إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف

    إعلام الخَلف

    بمن قال بتحريف القرآن من

    أعلام السّلف

    بحث مقارن في تحريف القرآن بين مذهب أهل البيت عليهم السلام

    ومذهب العامة من وجوهه المختلفة

    مع ذكر لبعض افتراءات الوهابية

    أبو العبّاس

    الفخر الرازي


    أيْ نفس أخيك الرسول ،

    أي عين الله في أرضه وسيفه المسلول ،

    أيْ صابرا عدد أمواج البحر وتعاريج السيول ،

    أيْ عـرس مكسـورة الـضـلـع فـاطمة البـتـول ،

    أيْ أبا الحسنيـن وأبا الـمحسن سِقطـها الـمقتول ،

    هديتـي تمشي على استحياء زيتها ووقودها عطفك الـمأمول ،

    أي أمير المؤمنين ، أنت أنت ، ونحن نحن ، ومن مواليك نرجو القبول ،



    بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


    وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى


    بسم الله الرحمن الرحيم


    والحمد لله رب العالمين ، رفيع الدرجات ، رافع السماوات ، لا إله إلا هو رب العرش العظيم ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير .

    وصل يا رب على أشرف أنبيائك المرسلين وسيد خلقك أجمعين ، نورك الذي لا يخبو ، وحبيبك الذي لا يجفو ، نزيه الشرك أبًا وأما وأخًا وابنا ، من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، وعلى أهل بيته فخر خليقتك وأفضل بريتك ، السادة المنتجبين والهداة الميامين ، مصابيح الظلام وهداة كل الأنام والقادة إلى دار السلام ، حججك على خلقك من اقتدى بـهم اهتدى ومن أبى زُخّ إلى لظى .

    اللهم وفق ويسر واعن واستر ، ولا تجعل أمرنا علينا غمة يوم نلقاك بحق محمد وآل محمد صلواتك عليهم كل صباح ومساء ، آمين رب العالمين .


    المقدمة


    S التشويه العقائدي مستمر !



    الركل والخيزران كان الخطاب الذي يتعامل به مع الشيعة قبل بضع سنين ، ومن قبله لـهيب السياط وحز السيف وطعن السنان الذي كان يتعرض له الشيعة من قبل أمراء سلفهم الصالح حتى قضي ألوف من الشيعة صلبا وتقطيعا للأطراف وسجنا حتى الموت في المطبق وغيره ، وقد انزوت هذه الأفاعيل اليوم وصار محلها الدهاليز العطنة والسراديب المظلمة مراعاةً لمشاعر العالم الغربي ولـجان حقوق الإنسان ، وأما على مستوى عقائد الشيعة فكان الأسلوب القهري الجبروتي الخطاب المعتاد ، كالتكفير والإخراج من الدين والتبديع والتفسيق ، ومازالت رحى أسلوبـهم المنطقي هذا دائرة على رؤوس أتباع أهل البيت عليهم السلام ، وصواعق الافتراء والكذب عليهم كالمطر الهاطل ، ومازال الشيعة ينتظرون الخطاب العقلائي منذ أكثر من ألف سنة !

    ولو أراد أحدنا أن يدون التهم التي أنيطت بالشيعة الإمامية والخزعبلات التي نبزوا بـها من أول التاريخ إلى يومنا هذا لكتب من جنسه أنواعا ، كراريس ودفاتر بل موسوعات ، وقد كتبت بالفعل ! ولكن بأقلام مأجورة فرحين بـها ترضي أحلامهم وآمالهم ! ، فبدلا من مقارعة الحجة بالحجة أخذا وردا قاموا بكل قوة وحماس بقذف الحمم البركانية وتلبيد سماء التشيع لأهل البيت عليهم السلام بسحائب التنكيل والتشنيع والتبديع والتهديد والإخراج من الملة وأن الشيعة هم وقود النار ، كفار مشركون ، عبدة طين وأوثان ، هدفهم الأول والأخير إحياء أصل مذهبهم المزدكي المجوسي الزرادشتي القرمطي الهندوكي الساساني الكنفوشي وكل عجيب وغريب ، وأن الشيعة فعلوا ، وما فعلوا ، وما أدراك ما فعلوا ؟! إلى غير ما هنالك من الافتراء والكذب !

    وكله يحقق لـهؤلاء المهرجين غايتين في طول بعضهما أرى ألا ثالث لهما ، أولهما أن هذه المكدسات من الكذب والأراجيف ترتفع وتتراكم لتكون ساترا كثيفا يقف دون علم الناس بحقيقة ما يقوله أهل البيت عليهم السلام ويمنع من فهمه على النحو الصحيح ، ولا ريب لهؤلاء المهرجين العذر في إثارة الأتربة ونفضها في وجوه من يحاول فهم مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لأن أثر كلمات أهل البيت عليهم السلام في النفوس الطيبة قوي جدا ، وأقل النور يخرق الظلام وإن كان دامسا ، فما بالك بنور أناس أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهم أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

    وغايتهم الأخرى من هذا الكذب المتواصل والافتراء على مدى أكثر من ألف سنة ، هي المنع من نتيجة الفهم الصحيح لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، فهذا المنع والحرمان ينتج عنه يقف دون أي مقايسة حقة ومقارنة صحيحة يقوم بـها الناس الطيبون بين ما يدين به أولئك وما يدين به أهل البيت عليهم السلام ، لئلا يظهر فساد المعتقد وفراغ المذهب وعوار الفكر ، ولكي لا يتضح الأصيل من اللصيق والنور المبين من الضلال القديم ، وإلا بماذا نفسر غشهم وقولهم لعوامهم : لا تناقش شيعيا فإنه يسحرك بالكلام ! ، {قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(البقرة/118) ، {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}(الذاريات/52) ، {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ}(الطور/15).



    S الكتابة في تحريف القرآن ، لماذا ؟


    ما كان تعرضنا لموضوع كهذا نتاجَ وقتٍ فرغ أو استهواء مترف أو ميل لاكتشاف غريبة ، إذ لا يشك الغيور أن خوضا في غمار موضوع كهذا وانتزاع نتيجة منه يعتبر مرصدا لكل من حاد الله ورسوله وملاذا لمن أعُجز في طلب حيلة يخاصم بـها أتباع الدين الحنيف .

    إن فرية تحريف القرآن على الشيعة التي تطبل لها الوهابية بين الفينة والأخرى ما هي إلا نشاب وأسنة طعنوا بـها القرآن ، وأي طعنة ! ، وفتنة للناس حتى شك بعض المسلمين من السنة والشيعة في سلامة القرآن من التحريف ، وقد رأينا على شاشات الإنترنت بعضا من احتجاجات أهل الكتاب الذين ارتدوا عن الإسلام زاعمين أن الحلم الذي أدخلهم الإسلام قد تبدد وهو وجود كتاب لله عز وجل لم تناله يد التحريف ، فاتضح الآن أن القرآن والإنجيل سواء بسواء ! وقد احتجوا لذلك ببعض افتراءات الوهابية على الشيعة ! فمن الذي أضل هؤلاء ؟! ومن الذي يطبل لهذه الفرية ؟!

    وقد كثرت الأراجيف واشتد سَعر الافتراء من الوهابيين مجدين مصرين بكل جهدهم على تشويه القرآن من حيث لا يعلمون ، بزعم أنـهم يشوهون مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وخفي عليهم أن المصيبة تحل على القرآن فقط ، فكم من شيعي وسني شك في سلامة القرآن من التحريف دون رجوع عن مذهبه ! وسنبين الوجه فيه .

    وهذا حال الوهابية منذ زمن طويل في توزيع التهم والكيل بالأوفى ، وقد صكت فرية اعتقاد الشيعة تحريف القرآن مسامع الكثيرين وصدقوا بـها لـجهلهم ، إضافة لعدم اكتراث الوهابية بالنصح والإرشاد ، بل اعتبروا أن هذا النصح تـهربا وتسترا وانـهزاما ! ، لذا أصبحنا بين نارين القرآن من جانب ، والرضا بالظلم والكذب من جانب آخر ، فرجحنا غير لغة النصح والتوعية لأن لغة احترام القرآن وتقديسه لا يفهمها الوهابية ولا يلقون لها بالا ، فكان كشف المعتدي وتعريته على حقيقته وإلزامه بما في مذهبه هو العلاج لإسكاته ، وآخر العلاج الكي !

    وأرى أن من المحتم على الغيور من كل فرق المسلمين سنة وشيعة اجتثاث هذا الطرح الخطر ، بأي وسيلة ، ولا ريب أن من اطلع على كلمات الوهابية لن يجد دواءً ناجعا إلا ما رأيناه نحن ، حتى أخذ به من قبل بعض علماء أهل السنة فقالوا إن إلزام الشيعة بـهذا الرأي يوجب إلزام أهل السنة به أيضا ، وصاروا يسردون كلمات سلفهم في تحريف القرآن ثم أردفوا ناصحين بوجوب غلق هذا الباب ورفع القرآن عن مرمى السهام ، ولكن يا لها من آذان لا تسمع ، ومن قلوب لا تفقه ، ومن أعين لا تبصر عند الوهابية ؟! ، وكما ترى فما انـجلت الغبرة إلا عن قرآن تتلاطم به أمواج التشكيك ، وانقلب مرتعا ومحلا لافتراء السفيه وخبال المتهتك ، فكانوا مصداقا آخر للمستعاذ منه في هذه الآية الكريمة {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}(النحل/98).





    S تحريف القرآن تشويه واستغفال للعوام ، كغيره !



    وإلى يومنا هذا منابرهم تصيح وكتيباتـهم المضحكة وأشرطتهم السمجة تنسخ وتوزع ، وجُزي خيرا من أعان على نشر هذا الشريط ، وأفضل هدية لأخيك المؤمن ، وحوار من رافضي ، وحوار مع ناصبي ، وغير هذه التفاهات ، لماذا ؟! لأن الشيعة تقول بالمتعة ، والشيعة تقول بالتقية ، والشيعة تقول بتحريف القرآن ، والشيعة تقول بالجمع بين الصلاتين ، وهكذا !

    ولكن لنسأل ، هل إن طرح هذه المواضيع -بغض النظر عما فيها من الأكاذيب والأراجيف- يعطي النتيجة المطلوبة ؟! ، إن المطلوب المنطقي المتصور لكل هذا الطرح هو إخراج الشيعة من مذهب أهل البيت عليهم السلام وإدخالهم في مذهب العامة ، وهذا الطرح لا تعطي المراد ، إلا إذا كان التهريج هو القصد !

    يمكن توضيح المراد بالقول إن مذهب التشيع قائم على ركيزة افترق بـها عن مذهب العامة ، فالشيعة يجعلون أهل البيت عليهم السلام الحجة بينهم وبين الله عز وجل ومصدر لتلقي السنة النبوية والأحكام الشرعية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ، بدلالة حديث الثقلين المتواتر الذي أوصى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمة بأن تتمسك من بعده بالكتاب والعترة ، وهذا ذكره الألباني في سلسلته الصحيحة :

    " قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : أيها الناس ! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي "[1].

    فمشايعة أهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم هو الخط الفاصل بين مذهبين ، فإن ثبت بطلانـها بطل مذهب الشيعة من رأس ويخر بنيانـهم من الأساس ، لذا ليسأل العاقل نفسه ، هل إن طرح تلك المواضيع يمس التشيع لأهل البيت عليهم السلام ؟! بالطبع لا ، لأن مشايعة أهل البيت عليهم السلام لا تتوقف على القول بالتقية فإن ثبت عنده أن التقية غير جائزة –لا عنادا لأقوال أهل البيت عليهم السلام- فهذا لا يخرجه من التشيع ولا يدخله في مذهب العامة ، وكذا من قال بعدم تحريف القرآن فإن ذلك لا يخرجه من التشيع ولا يدخله في التسنن ، وكذا بقية الموارد السابقة ، إلا أن يقال أن تحريف القرآن يوجب الكفر وهذا الكلام على إطلاقه خطأ كبير سوف نثبت خلافه من كلامات علماء أهل السنة إن شاء الله تعالى ، ثم لنفرض أنه يوجب الكفر فهل هذا يصحح مذهب العامة ؟! ، فلماذا تطرح الوهابية هذه المواضيع التي لا تمس محل النـزاع وهو التشيع والمتابعة لأهل البيت عليهم السلام ؟! أم حسبوا أن المبطل والضال من يقول قولا يثير غضب الهمج وترتفع في وجهه صرخات الأوباش ؟! أما كان لميزانـهم الخاسر بين العقلاء موضع غير القرآن وسلامته من التحريف ؟!





  • #2
    S الاستدراج والخداع في النقاش الوهابي !



    ولا بأس بذكر شيء نقرب به معنى كلامنا أن نقاش الوهابية فيه محاولة جادة للطعن في كتاب الله عز وجل من حيث لا يشعرون ، فهاهم الآن ينتهجون منهجا في النقاش يجرون به الطرف المقابل إلى موضوع تحريف القرآن شاء أم أبى ! فعندما يناقشهم الشيعة في لب الموضوع ومنبع الخلاف أي تحديد مصدر التلقي وأخذ الدين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي مفاد حديث الثقلين السابق ، يفاجئك الوهابي بالقول : فلنتكلم عن الثقل الأكبر ! ، يقصد لنتكلم عن تحريف القرآن ! فهذا هو الأسلوب الأول .

    والأسلوب الآخر أن يقول لك قبل النقاش : نريد أن نحدد محورا ومرجعا نحتكم إليه عند الخلاف ، فيقال له لنجعل القرآن كتاب الله بيننا ، فيرد عليك : الشيعة تقولون بتحريف القرآن ! ويبدأ السجال والأخذ والرد والتناوش على كتاب الله !

    هكذا ، يتحايلون ويخادعون لـجر النقاش وحصر الخلاف بين الشيعة والسنة إلى القرآن بأنه محرف أم لا ؟ مع أننا قلنا إن إثبات عدم التحريف لا يمس التشيع والمتابعة لأهل البيت عليهم السلام ! ، فقد يرى الشيعي عدم التحريف أو التحريف ولا يصير سنيا في كلتا الحالتين ، وهنا يتضح معنى قولنا إن هذا الطرح لا يجر سوى الويلات على القرآن .

    ولو نظرنا في خداعهم السابق لوجدناه منطويا على مغالطة في كل من الحيلتين ، فأسلوبـهم الأول بتسرعه الفاضح لحصر الكلام في الثقل الأكبر ، وقصر العين على أحد الثقلين قبل تحديد الثقل الآخر ، له معنيان لا ثالث لهما ، إما أنه مسلّم بدلالة حديث الثقلين ولا داعي لتحديدهما في الرتبة السابقة ، وهذا تسليم بمرجعية أهل البيت عليهم السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعند هذه النقطة يكسر مذهب أهل السنة ويفض النـزاع ، وإما أنه دلس وقفز من دلالة الحديث إلى ما عبأ به نفسه وشحنها ليحصر النقاش فيه أي في تحريف القرآن –وهو واقع حال الوهابية- فحينها يقال له يجب قبل الخوض في خصوصية كل ثقل ورأي المذهبين فيه ومدى التمسك به أن نحدد في الرتبة السابقة دلالة الحديث أي العلم بما يدل عليه الحديث من معنى الثقلين هل هما الكتاب والعترة أم غيرهما ؟ وبعد تحديدهما والفراغ من أن القرآن والعترة أو القرآن وأي شيء آخر هما المأمور باتباعهما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حينها ينتقل النقاش–ولن ينتقل لأن هذه المرتبة تبطل مذهب أهل السنة- إلى المرتبة الثانية وهي خصوصيات كل ثقل وأحكامه الخاصة به ، لا أن يقصر النظر على ثقل منهما ويحصر النقاش فيه قبل الفراغ من دلالة الحديث !



    والحيلة الثانية أسخف من الأولى لأن الطرف المقابل–الشيعي- قد سلم بعدم تحريف القرآن ومن سلم بشيء يُلزم به حتى وإن لم يؤمن به لأن أمره سيفتضح في نـهاية المطاف ، فكيف إذا كان مؤمنا به حقا ؟! ، وهذا أمر بديهي ومن أوليات التفكير المنطقي ، لذا من غير المعقول أن يقال له إن بعض علماء الشيعة قال بالتحريف ، فهل يعني هذا أنه لم يُسلّم ؟! أو أن تسليمه ليس بتسليم ؟! ، حتى لو ( سلمنا ) بأن المقّر بشيء لا يؤخذ بإقراره وتسليمه إلا بشروط وقيود ! ، فلماذا يلزم هذا المسكين برأي شاذ ولا يُلزم برأي الجمهور ، بل لماذا يرفَض تسليمه وما سلم به هو رأي كل مراجع الشيعة على مر العصور ؟! بل أكثر من ذلك إن من قال بتحريف القرآن لم يقل إن المحرف والساقط من المصحف يتعارض مع الموجود حتى يمنع ذلك من جعل القرآن الحالي محورا يحتكم إليه عند النـزاع ، فالكل إذن متفق على أن ما في المصحف يمكن جعله محورا ومرجعا بلا معارض !

