، القوة ،التمكين هو للمؤمنين. وفي الآخرة الحساب اليسير لمن ؟ لأولياء الله ، الأمن لأولياء الله أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (يونس:62) ألم يقل الله هكذا ؟  الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ  (يونس:63)
                فعندما يظن الإنسان أن بإمكانه أن يقرأ كتاباً فقهياً ، وهو يعلم أنه عندما يقرأ القرآن يجد أن بينه وبين تلك المواصفات التي عرضها الله عن أوليائه عن المؤمنين عن المتقين ، أن بينه وبينها مسافات، ويرى الناس من حوله ،يرى زملاءه، يرى أسرته، يرى المجتمع كله من حوله بعيد عن هذه فاعرف أنك تمشى على طريق هي غير الطريق التي رُسمت للمؤمنين ، تؤدي بك إلى غاية هي غير الغاية التي تؤدي إليها السبيل التي رُسمت للمؤمنين ، أين يسير المؤمنون؟. أليسوا يسيرون إلى الجنة ،يكون حسابهم يسيراً ، يُبعثون فرحين يوم القيامة آمنين ،و يساقون مكرمين إلى الجنة ، فهل تنتظر أنت وأنت تقول أنك تريد أن تعرف مالك وما عليك ، وأنت لا تحاول أن تتحلى بهذه الصفات التي ذكرها القرآن الكريم للمؤمنين هل تنتظر أن تحشر كالمؤمنين؟ ، وأن تدخل الجنة كالمؤمنين؟. لا.
                والقضية أسوأ من هذه القضية أيضاً ، من جانب آخر أسوأ إذا لم يكن الإنسان الذي ينطلق للتعليم ، الذي يحمل اسم (مسلم) إذا لم ينطلق وفقاً للمواصفات القرآنية التي أرادها الله للإنسان المسلم ، فإنه سيكون من يخدم في حياته الباطل أكثر مما يخدم الحق ، يخدم الباطل حتى وإن حمل علماً ، خاصة إذا كان باطلاً وراءه يهود.
                نحن نقول أكثر من مرة ، نقول أكثر من مرة اليهود يستطيعون أن يُسَيِّروا علماء لخدمتهم ، أن يسيروا عباداً لخدمتهم ، إذا لم نعد إلى القرآن ونتثقف بثقافته بمعنى صحيح وبشكل جاد فإنهم يستطيعون أن يسيروا إنساناً يتعبد ليله ونهاره لخدمتهم ، عالم قد يخدمهم.
                قد تتعلم وتتخرج وتخدم اليهود من حيث لا تشعر ، من حيث لا تشعر ، لأنك حينئذٍ لا تتمتع بحكمة ، ليس لديك رؤية حكيمة ، لا تتمتع بالمواصفات الإيمانية المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه في القرآن الكريم ، التي تمنحهم القوة ، وتمنحهم الحكمة ، وتمنحهم زكاء النفس فتضل وأنت تحمل القرآن وهذا من أسوأ الأشياء ، ومن أعظم الأشياء إساءة إلى القرآن وإلى الله أن تحمل القرآن الكريم ، أن تتعلم القرآن الكريم أو تُعلم القرآن الكريم وفي نفس الوقت تبدو إنساناً هزيلاً ضعيفاً في مواقفك من أعداء الله.
                القرآن الكريم كله قوة ،كله عزة ،كله شرف ،كله رؤى صحيحة وحلول صحيحة تعطي كل من يسيرون على نهجه أن يكونوا بمستوى أن يضربوا أعداء الله كيفما كانوا و كيفما كانت قوتهم ، فالذي يجهل القرآن الكريم ولا يتثقف بثقافته ـ وإن كان يتلوه ليله ونهاره ـ هو من سيكون في الواقع ممن نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وسترى أن الشخص الذي يحمل القرآن وتراه ضعيفاً في مواقفه من أعداء الله ، ضعيفاً في رؤيته للحل الذي يهدي إليه القرآن فاعرف أنه بمعزل عن القرآن الكريم وبعيد عن القرآن الكريم ، وأنه يسيء إلى القرآن ، وأنه في نفس الوقت سيعكس وضعيته هذه المتردية وضعفه على الآخرين ، فيصبح قدوة للآخرين في ضعفه بدلاً من أن يكون قدوة للآخرين ـ وهو يحمل القرآن الكريم ـ في قوته ، فنحن يجب أن نتعلم القرآن الكريم ، وأن نتثقف بثقافته.
                ومما يعطينا القرآن أننا سنعرف كيف نقيّم الآخرين ، فأعرف أن هذا مواقفه قرآنية ومنسجمة مع القرآن ، أن هذا ـ مهما كان شكله ، مهما كانت عبادته ، مهما كان يمتلك من كتب ـ تبدو وضعيته غير منسجمة مع القرآن الكريم ، رؤاه غير منسجمة مع القرآن الكريم ، في الوقت الذي يحث القرآن الكريم الناس على الجهاد ،يحثهم على الوحدة على الأخوة على الإنفاق في سبيل الله ، على أن يبيعوا أنفسهم من الله على أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، ويأمرهم بأن يقاتلوا أعداء الله ، تجد كلامه ـ والمسبحة في يده ـ ” مالنا حاجة وأحسن للناس يسكتوا ، وقد يَجْنِ الناس على أنفسهم” وكلام من هذا النوع، هذا لا يمكن أن يكون منسجماً مع القرآن الكريم.
                سنصبح ضحايا لكثير ممن يحملون علم إذا لم نُمنح -نحن كطلاب علم كناس مسلمين - نُمنح مقاييس قرآنية نستطيع من خلالها أن نعرف ما هي المواقف الصحيحة ، ومن الذي تعتبر مواقفه صحيحة وحركته قرآنية ، ومن الذي هو بعيد عن القرآن الكريم ، سيصبح الإنسان ضحية ، قد تسمع مثلاً ” يا رجال سيدي فلان أو سيدنا فلان ذاك عالم كبير ولا يهتم بهذه الأشياء، ولا يقول كذا ، هو يقول للناس فقط سيثيرون الآخرين على نفوسهم ، أحسن للناس يسكتوا ولا يتفوهوا بكلمة ولا .. ولا .. لسنا أحسن منه ، هل فلان أحسن منه”. أليس هكذا يتصرف الناس على هذا النحو؟. لا. يجب أن نرجع إلى القرآن الكريم فنستفيد منه كيف نكون حكماء في رؤيتنا ، في تقييما لأنفسنا أولاً ، في تقييمنا للآخرين من حولنا ، وفي معرفتنا لما يذكره أعداؤنا ، وفي معرفتنا لما هو الحل في مواجهة أعدائنا.
                متى قدم القرآن الكريم السكوت المطلق كموقف حكيم في مواجهة أعداء الله ؟ قد يُوجّه في مرحلة معينة فيقول: أعف وأصفح ،في فترة معينة ، وأنت تعمل في نفس الوقت ، تعمل لا تتوقف إطلاقاً ، لكن أجِّلْهم في الموقف هذا وهم ضعاف ،هم لا يشكلون خطورة بالغة ، فلا تشتغل بهم ، وفي نفس الوقت أنت تعمل ، أنت تهيئ، أنت تجهز ، سراً وعلناً مواقف واضحة.
                نعم .. قد يَرِد في القرآن الكريم أحياناً عبارات من هذه  فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  (البقرة: من الآية109) ماذا يعني الله بأمره؟. وهل الرسول سيعفو ويصفح ويوقف كل شيء ، أم أنه كان ينطلق ويتحرك باستمرار ؟ ينطلق ويتحرك باستمرار ، إنما ربما المنطلق هذا من أجل يهود معينين لازالوا مستضعفين ، موقفهم قد يكون غير خطير في ذلك الزمن ، أو قبيلة معينة منهم فأتركهم لا تنشغل بهم ، لا تؤاخذهم على هذا فتغرق أنت في الاشتغال بهؤلاء بمفردهم.
                ينطلق في العمل العام ،وفي بناء مجتمع قوي ،وفي بناء دولة ،وفي بناء أمة ، هناك أَمرُ الله في الأخير يستطيع أن يضرب هؤلاء ، إذا لم يقفوا عند حدودهم ، إذا لم يهدَوا ، إذا ما ظلوا يحيكون المؤامرات ضد النبي وضد الإسلام. لم يأت في القرآن توجيهات بالسكوت المطلق.
                ومن يتبنى ثقافة غير ثقافة القرآن هو نفسه من يجهل الله سبحانه وتعالى.[/font]

                ــــــــــــــــــ
                البقية في الصفحة التالية

                تعليق


                • #9
                  البقية

                  البقية
                  ـــــــــــــــــــ
                  من أهم الموارد ،من أهم المواضيع في القرآن الكريم هو تركيزه الكبير فيما يتعلق بمعرفة الله سبحانه وتعالى ، أفضل وأهم وأعظم مصدر لمعرفة الله هو القرآن الكريم ، القرآن الكريم يمنحك ثقة بالله وتدور معارفه فيما يقدمه من معرفة عن الله سبحانه وتعالى بالشكل الذي يرسخ لدى الإنسان شعوراً بعظمة الله سبحانه وتعالى وحباً لله سبحانه وتعالى ، وفي نفس الوقت ثقة قوية بالله ، هذه الثقة ليست كتلك الثقة التي تحصل لدى الإنسان إذا ما أصبح في حاجة إلى شيء ، مريض أو معه مريض أو أفتقر إلى حاجة معينة ، وهو لا يملك أموالاً فيصبح لديه حالة من الرجوع إلى الله ، يدعو الله بإخلاص ،هذه الحالة كانت تحصل تقريباً للمشركين في البحر إذا ما خشوا من الغرق  دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (يونس: من الآية22)الثقة بالله تنطلق ثقة واعية ، وليست ثقة عمياء ، لأن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ـ وهو يتحدث عن أوليائه ـ ذكر أنهم كيف كانوا ينطلقون على أساس الثقة به ، وذكر في القرآن كيف أنه كان يمنحهم الرعاية لأنهم كانوا يثقون به يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ  (المائدة: من الآية11) فكف أيديهم عنكم.
                  وكم ذكر في القرآن الكريم من أمثلة كثيرة جداً توضح للإنسان كيف أن الله يرعى أولياءه الذين يثقون به ، كيف أنه يدافع عنهم ، كيف أنه يؤيدهم ، كيف أنه ينصرهم ، ألم يقل عن تلك المجموعة التي خَلُصت من الآلاف المؤلفة من بني إسرائيل ـ في قضية طالوت وجالوت ـ بعد أن شرب الكثير من النهر فبقي مجموعة قليلة، قال بعضهم  لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة: من الآية249) مؤمنون واثقون بالله ،يعيشون حالة من سيطرة الله على مشاعرهم ، الله حي في مشاعرهم ، في نفوسهم قالوا  كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ  ، ماذا حصل بعد؟ قال فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ (البقرة: من الآية251)
                  يتحدث عن قضية عصى موسى  موسى الرجل الفقير الذي لا يمتلك الأسلحة التي كانت لدى فرعون ، لا يمتلك الجيش الذي كان لدى فرعون ، في يده عصا ، وهو متجه إلى مصر بزوجته وأغنامه ومواشيه ، قال الله  وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى  (طـه:17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (طـه:18) ليس لها دور أكثر من هذا - فيما أرى - الله أراد أن يجعل من تلك العصا قوة ترعب فرعون وقومه.
                  فمن يثق بالله ، من يثقون بالله ،إذا ما بلغ الناس إلى درجة الوثوق القوي بالله سبحانه وتعالى فإنه من سيجعل الأشياء البسيطة ذات فاعلية ، ذاتَ فاعلية كبيرة ،عصا موسى كانت ترهب فرعون ، كانت تتحول إلى حية ، كانت تُرهب آل فرعون جميعاً ، قضت على كل ذلك الإفك ، على كل ما عمله السحرة ، أوحى الله إليه أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ  (الأعراف: من الآية117) تلتهمه جميعاً ،وقضت على كل تلك الحبال والعِصِيّ التي كان يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى ، هذه العصا كانت تشكل سلاحاً فعالاً ، إنها عبارة عن سلاح ،وعبارة عن آية ، وعبارة عن وسيلة للفرج ، لها أدوار متعددة ، ضاعت كل قوة فرعون وجبروته وجيوشه وآلياته العسكرية وحصونه أمامها، تلك العصا التي قال عنها موسى:  أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي . (طـه: من الآية18)
                  وهكذا تجد في القرآن الكريم أشياء كثيرة جداً تتوجه نحو الإنسان لتخاطبه بأن عليك أن تثق بالله ، فمتى ما وثقت ثقة صحيحة ، ومن الثقة به هو أن تتأكد بأنك تسير على هديه ، وإلا فقد تدعو ، قد يجتمع صف من العلماء العبَّاد في مسجد يدعون الله سبحانه وتعالى على أمريكا وإسرائيل ولا يحصل شيء ، ليست المسألة على هذا النحو.
                  تحركوا من منطلق الثقة لأن ما يدل على أن الإنسان يعيش حالة الثقة بالله سبحانه وتعالى هو أن ينطلق ،هو أن يتحرك حتى في الظرف الذي يرى كل ما حوله ليس في اتجاهه،يرى كل ما حوله بعيداً عنه،يرى نفسه ضعيفاً، يرى موقفه غريباً ،يرى منطقه ممقوتاً ، هذه هي اللحظة التي تدل على مدى ثقتك بالله ، إذا ما انطلقت في ظروف مثل هذه ، في مرحلة معينة.
                  لاحظوا، لو تأتي دولة وتقول هذا كل ما لدينا تحت أيديكم ، أليس حينئذٍ سيصبح الناس أقوياء ؟ ، ويصبحون فيما بعد يتهددون ويتوعدون الآخرين؟. لماذا ؟ أما في ظرف كهذا والله يقول لكم أن بإمكانكم أن تصلوا إلى مستوى أن يكون الله معكم ، فمتى ما كان معكم فهو من لـه جنود السماوات والأرض ، أعظم مما تمتلك الدولة الفلانية من أسلحة ، لماذا أراك ضعيفاً؟. لماذا أراك مستسلماً؟. لماذا أراك هكذا مقهوراً ذليلاً ؟. لماذا أراك بعيداً عن أي تفكير في أي عمل ضد أعداء الله؟. لأنك لا تعيش حالة المعرفة بالله ، ولا تعيش حالة الثقة بالله؟. ويدلك على هذا أنه لو تأتي الدولة تقول هذه مجموعة أسلحة ومعسكرات تحت تصرفكم سنرى الناس كلهم سيصبحون أقوياء ..أليسوا سيصبحون أقوياء؟. أولياء الله يثقون بالله في أصعب الظروف ، وفي أشد الظروف ابتعاداً عما يقدمونه من حلول ، عما يقدمونه من تصور عملي في مواجهة أعداء الله. الثقة بالله هي من أهم ما ركز عليه القرآن الكريم.
                  وتجد أنه إذا افتقد الناس الثقة بالله قد يصل الناس إلى حالة من الكفر لا يشعرون بها ، كيف ؟. مثلاً تجد آيات صريحة عندما يقول الله:  وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ  (الحج: من الآية40) إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم  (محمد: من الآية7) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (التوبة:14)  لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (آل عمران:111) وكم لهذه الآيات من نظائر. ولكن عندما ترجع إلينا ، إلى الناس فتقول: أعداء الله يعملون كذا ، يتحركون في كذا ، ما لنا لا نفعل؟. فيقال: والله ما نستطيع ،نحن مستضعفون ، ما بأيدينا شيء ، وماذا نستطيع أن نعمل؟.
                  وتلك الوعود التي في داخل القرآن أين نأتي بها؟. ماذا يعني هذا؟. أنه في الأخير أنني أقرأ تلك الآيات ، وأقرأ قوله تعالى  وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ  وأنا في واقعي ، ونحن في واقعنا جميعاً نحكم على الله بأنه فقط أنت تستطيع أن تنصر ،وأنت قوي وأنت عزيز ، لكن إذا كان هناك أعداء مثل قريش ،مثل أولئك الذين كانوا في مواجهة محمد ، أما أمريكا أما إسرائيل ،أما ما تمتلك من أسلحة هذه القوى والله ما تستطيع ، هذا واقع ، أي نحن في نظرتنا إلى الله على هذا النحو من يقول نحن أمام أمريكا لا نستطيع أن نعمل شيئاً بعد أن قال الله لـه:  وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ  بهذه العبارات  قَوِيٌّ عَزِيزٌ .
                  [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
                  معنى هذا في الأخير أنه والله صح أنت قوي ، أنت عزيز لكن أما أمام أمريكا فلا، أنت غالب على أمرك ،قاهر فوق عبادك لكن أما هؤلاء فلا، هكذا الواقع ، نظرة الناس هي هكذا في الواقع ، أليس هذا من الكفر الفظيع؟ كفر فضيع في داخلنا ونحن لا نشعر.
                  إن سببه ماذا ؟ ضعف الثقة بالله ، ضعف الثقة بالله تجعلك ترى أن الله لا يستطيع أن يعمل شيئاً أمام أولئك وهم من هم؟ هم أولياء الشيطان الذي قال الله عنه:  فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً  (النساء: من الآية76) وكلما زاد خبثهم وازداد فسادهم ، أليس يعني ذلك أنهم ازداد ولاؤهم للشيطان وكلما ازداد ولاؤهم له ازدادوا ضعفاً ؟. كلما عظمت ولايتهم للشيطان كلما ارتبطوا بضعيف مذموم مدحور طرده الله ، وطبعه بهذا الطابع مذموماً مدحوراً ملعوناً ضعيفاً ذليلاً  فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ً.
                  قد تسأل أحداً فيقول لك: نحن من أولياء الله ، ونحن مؤمنون ، لكن لماذا نراك تنظر إلى أولياء الشيطان نظرة المنبهر بهم؟. المكترث بما هم عليه؟. يراهم كباراً ، يراهم سَداً أمام الله ، وليس فقط أمام نفسه ، بل أمام الله، وأنت تسمي نفسك بأنك من أبناء القرآن ، وأنك من أبناء الإسلام ، وأنك من أولياء الله ، وأنك .. وأنك .. هذه حالة خطيرة إذا لم نتعرف على الله من خلال القرآن فإن أي وسائل أخرى للمعرفة لا تصل بنا إلى هذه الدرجة التي سيوصلنا إليها القرآن الكريم ، وبالتالي يمكن أن تسبِّح وأن تصلي لله ، وأنت تقول (الله أكبر) وأنت تراه في واقعك أنه أعجز عن أن يعمل شيئاً أمام أولئك ، هوَ لا يستطيع أن ينصر من ينصره وإن قال أنه قوي عزيز ، لو كنا نفهم القرآن الكريم ،وكل من يحمل القرآن الكريم يعرف الله من خلاله لما وجدنا أي شيء أبداً أمامنا كبيراً - مهما بدا كبيراً - ؛لأن الله في القرآن يقول لنا بأنه هو يدبر الأمر ،وهو ملك السماوات والأرض ، هو الذي ترجع إليه الأمور ، بأنه هو الذي يستطيع أن يهيأ هو الذي يفتح المجالات ويهيأ الفرص ، هو الذي يعمل الأشياء الكثيرة التي قد لا تتهيأ إطلاقاً ، هو الذي يقوم بالدفاع عن أوليائه حتى يستطيعوا أن يصلوا درجة معينة ، أشياء كثيرة لا نستطيع أن نستوعبها. أهم شيء في الموضوع هو أن تكون ثقة الناس بالله قوية.
                  إذا فعندما تنطلق وأنت طالب علم ، أو أنطلق أنا وأنا معلم أريد أن أعلم الناس ما أوجب الله عليهم حتى يعرف كل واحد ماله وما عليه ، وأنت لا تتعرض لنقاط كهذه فأنت ستنسف كل ماله وكل ما عليه ، ولن يصل إلى معرفة ماله وما عليه ، إلا جزئيات تصبح لا تنفعه في الدنيا ، ولا حتى تنفعه في الآخرة.
                  لاحظوا كيف أولئك الذين كانوا يعيشون مع رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)كانوا في قضية واحدة ، قضية أدب مع الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ  (الحجرات: من الآية2) تحبط أعمالكم، ما هي أعمالهم ؟ صلاة بعد رسول الله ، أليست الصلاة بعد رسول الله أفضل من أي صلاة بعد أي شخص آخر ؟ وحضور مع رسول الله وجهاد معه في الميادين ، كل هذه الأشياء التي تبدو عظيمة قد ينسفها موقف تبدو معه قليلَ أدب ٍ مع النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ  فكيف إذا ما كنت قليل أدب مع الله سبحانه وتعالى، تقدمه عاجزاً عن أن يحقق ما وعد به أولياءه ، وهذا ما نحن عليه ؛ ولهذا أصبحنا في وضعية سيئة جداً جداً ، لا يستطيع الإنسان أن يتصورها ، كلنا علماءنا وزعماءنا حكومات وجيوش وأفراد كلهم في الحضيض ، في أحط مستوى ، تحت من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله.
