إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الطريق إلى الله تعالى

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الطريق إلى الله تعالى

    اسم الكتاب: الطريق إلى الله تعالى
    اسم المؤلف: الشيخ حسين بن على البحراني
    تحقيق وتعليق: الشيخ حبيب الكاظمي
    التعريف بالكتاب: هذا الكتاب قد عرفه صاحب الذريعة نقلا عن بعض الاعلام قائلا : ( ما رأيت كلاماً أحسن من كلامه في باب الأخلاق ، اللهم إلا بيانات جمال السالكين السيد رضي الدين علي بن طاووس ). وذكر في التكملة : ان مؤلفه من متأخري المتأخرين من فقهاء النجف وعلمائها ، في الحديث والرجال..الذريعة 1/372. وقال عنه السيد محسن الامين : ( وقال بعض من رآها : إنها من أحسن ما كتب في هذا الفن ، وبعض قال : إنها رسالةٌ في السلوك على طريقة أهل البيت ) .. أعيان الشيعة : 6/119.

    تعريف بالكتاب والمـؤلف

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ، الذين تممّ الله تعالى بهم مكارم الأخلاق ، واللعنة على أعدائهم ومنكري فضائلهم من أول الدنيا إلى أبد الآبدين ·
    إنّ هذا الكتاب الذي بين يديك ، يعدّ واحدا من أفضل ما كتب في الأخلاق العملية
    بلحاظ :

    اختصاره وتركيزه : فإنّ خير الكلام ما قلّ ودلّ ، سواء في عالم الملفوظات أو المكتوبات .. فمن المعلوم أنّ الكلام الكثير في الموضوع الواحد - وإن كان نافعا - قد يوّزع ذهن المستفيد ، ولهذا نلاحظ القرآن الكريم الذي يحقق سعادة الخلق باتباعه ، لا يتجاوز في حجمه حجم الكتب المتعارفة في هذه الأيام·

    جامعيته واعتداله ، وعدم التركيز على مجالٍ على حساب مجالٍ آخر: فالبعض ينظر إلى الأخلاق من زاوية العبادات اللفظية ، فينتقل من وردٍ إلى وردٍ ، ومن ختمةٍ إلى ختمةٍ ، ومن أربعينيةٍ إلى أربعينيةٍ ، وكأن العبد يتحول إلى عالم الملكوت في ليلةٍ واحدةٍ بوردٍ معينٍ ، ناسياً أنّ الطريق هو ما دعا إليه القرآن من الإستقامة والمجاهدة والسعي في العمل بكل حذافير الشريعة ، بدءً بالأمور الفردية من القيام بالواجبات وترك المحرمات ، ومروراً بالمستحبات والمكروهات ، وانتهاءً بالأمور الإجتماعية ، ولو استلزم أن يكون قتالاً في الميدان مع اعداء الله تعالى ..
    وقد أشرنا في مطاوي الكتاب إلى صور من هذه الجامعية التي اتسم بها هذا التأليف ·

    واقعيته : فنرى المؤلف يميل إلى عرض الأخلاق كصور تطبيقية يلتزم بها الإنسان عند الممارسة ، بدلاً من مجموعة من الأفكار المعقّدة التي هي أشبه بالطلاسم والألغاز .. وكأنّ صاحبها يريد أن يثبت بها فضله العلمي وتفوقه على أقرانـه ، فتقرأ الكتاب المرة أو المرتين من دون أن تجد في طيّاته نقطة واحدة تطبيقية تُمارس في ساحة الحياة ، يغيّر بها الإنسان سلوكه بدلاً من الترف العلمي المجرد .

    التزامه بمنهج اهل البيت :
    فلا يكاد المؤلف يدع مجالاً إلا واستشهد فيها بحديثٍ مأثورٍ مما روى عن هداة الخلق (ع) ، مما يعكس عمق التزام المؤلف بضرورة عرض كلّ كبيرةٍ وصغيرةٍ في الحركة إلى الله تعالى على ما ورد عنهم (ع) ، وهو كثيرٌ في تراثهم المدوّن في المجاميع الروائية المختلفة..