    ناهيك عن أن عدم قبول الوهابي لهذا التسليم يعني سد باب النقاش في أي موضوع كان سواء في تحريف القرآن أو غيره ، لأن أي نقاش يفتح –حتى وإن كان في تحريف القرآن- سيقف عدم تحديد المرتكز الذي يحتكم إليه عند الاختلاف عقبة لم تحل بعد ! ، لذا عندما يحاول الوهابي الضحك على العقول فيبدأ النقاش في تحريف القرآن ، نسأله : ما هو الضابط الذي نحتكم إليه في هذا النقاش ؟! هل القرآن ؟! كيف وقد صار محلا للنقاش ؟! ، فيجب عليه حينها تغيير المرتكز كجعل العقل مثلا ، ولن يقبله الوهابي لأن العقل ليس من حزبه ، أو أن ينبذ جهالاته وسخافاته جانبا ويأخذ بما سلم به الطرف المقابل ، وعليه يتضح معنى البديهة المنطقية القائلة من سلم بشيء يُلزم به !

    والمضحك أن أحد مشايخهم تكلم بنفس هذا الأسلوب واستدرج أحد عوام الشيعة إلى تحريف القرآن ، وفي حين أن الوهابي لم يقبل من الشيعي حاكمية ومرجعية القرآن عند الاختلاف لأن الشيعة تقول بتحريف القرآن بزعمه صارت استدلالات الوهابي المخدوشة كلها من القرآن ، ويتعجب هذا الوهابي العبقري من الشيعي كيف لا يقر باستدلاله القرآني ؟! مع أن الوهابي يقول إن الشيعة لا يصح لها أن تعتمد القرآن في النقاش ؟!! فأي عقل هذا ؟!

    وأتمنى أن يتنبه لمثل هذه المغالطات والحيل التي يدخل بـها الوهابية على كتاب الله عز وجل محاولين حصر النقاش في تحريف القرآن .





    S آخر العلاج ، هذا الكتاب !



    وإن أبى الوهابية إلا النقاش في تحريف القرآن على ما فيه من مغالطات وتخليط ، وانتهجوا التبجح والصياح كذبا وزورا بأن الشيعة يحرفون القرآن ، فحينها يؤخذ وبكل سرور هذا الترياق المجرب والميسم الكاوي ليوسم به الوهابية بنفس كلمات علمائهم المعتبرين كالطبري وابن كثير وابن حجر وابن تيمية وغيرهم ، الذين صرحوا واعترفوا أن من أكابر الصحابة والتابعين من كان يرى وقوع التحريف في القرآن وهذا هو دين بعض سلفهم الصالح ، وقد أفردنا له فصلا كاملا ، وحينها ينتهي السجال بتكفير الصحابة والتابعين بنفس ميزان الوهابية .





    S ماذا في الكتاب

    لا أدري كيف صبغت هذه المقدمة بالقيل والقال حتى لا تكاد تشعر أنـها مقدمة ! ، ولكني وجدت الكلام السابق مفيدا ونافعا لذا نرجو معذرة القارئ الكريم ، وهذا الكتاب في ثلاثة فصول ، الفصل الأول يتناول تحريف القرآن عند الشيعة مع شيء من التفصيل ، وفيه شيء من عجائب وغرائب الوهابية ، والفصل الثاني في تحريف القرآن عند أهل السنة ، وهو على قسمين :



    القسم الأول التحريف غير الصريح :

    وموضوعه علوم القرآن التي شانت القرآن بتقنين تحريفه والقول بشرعيته ، وهذا في أربعة بحوث :

    1- الأحرف السبعة

    2- جمع القرآن

    3- القراءات القرآنية

    4- نسخ التلاوة



    وبين طيات كل مبحث منها توجد ملاحظات واعتراضات على الجزئيات المطروحة ، ثم نذكر وجه العلاقة بين هذا المبحث المطروح وتحريف القرآن ، وفي نـهاية كل مبحث نذكر رأي الشيعة في أهم المسائل لتصح المقارنة والمقايسة بين المذهبين ، أقصد مذهب أهل البيت عليهم السلام ومذهب العامة ، أما الوهابية فسنقتصر على بيان غرائبهم وشيء من نوادرهم للترويح ولإنعاش القارئ المحترم الذي تلبد فكره بالأخذ والرد .



    والقسم الثاني التحريف الصريح :

    وفيه ذكر للسور الزائدة والناقصة من القرآن وكذا الحال بالنسبة للآيات ، ونذكر أيضا التلاعب الذي أحدثه سلفهم الصالح في القرآن واتخاذهم تحريف القرآن مهنة وحرفة يراد منها التفاف الجماهير والشهرة ، ومن ثم نفرد فصلا لذكر من قال بتحريف القرآن من سلفهم الصالح ودان به ، ثم نعقب بفصل آخر فيه شهادات علماء أهل السنة الكبار معترفين مقرين أن من الصحابة ورموز التابعين من كان يعتقد وقوع التحريف في القرآن ، وهذه الشهادات والاعترافات أخذت من كتبهم المعتبرة بالجزء والصفحة .



    وأما الفصل الثالث فتناول دور الشيعة في صيانة القرآن من التحريف وإيصاله لنا بـهذا الشكل الأنيق الرصين ، وسيتضح لنا أن جمع القرآن ، وتدوينه ، وإملاءه ، وتنقيطه بنقط الإعراب أولا ، وبنقط الإعجام ثانيا ، وإعادة صياغة النقاط مع بعض الإضافات لخط المصحف ، وكذا تطوير الخط النسخي إلى هذا الخط الرائع أمامك فأمكن وضع التشكيل عليه ، كل هذه الأمور التي تدرّج فيها القرآن في مراتب الكمال والصيانة والحفظ والحصانة إنما قام بـها رجال الشيعة فقط دون غيرهم ، فامتازوا بحفظ هذا الكتاب الكريم من التلاعب والتغيير ، والحمد لله رب العالمين .

    ليلة المبعث النبوي الشريف / 1422ه‍



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] سلسلة الأحاديث الصحيحة لناصر الدين الألباني ج4ص355ح1761.

    تعليق


    • #3
      السلام عليكم
      شكرا على المعلومات القيمه و حشرك الله مع من تحبين .
      للعلم القران الموجود بين اليدين غير سورة الحمد
      اجمع علماء اهل المذاهب الاربعه على ان البسمله في مطلع كل سوره هو ابتداءا للقراءة وليست ايه
      وهذا دليل صريح على قولهم بنقص القران
      وحديث عائشه عن العنزه التي اكلت جزءا من القران دليل اخر على نقص القران
      والمشكله في الطرف الاخر انه لا يعرف المعنى بين التفسير الظاهري والتفسير الباطني
      واذا قيل ان القران محرف فالمقصود به هو التفسير للقران وليس القران نفسه
      حيث يقول الله في محكم كتابه
      "نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون "
      وشكرا
      اخوكم
      خادم خدام اهل البيت عليهم السلام

      تعليق


      • #4
        السلام على من اتبع الهدى
        علماء الرافضة المصرحون بأن القرآن محرف وناقص((الجزء الأول)) :


        نقلا عن كتاب : الشيعة وتحريف القرآن للشيخ : عبد الله بن عبد العزيز بن علي الناصر. جزاه الله عنا وعن الإسلام خيرا.

        ( ‍1 ) علي بن إبراهيم القمي :

        قال في مقدمة تفسيره عن القرآن ( ج1/36 ط دار السرور - بيروت ) أما ماهو حرف مكان حرف فقوله تعالى : (( لئلا يكون للناس على * الله حجة إلا الذين ظلموا منهم )) (البقرة : 150) يعنى ولا للذين ظلموا منهم وقوله : (( يا موسى لا تخف إني لايخاف لدي المرسلون إلا من ظلم) (النمل : 10) يعنى ولا من ظلم وقوله : (( ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ )) (النساء: 91) يعنى ولا خطأ وقوله : ((ولا يزال بنيانهم الذى بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم )) (التوبة: 110) يعنى حتى تنقطع قلوبهم.

        قال في تفسيره أيضا ( ج1/36 ط دار السرور - بيروت ) :

        وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله فهو قوله : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) (آل عمران : 110) فقال أبو عبد الله عليه السلام لقاريء هذه الآية : (( خير أمة )) يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليهم السلام ؟ فقيل له : وكيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال : إنما نزلت : (( كنتم خير أئمة أخرجت للناس )) ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية (( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) ومثله آية قرئت على أبي عبد اللــــه عليـه السلام ( الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما )) (الفرقان : 74) فقال أبو عبد الله عليه السلام : لقد سألوا الله عظيما أن يجعلهم للمتقين إماما. فقيل له : يا ابن رسول الله كيف نزلت ؟ فقال : إنما نزلت : (( الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماما )) وقوله : (( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله )) (الرعـد : 10) فقال أبو عبد الله : كيف يحفظ الشيء من أمر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل له : وكيف ذلك يا ابن رسول الله ؟ فقال : إنما نزلت (( له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله )) ومثله كثير.

        وقال أيضا في تفسيره ( ج1/37 دار السرور. بيروت ) :

        وأما ما هو محرف فهو قوله : (( لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون )) (النساء : 166) وقوله ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي فإن لم تفعل فما بلغت رسالته )) ( المائدة : 67 ) وقوله : (( إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم )) (النساء : 168) وقوله : (( وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون )) (الشعراء 227) وقوله : (( ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت )) ( الأنعام : 93)

        * ملاحظة : قامت دار الأعلمي - بيروت في طباعة تفسير القمي لكنها حذفت مقدمة الكتاب للسيد طيب الموسوي لأنه صرح بالعلماء الذين طعنوا في القرآن من الشيعة.

        * أخي المسلم أنت تعلم أن كلمة (( في علي )) (( آل محمد )) ليستا في القرآن.

        ( ‌2 ) نعمة الله الجزائري واعترافه بالتحريف :

        قال الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية 2/357 ، 358 :

        (( إن تسليم تواترها { القراءات السبع } عن الوحي الآلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاما ومادة وإعرابا ، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها ( يقصد صحة وتصديق الروايات التي تذكر بأن القرآن محرف).

        نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي وحكموا بأن ما بين دفتي المصحف هو القرآن المنزل لا غير ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل )).

        (( والظاهر أن هذا القول ( أي إنكار التحريف ) إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها (- وهذا الكلام من الجزائرى يعني أن قولهم ( أي المنكرين للتحريف ) ليس عن عقيدة بل لاجل مصالح أخرى))).

        ويمضي نعمة الله الجزائري فيقرر أن أيادي الصحابة امتدت إلى القرآن وحرفته وحذفت منه الآيات التي تدل على فضل الأئمة فيقول 1/97: ((ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة)) (يقصد الاحاديث التي تروى مناقب وفضائل الصحابة رضوان الله عليهم) فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد غيروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول والأئمة الطاهرين وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم كما سيأتي بيانه في نور القرآن )) عزيزي القارئ إن المقصود في نور القرآن هو فصل في كتاب الانوار النعمانية لكن هذا الفصل حذف من الكتاب في طبعات متأخرة لخطورته.

        ويعزف الجزائري على النغمة المشهورة عند الشيعة بأن القرآن لم يجمعه كما أنزل إلا علي رضوان الله عليه وأن القرآن الصحيح عند المهدي وأن الصحابة ما صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم إلا لتغيير دينه وتحريف القرآن فيقول 2/360،361،362 :

        (( قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين عليه السلام بوصية من النبي صلى الله عليه وسلم ، فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلا بجمعه ، فلما جمعه كما أنزل أتي به إلى المتخلفين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : هذا كتاب الله كما أنزل فقال له عمر بن الخطاب : لاحاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك ، عندنا قرآن كتبه عثمان ، فقال لهم علي : لن تروه بعد اليوم ولا يراه أحد حتى يظهر ولدي المهدي عليه السلام. وفي ذلك القرآن(يقصد القرآن الذي عند المهدي) زيادات كثيرة وهو خال من التحريف ، وذلك أن عثمان قد كان من كتاب الوحي لمصلحة رآها صلى الله عليه وسلم وهي أن لا يكذبوه في أمر القرآن بأن يقولوا إنه مفترى أو إنه لم ينزل به الروح الأمين كما قاله أسلافهم ، بل قالوه أيضا وكذلك جعل معاوية من الكتاب قبل موته بستة أشهر لمثل هذه المصلحة أيضا وعثمان وأضرابه ما كانوا يحضرون إلا في المسجد مع جماعة الناس فما يكتبون إلا ما نزل به جبرائيل عليه السلام. أما الذي كان يأتي به داخل بيته صلى الله عليه وسلم فلم يكن يكتبه إلا أمير المؤمنين عليه السلام لأن له المحرمية دخولا وخروجا فكان ينفرد بكتابة مثل هذا وهذا القرآن الموجود الآن في أيدي الناس هو خط عثمان ، وسموه الإمام وأحرقوا ما سواه أو أخفوه ، وبعثوا به زمن تخلفه إلى الأقطار والأمصار ومن ثم ترى قواعد خطه تخالف قواعد العربية)).
        وقد أرسل عمر بن الخطاب زمن تخلفه إلى علي عليه السلام بأن يبعث له القرآن الأصلي الذي هو ألفه وكان عليه السلام يعلم أنه طلبه لأجل أن يحرقه كقرآن ابن مسعود أو يخفيه عنده حتى يقول الناس : إن القرآن هو هذا الكتاب الذي كتبه عثمان لا غير فلم يبعث به إليه وهو الآن موجود عند مولانا المهدي عليه السلام مع الكتب السماوية ومواريث الأنبياء ولما جلس أمير المؤمنين عليه السلام (هذا الكلام من العالم الجزائري الشيعي هو جواب لكل شيعي يسأل نفسه لماذا لم يظهر علي رضى الله عنه القرآن الأصلي وقت الخلافة) على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه كما لم يقدر على النهي عن صلاة الضحى ، وكما لم يقدر على إجراء المتعتين متعة الحج ومتعة النساء. وقد بقي القرآن الذي كتبه عثمان حتى وقع الى أيدي القراء فتصرفوا فيه بالمد والإدغام والتقاء الساكنين مثل ما تصرف فيه عثمان وأصحابه وقد تصرفوا في بعض الآيات تصرفا نفرت الطباع منه وحكم العقل بأنه ما نزل هكذا.

        وقال أيضا في ج 2/363 :

        فإن قلت كيف جاز القراءة في هذا القرآن مع مالحقه من التغيير ، قلت قد روي في الآخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقرى ويعمل بأحكامه ( هذا جواب العالم الجزائري لكل سني اوشيعي يسأل لماذا يقرأ الشيعه القرآن مع انه محرف).

        ( 3 ) الفيض الكاشاني ( المتوفي 1091 هـ ) :

        وممن صرح بالتحريف من علمائهم : مفسرهم الكبير الفيض الكاشاني صاحب تفسير " الصافي ".

        قال في مقدمة تفسيره معللا تسمية كتابه بهذا الأسم (( وبالحري أن يسمى هذا التفسير بالصافي لصفائه عن كدورات آراء العامة والممل والمحير )) تفسير الصافي - منشورات مكتبة الصدر - طهران - ايران ج1 ص13.

        وقد مهد لكتابه هذا باثنتي عشرة مقدمة ، خصص المقدمة السادسة لإثبات تحريف القرآن. وعنون لهذه المقدمة بقوله ( المقدمة السادسة في نبذ مما جاء في جمع القرآن ، وتحريفه وزيادته ونقصه ، وتأويل ذلك) المصدر السابق ص 40.

        وبعد أن ذكر الروايات التي استدل بها على تحريف القرآن ، والتي نقلها من أوثق المصادر المعتمدة عندهم ، خرج بالنتيجة التالية فقال : (( والمستفاد من هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل منه ماهو خلاف ما أنزل الله ، ومنه ما هو مغير محرف ، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم علي عليه السلام ، في كثير من المواضع ، ومنها لفظة آل محمد
        صلى الله عليه وآله وسلم غير مرة ، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ، ومنها غير ذلك ، وأنه ليس أيضا على الترتبيب المرضي عند الله ، وعند رسول صلى الله عليه وآله وسلم )) - تفسير الصافي 1/49 منشورات الاعلمي ـ بيروت ، ومنشورات الصدر - طهران.