                  كلمة من (بوش) رئيس أمريكا ترعبهم جميعاً ، لا يستطيعون حتى أن يعلقوا عليها كما يعلق عليها الأوربيون فيقولون (كلمة جيدة ومتوازنة إنما تحتاج إلى شيء من الإيضاح) كما قال عرفات ومبارك وأشباههم ، بينما هناك في أوروبا ينقدها الفرنسيون ينقدها الآخرون ، هكذا أصبحوا إلى درجة كلمة من (بوش) تهزهم أكثر مما يهزهم وعيد القرآن الكريم ، يبحثون عن حل من هناك ولا يلتفتوا إلى القرآن ،ولا يرون أنه يمكن أن يكون لديه حلاً ، لا يمكن أن يكون لديه حلاً أبداً .
                  عندما تهتز ثقة الإنسان بالله نتيجة لمعرفته المغلوطة بالله أو ضعف كثير في معرفته بالله سيصل إلى هذه الحالة بدلاً من أن يكون قوياً على أولياء الشيطان يصبح عبداً لأولياء الشيطان ، بدلاً من أن يتشرف بأن يهتدي بهدي الله ، وتكون قوته امتداداً لقوة الله يصبح هو من يبحث عن الحلول من عند أولياء الشيطان ، ليقدموا لـه حلولاً ، وهل يمكن للشيطان أن يقدم حلاً للإنسان المؤمن ؟ لا يمكن أبداً ، إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (فاطر: من الآية6) حزبه الذين قد والوه وأطاعوه ودخلوا معه ، هل هو يريد أن يجعلهم على أرقى مستوى ويسوقهم إلى أفضل غاية ؟ لا.  إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ فاصبح أولئك هم الملجأ للناس ،للعرب ،للمسلمين بدلاً من الالتجاء إلى الله رب العالمين.
                  أضعنا الله ،أضعنا رسوله ، أضعنا ولايته فأصبحنا نبحث عن كيف نتولى أولياء الشيطان، و يتسابق الزعماء ، يتسابق الأحزاب على من هو الذي يحظى بصداقة أمريكا أو بالقرب من أمريكا ، وبوُدِّ أمريكا ، هكذا حتى داخل اليمن أصبحت الأحزاب في اليمن - فيما نقرأ - بعضهم يتهم بعض بأن مواقفه هي محاولة لأن يكون أقرب إلى أمريكا ، ويتودد إلى أمريكا لأنه ربما تأتي أمريكا وتجعله هو من يصل إلى السلطة ، وهكذا.
                  نحن يجب أن نفهم أنه يجب أن يكون عنواناً داخلاً في أعماق نفوسنا عنواناً أمامنا ، أينما سرنا هو أن نتثقف بثقافة القرآن ، أن نتعلم القرآن ، نتدبره ، نثق به ، نتفهم آياته ، ونتحرك في الناس على أساسه ، نتحرك في الناس على أساسه ، نقيّم الأحداث كلها من خلاله ، نقيّم الآخرين كلهم من خلاله ، نقيّم أنفسنا من خلاله ، نقيّم أنفسنا على أساس مقاييسه ، وهكذا، ما لم فلو تعلمت ستين عاماً ستخرج في الأخير أضعف بكثير من أولياء الشيطان ، ترى أولياء الشيطان فتخافهم أكثر مما تخاف الله ، تغالط الله ، ما هذا حاصل؟.
                  لاحظوا كيف واقعنا الآن عندما ننطلق في عمل معين، من الناس يقول: ربما يثير الدولة ضدنا ، ربما يُحَرِّش أمريكا علينا. ربما قد يُسجن شخص ، ربما يحصل كذا ربما .. هذه الاحتمالات نجعلها من الاحتمالات التي نتعامل معها بجدية ، احتمالات نتبناها بشكل مواقف في الأخير ، فنسكت ونقعد. لكن احتمالات أنه ربما إذا قعدنا ، ربما إذا سكتنا أن يغضب الله علينا ، ربما أن نكون مستحقين لسخطه وعذابه وعقابه بجهنم ، هذه الاحتمالات التي هي إلى الله لا نهتم بها.
                  والإنسان المسلم في الواقع إذا وقف بين احتمالين ، أمامي ربما يحصل عليّ من جانب هؤلاء البشر ضر قد ينتهي بالقتل ، وربما إذا وقفت ،وسكت ،وصبرت يحصل عليّ من جانب الله سخطه وعذابه ، فأيهما أخطر على الإنسان ؟ ومن الأولى من الاحتمالات بأن أراعي؟. أراعي جانب الله أو أراعي جانب الآخرين؟. تراعي جانب الله بكل اعتبار باعتبار أنه وليّك ، أنه المنعم عليك ، أنه كما قال  وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ  (النحل: من الآية53) أنه إلهك ، أنه هو الذي عذابه شديد ، لا أحد يستطيع أن ينقذك من عذابه ، أما الإنسان فأقصى ما يصل بك إليه هو أن تقتل ، عندما تقتل هل يمتلك شيء وراء ذلك ؟ لا يمتلك شيء وراء ذلك . عندما تقتل يجعلك الله تعيش حياً من جديد ، وتعيش شهيداً ، تعيش حياً ترزق ، وتكون من السعداء قبل اليوم الآخر ، من السعداء قبل دخول الجنة ، لكن إذا لم تراعِ الاحتمالات فيما يتعلق بالله ، فلا تجعل لها أهمية ستخسر فيما يتعلق بجانب الله ، فتكون ممن يستحق عذابه ، هل أحد يستطيع في الأخير أن ينقذك من يد الله ؟. لا أحد يستطيع إطلاقاً أن ينقذك من يد الله ، ستموت رغماً عنك.
                  عندما تَصِل مثلاً إلى عميل رقم واحد ،وعميل على مستوى عالي لأمريكا ثم عندما تمرض فأقصى ما يُقدَّم لك طائرة خاصة تنقلك إلى أرقى مستشفى في أمريكا ،يجتمع حولك أرقى الأطباء ، هناك في الأخير ستموت بين أيديهم ، يأخذك الله رغماً عنهم ،وتموت بين أيديهم ، هل يستطيعون أن يمنعوك من الموت ؟ وهو أول خطوة لليوم الآخر؟. لا يستطيعون أن يحولوا بينك وبين أن تبعث ، هل يستطيعون أن يحولوا بينك وبين سوء الحساب ؟. هل يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين دخول جهنم ؟. لا يستطيعون أبداً ، لكن كل شيء من جانب الناس مهما طال، الاحتمالات قد تصل إلى القتل ، قد تصل إلى التمثيل فكله بسرعة ينقذك الله منه ، سواء أن لا تصل إليها ،أو أن تصل إليها فعلاً ، فأقصى ما يحصل هو أن يقتلوك وبسرعة تتحول إلى شهيد حي.
                  [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
                  هذا ما يجب أن نفهمه في هذا الموضوع.
                  ثم عندما نتعامل مع القرآن الكريم ، نتعامل بإجلال ، باحترام ، بتعظيم ، بتقديس ، بنظرة صحيحة للقرآن أنه كتاب للحياة ،  تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ  (النحل: من الآية89) كما قال الله عنه  هُدىً لِلنَّاسِ  (البقرة: من الآية185) ، وعندما يقول الله لك ، عندما يقول الله لنا  هُدىً لِلنَّاسِ  فهل من المعقول أن يكون فقط هدى في القضايا البسيطة في المشاكل الصغيرة ، أما المشاكل الكبيرة التي هي أخطر علينا من تلك ،وأسوأ آثاراً علينا من تلك وعلى ديننا فإنه لا يهدي إلى حل لها ، هذا غير صحيح. فعندما يقول  هُدىً لِلنَّاسِهو هدى للناس في كل القضايا أمام كل الاحتمالات في كل الميادين ، لماذا لا تنظر إليه بأنه هدى للناس في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون إلى من يهدينا في مواجهة أعداء يمتلكون إمكانيات هائلة.
                   هُدىً لِلنَّاسِ  معناه يُعلّم الإنسان كيف يكون (طيِّباًً) وأشياء من هذه ، يصلى ويصوم ولا يتدخل في شيء ، فنقدم القرآن وكأنه لا يمتلك أي رؤية ، ولا يعطي أي حل ،ولا يهدي لأي سبيل فيما يتعلق بالمشاكل الكبيرة ، فيما يتعلق بالمخاطر العظيمة ، هو  هُدىً لِلنَّاسِ  في كل مجال ،في كل شأن ، فتكون نظرتنا للقرآن الكريم نظرة صحيحة ، هذا هو كتاب حي ، كتاب يتحرك بحركة الحياة ، بل يستطيع فعلاً - لأنه أوسع من الحياة - يستطيع -إذا ما أُعْطِيت فهمه ، إذا ما كنت تعيش معه ، وفق نظرة صحيحة- أن يُقيّم لك الأحداث فتكون أدق من أي محلل سياسي آخر ، أدق من أي صحفي آخر ، أدق من أي مهندس لسياسة أمريكا وغيرها في تقديرك للأحداث.
                  ولأنه يمنح الإنسان ثوابت ، تعتبر مقاييس ثابتة ، يربيه على أن تكون لديه رؤية تمنحه المبادرة في المواقف ، هو لا يجعلك بالشكل الذي تنتظر ماذا سيعمل بك العدو لتفكر بعد ماذا تصنع ، هو من يربيك على أن تعرف كيف تضرب العدو ومن البداية ، وهو من قد قدم لك من البداية الشرح الطويل والإيجاز لتعرف كيف عدوك ، وكيف واقعه ، كآية  لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ أليس هذا تقريراً إلهياً عن الأعداء؟. لا يستطيع أي شخص مهما كان أن يعطي تقريراً عن عدوه بأنه سيكون هكذا ، لا تستطيع أمريكا أن تعطي تقريراً عن العراق الآن بأنها إذا ما توجهت لضرب العراق فإنه لا يضرها إلا أذى وإن يقاتلها سيوليها الأدبار ثم لا يُنصر . لا تستطيع أمريكا بمخابراتها بأقمارها بأجهزتها الدقيقة ، لا تستطيع إطلاقاً. لكن الله لأنه عالم الغيب والشهادة هو من استطاع أن يكشف لأوليائه كيف ستكون نفسية أعدائه.
                  و يتجلى ذلك بشكل عجيب، ومن ذلك ما تجلى في الأيام هذه عندما قال الله عن اليهود بأنهم  لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى(الحشر: من الآية14) تجلت هذه في إسرائيل أمام مقاومة الفلسطينيين ، مقاومة بسيطة لا تمتلك شيئاً بقدر ما تمتلكه إسرائيل ، نجد الآية هذه يظهر مصداقها واضحاً فتبني إسرائيل الأسوار ، وشاهدوا أنتم في التلفزيون الأسوار جُدُر، ونفس المستوطنات قرى محصنة ، المستوطنات التي تقام لليهود هي قرى محصنة، فهم هكذا على الرغم من أنها دولة قوية تُرعِب بقية الدول الأخرى في المنطقة ، لكنها في ميدان المواجهة ، إذا ما كانت مواجهة لها جذور تمتد من الولاء لله ولرسوله ولأهل بيته ، مثل ما قالوا هم عن حماس ،قالوا (حماس هي تلميذة حزب الله).
                  [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
                  قالوا عنها هي تلميذة حزب الله ، وتراهم يبنوا جُدُراً وقرى محصنة ، أليس هذا الشيء الذي لا يمكن لأي طرف آخر أن يعطيه للمسلمين؟. لا يمكن لأي طرف آخر مهما بلغت قوته أن يكتشف أعداءه على هذا النحو ، فيكشف واقعهم .. لا يمكن أبداً إلا الله ؛ ولهذا عندما يقول في القرآن الكريم بأنه  قَوِيٌّ عَزِيزٌ هو يقول للناس بأنه بالمستوى الذي ينبغي أن يتولوه ،فهو قوي عزيز ، وهو غالب على أمره ، وهو قاهر فوق عباده ، وهو يعلم السر والنجوى ، يعلم الغيب والشهادة ، يستطيع أن يكشف لك واقع عدوك ، يستطيع أن يملأ قلب عدوك رعباً ، فتكون إمكانياتك البسيطة هي من ترعبه ، ويرى أن ما لديه من إمكانيات وما لديه من قوًى لا يحقق له الأمن ، كما حصل في إسرائيل أصبح القادة العسكريون في إسرائيل في الأخير يعترفون بأن الحرب لم تحقق لهم الأمن بل أصبحوا يقولون بأنه (كلما انتقمنا حصل ردود فعل أكثر ، ثم انتقام في انتقام وفي الأخير لن يحقق لنا أمناً ،ولن يحقق لنا استقراراً ،ولن يحقق لنا إلا إنهاكاً لاقتصادنا). هكذا يقول الإسرائيليون أنفسهم.
                  نحن يجب أن تكون نظرتنا للقرآن صحيحة ، عندما تنظر للقرآن ، عندما تتعلم القرآن تتعلمه وأنت تَعُد نفسك واحداً من جنود الله ، وإلا فستكون من تلك النوعية التي تتقافز على الآيات  كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ  (الصف: من الآية14) كونوا أنتم. فيقول أنا مالي دخل) ،  وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ  (آل عمران: من الآية104)( أنا مالي دخل) وهكذا تتقافز على الآيات فتكون أنت من تضع أمامك حجباً عن الاهتداء بالقرآن الكريم ، وبالتالي ستكون أنت من تقدم القرآن الكريم للآخرين ضعيفاً هزيلاً.
                  نحن قلنا: يجب على الإنسان الذي يُعلّم القرآن أن يعلم القرآن كما لو كان في مواجهة مع العدو وفي الجبهة الأولى في مواجهة العدو ، تعطيه حيوية ، عندما يتحدث عن الجهاد ، عندما يتحدث عن وعوده للمؤمنين ، عندما يتحدث عن أعدائه ، عندما يتحدث عن الأشياء التي يجب أن تكون الأمة عليها في تأهيل نفسها لتصل إلى مستوى أن تكون من أنصار الله ، ومن أنصار دينه ، يجب أن تتحدث وإن كنت أنت في واقعك ترى بأن الوضع لا يصح منه شيء ، والناس لن ينفعوا بشيء ، والدنيا كلها قد انتهت ، ولا يوجد بأيدي الناس شيء ، لا تعكس هذه على آيات القرآن أبداً ،لا يجوز ؛ لأن القرآن يجب أن يكون أرقى من أن نعطفه على أنفسنا ،أو نرده هو فنجعل ما لدينا من مشاعر من ضعف هو المقياس الذي على أساسه نقدمه للآخرين ، هو الشيء الذي نصبغ القرآن به عندما نقدمه للآخرين ، هذا سيقتل القرآن ، هذا سيميت القرآن.
                  كيف تعمل؟. قدمه على أصله ؛ لأن القرآن لو أُخضِع لمشاعرنا ،لتقديرات الضعف التي تسيطر علينا ، على هذا وعلى ذاك ، فبالتالي سيقدم القرآن ميتاً جيلاً بعد جيل ، هذا بالنسبة للمُعلّم، بالنسبة لطالب العلم كذلك عندما نقرأ القرآن ، عندما نتدبر آيات القرآن ، عندما تُذّكر بآيات القرآن يجب أن تتعامل مع القرآن بجدية ، أنك تريد أن تكون فعلاً كما ذكر الله عن أوليائه في القرآن ، وأن تكون ممن يصل على أساس تعرف مالك وما عليك ، أن تصل إلى من قال عنهم  كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ  ، أن تكون من ضمن هؤلاء ، أن تكون ممن قال عنهم وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ  (آل عمران: من الآية104) وهكذا في بقية الأشياء ، أن تكون مع الآخرين من المؤمنين تواليهم صفاً واحداً ،وحدة حقيقية عندما تسمع الله يقول عن المؤمنين وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ  (التوبة: من الآية71). إذا تعاملت مع القرآن وأنت طالب علم على هذا النحو تنظر إليه ككتاب من الله ، أنه كلام الله فستهتدي بالقرآن وسيزكي نفسك ،وستصل إلى فهم كثير من آياته.
                  والقرآن في ظاهره يعطي أشياء كثيرة جداً على الرغم من أنه كما قال الإمام علي  ( بحر لا يُدرك قعره) ، لكن هذه من خصوصيات القرآن التي أمتاز بها عن أي كلام آخر أنه يعطي الناس الكثير الكثير من المعارف بظاهره وإن كان لا زال بحراً لا يُدرك قعره ، فالخَواص يعرفون منه الكثير الكثير الذي لا تستطيع أعمارهم أن تستوعبه ، ( بحر لا يدرك قعره ).
                  فعندما نتعامل مع القرآن لا نتعامل معه بابتذال وكأن كل شخص يستطيع أن يفسره هو بمفرده ،بل يكون همك هو أن تتدبر أنت وتتذكر أنت، تقرأ القرآن للناس كما قال الله عن رسوله وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ  (النمل: من الآية92) القرآن بظاهره يعطي الكثير للناس، ولأن الناس قد تأثرت نظرتهم للقرآن سلباً أعط تعليقات كمقدمات بسيطة حول الموضوع ثم تأتي بالآيات القرآنية. لا تنطلق كمفسر. مَنْ انطلقوا كمفسرين لم يقدموا القرآن بالشكل الصحيح ، عندما تقرأ (الكشاف) للزمخشري ، أو تقرأ (تفسير الطبري) ، أو تقرأ تفاسير أخرى تراهم يُغفلون الحديث عن آيات مهمة جداً ، نحن أحوج ما نكون إلى فهمها اليوم ،فهي مرتبطة بواقع الناس ،مرتبطة بحياة الناس ، مهمة جداً ، يقفز عليها وانتهى الموضوع ، ينطلق ليفسر مفرداته ،وإذا كان هناك حكم معين يستنبطه أو قصة معينة يتحدث حولها باختصار وانتهى الموضوع.
                  لكن التدبر للقرآن الذي دعى الله الناس إليه حتى الكافرين أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (المؤمنون: من الآية68)  كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (صّ:29) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍر (القمر:17) على هذا النحو تقرأ الآيات القرآنية ، عندما تمر بآيات الوعد والوعيد تسمع الحديث عن جهنم أو تقرأ الآيات التي تتحدث عن جهنم ، عن الحساب العسير ، فالقرآن يعرض في هذا الموضوع حتى الحالة النفسية السيئة ، حالة الخوف والرعب والفزع واليأس الذي يسيطر على أعداء الله في ساحة القيامة ، وفي جهنم يعرضها القرآن الكريم ،نفس الشيء يعرض العذاب الشديد بتفاصيله ، يتحدث عن شدة العذاب ،وقود العذاب كما قال  وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ  (البقرة: من الآية24) وكذلك يتحدث عما يقوله أهل النار في النار عندما يطلبوا  أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ  (الأعراف: من الآية50) هكذا يريدون شربة ماء ليست بارد ة ، شربة ماء طبيعية عادية فلا يحصلون عليها. أنت عندما تقرأه تجد أنه من المحتمل أن تكون أنت واحد من أولئك ، لا تقرأ آيات الوعيد وكأنه يقصد أناساً آخرين لا تعرفهم ؛ لأنه من المحتمل أن تكون واحداً من الذين قال عنهم وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا  (فاطر: من الآية37) حينئذٍ يجب أن تلحظ أنه كيف أعمل حتى أقي نفسي من عذاب الله.
                  فالآيات في الوعد والوعيد آيات الوعيد صريحة، تفكر هنا عندما يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ  (التحريم:6) عندما تقرؤها تذكر هَولها ،تذكر هنا أنه مصير سيئ ، الله يدعونا هنا عندما يقول لنا ونحن هنا يعني أن هذه هي الفرصة الوحيدة ،العمر في هذه الدنيا هو الفرصة الوحيدة للإنسان أن يبحث عما يقي نفسه من جهنم ،أن تتفكر في هذه الآية ما هو معناها؟. أن تنطلق بجدية وتفكير واهتمام حول ما يقي نفسك من عذاب الله ، أليس هذا ممكن أن يتذكر الإنسان بمثل هذه الآية؟. كذلك آيات أخرى كثيرة ، عندما تجد أيضاً الحديث عما وعد الله به المؤمنين في الجنة كذلك أقرأ ما وعد الله به المؤمنين في الجنة ثم أقرأ ما قاله عن المؤمنين أصحاب الجنة ،عما قاله عن المتقين أصحاب الجنة الذين وعدوا بالجنة ،عما قاله عن أوليائه حينئذٍ تذكر. يجب أن أتَنَبَّه إذا كنتُ أريد أن أكون ممن يحظى بذلك النعيم العظيم ، هذه الجنة فيها ما هو فوق الإدراك ، المشروبات الجيدة فيها ليست فقط معلبة أو مخبأ معك في (كَوّة) أوفي قارورة بل أنهار ، أنهار من عسل مصفى.