    إننا نعتقد أنّ كلّ سالكٍ إلى الله تعالى مجانبٍ لمنهج أهل البيت (ع) مصيره الوقوع إما في : مكائد الشيطان ، أو في خدع النفس ، ويكفي أحدهما للهلاك الدائم ، فكيف إذا اجتمع عاملا الهلاك في آنٍ واحد !..

    فهل يرد الواردون على السلطان من غير الباب الذي أمرهم بطرقـه ؟!.. إذ المطلوب ليس هو دخول الدار - وإن كان الدخول مطلوباً - كيفما اتفق ، بل لا بدّ من أن يكون من الأبواب التي أُمرنا بطرقها ·· فالداخل عليك من سطح الدار سارقٌ ، وإن كان بداعي الوصول إليك ، وملازمة الخدمة بين يديك ··

    ولقد وفق الله تعالى المؤلف ، فجعل لكلامته حلاوةً يستذوقها كلّ من قرأ كتابه ، ممن أُوتي حسن التذوق في هذا المجال .. فإنّ ما يخرج من القلب يدخل في القلب ، فقد ذكر عنه السيد محسن الأمين - قــدس سره - في أعيان الشيعة قائلا:

    الشيخ حسين بن علي بن صادق البحراني عالمٌ فاضلٌ أخلاقيٌّ من متأخري المتأخرين ، من فقهاء النجف وعلمائها في الحديث والرجال والعرفان ، رأينا له رسالة في الأخلاق - يشير إلى هذا الكتاب - ثم يقول :
    و إنها رسالةٌ حسنةٌ ، ولم يبق ببالي الآن مشخصاتها ، وقال بعض من رآها : إنها من أحسن ما كتب في هذا الفن ، وبعض قال : إنها رسالةٌ في السلوك على طريقة أهل البيت · أعيان الشيعة : 6/119

    وقد ذكر عن كتابه البحاثة المحقق الكبير الشيخ أغا بزرك الطهراني ، في كتابه ( الذريعة ) قائلا :

    رأيته في مكتبة سيدنا العلامة الحسن صدر الدين الكاظمي ، وكان يستحسنه كثيراً ويقول : ما رأيت كلاماً أحسن من كلامه في باب الأخلاق ، اللهم إلا بيانات جمال السالكين السيد رضي الدين علي بن طاووس·
    وذكر في التكملة أن مؤلفه من متأخري المتأخرين من فقهاء النجف وعلمائها في الحديث والرجال · الذريعة 1/372··

    وقال عنه المحدث القمي في الكنى والالقاب :

    قال الشيخ الجليل العارف الرباني الشيخ حسين بن علي بن صادق البحراني في رسالته في الاخلاق والسلوك الى الله على طريقة أهل البيت (ع) · الكنى والالقاب : 329/1

    والمؤلف وإن لم يُذكر عنه الكثير في كتب التراجم سوى ما ذكرناه آنفاً ، إلا أنّ جلالة الكاتب تتجلّى من خلال ما كتبه ، فإنّ الكتاب مرآة لكاتبه وخاصةً إذا لاحظنا انسيابية أفكاره في القلوب المتعطشة لهذا النمط من الكتابات ، التي لا بدّ من طرحها على مجتمعنا اليوم ، الذي شغلته الدنيا بما لم يتفق له نظير في التاريخ ·

    فلم نعهد على الأرض هذه الصور من الإفتتان التي تعرض بشكل غير معهـود في تـاريخ الإنسان .. فالإنسان لا زال هو بقدراتـه المحدودة وضعفـه أمام قوتي الشهوة والغضب ، ومكابدته لعدوٍّ خبيرٍ في الإغواء منــذ أن خُلق آدم (ع) ، بينمــا صور الإغراء - وهي سهام إبليس في كل المجالات - تـزداد تكامـلاً وشيوعاً يوماً فيوماً ، ولا نـدري إلى أين تصـل هـذه القافلة المتسارعة نحو موجبات الردى والهـلاك ؟!·
    إ
    نّ على المعنيين بشؤون النفس ، أن يكرّسوا جهودهم من أجل طرحٍ جديدٍ لمقاومة هذه الأمواج المتلاطمة التي تثيرها شياطين الجنّ والإنس ·· فلم يعد أسلوب الوعظ القديم ، وبعض المناهج الأخلاقية القائمة على أسلوب التوصيات العامة المجردة من التجزيئ ، والطلبات التنظيرية الخالية من الأساليب العملية ، كافياً لردع النفوس الحائرة بين مقتضيات الطبع ومقتضيات الشرع ·