        ثم ذكر بعد هذا أن القول بالتحريف اعتقاد كبار مشايخ الإمامية قال : (( وأما اعتقاد مشايخنا رضي الله عنهم في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن ، لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ، ولم يتعرض لقدح فيها ، مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه، وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي ـ رضي الله عنه ـ فإن تفسيره مملوء منه ، وله غلو فيه ، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي رضي الله عنه فإنه أيضا نسج على منوالهما في كتاب الإحتجاج )) تفسير الصافي 1/52 منشورات الاعلمي ـ بيروت ، ومنشورات الصدر - طهران.


        يتبع.....

        تعليق


        • #5
          أولاً : إلى الزميل عيسى بن مريم

          قبل أن تتكلم في موضوع عن القرآن الكريم , يجب عليك أولاً أن تكتب آيات القرآن بشكل صحيح 00
          إلى متى وأنتم تخطئون في كتابة آيات القرآن الكريم ؟؟


          ثانياً : بارك الله فيك أخي الزبير بن العوام 00

          كما أتمنى من الزميلة مها 2001 ( زعيمة القص واللصق في هذا المنتدى ) أن تدخل معنا في نقاش هذه المسألة , حتى يتبين لجميع القراء الحق من الباطل 00



          وتقبلوا تحياتي00
          المتزن

          تعليق


          • #6
            السلام عليكم
            الاخ المتزن
            شكرا على تصحيح الخطأ
            الرجاء عدم الغلط على اي شخص في المنتدى
            هل تعلم للقران ظاهرا وباطنا وله تفسير وتاويل وناسخ ومنسوخ وحد ومحدود.....................وغيرها .
            وهل لديك القدره العلميه على نقاش هذه المساله من غير تعصب ونبدأ من جديد لنصل الى الحق
            ودعك من خزعبلات اشياخك حيث انهم والله لا يفهمون ما يقولون
            ويقصون ويلصقون وتتبعونهم ولا تفهمون ........
            عندي لك سؤال في سورة القدر
            يقول الله في محكم كتابه
            "تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر "
            القران لكل زمان ومكان والايه صريحه" تتزل الملائكه كل يوم اما
            على اشياخك من حرفوا تفسيرالقران او على امام زماني" ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
            اخوك
            خادم خدام اهل البيت

            تعليق


            • #7
              الفصل الأول :





              الشيعة الإمامية وتحريف القرآن




              S التهمة القديـمة المتهالكـة !



              من هاتيك التهم السائرة الدائرة على مر الأيام التي مني بـها مذهب آل الله وآل رسوله صلى الله عليه وعليهم أجمعين فرية تحريف القرآن ، بدعوى أن الشيعة من مذهبهم القول بسقوط بعض آيات من القرآن ، وكثير من الكتيبات التي كتبتها أيادي الفرقة تريد حشر هذه التهمة في رأس السذج والبسطاء .

              ولا شك أن من ينشر هذه الفرية ما هو إلا صلف الوجه قاسي الخد لا يعبأ بما يقال فيه مشيع للأراجيف والأكاذيب ، كيف لا ! والشيعة ليست من الفرق البائدة التي لا يخبر عنها إلا في الكتب العتيقة وبين صفحات التراجم سحيقة العهد ، فهذه أعيانـهم في كل مكان وعلماؤهم بين أظهرنا وكتبهم ظاهرة سهلة المنال وكلمات محققيهم ومراجعهم لا تخفى إلا على ميت الأحياء ، والقول الفصل عند مراجعهم كلهم أجمعين أكتعين أن القرآن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو هذا المصحف الموجود في بيوتنا وبيوتات المسلمين بجميعه وتمامه لا نقيصة فيه ولا زيادة ، وهذا واضح عند من دار في شوارع المسلمين أو مرّ في أضيق أزقتهم .





              S الشذوذ عن فكر المذهب :



              وكون التحريف فرية واضحة على مذهب أهل البيت عليهم السلام لا ينفي شذوذ بضع نفر عما ذهب له الجمهرة والسواد الأعظم وهذا واضح لدى من امتلك شيئا من العقل ، فبعض علماء الشيعة شذوا عن رأي الطائفة حيث قالوا بعدم صيانة القرآن من التحريف وحالهم كحال من شذ عن مذهب أهل السنة وقال بوقوع التحريف في القرآن وعدم صيانته منه[1]، وهذه القلة من الشيعة ذات ميول خاصة ومبان انفردت بـها وخالفت سوادهم الأعظم ، وقد انقرضت تلك الفئة مع ما شذوا به .

              ومن الدعاوى العريضة أن نقول إن الشيعة انقسموا في الاتجاه والمشرب الفقهي إلى قسمين ، لكل منهما أصوله في استنباط الأحكام الشرعية إذ الفرع الذي ألقى بذرتـه الأمين الإسترآبادي رضوان الله تعالى عليه قبل أربعمائة سنة ثم انكسر واجتث بعد مائتي سنة من بزوغه لا يقسم الشيعة الإمامية في مذهبهم الاستنباطي السائر منذ ألف سنة إلى قسمين أحدهما ظهر قريبا وانتهى بمدة مئتي عام !

              وقد كان للإخبارية[2] قواعد ترتكز عليها مدرستهم وصارت من معالمها ، وهذه المدرسة لا وجود لها اليوم كتيار له منظّرون بما للكلمة من معنى وذلك لانقضاء أمر هذا التيار على يد مراجع الطائفة رضوان الله تعالى عليهم حينما تصدوا لهم فنقضوا أصولهم وبينوا عوارها حتى قضي الأمر واستوت الطائفة وعادت نمرقةً وسطى كما كانت على يد الوحيد البهبهاني رضوان الله تعالى عليه .





              * أسسٌ افترق بـها هذا التيار الـمحدَث عن فكر المذهب :



              من أهم مباني الإخبارية التي شذوا بـها عن جمهرة الإمامية القول بعدم حجية ظواهر القرآن ، واعتمادهم على الأخبار فقط أي السنة الواردة من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام فلذلك سموا إخبارية .

              وسبب قولهم بعدم حجية ظواهر القرآن[3] دعوى أن كلام الله عز وجل أجل وأرفع من أن يناله عقل البشر العاديين ، فإن كلام رب الناس لا تدركه عقول الناس ! ومن الإجحاف بساحته جل وعلا أن يدرك مرام كلامه ويفقه مغزاه البشر العادي ، لذا على الفقهاء إيكال فهم ظواهر القرآن إلى من خوطب به وهم الراسخون بالعلم أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام وهم عِدل القرآن بنص حديث الثقلين المتواتر [4].

              وننقل هنا أقوال بعض مراجع الطائفة الحقة في كتبهم الأصولية التي هي المعتمد الحق في بيان ما شذت به الإخبارية ، قال السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه في تقريرات بحثه :

              " ما يظهر من الطائـفـة المنتـحلـة إلى الإمامية رضوان الله عليهم ، المعروفين بالإخبارية وهو عدم حجية ظواهر القرآن .

              اعلم أن حجية ظواهر الكتاب كانت معروفة غير محتاج إلى الاستدلال ، لأنه كتاب نزل به الروح الأمين على قلبه صلى الله عليه وآله ليكون بشيرا ونذيرا للعالمين ، ويكون به هداية الناس والجنة أجمعين ، وبه انقلب الجهل إلى العلم في جزيرة العرب بحيث صار موردا لتعجب العقلاء والمتمدنين والفصحاء المتكلمين فلا شبهة أنه كتاب أنزل لإفهام المطالب الـحقة لجميع الناس وإيصالهم إلى الكمالات اللائقة بحالهم ولم يشك فيه أحد من الناس إلا شــرذمـة قـليـلـة من الذين أشرنا إليهم في صـدر الـعنـوان . وعمدة ما وجه أو يوجه به قولهم ونظرهم أمور خمسة : أحدها : كونه مشتملا على المضامين العالية التي لا تصل إليها إلا أفهام الأوحدي من الناس . وفيه : أولا …"[5]. فبدأ رضوان الله تعالى عليه بتوجيه الأدلة لكسر مقالتهم الشاذة .



              وقال السيد الحكيم رضوان الله تعالى عليه : " وأما ما ذهب إليه جمهور الإخباريين من عدم حجية ظواهر الكتاب ، فقد ذكر له في الكفاية وجوها خمسة : الأول : ما ورد من النصوص الدالة على أن القرآن لا يعرفه إلا أهله ومن خوطب به ، وهم النبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام . الثاني : أن القرآن يحتوي على مطالب عالية شامخة ومضامين غامضة ، فلا يستطيع أن يفهمه كل أحد ، فان فيه علم كل شئ . ولا يستطيع كل أحد أن يصل بفكره إلى ما اشتمل عليه القرآن "[6].



              وقال السيد محمد سعيد الحكيم حفظه الله تعالى وسدد خطاه في المحكم في أصول الفقه بعدما بين فساد أدلة الإخبارية : " وبـهذا يظهر حال بقية الوجوه التي استدل بـها للإخباريين ، فقد استدل لهم بوجوه كثيرة لا مجال للتعويل عليها بعد ما عرفت من إجـمـاع الأصحـاب وتسـالـمـهم على حجية ظواهر الكتاب . مع أنـها في أنفسها غير صالحة للاستدلال "[7].



              وننقل هنا ما قاله أحد الأفاضل في كتابه دروس في أصول فقه الإمامية : " ومضافا إلى إن سيرة المسلمين في التعامل مع ظواهر القرآن بالأخذ بـها والاعتماد على مؤدياتـها دليل حجية ظهورات القرآن بخاصة . هذا هو رأي جمهور المسلمين بما يكاد يرقي إلى مستوى الضرورة ومنهم أصحابنا الأصولية من الإمامية[8]، وفي مقابل هذا الرأي ذهب أكثر الأخبارية من الإمامية إلى عدم جواز الأخذ بظواهر القرآن إلا عن طريق ما فسر به من أحاديث رويت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام "[9].



              وحيث أن الأصوليين لا ينعزلون عن روايات أهل البيت عليهم السلام حين استنباط الأحكام الشرعية من ظواهر القرآن فلا يظهر الخلاف واضحا بين المسلكين ، ويظهر في حال عدم وجود مانع من الروايات يمنع من التمسك بظهور الآيات القرآنية فحينها يعتمد الأصوليون على ظواهر القرآن لأنـها حجة في نفسها ، بخلاف الإخبارية ففي هذه الحالة لا يتمسكون بظواهر القرآن لأنـها ليست بحجة في نظرهم بدعوى أن عقولنا أقل شأنا من إدراك ظاهر كلام المولى عز وجل ، فتكون ظواهر الآيات من المتشابه ولا يسعهم حينها إلا الاسترجاع وتلاوة قوله تعالى { وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فأَمّا الَّذينَ في قُلوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}(آل عمران/7).

              قال في مصادر الاستنباط : " وقد أجاب المحدث الاسترآبادي عن عمل الإخباريين في الظواهر القرآنية مثل قوله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(المائدة/1) وقوله تعالى {أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ}(النساء/43) وقوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ …}(المائدة/6) وفي ظواهر السنن النبوية مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) حيث قال–أي المحدث- : نحن نوجب الفحص عن أحوالهما بالرجوع إلى كلام العترة الطاهرة عليهم السلام فإذا ظفرنا بالمقصود وعلمنا حقيقة للحال علمنا بـها وإلا أوجبنا التوقف والتثبت "[10].



              ومن مبانيهم المسلمة القول بصحة كل الروايات الوارد في الكتب الأربعة أي الكافي ومن لا يحضره الفقيه والاستبصار والتهذيب ، فلا داعي لمناقشة السند فيها ، وهذا رأي غير مقبول عند الشيعة اليوم .



              وهناك كثير من الأمور التي شذ بـها الإخبارية عن الجمهور ، وقد : " أنـهى الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي هذه الفروق إلى ثلاثة وأربعين فرقا ، وقد تتبع الشيخ يوسف البحراني هذه الفروق فاقتصر على ذكر ثمانية منها وأخذ بمناقشتها ، وانتهى إلى عدم وجود فرق جوهري بين الطرفين حيث قال : فلأن ما ذكروه من وجوه بينهما جلّـه أو كله لا يثمر فرقا في المقام . ولعل الشيخ البحراني قد بالغ في عدم الفرق فإن الفروق موجودة ، غير أنه قد شرح وجهة نظره بأن هذه الفروق لا توجب تشنيعا ولا قدحا لأنه نظير الاختلاف الحاصل بين علماء الطائفة . أما الشيخ جعفر كاشف الغطاء فقد ألف كتابا خاصا في هذا الموضوع أطلق عليه أسم ( الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الأخباريين ) حيث ذكر الفروق فأنـهاها إلى ثمانين فرقاً وإذا انتقلنا إلى المحقق الخونساري فإننا نجده يذكر من الفروق تسعة وعشرين فرقا ، كما أنـهى محمد بن فرج الله الدسقوري هذه الفروق إلى ستة وثمانين فرقا وأغلب ما ذكر هو في الفروع التي يختلف فيها الأصوليون أنفسهم فلا تشكل فروقا حقيقية "[11].

              وما ذهب إليه الإخبارية فُند بأدلة أقامها محققو الطائفة المحقة رضوان الله تعالى عليهم ، وهنا يمكننا القول إن الإخبارية لهم أصولهم وعالمهم الخاص في التعامل مع الأدلة والمغاير لما عليه جمهور الشيعة ، ونادرا ما تجدهم في حالة وفاق ، حتى أن بعضهم كان يتهجم على البعض الآخر بشدة وحدة غريبتين حتى وصل الأمر إلى السباب والشتائم في بعض الأحيان ! والأصوليون بطابع عام يتبرؤون من أفكار هذا التيار ، ولا بأس هنا بنقل تقييم الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه لهذه المباني والمرتكزات التي قام عليها التيار الإخباري :

              " قبل أربعة قرون تقريبا ظهرت بيننا نحن الإمـامية فرقة باسم الفرقة الإخبارية ، وهي في قبال الأصولية القائلة بالاجتهاد ، وقد سيطرت على أفكار الناس ما يقارب القرنين أو الثلاثة قرون ، ولم تترك عملا شنيعا إلا وارتكبته من إشعال حربٍ وقتل وأمثالـهما ، أما اليوم فان عدد الإخباريين قليل جدا "[12].

              وقال رضوان الله تعالى عليه : " هذا هو التيار الإخباري وتعصبه الأحمق اللامحدود الذي جعل أصحابه يعتبرون الصحيح والضعيف من الأحاديث على حدٍّ سواء ، إنّه تيار فكري خطر ظهر في دنيا الإسلام ، وتـمخض عن جمود فكري لا زلنا نعاني من تبعاته إذ سرت عدواه إلى أوساطنا "[13].



              تعليق


              • #8
                S القائلون بالتحريف من هم ؟

                على ضوء اعترافات بعض علماء الإخبارية نتوصل إلى أن هؤلاء النفر الذين قالوا بتحريف القرآن من الشيعة هم بعض الإخبارية لا كلهم ، وعدد من نسب إليه الوهابية–مع تتبعهم- تحريف القرآن لا يزيد عن عشرة ونيف ما بين من تيقنا بصحة النسبة إليه ومن لم نتيقن منها لغرابة بعض تلك الأسماء التي لم نسمع بـها من قبل ولعدم توفر المصادر ، ولا نستطيع الوثوق بما ادعاه الوهابية لما سيأتي من بيان مدى مصداقيتهم .





                S كيف توصلوا لتلك الفجيعة ؟



                ليس من العجب عند من نظر في مباني الإخبارية أن بعضهم قال بتحريف القرآن ، فإن الركون والاقتصار على الأخبار على ما في بعضها من نقل للتحريف ، والتساهل الشديد بوثاقة الرواة ، والقطع بصحة ما في الكتب الأربعة ، وكذا القول بعدم حجية ظواهر القرآن حتى لا يصح التمسك بالآيات التي تتعهد بنفي التحريف عن القرآن ، كل هذه تجعل القول بتحريف القرآن أمرا متوقعا لا غرابة فيه ، فكل من ينسج على نولـهم ويلتزم بمبانيهم ليس له إلا التسليم بما دل على التحريف من الروايات بلا أي عرض على مقاييس القبول والرفض ، فزمام الحكم على القرآن كان بيد الروايات على ما فيها من وضع ودس وضعف !

