الحوزة الدينية والدور السياسي
جواد الخالصي
سأحاول القاء الضوء ولو سريعا على المفارقة التي تحاول ان تحصر وجود الحوزة العلمية الشيعية في مكان واحد كالنجف الاشرف او قم المقدسة، ومن ثم حصر المرجعية في شخص واحد في مكان واحد، واثر ذلك على الأداء القيادي للحوزات الدينية والمرجعية الشيعية، ضمن الاجابة عن سؤال معترض ورد في مقالة السيد هاني فحص في صحيفة <<السفير>>، وهو كيف يصح لعالم دين شيعي لم يعش في النجف وحوزاتها ان يمثل شيعة العراق في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ووجدت ان هذه الاجابة ستتيح الفرصة لشرح الكثير من الملابسات التي تحيط بقضية الحوزة الدينية ودورها العام خصوصا في الجانب السياسي الذي يمس حياة الأمة في كافة مراحل حياتها. ويمكن ان نبحث هذا الأمر في نقاط محددة:
أولا لا يمكن ان نطلق صفة واحدة على حوزة كاملة، بل نجد في كل حوزة نماذج مختلفة من العلماء وفهمهم لقضايا الشرع والدور السياسي اللازم، ففي النجف وقم والكاظمية ومشهد علماء دين انزووا عن دور القيادة في حياة الأمة، كما يمكن ان نجد نماذج للصنف الآخر من العلماء القياديين والذين يجدون الممارسة السياسية واجبا شرعيا يجب أداؤه.
ثانيا ان فترة التراجع التي شهدتها الأمة الاسلامية بعد الحرب العالمية الأولى وتقسيم البلاد الاسلامية، وبالاخص بعد ثورة العشرين في العراق، قد أثرا على قناعات الكثير من علماء الدين حيث ساروا مع قناعة الانزواء وترك العمل السياسي، بينما أصرت قلة من العلماء الراسخين على ممارسة هذا الدور مع ما تحملوه من ضغوط واساءات ومحاولات تهميش مستمرة، حتى ان الشاعر العراقي الشهير الرصافي حين أراد ان يرثي الامام الخالصي الكبير أشار الى هذه النقطة الحساسة فقال:
أنا أبكيه من جهة العلم/
وأغضي عن خوضه في السياسة
لا لأني أراه فيها ملوما/
بل لأني أعيب فعل الساسة.
وكذلك أشار رئيس وزراء ايران الأول بعد الثورة الاسلامية المرحوم مهدي بازركان، في دفاعه التاريخي أمام محكمة الشاه في الستينيات حيث أشار الى انزواء الأغلبية من العلماء بسبب الضعف والعجز او بحجة التقوى صدقا او ادعاء، فإنه أشار الى فئة قليلة من العلماء أصرت على ممارسة الدور التاريخي القيادي لهذه الأمة مع التهم العديدة المحاصرة لدورها وجهودها. وقد ذكر نموذجين لهذه الفئة فقال انهم الخالصي (الابن) من العراق والذي كان منفيا آنذاك في ايران، والسيد أسد الله خارقاني وهو عالم ايراني معروف في الثلاثينيات والأربعينيات، ويمكن ان نضيف اليهما من حوزة النجف السيد محمد الحسني البغدادي والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، ومن قم وايران المرحوم حسن مدرس والمرحوم السيد أبو القاسم الكاشاني.
ثالثا ان هذا الاصرار على أداء الدور السياسي، هو الذي دفع بأنصار الخط الآخر والمستفيدين منه، الى اتهام العلماء المجاهدين بالخروج عن الحوزة ومسلماتها، بل الشذوذ عن قواعد المرجعية الأساسية وأهمها عدم التدخل بالسياسة وهذا ما انعكس بشكل غير مقصود في المقالة الأخيرة للسيد هاني فحص رغم انه من أنصار الخط الأول عمليا، وقد عانى من ذلك الشيء الكثير داخل الحوزة في النجف الأشرف.
رابعا ان فترة الانزواء هذه انتهت بانتصار الخط المجاهد، بعد استمرار هذا الخط واصراره على أداء دوره، ببروز مرجعية الامام الخميني، ومرجعية الشهيد السيد محمد باقر الصدر.
خامسا إضافة الى المبدأ الأساس في الفصل بين الخطين، وهو العمل القيادي السياسي للأمة، وتحديد مسؤولياتها من الأحداث الساخنة، فإن التيار الجهادي الواعي يتميز بنقاط هي مرتكزات الاحياء الاسلامي الدائم المستند الى العودة الى الكتاب والسنة وسيرة آل بيت رسول الله، كما أمر الله تعالى وقال رسوله بنص السنة الصحيحة <<اني مخلف فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الخوض>> (رواه مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه وغيرهم).