    إننا بحاجة إلى كتابة أخرى بلغة العصر ، وبلحاظ العقبات الجديدة ، وبأسلوبٍ علميٍّ متدرجٍ ، وبخطواتٍ عمليةٍ تطبيقيةٍ واضحةٍ ، فإنّ رياضة النفس كرياضة الأبدان لها قواعدها ، ولا يمكن تحقيق نتائجها إلا بالمرحليـة أولاً ، وفي الميدان العملي ثانيا ·

    وإكمالاً للفائدة ، وتنويهاً للنقاط المهمة في كتاب المؤلف ، فإننا حاولنا استغلال ما أمكن من فرصةٍ ، للتعليق على تلك النقاط بما يزيد الأمر وضوحاً ، والفكرة تركيزاً.. مع الإشارة الي مصادر الأحاديث التي لم ترد في الطبعة المحققة الأولى.. ولابد من التنويه الى اننا لم نجد مصادر بعض الاحاديث التي وردت في الكتاب ، لان المصنف نقله بالمعنى كما ذكر في اول كتابه قائلا: ( ولا تحر لنقل خصوص الالفاظ .... فان المقصود مجرد الاشارة ) .

    أشركنا الله تعالى - بمنّه وكرمه - في ثواب ما سجّله يراع هذا العالم الرباني في كتابه ، الذي طالما أخذ بمجامع القلوب التي تهفو الى الخلاص من أسر المادة ، والعروج الى عالم الملكوت .

    واخيرا نقول : يبدو ان القضاء حال دون أن يتمم المؤلف كتابه - كما ذكر في آخر كتابه - وتمني ان يخلف عليه من يتم هذا الكلام ، فنسال الله عز وجل ان يجعل ما علقناه على كتابه ، بمثابة هذا التتميم الذي تمناه .. بلغ الله تعالى امانيه في عالم الآخرة .

    واخيرا نقول : يبدو ان القضاء حال دون أن يتمم المؤلف كتابه - كما ذكر في آخر كتابه - وتمني ان يخلف عليه من يتم هذا الكلام ، فنسال الله عز وجل ان يجعل ما علقناه على كتابه ، بمثابة هذا التتميم الذي تمناه .. بلغ الله تعالى امانيه في عالم الآخرة .
    ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم .. ربنا واجعل سعينا في تحبيب القلوب اليك ، فمن اولى منك ليسكن هذا القلب ، الذي اردته حرما لك ، وقد جعلناه مأوى لكل فانٍ سواك ؟! ..
    وآخد دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ·
    حبيب الكاظمي
    3 ذو الحجة 1422

  • #2
    مقدمة المؤلف

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، وصلى الله على خيرتــه المنتخبين ، وصفوته المنتجبين ، ومظهر لطفه في العالمين ، محمد وآله الطاهرين .

    وبعد، فيقول العبدالجاني ، والأسير الفاني حسين بن علي بن صادق البحراني : إني مستعينٌ بربي ومتوكّلٌ عليه ، ومتوجّهٌ إليه بأحبّ الخلق إليه ، في جمع نبذٍ من نصائح أهل البيت (ع) لشيعتهم ، وإرشادهم لمواليهم ، التي بها حياة قلوبهم ، واستنارة عقولهم المظلمة من مخالطة الأهوية والشهوات المكدّرة من خطرات المعاصي والسيئات ، وأرجو من الله الإمداد والإسناد ، وأن يجعله ذخراً لي ليوم المعاد ، إنه الكريم الجواد ، وعليه التوكّل والاعتماد ، وهو حسبي ونِعْمَ الوكيل .