                ولنذكر هنا كيفية تجاوزهم للاعتراضات والعقبات التي وقفت أمام قول بعضهم بتحريف القرآن :



                1- تأويلهم للآيات النافية للتحريف



                ولم تستطع الآية الكريمة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) ثنيهم عما ادعوه لذهابـهم إلى عدم حجية ظواهر القرآن بدعوى أن كلام الله تعالى أعز من أن تناله وتدركه عقولنا ! فصار الظاهر من المتشابه الذي يوكل أمره إلى الله ، والآية الكريمة من هذا النحو ، فيجب أن يرجع إلى الروايات لمعرفة معناه ، والروايات التي فيها ما فيها تقول إن القرآن محرف ، فيجب تأويل الآية المباركة !

                وحتى لو قالوا بحجية الظاهر فقد نوقشت دلالة ظاهر الآية الكريمة على حفظ القرآن من التحريف ، فقال أحدهم :

                " وفيه أنّ كون أصل القرآن الذي نزل به الروح الأمين على خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم محفوظا عند الأئمة الذين هم خزّان علم الله وكهوف كتبه ، يكفي في صدق الآية ولا دلالة فيها على كون ما بأيدينا محفوظا كما لا يخفى ، مضافا إلى احتمال أن يكون المراد أنه سبحانه يحفظه إلى آخر الدهر بأن بعث جماعة يحفظونه ويدرسونه ويشهرونه بين الخلق ، فتحفظه الأمة وتناولته الأيدي قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة لقيام الحجة به على الخلق وكونه معجزة النّبوة . وهذا كله بعد الغضّ عن رجوع الضمير في {لَهُ} إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا كما ذهب إليه الفرّاء فيسقط الاستدلال رأساً ، قال ابن الأنباري : لما ذكر الله الإنزال والمنـزِّل والمنـزَّل دلّ ذلك على المنـزَّل عليه ، فحسنت الكناية عنه لكونه أمرا معلوماً كما في قوله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }(القدر/1) ، فإن عود الضمير إلى القرآن مع عدم تقدّم ذكره لكونه معلوما من المقام ".



                توجيههم الأول هو ما اعتمدوا عليه ، فان ظاهر الآية غاية ما يدل عليه هو تعهد الله عز وجل بصيانة القرآن من التحريف ولكنها ساكتة عن شخص هذا القرآن والمصحف الذي تكفل المولى بحفظه ، فلا يلزم من التسليم بدلالة الآية على صيانة القرآن من التحريف أن يكون هذا الحفظ لجميع مصاحف المسلمين بل يكفي حفظ القرآن عند إمام المسلمين وقائدهم حتى يتحقق عنوان الحفظ في الآية الكريمة ، وعلى قولهم يكون الله عز وجل قد تعهد بحفظ القرآن عند المستودع للشريعة وهو الإمام المعصوم في كل زمان ، ففي أول الأمر كان عند الإمام علي عليه السلام ومنه إلى الحسن ثم الحسين وهكذا إلى أن استقر الآن عند صاحب العصر الإمام المهدي عليه وعليهم السلام ، والآية أجنبية عن التعهد بحفظ القرآن عند جميع الناس وفي كل مصاحف المسلمين ، فلا تعارض بين روايات التحريف والآية الكريمة .



                وكذا لم تثنهم الآية الكريمة {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت/42). عن مدعاهم ، فقالوا ردا على من استدل بالآية على أن ورود التحريف فيه يعني إتيانه الباطل :

                " وفيه أن المراد بالآية أنّه ليس في إخباره عمّا مضى باطل ، ولا في إخباره عمّا يكون في المستقبل باطل ، بل أخباره كلّها موافقة لمخبراتـها ، رواه الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ، وفي تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} من قِبل التوراة ولا من قِبل الإنجيل والزبور {وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} لا يأتيه من بعده كتاب يبطله ".

                وهكذا لم يثبت القرآن الكريم صيانة القرآن من التحريف في نظرهم ، وصار القول الفصل للروايات ‍.



                2- تأويلهم للروايات النافية للتحريف



                وفي المقابل توجد بعض الروايات التي يلزم من الأخذ بظاهرها نفي التحريف عن القرآن ، كالروايات التي تأمر بعرض الأخبار المنسوبة لأهل البيت عليهم السلام على القرآن فما وافق القرآن قاله أهل البيت عليهم السلام وما خالفه يضرب به عرض الجدار ، وسنرى أن هذه الروايات صريحة في كون القرآن هو القيّم والميزان لتمييز صحة الرواية من سقمها ، بعد علم أهل البيت عليهم السلام بإطّناب الكذب والافتراء عليهم ، فلم يكن إمامٌ إلا وله كذاب يكذب عليه كما ورد في الرواية ، فلا ريب في وجود كثير من الزخرف الملبس والباطل المموه وهو وليد الوضع والاختلاق ، ولكن بعض الإخبارية قاموا بتأويل الروايات النافية للتحريف وصرفها عن ظاهرها لتتوافق مع روايات التحريف ! وهاك نبذة مما أوّلوه على خلاف ظاهره ليتسنى لهم التوفيق بينها وبين روايات التحريف :



                عن أيوب بن الحر قال : " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كل شئ مردود إلى كتاب الله والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ".



                عن كليب بن معاوية الأسدي : " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل ".



                عن الهشامين جميعا وغيرهما قال : " خطب النبي صلى الله عليه وآله فقال : أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف القرآن فلم أقله " .



                عن أيوب : " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا حدثتم عني بالحديث فأنحلوني أهنأه وأسهله وأرشده فان وافق كتاب الله فأنا قلته ، وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله "[14].



                وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال : " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف يرويه من يثق به ، فقال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإلا فالذي جاءكم به أولى ".



                عن النوفلي عن السكوني : " عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه ".



                عن هشام بن الحكم : " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله - في خطبة بمنى أو مكة - : يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته ، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله ".



                عن محمد بن مسلم قال : " قال أبو عبد الله عليه السلام : يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به ".



                عن سدير قال : " قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام : لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله ".



                عن الحسن بن الجهم " : عن العبد الصالح عليه السلام قال : إذا كان جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا ، فإن أشبههما فهو حق ، وإن لم يشبههما فهو باطل "[15].



                وهذه الروايات تتصادم مع القول بتحريف القرآن إذ من غير المعقول أن يُجعل المحرف والمتلاعب به ميزانا لبيان صحة الأخبار وسلامتها من التحريف ، وكذا الحال في حديث الثقلين المتواتر الذي أُمِر المسلمون به بالتمسك بالقرآن والعترة لأن من تمسك بـهما عصم من الضلالة ، ومن غير المعقول أن نعصم من الضلالة مع تمسكنا بالمحرف والمبدل ! ، ولكن كل هذا لم يجد نفعا عندهم ، فقد قال السابق عن الاستدلال بحديث الثقلين :



                " أما الطائفة الأولى فلا دلالة فيها على المُدعى أصلا ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد كان أمرنا بالاتباع بالكتاب والعرض عليه ولم يتطرق عليه تحريف يومئذ ، كما أمرنا باتباع أهل بيته وعترته وأخذ الأحكام عنهم والاقتباس من أنوارهم ، وإنما طرأت السوانح بعدما اختار الله سبحانه له صلى الله عليه وآله وسلم لقائه فمنع المكلفون على أنفسهم اللطف بسوء اختيارهم ، وغيّروا كتاب الله ونبذوه وراء ظهورهم ، كما تركوا العترة وصاروا سببا لاعتزالهم وتشريدهم إلى أن انتهى الأمر إلى الغيبة الكبرى ، فكما أن غيبة الإمام عليه السلام واعتزال الأئمة وقصور اليد عن التمسك بـهم[16] وأخذ الأحكام عنهم الناشئ من سوء فعل المكلفين لا منافاة له مع أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك ، فكذلك قصور اليد عن اتباع القرآن المنـزل على ما هو عليه لا ينافي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتّباعه والتمسك به ، بل نقول : إن أمره صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن إلا لأجل أن لا يفعلوا في كتاب الله ما فعلوه لم يكن إلا لأجل أن لا يفعلوا في كتاب الله ما فعلوه ، وإن لا يقصروا في حقّ الآل ما قصروا ".



                وقال ردا على الروايات التي تأمر بعرضها على القرآن :" وأما الطائفة الثانية فلا دلالة فيها أيضا ، لانا نقول : إن الأئمة عليهم السلام إنما أمرونا بالرجوع إلى هذا الكتاب الموجود بأيدينا مع ما هو عليه من التحريف والنقصان لأجل التقية والخوف على أنفسهم وشيعتهم ، فيكون ما استفدناه حكما ظاهريا بالنسبة إلينا فافهم "[17].

                وردّ دلالة روايات العرض بوجه آخر وهو : " إن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم لعلمهم بعدم طرو التحريف على آيات الأحكام رخصونا في الرجوع والعرض ، فبملاحظة ترخيصهم يحصل لنا القطع بكونـها محفوظة عن الخلل أو أنـهم رخّصونا في ذلك ، لعلمهم بأنّه ليس في الساقط ما يرجع إليه أو يعرض عليه إلاّ وفي الثابت ما يقوم مقامه "[18].



                وعلى هذا فلا قرآن يثبت عندهم صيانة القرآن من التحريف ولا الروايات تثبت ذلك[19] ، وكثير من الروايات في كتب أهل لا إله إلا الله من أهل السنة والشيعة تقول بتحريف القرآن ، فلا عجب إن قالوا بوقوع التحريف في كتاب الله عز وجل !



                تعليق


                • #9
                  S تنكيل مراجع الشيعة وأكابرهم بـمن شذ وقال بتحريف القرآن



                  تواترت صولات مراجع الشيعة وتتابعت اعتراضات أعلامهم وهاجت من كل حدب وصوب في وجه من شذ من القول بتحريف القرآن ، فما ترى عيناك أحدا تعرض لحجية ظواهر القرآن منهم إلا وذكر مصيبة تحريف القرآن والرزية التي منيت بـها الطائفة على يد هؤلاء النفر ، وهم رضوان الله تعالى عليه ما بين مسفه للرأي ومتحسف لهذا الخطب الجلل ، خاصة حينما طم الأمر واتسع الخرق وزيد للنار حطب بتأليف المحدث النوري كتابه فصل الخطاب الذي لملم فيه شتات الأخبار الكئيبة وحشر فيه روايات تريد ما يريد ، حتى قام بحشو الكتاب بأي رواية فيها أدنى إشارة على وقوع التحريف ولو بكثير تكلف ، وعندها قامت دنيا الشيعة ولم تقعد ، وثار المراجع والعلماء في وجه المؤلف ونُدد بالكتاب وطعن فيه ، بل هاجوا على المطبعة أيضا ، وكان حديث الساعة بين الأعلام ومحلا لاستنكارهم وسخطهم ، وهذه الرسالة شاهد تاريخي يحكي لنا حال الشيعة حينما علموا بصدور ذلك الكتاب والباطل الذي حواه :

                  " قد أسلفنا تواجد الشيخ النوري نفسه في وحشة العزلة منذ أن سلك هذا الطريق الشائك ، إذ وجد من أقطاب الطائفة متفقة على خلاف رأيه ، وكم حاول العثور على رفقة من مشاهير العلماء ولكن من غير جدوى ، وقد أحسّ الرجل من أول يومه بشَنَعات ومَسبّات سوف تنهال عليه من كلّ صوب ومكان ، وبالفعل قد حصل ! ووقع في الورطة التي كان يخافها .

                  يحدثنا السيد هبة الدين الشهرستاني –وهو شاب من طلبة الحوزة العلميّة بسامراء على عهد الإمام الشيرازي الكبير- عن ضجّـةٍ و نعـراتٍ ثارت حول الكتاب ومؤلّفه وناشره يومذاك ، يقول في رسالة بعثها تقريظاً على رسالة البرهان التي كتبها الميرزا مهدي البروجردي بقم المقدّسة 1373 ه‍ . يقول فيها : ( كم أنت شاكر مولاك إذ أولاك بنعمة هذا التأليف المنيف ، لعصمة المصحف الشريف عن وصمة التحريف ، تلك العقيدة الصحيحة التي آنست بـها منذ الصغر أيّام مكوثي في سامراء ، مسقط رأسي ، حيث تمركز العلم و الدين تحت لواء الإمام الشيرازي الكبير ، فكنت أراها تـموج ثائرة على نزيلـها المحدث النوري بشأن تأليفه كتاب فصل الخطاب ، فلا ندخل مجلساً في الحوزة العلمية إلاّ ونسمع الضجّـة والعجّـة ضدّ الكتاب ومؤلّـفه ونـاشره ، يسلقونه بألسنة حداد ).

                  وهكذا هبّ أرباب القلم يسارعون في الردّ عليه ونقض كتابه بأقسى كلمات وأعنف تعابير لاذعة ، لم يدعوا لبثّ آرائه ونشر عقائده مجالاً ولا قيد شعرةٍ "[20].



                  وهنا ذكر بعض كلمات الأعلام في ذم فعل المؤلف والنيل من ذلك الكتاب :

                  قال الإمام الحجة البلاغي رضوان الله تعالى عليه في آلاء الرحمن :

                  " هذا وإن المحدث المعاصر جهد في كتاب فصل الخطاب في جمع الروايات التي استدل بـها على النقيصة وكثر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل على الأئمة عليهم السلام في الكتب كمراسيل العياشي وفرات وغيرها مع أن المتتبع المحقق يجزم بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد ، وفي الجملة ما أورده من الروايات ما لا يتيسر احتمال صدقها ، ومنها ما هو مختلف باختلاف يؤول به إلى التنافي والتعارض ، وهذا المختصر لا يسع بيان النحوين الأخيرين . هذا مع أن القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار ، وقد وصف علماء الرجال كلاًّ منهم إما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية ، وإما بأنه مضطرب الحديث والمذهب ، يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء ، وإما بأنه كذاب متهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثا واحدا ، وأنه معروف بالوقف ، وأشد الناس عداوة لرضا عليه السلام ، وأما أنه كان غاليا كذابا ، وإما بأنه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه ومن الكذابين ، وأما بأنه فاسد الرواية يرمى بالغلو . ومن الواضح أن أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتـهم شيئا ، ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتـهم في مثل هذا المقام الكبير لوجب من دلالة الروايات المتعددة أن ننـزلها على مضامينها…"[21] ، ثم ذكر بعض موارد التكلف الواضح لإثبات التحريف وهو في واقعه تفسير وتنـزيل .



                  ما ذكره الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه وعطر الله مرقده في كتابه أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية قال :

                  " وأزيدك وضوحا : أنه لو كان الأمر كما توهّم صاحب فصل الخطاب الذي كان كتَبَهُ لا يفيد علماً ولا عملاً ، وإنّما هو إيراد روايات ضعاف أعرض عنها الأصحاب وتنـزّه عنها أولوا الألباب من قدماء أصحابنا كالمحمّدين الثلاثة المتقدمين رحمهم الله[22] .

                  هذا حال كتب روايته غالبا كالمستدرك ، ولا تسأل عن سائر كتبه المشحونة بالقصص والحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجد ، وهو رحمه الله شخص صالح متتبع ، إلاّ أنّ اشتياقَـه لجمع الضعاف والغرائب والعجائب وما لا يقبلها العقل السليم والرأي المستقيم ، أكثرُ من الكلام النافع ، والعجب من معاصريه من أهل اليقظة ! كيف ذهلوا وغفلوا حتّى وقع ما وقع مـمّا بـكت عـليه السماوات ، وكادت تـتدكدك على الأرض ؟! "[23].



                  ولا ضير أن تلك المباني أركبتهم هذا الصعب تسليما للخبر بلا عرض أو نظر ، فكان من المحتم على من يتصدى لرفع هذه الفرية عن القرآن أن يجتث تلك المباني الفاسدة التي ارتكزوا عليها لا أن يُغِير على النتيجة فيبدأ بالصياح والعويل ! والعاقل لا يخفى عليه أن مناقشة هؤلاء لا تتم في تحريف القرآن وإنما في مبانيهم ومقدمات استدلالاتـهم التي أملت عليهم تحريف القرآن ، فلو قبِل أي رجل مبانيهم سيكون تحريف القرآن نتيجةً حتمية .

                  وسوف نختم هذا المبحث ببقية أقوال مراجع الشيعة الذين ركب في سفينة كل واحد منهم الآلاف المؤلفة من العوام الشيعة ، وقادوا الجم الغفير على عواتقهم في القول والعمل ويقتفي جماهير الشيعة أثرهم ويميلون حين مالوا ويرون قولهم الفصل في المسألة ، وستعلم كيف أنـهم نفوا شبهة التحريف جملة وتفصيلا عن المذهب ، ونحمد الله أن لا أحد من مراجع الطائفة على مر السنين قال بتحريف القرآن وهذا كاف لتوضيح شذوذ الرأي وضآلة عدد قائليه .