                  ـــــــــــــــــــ
                  البقية في الصفحة التالية

                  تعليق


                  • #10
                    البقية

                    البقية
                    ـــــــــــــــ
                    إذا كان للواحد منا قارورة عسل فإنه يخبأها ، ويأخذ منها قليلاً صباحاً ،ويعتبر نفسه أنه في حالة جيدة ، أما هناك أنهار من عسل ، أنهار من لبن لم يتغير طعمه ، مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ  (محمد: من الآية15) ووصفها بأوصاف عظيمة جداً ، هنا لا تقول بأن هذه غاية يمكن للواحد منا أن يمشي إليها مشياً فتبحث لك عن مشوار سيارة يوصلك الجنة . لا. بل أنظر ما قاله عن أهل الجنة ،عندما قال عن الجنة وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ  (آل عمران:133) الذي هو وصف واحد من أوصاف المتقين وكم وصفهم.  الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ(135) (آل عمران) وهناك يقول  إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة: من الآية111) لا تقرأ آيات الجنة وتقول والله نعيم عظيم ، هذا مكان راقي ، بل ارجع إلى نفسك وارجع إلى الآيات التي تصف أصحاب الجنة حينئذٍ إذا كنت تريد الجنة حاول أن تتحلى بتلك الصفات ،ثم تعلم من خلال الحديث عن الجنة وعن النار أن ليس معنى ذلك أن قضية الجنة هي قضية اختيارية لمن أراد أن يدخل الجنة ممكن يدخل الجنة ، لكن إذا ما أراد ممكن يجلس في الصحراء خارج هناك ، لا جنة ولا نار، لا. إما أن تكون من أصحاب الجنة أو أن تكون من أصحاب النار، هكذا قسّم الله الناس عندما تحدث عن المحشر  فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (هود: من الآية105) شقي وسعيد لا يوجد طرف آخر ، لا يوجد مكان آخر أو عودة إلى الدنيا من جديد، لا. إما جنة أو نار.
                    التذكر بآيات القرآن ممكن لأي إنسان قد أصبح يميز ويدرك ، أصبح يميز ويدرك يستطيع أن يتذكر وليكن تذكره على هذا النحو وهو يقرأ القرآن في سوره كلها من أوله إلى آخره ، فالله قد يسر القرآن على هذا النحو للذكر، وأنت حينئذٍ ستجد نفسك قريباً بعد أن تذكرت بمثل آية  قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً  وأمثالها فأنت ستعيش حالة من اليقظة ، حالة من الاهتمام ، تصبح أنت قريباً من الأعمال التي تعتبر وقاية لنفسك من النار ، تُدعَى إلى عمل صالح في مواجهة أعداء الله تكون أنت قريباً من هذا لأنك يَقِظ ، ولهذا وصف الله المتقين بحالة اليقظة عندما يحكي عنهم بأنهم ينفقون في السراء والضراء ويكظمون الغيظ ويعفون عن الناس ، إذاً يحملون اهتماماً بقضايا كبيرة ، هذه القضايا يعرف أنه لا بد من أجل خدمتها أن يكون هناك إنفاق فهو ينفق في السراء والضراء لا يبالي.
                    ارجع إلى واقعنا من جديد تجد أننا لا نعيش حالة التقوى ولا نعيش مشاعر المتقين ، تجدنا لم نستطع أن نصل في خدمة الإسلام إلى أن يكون كأبسط خصلة من الكماليات اليومية ، نحن نقول للناس: نحن بعد لم يصل اهتمامنا في مجال الإنفاق في سبيل الله إلى اهتمامنا بالخضرة (بالفجل) الذي نشتريه كل يوم ، لم يصل إلى درجة أن يهتم الواحد منا بالإسلام كحبة دخان بما يساوى حبة دخان ، فيبذل في يومه قيمة حبة دخان، لو يبذل آلاف من الناس ما يساوي حبة دخان في اليوم الواحد لاستطاعوا أن يعملوا أعمالاً عظيمة جداً للإسلام.
                    المتقون وصفهم هنا بأنهم ينفقون حتى في أصعب الحالات في السراء وفي الضراء ،فهل يمكن أن يكون أولئك الذين لا يعتبر الإسلام ولا مايساوي هامش من كماليات حياتهم غير الضرورية ، ليسوا متقين ، لا يمكن أن يكونوا متقين،تمر الإعمال التي تعتبر أبواباً من أبواب الخير لك تشكل وقاية لنفسك من جهنم لو انطلقت فيها، تمر ولا تبالي بها.
                    الإمام علي  قال: (إن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه) ، قد تمر مرحلة يمكن أن يكون لك أثر فيها ، أمامك سلاح معين يمكن أن تستخدمه فيها فيكون مؤثراً على عدوك، يكون فيه نصر لدينك ، يكون فيه وقاية من كثير من الشرور لأمتك ، ولأنك لا تحمل اهتماماً لا ترى لهذا الشيء قيمته ،لا يلتفت ذهنك إليه ، بل قد تعتبره لاشيء ، فتمر الأبواب التي تُفتح لخاصة أولياء الله تُفتح وتمر أنت من عند الباب فلا تلتفت ، لا تعرف أهو مفتوح أم مغلق. عندما قال الإمام علي  ( أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه). وهكذا قال القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (المائدة:54) ألم يجعله فضلاً ؟. تمر الأشياء التي تعتبر فضل عظيم ولا تعلم بها ، تمر الفرص المهمة التي يمكنك أثناءها أن تقدم خدمة لدينك ، وكل عمل لدينك هو وقاية لنفسك من جهنم ، فلا تعبأ به ، أي لو تذكرنا حول آية واحدة في القرآن الكريم هي هذه هي  قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً  لكانت كافية وكفيلة بأن تجعل كل إنسان يقظاً ، وتجعل كل إنسان يدرك أن هذه فرصة ، أن هذا عمل مهم ، أن هذا باب من أبواب الخير فُتح له ، أن هذا فضل عُرض عليه ، وبالتالي سيكون الناس قريبين جداً من أن ينطلقوا في أعمال تقي أنفسهم من جهنم ، لكن حتى الآية هذه في صريح عبارتها لا نهتم بها ،نقرؤها  قُوا أَنْفُسَكُمْ  لكن كأنه يحدث آخرين ، هنا شغّل ذهنك في الموضوع ، يجب أن تكون هناك وقاية ، هذا خطاب من الله يدل على أن وقاية الإنسان من جهنم ليست مسألة هي موكولة إلى الله ، مثلاً أنه يخلق ناس هكذا ثم قد يترك هذا يدخل الجنة ، ويصرفه عن جهنم ، يقول لك أنت أيها الإنسان وسيلة وقايتك من جهنم هي بيدك ، هي بيدك يقول للناس أن وقاية أنفسهم من النار هي بأيديهم.
                    ما معنى بأيديهم ؟ أي أن ينطلقوا وفق ما يهديهم الله إليه ،وفق ما يريد الله منهم ،ويدعوه ويرجوه ويعملوا في سبيله ويستغفروه ويتوبوا إليه ، فهو في الأخير من سيدخلهم الجنة ، لكن هم من صنعوا الوقاية لأنفسهم من النار بمجموعة أشياء انطلقوا فيها ،أعمال، وثقة بالله، ورجاء لله، وتوبة إلى الله .. هكذا. لا يعني ذلك أن المسألة مفصولة عن الله تماماً ، أن تكون وقايتي من جهنم معناه يقوم الإنسان فيحاول أن يخترع شيئاً من اللباس يقيه من حرارة النار .لا . وقايتك من جهنم هو أن تنطلق وفق ما يريد الله منك وعلى أساس ما هداك إليه ، فعندما يقول  قُوا أَنْفُسَكُمْ  أليس ذلك يعني بأن سبب وقاية أنفسكم من جهنم هي بأيديكم؟.
                    ثم يتحدث عن جهنم هذه ويجعل جهنم من جنس عذابٍ نحن نراه  نَاراً أليست النار معروفة لدينا ؟ لو كانت جهنم عذاباً من جنس آخر نحن لا نعرف ما هو ، ربما قد لا يكون له أثر في نفوسنا لأننا لا نعرف ما جنس هذا العذاب حتى نخافه ، الله جعل جهنم من جنس شيء نحن نراه في الدنيا ، النار هذه النار التي تصل درجة حرارتها إلى آلاف مؤلفة،آلاف من درجات الحرارة. الإنسان حتى وهوا يشاهد هذه النار يتذكر عندما يسمع الله يقول هناك  قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً  كلمة  نَاراً لا يتساءل الإنسان ما هي ناراً ، شيء لا ندري ما هو ، أنت تراها في بيتكم على طول ، بل ربطت حياة الإنسان في الدنيا بالنار ، تظل دائماً تذكره بجهنم ، يتذكر بما هو في بيتهم كل ساعة، نريد قهوة فلا بد من نار ، نريد أكل لا بد من نار ، نشتري حطباً ، نشتري غاز لا بد من تنور حطب أو غاز بالنار. فالنار توقد في بيتك دائماً ، وتوقد بجوار أي مطعم أنت قد تأكل فيه ، في أي مدينة من المدن.
                    إذاً فهذه النار عندما يقول  نَاراً هي معروفة لكنها تزداد وتفوق حرارتها بشكل كبير هذه النار وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ  ملائكة لا يمكن أن يرِقّ لك قلبه عندما تقول  يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ  (الزخرف: من الآية77) أو أُدعُ لنا ربك يخرجنا من هذه النار ، أو أي تضرع آخر، أبداً غلاظ شداد ، لا يستطيع أهل النار أن يشكلوا ثورة فيقتحموا أبواب جهنم فيخرجوا .. لا . أبواب مؤصدة ، أعمدة من وراء الأبواب ، لا يستطيعون أبداً ، كلما اقترب أهل جهنم من الأبواب يُقمعون بمقامع من حديد ، فلا أهل النار يستطيعون أن يشكلوا ثورة فيفتحوا هذا السجن كما يفعل الناس في الدنيا ، أحياناً بعض السجون قد يجتمع السجناء فيقتحموا السجن ويقتلوا الحراس أو يفكوا الأبواب ويخرجوا ، أما جهنم فلا ، ليس هناك إمكانية للخروج منها ، وليس هناك عليهم رقابة ممن يمكن أن يعطيهم واحد رشوة أو أي شيء ويخرجوه منها ،  غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .
                    يتذكر الإنسان دائماً بالقرآن ، ويكون همه أن يتذكر عندما تقدمه للناس قدمه على هذا النحو ، تذكرهم به ، وليس بأسلوب المفسر ، تنطلق وكأنك مفسر للقرآن ، قد تخطئ ،أو أن تغوص في أعماق القرآن قد تخطئ ، يكفيك ظاهر القرآن أن تتذكر به وأن تذكر الآخرين به ، أن تدَّبره وأن تدعو الآخرين لكي يَدَّبروه ، هو شيء واسع جداً.
                    هذا ما أريد أن أقوله فيما يتعلق بالتعامل مع القرآن ، نحن لا نريد أن يكون مبتذلاً ، فكل واحد ينطلق ويرى أنه يستطيع أن يفسر ،ويستطيع أن يحلل ،ويستطيع أن يغوص في أعماق هذه الآية أو تلك ،أو يستوحي من هذه الآية أو تلك ، انطلق مع ظاهر القرآن الذي هو ميسر  وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ  (القمر: من الآية17).
                    حتى قضية استنباط أحكام شرعية لا تكون هي القضية التي تشغل بالك ، إنه كيف بالنسبة للوضوء بالنسبة للصلاة فهي جاءت في آيات مقتضبة مختصرة  إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ  (المائدة: من الآية6) لكن في المجالات الأخرى المهمة يتكرر الحديث حولها في القرآن كثيراً ، يتحدث كثيراً جداً ويعرض القصص والأمثال وتتعدد في القرآن. كذلك المواريث جاء بها في آيات محصورة بينة.
                    البعض قد يقول: إذا انطلقنا إلى القرآن فمعني ذلك أن كل واحد من عنده يستنبط أحكام ويخرج قضايا و ..و. أقول: لا نحن نريد أن ندعو أنفسنا ، وندعو الناس إلى أنه يجب أن نتعامل مع القرآن وفق ما دعانا الله إليه في القرآن عندما قال  وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (القمر:17)  كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (صّ:29) وأن القرآن يعطي الكثير الكثير في هذا المجال ، هذا الذي نريد. لا نريد أن تكون مثل الوهابيين عندما قدموا السُّنة مبتَذَلة ، فكانوا محط انتقاد للآخرين ، كما نقدهم الغزالي في كتاب (السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث) يجمع كتب الحديث وفي نظره أن السنة كلها بين يديه ، ويبدأ من طرف يأخذ الحديث ولا يدري أنه قد يمكن أن يكون هذا الحديث ضعيفاً، قد يكون هذا الحديث باطلاً ، قد يكون هذا الحديث مخصوصاً ، قد يكون كذا .. إلى آخره .
                    في مقام التذكر أنت لن تصل إلى الآيات التي تسمى مخصوصة أو منسوخة و أشياء من هذه ، بل هو ميدان واسع جداً. عندما ندعو الناس إلى القرآن فيقولون هناك آيات ناسخة ومنسوخة ، النسخ في القرآن قليل جداً ، وأكثر النسخ الذي قُدِّم هو نسخ من قِبَل مجتهدين ضربوا آيات قرآنية مهمة تحت عنوان النسخ ، نحن في مقام التذكر الآيات الكثيرة القضايا الكثيرة هي مما ليست مورداً للنسخ ولا علاقة للنسخ بها. التدبر كذلك التدبر والتذكر معناه متقارب ، فلا نغلط كما غلط الوهابيون ، فتنطلق أنت من فوق القرآن ، وتريد أن تتعامل معه كما تعامل أولئك مع الحديث فيقولون (شيخ الإسلام) ولم يدرس إلا أربعين يوماً. (شيخ الإسلام أبو الحسن) ، (شيخ الإسلام أبو محمد أبو معاذ) ، وينطلق شيخ ويسرد على الناس أحاديث في المحاريب وهكذا.
                    نتلو القرآن ، نعلق تعليقاً بسيطاً بحيث نهيئ ذهنية الناس إلى الآيات التي نقرؤها حتى تكون أذهانهم مؤهلة لأن يتذكروا بما يُقدم إليهم من القرآن.
                    القرآن يمتاز بأسلوب لا يستطيع أحد أن يجعل منطقه مغنياً عنه ، أن يجعل الناس يستغنون بمنطقه عن القرآن ، لا يمكن إطلاقاً مهما بلغ الإنسان في قدرته البيانية في قدرته على فهم القرآن ، لا تزال الأمة بحاجة إلى أن تسمع القرآن ؛ لأن القرآن نفسه هو خطاب من نوع خاص ،في الوقت الذي يخاطب الإنسان صريحاً هو خطاب لوجدان الإنسان ، لمشاعره الداخلية بشكل لا يستطيع أحد أن يصل تعبيره إلى خطاب ذلك الوجدان كما يخاطبه النص القرآني ، فلا يمكن لشخص أن يجعل منطقه فوق منطق القرآن إطلاقاً ، أو أن يدعي فيقول للناس ادرسوا القرآن الكريم دراسة سطحية ونحن سنعطيكم. نحن بحاجة جميعاً إلى أن نسمع النص القرآني الذي يخاطب وجدان كل شخص فينا ، فالخاصة لا يمكن أن يعطوا العامة ما يمكن أن يعطيهم الخطاب القرآني ، وقد يفهمُ الخاصة مالا يصل ولا يرتقي إليه فهم العامة من خلال القرآن ، وكل ما يقدمه الخاصة حول القرآن هو ينعكس بأن يرتقي بمستوى ذهن العامة إلى فهم القرآن أيضاً أكثر ، فالقرآن لا غنى للناس عنه.
                    فليس صحيحاً عندما يأتي أحد ليرهب علينا .. القرآن لا تقربه ،لا تتناوله أولاً ابدأ أقرأ أصول الفقه ، أبدأ اقرأ كذا وكذا. القرآن هو عربي قُرْآناً عَرَبِيّاً  (الزمر: من الآية28)  بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (الشعراء:195) نزل بلغتنا ونحن لا نزال عرباً، لا تزال أساليب الخطاب العربي أكثرها ما تزال قائمة ، وإن اختلفت المفردات ، التعبير بالمفردات لا تزال مشاعر وأجواء الخطاب قائمة بين الناس ، بل ربما عند غير العرب ، الإنسان كإنسان له أسلوب في تخاطبه مع أبناء جنسه ، قد يكون متقارباً ، قد يكون شبه واحد في مختلف اللغات وإن اختلفت المفردات.
                    فنحن سنهتم باللغة العربية ، نهتم باللغة العربية ، وعندما نهتم باللغة العربية نتعرف على أصل اللغة نفسها، نتعرف على أساليب العرب بشكل أكبر ، نتعرف تَذَوق العرب للكلام، ما هو الكلام الذي كانوا يعتبرونه راقياً ، حتى نعرف لغة القرآن ، وعندما نعرف لغة القرآن ستكون معرفتنا للقرآن أكثر واستفادتنا منه أكبر.
                    ليس صحيحاً بأنه متوقف على فنون أخرى كأصول الفقه. أصول الفقه هو فنٌ يضرب القرآن ضربة قاضية ، يضرب القرآن ضربة شديدة، يضرب فطرتك، يضرب توجهك نحو القرآن ، يضع مقاييس غير صحيحة تدخل إلى القرآن والقرآن بشكل آخر ؛ولهذا نجد أنفسنا كيف أن القرآن لم يعمل عمله فينا، لم يستطع القرآن لأننا وضعنا عوائق أمام فهمنا لـه ، أمام اهتدائنا به ، أشياء كثيرة حالت بيننا وبين أن نفهمه ، وبالتالي قتلناه ، وأصبحنا أمة ميتة ، أصبحنا أمة ميتة ، أسأنا إلى أنفسنا ، وأسأنا إلى القرآن الذي هو أعظم نعمة من الله علينا.
                    أذكر الإمام الخميني لـه كلمة قال : ( إن الإنسان لو يجلس طول عمره ساجداً لله شكراً على هذا القرآن لما وفى بحق شكر الله على هذه النعمة العظيمة).
                    [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
                    هذا شرف عظيم جداً لنا ، أن يكون توجهنا قرآنياً ،ومهم جداً في هذه المرحلة بالذات لأن أعداء الله يتوجهون أساساً إلى ضرب القرآن في نفوس الناس ، إلى إقصاء الناس عن القرآن ، إلى تغييب القرآن مهما أمكن ، إلى خلق ثقافات تشكك حتى في القرآن الكريم ، حرب شديدة ضد القرآن الكريم ، لكنهم لا يستطيعون أن يمسوا نص القرآن بسوء، سيمسونا نحن بالسوء ، سيفصلوننا عنه ، سيبعدوننا عنه ، سيشغلون أذهاننا بأشياء تصرفنا عنه، وبالتالي يصبح القرآن بمعزل عن حياتنا ، عن التفاتاتنا أمام أي إشكالية نعاني منها.
                    وفي الأخير فعلاً القرآن قد يتعرض إلى التغييب ، التغييب لاحظوا حتى في المدارس ، ألم يُشتت القرآن بشكل غير طبيعي ، شُتِّتَ القرآن سنين بعد سنين حتى تنتهي من معرفة القرآن وحفظ القرآن الكريم ، بينما كنا سابقاً كان في سنة أو سنتين يستطيع الناس أن ينتهوا من تعلم القرآن الكريم ، قد يغيبون القرآن كما غيبوه في الاتحاد السوفيتي سابقاً ، قد يشغلوا الناس بأشياء كثيرة ، أفلام خليعة ، ثقافات خليعة ، رموز خليعين ، رموز فن ورياضة وغيرها ، وبالتالي يكون واقع الناس أسوأ بكثير كلما ابتعدوا عن القرآن ، هذا هو الواقع الذي نتصوره سيئ جداً ، ربما بقي هناك احتمالات لأشياء أكثر.
                    وكلما كان واقع الناس أسوأ في الدنيا سيكون أيضاً واقعهم أسوأ في الآخرة ، لأن معنى السوء هنا ناتج عن ماذا؟ ناتج عن تقصيرنا ، وكلما قصر الناس في مرحلة تضاعفت المسئوليات عليهم من جهة ، لأنه كلما انتشر الفساد كلما أقترن معه بحكم الخطاب القرآني للناس مسئوليات ، منكر واحد أنت لم تنهَ عنه.جاء منكر آخر، تفرع عنه منكرات ، ألم يتكرر عليك الواجب مع كل منكر؟. تتعاظم عليك المسئولية مع كل فساد ينتشر فيكون كلما انتشر الفساد كلما تعاظمت المسئولية علينا ، وكلما رأينا السوء في حياتنا ، وكلما رأينا أنفسنا لا نستطيع أن نؤدي شيئاً. في الأخير إما أن نرى المهام الصعبة صعبة جداً فلا يصل إليها إلا البعض ، قد لا يؤديها إلا البعض ، قد لا يرتقي إلى أدائها إلا البعض ، وتكون معظم الأمة هالكة ،يهلك الناس في الدنيا ويقدمون على الله هالكين يوم القيامة ، يهلكون بدخول جهنم ، نعوذ بالله من دخول جهنم.
                    فالقرآن الكريم هو في هذه المرحلة معرض لحرب شديدة ، ونحن معرضون لثقافات متعددة ، عندما تنـزل (ملزمة من وزارة الأوقاف) تثقف الناس حول طاعة ولي الأمر ، تجمع كل تلك الأحاديث التي لا يقبلها حتى ولا الأمريكيون ، لا يقبلها حتى ولا الأوربيون ، بوجوب طاعة الحاكم وإن كان ظالماً ، وإن كان غشوماً ، وإن كان لا يهتدي بهدي ولا يستن بسنة ، وإن أخذ أموال الناس ، وإن أستبد بخيرات البلاد له ولأسرته ، يجب أن تسمع وتطيع وتصبر وتسأل الله مالك وأَدِّ ما عليك ، أدّ زكاتك ، وأدّ ضريبتك ،وعندما تقول نريد كذا ؟. لا. إسأل الله، ولا تعترض ،ولا تنقد إلا إذا تمكنت أن تأخذ بيد الحاكم وتحادثه وتشاوره سراً ، أما أن تنقد أما أن تعترض ، أما أن تهاجمه. فلا ، هذا يعتبر تشهيراً بالسلطان ، بمن هو ظل الله في أرضه وهكذا.
                    ملزمة تنـزل وتعمم ، ويُراد منها أن يتثقف بها الخطباء والمرشدون ؛ ليخاطبوا المجتمع بها ، هذا شيء مما يُعد حرباً للقرآن نفسه ، وتمهيداً لأن يسيطر علينا عملاء أمريكا ، وتمهيداً لأن يحكمنا حتى اليهود أنفسهم.
                    من العجيب أن هذه الملزمة نفسها في آخرها لم يكتفِ بمسألة أن تسمع وتطيع للحاكم الظالم ، بل وحتى وإن كان هناك كفراً وهيمنة كفر ، أنت يمكن أن تعيش في ظله ، عندما ترى نفسك ،عندما يرى الناس أنفسهم أنهم لا يستطيعون أن يزيلوا هذا الكفر، إذاً فليعيشوا وبس ، فيكذبون على الناس كذبه رهيبة جداً ، وقد يُخدَع الناس بشكل كبير عندما لا يفهمون.
                    قالوا (رسول الله عاش في ظل الكفر ثلاثة عشر سنة في مكة). أليست هذه من تقديم حياة الرسول الجهادية ، حياة وهو يصدع بما يؤمر ، حياة وهو يباين أقاربه ،ويباين قومه ، حياة وهو يُعذَّب أصحابُه ، وهو يلصق به أسوأ التهم ، تارة يقولون شاعر ،وتارة يقولون مفتري ،كذاب ،ساحر ، ويقولون عن القرآن الذي جاء به أساطير الأولين ، وهو يتصارع مع أولئك تفسر في الأخير أنها ماذا ؟ أنها عيش في ظل نظام الكفر ، فكما عاش ثلاثة عشر عاماً ـ وهو النبي ـ إذاً ممكن كلنا نعيش في ظل الكفر. ماذا يعني هذا ؟.
                    هذا يعني خطوة أولى تمهيداً لهيمنة اليهود علينا ، فيكون لدى الناس قابلية لهيمنة اليهود ؛لأنه الآن هناك نظرة قائمة إكبار لأمريكا وإسرائيل ، حينها أي واحد سيقول: نحن لا نستطيع أن نعمل شيئاً. أما إذا قد قُدِّمت على هذا النحو إذاً فبالإمكان أن تعيش ولا مسئولية عليك في ظلهم ، أما إذا قالوا لك رسول الله هو كان هكذا ، إذاً فالجنة مفتحة لك أبوابها، وإن كان الشر هو الذي يحكمك.
                    هذا شيء سيئ جداً ، وسيئ جداً أن ينـزل من إدارة هي معنية بالوعظ والإرشاد في عموم الجمهورية كلها ، وأن تنـزل نزولاً ليس تلقائياً إلى المكتبات ، بل نزولاً في دورات تأهيلية تدريبية لمرشدين وخطباء لينطلقوا ليثقفوا الناس هم بهذه الثقافة ، أليس هذا إبعاد للناس عن روح القرآن ؟ الذي يأمر الناس بمواجهة أعداء الله ، بمواجهة الكافرين، الظالمين، الفاسقين، أهل الكتاب، أن يكونوا عمليين مجاهدين قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة:29) يعطونها وهم معترفين بأن أيديكم فوق أيديهم ، يعترفون بصغارهم تحت هيمنتكم ،  حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
                    عندما تخرج من قراءة تلك الملزمة ، وعادةً القارئ يكون أقرب شيء ملاصقة لذهنه آخر ما يخرج به من كتاب معين من ملزمة معينة ، فكان آخر ما تخرج به من تلك الملزمة هو ماذا ؟ كلام (للفوزان وللألباني) الذي كان عالم السنة قبل فترة ، وعالم معتمد في تصحيح الأحاديث وتضعيفها ـ عندهم ـ أنه قال هو بالحرف الواحد (أنه لا يجوز الخروج على الكافر المقطوع بكفره إطلاقاً) ـ بالعبارة هذه ـ عندما يكون الناس في وضعية يرون أنفسهم أنهم لا يستطيعون أن يزيلوا الكفر،،
                    نعم.. كان ممكن أن تترك الكلام إلى هذه الدرجة ، أما أن تقول فقد عاش رسول الله في ظل هيمنة الكفر ونظام الكفر ثلاثة عشر عاماً ، هذا مسخ للحقيقة ، وهذا إساءة للرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، القرآن يتحدث عن معاناة رسول الله وهو في مكة ، عما كان يعاني من صراع مع الكافرين ، وهو مباين للكافرين ، كيف يقال بأنه عاش في ظل نظام الكفر وهو يدعوهم بالحرف الواحد إلى أن يطيعوه؟!. هو رسول الله إذاً يجب عليهم أن يطيعوه ،يجب أن يتخلوا عما هم عليه ، لدرجة أنه لم يقبل منهم أن يكون مجرد حاكم عليهم على ما هم عليه. ألم يعرضوا عليه أن يحكمهم إذا أراد أن يكون ملكاً ؟. المسألة أرقى من أن يكون ملكاً ، فكيف يقول هذا بأنه عاش في ظل هيمنتهم ، وهم قد بلغ بهم الحال ، وأوصلهم هو إلى درجة أن يعرضوا عليه أن يكون ملكاً عليهم؟!. المسألة أرقى من هذه ، هي أن يطيعوه نبياً يأتمروا بأمره ، يهتدون بهديه ، يتخلوا عما هم عليه. أليس هذا قمّة الصراع.
                    مسألة أنه لم يدخل معهم في قتال ميداني لأنه لم يتوفر له جنود ، لم يتوفر له أنصار ، وإلا فكان يفكر وكان يعرض نفسه على القبائل من الذي سينصره ، ما معني (سينصره) ؟ أن يقف في وجه الكافرين فيضربهم فعلاً ، ثم يقال عنه في الأخير: كان يعيش في ظل هيمنة الكفر. وهي عبارة ستخدع الناس لأن كثيراً من الناس لا يعرفون سيرة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
                    عاش في مكة ثلاثة عشر سنة لأنه كان رسولاً إلى الكفار في مكة ، كل نبي يبعث في وسطٍ كافر ، هل يمكن أن نقول : إذاً فالكفر هو قضية يمكن العيش في ظلها لأن كل الأنبياء كانوا يبعثون في ظل وسط كافر ، وفي مجتمع كافر؟. ماذا كان يعمل النبي ؟. ألم يكن النبي عبارة عن ثورة على هذا المجتمع ؟ عبارة عن خروج على واقع هذا المجتمع؟.يصرِّح ،يصدع بما يؤمر ،يجاهد ،يتحداهم  فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم كيدوني فلا تنظرون هذا منطق الأنبياء. ثم يقال في الأخير هذا يعتبر مبرر شرعي لأي إنسان مسلم يعيش في ظل الكفر!!.
                    هيمنة أمريكية الناس مقبلون عليها لليهود ، هذا من التمهيد لها سواء شعر الذين كتبوها ووزعوها أو لم يشعروا ، لأنه في الأخير ماذا؟، إذا كنت أنا وأنت أو أي إنسان سمع هذا الخطيب الذي قرأ هذه الملزمة وتأثر بها، أنه يمكن أن يعيش في ظل الكفر.
                    معلوم أن اليهود والنصارى درجة ثانية عند أهل السنة هم لا يصنِّفونهم كمشركين كما نصنِّفُهم ، يعتبرون أنهم فوق الكافرين ، لا زالوا أحسن من الكفار ، ويعتبر اليهود والنصارى عند كثير من المسلمين لا يزالوا أحسن من الكفار ، أهل الكتاب وضعية أحسن ، فإذا كان قد جَوَّزَتْ وسوَّغَتْ لي تلك الملزمة أن أعيش في ظل الكفر الصريح فبالأولى في ظل اليهودي فسيحكمنا اليهودي ونحن لا نشعر بحرج، أقول: لماذا يحكمنا؟. قالوا: نحن لا نستطيع أن نعمل ضده شيئاً. هذا ما قلناه سابقاً أنه لا يجوز ولا يجوز بحال أن نتعامل مع القرآن من منطلق مشاعرنا وتقييمنا نحن للوضع بالشكل المغلوط ، فينعكس ضعفنا على القرآن ؛ لأنه هكذا صنعت هذه النفسية بالشخص الذي قدم لنا مثل تلك الملزمة ، ضعيف قدم للناس ما يبرر حالة الضعف ، فما يبرر حالة الضعف هو يعطي ماذا؟ يعطي تمهيداً للكفر ،للشرك ،للفساد ،لليهودية ،للنصرانية أن تهيمن ؛ ولهذا قلنا أنه يجب أن نتعامل مع القرآن بروحية عالية ، نتعامل معه وفق منطقه ، نتركه هو يعلمنا ويزكينا، لا أن نأتي إليه فنُميته ونُجمِّد آياته ونقدمه للآخرين ميتاً ، هكذا سيكون الإنسان الذي يحمل علماً ،في الأخير كل ضعفه كل تقديراته ، كل ثقافته المغلوطة ، في الأخير يخدم ماذا ؟ يخدم أعداء الله.
                    أليس من يثقف الناس بهذه الثقافة سيصنع لديهم ذهنيةً تجعلهم قابلين لهيمنة اليهود ، لأن كل واحد من الناس يقول: نحن والله ما نستطيع أن نعمل شيئاً ، ليس لدينا قنابل ذرية. فكل شخص يكتفي بأنه ينظر فيقارن بينه وبين أمريكا وإسرائيل ، أمريكا تمتلك قنابل نووية ، نحن لا نمتلك هذه ، إذاً فلنعيش في ظلهم ، وليس علينا أي حرج أمام الله.
                    ستكون القنبلة الذرية هي نفسها أقوى من القرآن الكريم ، تمنحك شرعية أن تعيش في ظل الكفر ولا تنفع القنابل القرآنية ، ولا تنفع الآيات القرآنية أن تشدك إلى العمل في مواجهة الكفر.
                    لاحظوا كيف تُقدم المسألة في الأخير ، فيكون اهتمام هؤلاء بالثقافة التي تهيئ المجتمع الإسلامي -من حيث يشعر أولئك أو لا يشعرون - لقابلية هيمنة اليهود ، وهي المرحلة في الواقع التي يفترض القرآن أن يكون عملَ العالِم ، عمل المرشد الخطيب كل إنسان مسلم أن يحرك الآخرين ويدعو الآخرين ويوعيهم توعية جهادية ، تربية جهادية ، لأن يحملوا مشاعر التصدي لأولئك فيكونوا مستعدين أن يقفوا في وجوههم ، هذه هي المرحلة التي يجب أن تكون الثقافة فيها والتوعية فيها على هذا النحو.
                    لسنا بحاجة إلى ثقافة تضفي شرعية على أن نتقبل الكفر ونتقبل هيمنة الكافرين ، يجب أن نحذر من مثل هذا المنطق ، وأن نعرف أنه إذا لم نثقف أنفسنا بثقافة القرآن فسنكون ضحية للآخرين ، ضحية لثقافات أخرى.
                    هذه الملزمة لم يستطع أن يأتي فيها من القرآن إلا بآية واحدة في أولها  أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  (النساء: من الآية59) التي دائماً يقلبونها مع كل زعيم ، وكل شعب علماؤه مرشدوه يسخرونهم لزعيمهم ، ففي اليمن لعلي عبد الله وفي مصر لحسني مبارك ، وفي السعودية لفهد ، وفي الأردن للملك عبد الله، و هكذا تلاعبوا بهذه الآية.
                    ونسوا نسوا قضية أنه حتى لو فرضنا أن الآية هذه على ما زعموا فأين هم أولئك الحكام الذين يصح أن يقال عنهم (منكم)؟  وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  وجدنا هؤلاء أولي الأمر لم يعودوا منا ، أصبحوا أكثر انسجاماً مع أمريكا ، مع سياسة أمريكا ، معظمهم على هذا النحو ،يرى شعبه يتظاهر يطالب بأن تُقاطع أمريكا وإسرائيل ، يطالب حكومته بأن تقاطع مقاطعة سياسية ، بأن تقاطع مقاطعة اقتصادية ، بأن يوقفوا تصدير البترول ، بأن يفتحوا أبواب الجهاد ، بأن يعملوا كل شيء. أليست الأمة هي تنادي بهذا؟. وأولئك ما هو موقفهم؟. موقفهم بالشكل الذي تريده أمريكا ، فهل أصبح صادقاً عليهم مسألة (منكم)؟. لو كانوا منا لكانوا مستجيبين لما نطلب.
                    وإذا كانوا يقولون: هم خائفون علينا. فنحن نقول نحن الشعب ، نحن نطالب بالجهاد لأولئك ، نحن من نستطيع أن نتحمل أي وضعية اقتصادية. عندما نقول قاطعوا.ـ وكانت المظاهرات هكذا تطالب الحكومات بأن تقاطع اقتصادياً ـ وليكن ما كان سنتحمل ، باستطاعة أي زعيم أن يقول: لا بأس أنا مستعد ما دمتم مستعدون أن تتحملوا المضاعفات والآثار للمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية ، وقطع تصدير النفط وغيره ، وأنتم مستعدون أن تجاهدوا مهما كان الأمر ، ومهما كانت إمكانياتكم ضعيفة لا بأس. لو أنزلوا مسألة مواجهة إسرائيل في استفتاء شعبي ، كيف سيكون الناس ، سيصوتون تقريباً بنسبة 0 9 % لمواجهة أمريكا وإسرائيل.
                    فنحن نقول لمن يستخدموا آية  أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  أين هم الزعماء الذين تصدق عليهم كلمة (منكم)؟. ونحن نراهم أقرب إلى أمريكا منا ، وأقرب إلى سياسة أمريكا منا ، وأقرب إلى طاعة أمريكا من الاستجابة لشعوبهم ، لم يعد وقت الآية بكلها ، كان يمكن أن تقرأ هذه الآية في أيام الخلفاء الأمويين والعباسيين ، لأنه مازال (منكم ) ، مازال حاكم عربي ، مازالت تعتبر قراراته من داخل ، لا يوجد دولة أخرى تفرض عليه إملاءات ، ومع هذا كان الناس يقولون: لا . هؤلاء هم ليسوا من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ، أما هذا فإنه يأمرنا بطاعة شخص هو مغلوب على أمره ، هو لم يعد يستطيع ولا يتمكن أن يحقق أنه لا زال من الأمة ، بل بعضهم ثقافته ، نمط حياته في بيته غربية ، بيته ،شكله ،نمط حياته ،ثقافته ، الأشياء التي يتابعها كلها تجعله شخصاً غربياً ، لم يعد يصدق على الكثير منهم معنى  مِنْكُمْ  حتى لو كانت الآية على ما يريدون فما بقي ( منكم ) ؟ بقي لأمريكا تريد أن تعين ولاة فهم منها وليسوا منا.
                    [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
                    أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لأن نفهم كتابه ، ونهتدي بكتابه ، وأن يتقبل منا ، إنه على كل شيء قدير ، وأن يعينكم على طلب العلم ، وأن يرزقكم الفهم والحفظ والإخلاص ؛ إنه على كل شيء قدير.
                    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

                    ـــــــــــــــــ
                    انتهى كلامة من المحاضرة الرابعة

                    تعليق


                    • #11
                      المحاضرة الخامسة



                      دروس من هدي القرآن الكريم




                      حديث الولاية




                      ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
                      بتاريخ :
                      18/ذي الحجة/1423
                      اليمن ـ صعدة






