أخي الكريم إنسان:
بالتأكيد نحن لا نرى ما يراه السيد محمد حسين فضل الله في بعض القضايا العقائدية و الفقهية حتى ونرى حجم أخطائه و مخالفته لما أجمعت عليه الطائفة الحقة, ولكن لفت نظري كلامكم أعلاه حيث قلتم بأن السيد فضل الله يرى:" أن آيات إرث سليمان لداود، ويحيى لزكريا التي استدلت بها الصديقة هي لإرث الموقع لا لارث المال".
ولكني قرأت له في كتابه "الزهراء القدوة" الكلام التالي:
"أما مسألة الميراث في الدائرة الخاصة، وهي إرث الأنبياء، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو :هل يرث أولاد الأنبياء آباءهم أو أنهم لا يرثونهم، فيكون هناك استثناء في مسألة الميراث؟
إن الزهراء(ع) في معالجة هذا الأمر استدلّت بآيتين تحدّثتا عن إرث أولاد الأنبياء لآبائهم .
الأولى قوله تعالى:{وورث سليمان داود}، وظاهر كلمة الإرث هنا أن سليمان ورث داود كما يرث الولد أباه، باعتبار علاقة البنوّة.
الآية الثانية، وهي ما حكاه تعالى عن زكريا(ع): {فهب لي من لدنك ولياً * يرثني ويرث من آل يعقوب} يعني: هب لي ولداً يرثني، لأن من خصوصية الولد في امتداد الأب به أنه يرث ما عنده.
وقد قيل في ردّ هذا الاستدلال: إن الإرث هنا إرث العلم والحكمة، أو إنه إرث النبوّة، أي {وورث سليمان داود} يعني أنه ورثه في النبوّة، فكان نبياً مثله، وكذلك الأمر بالنسبة لزكريا ، حيث كان يدعو الله أن يرزقه ولداً يرث النبوّة التي تميّز بها، ويرث خط النبوّة لآل يعقوب، باعتبار أن الله جعل فيهم النبوّة، وربّما يقال إن هذا هو الأولى، لأن مسألة أن يرث سليمان داود فيما تركه ليست شيئاً مهماً يتحدث الله عنه، أو أن يطلب النبي زكريا من الله ولداً ليرث ماله، فيتعين أن تكون الوراثة وراثة العلم والنبوّة[44].
ولكننا نقول في مناقشة هذا الرأي بطريقة موضوعية، إن العلم لا يورّث وإنّما ينقل بالتعليم والاكتساب، فالفرق بين عملية إرث المال وإرث العلم، هي أن المال يورّث من دون أن يعاني الوارث أيّ جهد في ذلك، فإن كان المال بحوزة شخص ومسجلاً باسمه من ناحية شرعية وقانونية، فبمجرد أن يموت ينتقل المال تلقائياً إلى الورثة ويسجل باسمهم شرعاً وقانوناً. فالإرث هو للأشياء التي تنتقل تلقائياً بمجرد موت المورّث، وهذا أمر يتم في المال ـ كما بينّا ـ.
أما العلم فلا يورّث بهذا المعنى لكلمة الإرث ، فلو كان الأب عالماً ومات فهل يرث الابن علم أبيه؟! كلا، لأن دور ولد العالم أو النبي بالنسبة لعلم أبيه هو أن يتعلّم منه كما يتعلم أي تلميذ آخر، فولد النبي أو ولد العالم إنّما يأخذ علم أبيه من خلال تعلّمه عنده تماماً كما يأخذ غيره علم أبيه من خلال تتلمذه عليه، فابن العالم وغيره من تلامذة العالم سيّان بالنسبة لأخذ علمه، وبالتالي فالعلم لا يورّث، وإنما ينتقل بطريقة تختلف عن أية عملية نقل أخرى، فالبيع يحتاج إلى إيجاب وقبول، والإيجار يحتاج إلى إيجاب وقبول، والصلح يحتاج إلى إيجاب وقبول، والهبة كذلك، فكل عملية نقل تحتاج جهداً من الناقل والمنقول إليه، والتعليم يحتاج إلى إلقاء وتلقٍّ، وعملية النقل الوحيدة التي لا تحتاج إلى جهد من الوارث ولا من المورّث هي إرث المال.