                  S أين الافتراء إذن ؟!



                  وبعد هذه المقدمات يتضح لأهل الإنصاف والشرف أن ما يقوم الوهابية به من نشر كتيباتـهم السخيفة في الأسواق ، وما يتناجون به في أوكارهم من أن تحريف القرآن من عقائد الشيعة هو عين الافتراء والكذب على جمهور الشيعة وسوادهم الأعظم ، وخلط للأوراق وتضليل للبسطاء والسذج ، ناهيك عن أن هذا الافتراء لا موضوع له اليوم لأن كل الشيعة الإمامية في عصرنا يقولون بسلامة القرآن من التحريف ولا أحد منهم يدعي التحريف ، ومن قال منهم بذلك قبل مئات السنين هم عشرة ونيف في قبال آلاف الألوف ، وليت شعري كيف ينسب للملايين من الشيعة رأي شذ به عشرة ونيف بعد أن انتفض لهم المراجع والعلماء من جمهرة الشيعة بالرد والتنكيل ؟!

                  فإن كان نسبة ما شذ به البعض إلى الكل هو ميزان الوهابية العادل ، فليشد الشيعة همّتهم بنشر أقوال علماء أهل السنة الشاذة ويلزموا بـها الجميع منهم ، وبنفس ميزان الوهابية !



                  فنلزم جميع علماء أهل السنة باعتقاد جلوس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجانب الله عز وجل على عرشه ، خاصة وأن هذا الاعتقاد قد نقل فيه موافقة الكثير من علمائهم[24].



                  أو نقول إن كل أهل السنة يعتقدون أن الله عز وجل يستطيع أن يركب على ظهر بعوضة فتحمله وتطير به ؟![25]



                  أو أن نحمّل أهل السنة رأي الوهابية في أن التنويم المغناطيسي شرك بالله ![26]



                  أو نحملهم رأي الوهابية في أن كتابة الآيات كالبسملة أو سورة التوحيد أو آية الكرسي وتعليقها على الحائط ذريعة من الشرك وبدعة محرمة ![27]



                  أو ندعي أن من صفات الله عز وجل عند أهل السنة الضحك والهرولة لأن شيخ الوهابية ابن باز يعتقد أن ربه يهرول ويضحك !! ، وأوضح منه قول أحد أئمتهم أن الله -والعياذ بالله- يهرول فوق عرشه وهي صفة قديمة !![28]



                  أو نقول إن أهل السنة يعتقدون أن من سكن في الطابق الأعلى أقرب إلى الله عز وجل ممن سكن في الطابق الأسفل !![29]



                  أو أن أهل السنة يحكمون بحرمة التوسل أو دعاء الله عز وجل بحق وبجاه الأنبياء والصالحين بعد وفاتـهم ، فقط لما شذ به ابن تيمية وأذنابه من الوهابية ، وقد قال شيخهم ابن باز إن هذا العمل بدعي محدث ووسيلة من وسائل الشرك القريبة ![30]



                  أو نشيع أن من عقائد أهل السنة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المكلف بفعل ما هو مكروه في حد ذاته ولا يخلو ارتكابه من نوع جريمة ، ويأتي عمر بن الخطاب فيصلح بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أفسده النبي في أمته ويؤجر عمر على ذلك ![31]

                  أو ننسب لهم اعتقادا مفاده أن الأنبياء يهمون بمعصية الله ، وأن بعض الأنبياء ليهم بالزنا ولا يردعه تـهديد الله ووعيده فيضطر الله لإجباره على الكف والترك ، وأن لا عفة للأنبياء ![32]

                  تعليق


                  • #10
                    أو نقول إن الحنابلة يقولون : " من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم"[33] لقول الإمام أبي حاتم الحنبلي ، ومن جانب آخر نشيع أن باقي أهل السنّة يكفّرون جميع الحنابلة ، بسبب تكفير أبي بكر المقري لهم ![34]



                    أو ننسب لهم الحكم بكفر ابن تيمية لتكفير قضاة المذاهب الأربعة له حين حرّم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد نودي عليه بدمشق أن من اعتقد عقيدة ابن تيمية حُلّ دمه وماله [35].

                    أو نقول إن أهل السنة يكفرون من وصف ابن تيمية بشيخ الإسلام لما حكم به بعض علمائهم ![36]



                    أو أن أهل السنة لا يرون وجوب الحد على من زنى بأمه أو أخته أو أحد محارمه بعد عقده عليهن عالما بالحرمة ! وعدم لزوم الحد على من استأجر امرأة ليزني بـها [37].



                    أو نشيع بين الناس أن أهل السنة يجوزون إعارة الفروج كما ذهب له بعض سلفهم الصالح من الصحابة والتابعين ![38]



                    أو أن أهل السنة يجيزون نظر الحمامي لعورات الرجال وتدليكها لهم بالنورة لأن أبا حنيفة كان لا يرى به بأسا وكذلك ابن مقاتل [39].



                    أو ننسب لهم قول عائشة بجواز رضاع الرجل من المرأة الأجنبية كما صرّحت بذلك عدّة من الروايات وقبلها أكابر علمائهم[40]، حتى زاد ابن تيمية في الطنبور نغمة بمباركة هذا الفعل وتمجيده والحث عليه[41] ، فما المانع من ارتقاء المنابر في المحافل والإذاعة على الملأ اقتداء بالوهابية أن أهل السنة يدخلون الرجال الأجانب على نسائهم حتى يرضعنهم ؟!



                    أو نكتب بسود المداد في كل البلاد أن أهل السنة يجوزون إتيان النساء في أدبارهن ، بل إن علماءهم يفعلونه ![42]

                    أو نقول إن أهل السنة لا يجيزون نكاح الرضيعة أو الرضيع لأن ابن شبرمة وأبا بكر الأصم قالا بعدم جواز ذلك مخالفين به كل علماء أهل السنة ![43]



                    أو نلزمهم برأي شاذ وافق به بعضهم الشيعة في عدم جواز وطء الزوجة الصغيرة ومجامعتها قبل أن تتم تسع سنين ، فننسب هذا الرأي لجميع أهل السنة مع أن جمهور علماء أهل السنة يجيزون وطء ومجامعة الصغيرة حتى وإن كان عمرها سنة واحدة شرط أن تطيق الجماع كأن تكون سمينة جسيمة ممتلئة باللحم [44].

                    أو نقول إن أهل السنة لا يوجبون الحد على من يلوط بغلامه أو بغلام غيره قياسا على أمته أو أخته من الرضاعة ، لأن بعض علمائهم ذهب لهذا الرأي ؟![45]



                    وأكثر من ذلك ، نقول إن علماء أهل السنة يكفرون جميع المسلمين سنة وشيعة ، لأن جميع المسلمين اليوم يعتقدون أن الشمس ثابتة لا تدور حول الأرض وإنما الأرض تدور حولها[46] ، وذلك لأن شيخ الوهابية ابن باز يرى أن من قال بثبوت الشمس كافر حُلّ ماله و دمه وعرضه ![47] ، إلى ما لا نـهاية له من هذه المخازي التي شحنت بـها كتب أهل السنة .

                    فهل هذا مقبول ؟! حاشا لله ، شيعة أهل البيت عليهم السلام ليسوا كالوهابية الذين يفترون على أهل لا إله إلا الله في كل فينة وأخرى ، يحمّلون الجمهرة رأي القلة وينسبون الشواذ للكل ، فأقرب به للخداع والدجل .

                    نعم ، إن الحقيقة التي يقبلها الشيعة ولا مجال لإنكارها ، هي القول أن فلانا قال بالتحريف من علماء الشيعة وفلانا قال بالتحريف من سلف أهل السنة -كما سيأتي بيانه- لا أن يقال : عقيدة الشيعة هي أن القرآن محرف !





                    S هل القول بتحريف القرآن يستوجب الـكفر ؟



                    ولا يكاد ينقضي عجبي من الوهابية كيف تسربلوا البراءة وتقمصوا دور المدافع عن عوام الشيعة يحثونـهم على تكفير من قال بتحريف القرآن[48] ، ولا ريب أن مخاطبة العوام وغير أهل التخصص ونشر الأشرطة بينهم ليس إلا إغرارا بـهم وخداعا لهم ، وإلا ما المانع أن تطرح المسألة مع علماء الشيعة قبل أن تنشر كتيباتـهم المضحكة والأشرطة الملونة ، وجزي خيرا من أعان على نشر هذا الشريط !

                    وعلى أي حال لنناقش الفكرة بشيء من العلمية التي قد تضجر منها نفوس الوهابية وصدع أدمغتهم ، ونبدأ بذكر استدلالات الوهابية على كفر من قال بتحريف القرآن وبالأثناء نذكر رأي الشيعة في المسألة وبعض الضوابط ، لنرى هل الكفر يصح على مباني الشيعة أيضا أم لا .

                    ولنعرض عن ذكر استدلالاتـهم السخيفة التي جاءت في كتيبات الوهابية وأشرطتهم الملونة التي تتسم بالأسلوب الخطابي الرتيب وهي للهزل أقرب منها للجد ، ولنعتمد استدلال اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء التي يرأسها كبير الوهابية ابن باز الذي كان في استدلاله شـمّة علمية ولمسة شبه إسلامية ، فقال :

                    " ومن قال : إنه غير محفوظ أو دخله شيء من التحريف أو النقص فهو ضال مضل ، يستتاب فإن تاب وإلاّ وجب على وليّ الأمر قتله مرتدا ، لأن قوله يصادم قول الله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). ويصادم إجماع الأمة على حفظه وسلامته "[49].



                    فهذه الردة وهذا التكفير وهدر الدم سببه مصادمة الآية ومصادمة إجماع الأمة ، ونحن إرضاء لخاطر الوهابية وتقوية لاستدلالهم نزيد على الوجهين السابقين وجها آخر للتكفير ونرتب لهم المطلب ، فنقول :



                    من قال بتحريف القرآن لا يخلو الوجه في تكفيره من أحد ثلاثة أسباب :



                    1- كذّب صريح القرآن وهو قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). وقوله تعالى {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت/42).

                    2- خالف ضروريا من ضروريات الدين .

                    3- خالف أمرا مجمعا عليه .



                    فنقول لدعاة التكفير : حبا وكرامة ! ، ولكن على فقه من تريدون التكفير من الشيعة ؟! على فقه أهل البيت عليهم السلام أم على فقه شكيب وشكيبة ؟! ، معلوم عند الجميع أن الشيعة لا يقيمون وزنا لفقه لم يأتـهم من أهل البيت عليهم السلام الذين أنزل الله فيهم {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}(الإنسان/21). {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(الأحزاب/33) ، ومع ذلك سنمن على الوهابية مرة أخرى بذكر كلمات علماء أهل السنة في أثناء البحث المؤيدة لما ذهب له علماء الشيعة .



                    S مناقشة أسباب التكفير :



                    السبب الأول : القول بتحريف القرآن يلزم منه تكذيب الله عز وجل فيما أخبر به في كتابه .

                    ويرد عليه أن المخالفة لكتاب الله عز وجل شيء ، والتكذيب والجحد له شيء آخر ، فالتكذيب بمعنى أن يعلم المكلف بما أخبر الله عز وجل به ولكنه لا يصدقه ولا يقتنع به ، فهذا كفر ، وأما لو أخطأ في فهم ما أخبر به الله عز وجل وصار إلى غيره مع كونه يرجو موافقة كلام الله عز وجل ، فهذا خالف كتاب الله عز وجل لجهله وهذا لا يكفر ، والإخبارية هم من هذا القسم بالنسبة للآيتين ، وهذا لأمرين :



                    1- عدم حجية الظاهر عندهم .

                    مر سابقا أن الإخبارية يقولون بعدم حجية ظواهر القرآن لأن القرآن لا يفهمه إلا من خوطب به وهم الرسول وآل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

                    لذا فإن مراد الله عز وجل من الآيتين الكريمتين غير معلوم عندهم ، فلا يصح اتـهامهم بححد وتكذيب ما أخبر به الله عز وجل ، وهذا يجري على كثير من علماء الإسلام الذين أخطأوا في فهم آية أو حكم من آية ، نحو من يقول بعدم جواز رؤية الله عز وجل يوم القيامة مع ما يخبر به الظاهر الساذج لهذه الآية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(القيامة/23-24) ، وكذا شبيه قول من يدعي تحقق رؤية المؤمنين له يوم القيمة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا مع أن الله عز وجل يخبر في المحكم من كتابه أنه لا تدركه الأبصار ، قال تعالى {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}(الأنعام/103). ويقول {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الشورى/11) ، وباتفاق أهل القبلة لا يكفر كلا الطرفين مع أن أحدهما خالف ما أخبر الله به جزما .



                    2- قالوا بعدم دلالة ظاهر الآيتين على المطلوب .

                    فالآية الأولى غاية ما تدل عليه أن الله عز وجل تكفل بحفظ القرآن ولكنها ساكتة عن حفظه عند جميع الناس فلعل الله عز وجل لم يقصد بالحفظ حفظه عند كل المسلمين بل أراد حفظه عن سيد المسلمين وإمامهم ، فمن أين استفدنا حفظه عند كل المسلمين من الآية ! والآية الأخرى تدل على منع استعلاء شيء عليه ولا يطرأ طارئ يظهر عليه فيبطل مضمونه ومحتواه من العلوم والمعارف سواء مما سبقه كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السابقة أو مما يأتي به الناس من علوم ، وليس المقصود أن الباطل في الآية بمعنى حذف الكلمات ونقصها ، ويمكن تقريب هذه الدلالة بلحاظ مرجع الضمير (لا يأتيه الباطل) فلا يمكن أن يكون مرجعه المصحف المجموع لأنـها نزلت والمصحف لم يجمع بعد ، فلا ريب أن المقصود به هو القرآن في الكتاب المكنون فأي تحريف يقع هناك ؟! لذا الآيتان في نظرهم لا تدلان على المدعى .





                    السبب الثاني : خالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة .



                    حتى يتضح الحق في هذه الدعوى يجب تقديم مقدمتين :

                    المقدمة الأولى : ما هو ضابط كون الشيء معلوما من الدين بالضرورة ؟

                    المعلوم من الدين بالضرورة هو ما لا يحتاج انتسابه إلى الدين إلى دليل ولا يشك فيه أحد من المسلمين ، فيكون انتسابه للدين بديهيا بين الناس ، كوجوب الحج أو الصلاة في الإسلام[50]، لذا ما يتوقف إثباته على الدليل لا يكون ضروريا ومعلوما بالبديهة.



                    المقدمة الثانية : هل يكفر المسلم بمجرد إنكاره للضروري أم بقيد وشرط ؟

                    لو أنكر مسلم أمرا معلوما من الدين بالضرورة ، فإن آل إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة فإنه يكفر بلا ريب ، وأما لو لم يرجع إنكاره لإنكار الألوهية والربوبية أو الرسالة كمن طرأت له شبهة أو حصل له لبس أدى بالمنكر إلى تلك النتيجة فإنه لا يكفر .

                    مثلا لو أنكر مسلم استحباب الصدقة لشبهة طرأت له ولبعض الأدلة ففي هذه الحالة يكون قد أنكر معلوما من الدين بالضرورة ولكن هذا الإنكار لا يستوجب الارتداد والمروق عن الملة ، نعم من قال إن الصدقة غير مستحبة مع إقراره أن الرسول صلى عليه وآله وسلم قال باستحبابـها نقلا عن الله عز وجل فهذا يكفر لتعنته على أمر الله عز وجل وإنكاره للربوبية ، أما لو أقر بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء به وأنكر كونه جاء به من عند الله عز وجل فهذا يكفر لأنه أنكر ضروريا يؤول إلى إنكار الرسالة ، وأما الحالة الأولى وهي إنكاره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال باستحباب الصدقة ونص على استحبابـها لشبهة معينة أو طرو لبس في مقدمات استدلاله في حال كونه مصدقا ومتبعا لأقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال ثبوتـها عنه فإن هذا لا يكفر ولا يرتد .



                    قال السيد اليزدي رضوان الله تعالى عليه :" والمراد بالكافر من كان منكرا للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضروريا بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة "[51].



                    قال السيد الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه :" الكافر وهو من انتحل غير الإسلام ، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين بالضرورة ، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة ، أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله ، أو تنقيص شريعته المطهرة ، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل "[52].



                    قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : " الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ، نعم ، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً "[53].