    ولنقدّم لذلك مقدمةً ، يظهر منها ما هو الغرض من إثبات هذه الكلمات ، والتنبيه على هذه النكتات ، وذلك أني كثيراً ما كنت أمنّي نفسي الميّالة للباطل ، بجمع ما استفدت من آثار أهل البيت (ع) ، في الإيقاظ لهذه القلوب الغافلة ، والإحياء لهذه النفوس الميتة ، بإدبارها عن الله وإعراضها عنه ، فيمنعني عن ذلك عدم نشاطي للعمل ، وملازمتي للكسل ، فيكون ذلك وبالاً عليَّ ، فإنّ العلم إذا لم يُعمل به لا يزيد صاحبه إلا بُعداً من الله ، ولا يُرجى به التأثير في القلوب ، لما اشتملت عليه أخبار أهل البيت (ع) ، من أن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته من القلوب .. الكافي : 1/44

    ولما رأيت تقضّي العمر ، ومشارفة الأجل ، ورأيت أنّ التسويفات لا تجدي ، والتعللات لا تفيد ، وقادني إلى ذلك التماس بعض الأحبّة ، وإرادة جملة من الخلاّن ، استخرتُ الله سبحانه ، وقصدتُ أن يكون ذلك تذكرةً لنفسي ، عسى أن تتنبّه عن غفلتها ، ورجوت فيه اليمن والبركة بسبب كونه إجابة الإخوان في الله ، وتقربةً إلى الله سبحانه في خدمة أخبار أهل البيت (ع) ، ورجوت منه أن يشرّفني بذلك .

    فعزمت بحول الله وقوته على جمع مضامين من أخبار أهل البيت(ع) في أبوابٍ متفرّقةٍ ، وأصولٍٍ متعدّدةٍ ، من غير ذكر الأسانيد ، ولا تحرٍّ لنقل خصوص الألفاظ ، فإنّ مضامينها بعد التنبيه عليها ، والتنبه لها مما تصدّقها العقول السليمة ، وتشهد بها الفطرة المستقيمة ، فإنّ المقصود مجرد الإشارة ، والاستعانة بالله ، ومنه التوفيق للعمل ، وعليه المتكل .

    تعليق


    • #3
      الباب الأول : في الحاجة إلى تهذيب الأخلاق

      .الباب الأول
      في الحاجة إلى تهذيب الأخلاق ، وبيان ثمرته وشدة الاعتناء بشانه

      اعلم أيدك الله أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . البحار : 68/382 ولا التباس في ذلك ، فإنّ أمر المعاد والمعاش لا ينتظم ، ولا يتهنأ طالبه إلا بالخُلق الكريم ، فلا تتوهم أن العمل الصالح الكثير ينفع من دون تهذيب الخلق وتقويمه ، بل يجيئ الخلق السيئ فيُفسد العمل الصالح ، كما يفسد الخلّ العسل [الكافي : 2/321] .. فأي نفع فيما عاقبته الفساد؟.

      ولا تتوهّم أنّ العلم الكثير ينفع من دون إصلاح الخلق وتهذيبه ، حاشا وكلا ّ، فإنّ أهل البيت عليهم السلام قالوا: لا تكونوا علماء جبّارين ، فيذهب بحقكم باطلُكم . أمالي الصدوق : 9/294

      ولا تتوهّم أنّ صاحب الخلق السيئ ، يقدر أن يتهنّأ (1) بمعاشرة والد أو ولد أو زوج ...............
      --------------------------------------------------------------------------------
      (1) إنّ هذا المدخل الذي دخل منه المؤلف مدخلٌ مهمٌّ لجذب النفوس التي لا تستجلبها المعاني الإلهية التي تحتاج إلى بلوغ روحي ، كطلب درجة الرضوان الإلهي ، والنظر إلى الوجه الكريم وغير ذلك .. فليس هناك عاقلٌ لا يريد السعادة الإجتماعية والحياة الدنيوية المستقرّة إلى جانب الرغبة في العاقبة الحميدة ، سواء في البرزخ أو القيامة .. وعليه فإنّ سلوك هذا الطريق يضمن الاطمئنان القلبي والاستقرار الاجتماعي ، وهما الضالتان التي فقدهما أهل الدنيا باتباعهم عن نهج السماء .( المحقق )
      --------------------------------------------------------------------------------
      ....... أو صديق أو رفيق أو دار أو أستاذ أو تلميذ ..كلا ، بل كلهم يتأذّون منه وينفرون عنه ، وكيف يمكنه اكتساب الكمالات المتفرّقة في الناس ، وأهل الكمال ينفرون منه ويهربون عنه ؟!..