ولذلك فقوله:{وورث سليمان داود} لا تعني وراثته لعلم أو نبوّة، لأن ذلك ليس مما يورّث بشكل تلقائي، لأن العلم يكتسب بالتعليم، والنبوّة تكون باصطفاء الله لبعض خلقه ولا تكون بالميراث ، ويزداد الأمر وضوحاً إذا عرفنا أن سليمان كان عالماً ونبياً في زمن أبيه داود، فلا معنى ليرث من بعده العلم والنبوة، فقد حدّثنا القرآن أنه كان يأتي الخصمان إلى سليمان فيحكم بطريقة معينة، ويأتيان إلى داود فيحكم بطريقة أخرى، وهذا قوله تعالى:{وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين* ففهَّمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً}[الأنبياء78ـ79]، فالله هنا رجّح أسلوب سليمان على أسلوب داود، وإن كان المنبع واحداً، وبهذا فلا يصدق أن سليمان ورث العلم عن داود، فلقد كان عالماً في حياة أبيه، وبعد مماته كان عالماً من خلال إفاضة الله عليه العلم ومن خلال جهده في تحصيله.ولو قيل إن سليمان ورث النبوة عن داود، لقلنا إن النبوّة ليست إرثاً، بل هي لطف يعطيه الله من يشاء، فإذا كان الله قد أعطى النبوّة لداود ولسليمان ، فلا يعني ذلك أن سليمان ورث النبوّة عن أبيه، فهي لا تورّث، فسليمان أصبح نبيّاً على الأساس نفسه الذي صار به داود نبيّاً، وبالتالي فليس كلّ ابن نبيّ نبيّاً، وإنما قد يجعل الله بعض أولاد الأنبياء أنبياء، وقد يكون بعض أبناء الأنبياء فسقة وكفرة كابن نوح .
وهذا هو المراد من قول زكريا:{فهب لي من لدنك ولياً* يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّاً}[مريم:5_6] ، فالمقصود هنا الإرث الطبيعي فيما يرثه الأبناء من الآباء، والدليل على ذلك:
أولاً: قوله تعالى:{وإني خفت الموالي من ورائي}[مريم:5]، وهم الأقرباء، حيث إن النبوّة لا يخاف عليها من الأقرباء أن يسلبوها وإنما يخاف على المال من ذلك. وأما النبوّة فيخاف عليها من الكفرة والعصاة ، سواء كانوا من الأقرباء أو من غيرهم.
وثانياً: نرى زكريا يتحدث في آية أخرى عن الموضوع نفسه، حيث يقول :{ربّ هب لي من لدنك ذرية طيّبة}[آل عمران:38]، ولم يتحدث عن أية صفة أخرى، فهو طلب ولداً طيباً وحسب، ما يدل على أن قوله {فهب لي من لدنك ولياً * يرثني ويرث من آل يعقوب} يراد به الولد الذي يرث ما أتركه، أي أن يكون وليّي ولداً، لأن من خصائص الولد بالنسبة للأب هو أنه الوارث له، فحينما قال:{ ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة} فهذا يعني أنه يطلب ولداً طيباً يرثه في ما ترك .
وثالثاً: لو فرضنا أنه قال: هب لي نبياً، فما معنى{واجعله ربّ رضياً}، فهل يعقل أن يكون هناك نبي غير مُرضٍ عند الله سبحانه وتعالى؟ فعندما يقول: {فهب لي من لدنك ولياً *يرثني ويرث من آل يعقوب}، فكأنه يقول: ربّ هب لي ولداً طيباً يحمل صفة الولي في كونه وارثاً لأبيه، وإلاّ لو كان المقصود الولد الذي يرث النبوّة والعلم، فما علاقة هذا بقوله:{واجعله ربّ رضياً}؟.
فهذه الوجوه الثلاثة تعني أن المراد هنا هو الإرث الطبيعي الذي يتميز به الأولاد بالنسبة لآبائهم، وهو إرث ما عند الأب، وليست المسألة هي أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يؤكد إرث المال لاهتمامه بالمال وأهميته عنده، لكن هذه الخصوصية إنّما ذكرت ليتعيّن المطلوب، وهو أن الولي هو الولد وليس عمّاً أو خالاً أو غير ذلك، فهي ضيّقت مفهوم الوليّ لتحصره بالابن فقط، وعلى هذا الأساس كان استدلال الزهراء(ع) التي أرادت أن تقول لأبي بكر ـ بكل موضوعية واستدلال علمي ـ إن الله تحدّث عن أن أبناء الأنبياء يرثون آباءهم، فلماذا لا أرث أنا أبي؟"
فما تعليقكم؟
اخوكم هادي الحسيني.