                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      { الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله }
                      والصلاة والسلام على رسول الله محمد, والصلاة والسلام على من نجتمع في هذا اليوم بمناسبة إحياء ذكرى إعلان ولايته على الأمة كلها, الإمام أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه, وصلى الله وسلم على أهل بيت رسول الله الذين نهجوا نهجه وساروا بسيرته فأصبحوا هداة للأمة, ورضي الله عن شيعتهم الأخيار الذين آمنوا بمحبتهم ومودتهم وولايتهم واقتفوا آثارهم واهتدوا يهديهم من الأولين والآخرين.
                      أيها الأخوة الكرام نرجوا من الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا إحياءنا لهذه الذكرى العظيمة, نحن اليوم في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة بعد ألف وأربع مائة وثلاثة وعشرين عاماً من هجرة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم), وبعد نحو ألف وأربع مائة وثلاثة عشر عاماً من عام الغدير من السنة العاشرة التي أعلن فيها رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ولاية أمير المؤمنين في يوم الغدير, إنها لذكرى عظيمة.
                      وإن من المفارقات العجيبة أن تأتي هذه الذكرى والأمة الإسلامية والعرب بالذات مقبلون على فرض ولاية أمر من نوع آخر, ولاية أمر يهودية, ولاية أمر صهيونية, كي تعلم الأمة كم كانت خسارتها يوم أن رفضت إعلان ولاية أزكى وأطهر وأكمل شخص بعد نبيها في مثل هذا اليوم, فها هي اليوم تقف باهتة, تقف عاجزة تنتظر بدلا ً عن علي (عليه السلام) (شارون), تنتظر بدلا عن محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ليعلن تنتظر (بوش) ليعلن هو من سيلي أمر هذه الأمة, إنها لمأساة حقيقية أيها الأخوة.
                      ونحن عندما نحيي هذه الذكرى, عندما نحيي ذكرى إعلان ولاية الإمام علي ( عليه السلام) فإننا نعلن أن الدين- حسب مفهومنا ووفق رؤيتنا وعقيدتنا –أنه دين ودولة, أن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لم يغادر هذه الحياة إلا بعد أن أعلن للأمة من الذي سيخلفه –وهذا هو موضوع هذا اليوم- ففي مثل هذا اليوم من السنة العاشرة وبعد عودة الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) من حجة الوداع مع عشرات الآلاف من جموع المسلمين وقف في وادي ( خُم ) – منطقة بين مكة والمدينة- بعد أن نزل عليه قول الله سبحانه وتعالى (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)) بعد نزول هذه الآية, وفي وقت الظهيرة, في وقت حرارة الشمس, وحرارة الرمضاء أعلن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لمن تقدم أن يعودوا وانتظر في ذلك المكان حتى تكامل الجمع, وبعد ذلك رُصّت له أقتاب الإبل ليصعد عالياً فوقها لتراه تلك الأمة- إن كان ينفعها ذلك- لتراه لتشاهده وهي تعرفه بشخصه, لترى علياً ويد رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) رافعة ليده وهي تعرف شخص علي, فمن فوق تلك الأقتاب يعلن موضوعاً هاماً, يعلن قضية هامة هي قضية ولاية أمر هذه الأمة من بعده (صلى الله عليه وعلى آله وسلم), عندما صعد وبعد أن رفع يد علي ( عليه السلام ) خطب خطبة عظيمة قال فيها- وهو الحديث الذي نريد أن نتحدث عنه اليوم باعتباره موضوع هذا اليوم, والحدث الهام في مثل هذا اليوم, وباعتباره أيضاً فضيلة عظيمة من فضائل الإمام علي (عليه السلام) – خطب رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) إلى أن وصل إلى الموضوع المقصود فقال : (( يا أيها الناس إن الله مولاي, وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه, اللهم والِ من والاه, وعادِ من عاداه, وانصر من نصره, واخذل من خذله)). تسلسل هذا الحديث ينسجم انسجاماً كاملاً, الترتيبات التي أعلن فيها الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هذا الأمر تنسجم انسجاما كاملاً مع لهجة تلك الآية الساخنة ((يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)), موضوع هام بالغ الأهمية, قضية خطيرة بالغة الخطورة, ورسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يعرف ويقدر كل موضوع حق قدره, ويعطي كل قضية أهميتها اللائقة بها.
                      يخاطب الناس (( يا أيها الناس إن الله مولاي )) وهذه هي سنة الأنبياء – وخاصة مع تلك الأمم التي لا تسمع ولا تعي فقد قال نبي من أنبياء الله من بني إسرائيل عندما سأله قومه أن يبعث لهم مَلِكاً يقاتلون معه وتحت رايته في سبيل الله, ماذا قال؟. (( إن الله قد بعث لكم طالوت مَلِكاً )) وهاهنا بنفس الأداء (( إن الله مولاي ))تساوي (( إن الله قد بعث لكم طالوت مَلِكاً )) ليقول للأمة: إني وأنا أبلغ عندما أقول لكم (( فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه )) إنما أبلغ عن الله, ذلك أمر الله, ذلك قضاء الله, ذلك اختيار الله, ذلك فرض الله,وذلك إكمال الله لدينه, وذلك أيضاً مظهرٌ من مظاهر رحمة الله بعباده.
                      (( إن الله مولاي, وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم )) – تابعوا معي تسلسل هذا الحديث وهو ما نريد أن نتحدث عنه بالتفصيل – (( وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم )) هكذا من عند الله إلى عند رسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم), ولاية ممتدة, ولاية متدرِّجة لا ينفصل بعضها عن بعض. ثم يقول (( فمن كنت مولاه )), أليس كل مؤمن فينا يعتقد ويؤمن بأن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هو مولاه – إن كل مسلم وليس فقط الشيعة- كل مسلم يعتقد ويؤمن بأن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هو مولاه, إذاً (( فمن كنت مولاه )) أي مسلم, أي أمة, أي شخص, أي حزب, أي طائفة, أي فئةمن أي جنس من هؤلاء من هذه البشرية كلها يدين بولايتي, يدين أني أنا مولى المؤمنين (( فهذا علي مولاه )).
                      وما أعظم كلمة ( هذا ) في هذا المقام, و( هذا ) هذه الإشارة الهامة هي التي يسعى الصهاينة اليوم إلى أن يمتلكوها بعد أن ضيعناها نحن, بعد أن ضيعت هذه الأمة عقيدتها في مَن هو الذي يملك أن يقول لها ( هذا أو هذا ) جاءها اليهود ليقولوا لها ( هذا ), أو ليس الجميع الآن ينتظرون من ستقول أمريكا له ليحكم العراق: ( هذا هو حاكم العراق؟) أو لم يقولوا قبل: ( هذا هو حاكم أفغانستان؟) وسيقولون من بعد: ( هذا هو حاكم اليمن ) و (هذا هو حاكم الحجاز ) و ( هذا هو حاكم مصر ) و ( هو حاكم سوريا ), وهَلُمَّ جرَّا, للأسف الشديد أيها الأخوة أضاعت هذه الأمة عقيدتها في من هو الذي يملك أن يقول لها ( هذا ), ورسول الله بعد أن فهَّمها: ( أن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ), ثم يقول (( فمن كنت مولاه فهذا )) هذه الإشارة هي إشارة تمتد إلى الله سبحانه وتعالى أنه هو ورسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يقول لنا: إن من يملك أن يقول لهذه الأمة لعباده ( هذا ولي أمركم ) إنه الله سبحانه وتعالى, لكنا تنكرنا من بعد لتلك الإشارة العظيمة, وتنكرنا من بعد لمن له الأولوية في إطلاق التعيين بتلك الإشارة العظيمة, وتنكرنا من بعد لمن له الحق في أن يملك توجيه تلك الإشارة العظيمة فكان ممن سمع رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في ذلك الحفل, في ذلك الجمع الكبير كانوا هم أول من قالوا: لا, وإنما هذا.
                      ونحن اليوم نفاجأ ويفاجأ حتى ولاة الأمر في كل هذه البلاد الإسلامية على طولها وعرضها الآن يفاجئون من ( واشنطن وتل أبيب ) بنفس المنطق الذي فاجئوا به رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): ( لا, ليس صدام وإنما هذا ), ( لا, ليس علي عبد الله وإنما هذا ), (لا, ليس فهد أو عبد الله وإنما هذا ) وهكذا سيتعاملون مع هذه الأمة كما تعاملت هذه الأمة مع نبيها.
                      للأسف الشديد بعد ذلك العمل العظيم, بعد تلك الترتيبات التي كشف بها الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أهمية ولاية أمر الأمة, يأتي من يقول: لالا وإنما هذا, لماذا هذا؟. ما هي سابقته؟.
                      إن من انصرفوا عمن وجَّه الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) الإشارة إليه لتعيينه بعد رفع يده وبعد صعوده معه فوق أقتاب الإبل إنهم للأسف الشديد لا يعرفون ماذا وراء ( هذا ), إن كلمة ( هذا ) تعني هذا هو اللائق بهذه الأمة التي يُراد لها أن تكون أمة عظيمة, هذا هو الرجل الذي يليق أن يكون قائداً وإماماً وهادياً ومعلماً ومرشداً وزعيماً, لأمة يراد لها أن تتحمل مسؤولية عظيمة, يُنُاطُ بها مهام جَسِيمَة,هذا هو الرجل الذي يليق بهذه الأمة, ويليق بإلهها أن تكون ولايته امتدادا لولاية إلهها العظيم, هذا هو الرجل الذي يليق بهذا الدين العظيم أن يكون من يهدي إليه, أن يكون من يقود الأمة التي تعتنقه وتَديْنُ به وتتعامل مع بقية الأمم على أساسه يجب أن يكون مثل رجل عظيم لِيَلِيقَ بدين عظيم, بأمة عظيمة, برسول عظيم, بإلهٍ عظيم, وبمهام عظيمة جَسِيمَة.
                      ولكن ماذا حصل؟. إن أولئك الذين انصرفوا عمن وجَّه الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) الإشارة إليه هم للأسف – كما أسلفنا- لا يفهمون ماذا وراء ( هذا ), والمسلمون من بعد في أغلبهم لم يفهموا أيضاً ماذا وراء قول الرسول ( هذا ), وعمن يعبر الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بقوله ( هذا ) أنه يعبر عن الله, لم يكن أكثر من مبلغ عن الله بعد نزول قول الله (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك )) وهانحن ما نزال في هذا الزمن أيضاً لا نفهم ماذا وراء قول الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ( هذا ). ولم نفهم ولم نسمح لأنفسنا أن يترسخ في مشاعرنا, في عقيدتنا من الذي يمتلك أن يقول للأمة ( هذا ), فإذا بنا نفاجأ بآخرين يريدون أن يفرضوا علينا ( هذا أو هذا ).
                      وهل يُتَوقَّع من أمريكا, هل يُتَوقَّع من إسرائيل أن تقول للأمة ( هذا ) إلا إشارة إلى رجل لا يهمه سوى مصلحة أمريكا؟. يكون عبارة عن يهودي يحكم الأمة مباشرة, أو أمير يهودي أو شبه يهودي يحكم إقليماً معيناً فيكون الجميع كلهم ينتظرون من الذي تقول له أمريكا أو تل أبيب ( هذا ), وهاهم الآن يثقفوننا بهذه الثقافة.
                      يوم كانت المخابرات الأمريكية هي التي تغير بالسر فتطلِّع هذا أو تضع هذا أصبحت الآن تخاطب الشعوب نفسها, تخاطب الشعوب بأننا سنضع حاكماً على العراق أمريكياً, حاكماً عسكرياً, أمريكا تستطيع أن تغير (صدام), تستطيع أن تعمل انقلاباً بشكل سري كما عملته في كثير من البلدان, لماذا لا تعمل ذلك؟ لأنها تريد أن نفهم جميعاً أنها من سيكون لها الحق في أن تقول (هذا), إنها تريد أن يترسخ في مشاعرنا جميعاً, في أذهاننا جميعاً أنها هي التي تملك أن تقول لنا (هذا), وسيمشي (هذا). يوم أن ضيعنا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشيراً إلى الإمام علي (عليه السلام) (هذا), ولم ندرِ – كما أسلفنا- عمن يعبِّر, هذا.
                      أيها الأخوة نحن نقول: إن هذا اليوم, إن الموضوع مهم في مثل هذا اليوم هو ولاية أمر الأمة, ولقد تعاقب على هذه الأمة على مدى تاريخها الكثير الكثير ممن كانوا ينتهزون ولاية أمرها ويتقافزون على أكتافها جيلاً بعد جيل وإذا ما رأوا أنفسهم غير جديرين بأن يكونوا ولاة لأمر هذه الأمة فإنهم سلكوا طريقة أسهل من أن يكون أحدهم – ولن يستطيع أن يكون – بمستوى ولاية أمر هذه الأمة, فسلكوا طريقة أخرى هي تدجين الأمة لتتقبل ولاية أمرهم, هي تثقيف الأمة ثقافة مغلوطة لتتقبل ولاية أمرهم, فكان الضحية هو المفهوم الصحيح العظيم لما تعنيه ولاية الأمر في الإسلام,فبدا مثل معاوية أميراً للمؤمنين, ويزيد أميراً للمؤمنين, ويقول هذا أو ذاك من الخطباء أو العلماء أو المؤرخين: تجب طاعته, تجب طاعته, لا يجوز الخروج عليه, يجب النصح له. وما زال ذلك المنطق من ذلك الزمن إلى اليوم, إلى اليوم ما زال قائماً. نسينا جميعاً أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أشار إلى عليٍ فإنه في نفس الوقت الذي يشير إلى شخص عليٍ إنه يشير إلى ولاية أمر الأمة, إلى ولاية الأمر المتجسدة قيمها ومبادئها وأهدافها ومقاصدها في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
                      هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم عناءاً كثيراً أن ينقلوا تلك المفاهيم الصحيحة لولاية الأمر إلى الأمة, لا بل قالوا: إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) قال ( سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟.قال: أطع الأمير وإن قصم ظهرك وأخذ مالك). كم هو الفارق الكبير بين هذا الحديث المكذوب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم), بين تلك الثقافة المكذوبة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) التي تقدم ولاية الأمر بالشكل الذي يكون بإمكان إي طامع, أي انتهازي, أي فاسق, أي مجرم, أي ظالم أن ينالها, في الوقت الذي يقول الله لنبيه إبراهيم بعد أن سألها لذريته ( قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) ملزمة محاضرات نزلت من وزارة الأوقاف التي وزيرها زيدي, من إدارة الوعظ والإرشاد إلى محافظات زيدية تتحدث عن طاعة ولي الأمر, بهذا المنطق, وليس بمنطق قول الله تعالى ( لا ينال عهدي الظالمين) وليس بمنطق قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير ( من كنت وليه فهذا وليه) فيما تعنيه هذه الإشارة العظيمة من إشارة إلى القيم والمبادئ التي يجب أن تكون هي المعايير والمقاييس التي تؤهل من يصح أن يقال له أنت الذي تلي أمر هذه الأمة.
                      ملزمة جمعوا فيها كل ما صنعه علماء السوء, كل ما افتراه المتقربون إلى الطواغيت, كل ما افتراه علماء البلاط جمعوه في ملزمة لتنزل إلى المرشدين في دورة يتثقفون بها ليستمروا في تثقيف الأمة من بعد إمعانٍ في تجهيل الأمة, وهذا هو ما جعل الأمة مهيأة لأن تكون ضحية ليس فقط لأن يليها ( جاهل ظالم) من أبنائها بل أن يلي أمرها يهودي صهيوني من ألد أعدائها من أخوة القردة والخنازير, بتلك الثقافة الخاطئة التي ما تزال إلى اليوم قائمة, التي ما تزال إلى اليوم لها دعاتها, ولها المبالغ من الأموال العامة التي ترصد لنشرها وتثقيف الأمة بها.
                      هذا شيء مؤسف أيها الأخوة, وإن الأمة لأحوج ما تكون إلى أن تفهم ما هي ولاية الأمر في دينها, ما هي ولاية الأمر في إسلامها, ما هي ولاية الأمر في قرآنها. يجب أن تفهم, وإذا لم نتفهم فسيُفهمنا الأمريكيون وعملاؤهم ليقولوا لنا:
                      هكذا ولاية الأمر, وهكذا يكون ولي الأمر, وستراه يهودياً أمامك يلي أمرك, إن الجهل, إن جهل الأمة في ماضيها لولاية الأمر وأهمية ولاية الأمر هو الذي جعلها ضحية لسلاطين الجور, وإن الجهل يمتد من ذلك الزمن, وفي هذا الحاضر هو نفسه الذي سيجعلها ضحية لأن يملك تعيين ولاية أمرها وتثقيفها بمعاني ولاية الأمر فيها وتعيين من يلي أمرها هم اليهود الصهاينة من الأمريكيين والإسرائيليين.
                      إن الأمة أحوج من تكون إلى ثقافة صحيحة بكل ما تعنيه الكلمة, ثقافة حديث الغدير, ثقافة حديث الولاية. (أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه , اللهم والَ من والاه, وعادِ من عاداه, وانصر من نصره, واخذل من خذله) إن هذا الحديث مع تلك الآية القرآنية تعطي ثقافة كاملة لهذه الأمة تحصنها من الثقافة التي تُقدم إليها لتكون قابلة لأن تُفرض عليها ولاية أمر يهودية.
                      إن من واجب من يسمون أنفسهم اليوم – وهم في الرمق الأخير – من حكام هذه الأمة الذين تتجه أمريكا وتعلن أنها متجهة لتغيير هذه المنطقة لو أنهم يعملون معروفاً واحداً بعد أن فشلوا في أن يقدموا للأمة أي شيء يدفع عنها خطر ذلك العدو الهاجم عليها, خطر ذلك العدو المحدق بها بعد أن أعلنوا عجزهم عن عمل أي شيء في هذا المجال عسكرياً أو اقتصادياً أو ثقافياً لم يعملوا أي موقف, لو أنهم يعملون قضية واحدة – حتى لا يكونوا ممن يظلمنا في حياتهم وبعد مماتهم – لهذه الأمة أن يحصنوها حتى لا تُظلم من بعد تغييرهم, وحتى لا يكون مستقبل هذه الأمة من يلعنهم بعد تغييرهم – أن يثقفوها فيما يتعلق بموضوع ولاية الأمر بثقافة الإسلام بثقافة حديث الولاية الذي هو صحيح عند المسلمين جميعا.
                      وإذا لم يعملوا ذلك فما هو المتوقع؟. عندما يتغير وعندما يتجه اليهود فيفرضون علينا ولاية أمرهم فإن من يحكمون اليوم على طول البلاد الإسلامية وعرضها سيكونون هم من يتلقون اللعنة من البر في هذه الأمة والفاجر, البر من هذه الأمة والمؤمن في هذه الأمة سيلعنهم بأنهم هم من هيأ هذه الأمة لأن تصل إلى هذه الوضعية السيئة, وإلى أن يكون في الأخير من يحكمها يهودي, والفاجر في هذه الأمة والمصلحي في هذه الأمة هو أيضاً من يلعنهم عندما يأتي اليهود فيديرون أوضاع الأمة بشكل أحسن مما يديره هؤلاء فيقول: والله هؤلاء أحسن من أولئك, أؤلئك الذين كانوا ملاعين, هم الذين كانوا يهوداً وليس هؤلاء.
                      وهذا هو المتوقع أيها الأخوة, إن اليهود اليوم يعملون على أن يقدموا أنفسهم كمخلصين للشعوب, وليدهم في الداخل في كل بلد عربي من يعمل على خلخلة مؤسسات أي دولة عربية, على ضعضعة مؤسساتها على انتشار الفساد المالي والإداري داخل مؤسساتها حتى يخفق الجميع وحتى يظهر الجميع عاجزين ثم بالتالي يأتي اليهودي فيدير أوضاع البلاد بشكل أفضل, ليقول للناس ولِيَقول الناسُ قبل أن يقول هو: والله كان الأولين هم اليهود وليس هؤلاء. انظر اليوم في اليمن أليس التعليم متدهوراً؟ والصحة متدهورة؟ والأمن والقضاء وكل قطاعات الدولة لا تجد قطاعاً واحداً تقول أنه يسير على أحسن حال, من الذي يخلخل هذه الوضعية؟. من الذي يعقد الناس على بعضهم بعض إلا من يريد أن يستعمر الأمة فيما بعد, إلا من يريد أن يقدم نفسه – وهو يهودي – كمخلص للأمة فيما بعد, فتقبله؛ لنقول جميعاً فيما بعد : هؤلاء الذين هم يهود, هؤلاء الذين كانوا هم يهود. عندما يأتوا بمن يحكم اليمن يأتون بمن يحكم الحجاز سيقول السعوديون سيقول اليمنيون: والله كان علي عبد الله أذي هو يهودي, وفهد أذي كانه يهودي أما فلان – وقد يكون اسمه غير عربي – انظر ماذا عمل لنا. لأن اليهود أولاً ثقفونا بثقافة أن تكون المقاييس لدينا هي الخدمات فمن قدم لنا خدمات ليحكمنا وليكن من كان.
                      إن هؤلاء يرتكبون جريمة كبيرة إذا ما تركوا هذه الأمور على هذا النحو, إذا ما تركوا التعليم بهذا الشكل متدهورا وقطاع الصحة متدهورة والأمن وكل مؤسسات الدولة تعاني من فساد مالي وإداري, وعندما يظهر وقد أخفقوا في هذا الموضوع فسيكون من السهل على اليهود أن يغيروا هم, وبالتالي سيكون المتوقع من الكثير أن يرحبوا بأولئك, وأن يكون من يحكمهم من يريدون هم وليس من يريد هذا الشعب.
                      أيها الأخوة العزاء, هذا ما نريد أن نفهمه أنه يجب على هؤلاء الذين يحكمون هذه الأمة اليوم وقبل أن يغادروا قصورهم أو قبل أن يغادروا هذه الحياة يجب عليهم أن يثقفوا الأمة بثقافة حديث الولاية, بثقافة القرآن الكريم في موضوع أمر ولاية الأمر.
                      ونحن الشيعة, ما تزال ثقافتنا في هذا الموضوع قائمة من يوم الغدير على هذا النحو وإلى اليوم, ولذا فمن المتوقع أن يكون الشيعة وحدهم هم أكثر الناس وعياً خاصة من يفهمون جيداً ماذا يعني علي, ماذا يعني حديث الولاية, ماذا يعني التشيع, ماذا يعني الدين, ماذا تعني مسؤولية ومهام هذا الدين بالنسبة لهذه الأمة, فإنهم هم من يُحتمل أن يقفوا في وجه أمريكا وإسرائيل, في وجه اليهود الذين يريدون أن يفرضوا علينا ولاية أمرهم, أما الآخرون فسيظلون هكذا يراقبوننا نحن, هذا هو الشيء الغريب عندما نتحرك نقول للناس يجب أن يقف الجميع يصرخون في وجه أمريكا وإسرائيل بهذا الشعار ( الله أكبر, الموت لأمريكا, الموت لإسرائيل, اللعنة على اليهود, النصر للإسلام ). لأن أمريكا متجهة أن يكون ( بوش ) إماماً للمسلمين وأميراً للمؤمنين, هؤلاء يغمضون أعينهم عما يريد ( بوش ) وعما يريد ( شارون ) , ويقولون هؤلاء هم الخطرون, ما خطورة هذا الذي لا يمتلك حاملة طائرات, لا يمتلك غواصات, لا يمتلك بارجات, لا يمتلك عشرات الآلاف من العساكر المدربين تدريباً جيداً, لا يمتلكون العتاد العسكري, تتجهون بأذهانكم إلينا نحن الشيعة وتنسون ماذا يُراد بنا وبكم, إن ( بوش ) متجه لأن يكون إماماً للأمة, لكن متى ما جاء يتحدث فلان من الناس قالوا هذا يريد الإمامة, بينما نحن أمام إمامة من نوع آخر, قفوا معنا جميعاً لنحاربها, إنها إمامة ( بوش ), إنها إمامة اليهود, إنها إمامة بني إسرائيل, إنها ولاية الأمر اليهودية الصهيونية, لماذا تغمضون أعينكم أمامها وتفتحون أعينكم على من ليس منطقه بأكثر مما قاله الرسول عَلَناً على مرأى ومسمع من الجميع في مثل هذا اليوم في السنة العاشرة من الهجرة؟. هل جاء الشيعة بجديد ؟. هل نحن نأتي بجديد خلاف ما ينص عليه كتاب الله ؟. خلاف ما يشير ويوحي به كتاب الله ؟. وخلاف ما نص عليه وما قاله, وما من أجله رفع نفسه ورفع أخاه الإمام علياً عليه السلام على مجموعة من أقتاب الإبل لتراه تلك الجموع ولنراه نحن وليسمعه أولئك ولنسمعه نحن, نحن لم نأتِ بجديد أكثر مما قاله كتاب الله وأكثر مما قاله الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ذلك اليوم, ومفهومنا لولاية الأمر هو وحده الذي يمكن أن يحصن الأمة عن أن يلي أمرها اليهود, أما المفاهيم الأخرى من يقولون ( أطع الأمير وإن قصم ظهرك وإن كان لا يهتدي بهدىً ولا يستن بسنة ) فإن هذا مما يهيأ الأمة لأن يلي أمرها الأمريكيون أولئك اليهود أنفسهم, بل إن الديموقراطية نفسها )1( غير قادرة على أن تحمينا من فرض ولاية أمرهم علينا لأن الديموقراطية أولاً: هي صنيعتهم, ثانياً: هي نظام هش ليس له معايير ولا مقاييس مستمدة من ثقافة هذه الأمة ومن دينها وقيمها الإسلامية.
                      الديموقراطية تقوم على اعتبار المواطنة وأمامك مواطن يهودي, وسيكون الدستور في أي بلد إن كان سيبقى هناك دساتير بالشكل الذي لا يجعل هناك أي اعتبار لمعايير أو مقاييس مستمدة من دين هذه الأمة, من دين هؤلاء المسلمين, وإنما فقط يجب أن يكون من يلي أمر هذا الإقليم مواطن حاصل على البطاقة الشخصية وأن لا يكون قد صدر بحقه حكم يخل بشرفه, وأن يقل عمره مثلاً عن أربعين سنة, هذه المعايير أليست تصدق على اليهودي والمسلم؟. اليهودي يمكن أن يكون معه بطاقة شخصية, يحمل بطاقة شخصية وجنسية يمنية, جنسية مصرية, جنسية سعودية وجنسية لأي شعب آخر, أليس يمكن أن يكون متوفراً فيه أن لا يكون قد صدر بحقه حكم قضائي في قضية تخل بشرفه, وأن يكون عمره لا يقل عن أربعين سنة وتروج له وسائل الإعلام التي يكون من يديرها, ويملكها يهود أو عملاء ليهود فلا تدري إلا وأمامك يهودي يحكمك سواء كنت في مصر أو في اليمن أو في أي مكان آخر.
                      الديموقراطية نفسها لا تستطيع أن تحمينا من فرض ولاية أمر يهودية, ثقافة حديث الغدير, أكرر ثقافة حديث الغدير, فهم الشيعة فهم أهل البيت لمعنى ولاية الأمر المستمدة من القرآن, المستمدة من حديث الولاية, ومن أحاديث أخرى متواترة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الكفيل بتحصين هذه الأمة حتى لا تقبل ولا تخنع لأولئك الذين يريدون أن يفرضوا عليها ولاية أمرهم, وهم اليهود الأمريكيون والصهاينة.
                      أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا, أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا, أسأل الله أن يجعلنا من أولياء علي, وأن يجعلنا من الصادقين في السير على نهج علي وأن يرزقنا ولو نسبة بسيطة من شجاعة علي, ومن صدق علي, ومن إخلاص ونصح علي, ونحن نقر ونشهد بأننا نتولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونتولى من فرض ولايته علينا وهو أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
                      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                      - الله أكبر, الموت لأمريكا, الموت لإسرائيل, اللعنة على اليهود, النصر للإسلام –

                      ــــــــــــــــــــ
                      انتهى كلامه من المحاضرة الخامسة

                      تعليق


                      • #12
                        اللهم صل على محمد وآل محمد

                        تعليق


                        • #13
                          سلسلة سورة آل عمران (1-4)
                          دروس من هدي القرآن الكريم
                          سورة آل عمران

                          الدرس الأول

                          }إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين{
                          ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي

                          بتاريخ
                          8/1/2002م
                          هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت ،وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.
                          و حرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
                          والله الموفق.