      واعلم أنّ من نظر إلى طريقة أهل البيت عليهم السلام ، وتتبع في أثارهم وجد هدايتهم للخلق ، وجلبهم للدين ، إنما هو بأخلاقهم الكـريمة ، وبذلك أمروا شيعتهم فقالـوا : كونوا دعاة للنـاس بغير ألسنتكم . الكافي : 2/46..
      بل يعنون بأخلاقكم الكريمة ، وأفعالكم الجميلة ، حتى تكونوا قدوة لمن اقتدى ، وأسوة لمن تأسّى.

      فإذا ظهر أنّ أمر المعاش والمعاد إنما يتمّان بمكارم الأخلاق ، وإنّ إتمام مكارم الأخلاق هو فائدة البعثة ، التي ما صلح الوجود إلا بها ، تبيّن أنّ تهذيب الأخلاق مقدّمٌ على كلّ واجب وأهم من كل لازم ، ومع ذلك هو مفتاح كل خير ، والمنبع لكل حسن ، والجالب لكل ثمرة ، والمبدأ لكل غاية.

      انظر فيما ورد من أنّ الكفار يثابون على مكارم الأخلاق .. وفي الذي كان دأبه مخالفة النفس فجرّه ذلك إلى الإيمان .. وفي الذي كان سخياً وكان من الأسرى عند النبي صلى الله عليه وآله ، فنزل جبرائيل (ع)من الله عزّ وجلّ بأن : لا تقتلوه لسخائه ، فجرّه ذلك إلى السلامة من القتل في العاجل ، والفوز بالجنة آجلاً . البحار : 68/390.

      فإذا عرفت هذه المقدمة ، التي يظهر لكل من اختارها وجرّبها صحتها وصدقها ، فاعلم - وفّقك االله وأرشدك - أنّ لأهل البيت (ع) أصولاً في الأخلاق ، وقواعد وضوابط تُعين ملاحظتها على كسب الأخلاق بسهولة ويسر ، لا بتكلف وعسر ، كما يدور عليه كلام علماء الأخلاق.

      فإنّ النبي (ص) أتانا في علم الشريعة بالشريعة السمحة السهلة ، موافقاً لما أخبرنا به ربه عزّ وجلّ ، من أنه يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر ، وأنه ما جعل علينا في الدين من حرج .. كذلك في علم الطريقة فتح لنا أبواب اليسير ، وسدّ عنا أبواب العسير.

      فلا يثبطنّك الشيطان عن أخذ نصيبك من علم الأخلاق ، بأن ذلك أمر صعب يتوقف على مجاهدة النفس ، ورياضات بالغة !.. وأين أنت عن ذلك؟!.. فإنا رأينا أهل المجاهدات الشاقة ، والرياضات البالغة ، ما أوصلتهم إلا لمقاصد دنيوية ، ومقامات ردية ، من غير رسوخ لهم بطريقة أهل البيت عليهم السلام ، ولا تشبه لهم في أطوارهم.(2)
      --------------------------------------------------------------------------------
      (2) لقد أشار المصنف هنا إلى ظاهرةٍ خطيرةٍ طالما أوقعت مدّعي السير إلى الله تعالى في الوهم .. فحصروا الطريق بتعذيب النفس بالرياضات التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، فخسروا لذّة الدنيا ، ولم يصلوا إلى لذّة الآخرة . والسرّ في ذلك أنهم جعلوا جهاد النفس ذريعةً لحيازة شيء من متاع الدنيـا – ولو كان جلباً للمريدين – لعلمهم أن السيطرة على النفس بقواها المختلفة تجعلها مؤثرة في بعض الأمور ، فأنّ النفس طاقةٌ من طاقات هذا الوجود مليئةٌ بالأسرار المذهلة ، فكما أنّ الطاقات الأرضية تعمـل الأعاجيب في عالم الآفاق ، فكذلك الطاقات النفسية تعمل الغرائب في عالم الأنفس .. ولكن لنتساءل ونقول: هل أننا خلقنا لمثل ذلك ؟!.. وهل طلب منا المجاهدة لنحقق حظاً من حظوظ أنفسنا؟....( المحقق )
      --------------------------------------------------------------------------------
      وأصل هذا المعنى وبيانه: أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى بلطف حكمته وجميل صنعته بهر العقول ، وامتحن أهلها ، بأن طلب من الخلق أمورا كلية عظيمة ، وجعل مفاتيحها امورا جزئية حقيرة ، فمن استعظم الامور الموصلة إليها وتهاون عنها ، فاته ما أريد منه ، وكان ذلك من أعظم الامتحان له ، ومن توسّل بتلك الأمور الجزئية ، أوصلته إلى تلك المطالب النفيسة الكلية ، فهو لم يأت إلا الجزئي الحقير مع أنه أوصله إلى الكلي النفيس الكثير ، وذلك من أعظم السعادات له.
      فتدبّر هذه الحكمة البالغة ، وأمعن النظر فيها ، يظهر لك كيف أقام الحجة البالغة على هذا الخلق ، وأكمل لهم النعمة السابغة.