بالتأكيد نحن لا نرى ما يراه السيد محمد حسين فضل الله في بعض القضايا العقائدية و الفقهية حتى ونرى حجم أخطائه و مخالفته لما أجمعت عليه الطائفة الحقة, ولكن لفت نظري كلامكم أعلاه حيث قلتم بأن السيد فضل الله يرى:" أن آيات إرث سليمان لداود، ويحيى لزكريا التي استدلت بها الصديقة هي لإرث الموقع لا لارث المال".
ولكني قرأت له في كتابه "الزهراء القدوة" الكلام التالي:
"أما مسألة الميراث في الدائرة الخاصة، وهي إرث الأنبياء، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو :هل يرث أولاد الأنبياء آباءهم أو أنهم لا يرثونهم، فيكون هناك استثناء في مسألة الميراث؟
إن الزهراء(ع) في معالجة هذا الأمر استدلّت بآيتين تحدّثتا عن إرث أولاد الأنبياء لآبائهم .
الأولى قوله تعالى:{وورث سليمان داود}، وظاهر كلمة الإرث هنا أن سليمان ورث داود كما يرث الولد أباه، باعتبار علاقة البنوّة.
الآية الثانية، وهي ما حكاه تعالى عن زكريا(ع): {فهب لي من لدنك ولياً * يرثني ويرث من آل يعقوب} يعني: هب لي ولداً يرثني، لأن من خصوصية الولد في امتداد الأب به أنه يرث ما عنده.
وقد قيل في ردّ هذا الاستدلال: إن الإرث هنا إرث العلم والحكمة، أو إنه إرث النبوّة، أي {وورث سليمان داود} يعني أنه ورثه في النبوّة، فكان نبياً مثله، وكذلك الأمر بالنسبة لزكريا ، حيث كان يدعو الله أن يرزقه ولداً يرث النبوّة التي تميّز بها، ويرث خط النبوّة لآل يعقوب، باعتبار أن الله جعل فيهم النبوّة، وربّما يقال إن هذا هو الأولى، لأن مسألة أن يرث سليمان داود فيما تركه ليست شيئاً مهماً يتحدث الله عنه، أو أن يطلب النبي زكريا من الله ولداً ليرث ماله، فيتعين أن تكون الوراثة وراثة العلم والنبوّة[44].
ولكننا نقول في مناقشة هذا الرأي بطريقة موضوعية، إن العلم لا يورّث وإنّما ينقل بالتعليم والاكتساب، فالفرق بين عملية إرث المال وإرث العلم، هي أن المال يورّث من دون أن يعاني الوارث أيّ جهد في ذلك، فإن كان المال بحوزة شخص ومسجلاً باسمه من ناحية شرعية وقانونية، فبمجرد أن يموت ينتقل المال تلقائياً إلى الورثة ويسجل باسمهم شرعاً وقانوناً. فالإرث هو للأشياء التي تنتقل تلقائياً بمجرد موت المورّث، وهذا أمر يتم في المال ـ كما بينّا ـ.
أما العلم فلا يورّث بهذا المعنى لكلمة الإرث ، فلو كان الأب عالماً ومات فهل يرث الابن علم أبيه؟! كلا، لأن دور ولد العالم أو النبي بالنسبة لعلم أبيه هو أن يتعلّم منه كما يتعلم أي تلميذ آخر، فولد النبي أو ولد العالم إنّما يأخذ علم أبيه من خلال تعلّمه عنده تماماً كما يأخذ غيره علم أبيه من خلال تتلمذه عليه، فابن العالم وغيره من تلامذة العالم سيّان بالنسبة لأخذ علمه، وبالتالي فالعلم لا يورّث، وإنما ينتقل بطريقة تختلف عن أية عملية نقل أخرى، فالبيع يحتاج إلى إيجاب وقبول، والإيجار يحتاج إلى إيجاب وقبول، والصلح يحتاج إلى إيجاب وقبول، والهبة كذلك، فكل عملية نقل تحتاج جهداً من الناقل والمنقول إليه، والتعليم يحتاج إلى إلقاء وتلقٍّ، وعملية النقل الوحيدة التي لا تحتاج إلى جهد من الوارث ولا من المورّث هي إرث المال.