                          بسم الله الرحمن الرحيم
                          { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ }صدق الله العظيم (آل عمران 100-112)
                          بسم الله الرحمن الرحيم
                          الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
                          {يا أيها الذين آمنوا} خطاب للمؤمنين أنتم كمؤمنين وباسم (الإيمان) الذي تحملونه وتنطقون به وتقرون به ،أنتم كمؤمنين وتروا أنفسكم مؤمنين {إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب..} ، فريقاً منهم ،وهو الفريق الذي يتحدث عنه القرآن الكريم بصورة خاصة -لأن القرآن الكريم كان حديثه حتى وهو يلتزم جانب العدل ويتحدث عن الواقع -كان حديثه بالنسبة لأهل الكتاب هو أنه لا ينسى فريقاً آخر كان ما يزال ملتزماً ،كان ما يزال فريقاً يهدي ،كان ما يزال فريقاً يمثل الخير في كل أعماله ،هنالك فريق الشر فريق الغدر ،فريق الكفر ، فريق الحسد ، فريق الدهاء الشديد. فريقاً من أهل الكتاب ،أهل الكتاب هم اليهود والنصارى ،وكان معظمهم من يواجه الناس في تلك الفترة ،ويدخلون في صراع معهم هم -خاصة في بدايات فترة المدينة بعدما هاجر الرسول - هم يهود وكان من حول المدينة يهود في خيبر ، وبني قريضة ، وقينقاع ، وبني النضير ، ومناطق أخرى هم يهود ،ولكن أهل الكتاب بصورة عامة ؛على الرغم من أن الله قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ،لكنهم بالنسبة لنا يمكن أن يتشكلوا فريقاً واحداً.
                          (أهل الكتاب) هو اسم يطلق على اليهود والنصارى ،هم أهل الكتاب السماوي السابق، أهل التوراة وأهل الإنجيل ، والواقع كشف هذا أن أهل الكتاب اليهود والنصارى اجتمعت كلمتهم علينا ، أليس هذا الذي حصل؟. على الرغم ما بينهم من عداوة وبغضاء ،وعلى الرغم مما قد حصل فيما بينهم في هذا العصر مما يُوغِر الصدور أكثر ،ويرسخ العداوة فيما بينهم أكثر ،كما حصل في الحرب العالمية الأولى ، والحرب العالمية الثانية، وكما حصل لليهود في مختلف مناطق العالم ، وكما يقال -إن كان صحيحاً تاريخياً- ما حدث لهم في ألمانيا على يد (النّازِيّة) في ألمانيا في أيام (هِتْلَر) على الرغم من ذلك كله اجتمعت كلمتهم علينا ،وأصبحوا جميعاً يعملون سوياً في مجال أن يردوا الأمة بعد إيمانها كافرة ، أن يردوا المؤمنين كافرين بعد إيمانهم.
                          الآية تحكي حالة قائمة وستبقى قائمة ،وإن كانت هي في البداية ،ومن يقرأها في أيام رسول الله ،في فترات من بعد موت الرسول يتبادر إلى ذهنه أولئك اليهود الذين كانوا في المدينة وخارج المدينة ،أولئك اليهود كانوا بالنسبة لهؤلاء الذين في عصرنا يُعدّون بدو يعدون بدو، إذا كان أولئك اليهود من يتبادر إلى ذهن من يقرأ هذه الآية في فترة نزولها وما بعد نزولها في القرون الأولى من تاريخ الأمة هذا ،يتبادر إلى ذهنه أولئك اليهود الذين كانوا حول المدينة ،أولئك الذين يُعدّون بالنسبة ليهود اليوم بدو أغبياء ،أما هؤلاء فيهود متطورون جداً ،في مكرهم ،وخداعهم ،وتضليلهم، يهود أصبحوا يمتلكون إمكانيات هائلة ، إمكانيات رهيبة اقتصادية وإعلامية.
                          ولكن كانت تلك النوعية -الذين هم بدو بالنسبة لهؤلاء- كان فيهم ما يكفي فعلاً من الخطورة البالغة إلى درجة أنهم من الممكن أن يصلوا بالمؤمنين من هم في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والرسول بين أظهرهم والقرآن يتلى عليهم أن يردوهم بعد إيمانهم كافرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ }آل عمران100 أليست هذه حالة رهيبة؟. يقلب الأمة يقلب الناس من إيمان إلى كفر، ولم يكن فقط أن مجرد التضليل الذي يصل بك إلى درجة الكفر من حيث لا تشعر، أو التضليل الذي يأتي من قبلهم وأنت لا تشعر أنه من قبلهم ولو شعرت أنه من قِبَلهم لتمردت عليه. لا.
                          هم يستطيعون أن يصلوا بالأمة إلى درجة أتلمس أن هذا هو من قِبَلهم هم اليهود ،وستنطلق في طاعتهم ،هم يستطيعون أن يصلوا بالأمة إلى أن تطيعهم هم ،وهم بكامل مشاعرهم يعرفون أن هذا من قِبَل اليهود ،أو أن هذا يهودي ويطيعونهم؛ ولهذا جاء بالضمير { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ }.
                          توحي الآية بأن اليهود وهم دائماً في كل أعمالهم يلحظون جانب التكلفة ؛لأن المال لديهم عزيز ،المال ينظرون إليه كسلاح مهم جداً ،لكنه لديهم أيضاً له مكانة كبيرة لديهم ،فهم معروفون بالبخل والحرص لشدة نَهَمِهِم بالمال وجَشَعِهم عليه، فهم يلحظون أيضاً في جانب التضليل هو التكلفة ،أن يضل الأمة وبتكلفة أقل، لا يريد أن يخسر كثيراً في تحويل الأمة إلى ضالة ، لا يريد أن يخسر كثيراً وهو أيضاً يتحرك لضرب الأمة حتى ولو عسكرياً، هذا من الدهاء الشديد.
                          فما هي أقرب الوسائل إلى أن يجعلوا الناس كافرين بعد إيمانهم ،ضالين بعد هداهم ،نفوسهم مسالمة بعد إبائهم؟. هو أن يصلوا بالمجتمع إلى درجة الطاعة.
                          من يتأمل في أعمال اليهود كانوا يلحظوا هذا الجانب ، وبخطوات متأنية وخطوط دقيقة وقليلاً قليلاً إلى أن يصل بالأمة إلى أن تطيعهم ،بل أن يتحول الناس إلى دعاة لطاعتهم ،وحينئذٍ لا يخسرون شيئاً. يردون الأمة بعد إيمانها كافرة ، بعد عزتها ذليلة ، بعد مَنَعَتِها مقهورة وبتكلفة أقل ، الشعور الذي لا يحصل عند أي شخص منا وهو يتشاجر مع الآخر ويتخاصم معه عند الحاكم ،أليس كل واحد سيفتح الشنطة؟. كل واحد سيفتح الشنطة ولو فيها خمسين ألف سعودي أو مائة ألف سعودي ويشاجر بها حتى يقهر خصمه. ليس بتكلفة أقل ،ليس لدينا هذا الحس في مقام الخصومة في ما بيننا هو أن أتشاجر ولو من منطلق أن أحاول أن أحصل على حكم شرعي وبالطرق الصحيحة عليك ،لكن أريد أن يكون بتكلفة أقل، أليست هذه ستكون ميزة؟. فأصبحنا -تقريباً- لا نملك عقول حتى في الصراع فيما بيننا ناهيك عن الصراع مع هؤلاء الدُّهاة من اليهود والنصارى.
                          ثم لماذا هم يحرصون أن يردوكم بعد إيمانكم كافرين؟. لماذا تتجه أذهانهم إلى مشاعر السيطرة وقهر الأمة والاستعباد لها بعيداً عن مسألة التكفير والتضليل؟. بعيداً عن مسألة أن يردونا عقائدياً في أفكارنا في ثقافتنا في مواقفنا كافرين؟. أي هم يحرصون على أن يروك كافراً ،لماذا؟؟.
                          نحن قلنا: اليهود لديهم (خِبرَة دينية) ،ماذا يعني خبرة دينية؟. هم يعرفون أن هذا الدين حق ،ويعرفون أن المؤمنين متى أصبحوا مؤمنين لا يمكن أن يقهروهم ،لا يمكن أن يقهروهم أبداً متى ما أصبح الناس مؤمنين حقاً. ومن منطلق البحث عن تَدْجِين الأمة وبتكلفة أقل، تصور قد يقال -بالعقلية العربية عقلية صدام ونحوه-: (لدينا الدبابات والطائرات والقنابل النووية فلندمر الأمة هذه). أليست هذه عقلية عربية لدينا؟. إنفجار هائل وقهرناهم ،ووطئت أقدامنا هامهم ،لكن كم تكلفته؟. تكون مليارات الدولارات. آثارها سيئة جداً على اقتصادهم ،والاقتصاد هو صمام مُهم في ميدان المواجهة.
                          وهم يفهمون حتى لو انطلقوا بهذا المنطلق ،من منطلق القوة القاهرة والناس ما يزالوا مؤمنين فلن يستطيعوا أيضاً أن يقهروا المؤمنين.
                          اليهود مؤمنون بالله ، هل تعرفون هذا أم لا؟. وكان يأتي منهم أنبياء كثير ،وكان يأتي منهم هداة ،ويأتي منهم مصلحون ، ولديهم (خبرة دينية) لديهم تاريخ آلاف السنين عرفوا أحداث كثيرة في مقام الصراع فيما بينهم وبين الآخرين ، كيف أن الإيمان كان هو العنصر المهم في أن تحظى تلك الفئة المؤمنة بنصر الله ، ومتى ما حظيت بنصر الله وتأييده فلن يقهرها شيء. حصل لديهم درس مهم في قصة (طالوت وجالوت) التي نقرأها في{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ فهزموهم بإذن الله}البقرة249
                          إذن فكيف نعمل بالبشر حتى نقهرهم وخاصة هؤلاء المسلمين؟. كيف نعمل؟.
                          أليسوا الآن يمتلكون قنابل نووية ، قنابل ذرية؟. ، أليسوا هم من يمتلكون الصواريخ بعيدة المدى؟. أليسوا من يمتلكون الأسلحة الفتّاكة؟. لكن هل فكروا في الدَّمْدَمة هذه؟. لا. يدمدمونا أولاً من الداخل فيفصلون فيما بيننا وبين الله ،فمتى ما فصلوا فيما بيننا وبين الله وأصبحنا بعيدين عن أن نحظى بنصر الله. أمكنت السيطرة علينا.
                          بل هم يفهموا بأنه أيضاً من الممكن أن يتحول الله إلى طرف آخر يضرب معهم هؤلاء -وهذا ما توحي به الآيات فعلاً- أنهم هم من جهة يضربون والله من جهة أخرى أيضاً سيضرب ، وهذا فعلاً ما سيحصل ، لماذا؟. أولئك من منطلق العداوة، والله سبحانه وتعالى من منطلق الغضب على هؤلاء ؛لأنهم لم يكونوا جديرين بأن يحظوا بنصر الله ،لم يهتدوا بهداه ، وهم برزوا في الساحة باسمه وممثلون كطرف عنه ، أليسوا هم من يسمون أنفسهم جند الله؟. ، إذن فأنتم سُبّه إن لم تهتدوا بهديي ،إن لم تلتزموا بهديي ونهجي فستصبحون جديرين بأن تُذلوا ،فيتخلى عنا هو ،بل يُذلنا بل يضربنا هو سبحانه وتعالى.
                          لماذا؟؟؛ لأن المسؤولية علينا أكثر وموقفنا أيضاً بالنسبة للبشرية عامة هو أخطر.
                          لماذا؟؟؛ الأمة هذه العربية لو نهضت إسلامياً على هدي الله ،أما كان من الممكن أن تهتدي البشرية كلها على يديها؟.أما كان من الممكن أن يسود صلاح العالم هذا ؟. أما كان من الممكن أن يسود العالم كله دين الله؟. أما كان من الممكن أن يسود العرب العالم هذا؟. فكل ما رأيناه في هذا العالم ،العرب بتخليهم عن دين الله وعن هدي الله يمثلون عاملاً أساسياً فيه ،ليس فقط الآخرون. إذاً فأنت من أضعت أنت -بانصرافك عن هديي بانصرافك عن نهجي، بانصرافك عن أعلام الدين- أنت الذي أضعت ديني ، أضعت عبادي جميعاً ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يهمه أمر عباده جميعاً ،لكن عن طريق من؟. -كما اقتضت سنته- عن طريق بعض عباده، إذا لم يتحمل هذا البعض المسؤولية فإنه هو من يجني على البشرية كاملاً ، وهذا حقيقة. أليس صحيحاً لو أن العرب هم من التزموا بالدين فإن الله قد وعد بأن يظهره على الدين كله؟ ، وأمرهم أن يقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
                          { يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } حينئذٍ عندما تصبح كافراً، يصبح من السهل على اليهود أن يضربوك ،لأنهم قد فصلوك عن الله ، وستكون في نفس الوقت بدلاً من أن تكون محط عناية الله وتأييده تصبح محط ومحل غضب الله -نعوذ بالله من غضبه- وإذلاله وتعذيبه.
                          هذا محتمل أن يحصل هذا ، الآية توحي فعلاً ، هو يتحدث عن حقيقة ،وتسمى آيات الله حقائق. { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ.وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101وهذا الاستنكار يعني أن موقفكم هو مما يثير الاستغراب فعلاً، (قد تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله)،وهذا شيء مدهش جداً ،شيء مزعج جداً ، كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله؟!!. وبمجرد تلاوتها ناهيك عن فهم معانيها ،وفهم أعماقها وفهم ما توحي به ،فإن مجرد تلاوتها وسماعها فيه ما يكفي للهداية. {وأنتم تتلى عليكم آيات الله} وهي حقائق وأعلام ،ولهذا سميت آيات، هي أعلام على حقائق ،حقائق من الهدى ،حقائق من واقع الحياة ،حقائق من مستقبل الغيب ،حقائق في كل ما تحكيه.
                          { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ } ربكم ،آياته ليست صحفاً (صحيفة الحياة) أو (صحيفة الشرق الأوسط). آيات هي من قِبَل من؟. من قِبَل الله الذي هو ربكم ،الذي هو الرحيم بكم ،الذي هو الهادي لكم ،الذي هو اللطيف بكم ، الذي هو إلهكم وملككم يهمه أمركم ، آيات الله ،هل أنتم بعد لم تعرفوا الله ،وتعرفوا موقفه منكم ،وتعرفوا أنه يهمه أمركم ،أنه رحيم بكم ،أنه لطيف بكم، أنه حكيم ، أنه عالم الغيب إنه... الخ؟. أليس هذا شيئاً مدهشاً؟!. ممكن يقول وأنتم تتلى عليكم صحيفة كذا أو كتاب البخاري أو كتاب فلان ، فتقول: لكن هذا الرجل أو هذا الكتاب أو هذه الصحيفة لا يهمها أمرنا ،وإن أدت نصائح فليست بالمستوى الذي يهمه أمرنا لدرجة عالية. لكن أما الله سبحانه وتعالى هو رحمن رحيم، وجاءت {بسم الله الرحمن الرحيم} في كل سورة تؤكد أنما يتلوه على الناس من آيات ،وما يهديهم إليه ،وما يشرّعه لهم هو كله من منطلق أنه رحيم بهم ورحمن بهم.
                          {وفيكم رسوله} إضافة إلى القرآن وفيكم رسوله. لا حظوا الإضافات هذه (آيات الله ،رسوله) ألم تأتِ كلها مضافة إلى الله؟. هو عندما يرسل رسولاً هو يصطفي رسلاً من نوعية معينة ،يصطفي رسلاً لا يأتوا إلى البشرية ليتحكموا عليها من منطلق الجبروت والهيمنة والاهتمام بالمصالح الخاصة ، رسلاً يصطفيهم الله سبحانه و تعالى رحمةً للعالمين ،يحملون هَماً كبيراً و يحملون اهتماماً كبيراً بأمر الأمة.
                          {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128 هذا الرسول الذي قال {وفيكم رسوله} وليس رسول كسرى ،أو رسول ما أدري من، أو وفيكم خبير أمريكي ،أو فيكم خبراء ألمان ،أو فيكم قانونيون. {وفيكم رسوله} آياته ورسوله ،آياته تتلى عليكم ورسوله يتلو عليكم ،فكيف تكفرون؟.
                          فلنقل بأنه لم تحصل حالة كفر بل حصلت {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ }الحشر11 ألم يحصل هذا؟. المنافقون أليسوا من وسط المؤمنين؟. من وسط المجتمع الذي كان يتلى فيه آيات الله وفيه رسول الله ؟. إخوانهم أصبحوا يشعروا بمشاعر الأخوة نحوهم وأصبحوا كمثلهم ،شأنهم شأنهم ، وحكمهم حكمهم.
                          أناس يمكن أن يكفروا وهم في نفس الوقت تتلى عليهم آيات الله وفيهم رسوله، ما هؤلاء؟. ماذا يمكن أن نقول فيهم؟. هل هناك أحط مستوى من هذا النوع؟. لا. ولا حتى الأنعام ليست أحط مستوى ممن يمكن أن يكفر بطاعته لليهود ،وهو يعلم أن اليهود أذلاء ،وهو يعلم أن اليهود أعداء لدينه ،وهو يعلم أن اليهود حاقدين عليه، وهو يعلم خبث اليهود ،ومكرهم ثم يطيعهم فيكفر ،في نفس الوقت الذي تتلى عليه آيات الله وفيه رسوله، أليست هذه نوعية سيئة جداً؟.
                          لكن لاحظ يظهر في المجتمع أيضاً من هم أسوء من هؤلاء المنافقين ومعظم المنافقين ما كانوا كافرين بمعنى منكرين للقرآن أو منكرين للرسول ، بل هم مؤمنين بأن هذا هو القرآن وأن هذا هو رسول الله لكن ينطلقون منطلقات أخرى بسبب قلة وعيهم ، وبسبب جهلهم بالله سبحانه وتعالى بالشكل الذي كان يمكن أن يخلق في نفوسهم خشية لله ،اهتمامهم بمصالحهم ،اهتمامهم بنفوسهم ،{يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب}.
                          ثم لاحظ هؤلاء المنافقين هم أنفسهم ألم يكونوا يشكلون خطورة في ذلك المجتمع الذي كان فيه رسول الله ؟. أصبحوا هم من كانوا يؤثرون على الكثير فلا ينفق الكثير ، فلا يخرج مع رسول الله ويتخلف عن الجهاد معه. تأتي حملة رهيبة في القرآن الكريم على المنافقين ؛لأنهم كانوا شديدي التأثير وكثيري التأثير على المجتمع الذي فيه آيات الله وفيه رسوله ، لدرجة أن الله قال عنهم {هم العدو فاحذرهم} لماذا احذرهم؟. هل لأنهم يعملون في أوساط الكافرين؟. أو أنهم كانوا يعملون في أوساط المؤمنين أنفسهم في أوساط المسلمين؟. فيجعلونهم يتخلفون عن رسول الله ولا يهتمون بمقام رسول الله ، ولا يهتمون بما يصدر منه، ولا يخرجون معه للجهاد إلا متثاقلين ، ويتعبوه جداً ويقلقوه جداً. رجع عبد الله بن أُبَيّ بثلاثمائة رجل عندما خرج رسول الله إلى غزوة (أحد) استطاع أن يرجع بثلاث مائة إلى المدينة الذين تخلفوا عن رسول الله ثلاثمائة ،فعل هذا منافق واحد.
                          من يتأثر بمنافق عربي وآيات الله تتلى عليه وفيه رسوله، سيعبد يهودي وليس فقط سيتأثر بيهودي ،سيتحول إلى كافر على يد يهودي ،وسيرى نفسه في يوم من الأيام يـعبد اليهودي كعبادة الناس للشيطان؛ لأن المنافق العربي أقل دهاء من اليهود ،أقل خبرة ،أقل فهماً ،أقل دهاء ، أقل ذكاء من اليهود ، فإذا كان منافقين عرب من أهل المدينة وممن حول المدينة هم قد يكونون تأثروا تأثيراً قليلاً باليهود فأصبحوا منافقين مزعجين ،فأصبحوا مؤثرين فالمجتمع الذي يتأثر بالمنافق العربي البدوي سيتأثر باليهودي فيتحول إلى كافر ، اليهودي الذي يمتلك تاريخاً من الخبرة قوامه أكثر من ثلاثة آلاف سنة ،ويعرف هذا الدين أكثر مما يعرفه المنافق العربي. لو تلاحظوا حتى فعلاً منافقين العرب في زماننا ألم يتحولوا إلى خدام لليهود؟. وعن بُعْد يعملوا (بالريموت) ،عن بُعد.
                          فتأتي الآية هي فعلاً تحكي أن هناك وضعية خطيرة حتى على الرغم من وجود النبي ووجود القرآن { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } وهل هناك أبعد من الكفر؟.
                          {وكيف تكفرون...} لا حظ كأنه يحكي بأنه قد حصل منهم ،أحياناً عندما تكون حالة الإنسان أو حالة المجتمع مهيأة لأن تسودها ظاهرة معينة يصح أن يُحكى عنها وكأنها قد وقعت.
                          { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } هنا قد نضل بيهودي عربي متأثر بيهودي بدوي.
                          { وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } توحي الآية أيضاً بأنه لا بد من هداية الله على هذا النحو، وأن الأمة تحتاج إلى هدي من الله بشكل كتب وإلى أعلام للهدى قائمة، تحتاج إلى أعلام للهدى قائمة. لم يقل وأنتم تتلى عليكم آيات الله ،هل اكتفى بهذا؟. لم يكتف بهذا {وفيكم رسوله} عَلَم منكم ،رجل منكم ، عَلَم للهدى يحمل هذا القرآن ،ويدور حوله ،ويهديكم بهديه ، يحمل رحمة القرآن ،ويحمل هدي القرآن.
                          والقرآن ين‍زل في تلك الأيام آية آية على مرأى ومسمع منهم ،ورسول الله الذي يعرفونه بشخصه ،ويعرفونه بمواقفه، يتحرك بينهم ،ومع هذا يمكن أن يضلوا بمنافق يعتبر عميلاً أو متأثراًَ بيهودي ،يكفر بطاعة فريق من أهل الكتاب.
                          وأولئك اليهود كانوا أقل دهاء وأقل خبثاً ،بل كانوا فعلاً يعدوا بدواً بالنسبة ليهود اليوم ،والكتاب هو كتاب للعالمين إلى آخر أيام الدنيا ، والرسول هو رسول للأمة إلى آخر أيام الدنيا ،والقرآن هنا ينص على أن الأمة بحاجة إلى قرآن وبحاجة إلى عَلَم يتجسد فيه القرآن هو امتداد للرسول ،ووارث للرسول في كل عصر من العصور، أليس يعني هذا أن الأمة تكون أحوج ما تكون إلى أعلام للهدى تلتف حولهم؟. هم يجسدون القرآن ويهدون بالقرآن ،وينشدون الأمة بالقرآن ،ويعملون على تطبيق القرآن في أوساط الأمة.
                          أم أن الله ترك الأمة هذه؟!. فكتاب ورسول هو سيد الرسل لمجموعة من البشر في زمن محدود ثم يقول هذا الدين هو كله للعالمين، وهو يهددنا ويحذرنا من أهل الكتاب وهم بدو مقابل أهل الكتاب الرهيبين الشديدين في مكرهم الذين يمتلكون إمكانيات هائلة ، ثم لا يضع حلاً للمسألة!!.
                          الحل هو نفس الحل :لا بد للأمة من أعلام تلتف حولها ،هم أهل بيت رسول الله .
                          {وأنتم تتلى عليكم آيات الله} هذه آيات الله قائمة فينا ، لكن عندما فُقدت الأعلام ألم يضع الكتاب نفسه؟. -ضيعناه نحن ولم يضع هو-، ألم تضيع الأمة الكتاب عندما أضاعت الأعلام؟. أم أنه ليس هناك إشكالية؟. هذه نقطة مهمة. أن من قوله {وفيكم رسوله} بعد قوله {وأنتم تتلى عليكم آيات الله} إذا قلنا وأنتم تتلى عليكم آيات الله ،حسبنا كتاب الله ، ألم يقلها عمر؟.حسبنا كتاب الله ، لكن كتاب الله تحتاج الأمة إلى من يجسده -تحتاج الأمة ولا يصح أن نقول: يحتاج يحتاج.. هذه عبارة ليست مؤدبة- ،ولكن نقول الأمة تحتاج إلى من يهديها به ، تحتاج إلى من يجسد قيمه ، تحتاج إلى من يفهم آياته فيرشدها بهديه وإرشاده ، الأمة تحتاج إلى هذا.
                          فعندما رأت نفسها مستغنية ما الذي حصل؟. هل اهتدت فعلاً بالقرآن؟. لا. بل ضلت ولم تهتد بالقرآن ،وبدلاً من أعلام الحق يصعد لها أعلام سوء ، وأعلام شر ،وأعلام باطل هذا الذي حصل ، فضلت عن القرآن ،وبدلاً من أن يكون لها أعلام حق وأعلام هدى برز لها أعلام شر وضلال على امتداد تاريخها ،وتتعبد الله بولائهم.
                          وما أسوأ أن يتعبد الإنسان ربه بالضلال ،ما أسوأ أن تعبد الله بضلال ، ولهذا ضللتَ ثم رأيت الضلال حقاً فأصبحت تتعبد الله بضلال ،والله هو المن‍زه أن تقصر أنت في طاعته بالحق الذي هو حق ،متن‍زه ،لا يليق بك أن تقصر في طاعته بالحق الذي هو حق صريح ، أما أن تتعبد الله بالضلال فهذا شيء لا يليق بالله إطلاقاً ، لا يليق بكماله إطلاقاً.
                          ثم إن الضلال يتجه نحو من هو شر ،أن أتعبد الله بأن هذا هو عَلَم من أعلامه ،وهو نفسه ممن يخالف كتاب الله ويخالف رسوله ،هو نفسه ممن ضرب الأمة وأهان الأمة ، هو نفسه ممن يحمل الباطل من قمة رأسه إلى أخْمص قدميه ، أنا أتعبد الله بأن هذا هو بيني وبين الله ، هو عَلَم من أعلام الله أليس كذلك؟. معنى ذلك أنه إن كان الله شراً ،وكان الله ناقصاً فيمكن أن يكون هذا علم من أعلامه فأنت تدنس الله -إن صح التعبير- أن تتعبده بتولي هذا ؛لأن هذا لا يليق بأن يكون فيما بينك وبينه ، {وما كنتُ متخذ المُضلِّين عضداً} عضداً أو مساعدين أو عوناً فيما يتعلق بهداية عبادي، لا يمكن.
                          لكن تصبح المسألة إلى هذه الدرجة أن يتعبدوا الله بالضلال فيتولى ذلك الشخص ويصلي عليه كما يصلي على محمد وآله ، يصلي عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين فيدخلهم في الصلاة التي هي كلمة لها معاني رفيعة ،لها معاني سامية جداً ،ولها -فيما توحي به- معاني مهمة جداً من أجل أن تشمل أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وعائشة وفلان وفلان أجمعين.
                          إذن فالأمة تحتاج في تاريخها إلى القرآن -وهو قائم بين أظهرنا- لكن (رسوله) هل كان رسول لتلك الفترة إذن فنحن يا الله لماذا تضيعنا؟. فترة قصيرة هي ثلاثة وعشرين سنة أو خمسة وعشرين سنة تعطي أهلها وهم لا يتجاوزون آلافاً معدودة تعطيهم رسول الله هو سيد الأنبياء والرسل ، ثم تضيعنا من بعد فلا تهدينا إلى أعلام ،ولا تجعل لنا أعلام ،ولا ترشدنا إلى أعلام، يقوم فينا خلفاء لرسولك صلواتك وسلامك عليه ، يهدون الناس بهديه فيجسدون قيمه ومبادئه ويسيرون بالناس سيرته فيلتف الناس حولهم. لا يجوز هذا على الله إطلاقاً ،لا يجوز على الله وإلا كان منافياً لرحمته ، ونحن من نقرأ في كتابه {بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين} {بسم الله الرحمن الرحيم ألم} {بسم الله الرحمن الرحيم حم} أليست كلها في بدايتها (بسم الله الرحمن الرحيم)؟.
                          وكلمة (رحمن رحيم) فيما تعنيه جملةً المبالغة في الرحمة، كما تقول (الأخ العالم العلامة)، ألسنا نقول هكذا في سؤالنا العالم العلامة؟ ، (عالم وعلامة) اشتقاقها واحد.
                          وظل المفسرون في معنى فقالوا: رحيم بمن؟. ورحمن بمن؟. ، رحيم في الدنيا أو رحيم في الآخرة ،فيقسمون رحمته ،هي فيما تعطيه جملةً تدل على المبالغة الشديدة في رحمته ،في التعبير عن رحمته بنا.
                          (رحمن رحيم) عبارة واحدة تنظر إليها كعبارة واحدة ،وهذا في لغة العرب يستعمل على هذا النحو تكرير الصيغتين ذات جِذْرٍ واحد، بصيغتين مختلفتين في الظاهرة واشتقاقهم واحد للمبالغة جملةً.
                          فأين رحمته -إن جَوّزنا عليه هذا- أن يهتم بسكان الجزيرة العربية خلال فترة ثلاثة وعشرين سنة ،وأمام يهود مساكين مستضعفين بدوا ،لم يكونوا على هذه الخطورة العالية ،ثم يموت نبيه فيغلق ملف هدايته ورحمته ولطفه ،ثم يقول هناك الجنة وهناك جهنم ، جهنم يسعرها بعد أن أغلق ملف هدايته ورحمته ،هل هو يليق بالله؟. لا يليق بالله سبحانه و تعالى ،ولا يجوز أن تعتقده ،بدليل أن الأمة في واقعها بطبيعتها لا يمكن أن تتخلى عن هذا ،حتى وهي تسير في طريق الباطل تحتاج إلى أعلام للباطل ،ولن تتخلى ، أنت لا تستطيع أن تعيش في ذهنيتك بدون أعلام ،تعدل عن هذا لكنك ترجع تلقائياً إلى هذا ، أليس هذا الذي يحصل؟.
                          متى ما جاء شخص كره (السادة) ولا يريد (السادة) فإلى أين يذهب؟. يكون فاضي؟. تراه يميل إلى من؟. إلى (مقبل ،الزنداني ،ابن باز ،ابن تيمية ،البخاري ومسلم ، أبو بكر ، عثمان ، عائشة) ، أليس هذا يحصل؟. لا يوجد إنسان يكون فاضي من الأعلام. لا يمكن أن تكون فاضياً ؛لأنك في نهاية المطاف إما أن يكون الله هو الذي في ذهنك ،هو الله الذي أمامك أو يكون الشيطان. هل هناك شيء غير هذا؟.
                          من الذي يستطيع أن يكون بعيداً عن أن يكون عَلَمُه هو الشيطان إذا لم يكن ماشياً على هدي الله؟. لا أحد. المسألة من أساسها سُنّة بشرية ،فطرية لدى الإنسان يحتاج إلى أعلام سوى للحق أو للباطل ، والحق أيضاً يحتاج إلى أعلام والباطل يحتاج إلى أعلام.
                          الباطل لا ينـتشر من الأشخاص الذين هم في الشوارع مساكين تائهين ،وعمل حديث وأطلقه ،فجاءت الأمة تلتقطه ثم تعممه في مدارسها، هذا لا يحصل.
                          ينتشر الباطل من داخل أعلام رموز هم يَلُوا أمر الأمة ،أو يكونوا كعلماء في وسط الأمة فيصبح (قاضي القضاة) ،أو يكون له لقب من هذا الألقاب ،أو (إمام المحدثين) ، فيأتي من هنا التضليل ،ويأتي من هنا الانحراف ، ويأتي من هنا الكذب ، ويأتي من هنا الباطل فيعمم على نطاق واسع ؛لأني تلقيت الباطل من عَلَم ،فبقدر ما لهذا العلم في نفسي من مكانة بقدر ما هيئت نفسي لتقبل هذا الباطل من جانبه ، ليس هناك باطل ينتشر من الناس المساكين الفلاحين الذين يكونون بين أموالهم أو في الشوارع مُتَخبِّطين ، لا يمشي الباطل من بينهم ،التحريف الذي هو باطل كتحريف لمعاني القرآن أو وضع ثقافة باطلة.
                          من الذي يستطيع أن يعمم ثقافة باطلة؟. أليست هي الدول؟. والدول بواسطة علماء يخدمونها من صحابة أو من تابعين أو من غيرهم من بني البشر.
                          فالباطل نفسه يحتاج إلى أعلام ،وما بين أيدينا لم ينتشر تلقائياً ، إنما عن طريق أعلام شدّونا نحوهم ، ثم قالوا هذا هو دينهم هذه هي عقيدتهم ، هذه هي سيرتهم ، هذا هو ما كانوا عليه ، فالتزموا بما كانوا عليه ،وأصبحوا يملئون أنفسنا ، هكذا يكون انتشار الباطل، ولا بد في نفس الوقت أن الحق يسري على هذا النحو.
                          إذاً فالحق يأتي عن طريق أعلام لهم مكانة في نفوسنا ،أعلام نجلّهم ،أعلام نحبهم ، أعلام نحترمهم ، أعلام ندين بحبهم ، أعلام نعرف تاريخهم المشرق ، أعلام نعرف كيف كانوا يجسدون القيم الصالحة ،كيف كانوا رحماء بالأمة ،من خلال حبي لهم وانشدادي لهم وإجلالي لهم وحبي لهم ، أتحلى بما كانوا يتحلون به ، أدين بما كانوا يدينون به ، فمن هنا يأتي تقبل الحق.
                          نفس الشيء الذي أحيط به كل مصادر هداية الله سبحانه وتعالى بدأ من القرآن الكريم ،بدأ منه سبحانه وتعالى ،ألم يقدم نفسه هو كعظيم لدينا ،كعظيم نعظمه ، نُجِلُّه ،نقدسه ليملأ مشاعرنا لننطلق في التمسك بهديه ،إذا كان الله لا قيمة له عندنا فمن الذي يتمسك بهدي من لا قيمة له عنده؟. أليس نسيان الله يؤدي إلى أن ينسى الإنسان أن يهتدي بهديه {نسوا الله فنسيهم}.

