هل يتعلم بوش
من أخطائه؟
المستقبل - الجمعة 10 كانون الأول 2004 - العدد 1774 - رأي و فكر - صفحة 19
محمد السمّاك
قبل أربع سنوات كانت صورة الولايات المتحدة تحددها المعالم التالية:
خارجياً، كانت تتمتع باحترام العالم بعد خروجها منتصرة على الشيوعية في الحرب الباردة.. وبعد مبادرتيها في تحرير الكويت وفي وقف المجازر في البلقان. أما داخلياً، فكانت تتمتع بوحدة وطنية عميقة، وباقتصاد قوي يتمثل في فائض سنوي يبلغ 236 مليار دولار.
بعد أربع سنوات تغيّرت هذه الصورة. ولعلها انقلبت رأساً على عقب:
خارجياً، تعاني الولايات المتحدة من كراهية دولية شملت حتى حلفاءها التقليديين في أوروبا. فالسمعة العطرة التي حققتها في الكويت والبلقان، استبدلت بسمعة سيئة في العراق وأفغانستان. فقد نشرت في بلاد الرافدين 135 ألف جندي اضافة الى القوات البريطانية وقوات دول التحالف الأخرى ونشرت في بلاد الأفغان 15 ألف جندي الى جانب قوات حلف شمال الأطلسي. غير أن كل نفوذها في العراق متوقف على أياد علاوي وفي أفغانستان على حامد قرضاي وفي باكستان على الجنرال برويز مشرف.
أما داخلياً، فإن المجتمع الأميركي كما دلت الانتخابات الرئاسية في عام 2000 وخاصة في هذا العام، لم يكن منقسماً على نفسه منذ الحرب الأهلية، كما هو منقسم اليوم. ثم ان الفائض المالي تحوّل الى عجز تجاوز 400 مليار دولار في العام الواحد، ومن المتوقع ان يرتفع الى 600 مليار دولار في نهاية العام الجاري، اي ما يعادل 5.5 في المئة من الدخل القومي.
وبعد اعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية لأربع سنوات جديدة هل يستمر الرئيس جورج بوش في سياسة الانفلاش العسكري في العالم ليزيد في حجم العجز المالي الذي يعانيه الاقتصاد الأميركي وليزيد في سوء سمعة الانسان الأميركي أينما حلّ وارتحل؟.. أم انه يبادر الى اعادة النظر في مغامراته الخارجية في ضوء الخسائر المادية والمعنوية التي مني بها، ويعيد التركيز على محاربة الارهاب باعتباره الخطر الأهم الذي يتهدد العالم كله؟
بعد جريمة 11 أيلول 2001 أعلنت الولايات المتحدة الحرب على الارهاب ممثلاً بتنظيم القاعدة وبرئيسها أسامة بن لادن... ولكنها تواجه اليوم بسبب سلسلة أخطائها الى جانب بن لادن وقاعدته، الزرقاوي في العراق... وربما تواجه غداً "الحمراوي" في أفغانستان، و"الخضراوي" في فلسطين و"الصفراوي" في باكستان... إلخ.
إن الحرب على الارهاب لا تكون عالمية بالولايات المتحدة وحدها، فالعالم العربي الاسلامي معني بهذه الحرب ليس باعتباره مسرحاً لها أو ضحية لها، ولكن لشعوره بأنه هدف لها، بل لعله الهدف الأساسي غير المباشر، والذي يدفع أفدح ثمن على مستوى العالم كله. لذلك لا بد أن يكون له دور في هذه الحرب، بل لا بد أن يكون له الدور الأساسي والمحوري دفاعاً عن عقيدته وعن ذاته. ولكنه لا يستطيع أن يقوم بهذا الدور لاستئصال الإرهاب من جذوره إذا ما استمر ربط الإرهاب بالإسلام، وإذا ما استمر احتلال العراق وتمزيقه، وإذا ما استمر التنكيل بالشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه الانسانية والوطنية وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته على أرضه.