ومن أهم نقاط الاحياء بعد الممارسة السياسية، احياء صلاة الجمعة باعتبارها مرتكز الوحدة وقوة الأمة، والدعوة الى الوحدة الاسلامية ومحاربة الطائفية البغيضة والمهلكة، والدعوة الى احترام الأمة والاعتماد عليها بعد الله، ورفض التحالفات الخارجية المشبوهة، والوضوح في المواقف والزهد في الدنيا، والإعراض عن مظاهرها وزخارفها، ومواساة الأمة وفقرائها في الظروف والأحوال القاسية والعدالة في توزيع المال وعدم الاستئثار لطبقات محددة ومعزولة، وفيها العديد من العناصر المشبوهة، واستغلال اسم المرجعية بعد تطويقها وعزلها واستغلال ذلك لتمرير مخططات خطيرة لا تخدم أهداف الأمة، ان هذا الذي ذكرناه له مصاديق من تاريخ الأمة القريب، وفي واقعها اليوم، ففي العراق يجري بهذه الكيفية الخطيرة، كما حصل أيام حكم النظام البائد، وأيام مجلس الحكم البائد، وكما جرى بالذات لتمرير قانون ادارة الدولة الموقت، الذي رفضته معظم المرجعيات الدينية والسياسية بعد ان اطلعت على مخاطره ولو بعد حين، وهذا القانون هو الذي تجري عملية الانتخابات المزعومة على اساسه، ويشترط في كل من يُرشح للانتخابات ان يوقع على وثيقة للالتزام والعمل به وبكل الانظمة والقوانين التي اصدرها المحتلون، ومع ذلك يجري تسويق واسع للانتخابات وباسم المرجعية ايضا، ومن اناس يدّعون وكالتها في العراق ولبنان ولندن. ومكاتب المرجعية تنفي او لا تثبت صحة هذه الوكالات، ويقوم اناس باسم خبراء في المرجعية، من دون ان يعرف احد من اين جاءتهم هذه الخبرة، التي تروج لها فضائيات معروفة المصدر والاهداف.
ومن أجل ان نعرف من هي الجهة الأولى بتمثيل المرجعية الدينية، ومن هي التي تمثل الاعلمية الواقعية والعملية، لا الاعلمية النظرية التي لا يمكن ان يحسم الأمر فيها، والخلاف حولها معروف وقد أضر بكثير من جهود الامة التوحيدية ومن داخل الصف الشيعي بالذات، نستعين بمقولة السيد الشهيد محمد الصدر حين سئل من هو الاعلم؟ فأجاب <<الاعلمية ليست في الشخص دائما وانما في المدرسة العلمية التي ينتمي اليها الاشخاص>>. ورغم ان المروجين للمرجعيات المعاصرة لا يخافون الله ورسوله في الادعاءات الزائفة حول الاعلمية، ودون ايراد أدلة واضحة، الا ان الانتماء للمدرسة وثمارها الواضحة، هي التي تثبت الاعلمية امام عموم ابناء الامة، ولذلك يجب ان توضع الاسس الواضحة لتمييز الحقائق في هذه القضية المركزية الخطيرة دون الاكتفاء بامضاء سنوات عديدة في الحوزة دون السؤال عن المادة العلمية التي أخذها هذا الطالب في دراسته وما هي نتاجات هذه الدراسة، اذ لا يوجد سائل ولا ممتحن ولا رقيب! كما قال هذا بوضوح وشجاعة المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
أما الاسس المهمة فهي مواصفات وثمار هذه المدارس التي تمر بالأمة، وتجنب المدارس التي لا تتحرك حتى لو كانت الامة في احلك الظروف، وامام اصعب المآسي، الا اذا حُركت وبصعوبة بالغة، ولمرة واحدة ثم تعود الى الانزواء والسكون كما كانت عليه!
2 عملية الاحياء الفكري والثقافي ومواجهة المدارس الفكرية المعاصرة التي تدّعي انها تعمل لقيادة الانسانية، او تقدم لها البدائل في مسيرة الحياة او بعضها، كالشيوعية والرأسمالية والوجودية، واثبات احقية الاسلام بهذا الدور بقراءة تفصيلية وموضوعية.