                          تعليق


                          • #14
                            كذلك كتابه الكريم ، ألم يثنِ الله في كتابه الكريم الثناء العظيم { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَن شَاء ذَكَرَهُ ذكره . في صُحُفٍ مُكَرَمَة . مَرفوعَةٍ مُطََهَرة ٍ. بِأيْدِي سَفرة} هكذا تحدث عنها ، يثني على القرآن الكريم بأنه كتاب حكيم ، بأنه نزله من يعلم السر في السماوات والأرض ،بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أنه هدى ، أنه نور ، أنه شفاء ، أنه موعظة ، أنه .. أنه... لدرجة أن تملأ نفسك مشاعر الإجلال والنظرة إلى العظمة في هذا الكتاب فتهتدي بهديه. إذا كنا نحن ، ونحن الشيعة لم نصل بعد إلى درجة أن نؤمن بما توحي به هذه الآية وتنص عليه كحاجة ماسة {وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله} بأنه يرشد إلى منهج وقدوة ، أليس كذلك؟. يرشد إلى كتاب ،ين‍زل من عنده ،ورسول يصطفيه من عباده ، رسول هو خاتم النبيين ،فلا بد أن يكون هناك أعلام للأمة من بعده يسيرون بسيرته ، ليكن في المسألة كفاية ،لأن يكون من جهة الله هو يرى أن فيها الكفاية للأمة.
                            وورثة من أهل بيت نبيه ،هم لا يرقون بالطبع إلى درجة أنبياء ،إنما هم ورثة لنبيه يسيرون بسيرته يهدون الأمة بهديه ، يكونون هم أعلام دينه وأعلام هديه، تلتف الأمة حولهم.
                            تحتاج الأمة إلى أن تهتدي عن طريقه بالكتاب الذي نزل بلغتها، على الرغم من أنه نزل بلغتها ،أو أنه نزل بلغة لا يفهمها إلا محمد ؟. أم أنه بلسان عربي مبين. إذاً لا نحتاج إلى أحد فهو بلسان عربي مبين ،نحن عرب لا نحتاج إلى أحد ،إذاً فاذهبوا مع السلامة ،أنت وصلّت المكتوب والرسالة ومع السلامة ، كما كان يقول الوهابيون ، كانوا يتثقفوا بهذه الثقافة، ولهذا اضمحلت جداً عظمة رسول في نفوسهم ،قالوا محمد هو رسول الله جاء برسالة ، هكذا كانت عبارة معروفة لديهم ، بدوي جاء برسالة ،جاء بمكتوب من عند الله وذهب. ،{قل إنما أنا بشر}، هو بشر جاء بمكتوب وذهب، كانوا يقولون هذه العبارة يحكيها (دحلان) وغيره ، هم كانوا يكرروا هذه.
                            نحن شيعة أهل البيت عليهم السلام وبالذات نحن الزيدية هم من وُوجِهوا بحملات كثيرة ضد أهل البيت عليهم السلام ،كثير من الناس لا تشعر بأنه فعلاً أصبح يؤمن بهذه القضية فعلاً ، مجرد احترام عادي وتقدير وصداقة ،لكن لو يدخل في مشكلة مع أحد بعضهم قد يقلب عقيدته إلى عند الإمام علي عليه السلام. نحن لا ينبغي أن نكون بهذه العقول ، بهذه النفوس الصغيرة نفهم دين الله.
                            كما قال الإمام الخميني ( إن الإسلام أسمى مما نتصور) هو شخص صعد عظيماً وهز الدنيا مع هذا كان يصيح بعظمة الإسلام ، ويقول في نفس الوقت (إن الإسلام أعظم وأسمى مما نتصور) ، وفعلاً إذا بقيت الأمة وخاصة نحن الزيدية لم نؤمن بعد بهذه المسألة، إنه فعلاً ثقلين لا بد منهما ((كتاب الله وعترتي)) كما قال هنا {وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله} أليس المعنى واحد؟. والتعبير واحد؟.
                            ويمكن أن نقول أننا نحن المظلومون، -إذا أردتم أن نقول الصدق- أن الله يقول لأولئك الناس -وهم مجموعة من البشر وخلال ثلاثة وعشرين سنة- {وأنتم تتلى عليكم آيات الله} تتن‍زل {وفيكم رسوله}سيد البشر موجود بينكم، ألسنا نحن المظلومين؟.
                            معنا كتاب الله ولا زال يواجه بالتشكيك بأنه إنما جمع من خَزَف وأضْلاع وقراطيس وجمعها أبو بكر ،لولا أبو بكر كان يمكن أن ينتهي القرآن ، وفلان كان عنده آية وفلان نسي آية ،وسورة كانت أطول من هذه. فرق كبير بين من يرى محمداً وهو ين‍زل عليه الوحي ثم يستيقظ من وحيه فيقرأ عليه الآية ، تكون آية طرية؟.
                            {وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله} وفيكم رسوله سيد البشر ،من حكى الله عنه بأنه { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128، وهو واحد عَلَم يرونه ، أما نحن فعترة رسوله ، أليست المسألة أقل؟. لكنها كافية ،لا نريد أن نتنكر للقليل الذي يكفي ،فما هو البديل إذن ؟. ما هو البديل إذن؟.
                            نحن حتى عندما نؤمن بالثقلين كتاب الله وعترة رسول الله ،ربما -وإن كانت عبارة غير مؤدبة لكن لنعرف نفهم نحن أنا نحن المظلومون لم تصبح وضعيتنا كوضعية من كان في حياة النبي صلوات الله عليه وعلى آله ، ونحن في زمن أطول ،ونحن من وُوجِهْنا من قِبَل أعداء أشد خبثاً وأكثر قوةً ، أليس هذا الذي حصل؟. لو نريد أن نُقاصي الله ،ولولا أنه يعلم أن في المسألة كفاية لكان بالإمكان أن نقول: كان تنعكس القضية كان اجعل محمداً يأتي في القرن العشرين وقت الشدة وقت الأزمات ،لكن لا ؛ لأن الله يعلم أن في المسألة كفاية وفوق الكفاية ،أن عترته فيهم كفاية وفوق الكفاية ،أن يكونوا أعلام للأمة ،ومع هذا نقول: لم تسوغ لنا المسألة ،ولا نريدهم.
                            يا أخي لو تنظر إلى واقع القضية أنت المظلوم -بعد أن تؤمن وتقبل- بالنسبة لما كان للناس في مجتمع النبي نحن مغبونون ،لولا ثقتنا بالله سبحانه وتعالى أنه سيجعل في هذه الأمة من بعد حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أزكى وأقوى وأعظم نفعاً للإسلام والمسلمين ممن كانوا في أيام النبي صلوات الله عليه وعلى آله ، ما عدا الإمام علي عليه السلام والأقليلة منهم.
                            ولهذا في حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يسمي أناساً سيأتون من بعد (إخوانه) -لا أذكر نص الحديث- أنه كان يتأوه على إخوانه، قالوا: نحن إخوانك يا رسول الله. قال : لا إخواني الذين سيأتون من بعدي فيروا كتباً –أو بعبارة تشبه هذه- في قراطيس فيؤمنون به ويصدقون به.
                            رسول الله نفسه كان يُقَدَّر لمن يأتي بعده أنه ممكن أن يكون بعده ممن هم في واقع المسألة لم يحظوا بما حظي به من كان في مجتمعه ،وفي حياته من مشاهدة القرآن ين‍زل ،ومشاهدة الرسول يتحرك حياً بين أيديهم ، لكن الله سيرعاهم فيكون منهم من سيصبح إخواناً للنبي ،فوق درجة أن يكون صحابي صاحب النبي.
                            ولهذا كان الحديث محرجاً حتى حاول الكثير أن يقولوا فيه هي فضيلة عظيمة لكنها لا ترقى إلى درجة الصحبة ، مع أن الحديث ينص أن النبي عندما كان يتكلم بهذا الحديث (إخواني إخواني قالوا نحن يا رسول الله؟. قال : لا اخواني من سيأتون من بعدي). أليست كلمة (إخواني) بهذا المعنى أرقى من كلمة (أصحابي)؟. يعني ماذا؟. أن الله حي قيوم وموجود يستطيع أن يجعل فيما بين المسلمين الكفاية.
                            من كتاب تعرض للهزات من قِبَل المسلمين أنفسهم: نزل على سبعة حروف ، نزل على سبع قراءات ،إلى حد الآن لم يعرفوا ما هي هذه الحروف ، أناس قالوا سبع لغات ، وأناس قالوا كذا ، لحد الآن لم تتميز المسألة فعلاً ،وأنهم كانوا يتضاربون أناس يقرءون كذا ، وأناس يقرءون كذا ، ثم أحرقوه وبقي نسخة واحدة جمعها عثمان وطبع عليها ووزعها في المناطق. وعَظْمِي كان فيه آية ،وعظمي فيه آية أخرى، ولوح من هنا.
                            اقرؤوا كتاب (علوم القرآن) للقطان ؛لتجدوا كيف تعرض القرآن الكريم لهزات لولا أنه محفوظ من قبل الله لكانت فيه سور أخرى واحدة لمعاوية ،وواحدة لعائشة ،وواحدة لأبي بكر ،وواحدة لعمر ،وواحدة لعثمان ، لكن الله سبحانه وتعالى حفظه.
                            من أجل من حفظه؟. حتى ممن رأوا النبي من أجل أن يصل إلينا نظيفاً وسليماً. أعتقد أنه حفظه حتى ممن كانوا في زمن الرسول ؛لأنهم بعد موته كانوا يشكلوا خطورة عليه كثير منهم ،معاوية ألم يعاصر النبي أليس صحابياً؟. ، عمر بن العاص أليس صحابياً؟. ، المغيره بن شعبة وعائشة أليسوا صحابة؟. لكن لا يوجد مجال وإلا كان معاوية يختلق لك عشرين مصحفاً ،يجعل لبني أمية سورة ،وفي أهل البيت عليهم السلام سورة تكون لعناً وسباً.
                            اختلقوا حديثاً في أهل البيت (إن آل أبي طالب ليسو لي بأولياء) أن رسول الله قال كذا ،لكن كَبُرت عليهم المسألة ،حتى المحدثين تحاشوا أن يصدروها في كتبهم ،فجعلوا بدلها (فلان) (إن آل أبي فلان ليسو لي بأولياء) قالوا هذه كبرت ،لكن السند صحيح رواه فلان عن فلان ثقة ضابط ،طبعاً (ضابط) أموي، برتبة (عميد).
                            أقول نحن فعلاً الزيدية إذا لم نصل إلى القناعة بهذه المسألة بالثقلين ،وأن نتحرك في إطار الثقلين فسنظل أخذل الأمة وأرذل الأمة ، أتعرفون أننا الآن أضعف طائفة؟. وأننا الآن أقل الطوائف أم لا؟. تعال إلى المسلمين تجد المسلمين تحت أقدام اليهود ، تعال إلى الشيعة تجد الشيعة طوائف متعددة كلها في وضعية جيدة احترمت نفسها ، لماذا؟. لأنها -ربما- ليست المسئولية موجهة عليها بشكل كبير كما هي موجة إلى الزيدية ، (الإثنا عشرية) محترمين ولديهم دولة ولديهم أحزاب قوية ،ولديهم إمكانيات هائلة وصحف ومجلات ومطابع وأعلام وأشياء كثيرة يملئون الدنيا بها. (المكارمة) من يحسبوا أنفسهم على الشيعة ،ونحن بعد لم نعترف بهذه النسبة ، (الباطنية) في حراز وفي الهند. (البُهْرة) هؤلاء من يعدوا أنفسهم من الشيعة الإسماعيلية كلهم طوائف وضعيتها جيدة.
                            ما الذي حصل للمكارمة في (نجران)؟ عندما تعرض واحد من طلاب سيدهم إلى إهانة أو استجواب من السلطة السعودية ماذا عملوا؟. عملوا ثورة في نجران وخرجوا في الشوارع وضرب بالبنادق حتى خربوا مكتب الأمين نفسه ،وكسروا سيارات ، أقاموا لعبة داخل السعودية. (البُهْرَة) طائفة غنية ،طائفة منظمة ،لكن الزيدية يلعب بهم مدير مدرسة ،أو يلعب بهم محافظ أو سائق أو مدير ناحية أو حاكم أو عسكري ،يعني وضعية سيئة جداً ، لماذا؟. ليس لأن أولئك لديهم الحق ،تعال تصفح لن تجد عندهم الحق ،لكن عند هؤلاء الحق وهم من أضاعوا المسؤولية ، هم من أضاعوا المسئولية فاستحقوا أن يذلوا كما قلت سابقاً.
                            ألم نصبح نحن كعرب أذلاء تحت أقدام اليهود والنصارى؟. ؛لأننا أضعنا ما استوجبنا به أن نكون تحت أقدام من قد أذلوا وضربة عليهم الذلة والمسكنة. ألسنا نحن الزيدية تحت أقدام السنيّة؟ ؛لأننا نحن من أضعنا المسؤولية الكبرى، ونحن من نتنكر لأهل البيت عليهم السلام، ولم نؤمن بعد بقضية الثقلين (كتاب الله وعترتي) ، وقد آمن بها الآخرون ، إنما لم يطبقوها ، آمنوا بها لأن الحديث صحيح ،لكن ثقِّفُوا ثقافة أخرى وانطبعت في نفوسهم عقائد أخرى وثقافة أخرى جعلتهم يعدلون عنها ، وإلا فهم يؤمنون بها ، نحن متى لم نؤمن بالثقلين فسنظل أذلاء وليطل الزمن ما طال، ولن نحظى بعزة ،ولا بقوة ،ولا بتمكن ،ولن نستطيع أن نقدم للإسلام شيئاً.
                            كيف نستطيع أن نقدم ونحن ندخل بنظرية ناقصة ،هي نفسها تجعلنا ندخل إلى القرآن ناقصين ،وننظر إليه بنظرة ناقصة، نزعم أننا لسنا بحاجة إلى أعلام بينما الله يقول لأولئك -كما قلت سابقاً وأكثر من مرة- {وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله} في مواجهة بدو من أهل الكتاب، أليس الحديث عن {إن تطيعوا فريقاً}؟. كان فريقاً أما الآن دول، أليس هذا صحيحاً؟، فريقاً يعني مجموعة من أهل الكتاب ، أما الآن أنت تواجه الصهيونية بإمكانياتها الهائلة ،وتوسعها في العالم ،أنت تواجه دول بأكملها ،تعمل كلها جاهدة على أن تكفرك ،أن تصل بك إلى درجة الكفر، تمتلك إمكانيات هائلة تستطيع فعلاً أن تعمل على دعم وسائل الضلال، (الدُّشَّات) هذه ألم يكن الدُّش بمائة وستين ألفاً أو بمائة وثلاثين ألفاً؟. ثبت بأخبار مؤكدة أنها دعمته الصهيونية من أجل أن ينتشر بين الناس برخص فيصل سعره إلى عشرين ألف ،خمسة عشر ألف ،والباقي عليهم ،يعطوا الشركات المصنعة المبالغ التي هي قيمة هذه الأجهزة وتن‍زل لدينا برخص.
                            أتعرفوا ما معنى الدعم؟. إذا كان هذا الجهاز تصنعه الشركات الفلانية فيصل قيمته إلى مثلاُ ألف دولار ،الشركة -مثلاً- يُدْفع لها تسع مائة دولار ويقال لها: بيعيه في السوق بمائة دولار ، هذا هو الدعم.
                            {ومن يعتصم بالله} نريد أن نعرف كم نحن من الزيدية هنا في هذا المكان قد نكون مائة شخص أو أقل، من يعرف بأننا نحن المائة هذه -ونحن نموذج لغيرنا- أن فينا على الأقل ثمانين في المائة مؤمنين بهذه القضية ،مؤمنين بقضية الثقلين بوعي ،أنها هي المسألة التي لا بد منها في الاهتداء بالدين ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) أليس هذا الضمان من الضلال في كل مجالات الدين في كل مجالات الحياة؟.
                            والضلال هذا الذي قاله الرسول لا يعني أنك تقع في معصية تدخل في باطل من هذا الباطل المعروف ،بل الضلال بكله ،الضلال في العقيدة ،الضلال في الفكر ،الضلال في الحياة ، ما هو الضلال في الحياة؟. أليس هو التَّيْه ،الجهل ،الضَّعة، الذلة ،افتقاد القوة ،الشقاء ، أليس هذا هو الضلال؟.
                            الإسلام جاء دين يهدي الأمة فيزكي النفوس ،يعلّم الناس يطهرهم ،يزكيهم ،يجعل الحياة كلها سعيدة بالنسبة لهم ،يجعلهم متمكنين في الأرض ،كل خيرات الأرض تحت أيديهم ،كل أسباب القوة بأيديهم ،هذا الذي أراده سبحانه وتعالى للمسلمين ،للعرب بالذات ، لكن تنكروا لكل شيء فأصبحوا أذلاء وأصبحوا لا يمتلكون شيئاً، إلا ما كان فضلات مما لدى الآخرين.
                            حتى في المناهج الدراسية نحن ندرس نظريات قد عفا عليها الزمن ،وقد تجاوزوها هم فأصبحت قديمة ،سواء في الطب أو في الفيزياء ،أو غيرها، وأصبحت قديمة غير مجدية ، كاملة أو بنسبة معينة ،أصبحت معروفة لديهم ،وقد تجاوزوها ،وقد تعدوها بزمان، أصبحنا إلى هذه الدرجة لا نستطيع أن نصنع مثل هذه الآلة ،أو قطعة الغيار الفلانية لا نستطع أن نصنع شيئاً.
                            هذا هو الضلال الذي تقع فيه الأمة ،لكن لم يعش الناس ثقة بالقرآن ،ولا عاشوا ثقة بالرسول ،نظروا إلى القرآن وإلى الرسول وكأنه صاحب مهمة معينة ،ومجال محدود ،لا شأن له بالحياة وبأمور الحياة ،بل نحن الذين سننظر كيف سنهدي أنفسنا، كيف نعمل في سبيل إخراجنا من هذه الأزمات. لدرجة أنه ماذا حصل؟.
                            أليس العرب الآن يبحثون عن السلام من أمريكا؟. من عدوهم ،وهم يقولون ويصرحون أن أمريكا هي التي تدعم إسرائيل. أليس هذا من الضلال المكشوف؟. الضلال الذي لا يدخل فيه أحدنا، هل أنت ستذهب إلى عدوك الأكبر تطلب منه أن ينقذك من عدو ليس إلا يد من أياديه، وهو إنما يعمل لصالحه؟!.
                            في هذا الزمن لابد أن يقف الناس موقف صحيح من أنفسهم ،لم يعد الوقت وقت المجاملات والحياء والمداهنة ،بل هو وقت مناقشة الحقائق ،ومعرفة الحقائق. يكفي الناس ما يلمسونه من ذلة وإهانة وضياع لهم كمسلمين كعرب، يكفي. المفروض أن يبحثوا عن حل. الإنسان متى ما اشتد به المرض أليس يشرب الدواء ولو كان مراً؟. فالآن لنبحث عن العلاج ،ولنقبل ولو كان مراً، مع أن العلاج من قبل الإسلام ليس مراً ،لا يمكن أن يكون مراً، لكن نفهم أن وضعيتنا أصبحت وضعية مزرية ، اعتقد أن العرب لو يفهمون وضعيتهم وقالوا: أنتم لن تتخلصوا من هذه الوضعية إلا بعد أن تُتَوِّجُوا ذلك الجَمَل وتجعلوه قائداً لكم ،فإن من الطبيعي أن يسيروا وراء هذا الجمل ،ويُتَوِّجونه ويجعلونه قائداً لهم، ويهتفون باسمه ،ويصفقوا له. ناهيك عن الثقلين كتاب الله وعترة الرسول أهل بيته.
                            هل كان أعلام أهل البيت عليهم السلام مر؟. غير مقبولين لدى الأمة؟ ،هل الإمام علي عليه السلام غير مقبول لدى الأمة؟. لماذا كان غير مقبول؟. هل كان ظالماً أو كان جشعاً أو كان غبياً ماذا كان؟. أعلام يُشَدّ الناس إليهم فكيف يمكن أن يكونوا مراً؟. كيف يمكن أن لا يُقبلوا؟.
                            أنت عندما تمرض من (الملاريا) ويشتد بك المرض ألست تشرب (السَّنَاء) وهي مر؟. أو سعال يحصل فيك أو أي شيء من الأمراض، تأكل مراً ،تأكل (صبراً). الأمة هذه لا تدرك بأنها أصبحت مريضة، دع عنك الآخرين ،نحن الزيود هل أننا بعد لم نفهم وضعيتنا؟. هل كل شيء صالح؟. لا والله ليس كل شيء صالح ،وأننا تحت الصفر في كل شيء.
                            لنستعرض وضعنا: هل لدينا حزب؟. لا. هل لدينا مطبعة؟. لا. هل لدينا قناة تلفزيون؟. لا. هل لدينا إذاعة؟. لا. هل لدينا صحيفة أو مجلة ، لدينا جمعيات؟. حتى الجمعيات نحن لا نهتم بها، ناقصين في كل مجال، نحن نعيش حالة ضلال رهيب. هل نحن طائفة واعية نستمسك بعلمائنا وبأعلامنا؟. أم أننا أصبحنا كما يقال: (تَوْفِيَة مذاهب) من يريد أن يوفي مذهبه أخد له أنصار منا، أصبحنا تائهين، ليس لدينا شيء ثابت. يبرز شخص من هناك فينشدوا إليه ،يرى لمبة مضاءة على الحرم يقول: (أشهد أن هؤلاء على الحق)، أو أي شيء بسيط ، يبني صومعة ،أو أناس يطوفون حول الحرم ،أو رجل يلبس ثوب نظيف ،أو صاحب ذقنة طويلة يقول: (كيف لا يكونوا على حق وهم كأنهم عُطْب).
                            الزيدية عندما يكونوا على هذا النحو فهم تائهين ضائعين ، حتى الشوافع في اليمن هم أرقى منا ، محافظة تعز أرقى منا ،لديهم خدمات أكثر منا ، نحن الزيود ينظر إلينا نظرة أخرى على مستوى المحافظات.
                            وهذا يعني أننا أصبحنا ضائعين حتى أمام من هم مضيعين للثقلين.
                            الزيدية من أسس دينهم من أسس فكرهم هو أن الدولة الظالمة لا يدخلون فيها ،لكن الناس الداخليين قد أصبحت عندهم قضية عادية لديهم هل هم داخلون فيها؟. لا. لا زالوا خارج. فمتى ما أصبحنا غير قابلين ( لمر)، نحن الآن مستعدون أن نقبل ( مراً ) نأكله فنشفى من حالتنا هذه.
                            لا تقبل الإمام علي عليه السلام ،لا تقبل الإمام الحسن عليه السلام ،لا تقبل الإمام الحسين عليه السلام ،لا تقبل أعلام من أهل البيت عليهم السلام، بل هم يسعون في مختلف مراحل التاريخ ،ويفرضون أنفسهم عليك ،وليس فقط أنت من تحاول أن تلمِّعهم. متى لمّعنا أحداً من أهل البيت؟. أو احتجنا أن نكذب له من أجل أن نلمعه أمام الآخرين. لكن الآخرين يتمسكون بـ(مُرّ)، يتمسكون بأناس منحطين يحتاجون في كل وقت يضربون لهم (رَنْجاً) تارة أصفر، وتارة أبيض من أجل أن يلمّعه أمام الآخرين. فنحن لا نحتاج إلى أن نلمّع أعلام أهل البيت عليهم السلام ،لا نحتاج نحن عندما نراهم ناقصين أن نكبرهم حتى يكونوا جذّابين عند الآخرين، فقط نحتاج أن نتحدث عن نصف واقعهم ،وسيصبحون جذابين عند الآخرين ،لست بحاجة إلى أن تضيف شيئاً من عندك، تحدث فقط عنهم ،تحدث ولو بنصف ما هم عليه وما لديهم فيكفي أن يجعلهم جذابين عند الآخرين.
                            لكن ما الذي يحصل؟. (توقف يا رجل من الهذرمة في علي ،دائماً علي لا تتحدثون إلا عنه. أهل البيت أهل البيت لا تتحدثون إلا عنهم). بينما لا ينظر ِإلى أن الآخرين يعملون أربعة وعشرين ساعة في التحدث عن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ،في المساجد في المدارس في الجامعات في المعاهد في الأشرطة ،في الصوامع ،في العربيات ،في الإذاعات ،في صفحات الكتب أبو بكر عمر عثمان. الصحابة الصحابة.
                            وصاحبنا بعيد ثم دخل وسمع ثلاث أو أربع محاضرات فقال: يكفي الحديث في أهل البيت. أليست هذه حالة متدنية. والآخرين العكس متى سمعتم سنياًَ يقول: يكفي حديث في الصحابة ،أو شغلتونا بالصحابة. بالعكس بل يشجع على الحديث في الصحابة. لاحظوا الفارق الكبير وهذا يعني أننا في ضلال كبير. أعلام لديهم يحتاجون أن يلمِّعوهم ،هم منحطون يحتاجون أن يلمعوهم ،يحتاج يتكلم عنهم كثيراً ،هم ينطلقوا يتكلموا عنهم كثيراً وبالكذب ،الذي ليس من رسول الله ولا قاله ،ولا يمكن أن يقوله ،فيتكرر هذا الكلام كثيراً جداً.
                            ونحن من أعلامنا قدوات يصح أن نتعبد الله بولائهم ،لا تحتاج إلى أن تكذب من أجلهم ،ولا أن تكذب من أجل أن تلمعهم ،وهم لو تحدثت بنص ما هم عليه أو بربع ما هم عليه لكان فيهم ما يجذب الناس إليهم ،ولكان فيهم ما ترى بأنك تعتز وتفتخر بأن يكونوا قدوة لك ،ثم لا تتحدث عنهم ،ثم تصمت عنهم. أليس هذا هو الذي يذهل الإنسان، لا نتحدث عنهم بل متى ما جاء أحد يتحدث عنهم قلنا : (يكفي الحديث عنهم ولا نريد أن نسمع عنهم).
                            الإنسان إذا أراد أن يعرف وضعيته ينظر إلى الآخرين ،أنت زيدي شيعي ،ولك أعلام من أهل البيت عليهم السلام ،انظر ماذا يعمل الآخرون لأعلامهم، أنظر كيف أعلام أولئك وكيف أعلامك.
                            السنيّة في تعب شديد وهم دائماً في تلجيم لأبي بكر وعمر، حديث يأتي من رسول الله في علي عليه السلام فيحاول بأي طريقة أن يدفعه أن يركله، حتى لا يسقط على أبي بكر فيقضي عليه. يحاولون في آيات القرآن كذلك ،يقفز من فوقها من أجل أن لا يلزم أن تكون في علي فيكون علي هو أفضل من أبي بكر. أليس هذا يعني أن هناك أعلام متعبين؟. أعلام يرهقونك ،أعلام تجد نفسك في موقف ضعف ،أعلام تحتاج إلى أن تدافع ،تدافع من؟. تدافع القرآن وتدافع الرسول من أن يهجم عليهم.
                            لو كان أبو بكر بالشكل الذي يمكن أن يكون أهلاً لأن يكون علماً لكانت تلك الأحاديث التي تأتي تدفعها هي له لكان هو الذي سيرفع رسول الله يده يوم الغدير ويقول (من كنت مولاه فهذا أبو بكر مولاه). ألم بالإمكان أن يكون هذا؟. كان بالإمكان أن يكون هو الذي قال فيه الرسول (أنت مني بمنزلة هارون من موسى). كان بإمكانه أن يكون هو الذي قال فيه (أنا مدينة العلم وأبو بكر بابها) ألم يكن بالإمكان هذا؟. فلماذا تسمع دائماً يقول: علي.. علي. ثم في الأخير تحاول تدفعها عنه. هذا عمل متعب ،عمل مرهق.
                            لكن تعال إلى الإمام علي عليه السلام ،تعال إلى أهل البيت عليهم السلام هل تجد تعباً؟. لن تجد تعباً ،لن يحرجك الإمام علي إلى أن تدفع عنه القرآن ،وتدفع عنه الرسول ،ولكن ادفع عنه الباطل ،ادفع عنه معاوية. بل هو الذي تحتاج إليه مع القرآن لتدفع الباطل أن لا يشوهوا القرآن. هل هذا صحيحاً؟.
                            تدفع أهل الباطل أن لا يدنسوا محمداً ، لكن هل يحرجك الإمام علي عليه السلام؟ ،هل ارتكب أخطاء تاريخية مخزية يحرجك إلى أن تُلَجِّم ،وتغطي وتغالط عليها؟. أو يحوجك أهل البيت عليهم السلام من بعده إلى هذا؟.
                            حصل ظاهرة في أئمة متأخرين من الزيدية ،حصل داخلهم حركة وتضارب ،وأشياء من هذه، هل نحن أحرجنا أنفسنا بهم، ونقول سلام الله عليه وهو كان كذا؟. لا. لا سلام الله عليه وهو على باطل ،لا سلام الله عليه ولو كانت عمامته كيف ما كانت ،أو يحمل اسماً كيفما كان. نحن لا نتعب أنفسنا بأعلام يرتكبون باطلاً ثم نحاول أن نغطي عليهم. هذا ليس من طريقتنا إطلاقاً.
                            متى حصل هذا؟. عند متأخري الزيدية عندما امتدت إليهم هَبَّة من الروائح الكريهة من جانب شيعة هؤلاء ،فدخل المعتزلة ودخل السنيّة ،وأصبحوا متأثرين بهم ،فكانوا أعلام منحطين ،وكان صراع فيما بينهم ،لم يكن يحصل مثله بين أئمة أهل البيت عليهم السلام السابقين ،فتدنسوا هم بسبب ما وصل إليهم ؛ولأنهم لم يكونوا كاملين ،لم يحصلوا على الكمال ، أو بعضهم لم يحصلوا على الكمال ؛لأن ثقافته كانت معتزلية أو ثقافته كانت سنية ،ولا يمكن أن يبلغ رجلاً درجة كمال بحيث يمكن أن يلي أمر الأمة ،وهو على هذا النحو ؛لأنه هو أصبح متأثراً بالآخرين ،أصبح متأثراً بما هَبّ من جانب أبي بكر وعمر وشيعتهم.
                            إذا قالوا أئمة الزيدية حصل فيهم كذا وكذا. قولوا لهم: نحن (مُطَرِّقِيْنَ فيهم) ،من رأيتموه على باطل العنوه. هل سنأتي نحن ونقول: لا، لا. ونحاول أن نرغمه على أن يقتنع به راغماً، لن نحاول أن نشربك حب عائشة وقد خرجت تقاتل الإمام علي عليه السلام ،وتحت قيادتها ما يقارب من ثلاثين ألفاً، وحاشيتها من بني أمية. نحن لا نقول أن هؤلاء كلهم (مُصَرَّفِيْنَ من المعاصي) ،ولا يضرهم ما فعلوا، لكن الرسول يضره عندما قال {قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }الأنعام15.
                            حتى الإثنا عشرية هم محرجين مما تجلى لنا أنهم محرجين في مسألة أئمة معدودين ،جعلوهم أئمة الكون بكله ،ثم رأوا في الأخير أن المسألة كانت غير طبيعية ،وعندما ظهر الإمام الخميني وطرح نظرية (ولاية الفقيه) كان كثير منهم يقاومها.
                            ماذا حصل؟. من آمنوا بالمسألة ولا يزال في ذهنيتهم الإثنا عشر وضعيتهم محرجة ،فماذا قالوا؟. عمدوا إلى الجانب الزيدي المجاهد فقالوا: (هذا كان هو الجناح العسكري للأئمة). من أجل ماذا؟. من أجل أن يبرهنوا على أن أولئك الأئمة كانوا رجال ثورة وجهاد ،ورجال يعملون على إقامة حكومة إسلامية. ألم يبحثون عن الزيدية فقالوا هم كانوا الجناح العسكري للحركة الرسالية ،فكان زيد هو القائد العسكري للإمام جعفر الصادق ،فكان هو عبارة عن شخص على رأس معسكر ،وجيش يخرج تحت قيادة جعفر الصادق وهكذا على هذا النحو. من أجل ماذا؟. من أجل أن يحاولوا أن يلبسوا أئمة معينين لباس آلة الحرب. فيقولوا أنهم كانوا أئمة عظماء كانوا يقاومون الظلم ،هم كانوا يعملون لإقامة حكومات إسلامية ،هم كانوا أئمة يلبسون آلة الحرب ،وين‍زلون إلى ميادين القتال.
                            مع أن المنطق السائد هو أنهم أئمة عباد زهاد ،ليس هناك أي كلام حول هذا الجانب الجهادي ،جانب إقامة حكومة إسلامية من عند زين العابدين إلى عند المهدي المنتظر عجل الله فرجه ،كما يقولون هم أنه قد ولد. إذاً فهناك من أئمتهم تسعة لا يستطيعون أن يتحدثوا عنهم أنهم قاموا بحركة جهادية، وعندما لا حظوا أنه لا بد من ذلك حاولوا أن يضفوا عليهم صبغة الحركة الجهادية.
                            إذاً أليسوا في حاجة أن يلبسوا أئمتهم دروع الحرب وقد تحولوا إلى رفات؟. لكن تعال إلى أئمة الزيدية لا تحوج نفسك إلى شيء فستجد لديهم ما يدعم نشاطك كله ،وأنت تدعو إلى الإسلام ،وأنت تجاهد في ميادين الإسلام ،وأنت تعمل للإسلام في مختلف ميادين العمل تجد لديهم القدوة الكاملة ،وأنت تريد أن توعي الناس ليفهموا تجد لديهم الأمثلة الكاملة من واقع حياتهم بالشكل الذي يذهل الناس ويرسخ الوعي بأهمية قيم الدين إلى أعماق أعماق نفوسهم.
                            ثم تجدنا أقل الطوائف ولاءً، أليس هذا هو الحاصل؟. نحن أقل الطوائف ولاءً لأهل البيت عليهم السلام. ولو كانوا أهل البيت الذين هم من نوعيتنا لكانت المسألة بسيطة ،لكن نحن أقل الطوائف ولاء لمثل الإمام علي عليه السلام. المكارمة أكثر ولاء للإمام علي عليه السلام منا ،وكذلك الإثنا عشرية أكثر ولاء للإمام علي عليه السلام منا، والإسماعيلية أكثر ولاء للإمام علي عليه السلام منا ،بل حتى الصوفية السنيّة أكثر ولاء منا للإمام علي عليه السلام فهم يهتفون باسم الإمام علي عليه السلام أكثر منا.
                            كما قال (محمد عصمت) الرجل المصري وهو يخطب في يوم الغدير قال: (حالة رهيبة بين أوساط اليمنيين ،فلو تدخل نعجة سيد بين زرع قبيلي سيقول: رضي الله عن أبي بكر وعمر ، ويكفر بعلي ،ويرفع أبو بكر بسرعة خليفة). هكذا خطب في الغدير ،لماذا هذه الروحية؟. هو نفسه تشيع لأنه لاحظ أحاديث حول أهل البيت عليهم السلام داخل كتبهم ،تشيع ولا يزال في مصر ،وجاء إلى اليمن فرأى الزيدية هنا في اليمن ليسوا بالشكل الجذاب في مجال التشيع ،ورأى كتبنا ما زالت مخطوطات فما استطاع قراءتها ، ورآنا على هذا النحو المنحط من الولاء لأهل البيت عليهم السلام، حتى قال هذه العبارة (لو تدخل نعجة سيد بين زرع قبيلي وكان يقول قبل أن تدخل النعجة أن الخليفة الأول هو الإمام علي عليه السلام فيجعل أبو بكر هو الخليفة وعمر بعده وعثمان بعده والإمام علي الرابع ثم يرضي على الثلاثة).
                            ثم أنه لف أدواته وسافر إلى إيران ،ذهب إلى هناك فتجعفر كله عقله وزيه ؛لأنه رأى أننا لسنا جذابين ،ولهذا لسنا حتى عند نفوسنا. هذا الزيدي يتحول وهابي ،وهذا يتحول إلى اثنا عشري لأنه ما رأى من يجذبه، ما رأى ولاء ، ما رأى أمة لها أعلام واضحة تنشد إليهم. يدخل بعض المراكز وهم متعاندين وهم متماحكين ،في الساحة لا يسمع شيئاً ،عندما يسمع الواحد منا كلمة أو كلمتين عن الإمام علي عليه السلام فيقول: توقف.
                            لم يروا فينا ما يشدهم نحونا ،لا حركة عقائدية ولا حركة جهادية ،ولا حركة سياسية ،ولا اقتصادية ،ولا ثقافية ،لا شيئاً. ألسنا رقم تحت الصفر؟ حقيقةً.
                            إذا كان هناك أحد لديه ملاحظات في هذا الموضوع فليقل الصدق. أنا لا أتهَجّم على طائفة أخرى، أنا من قلب الطائفة هذه.
                            { وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101ماذا توحي به هذه الآية؟. من قول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا..} أليست توحي بأن هناك عملاً رهيب يحاول أن يطوع الأمة ،عمل رهيب كله شر ،يجعل واقعك تبحث عن من تعتصم به من هنا أو هناك، فبمن تعتصم؟. اعتصم بالله. يعتصم أي يمتنع. كلمة (يعتصم) توحي بأني أنا أبحث عمن أعتصم به ،أليس العرب الآن هكذا؟. تارة يبحث عن أمريكا يعتصم بها، وتارة يبحث عن الاتحاد السوفيتي يعتصم به ،وتارة يحسن علاقاته مع طرف آخر يعتصم به. أليس هذا هو الحاصل؟. المسألة تعني أن القضية أن الأمة تُواجه بصراع جاد ،وعمل جاد من ذلك الزمن إلى الآن ،يتجه نحو تطويع الأمة لأهل الكتاب اليهود والنصارى لنكون تحت أقدامهم كافرين ،وليس فقط يهود كمثلهم ،نحظى بحقوق متبادلة معهم كمواطنين يهود. أليس كذلك؟. أنهم لو كانوا حريصين علينا لكانوا يعملون على أن يجعلونا يهوداً كمثلهم لنحظى بحقوق مواطنة كيهود. لكن يريدونا أن نكون كافرين تحت أقدامهم يسخروننا لهم ، فيجعلون بلداننا كأسواق لمنتجاتهم ،وسائل إعلامنا أبواق لمنتجاتهم وفكرهم، كُتَّابنا أقلامهم تصدر تضليلهم فتحولنا كلنا إلى خدام لهم ،كافرين تحت أقدامهم ،فلا نستطيع أن نخدم أنفسنا ،ولا أن ننقذ أنفسنا ،ولا يكون في واقعنا ما هو عصمة لنا ،ولا يبقى لنا أيضاً توجه نحو الله بشكل يجعلنا نعتصم به ،فالله يقول هنا القضية خطيرة جداً ،خطيرة جداً ، لن يخلصكم منها إلا الله. {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101
                            {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران 101بالتأكيد قد هُدِيَ، أليست (قد) للتحقيق؟. وكلمة (هُدِيَ) توحي بأنه حصل على الهدى من طرف آخر. أي أن المسألة هو أنك في ميدان هذا الصراع تحتاج إلى طرف آخر يهديك لا بد أن يكون من طرف الله تعالى ،يتمثل أولاً بالاعتصام بالله، وما هو الاعتصام بالله؟.
                            ما ين‍زل الساحة الآن في أوساط المسلمين: (لو تمسك الناس بكتاب الله وسنة رسول الله لاستطاعوا أن يخرجوا من هذه الأزمة). أليس هذا المنطق موجوداً الآن؟. نحن قلنا بأن كلما نسمع لم يعد منطق نرى فيه الحل ،إما لأن التعبير عنه ناقص ،وإما لأن التعبير عنه يؤدي إلى ضلال ، أو أن هذا الذي قُدم كحل ليس حلاً في الواقع ،وإنما يرسخ الإشكالية أكثر فأكثر ،ويهيئ الأمة لأن تبقى في وضعية على ما هي عليه قروناً بعد قرون. الله عندما قال {ومن يعتصم بالله} لأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل شيئاً آخر بديلاً عنه. هل تفهمون هذا؟.