                    تعليق


                    • #11
                      قال الشيخ الآراكي رضوان الله تعالى عليه : " الكافر -أي من أنكر الله أو جعل لله شريكا ، أو لم يعترف بنبوة خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم - نجس . والأحوط وجوبا الاجتناب عن كل منكر لضرورة من ضروريات الدين مثل الصلاة والصوم مما يعتبره المسلمون من أجزاء دين الإسلام إن علم أن ذلك من ضروريات الدين ورجع إنكاره إلى إنكار النبوة "[54].


                      قال السيد عبد الأعلى السبزواري رضوان الله تعالى عليه : " الكافر وهو من انتحل ديناً غير الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع إلى إنكار الرسالة أو إنكار المعاد "[55].



                      قال السيد محمد الروحاني رضوان الله تعالى عليه : " الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي ، نعم ، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً " [56] .



                      قال السيد السيستاني حفظه الله تعالى : "الكافر هو من لم ينتحل دينا ، أو انتحل دينا غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ولو في الجملة بأن يرجع إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله في بعض ما بلغه عن الله تعالى في العقائد -كالمعاد- أو في غيرها كالأحكام الفرعية ، وأما إذا لم يرجع جحده إلى ذلك بأن كان ذلك بسبب بعده عن محيط المسلمين وجهله بأحكام هذا الدين فلا يحكم بكفره ، وأما الفرق الضالة المنتحلة للإسلام فتختلف الحال فيهم "[57].



                      قال الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى : " والكافر وهو المنكر لله أو رسالة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم أو المعاد أو الشاك في الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو المشرك بالله أو الشاك في وحدانيته ، نجسٌ ، وكذلك الغلاة – أي القائلين بألوهية أحد الأئمة عليهم السلام أو القائلين بحلول الله تعالى في أحدهم عليهم السلام – والنواصب – وهم أعداء أحد الأئمة عليهم السلام أو أعداء فاطمة الزهراء سلام الله عليها- ، والمنكر لإحدى ضروريات الدين –كالصلاة والصيام- مع علمه بأنـها من ضروريات الدين "[58].



                      قال الميرزا جواد التبريزي حفظه الله تعالى : " الكافر ، والمشهور بين الفقهاء نجاسته مطلقا ، وإن كان من أهل الكتاب ، وهو الأحوط الأولى والأظهر أن الناصب في حكم الكافر وإن كان مظهرا للشهادتين والاعتقاد بالمعاد ، ومن أنكر شيئا من ضروريات الدين ولم تحتمل فيه الشبهة يحكم بكفره ، وكذا من علم إنكاره من فعله كمن استهزأ بالقرآن ، أو أحرقه –والعياذ بالله- متعمدا "[59].



                      قال السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم حفظه الله تعالى :" إنكار الضروري من الدين إن رجع إلى عدم الإقرار به بعد العلم بإنزاله من قِبل الله تعالى ، أو إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغه به بعد العلم بتبليغه له كان موجبا للكفر ، وإن رجع إلى عدم العلم بثبوته في الدين أو بتبليغ النبي صلى الله عليه وآله له ، لم يوجب الكفر كما إذا نشأ من الجهل بتحريمه أو من شبهة اعتقد معها عدم التحريم "[60].

                      وعلى هذا فلو لم يعلم المنكر أن ما أنكره جزء من الدين بل نفي كونه منه لشبهة ولبس ، مع إيمانه في قرارة نفسه أنْ لو ثبت عنده مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنكره لاتبعه ولأخذ به بكل انقياد وتسليم فإن إنكاره –في هذه الحالة- لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله ، فلا يحكم بكفره ، وبعبارة مختصرة إن منكر الضروري لا يكفر إلا برجوع إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

                      وبعد ما قدمنا يتضح أن دعوى تكفير من قال بتحريف القرآن لإنكاره ضروريا كلام ساقط من رأس وجرأة على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأمرين :

                      1- لم يثبت أن من ضروريات الدين الاعتقاد باحتواء مصحفنا لكل كلمات القرآن التي نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

                      فلو سئل أهل الإسلام في بقاع الأرض عما إذا كان هذا المصحف الذي في بيوتنا اليوم قد اشتمل على كل كلمة وحرف نزل من السماء قبل أكثر من أربعة عشر قرنا ولم تخف كلمة أو حرف عمن جمعه أو لم يتلاعب به أحد من بعدهم ، فلا يعد الجواب على هذا السؤال بديهيا لا يشك فيه ، وليس هو كبداهة سؤال المسلم لأخيه عما إذا كانت الصلاة واجبة في الإسلام ، ولذا عندما يتطرق علماء الشيعة وأهل السنة لإثبات صيانة القرآن من التحريف يعتمدون الدليل لإثبات مدعاهم كآية الحفظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) ، فاستدلالهم هذا على عدم وقوع التحريف في القرآن يناقض كونه من بديهيات الدين التي لا يحتاج لإقامة الدليل .

                      قال في الفقه المقارن : " والقول بعدم التحريف لم يثبت أنه دين بالضرورة وإلاّ لما احتاج إلى الاستدلال عليه بآية {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) وما يحتاج إلى الاستدلال لا يكون من الضروريات "[61].



                      2- من قال بتحريف القرآن فإن قوله لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم .

                      فقد مر سابقا أن من قال بالتحريف لا يرى أن الله عز وجل تكفل بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين ، لأن الآيتين في نظره لا تدلان عليه فضلا عن قبوله لحجية ظاهريهما ، ولا يرى أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قد أخبر بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين بل على العكس هو يرى أن الرسول وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين صرحوا بأن التحريف وقع فيه وأنه بُدل وتلاعبوا به .

                      ويتضح على هذا أن تفسيرهم لظاهر الآيتين الكريمين ومحاولتهم تفادي معارضة الآيتين لما صاروا إليه من القول بالتحريف وكذا تأويلهم وإيجادهم المخارج لحديث الثقلين ولروايات عرض الحديث على القرآن ، كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هؤلاء القوم متبعون لأمر الله ونـهيه ، يتجنبون معارضة قوله ، وكذا مقتفون لسنة رسوله وما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم لذا ذكروا الوجوه لحديث الثقلين وأحاديث العرض حتى لا يتورطوا في معارضة كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنكارهم لصيانة القرآن من التحريف –لو سلمنا جدلا أنه من الضروريات- فإنه لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو إنكار الرسالة كالتعنت على أمر المولى أو أمر رسوله صلى الله عليه وآله سلم ولا يؤول إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم ، وكل هذا مانع من التكفير جزما وقطعا ، مع التسليم بأن هذا الأمر من ضروريات الدين .

                      السبب الثالث : خالف ما هو مجمع عليه .



                      S ملاحظة



                      قبل مناقشة هذا سبب التكفير هذا ، يلزم التنبيه على نقطة وهي أن بعض أهل السنة يستدل بالإجماع على صيانة القرآن من التحريف وهذا استدلال فاسد لأنه استدلال دوري ، فحجية الإجماع عند أهل السنة ترجع إلى ما رووه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا تجتمع أمتي على ضلالة. وهذا الكلام حجيته من صدوره عن شخص مرسل من قِبل الله عز وجل ، والدليل على رسالته هو إعجاز القرآن ، وإعجازه لا يعتمد عليه إلا بعد الفراغ من أن القرآن سليم من الدس والنقصان لأن كل آية نضع يدنا عليها محتمل أن بعض كلماتـها سقطت أو دست في الآية ، لذا أصبح عدم تحريف القرآن معتمد على الإجماع ، والإجماع معتمد على رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والرسالة معتمدة على إعجاز القرآن ، وإعجازه معتمد على سلامته من التحريف ! فسلامة القرآن من التحريف تعتمد على سلامته من التحريف ، لذا لا يصح استدلال أهل السنة بالإجماع –إن تم- على سلامة القرآن من التحريف .



                      أما كون سلامة القرآن من التحريف أمرا مجمعا عليه لذا يكفر من خالفه ، فهذا السبب للتكفير أسخف من سابقيه ، لأمور :

                      1- هذه الدعوى فيها إلزام للشيعة بتكفير بعض علمائهم لأن عدم التحريف أمر مجمع عليه عند أهل السنة !!

                      2- دعوى الإجماع على صيانة القرآن من التحريف لم تتحقق عند أهل السنة فضلا عن الشيعة ، وسيأتي ذكر كلمات من قال من علماء أهل السنة بتحريف القرآن .

                      3- الإجماع ليس دليلا عند الشيعة في قبال الأدلة الأخرى وإنما هو مجرد كاشف عن الدليل ، فلا تكون معارضته معارضة للدليل الشرعي بل معارضة للطريق ، لذا المنكر قد ينكر كاشفية الطريق لا ما يكشف عنه .



                      ولنذكر هنا كلمات علماء أهل السنة الناصة على أن منكر المجمع عليه لا يكفر إلا في حال علمه أن ما أنكره قد صدر من الشارع لمآله إلى إنكار الرسالة ، وهو عين ما يدعيه علماء الشيعة ، فقد يتحقق الإجماع على شيء ولكن المنكر لا يثق بالصدور من إجماعهم لأدلة أخرى أو لشبهة طرأت له ، فلا يكفر لاشتباهه ، وعليه جمهور علماء الإسلام ، ومع ذلك تريد الوهابية أن تتبع الشيعة أمزجتهم !



                      S كلمات علماء أهل السنة في أن خارق الإجماع لا يكفر



                      تعليق


                      • #12
                        وقال إمام الحرمين الجويني في البرهان في أصول الفقه : " فشا في لسان الفقهاء أن خارق الإجماع يكفر وهذا باطل قطعا فإن من ينكر أصل الإجماع لا يكفر والقول في التكفير والتبرؤ ليس بالـهين ولنا فيه مجموع فليتأمله طالبه ، نعم من اعترف بالإجماع وأقر بصدق المجمعين في النقل ثم أنكر ما أجمعوا عليه كان هذا التكذيب آيلا إلى الشارع عليه السلام ومن كذب الشارع كفر والقول الضابط فيه أن من أنكر طريقا في ثبوت الشرع لم يكفر ومن اعترف بكون الشيء من الشرع ثم أنكره كان منكرا للشرع وإنكار جزئه كإنكار كله[62] "[63].



                        وقال للحلبي الحنفي في التقرير : " ولـهذا قال الشيخ صفي الدين الهندي في النهاية جاحد الحكم المجمع عليه من حيث إنه مجمع عليه بإجماع قطعي لا يكفر عند الجماهير خلافا لبعض الفقهاء وإنما قيدنا بالإجماع القطعي لأن جاحد حكم الإجماع الظني لا يكفر وفاقا "[64].

                        وقال أيضا : " غير أن إنكار القطعي إنما يكفر منكره إذا كان ذلك القطعي ضرورياً من ضروريات الدين كما هو قول غير واحد (ومن لم يشرطه) أي الضروري في القطعي المكفر بإنكاره كالحنفية إنما يكفر منكره إذا لم يثبت فيه شبهة قوية . (فلذا) أي اشتراط انتفاء الشبهة في القطعي المنكر ثبوتاً وانتفاء (لم يتكافروا) أي لم يكفر أحد من المخالفين الآخر في التسمية لوجود الشبهة لتقويه في كل طرف لقوة دليله فإنه عذر واضح في عدم التكفير لأنه يدل على أنه غير مكابر للحق ولا قاصد إنكار ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك أخرجه من حد الوضوح إلى حد الإشكال "[65].



                        قال العلامة الزركشي في المنثور : " أطلق كثير من أئمتنا القول بتكفير جاحد المجمع عليه ، قال النووي : وليس على إطلاقه بل من جحد مجمعا عليه فيه نص وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة والزكاة ونحوه فهو كافر ومن جحد مجمعا عليه لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب وغيره من الحوادث المجمع عليها فليس بكافر[66] ، قال ومن جحد مجمعا عليه ظاهرا لا نص فيه ففي الحكم بتكفيره خلاف ونقل الرافعي في باب حد الخمر عن الإمام أنه لم يستحسن إطلاق القول بتكفير مستحل الإجماع وقال : كيف نكفر من خالف الإجماع ونحن لا نكفر من رد أصل الإجماع وإنما نبدعه ونضلله وأول ما ذكره الأصحاب على ما إذا صدق المجمعين على إن التحريم ثابت في الشرع ثم حلله فانه يكون ردا للشرع ".

                        " وقال ابن دقيق العيد أطلق بعضهم أن مخالف الإجماع يكفر ، والحق أن المسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخمس وقد لا يصحبها فالأول يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الإجماع[67] ".

                        وذكر قول أبي حامد الغزالي : " وقد وقع التكفير لطوائف من المسلمين يكفر بعضها بعضا فالأشعري يكفر المعتزلي زاعما أنه كذب الرسول في رؤية الله تعالى وفي إثبات العلم والقدرة والصفات وفي القول بخلق القران والمعتزلي يكفر الأشعري زاعما أنه كذب الرسول في التوحيد فان إثبات الصفات يستلزم تعدد القدماء ، قال : والسبب في هذه الورطة الجهل بموقع التكذيب والتصديق ووجهه أن كل من نزل قولا من أقوال الشرع على شيء من الدرجات العقلية التي لا تحقق نقضا فهو من التعبد وإنما الكذب أن ننفي جميع هذه المعاني ويزعم أن ما قاله لا معنى له وإنما هو كذب محض وذلك هو الكفر المحض ولـهذا لا يكفر المبتدع المتأول ما دام ملازما لقانون التأويل لقيام البرهان عنده على استحالة الظواهر[68] "[69].

                        وقال الزركشي في موضع آخر : " وعلى هذا فلا يسوغ لكل فريق تكفير خصمه بمجرد ظنه أنه غالط في البرهان نعم يجوز أن نسميه ضالا لأنه ضل عن الطريق أو مبتدعا لأنه ابتدع أقوالا لم يقلها السلف "[70].

                        وثم ذكر قول الإمام القشيري ": وعبر بعض الأصوليين عن هذا بما معناه أن من أنكر طريق إثبات الشرع لم يكفر كمن أنكر الإجماع ومن أنكر الشرع بعد الاعتراف بطريقة كفر لأنه مكذب "[71].

                        وقال ابن تيمية في المسودة :" مسألة من خالف حكما مجمعا عليه فهل يكفر بذلك قال ابن حامد وغيره انه يكفر وطرد ذلك أن يكفر من جوز كون الإجماع يقع خطأه[72]، وذكر كثير من الطوائف من أصحابنا وغيرهم منهم القاضي في ضمن مسألة انعقاد الإجماع عن قياس : أنه يضلل ويفسق وهو مقتضى قول كل من قال إن الإجماع حجة قاطعة وهم جماهير الخلائق وقال بعض المتكلمين أنه حجة ظنية فعلى هذا لا يكفر ولا يفسق "[73].



                        وننقل كلام شيخ الوهابية ابن تيمية بتمامه لعله يجد مكانا في قلوب أذنابه : " كلما رأوهم قالوا : من قال كذا فهو كافر . اعتقد المستمع–كالوهابية- أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ولم يتدبروا إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين وان تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بـهذا الكلام بعينه[74]، فإن الإمام أحمد مثلا قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصفات وامتحنوه وسائر علماء وقته وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل عن الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة وترك تخليصهم من أيدي العدو بحيث كان كثير من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم يكفرون كل من لم يكن جهميا موافقا لهم على نفي الصفات مثل القول بخلق القرآن ويحكمون فيه بحكمهم في الكافر ، فلا يولونه ولاية ، ولا يفكونه من عدو ، ولا يعطونه شيئا من بيت المال ، ولا يقبلون له شهادة ، ولا فتيا ولا رواية ، ويمتحنون الناس عند الولاية والشهادة والافتكاك من الأسر وغير ذلك ، فمن أقر بخلق القرآن حكموا له بالإيمان ومن لم يقر به لم يحكموا له بحكم أهل الإيمان ، ومن كان داعيا إلى غير التجهم قتلوه أو ضربوه وحبسوه ، ومعلوم إن هذا من أغلظ التجهم فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها ، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب ، ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنـهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون القرآن مخلوق وان الله لا يرى في الآخرة "[75]

                        " والدليل على هذا الأصل الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}(الأحزاب/5). وقوله {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(البقرة/286). وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي أن الله تعالى قال : قد فعلت لما دعا النبي والمؤمنون بـهذا الدعاء . وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أن النبي قال : أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، وأنه لم يقرأ بحرف منها إلا أعطيه . وإذا ثبت بالكتاب المفسر بالسنة أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان ، فهذا عام عموما محفوظا ، وليس في الدلالة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مخطئا على خطئه ، وان عذب المخطئ من غير هذه الأمة ، وأيضا قد ثبت في الصحيح من حديث أبى هريرة أن رسول الله قال : إن رجلا لم يعمل خيرا قط ، فقال لأهله : إذا مات فأحرقوه ثم أذرووا نصفه في البر ونصفه في البحر ، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به كما أمرهم ، فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر البحر فجمع ما فيه فإذا هو قائم بين يديه ، ثم قال :لم فعلت هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب ، وأنت أعلم . فغفر الله له. وهذا الحديث متواتر عن النبي ، رواه أصحاب الحديث والأسانيد من حديث أبي سعيد وحذيفة وعقبة بن عمرو وغيرهم عن النبي من وجوه متعددة يعلم أهل الحديث أنـها تفيدهم العلم اليقيني وإن لم يحصل ذلك لغيرهم ممن لم يشركهم في أسباب العلم ، فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم بعد ما أحرق وذرى ، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك ، وهذان أصلان عظيمان ، أحدهما متعلق بالله تعالى وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير ، والثاني متعلق باليوم الآخر وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت ويجزيه على أعماله ، ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة ، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت وقد عمل عملا صالحا ، وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح "[76].