3 مجابهة البدع الدخيلة على الدين، وتنزيه الاسلام، والتشيع الذي هو الاسلام الاول بلا شوائب وليس مذهبا يجابه مذاهب واحياء السنة الصحيحة في الأذان الموحد، وفي صلاة الجمعة، وفي قراءة التاريخ الاسلامي من سيرة النبي وآل البيت، وفهم الثورة الحسينية على حقيقتها الاحيائية الاولى، ومنع التشويه والبدع والخرافات التي شوّهت صورة الاسلام بشكل عام والتشيع بالخصوص.
4 الدعوة العملية الى الوحدة الاسلامية داخل كل دوائر الامة وازالة الفوارق بشكل عملي وعلمي بين مذاهب المسلمين التي يجب ان تسمى باسم المدارس الفقهية والعقائدية والمشاركة في مشروع الوحدة وتقديم التنازلات الواقعية والعملية لابناء الأمة من اجل وحدتها، على سيرة آل بيت النبي عبر مواقف الإمام علي بن ابي طالب والى مواقف السبطين الحسنين، وسيرة زين العابدين وارث احزان آل البيت في كربلاء، والى موقف الصادقين، ورفض تقديم التنازلات امام قوى الكفر والضلال الطاغية في العالم كما فعل علماء العراق من مطلع القرن الماضي والى اليوم.
ان قراءة منصفة لتاريخ العراق والأمة من القرن الماضي والى ظروف الاستبداد البائد والى ظروف الاستبداد الاحتلالي القاسي والخطير، يمكن ان تكشف من هي المدرسة او المدارس التي تحمّلت عبء هذا البلد وعبء الأمة في كل مكان، منذ الغزو الاستعماري عام 1914، وثورة النجف 1918، وثورة العشرين 1920، والمواجهة السياسية مع المخطط الاحتلالي بعد الثورة وما اشبهه بمخطط اليوم والى فترة الانحسار الاليم بعد عام 1925 والى الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات وظهور بوادر الصحوة الاسلامية والى الاحتلال الاخير ومشاكله وتعقيداته، وهذا بحث طويل له شواهده في كتب، وهي امور تجعل المنصفين خصوصا الدارسين في النجف والمطّلعين على تاريخ العراق، الأولى بتمثيل الشعب العراقي والشيعة بالذات؟
جواد الخالصي
سأحاول القاء الضوء ولو سريعا على المفارقة التي تحاول ان تحصر وجود الحوزة العلمية الشيعية في مكان واحد كالنجف الاشرف او قم المقدسة، ومن ثم حصر المرجعية في شخص واحد في مكان واحد، واثر ذلك على الأداء القيادي للحوزات الدينية والمرجعية الشيعية، ضمن الاجابة عن سؤال معترض ورد في مقالة السيد هاني فحص في صحيفة <<السفير>>، وهو كيف يصح لعالم دين شيعي لم يعش في النجف وحوزاتها ان يمثل شيعة العراق في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ووجدت ان هذه الاجابة ستتيح الفرصة لشرح الكثير من الملابسات التي تحيط بقضية الحوزة الدينية ودورها العام خصوصا في الجانب السياسي الذي يمس حياة الأمة في كافة مراحل حياتها. ويمكن ان نبحث هذا الأمر في نقاط محددة:
أولا لا يمكن ان نطلق صفة واحدة على حوزة كاملة، بل نجد في كل حوزة نماذج مختلفة من العلماء وفهمهم لقضايا الشرع والدور السياسي اللازم، ففي النجف وقم والكاظمية ومشهد علماء دين انزووا عن دور القيادة في حياة الأمة، كما يمكن ان نجد نماذج للصنف الآخر من العلماء القياديين والذين يجدون الممارسة السياسية واجبا شرعيا يجب أداؤه.
ثانيا ان فترة التراجع التي شهدتها الأمة الاسلامية بعد الحرب العالمية الأولى وتقسيم البلاد الاسلامية، وبالاخص بعد ثورة العشرين في العراق، قد أثرا على قناعات الكثير من علماء الدين حيث ساروا مع قناعة الانزواء وترك العمل السياسي، بينما أصرت قلة من العلماء الراسخين على ممارسة هذا الدور مع ما تحملوه من ضغوط واساءات ومحاولات تهميش مستمرة، حتى ان الشاعر العراقي الشهير الرصافي حين أراد ان يرثي الامام الخالصي الكبير أشار الى هذه النقطة الحساسة فقال:
أنا أبكيه من جهة العلم/
وأغضي عن خوضه في السياسة
لا لأني أراه فيها ملوما/
بل لأني أعيب فعل الساسة.