ولذلك فقوله:{وورث سليمان داود} لا تعني وراثته لعلم أو نبوّة، لأن ذلك ليس مما يورّث بشكل تلقائي، لأن العلم يكتسب بالتعليم، والنبوّة تكون باصطفاء الله لبعض خلقه ولا تكون بالميراث ، ويزداد الأمر وضوحاً إذا عرفنا أن سليمان كان عالماً ونبياً في زمن أبيه داود، فلا معنى ليرث من بعده العلم والنبوة، فقد حدّثنا القرآن أنه كان يأتي الخصمان إلى سليمان فيحكم بطريقة معينة، ويأتيان إلى داود فيحكم بطريقة أخرى، وهذا قوله تعالى:{وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين* ففهَّمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً}[الأنبياء78ـ79]، فالله هنا رجّح أسلوب سليمان على أسلوب داود، وإن كان المنبع واحداً، وبهذا فلا يصدق أن سليمان ورث العلم عن داود، فلقد كان عالماً في حياة أبيه، وبعد مماته كان عالماً من خلال إفاضة الله عليه العلم ومن خلال جهده في تحصيله.ولو قيل إن سليمان ورث النبوة عن داود، لقلنا إن النبوّة ليست إرثاً، بل هي لطف يعطيه الله من يشاء، فإذا كان الله قد أعطى النبوّة لداود ولسليمان ، فلا يعني ذلك أن سليمان ورث النبوّة عن أبيه، فهي لا تورّث، فسليمان أصبح نبيّاً على الأساس نفسه الذي صار به داود نبيّاً، وبالتالي فليس كلّ ابن نبيّ نبيّاً، وإنما قد يجعل الله بعض أولاد الأنبياء أنبياء، وقد يكون بعض أبناء الأنبياء فسقة وكفرة كابن نوح .
وهذا هو المراد من قول زكريا:{فهب لي من لدنك ولياً* يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّاً}[مريم:5_6] ، فالمقصود هنا الإرث الطبيعي فيما يرثه الأبناء من الآباء، والدليل على ذلك:
أولاً: قوله تعالى:{وإني خفت الموالي من ورائي}[مريم:5]، وهم الأقرباء، حيث إن النبوّة لا يخاف عليها من الأقرباء أن يسلبوها وإنما يخاف على المال من ذلك. وأما النبوّة فيخاف عليها من الكفرة والعصاة ، سواء كانوا من الأقرباء أو من غيرهم.
وثانياً: نرى زكريا يتحدث في آية أخرى عن الموضوع نفسه، حيث يقول :{ربّ هب لي من لدنك ذرية طيّبة}[آل عمران:38]، ولم يتحدث عن أية صفة أخرى، فهو طلب ولداً طيباً وحسب، ما يدل على أن قوله {فهب لي من لدنك ولياً * يرثني ويرث من آل يعقوب} يراد به الولد الذي يرث ما أتركه، أي أن يكون وليّي ولداً، لأن من خصائص الولد بالنسبة للأب هو أنه الوارث له، فحينما قال:{ ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة} فهذا يعني أنه يطلب ولداً طيباً يرثه في ما ترك .
وثالثاً: لو فرضنا أنه قال: هب لي نبياً، فما معنى{واجعله ربّ رضياً}، فهل يعقل أن يكون هناك نبي غير مُرضٍ عند الله سبحانه وتعالى؟ فعندما يقول: {فهب لي من لدنك ولياً *يرثني ويرث من آل يعقوب}، فكأنه يقول: ربّ هب لي ولداً طيباً يحمل صفة الولي في كونه وارثاً لأبيه، وإلاّ لو كان المقصود الولد الذي يرث النبوّة والعلم، فما علاقة هذا بقوله:{واجعله ربّ رضياً}؟.
فهذه الوجوه الثلاثة تعني أن المراد هنا هو الإرث الطبيعي الذي يتميز به الأولاد بالنسبة لآبائهم، وهو إرث ما عند الأب، وليست المسألة هي أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يؤكد إرث المال لاهتمامه بالمال وأهميته عنده، لكن هذه الخصوصية إنّما ذكرت ليتعيّن المطلوب، وهو أن الولي هو الولد وليس عمّاً أو خالاً أو غير ذلك، فهي ضيّقت مفهوم الوليّ لتحصره بالابن فقط، وعلى هذا الأساس كان استدلال الزهراء(ع) التي أرادت أن تقول لأبي بكر ـ بكل موضوعية واستدلال علمي ـ إن الله تحدّث عن أن أبناء الأنبياء يرثون آباءهم، فلماذا لا أرث أنا أبي؟"
فما تعليقكم؟
اخوكم هادي الحسيني.
تعليق