                        ومن كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه : " ومنهم من قال : المسائل الأصولية هي ما كان عليها دليل قطعي والفرعية ما ليس عليها دليل قطعي . قال أولئك : وهذا الفرق خطأ أيضا فان كثيرا من المسائل العملية عليها أدلة قطعية عند من عرفها وغيرهم لم يعرفها وفيها ما هو قطعي بالإجماع كتحريم المحرمات ووجوب الواجبات الظاهرة ، ثم لو أنكرها الرجل بجهل وتأويل لم يكفر حتى تقام عليه الحجة ، كما أن جماعة استحلوا شرب الخمر على عهد عمر منهم قدامة ورأوا أنـها حلال لهم ولم تكفرهم الصحابة حتى بينوا لهم خطأهم فتابوا ورجعوا ، وقد كان على عهد النبي طائفة أكلوا بعد طلوع الفجر حتى تبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم يؤثمهم النبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن تكفيرهم وخطؤهم قطعي ، وكذلك أسامة بن زيد قد قتل الرجل المسلم وكان خطؤه قطعيا ، وكذلك الذين وجدوا رجلا في غنم له ، فقال : إني مسلم ! فقتلوه ، وأخذوا ماله كان خطؤهم قطعيا ، وكذلك خالد بن الوليد قتل بني جذيمة وأخذ أموالهم كان مخطئا قطعا ، وكذلك الذين تيمموا إلى الآباط وعمار الذي تمعك فى التراب للجنابة كما تمعك الدابة ، بل والذين أصابتهم جنابة فلم يتيمموا ولم يصلوا كانوا مخطئين قطعا ".

                        " وأهل السنة لا يبتدعون قولا ولا يكفرون من اجتهد فاخطأ وإن كان مخالفا لهم مستحلا لدمائهم ، كما لم تكفر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما واستحلالـهم لدماء المسلمين المخالفين لهم ".

                        وقال ابن تيمية أيضا : " وهذا من أقوال القدرية والمعتزلة وغيرهم التي خالفوا بـها الكتاب والسنة وإجماع السلف والعقل الصريح كما بسط في موضعه "[77]، أقول : ومع ذلك لم يكفر ابن تيمية المعتزلة .



                        S كلمات علماء أهل السنة في عدم كفر من أنكر سور وآيات القرآن باجتهاد منه .

                        مرت كلمات علماء السنة في عدم تكفير من قال قولا اشتبه فيه ولو كان قوله كفرا في نفسه ، وهنا نذكر كلمات علماء السنة في عدم تكفير من اجتهد فأنكر آيات من القرآن أو ادعى نقصانه مشتبها :

                        وقال العلامة ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق : " أنـها –البسملة- من الفاتحة ومن كل سورة ونسب إلى الشافعي ووجه الأصح إجماعهم على كتابتها مع الأمر بتجريد المصحف وقد تواترت فيه وهو دليل تواتر كونـها قرآنا وبه اندفعت الشبهة للاختلاف وإنما لم يحكم بكفر منكرها لأن إنكار القطعي لا يوجب الكفر إلا إذا لم يثبت فيه شبهة قوية فإن ثبتت فلا كما في البسملة "[78].



                        وقال أيضا : " ويكفر إذا أنكر آية من القرآن أو سخر بآية منه إلا المعوذتين ففي إنكارهما اختلاف والصحيح كفره ، وقيل لا ، وقيل إن كان عاميا يكفر وإن كان عالما لا "[79].

                        وكلامه واضح في وجود اختلاف بين الفقهاء في كفر من أنكر قرآنية هاتين السورتين ، وواضح أن سبب قول بعض فقهائهم أن العالم لا يكفر إن أنكرهما بخلاف العامي ، لأن العالم يطلع على الروايات التي وردت في المعوذتين وموقف ابن مسعود من إنكارهما فتنشأ عنده شبهة ، لذلك لا يكفر ، بخلاف العامي الذي لا مكان للاشتباه عنده ، وهذه هي القاعدة التي يقولها الشيعة .

                        تعليق


                        • #13
                          وكذا نقل لنا الإمام البروسوي قول الإمام ابن عوض الحنفي وغيره من العلماء في عدم تكفير من أنكر المعوذتين لنفس السبب الذي ذكرناه سابقا وهو حصول الشبهة لدى المنكر سببها إنكار ابن مسعود لهما ، قال :

                          " وفي نصاب الاحتساب[80]: لو أنكر آية من القرآن سوى المعوذتين يكفر ، انتهى ."[81]

                          " وفي الأكمل عن سفيان بن سختان قال : من قال إن المعوذتين ليستا من القرآن لم يكفر لتأويل ابن مسعود رضي الله عنه كما في المغرب للمطرزي .

                          وقال في هدية المهديين : وفي إنكار قرآنية المعوذتين اختلاف المشايخ والصحيح أنه كفر ، انتهى"[82].



                          وقال القاضي أبو بكر الباقلاني :" فإن قيل : إذا قلتم أنـها –البسملة- ليست بقرآن هل تكفّرون من قال إنـها قرآنا كما تكفّرون من جعل " قفا نبك " قرآن ؟ قيل : هذا يلزم على قول من يكفر من قال إنـها ليست منه ، وهذا ليس بصحيح ولا مرضي ، بل كل من أثبتها آية من القرآن مخطئ ذاهب عن الحق ولم يجب تكفيره لأن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أمر بكتابتها في فواتح السور ، وجهر بـها تارة ، فوجب تخطـئـته لأجل تركه تأمل حال عادته صلى الله عليه (وآله) وسلم في إلقاء القرآن ، وأنه يلقيه إلقاء شائعا ذائعا ، فكان مخطئا في هذا الوجه متأولاً ضربا من التأويل لا يُصيّره بمثابة من ألحق بالقرآن ما علم ضرورة من أنّ الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم قال قولا ظاهرا إنـها ليست من القرآن و أشاع ذلك إشاعة تكفّر من ردّها "[83].

                          وقال العلامة محي الدين النووي في المجموع :" وأجمعت الأمة على أنه لا يكفر من أثبتها –البسملة- ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها ، بخلاف ما لو نفى حرفاً مجمعاً عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد ، فإنه يكفر بالإجماع "[84].

                          أقول : إن كان تضارب روايات البسملة عندهم كفيلة في تحقق الشبهة المانعة من التكفير فلا ريب في تحققها عند بعض الإخبارية من الشيعة التي وجدت عندهم روايات كثيرة تدل على نقصان بعض الكلمات من القرآن ، وأما قوله الأخير فستأتي مناقشته .



                          وهذا ما ذكره البيهقي في سننه الكبرى : " قالوا والذي روينا عن الشافعي وغيره من الأئمة من تكفيـر هؤلاء المبتدعة فإنـما أرادوا به كفرا دون كفر هو كما قال الله عز وجل {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ}(المائدة/44) ، قال ابن عباس : إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه إنه ليس بكفر ينقل عن ملة ولكن كفر دون كفر .

                          قال الشيخ رحمه الله : فكأنـهم أرادوا بتكفيرهم ما ذهبوا إليه من نفي هذه الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه وجحودهم لها بتأويل بعيد مع اعتقادهم إثبات ما أثبت الله تعالى فعدلوا عن الظاهر بتأويل فلم يخرجوا به عن الملة وإن كان التأويل خطأ كما لم يخرج من أنكر إثبات المعوذتين في المصاحف كسائر السور من الملة لـما ذهب إليه من الشبهة وإن كانت عند غيره خطأ "[85].

                          وكلامه الأخير واضح جدا ولا يحتاج إلى تعليق .

                          حتى أن شيخ الوهابية ابن تيمية نص على عدم تكفير من أنكر قرآنا ثابتا لاشتباهه ولعدم قيام الدليل لدى المنكر كتواتر قرآنية السورة والآية ، وحال هذا المنكر للقرآن في عدم تكفيره عند ابن تيمية حال بعض الصحابة والتابعين الذين أنكروا بعض نصوص القرآن الثابتة بالتواتر لعدم قيام الحجة لديهم ، ونقدم أولا كلامه عن عدم تكفير كل من ادعى أن بعض القرآن ليس من كلام الله عز وجل لأجل شبهة طرأت له :

                          " ولا ريب أن من قال إن أصوات العباد قديمة فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله كما إن من قال أن هذا القرآن ليس هو كلام الله فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله ومن قال إن القرآن العربي ليس هو كلام الله بل بعضه كلام الله وبعضه ليس كلام الله مفتر مبتدع له حكم أمثاله[86] ، ومن قال إن معنى آية الكرسي وآية الدين و قل هو الله أحد و تبت يدا أبى لهب معنى واحد فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله ، وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد وقصد الحق فأخطأ لم يكفر ، بل يغفر له خطأه ، ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر[87] ".

                          " فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص ، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال يكون كافرا ، بل ولا فاسقا بل ولا عاصيا ، لا سيما في مثل مسألة القرآن ، وقد غلط فيها خلق من أئمة الطوائف المعروفين عند الناس بالعلم والدين ، وغالبهم يقصد وجها من الحق فيتبعه ويعزب عنه وجه آخر لا يحققه ، فيبقى عارفا ببعض الحق جاهلا بعضه بل منكرا له"[88].



                          وأفصح ابن تيمية عما في صدره حينما استدل على عدم جواز تكفير من أنكر نصوص القرآن الثابتة التي نقرؤها في صلاتنا ، لشبهة عرضت له أو لعدم ثبوتـها عنده بالتواتر ، قال :

                          " وأيضا فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل ، واتفقوا على عدم التكفير بذلك ، مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي و أنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف ، وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة ، وكان القاضي شريح يذكر قراءة من قرأ ( بل عجبتَ ) ويقول : إن الله لا يعجب ، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال : إنما شريح شاعر يعجبه علمه ، وكان عبد الله أفقه منه ، فكان يقول ( بل عجبتُ ) فهذا قد أنكر قراءة ثابتة ، وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنّة ، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة ، وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروف القرآن [89]، من إنكار بعضهم قوله {أَفَلَمْ يَيْئَسْ الَّذِينَ آمَنُوا}(الرعد/31). وقال[90] : إنـما هي ( أولم يتبين الذين آمنوا ) ، وأنكر الآخر قراءة قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}(الإسراء/23). وقال[91] : إنـما هي : ( ووصى ربك ) ، وبعضهم[92] كان حذف المعوذتين ، آخر[93] يكتب سورة القنوت .

                          وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر[94] ، ومع هذا فلم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا ، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر[95] "[96].



                          تعليق


                          • #14
                            وإلى هنا تتضح ما أرادته الوهابية من الشيعة ، يريدون من الشيعة تكفير بعض علمائهم سفاهة وعلى دين الوهابية![97]، لا على مذهب أهل السنة ولا على مذهب شيخهم ابن تيمية ، فضلا عن مذهب أهل البيت الذي تدين به الشيعة ! ، ولا أزيدك علما أن الوهابية يستمزجون التكفير ويستهوونه وإن كانت رعونتهم في إطلاق كلمة الكفر مخالفة لنفس المذهب الذي ينتسبون له !



                            S هل هناك شبهة قوية دعت للقول بتحريف القرآن !



                            وقد يتساءل البعض ، هل وجدت شبهة عند من قال بتحريف القرآن أم قال به استمزاجا وترفا واتباعا للهوى ؟

                            قد بينا فيما سبق عدم قيام الدليل عندهم على صيانة القرآن من التحريف ، لا من القرآن الكريم ولا من السنة المطهرة وقد ذكرنا كيف فهموا الآيتين وحديث الثقلين وأحاديث عرض السنة على كتاب الله عز وجل ، فهذا يعني أن المانع من اعتقاد التحريف مفقود عندهم ، وفي المقابل وردت كثير من الروايات التي تصرح وتلوح بحصول النقص في كتاب الله عز وجل وحذف بعض الكلمات منه ، وهذا الروايات جاءت متظافرة في كتب الفريقين المعتمدة كالبخاري ومسلم عند السنة والكافي عند الشيعة ، بل قالوا أن هناك إخبارا ونبوءات من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول إن هذه الأمة ستحرف كتاب ربـها ، وهذه الرواية أخرجها البخاري في صحيحه :

                            " عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه . قلنا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟! "[98].

                            فقالوا إن هذه تدل على أن المسلمين سيقتفون أثر من كان قبلهم من اليهود النصارى ولا يحيدون عن مسيرتـهم ، ومن المعلوم أن تحريف التوراة والإنجيل من أهم السمات البارزة في ما سلكه اليهود والنصارى ، وهذا أمر يحتاج إلى إجابة ![99]



                            قالوا أيضا إن القرآن الكريم يدل على هذا المعنى في سورة الانشقاق ، ويفي بالغرض نقل مقطع من تفسير ابن كثير :

                            " وقوله تعالى {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}(الإنشقاق/19). قال البخاري -بسنده- قال ابن عباس : {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} حالا بعد حال . قال هذا نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم . هكذا رواه البخاري بـهذا اللفظ وهو محتمل أن يكون ابن عباس أسند هذا التفسير عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كأنه قال سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون قوله نبيكم مرفوعا على الفاعلية من قال وهو الأظهر والله أعلم . كما قال أنس : لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم . وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد أن ابن عباس كان يقول : {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قال : يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : حالا بعد حال ". هذا لفظه وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : طبقا حالا بعد حال . وكذا قال عكرمة ومرة والطيب ومجاهد والحسن والضحاك ومسروق وأبو صالح ويحتمل أن يكون المراد لتركبن طبقا عن طبق حالا بعد حال قال هذا يعني المراد نبيكم صلى الله عليه وسلم ".

                            "وقال ابن إسحاق والسدي عن رجل عن ابن عباس : {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} منـزلا على منـزل ، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس مثله وزاد : ويقال أمرا بعد أمر وحالا بعد حال . وقال السدي نفسه : {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} أعمال من قبلكم منـزلا بعد منـزل . قلت –ابن كثير - : كأنه أراد معنى هذا الحديث الصحيح خ3456 م2669 : " لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه . قالوا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟! ، وهذا محتمل "[100].

                            وكل هذه الشبه مانعة من التكفير وتجتث أصوله من الأساس ، بل لا يتصور التكفير في مثل هذه الموارد ، لأن هؤلاء بأدلتهم وشبههم التي تحتاج إلى ما يرفعها ويزيحها لا يريدون منها إلا بث الشكوى والتفجع للمصاب والرزية التي طرأت على كتاب الله عز وجل بزعمهم ، فهم في الحقيقة يريدون وجه الله عز وجل والدفاع عن كتابه وبيان ما تعرض له القرآن من تحريف وتلاعب ومظلومية ، ويحسبون أن قولهم السابق يوافق الأدلة الشريعة ولا يعارضها بل هم على يقين من عدم معارضتها ، فغاية ما يقال فيهم أنـهم قد ضلوا وما أصابوا الحق في هذه المسألة[101]، وكل هذا ينفي دعوى التكفير التي ترجع إلى إنكار شيء وهو يعلم أن الشريعة جاءت به فيكذب الله ورسوله . فأين هذا من ذاك ؟!





                            S نظرة في روايات التحريف



                            S كلمة حول مصادر تلك الروايات

                            المتأمل في الروايات التي استدل بـها على وقوع التحريف لا يدل ظاهر كثير منها عليه إلا بعد التحوير والتحميل ، فبعضها دلت على أن الإمام المعصوم عليه السلام كان في مقام التفسير ، والبعض الآخر جاء بمعنى التنـزيل ، ناهيك أن الجم الغفير من تلك الروايات اقتبس من كتب غير معتمدة ومحل كلام عند الأعلام والمراجع الشيعة نحو تفسير العياشي الذي كل مرواياته بحكم المراسيل لأن الذي نسخ التفسير حذف أسانيد رواياته ! ، وأيضا كتاب سُليم بن قيس الهلالي رحمه الله الذي قال فيه الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه :

                            " هذا الكتاب غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثره ، وقد حصل فيه تخليط وتدليس . فينبغي للمتديّن أن يتجنب العمل بكل ما فيه ولا يعوّل على جملته والتقليد لروايته "[102].