                            تم الصف والإخراج

                            في مركز الشهيد للكمبيوتر
                            التعديل الأخير تم بواسطة محمد النفس الزكيه; الساعة 14-03-2006, 08:56 AM.

                            تعليق


                            • #15
                              دروس من هدي القرآن

                              سورة آل عمران

                              الدرس الثاني

                              }واعتصموا بحبل الله{
                              ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي

                              بتاريخ:
                              9/1/2002م
                              اليمن -صعدة
                              هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.
                              وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
                              والله الموفق.
                              إعداد:ضيف الله صالح أبو غيدنة


                              بسم الله الرحمن الرحيم
                              { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَوَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران : 102, 103)
                              الحمد لله رب العالمين
                              اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
                              قد يكون من مظاهر الضياع بالنسبة لنا كمسلمين من مظاهر الضلال في نفوسنا أن يصبح الحديث عن قضايا مهمة جدا هي من صميم الدين، الحديث عن مشاكل كبيرة جداً وخطيرة جداً هي عامة لجميع المسلمين قد تبدو عند الكثير شيء ليس هناك حاجة للحديث عنه، أو شيء ليس هناك حاجة لمعرفته، شيء لا يهمنا عمله.
                              هذه الحالة النفسية في حد ذاتها ضلال كبير، وخطورة بالغة على الإنسان. يعود الواحد إلى تشغيل البرنامج المعروف لديه: (ليس لنا حاجة سنصلي ونصوم، ونِلْهَم الله بين أموالنا).
                              إذا كانت هذه النظرة عند إنسان فليعرف بأنه في خطورة بالغة، ويعيش في حالة رهيبة من الجهل بدينه، وقد يكون فعلا سائرا إلى طريق جهنم وهو يعتقد بأنه هو الذي رسم لنفسه طريقا سليمة هادئة إلى الجنة، لكن محمداُ رسول الله احتاج إلى أن يسلك الطريق الشاقة إلى الجنة.. أليست هذه حماقة؟.
                              حماقة في النظرة إلى الدين، وفي النظرة إلى الجنة، في النظرة إلى الله سبحانه وتعالى، أن أتصور أنا، ومن أنا؟. أن باستطاعتي أن أرسم لنفسي طريقاً هادئة، طريقاً لا تشغلني عن أي شيء من أمور ديني، لا تشغلني عن أي شيء من أمور دنياي وأصل إلى الجنة بكل هدوء، لكن أولئك الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا مساكين احتاجوا إلى أن يسلكوا الطريق الشاقة إلى الله.
                              سيد الأنبياء والمرسلين الله يقول له: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ } (84) سورة النساء {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} {جاهد الكفار والمنافقين واغْلُظ عليهم}.
                              رسول الله وهو سيد المرسلين، وهو من هو في إيمانه بالله، وقربه من الله، إذاً فالإنسان يقيس نفسه برسول الله صلى وهو ذلك الرجل العظيم الذي قال الله لنا في مقام النظر إليه: {لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} أصبحت المأساة لدى المسلمين أنه ليس فقط مجرد تقصير في قضية هم يؤمنون بأهميتها، ويؤمنون بأنها جزء مهم من دينهم الاهتمام بأمر المسلمين، الاهتمام بأمر الدين، محاربة أعداء الله من اليهود والنصارى وعملائهم، لم يعد هناك شعور تقريباً عند كثير من الناس وخاصة داخلنا نحن الزيدية، من أصبحوا في أحط مستوى من الوعي.
                              قد نشعر بأن هذه القضية مهمة ولكن نبدو مقصرين فهذا لا بأس يمثل شعوراً جداً ،ولكن أحياناً وعند الكثير، بل وعند بعض المتعبدين أيضا تبدو قضايا لا أهمية لها، وأشياء خارج إطار ما يجب أن نهتم به من أمر ديننا، إذا كان هناك حالة مثل هذه تحصل عند أي شخص منا فلينظر إلى ما حكاه الله سبحانه وتعالى عن رسوله محمد أنه هو كُلّف بأن يمشي ولو بمفرده في الطريق الشاقة..
                              قد تكون كثيرة عند الناس، وقد ينطلق بعض الناس فيها بإعجاب أيضا، بإعجاب بأنه قد رسم لنفسه طريق سلام من أحسن الطرق، ما الذي ينتج منها؟. ينتج منها تقصير في القضايا التي هي بالغة الأهمية عند الله، عدم شعور بأهميتها، وقد يرى نفسه في الأخير في وضعية سيئة جداً، بسبب تقصيره، قد يكون قد رسم لنفسه طريقاً ويرى نفسه أيضاً أنه مسلم، وقد يأتي الواقع فيكشف ولو لم يكن إلا يوم القيامة فيرى أنه كان قد كفر فعلا، وأصبحت تلك الطريقة التي رسمها لنفسه إنما هي طريق أبعدته عن الله، طريق جعلته بعيدا عن الجنة، طريق أدت به إلى النار.
                              من هذه الآيات نعرف هذا في قول الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
                              أمس وصلنا في الكلام حول هذه الآيات إلى قول الله تعالى: {ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم} وتأتي كلمة {يعتصم} و{اعتصموا} في هذه الآيات مرتين بالشكل الذي يوحي أن القضية خطيرة جداً جداً هي إلى درجة أنك يجب أن تبحث عمن تعتصم به، عمن تلتجئ إليه فيهديك، وينقذك، ويهديك إلى ما فيه خروجك من هذه الأزمة الشديدة، أم أنها لا تعتبر قضية كبيرة إذا كان الإنسان في الواقع قد يصل إلى أن يكون كافرا؟. {إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} كلمة (كافرين) هل هي سهلة لدينا وعلى مسامعنا؟. ماذا تعني كافرين؟. تعني أذلاء في الدنيا، مقهورين في الدنيا، تعني في الأخير جهنم، جهنم، أيمكن أن يكون الإنسان من الكافرين وليس هو من كافرين جهنم؟!. ليست كلمة عابرة أن يقول: {فيردوكم بعد إيمانكم كافرين}؟. ليست كلمة عادية (كافرين) يجب أن تَهُز ضمير كل شخص، أن تقشعر منها جلودنا، أن تملأ قلوبنا خوفا ورعبا من أن هؤلاء قد يصلون بنا إلى حالة خطيرة جداً هي حالة الكفر، الكافرون أليس مثواهم جهنم؟. جهنم هل هي مسألة عادية لا تمثل أي خطورة، لا تمثل أي شيء يثير الخوف في نفوسنا والقلق؟.
                              {يردوكم بعد إيمانكم كافرين} أي فتصبحوا من أهل جهنم، جهنم التي وصفها الله في القرآن الكريم بأوصاف رهيبة جداً {وقودها الناس والحجارة} بالنسبة للوقود، طعامها الزقوم، شرابها الحميم، {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مُبْلِسُون} {ونادوا يا مالك ليقضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون . لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون} جئناكم في الدنيا بوسيلة نجاتكم وهو الحق لكنكم كنتم كارهين للحق، فإلى ماذا أدت بهم كراهتهم للحق؟. أدت إلى أن يكونوا كافرين، فاسقين، ضالين، عاصين، تحت أي عنوان من هذه العناوين التي كلها تسير بأهلها إلى جهنم.
                              إذاً فالقضية من أساسها قضية يجب أن تبعث في نفوسنا حالة من الخوف؛ لأنها تحكي أننا في مواجهة مع طائفة تعمل دائما على تَطْوِيْعِنا لنصبح كافرين، تطويعنا لما تريد أن تصل بنا إليه ،إلى أن نكون كافرين ونصبح كافرين، فيجب أن يبحث الناس عمن يعتصمون به، عمن يلجئون إليه. الله يقول: {ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم} ليس هناك أي وسيلة للنجاة سوى الاعتصام بالله.
                              الاعتصام بالله يُقدم في ساحة المسلمين من زمان طويل أن معناه (العمل بكتاب الله وسنة رسوله ). أليس هكذا يقال؟. وهي آخر ما يمكن أن نتصور للمسألة باعتبارها هي هذه ليس غير هذا.. هذه هي حق ،لكن ما معنى {ومن يعتصم بالله}؟.
                              وصلنا أمس إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل شيئا بديلا عنه في علاقتنا به ،وحتى القرآن الكريم ليس بديلا عن الله إطلاقا بل هو من أكثر ما فيه، وأكثر مقاصده، وأكثر ما يدور حوله هو أن يشدك نحو الله.
                              الله ليس كأي رئيس دولة، أو رئيس مجلس نواب يعمل كتاب قانون فنحن نتداول هذا الكتاب ولا نبحث عمن صدر منه هذا الكتاب، ولا يهمنا أمره، أليس هذا الذي يحصل بالنسبة لدساتير الدنيا؟. دستور يصدر، أنت تراه وهو ليس فيه ما يشدك نحو من صاغه، وأنت في نفس الوقت ليس في ذهنك شيء بالنسبة لمن صاغه ربما قد مات، ربما قد نفي، ربما في أي حالة، ربما حتى لو ظلم لا يهمك أمره، لكن القرآن الكريم هو كل ما فيه يشدك نحو الله ،أن تعيش حالة العلاقة القوية بالله، الشعور بالحب لله، بالتقديس لله، بالتعظيم لله، بالالتجاء إليه في كل أمورك، في مقام الهداية تحتاج إليه هو، حتى في مجال أن تعرف كتابه بالعظمة.
                              {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} ألم يتحدث القرآن عن التنوير، والفرقان، والنور الذي يجعلها تأتي منه؟. ليس هناك شيء بديلا عن الله إطلاقا. فأن تأتي للقرآن الكريم هو هو وليس في ذهنك الله سبحانه وتعالى العلاقة القوية بالله، الثقة القوية بالله، فإن القرآن في الأخير لا تستفيد منه. ما أكثر ما يُقرأ القرآن في أوساطنا، ما أكثر ما يسجل القرآن، ما أكثر الدارسين للقرآن خاصة في أوساط السنية، أليسوا هم أكثر من يدرس القرآن؟. أشرطتنا تأتي من عندهم، ومصاحف من عندهم، وكل شيء من عندهم من الطبعات للقرآن الكريم أليس معظمها من هناك؟. إلا من بعد ما قامت الجمهورية الإسلامية في إيران وطبع القرآن طبعات أخرى في إيران وإلا كلها أتت من عندهم. لكن هذه النظرة القاصرة التي تفصل القرآن عن الله جعلت المسلمين يفصلون أنفسهم عن الله، وعن كتابه فعلا.
                              الذين يقولون: (قد معنا كتاب الله وسنة رسوله). نفس الشيء بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو هاديا إلى الله، أليس كذلك؟. هاديا إلى الله، فُصل الرسول عن القرآن في ذهنية الأمة، وهو رجل قرآني بكل ما تعنيه الكلمة، فُصل عن القرآن، ثم قسموه هو فأخذوا جانبا من حياته، جانبا مما صدر عنه وسموه سنة، فأصبحت المسألة في الأخير: الله هناك، رسوله هناك. هناك بدائل نزلت قرآن، وكتب حديث.
                              ولاحظنا كيف أصبح الخطأ رهيبا جداً جداً في أوساطنا؛ لأننا فصلنا كتاب الله عن الله، وفصلنا رسول الله، جعلنا شيئا سميناه سنته، ثم سنته جعلناها بديلا عنه، لاحظوا في القرآن الكريم كم يتكرر (الله ورسوله ،في طاعة الله ورسوله، إتباع الله، ورسوله، استجابة لله، ورسوله). ألم يتكرر كثيراً في القرآن بهذه العبارة (الله ورسوله) أكثر من كلمة (كتاب الله، أو كلمة سنة رسوله)، هل ورد شيء عن سنة رسول الله في القرآن الكريم؟.
                              المسألة من أساسها يجب أن تترسخ في ذهنك العلاقة بالله، العلاقة برسوله ، الثقة بالله، الثقة برسوله. رسوله نفسه يكون له مقام عظيم عندك، تعرفه هو، تعرف حياته، تعرف مواقفه، وتنظر إليه كرجل قرآني، تنظر إليه كرجل يدور مع القرآن، {إن أتبع إلا ما يوحى إليّ} ألم يقل الله عنه هكذا ؟. {اتبع ما يُوحى إليك} {فاستمسك بالذي أوحى إليك} أليست هذه آيات صريحة؟. فصل رسول الله قسموه، وتصبح المسألة في الأخير مجموعة كتب حديث، تطلع في الأخير أصحابها هم الحاكمون عليها، هم المقدسون لدى الأمة، تصبح هي البديل عن النبي ، ألم يحصل في هذه الكتب أحاديث نحن نقول وعلماؤنا يقولون: بأنه لا يمكن أن تصدر من رسول الله ؟. ما الذي حصل؟. أنها جُعلت بديلا عنه، ولم يلحظ جانبه، لم يلحظ مسألة العلاقة به،ولم يلحظ جانب التعرف عليه هو ، لم يلحظ جانب أن تترسخ له عظمة في نفوسنا، وإجلال، واحترام، وتقدير. الأمر الذي سيصل بنا إلى أن نن‍زهه من مثل هذا الحديث، أو هذه العقيدة، أن تكون صدرت منه، لكن إذا لم تكن لك علاقة قوية برسول الله وقالوا: هذا الحديث هو منه، وهذا الرجل الذي دوّن هذه الأحاديث هو فلان، وهو كذا، وهو.. وهو.. وهو أئمة السنة، إمام في السنة، أعلم الأمة بالسنة. أنت تعمل بالحديث وإن كان فيما يترك في نفسك من اعتقاد، أو نظرة مما لا يمكن إطلاقا أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنك فُصِلت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فُصِلت عنه فقدم لك بديلا عنه، هذا البديل صنعه الآخرون، أمكن أن تنطلي عليك الخدعة، وتقول: انتهى الأمر نحن متمسكون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أي متمسكون بكتب حديث معينة، أو بأشخاص معينين جعلناهم أعلاماً للسنة، فأصبحوا هم بدائل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
                              {ومن يعتصم بالله} يشعر بأنه لاشيء ينقذه من هذا الوضع السيئ إلا الله فيلتجئ إليه، وعندما تلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى ليس على أساس أن يقوم هو بالقضية بديلا عنك، عندما تلتجئ الأمة إلى الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون على أساس أن يقوم هو بدلا عنها، الحالة التي نحن نعبر عنها بالدعاء، فنستخدم الدعاء: (اللهم أهلكهم، اللهم دمرهم، اللهم عليك بهم، واتركنا وشأننا). أليست هكذا؟. هكذا واقع صريحاً، ويهتمون بالقضية فيقنتون في ظهر، وعصر، ومغرب، وعشاء، وفجر: (اللهم دمرهم، اللهم رد كيدهم في نحورهم، اللهم.. اللهم..). هذا لا يمثل حالة الالتجاء الصحيح إلى الله، أنت إذا انطلقت هذا المنطلق فأنت في نفس الوقت تفترض لنفسك حالة هي لم تحصل لسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه الثانية، نحن تحدثنا سابقا أن الإنسان يرسم لنفسه طريقة هي لم تتهيأ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فنقرأ عن حياته، وما واجه من مصاعب، ومشاكل، وكأنه ما كان بصيراً مثلنا، ما كان ذكيا مثلنا يعرف كيف يرسم له طريقاً إلى الجنة سهلة ،(مقربة) توصلك بسرعة إلى الجنة ،أما الرسول فجاء من الطريق البعيدة إلى الجنة ،جاء من الطريق التي يراه الكفار إذا عبر منها فاحتاج إلى جهاد وحركة ،نحن نعمل هذا نلتجئ إلى الله لكن بطريقة غير صحيحة، بنظرة قاصرة، نحن نريد أن الله يقوم بالمسألة بديلا عنا: (قم أنت يا الله انصر دينك أما نحن فنحن مشغولون. اللهم دمرهم، اللهم أهلكهم، اللهم دمر إسرائيل). وذاك (شارون) يظهر في التلفزيون وهو يزن حوالي 95 كيلو، (شارون) أليس كالثور؟. كم تنصب من دعوات؟.لو كانت مستجابة لصار مثل الريشة، و إسرائيل قد انتهت.
                              هل أن الله لا يسمع دعاءنا؟. هو يسمع السر والنجوى، هو يعلم السر والنجوى {{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } (186) سورة البقرةإذا دعاني أجيب لكن { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة استجابة إيمان من منطلق أن نسترشد بالله سبحانه وتعالى، هو يرشدنا كيف نعمل ،ونحن سنعمل هنا سيستجيب إن استجبنا له، هو يريد أن نعمل، قال في الجنة: {فنعم أجر العاملين} في الآية التي قرأناها في الدروس السابقة {فنعم أجر العاملين}.
                              {فليستجيبوا لي} أنا دعوتهم إلى طريق معين، إلى هدي معين {فليستجيبوا} هم وأنا سأستجيب {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} أليست هذه آية صريحة؟. هو دعا فلنستجب له، فمتى ما دعوناه ونحن قد استجبنا سيستجيب لنا، أليس هذا هو المنطق الطبيعي عندما يقوله أي واحد لشخص آخر؟. {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} ومن رشادهم عندما يدعون استجيب لهم.
                              رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألم تكن دعوته مستجابة؟. كان بالإمكان أن يجلس في زاوية مسجده -وهو أول ما عمل، عمل -عندما وصل إلى المدينة- بنى المسجد، لكن ما بنى المسجد ليجلس في الزاوية، بنى المسجد كقاعدة عسكرية، قاعدة للجهاد، بنى المسجد ليؤاخي -داخل هذا المسجد- بين أصحابه، بين جموع المهاجرين والأنصار، بنى المسجد ليكون منطلقا ليوحد بين الأمة، بنى المسجد لينطلق منه لمقارعة الظلم والطغيان، أم أنه اهتم أن يجلس ويقول لعائشة أن تخرج له فنجان قهوة، ويجلس في المسجد، ويدعو: اللهم اهلك قريشا. فيمسحوا من هناك. اللهم اهلك (هوازن). فيمتسحوا، اللهم اهلك (ثَقِيْفاً)، اللهم دمر الروم، اللهم دمر كسرى. أليس هو سيد الأنبياء والمرسلين ودعوته مهمة؟. ولكن لا ليست هذه هي الطريقة.
                              إذاً نحن كلنا بما فينا أولئك الذين يقولون وهم مهتمون بالقضية فيقنتون داخل الصلاة -الوهابيين وهؤلاء السنية- يقنتون في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر كلها دمر أمريكا، ودمر روسيا، وهم يعملون في خدمة أمريكا وإسرائيل من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
                              فليستجيبوا لي أولا كما قال الله: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة متى ما استجابوا استجابة صحيحة فالدعاء سيكون له أثره. ومعنى فليستجيبوا لي أي أنه دعانا إلى شيء، والشيء الذي دعانا إليه ما هو؟. هل شيء نعمله له هو؟. لا. دعانا إلى أعمال، أعمال قلبية، أعمال في واقع الحياة، قِيَم نتحلى بها، قضايا نهتم بها، سلوك نسير عليها، سلوك معينة من الأخلاق الحسنة نتحلى بها، أعمال في واقع الحياة كثيرة جداً نؤديها، تتحقق الاستجابة.
                              أليست هذه من الحماقة أن يفترض الناس أو تفترض الأمة لنفسها حالة هي لم تحصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؟. أن نفترض لأنفسنا مقاما هو لم يحصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؟. ألم يقل الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: {فقاتل في سبيل الله} ما معنى قاتل؟. أليست هي كلمة صريحة؟. أصرح من كلمة (جاهد) التي تفسر في زماننا بأنه جهاد الكلمة، جهاد القلم، جهاد النفس، نصف أنفسنا بأننا مجاهدون لكن نريد بالقلم لأنه أسهل.. أليس هو أسهل؟. القلم يعتبر جهاداً إذا كان هو يصدر خطوطاً تؤدي إلى القتال فهو جهاد، أما إذا كان يصدر سطوراً تجمد الأمة، وتخدع الأمة فيعتبر ماذا؟. يعتبر منافيا للجهاد، يعتبر حربا على كل ما تعنيه كلمة (جهاد).
                              الكلمة نفسها إذا لم تأخذ بالبال أن تكون كلمة تحرك في مشاعر الأمة أن تصل بنفسها إلى درجة القتال لأعداء الله فهي كلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، لا تترك أي أثر، ليس لها قيمة، إذا كانت الكلمة التي تصدر من فمي، ومن فمك، ومن أفواه الآخرين هي كلمة، هي دعاء لله.. ألم يأتِ في الأحاديث أن الدعاء هو مخ العبادة؟. الدعاء أليس من الكلمات الطيبة؟. إذا كانت هذه الكلمات الطبية لا تترك أثرها، فلا قيمة لها عند الله، إذا لم تنطلق من حناجر تهيئ نفسها للعمل، فكيف بالكلمات الأخرى سيكون لها اثر؟.
