بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا يصعد أوله ولا ينفد آخره،الحمد لله حمدا
تضع له السماء كنفيها وتسبح له الأرض ومن عليها،الحمد
لله حمدا سرمدا أبدا لا انقطاع له ولا نفاد، إليه ينبغي
واليه ينتهي.اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك ونجيبك
وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين
الخطبة الأولى:
التقوى في الإيمان بالرسالات السماوية
عباد الله ..أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وان من التقوى،
تعميق الرابطة العقائدية،والتي منها الإيمان بالإسلام،
والإيمان بالرسالات السماوية كافة.
يقول تعالى في صفة المتقين:
"الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم
ينفقون،والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
وبالآخرة
هم يوقنون"
وواضح من خلال الآية المباركة ان من ابرز صفات المتقين انهم
يؤمنون بما نزل على نبي الاسلام محمد(ص) إذ ان ضمير المخاطب
هنا يشير إليه صلوات الله وسلامه عليه،كما انهم يؤمنون أيضا
بما نزل على كافة الانيباء والرسل من قبل النبي (ص).
وبذلك لا يكفي ان يكون الإنسان مؤمنا بالإسلام فقط بل لابد له
ان يكون مؤمنا ببقية الرسالات السماوية الأخرى.
وهذا ما يشير بشكل قاطع الى وحدة الرسالات السماوية،هذه
الوحدة التي يجسدها المسلم عبر التاريخ الماضي للبشرية،
والتاريخ الحاضر والمستقبل،حيث ان الاسلام هو الديانة الأكثر
انتشارا حسب دراسات غربية.وهذه الوحدة تكشف عن واحدية
المرسل وأحدية المعبود جل وعلى.
ولفهم اعمق لقيمة الإيمان بما نزل على النبي محمد (ص)
وما نزل على سائر الأنبياء من قبله لا بد لنا من التذكير
مجددا بمعنى الإيمان كما أوضحت ذلك في الجمع الماضية.
ذكرت في الجمع الماضية ان الإيمان يعني ثلاثة أمور:
الأول:المعرفة بموضوع الإيمان ولو على نحو الإجمال،وموضوع
الإيمان هنا الوحي المنزل على النبي(ص)والوحي الذي نزل
على الأنبياء من قبله.
الثاني:التصديق بهذه المعرفة.
الثالث:التزام هذه المعرفة كنمط حياة،بأن يعيشها المؤمن
كواقع يومي،يلتزم بها في تفاصيل حياته.
الإيمان بالوحي
الوحي هو الإعلام الخفي،يختص به الله سبحانه وتعالى
مجموعة بشرية،ويتضمن هذا الوحي رسالة
الله جل وعلى الى البشر،سواء
البشر في فترة زمنية أو بقعة جغرافية محددة كما نجده عند
الأنبياء السابقين،أو رسالة الى كافة البشر كما هو عند
نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن الباعث على الشك في مسألة الوحي تتمثل في صعوبة
التصديق بنزوله،إذ هو من الناحية البشرية يعبر عن تجربة
شخصية بحتة غير قابلة للإدراك الحسي من قبل الآخرين،وهو
اقرب شيء الى الاستبطان الداخلي لدى كل إنسان ولا أحد يمكن
له ان يشعر بما يدور بخلد أي إنسان يجلس بجواره من أفكار.
من هنا كان لابد من وجود قرائن ودلائل أخرى تؤكد وحيية
ما جاء به الأنبياء والرسل،وتتمثل هذه الدلائل في ما يلي:
1/الطاقة الخاصة التي تتميز بها كلمات الوحي،إذ من المعلوم
ان لكل كلمة طاقة خاصة،بما تحمل من معنى حياتي عند البشر،
والوحي السماوي جاء بطاقة خلاقة عند البشر
يصعب عليهم الإتيان بمثلها،ولقد استدل القرآن الكريم
على ذاته بكونه وحيا
سماويا وليس أقوالا بشرية،فتحدى البشر ان يأتوا بمثله،
أو بمثل بعضه.
2/صدق الذين حملوا هذا الوحي ولقد اشتهر الأنبياء والرسل
بالصدق بين الناس قبل ان يبعثهم الله سبحانه وتعالى،وذكر
المؤرخون كافة ما اشتهر به النبي محمد صلى الله عليه وآله
وسلم.
فقد كان مشهورا بالصادق الأمين قبل البعثة النبوية
المباركة،وحين أراد إبلاغهم الرسالة أشهدهم على صدقه أولا
ثم ابلغهم رسالة الاسلام،وقال لهم اني نذير لكم بين يدي
عذاب شديد.
3/وحدة الوحي السماوي،وهذه اكبر الدلالات على كون ما نزل
على الأنبياء والرسل وحيا من الله سبحانه وتعالى،اذا ان
هذا الوحي يصدق بعضه بعضا،سواء ما نزل منه على أي نبي
فيهم،فلا اختلاف ولا تناقض فيها أو ما نزل عليهم كافة،عبر
تاريخ البشرية المدير.
يقول تعالى:
:ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"
ويقول تعالى:
"لا نفرق بين أحد من رسله"
هذا وقد نزل الوحي على الأنبياء في ثلاث صور كما أكد على ذلك
العلماء.
الأولى:الرؤية الصادقة.
وهي ان يطبع الوحي في ذاكرة النبي أثناء النوم ثم يستيقظ
ليذكره بحرفيته،ولقد رأينا في قصة نبي الله إبراهيم الخليل
كيف انه اعتمد على الرؤيا باعتبارها وحيا من الله سبحانه
وتعالى،حين جر انبه إسماعيل الى المذبح قائلا له،بحسب
النص القرآني:
"يا بني اني أرى في المنام اني أذبح،فأنظر ماذا ترى،
قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين"
ونرى نظير ذلك في حياة النبي(ص).
الثانية:
نزول ملك كريم بالوحي على قلب النبي(ص)
يقول تعالى:
"نزل به الروح الأمين على قلبك "
وقيل ان هذا الذي نزل على النبي هو جبرائيل وقيل ملك
أخر اختص بإنزال الوحي،وقد ذكر المؤرخون لسيرة النبي(ص)
ان جبرائيل كان ينزل بالوحي على النبي(ص) وكان يتمثل
في صورة أحد الصحابة الذي وصف بالطلعة الجميلة،
وهو دحية الكلبي.
الصورة الثالثة:
ان يلقي الله سبحانه وتعالى الوحي بشكل مباشر على قلب النبي
(ص) وقد لاحظ الصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اكثر
من موقع يتصبب عرقا،وينقطع عن الاتصال بهم وهو جالس بينهم،
ثم حين سألوه عن سر ذلك أبان لهم أنها الحالة التي تعتريه
أثناء نزول الوحي عليه(ص).
ولا شك ان هذه الصور يصعب إخضاعها للتجربة الحسية
أوالامبريقية،لذلك كان لابد من الاعتماد على ما هو ابعد من
المنهج الحسي في الإيمان بها،وهو المنهج القلبي حيث ان
القلب يتجاوز أعضاء الحس في الوصول الى الحقائق العظمى
كالإيمان بالغيب والرسالات السماوية و الإيمان باليوم الأخر.
صدق الله العلي ال.عظيم،والحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
من محاضرات السيد عبد المجيد العصفور
يتبع
تعليق