وكذلك أشار رئيس وزراء ايران الأول بعد الثورة الاسلامية المرحوم مهدي بازركان، في دفاعه التاريخي أمام محكمة الشاه في الستينيات حيث أشار الى انزواء الأغلبية من العلماء بسبب الضعف والعجز او بحجة التقوى صدقا او ادعاء، فإنه أشار الى فئة قليلة من العلماء أصرت على ممارسة الدور التاريخي القيادي لهذه الأمة مع التهم العديدة المحاصرة لدورها وجهودها. وقد ذكر نموذجين لهذه الفئة فقال انهم الخالصي (الابن) من العراق والذي كان منفيا آنذاك في ايران، والسيد أسد الله خارقاني وهو عالم ايراني معروف في الثلاثينيات والأربعينيات، ويمكن ان نضيف اليهما من حوزة النجف السيد محمد الحسني البغدادي والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، ومن قم وايران المرحوم حسن مدرس والمرحوم السيد أبو القاسم الكاشاني.
ثالثا ان هذا الاصرار على أداء الدور السياسي، هو الذي دفع بأنصار الخط الآخر والمستفيدين منه، الى اتهام العلماء المجاهدين بالخروج عن الحوزة ومسلماتها، بل الشذوذ عن قواعد المرجعية الأساسية وأهمها عدم التدخل بالسياسة وهذا ما انعكس بشكل غير مقصود في المقالة الأخيرة للسيد هاني فحص رغم انه من أنصار الخط الأول عمليا، وقد عانى من ذلك الشيء الكثير داخل الحوزة في النجف الأشرف.
رابعا ان فترة الانزواء هذه انتهت بانتصار الخط المجاهد، بعد استمرار هذا الخط واصراره على أداء دوره، ببروز مرجعية الامام الخميني، ومرجعية الشهيد السيد محمد باقر الصدر.
خامسا إضافة الى المبدأ الأساس في الفصل بين الخطين، وهو العمل القيادي السياسي للأمة، وتحديد مسؤولياتها من الأحداث الساخنة، فإن التيار الجهادي الواعي يتميز بنقاط هي مرتكزات الاحياء الاسلامي الدائم المستند الى العودة الى الكتاب والسنة وسيرة آل بيت رسول الله، كما أمر الله تعالى وقال رسوله بنص السنة الصحيحة <<اني مخلف فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الخوض>> (رواه مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه وغيرهم).
ومن أهم نقاط الاحياء بعد الممارسة السياسية، احياء صلاة الجمعة باعتبارها مرتكز الوحدة وقوة الأمة، والدعوة الى الوحدة الاسلامية ومحاربة الطائفية البغيضة والمهلكة، والدعوة الى احترام الأمة والاعتماد عليها بعد الله، ورفض التحالفات الخارجية المشبوهة، والوضوح في المواقف والزهد في الدنيا، والإعراض عن مظاهرها وزخارفها، ومواساة الأمة وفقرائها في الظروف والأحوال القاسية والعدالة في توزيع المال وعدم الاستئثار لطبقات محددة ومعزولة، وفيها العديد من العناصر المشبوهة، واستغلال اسم المرجعية بعد تطويقها وعزلها واستغلال ذلك لتمرير مخططات خطيرة لا تخدم أهداف الأمة، ان هذا الذي ذكرناه له مصاديق من تاريخ الأمة القريب، وفي واقعها اليوم، ففي العراق يجري بهذه الكيفية الخطيرة، كما حصل أيام حكم النظام البائد، وأيام مجلس الحكم البائد، وكما جرى بالذات لتمرير قانون ادارة الدولة الموقت، الذي رفضته معظم المرجعيات الدينية والسياسية بعد ان اطلعت على مخاطره ولو بعد حين، وهذا القانون هو الذي تجري عملية الانتخابات المزعومة على اساسه، ويشترط في كل من يُرشح للانتخابات ان يوقع على وثيقة للالتزام والعمل به وبكل الانظمة والقوانين التي اصدرها المحتلون، ومع ذلك يجري تسويق واسع للانتخابات وباسم المرجعية ايضا، ومن اناس يدّعون وكالتها في العراق ولبنان ولندن. ومكاتب المرجعية تنفي او لا تثبت صحة هذه الوكالات، ويقوم اناس باسم خبراء في المرجعية، من دون ان يعرف احد من اين جاءتهم هذه الخبرة، التي تروج لها فضائيات معروفة المصدر والاهداف.