                              الدعاء أليس كلاما طيبا: (اللهم دمر الكافرين، اللهم دمر أمريكا وإسرائيل). أليست هذه الكلمات جميلة؟. دعاء لله، لكنها أيضا لا أثر لها عند الله، إذا لم تكن كلمات تنطلق من حناجر هي في ميدان المواجهة كما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كان يهيئ، ويلبس لامة حربه، ويدعو المسلمين إلى الإنفاق، وإلى الخروج في سبيل الله، ثم يدعو وهو في الطريق، ويدعو وهو في ميدان القتال، هنا الدعاء يقبل، لكن أفواج من العلماء، أفواج من العباد في كل مساجد الدنيا: اللهم.. اللهم .. اللهم... وفي يوم الجمعة، من فوق المنبر: (اللهم احفظ قادتنا، اللهم أيدهم بنصرك، وأصلح بهم الدين، وارزقهم البطانة الصالحة)، وأشياء من هذه. أليس هذا تناقضاً في الموقف؟. تناقض، عملياً نعمل ضد الله، ودعاء ومجرد كلام ننطلق به مع الله ، مجرد كلام مع الله، وعمل وخدمة مع أعداء الله. من يكون واقعه على هذا النحو يصبح واقعه سيئاً. حتى علماء على هذا النحو، التعامل مع الله مجرد كلام، والتعامل مع أعداء الله عمل وبإخلاص.
                              إذاً فلماذا لم يعتصم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالله على هذا النحو الذي نزلت عليه الآية {ومن يعتصم بالله} فيقول: (هذا صحيح هبوا لي مكان في زاوية المسجد ولا يدخل أحد عليّ إلا من كان معه سؤال، وأخرجوا لي زادي إلى هنا ،وأنا سأظل أدعو الله من هنا من زاوية المسجد)؟!. لا.كان هو صلى الله عليه وآله وسلم حتى لا يحاول أن يتعبد كل عبادته في المسجد بل هو في بيته؛ ليوحي للأمة أن المساجد لها أهميتها، لها قيمتها ،لكن لا يجوز أن تتحول إلى دار عجزة، لا يجوز أن تتحول إلى (مَكَاسِل مَكْسَلة)، لا يجوز أن تتحول إلى منابر تجمد المسلمين، فكان مسجده أشبه شيء بثكنة عسكرية، بقاعدة عسكرية، كان منبره صوت يهز الكفر، يهز الطغيان، يهز الظلم، هكذا فهم هو الاعتصام بالله سبحانه وتعالى.
                              لكن نحن الأذكياء -وعلى طول وعرض الساحة الإسلامية- لا نفعل ذلك بل نرجع إلى الدعاء، يخرج المطوع في السيارة الفخمة إلى المسجد الحرام، والجنود من يمينه وشماله ويدعو -أو في أي بلد من البلدان يكون هذا النمط تشاهده- ثم يعود في السيارة الفخمة إلى الشقة، والعمارة الفخمة المكيفة المجهز فيها كل وسائل الراحة، وانتهت المهمة، دعونا الله فلينطلق هو كما قال بنو إسرائيل: {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} الله حكى هذا عن بني إسرائيل في مقام السخرية من أمة يصدر منها كلام مثل هذا. {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها} فليخرجوا هم ونحن سندخل، نحن مستعدون أن ندخل {إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}.
                              {ومن يعتصم بالله} اعتصام حقيقي، أي يهتدي بهديه، يرجع إليه، يثق به ليرشده كيف يعمل، يرشده كيف يعمل، وليس كيف يقوم بدلا عنه، ومتى ما انطلقت على ما أرشدك إليه كيف تعمل هو سيقف معك.
                              ما هو الاعتصام بالله؟. (العمل بكتاب الله، وسنة رسوله، لو أن المسلمين مشوا على كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكان كذا وكذا). لكن ما حال بينهم وبين أن يعملوا بكتاب الله، وسنة رسوله هو أنهم فصلوا أنفسهم عن الله، وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فصلوا أنفسهم عن الله عن الثقة به، عن العلاقة به، وعن رسوله على هذا النحو أيضا.
                              فيجب أن تترسخ في أذهاننا هذه القضية، فنرجع إلى القرآن الكريم نجد أنها من أهم ما دار حوله القرآن الكريم هو شد الناس إلى الله، وشدك أنت إلى الله، فلم يقدم كتابه بديلا عنه، ولم يجعل رسوله بديلا عنه، بل رسول الله أليس هو-وهو رسول الله بنفسه- كان يهتدي بالله، يلتجئ إلى الله، يرجع إلى الله، ويهتدي بهدي الله؟. فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدلا عن الله، ولا رقم ثاني ننظر إليه منفصلا عن كتاب الله، وعن الله.
                              فمن يعتصم بالله على هذا النحو فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم، تلاحظ أن المسألة هي أنك تعتصم بالله يهديك أنت إلى شيء، ولهذا قال {فقد هُدِيَ}، أي أن اعتصامي بالله هو على النحو الذي أريد منه أن يهديني إلى كيف أعمل.
                              الإنسان الذي لا يتحرك، الذي لا يعمل هل يحتاج إلى هداية؟ أنت لا تحتاج إلى أن تسير إلى القرية الفلانية هل أنت في هذه الحالة تحتاج إلى من يهديك إليها؟. لا. أنت عندما تتحرك، وتريد أن تسافر إلى بلد معين، وأنت في الطريق تحتاج إلى من يهديك ، وتبحث عمن يهديك. فقوله: {فقد هُدِيَ} فعلا يفيد بأنه قد اهتدى وعبارة {هدي} أي أن هذا طرف اعتصم بالله من منطلق أنه ينطلق في ميدان العمل، فهو يحتاج إلى أن يهديه الله إلى كيف يعمل عملا، كيف يتحرك.
                              {فقد هُدي إلى صراط مستقيم} طريق واضحة، طريق تؤدي إلى النجاة، تؤدي إلى الفوز، تؤدي إلى الغلبة، تؤدي إلى العزة، تؤدي إلى الرفعة والمكانة، تؤدي إلى الفلاح‎، {صراط مستقيم} قَيِّم ليس فيه عوج ، ليس فيه (مطبات) قد تقفز من فوقه يحطم نفسك فيوقعك في الضلال، طريق لا تضل وأنت تسير عليه، طريق لا تخزى وأنت تسير عليه، طريق لا تُقهر ولا تذل وأنت تسير عليه، وهو في نفس الوقت مستقيم، قَيِّم، ذو قيمة، يجعلك أنت تستغني عن أي طرق أخرى متى ما سرت عليه، لا تحتاج إلى الالتجاء إلى أي طرف آخر متى ما سرت عليه، يستطيع أن يقف بك على قدميك، يستطيع أن يقف بالأمة السائرة عليه على قدميها، مستغنية عن أي قوى أخرى، مستغنية عن أي طرق أخرى، مستغنية عن أي خبرات لتهديها نحو الطريق التي توصلها إلى الفلاح والفوز والنجاة.
                              عندما كانت البلاد العربية مستعمرة من قِبَل البريطانيين، والفرنسيين، والإيطاليين، وغيرهم كيف كان يحصل؟. كان معظم ما يحصل -عندما كانت النظرة كلها منعدمة نحو الثقة بالله سبحانه وتعالى، الثقة بالله منعدمة في نفوس المسلمين- كان من يريد أن يتحرر من هذا البلد يلجأ إلى هذا، يتحرر من بريطانيا يلجأ إلى روسيا، يتحرر من روسيا يلجأ إلى بريطانيا، يتحرر من إيطاليا يلجأ إلى فرنسا، من فرنسا يلجأ إلى إيطاليا وهكذا. ما هي النتيجة في الأخير؟. أليست سواء؟. تخرج من تحت بريطانيا تدخل تحت روسيا، كلها واحد.
                              الله سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا بأن دينه يستطيع أن يجعلنا أمة مستقلة، تقف على قدميها ، عزيزة، رافعة رأسها، تقهر الأمم الأخرى، ما الذي يحصل الآن؟. أليس كل العرب يتجهون إلى أمريكا لتفكهم عن إسرائيل؟. ولو أن أمريكا هي المحتلة وإسرائيل هناك للجئوا إلى إسرائيل تفكهم عن أمريكا. يجلئون إلى أمريكا وروسيا راعيتا السلام أن تفك فيهم من إسرائيل، النظرة القاصرة التي أراد الله أن يمسحها من أذهان العرب -لو تربوا على دينه، لو تربوا على نهج نبيه صلوات الله عليه وعلى آله، لو عرفوا سيرته وهو في جهاده من بدر إلى آخر غزوة لم يلجأ إلى طرف آخر، لم يلجأ إلى الفرس، أو يلجأ إلى الروم ،وهما القوتان التي كانت تمثل القوى العظمى في العالم في ذلك العصر لم يلجأ إلى الفرس ليساعدوه ضد الروم، ولا إلى الروم ليساعدوه ضد الفرس، ولا إلى الفرس ليساعدوه على قريش، ولا إلى الروم ليساعدوه على قريش، ربى الأمة تربية توحي لها بأن في استطاعتها أن تقف على قدميها وتقارع الأمم الأخرى.
                              وكان أبرز مثال على هذا ما عمله هو في ترتيبات غزوة تبوك لأنه كان رجلاً قرآني صلوات الله عليه وعلى آله يتحرك بحركة القرآن، ويعرف ماذا يريد القرآن أن يصل بالأمة إليه في مناهجه التربوية وهو يربي نفوسهم كيف تكون كبيرة، كيف تكون معتزة بما بين يديها من هذا الدين العظيم فلا تحتاج إلى أي قوى أخرى.
                              حتى نحن على مستوانا في أعمالنا لدينا مثلا مراكز صيفية، نقول : (لننظر إلى المؤتمر إذا كان سيساعدنا ،أو ننظر إلى ذلك الطرف إذا كان سيعيننا أو ننظر إلى هذا أو ذاك) تصبح حالة سائدة لدينا حتى كمواطنين من عند الكبار كمسئولين وحكام ،ثم إلى عند المواطنين حتى إلى عند الدعاة في سبيل الله، الذين هم دعاة في سبيل الله يجب أن يفهموا أولا ما يدعوهم إليه الله ، في كيف يكونون معتمدين على أنفسهم حتى لا يقعوا في أحضان هذا الطرف أو أحضان هذا الطرف فتصبح في الأخير تخدم هذا أو تخدم هذا، ولم تخدم دينك بشيء، الأمر الذي يؤدي بالأمة إلى أن تضحي بدينها.
                              وهكذا تأتي آيات كثيرة تتحدث عن صراط الله بأنه صراط مستقيم بما تعنيه الكلمة من أنه قيم، وفيما تعنيه الكلمة من أنه يستطيع أن يجعل السائرين عليه قادرين أن يستقلوا بأنفسهم، وأن يقفوا على أقدامهم فلا يعتمد على هذا ولا على هذا. دينا قَيِّماً {الحمد لله الذي نزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قَيِّماً}.
                              نعود إلى أصل الموضوع ولأن الآيات من أولها {يا أيها الذين آمنوا...} بل الآيات التي تسبقها في أهل الكتاب توحي بأن القضية بالغة الخطورة وأن القضية هامة جداً جداً عند الله سبحانه وتعالى فيقول للناس ويذكرهم بإيمانهم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} القضية مهمة جداً يجب أن تخافوا من الله من أن يحصل من جانبكم تقصير فيها، أن يحصل من جانبكم أي إهمال، أي تقصير، أي تفريط القضية مهمة جداً جدا،ً هو يقول لنا هكذا، يذكرنا بأن نتقيه فالقضية لديه مهمة، وبالغة الخطورة ،وبقدر ما تكون هامة لديه، وبالغة الخطورة أي أنه سيكون عقابه شديدا جداً على من فرط وقصر فيها، فيجب أن نتقيه أبلغ درجات التقوى {اتقوا الله حق تقاته} أقصى ما يمكن فالقضية خطيرة جداً، وهامة جداً لديه، ولن يسمح لمن يقصر، ولن يسمح لمن يفرط، ولن يسمح لمن يهمل.
                              وهكذا تأتي عبارات {اتقوا الله} في القرآن الكريم في مقامات كثيرة ،في مقدمة كل قضية هامة ليوحي للناس بأن المسألة هامة لديه، فلينطلقوا من منطلق الحذر من الله أن يقصروا في هذه القضية سيضربهم هو، سيكون عقابه شديدا عليهم، سيكون غضبه شديدا عليهم كما في قوله تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} وهكذا تأتي في القرآن الكريم مكررة في معظم المقامات المهمة لينطلق الناس من منطلق أن هذه القضية مهمة لدى الله سبحانه وتعالى، وهي في واقعها بالغة الخطورة فأي تقصير من جانبنا نحوها سيجعلنا عُرضة لسخط الله نعوذ بالله من سخطه.
                              فقوله: {اتقوا الله حق تقاته} أنتم في مواجهة مع طرف يمكن أن يصل بكم إلى أن تكونوا كافرين، أنا لا أريد أن تكونوا كافرين، أن تكونوا كافرين يعني أن تصبحوا من أهل نار جهنم، أن تتحولوا إلى أطراف، تهملوا فتصبحوا فعلا في واقعكم كافرين، أي أن تضيعوا الرسالة التي حُمِّلْتُمُوها من جانب الله سبحانه وتعالى، أليس هذا الذي حصل بالنسبة للعرب؟. ألم يُذِلِّوا الإسلام بذلتهم؟. ألم يقهروا الإسلام بقهرهم؟. ألم يضيعوا كتاب الله بضياعهم؟. لأنهم فرطوا في الرسالة، فرطوا في الرسالة ،إذاً فكانت القضية فعلا بالغة الخطورة.
                              وتقوى الله سبحانه وتعالى معناها الحذر منه ،تكون دائما تعيش الحذر من جانبه فيما إذا حصل منك تقصير فيما يوجهك إليه، وفيما يرشدك إليه، وفيما يأمرك به وينهاك عنه، ليست سواء القضايا، ليست سواء أن تشرب فنجان شاي على واحدٍ آخر هذا حرام، لكن لا يقال لك في هذا المقام: {اتق الله حق تقاته}. حرام واتق الله لا تأخذ هذا، لكن مقامات مهمة جداً، مقامات مهمة جداً أي تفريط من جانبك فيها هي قضايا عند الله بالغة الخطورة يعلم سوء آثارها على دينه، وعلى عباده وأنت وهذا وذاك أنتم يا هؤلاء هذه الأمة بكلها هي المعنية بأن تكون هي الطرف الذي يَدْرَأ هذا الخطر، ويدفع هذا الفساد ،ويعلي هذه الكلمة.. أليس هذا هو الطرف المسئول؟. إذاً فانطلقوا من منطلق الحذر لأن مسئوليتهم كبيرة، وأن القضية خطيرة يجب أن تتقوا الله أبلغ درجات التقوى، أي أن تخافوه وتحذروه هو لن يسمح إطلاقا.
                              وهذا فعلا شواهده قائمة، شواهده قائمة أنه غضب غضبا شديدا على الأمة أن جعلها تحت أقدام من قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وجعلها أمة تائهة ،تمتلك الأموال الكثيرة، تمتلك الخيرات الكثيرة ومع ذلك لا تزال أمة جاهلة، ما تزال تبعث منح دراسية إلى الخارج، منح دراسية، منح دراسية، وخبراء يأتون من هناك وناس ذهبوا يدرسون هناك، الخبراء يذهبون ولم ينفعوا بشيء، والطلاب يعودون إلى هنا ولا يعلمون شيئا بل يعودون حربا لأمتهم الكثير منهم. حالة من الضياع، حالة توحي بأن الأمة تواجه ضربة قاضية من الله ،غضبة شديدة من جانبه.
                              لأن الله سبحانه وتعالى هو رحمن، هو رحيم يهمه أمرنا، لا يريد أن نُظْلم، لا يريد أن نكون كافرين فنستحق جهنم، هو عندما وعد بجهنم للمجرمين لم يقل: تلك جهنم فأي مجرم، أو أي أحد يريد أن يضل فمصيره جهنم، لا يهمه أمره. هو يهدي الناس، ويرشدهم إلى كيف يبعدهم عن مقتضى سخطه، ومقتضى عقابه، كيف يبعدهم عن طريق جهنم، عن الوقوع في جهنم، هو رحيم بالناس، هو رحيم بعباده.
                              دينه هذا الذي هو لا يساوي عند الكثير منا الدخان الذي نعمره يوميا، لا يساوي الاهتمام به الاهتمام بالدخان الذي يتحول من نقود إلى دخان في الهواء. أمره عظيم عند الله، هو يعلم أنه نعمة عظيمة لعباده، يعلم أنه متى ما ضاع في وسطهم ضاعوا هم، وهلكوا هم، ومتى ما ضاعوا هم، متى ما هلكوا سيضيعون هداه لعباده للبشر كلهم.
                              كم صعدت أصوات تقول: (يجب أن نلحق بركاب الغرب). من قبل مائة سنة بدأت من مصر، ومن بلدان أخرى (يجب أن نتثقف بثقافة الغرب، يجب أن نلحق بركاب الغرب، يجب أن نعمل على كيف نتطور مع الغرب). فماذا حصل؟. نساء العرب تخلْوَسن وأصبحن يقلدن الغرب تماما.. هل تطوروا؟. هل وصلوا إلى ما وصل إليه الغربيون؟. لا لا ؛لأنهم يتصورون أن المسألة هي أن بإمكاننا أن نصل إلى ما وصل إليه الآخرون ،ونحن العرب، نحن العرب من لدينا مسئولية مهمة كان بالإمكان أن تجعلنا -لو نهضنا بها- فوق أولئك الآخرين ويكونوا هم من يفكرون في اللحاق بركابنا، فالمسألة لا تتأتى، لن تحصل.
                              فمازال المصريون الذين انفتحوا على دول الغرب قبل أن ينفتح الصين عليها، وبعثت بطلاب إلى الغرب قبل أن يبعث الصينيون بطلاب إليها، أصبحت الصين دولة عظمى صناعية، والمصريون مازالوا شغالين في التمثيل قطاع التمثيل (كلام في كلام) مازالوا يبعثون بطلاب إلى الغرب، طلاب ذاهبون باستمرار، منح دراسية فيرجع وقد أصبح فرنسيا بتفكيره يكون حربا لأمته ،لدرجة أن من يرسلوا ويعودوا يتحولون إلى ساخرين من أمتهم. أي أن الوضعية التي يعيش فيها العرب هي وضعية سخط، الوضعية التي يعيش فيها المسلمون وضعية سخط من الله.
                              لماذا؟ ؛لأنهم أضاعوا دينه الذي فيه ذكرهم، وفيه شرفهم، وفيه عزتهم فلا يمكن أن يتحقق لهم شيء إلا بعد أن يعودوا هم، ومتى ما عادوا سيصبحون هم سادة الدنيا، سيصبحون هم من يفكر الآخرون باللحاق بهم، بالاهتداء بهم، بالتقليد لهم، بالتـثقف بثقافتهم، بالتحلي بأخلاقهم، فيعم الهدى الدنيا كلها.
                              {اتقوا الله حق تقاته} لاحظ {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} لو نأتي إلى النظر إلى الآية من منظار آخر أن يأمرك بأن تكون على أعلى درجات التقوى، ثم يقول: لك انتبه لا تموت وأنت كافر.. أليست هذه حالة من التباين في التعبير تقريبا؟. -عند من يفهم اللغة العربية- حالة من التباين في التعبير، ولهذا يأتي بعض المفسرين فيقولون: معناها ولا تموتن إلا وأنتم مستسلمون لله، خالصون لله. من أجل أن يجعلوا كلمة (مسلمون) تنسجم مع كلمة (اتقوا الله حق تقاته). المسألة هي على وضوحها، أنتم في مواجهة فريق من أهل الكتاب، بل أنتم الآن في مواجهة أمم من أهل الكتاب تعمل على أن تردكم بعد إيمانكم كافرين، هناك طرف يعمل على أن يصل بنا إلى درجة الكفر، إلى أن نكفر، وطرف خطير سيعرف كيف يصل بنا إلى أن نكفر ونحن نشكره على ما عمل معنا، إلى كيف نكفر ونحن نتلهف على أن نلحق بركابه، كيف نكفر ونحن نثقف أنفسنا بثقافته ونعتبرها هي التحضر والتقدم والتطور، وتعني هي العقل، والسمو الروحي والبشري، والارتقاء الإنساني.. أليس هذا الذي يحصل الآن في بلاد المسلمين؟. نكفر طواعية ولهذا قال: {إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} إذاً فمعناه أنه فعلا سيحصل هذا ،كفر صريح. ألم يجعل الله تولي اليهود والنصارى كفراً في قوله: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}؟. أليس اليهود والنصارى عند الله كافرين؟. أو فقط أنهم لم يتقوا الله حق تقاته؟. بل كافرين.
                              فمعنى هذا أنتم في مواجهة قضية خطيرة جدا عليكم هي بالغة الخطورة عند الله، وبالغة الأهمية عند الله، يجب أن تتقوا الله أولاُ حق تقاته هو، وتحذروه أقصى درجات الحذر من أن تقصروا فيها.. لماذا؟. القضية خطيرة، ثم لتفهموا بأن تحرصوا وتنتبهوا، قد تموتوا غير مسلمين هذا الإسلام العادي ،ليس فقط غير مستسلمين الذي هو أعمق درجات الإسلام، وأرقى درجات الإيمان، التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى. تصبحوا غير مسلمين بهذا المعنى الذي يكتب في جوازاتكم، أو الذي يتردد على ألسنكم تصبح كافرا بمعنى الكلمة؛ ولهذا قال: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي تنبهوا أنتم في مواجهة قضية خطيرة قد يموت الواحد منكم وهو كافر ،فكونوا متيقظين، حريصين على أن تنتبهوا لأنفسكم حتى لا يحصل الموت إلا وأنت مسلم، أي لا يحصل الموت وأنت كافر، لا يأتيك الموت وأنت كافر، أي أن هناك من سيأتي ليطبعك بالكفر فتعيش كافرا وتموت كافرا، والأمة معرضة إلى هذه الحالة، وما أكثر -ربما في علم الله- من يكون قد وقع في هذه الحالة، في حالة الكفر.
                              وما هو الكفر؟. هل متى ما أصبح الإنسان كافرا فستخرج له قرون في رأسه يعرف بأنه كافر؟. أو يصبح -مثلاً- لونه متغيرا إلى لون أزرق فعرفنا بأنه كافر؟. الكفر والإيمان هو في النفوس، في القلوب، في الأعمال. تتحول كافرا وأنت أنت ما ترى بأنك تغيرت شيئا، أنت فلان بن فلان صاحب ذلك البيت، وصاحب تلك الأموال، والذي يسوق ذلك السوق، والذي يدخل المسجد يصلي، لكن تصبح كافرا فعلا.
                              ولهذا تأتي العبارة {ولا تموتن}{ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي أن القضية بالغة الخطورة على طرف معين بالذات أكثر من غيره ،هو من يمسح من ذهنيته روح الجهاد فليس مستعدا أن يقاتل أهل الكتاب، ليس مستعدا أن يقاتل أعداء الله، هو يريد أن يجلس على حاله لا يمسه شيء لكي يموت على فراشه، أي هو يريد أن يموت. لكنه يقول لك: أنت بهذه الروحية تواجه خطورة بالغة يحتمل أن تموت كافرا. لكن وأنت تنطلق في ميدان القتال لأعداء الله أنت أبعد ما يكون عن الخطورة. ولهذا لم يقل : (ولا تُقتلوا إلا وانتم مسلمون) هل جاءت عبارة (ولا تقتلوا؟.) القتل غير الموت ،ليقول لأولئك الذين يرسمون لأنفسهم طريقا يتهربون به عن ميدان المواجهة مع أعداء الله، مع هذا الفريق الذي يسعى إلى أن يراك تموت فوق فراشك وأنت كافر، من يتهرب عن ميدان المواجهة هو هو من يتعرض لخطورة الموت كافرا وبسهولة.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
                              ردود 2
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X