                            وقال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : " وكيفما كان فطريق الشيخ إلى كتاب سُليم بكلا سنديه ضعيف " ، وقال :" والصحيح أنه لا طريق لنا إلى كتاب سُليم بن قيس الهلالي المروي بطريق حماد بن عيسى وذلك فإن في الطريق محمد بن علي الصيرفي أبا سمينة وهو ضعيف كذاب "[103] ، وقيل أن أبان بن عياش زاد في كتاب سليم بن قيس .

                            وكذلك تفسير علي بن ابراهيم القمي رضوان الله تعالى عليه الذي نسب إليه القول بالتحريف بسبب ما كُتب في ديباجة التفسير إلا أن مقدمة التفسير غير معلوم أن القمي قد كتبها وكذا جزء كبير من التفسير ليس للقمي ، والتفسير من الجلد إلى الجلد غير موثوق به وساقط عن الاعتبار .

                            قال الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله : " وبـهذا تبيّن أن التفسير ملفق من تفسير علي بن إبراهيم وتفسير أبي الجارود ولكل من التفسيرين سند خاص ، يعرفه كل من راجع هذا التفسير ثم إنه بعد هذا ينقل عن علي بن إبراهيم كما ينقل عن مشايخه الأخر إلى آخر التفسير . وبعد هذا التلفيق كيف يمكن الاعتماد على ما ذكر في ديباجة الكتاب لو ثبت كون الديباجة لعلي بن ابراهيم نفسه ؟ ".

                            وقال " ثم إن الاعتماد على هذا التفسير بعد هذا الاختلاط مشكل جداًّ خصوصا مع ما فيه من الشذوذ في المتون . وقد ذهب بعض أهل التحقيق إلى أن النسخة المطبوعة تختلف عمّا نقل عن ذلك التفسير في بعض الكتب وعند ذلك لا يبقى اعتماد على هذا التوثيق الضمني أيضا فلا يبقى اعتماد لا على السند ولا على المتن "[104] ، علاوة على أن راوي التفسير بما فيه من روايات للقمي أو لأبي الجارود لم تثبت وثاقته .

                            وهكذا بالنسبة لكتاب الاحتجاج للطبرسي رضوان الله تعالى عليه إذ كل رواياتـه مراسيل وبلا إسناد ، فلا يتعبد بما فيه ، وغيرها من المصادر نحو التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام وتفسير فرات الكوفي .

                            وروايات التحريف نابعة في الغالب من هذه الكتب والمصنفات المخدوشة سندا ومتنا ، قال المحقق هادي معرفة حفظه الله حال كلامه عن فصل الخطاب :

                            " أما الروايات الخاصة ، والتي استند إليها –المحدث النوري- لإثبات التحريف سواء أكانت دالة بالعموم على وقوع التحريف أم ناصّة على مواضع التحريف ، فهي تربو على الألف و مائة حديث (1122) منها (61) رواية دالة بالعموم و (1061) ناصة بالخصوص ، حسبما زعمـه . لكن أكثريّتها الساحقة نقلها من أصول لا إسناد لها ولا اعتبار ، من كتب ورسائل ، إما مجهولة أو مبتورة أو هي موضوعة لا أساس لها رأساً . والمنقول من هذه الكتب تربو على الثمانمائة حديث (815) و بقي الباقي (307) وكثرة من هذا العدد ترجع إلى اختلاف القراءات مما لا مساس لها بمسألة التحريف وهي (107) و البقية الباقية (200) رواية ، رواها من كتب معتمدة ، وهي صالحة للتأويل إلى وجه مقبول أو هي غير دالة على التحريف وإنما أقحمها النوري إقحاما في أدلة التحريف "[105].

                            وقال السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه في تقريرات بحثه : " أن الروايات التي دلت على وقوع التحريف قد أخذت من كتب لا اعتماد عليها ، فإن أكثرها مأخوذ من كتاب أحمد بن محمد بن السيار المعروف بالسياري ، وهو منسوب إلى فساد المذهب . فعن النجاشي أنه ضعيف الحديث فاسد المذهب ، ذكر ذلك الحسين بن عبيد الله مجفو الرواية كثير المراسيل انتهى . وعن ابن الغضائري في رجاله : أحمد بن محمد بن سيار يكنى أبا عبد الله القمي المعروف بالسياري ضعيف متهالك غال منحرف ، استثنى شيوخ روايته من كتاب نوادر الحكمة وحكى عن محمد بن علي بن محبوب في كتاب نوادر المصنف أنه قال بالتناسخ . ( انتهى ) . وقريب مما حكي عن النجاشي ما حكي عن العلامة رحمه الله في الخلاصة ، فلا ريب في ضعفه . وكثير من تلك الأخبار أي الدالة على التحريف عن فرات بن إبراهيم الكوفي ، وهو وإن لم ينسب إلى فساد المذهب بل في رجال المامقاني رحمه الله أنه كان من مشايخ الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه ، وقد أكثر الصدوق رحمه الله الرواية عنه لكنه لم يرد توثيق له من علماء الرجال بالنسبة إليه . وعدة منها عن تفسير العياشي رحمه الله ، وهو وإن كان من الإمامية وكان ثقة لكن أكثر الروايات المنقولة في تفسيره مرسلة فلا اعتبار بـها . وعدة منها لا ربط لها بالمقام ، بل راجعة إلى كيفية اختلاف القراءات . وعدة منها مقطوع كذبـها "[106].

                            وسنبحث في ما يلي عن الوجه الحق الذي يراه علماء الشيعة لمثل هذه الراويات .



                            تعليق


                            • #15
                              S دلالة أغلب تلك الروايات



                              تضمن بعض ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام من روايات آيات قرآنية زيد فيها كلمات وجمل ليست في مصحفنا ، وعُلق في تلك الروايات على هذا المزيج من الآية والكلمة الأجنبية بجملة ( هكذا نزلت ) أي أن الآية نزلت بـهذا الشكل بما فيها من الكلمات الأجنبية ، وهذه أمثلة لتلك الروايات :



                              S " الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن علي بن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده ) فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(الأحزاب/71). هكذا نزلت "[107].



                              S " الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن جعفر بن محمد بن عبيد الله عن محمد بن عيسى القمي عن محمد بن سليمان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ ( كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من ذريتهم ) فَنَسِيَ }(طه/115). هكذا والله نزلت على محمد صلى الله عليه وآله ".



                              S " علي بن إبراهيم عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بـهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا {بِئْسَ مَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ( في علي ) بَغْيًا } (البقرة/90)" .



                              S " وبـهذا الإسناد عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل عن جابر قال : نزل جبرئيل عليه السلام بـهذه الآية على محمد هكذا {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ( في علي ) فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ }(البقرة/23) " .



                              S " وبـهذا الإسناد عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله بـهذه الآية هكذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا ( في علي نورا مبينا ) مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ}(النساء/47) ".



                              S " أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بـهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ( آل محمد حقهم ) قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ( آل محمد حقهم ) رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(البقرة/59) ".



                              S " وبـهذا الإسناد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بـهذه الآية هكذا {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا ( آل محمد حقهم ) لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}(النساء/168-169). ثم قال {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ ( في ولاية علي ) فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا ( بولاية علي ) فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }(النساء/170)"[108].



                              S " أحمد بن مهران - رحمه الله - عن عبد العظيم عن بكار عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال هكذا نزلت هذه الآية {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ( في علي ) لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}(النساء/66) "[109].



                              فألصق الوهابية تحريف القرآن بالشيعة ! بدعوى أن بعض رواياتـهم تحكي نزول الآيات من السماء بأشكال أخرى غير التي نعرفها ، وواضح أن تلك الكلمات قد نقصت وذهبت ولا وجود لها اليوم في مصحفنا ، فالشيعة تعتقد نقص القرآن ، والحمد لله رب العالمين !



                              هذا ملخص كلامهم بعد تخليصه من الشوائب والحشف ، وهذا -على ما فيه من خلط بين الرواية والاعتقاد بمضمونـها الذي طالما يقعون فيه ، إذ لا ملازمة بينهما ! ، وبعد التسليم بصحة أسانيد كل الروايات السابقة [110]- كلامٌ ساقط من رأس ، لأن عبارة ( هكذا نزلت ) لا يفهم الشيعة منها أن هذا الـمُنـزل كله قرآن ، أي أن تلك الكلمات الدخيلة من نفس جنس القرآن حتى يقال إن القرآن في نظرهم حُرف ونقص بسقوطها ! ، نعم الباقي هو من القرآن أما ما دمج فيه فليس منه[111] ، لأن كلمة التنـزيل الواردة في الروايات معناها يختلف عما هو معروف بيننا اليوم الذي خُصّ بنـزول عين آيات القرآن ، والمقصود من التنـزيل في الروايات هو التفسير النازل عن طريق الوحي توضيحا وتبيانا للمراد وشرحا للآيات القرآنية ، فليس التنـزيل قرآنا منـزلا وإنما تفسيرٌ منـزل من قِبل الله تعالى ورثه أهل البيت عليهم السلام عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا اعتقاد محققي ومراجع الشيعة في تلك الزيادات ، وسيتضح بإذنه تعالى أن من المعلوم عند علماء الشيعة أن جبريل عليه السلام لم ينـزل بالقرآن فقط وإنما أنزل تفسيره أيضا وهو المسمى في بعض الروايات بالتنـزيل[112]، فلا يصح الافتراء على الشيعة أن من عقائدهم تحريف القرآن فقط لوجود روايات عندهم تذكر كلمات مدمجة في الآية وتعقبها بعبارة ( هكذا نزلت ) ! إذ النـزول من السماء في روايات الشيعة أعم من نزول القرآن ، وهذا نفس قول علماء أهل السنة بأن القرآن قد نزل ونزل معه مثله وستأتي كلماتـهم فيه بإذنه تعالى ، وإلى هنا يتضح الوجه الصحيح لعشرات -إن لم نقل مئات- من الروايات التي أبـهمت على الوهابية الذين لا خبرة له بروايات أهل البيت عليهم السلام فاستفادوا منها تحريف القرآن .



                              S الوهابية والخيال المتناقض !



                              بزغ لنا اليوم رأي جديد أو قل فلتة جديدة تقول إن بعض محدثي الشيعة هم الذين أقحموا تلك الزيادات بين كلمات الرواية ، وأصحاب الفلتات هم بعض الوهابية كالعادة ، فقد قال جاهلهم في أصول مذهب الشيعة :

                              " وقد اكتملت صورة هذه الأسطورة -تحريف القرآن- على أيديهما فبدأت الروايات عند القمي والكليني –رضوان الله تعالى عليهما- تأخذ بـهذه الأسطورة إلى مرحة عملية فبدؤوا بإقحام كلمة ( في علي ) بعد أي آية فيها لفظ ( أنزل الله إليك ) و ( أنزلنا إليك ) ، وزيادة لفظ ( آل محمد حقهم ) بعد لفظ ( ظلموا ) حيثما وقع في القرآن …الخ "[113].



                              لنسلم له أن تلك الزيادات هي من التحريف الصريح كما حسب المغفل ، ونترك لأجله كلمات علماء الشيعة الآتية التي تنص على أنـها من التنـزيل ، وننبذ أيضا -لسواد عينيه- كلمات علماء السنة التي تنص على وجود التنـزيل في الشريعة كما سيأتي بإذنه تعالى ، ولنسائله :

                              كيف علم أن القمي والكليني رضوان الله تعالى عليهم قد أقحما هذه الجمل بين الآيات ؟! ، أليس من المحتمل أنـهما سمعاها ممن أقحمها بزعمه ؟ ، طبعا لا جواب !

                              ثم كيف يقتصر عملهما على إقحامها والروايات تتحدث عن خصوص هذه الجمل المقحمة ؟! أليس الصحيح أن يقول الوهابي أنـهما وضعا تلك الروايات والعياذ بالله ؟



                              وكما قلت سابقا إن هذا الوهابي العبقري له أسلوب خاص في الكتابة حيث اعتاد على الدوام نقض ما ذكره مسبقا وهذا يظهر بأقل اطلاعة على كتابه[114] ، فهنا مثلا قال الوهابي أن روايات التحريف هي نتاج إقحام وتلاعب من القمي والكليني رضوان الله تعالى عليهما ، ثم يأتي بعد صفحات ليقول إن روايات التحريف قد تلقفها القمي رضوان الله تعالى عليه من كل أفاك أثيم–زعم- ومن ثم أخذها الكليني رضوان الله تعالى عليه من شيخه القمي !! :

                              " ويلاحظ أن معظم روايات الكليني –رضوان الله تعالى عليه- صاحب الكافي هي عن هذا القمي –رضوان الله تعالى عليه- الذي تلقف هذه الروايات عن كل أفاك أثيم وسجلها في تفسيره "[115].

                              أي أن التلاعب من الرواة لا من القمي ولا من الكليني رضوان الله تعالى عليهما ! فما عدا مما بدا ؟! ، والعجب أن هذه التخرصات والتناقضات تضمنتها رسالة دكتوراه حازت مرتبة الشرف الأولى ! ، هزلت .





                              S ما يدل من الروايات على أن المقصود من التنـزيل هو التفسير



                              1- من روايات الشيعة

                              منها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام شرحا للآية الكريمة {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}(مريم/26) :

                              " عن أبي عبد الله عليه السلام : قوله جل ثناؤه : ( صوما وصمتا ) ، قال : قلت : صمتا من أي شئ ؟ قال : من الكذب . قال قلت : ( صوما وصمتا ) تنـزيل ؟ قال : نـعـم "[116].

                              فظاهر مقطع الرواية ( قوله جل ثناؤه ) أن هذه الجملة ( صوما وصمتا ) قرآن كغيره ، ولكن بالتأمل في باقي الروايات يتضح أنـها من التنـزيل المفسر للقرآن ، ففي الكافي :
                              " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، ثم قال : قالت مريم : {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا }(مريم/26). أي صوما صمتا ( وفي نسخة أخرى أي صمتا ) فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم "[117].



                              ويدل الجمع بين الروايتين على أن هذه الزيادة ( صوما صمتا ) تنـزيل من السماء ، ولكن لا كقرآن بل كتفسير ، وهذا التفريق خفي على بعض الصحابة حتى دمجوا كثيرا من التنـزيل مع القرآن وصاروا يقرؤونه كقرآن ، وقد حار علماء السنة في تأويل هذه الوجوه وستأتي الإشارة لذلك مع ذكر بعض الموارد التي خلط الصحابة فيها القرآن بالتنـزيل ، ونذكر هنا هذا المورد والبقية تأتي إن شاء الله تعالى :



                              " أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن أنس بن مالك أنه كان يقرأ ( إني نذرت للرحمن صوما صمتا ) ".

                              " أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأها ( إني نذرت للرحمن صوما صمتا ) وقال : ليس إلا أن حملت فوضعت ".

                              " أخرج ابن الأنباري عن الشعبي قال : في قراءة أبي بن كعب ( إني نذرت للرحمن صوما صمتا )" [118].



                              وعلى هذا فالتنـزيل موجود في كتب السنة ، بل وأكثر من كتب الشيعة ولكن أهل السنة ابتدعوا له الوجوه ، ومن هذه الوجوه هي القراءة الشاذة أو الأحرف السبعة أو نسخ التلاوة ، على ما في تلك الأقسام من تداخل تقف عليه بإذنه تعالى في الأبحاث اللاحقة .



                              ومما يدل على التنـزيل ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام : " نزل جبرئيل عليه السلام بـهذه الآية هكذا {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ (في ولاية علي) فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }(الكهف/29)"[119].

                              ويتبين حال تلك الزيادة هل هي من القرآن أم لا ، هذه الرواية التي وردت عن الإمام الصادق عليه السلام : " نزلت هذه الآية هكذا {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ }(الكهف/29). يعني ولاية علي عليه السلام "[120].

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 21-02-2015, 05:21 PM
                              ردود 119
                              18,094 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:34 PM
                              استجابة 1
                              100 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:27 PM
                              استجابة 1
                              72 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 04-10-2023, 10:03 AM
                              ردود 2
                              156 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 09-01-2023, 12:42 AM
                              استجابة 1
                              160 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              يعمل...
                              X