من هنا فإن المدخل الأساس للحرب على الارهاب يكون بالحل العادل للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية، وبوضع حد لمعاناة الشعب العراقي وتمكينه من استعادة حريته وسيادته وإنقاذ وحدته من السقوط بين براثن مشاريع التجزئة الطائفية والعنصرية. فهل يعيد الرئيس بوش النظر في سياسته التي جرّت على الولايات المتحدة نفسها وعلى العالمين العربي والاسلامي، بل على العالم كله أسوأ النتائج؟ وهل يفيد من الانتخابات العامة المقررة في نهاية العام الجاري في العراق ـ إذا ما جرت فعلاً ـ من أجل تغطية عملية الانسحاب من رماله المتحركة؟... وهل يعيد النظر في سياسته من القضية الفلسطينية فيتوقف عن الدعم اللامحدود للجنرال شارون الذي دمر كل فرص التسوية السياسية وبنى من حجارتها جدار الفصل العنصري؟
لا شك في أن العالم مكان خطير جداً. ولا شك في انه يكون أشد خطراً عندما تسود فيه سياسة معالجة الأخطاء بأخطاء. وعندما تتحكم فيه غطرسة القوة وعندما يعتمد القهر والاذلال أسلوباً وأداة لتطويع الشعوب المستعصية على التدجين.
صحيح ان تباشير التعيينات في الادارة الأميركية الجديدة بعد اعادة انتخاب الرئيس بوش لا تحمل ملامح تغيير نحو الأفضل أو على الأقل نحو الأقل سوءاً، وبالتالي فإنها لا تبشر كثيراً بالخير، ولكن لا بد أن يكون الرئيس الأميركي قد تعلّم الدرس السياسي الأهم. وهو ان محاربة الارهاب تبدأ من هنا، من الشرق الأوسط، وبليّ ذراع الارهاب الاسرائيلي في الضفة الغربية وغزة وكبح جماح التوسع الاستيطاني.
لقد حاول رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير أن يقنعه بذلك دون جدوى. فهل يقتنع الآن؟.
من أخطائه؟
المستقبل - الجمعة 10 كانون الأول 2004 - العدد 1774 - رأي و فكر - صفحة 19
محمد السمّاك
قبل أربع سنوات كانت صورة الولايات المتحدة تحددها المعالم التالية:
خارجياً، كانت تتمتع باحترام العالم بعد خروجها منتصرة على الشيوعية في الحرب الباردة.. وبعد مبادرتيها في تحرير الكويت وفي وقف المجازر في البلقان. أما داخلياً، فكانت تتمتع بوحدة وطنية عميقة، وباقتصاد قوي يتمثل في فائض سنوي يبلغ 236 مليار دولار.
بعد أربع سنوات تغيّرت هذه الصورة. ولعلها انقلبت رأساً على عقب:
خارجياً، تعاني الولايات المتحدة من كراهية دولية شملت حتى حلفاءها التقليديين في أوروبا. فالسمعة العطرة التي حققتها في الكويت والبلقان، استبدلت بسمعة سيئة في العراق وأفغانستان. فقد نشرت في بلاد الرافدين 135 ألف جندي اضافة الى القوات البريطانية وقوات دول التحالف الأخرى ونشرت في بلاد الأفغان 15 ألف جندي الى جانب قوات حلف شمال الأطلسي. غير أن كل نفوذها في العراق متوقف على أياد علاوي وفي أفغانستان على حامد قرضاي وفي باكستان على الجنرال برويز مشرف.
أما داخلياً، فإن المجتمع الأميركي كما دلت الانتخابات الرئاسية في عام 2000 وخاصة في هذا العام، لم يكن منقسماً على نفسه منذ الحرب الأهلية، كما هو منقسم اليوم. ثم ان الفائض المالي تحوّل الى عجز تجاوز 400 مليار دولار في العام الواحد، ومن المتوقع ان يرتفع الى 600 مليار دولار في نهاية العام الجاري، اي ما يعادل 5.5 في المئة من الدخل القومي.