ومن أجل ان نعرف من هي الجهة الأولى بتمثيل المرجعية الدينية، ومن هي التي تمثل الاعلمية الواقعية والعملية، لا الاعلمية النظرية التي لا يمكن ان يحسم الأمر فيها، والخلاف حولها معروف وقد أضر بكثير من جهود الامة التوحيدية ومن داخل الصف الشيعي بالذات، نستعين بمقولة السيد الشهيد محمد الصدر حين سئل من هو الاعلم؟ فأجاب <<الاعلمية ليست في الشخص دائما وانما في المدرسة العلمية التي ينتمي اليها الاشخاص>>. ورغم ان المروجين للمرجعيات المعاصرة لا يخافون الله ورسوله في الادعاءات الزائفة حول الاعلمية، ودون ايراد أدلة واضحة، الا ان الانتماء للمدرسة وثمارها الواضحة، هي التي تثبت الاعلمية امام عموم ابناء الامة، ولذلك يجب ان توضع الاسس الواضحة لتمييز الحقائق في هذه القضية المركزية الخطيرة دون الاكتفاء بامضاء سنوات عديدة في الحوزة دون السؤال عن المادة العلمية التي أخذها هذا الطالب في دراسته وما هي نتاجات هذه الدراسة، اذ لا يوجد سائل ولا ممتحن ولا رقيب! كما قال هذا بوضوح وشجاعة المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
أما الاسس المهمة فهي مواصفات وثمار هذه المدارس التي تمر بالأمة، وتجنب المدارس التي لا تتحرك حتى لو كانت الامة في احلك الظروف، وامام اصعب المآسي، الا اذا حُركت وبصعوبة بالغة، ولمرة واحدة ثم تعود الى الانزواء والسكون كما كانت عليه!
2 عملية الاحياء الفكري والثقافي ومواجهة المدارس الفكرية المعاصرة التي تدّعي انها تعمل لقيادة الانسانية، او تقدم لها البدائل في مسيرة الحياة او بعضها، كالشيوعية والرأسمالية والوجودية، واثبات احقية الاسلام بهذا الدور بقراءة تفصيلية وموضوعية.
3 مجابهة البدع الدخيلة على الدين، وتنزيه الاسلام، والتشيع الذي هو الاسلام الاول بلا شوائب وليس مذهبا يجابه مذاهب واحياء السنة الصحيحة في الأذان الموحد، وفي صلاة الجمعة، وفي قراءة التاريخ الاسلامي من سيرة النبي وآل البيت، وفهم الثورة الحسينية على حقيقتها الاحيائية الاولى، ومنع التشويه والبدع والخرافات التي شوّهت صورة الاسلام بشكل عام والتشيع بالخصوص.
4 الدعوة العملية الى الوحدة الاسلامية داخل كل دوائر الامة وازالة الفوارق بشكل عملي وعلمي بين مذاهب المسلمين التي يجب ان تسمى باسم المدارس الفقهية والعقائدية والمشاركة في مشروع الوحدة وتقديم التنازلات الواقعية والعملية لابناء الأمة من اجل وحدتها، على سيرة آل بيت النبي عبر مواقف الإمام علي بن ابي طالب والى مواقف السبطين الحسنين، وسيرة زين العابدين وارث احزان آل البيت في كربلاء، والى موقف الصادقين، ورفض تقديم التنازلات امام قوى الكفر والضلال الطاغية في العالم كما فعل علماء العراق من مطلع القرن الماضي والى اليوم.
ان قراءة منصفة لتاريخ العراق والأمة من القرن الماضي والى ظروف الاستبداد البائد والى ظروف الاستبداد الاحتلالي القاسي والخطير، يمكن ان تكشف من هي المدرسة او المدارس التي تحمّلت عبء هذا البلد وعبء الأمة في كل مكان، منذ الغزو الاستعماري عام 1914، وثورة النجف 1918، وثورة العشرين 1920، والمواجهة السياسية مع المخطط الاحتلالي بعد الثورة وما اشبهه بمخطط اليوم والى فترة الانحسار الاليم بعد عام 1925 والى الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات وظهور بوادر الصحوة الاسلامية والى الاحتلال الاخير ومشاكله وتعقيداته، وهذا بحث طويل له شواهده في كتب، وهي امور تجعل المنصفين خصوصا الدارسين في النجف والمطّلعين على تاريخ العراق، الأولى بتمثيل الشعب العراقي والشيعة بالذات؟