وبعد اعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية لأربع سنوات جديدة هل يستمر الرئيس جورج بوش في سياسة الانفلاش العسكري في العالم ليزيد في حجم العجز المالي الذي يعانيه الاقتصاد الأميركي وليزيد في سوء سمعة الانسان الأميركي أينما حلّ وارتحل؟.. أم انه يبادر الى اعادة النظر في مغامراته الخارجية في ضوء الخسائر المادية والمعنوية التي مني بها، ويعيد التركيز على محاربة الارهاب باعتباره الخطر الأهم الذي يتهدد العالم كله؟
بعد جريمة 11 أيلول 2001 أعلنت الولايات المتحدة الحرب على الارهاب ممثلاً بتنظيم القاعدة وبرئيسها أسامة بن لادن... ولكنها تواجه اليوم بسبب سلسلة أخطائها الى جانب بن لادن وقاعدته، الزرقاوي في العراق... وربما تواجه غداً "الحمراوي" في أفغانستان، و"الخضراوي" في فلسطين و"الصفراوي" في باكستان... إلخ.
إن الحرب على الارهاب لا تكون عالمية بالولايات المتحدة وحدها، فالعالم العربي الاسلامي معني بهذه الحرب ليس باعتباره مسرحاً لها أو ضحية لها، ولكن لشعوره بأنه هدف لها، بل لعله الهدف الأساسي غير المباشر، والذي يدفع أفدح ثمن على مستوى العالم كله. لذلك لا بد أن يكون له دور في هذه الحرب، بل لا بد أن يكون له الدور الأساسي والمحوري دفاعاً عن عقيدته وعن ذاته. ولكنه لا يستطيع أن يقوم بهذا الدور لاستئصال الإرهاب من جذوره إذا ما استمر ربط الإرهاب بالإسلام، وإذا ما استمر احتلال العراق وتمزيقه، وإذا ما استمر التنكيل بالشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه الانسانية والوطنية وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته على أرضه.
من هنا فإن المدخل الأساس للحرب على الارهاب يكون بالحل العادل للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية، وبوضع حد لمعاناة الشعب العراقي وتمكينه من استعادة حريته وسيادته وإنقاذ وحدته من السقوط بين براثن مشاريع التجزئة الطائفية والعنصرية. فهل يعيد الرئيس بوش النظر في سياسته التي جرّت على الولايات المتحدة نفسها وعلى العالمين العربي والاسلامي، بل على العالم كله أسوأ النتائج؟ وهل يفيد من الانتخابات العامة المقررة في نهاية العام الجاري في العراق ـ إذا ما جرت فعلاً ـ من أجل تغطية عملية الانسحاب من رماله المتحركة؟... وهل يعيد النظر في سياسته من القضية الفلسطينية فيتوقف عن الدعم اللامحدود للجنرال شارون الذي دمر كل فرص التسوية السياسية وبنى من حجارتها جدار الفصل العنصري؟
لا شك في أن العالم مكان خطير جداً. ولا شك في انه يكون أشد خطراً عندما تسود فيه سياسة معالجة الأخطاء بأخطاء. وعندما تتحكم فيه غطرسة القوة وعندما يعتمد القهر والاذلال أسلوباً وأداة لتطويع الشعوب المستعصية على التدجين.
صحيح ان تباشير التعيينات في الادارة الأميركية الجديدة بعد اعادة انتخاب الرئيس بوش لا تحمل ملامح تغيير نحو الأفضل أو على الأقل نحو الأقل سوءاً، وبالتالي فإنها لا تبشر كثيراً بالخير، ولكن لا بد أن يكون الرئيس الأميركي قد تعلّم الدرس السياسي الأهم. وهو ان محاربة الارهاب تبدأ من هنا، من الشرق الأوسط، وبليّ ذراع الارهاب الاسرائيلي في الضفة الغربية وغزة وكبح جماح التوسع الاستيطاني.
لقد حاول رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير أن يقنعه بذلك دون جدوى. فهل يقتنع الآن؟.