      فيا لها من نعمة!..كيف أوصلهم بهذه الجزئيات إلى هذه المراتب السامية ؟!..
      ويا لها من حجةٍ !.. كيف عرّضوا أنفسهم للهلكةالدائمة ، والعقاب الأليم ، وكان يخلّصهم منها الإتيان بجزئيات حقيرة؟!..

      فمن تأمّل هذه الحكمة واقتبسها من آثار أهل البيت عليهم السلام ، ظهر له معنى قوله: إنّ من استقلّ قليل الرزق حرم كثيره [ الكافي:2/207] وأنّ مبدأ كل الشرور والمهلكات هو استقلال القليل ، واستحقار الحقير.
      كما أن مبدأ الخير نابعٌ من مهفوم هذا الحديث ، فإنّ مَن لم يستقلّ قليل الرزق لم يُحرم كثيره.

      وبعد تتبعك هذا المعنى تجد شواهده في الحبل المحكم ، والأخبار لا تُحصى ولا تُعد منها قولهم: اتقوا محقرات الذنوب [ الكافي:2/207].

      وقولهم: لا تستحقروا طاعة ً، فربما كان رضا الله تعالى فيها .. ولا تستحقروا معصيةً .. فربما كان سخط الله فيها.
      إلى غير ذلك من أخبارهم عليهم السلام ، فاتضح للمستبصر المسترشد أن طريقة الشرع الشريف المحمدية ، إنما هي مبنية على أمور جزئية سهلة يسيرة بإذن الله موصلة إلى أسنى المطالب وأهنى الرغائب.(3)
      --------------------------------------------------------------------------------
      (3) إنّ هذا الأسلوب من الترغيب مؤثرٌ في النفوس التي تخشى البدء بالحركة بعد مرحلة اليقظة ، ظناً منها بأن طريق الآخرة سالبةٌ لنعيم الدنيا وملذاتها.. وأنّ الأمر يحتاج إلى مجاهداتٍ مرهقةٍ كالتي يتبعها المرتاضون من أهل الفرق المنحرفة بل الكافرة .. وأنّ الغايات لا تُنال إلا بما يلحق بالمعسورات أو المتعذرات وغير ذلك من موجبات الوهن .
      والحال أنّ الشريعة ما حرّمت حراماً إلا وكان - في الغالب – حـلالاً بجانبـه بدلاً عنه .. ودائرة الإلزاميات – فعلاً وتركاً – أضيق بكثير من دائرة المباحات بما لا يُقاس معه .. فأين التضييق الذي يجعله العبد ذريعةً للركون إلى ما يشبه حياة البهائم التي همّها علفها وشغلها تقممها ؟!..( المحقق )
      --------------------------------------------------------------------------------
      ويزيد هذا المعنى وضوحاً ، التأمل في الحديث القدسي ، حيث يقول رب العزة سبحانه : أن من تقرّب إليّ شبراً أتقرّب إليه ذراعاً . [الجواهر السنية : 129].
      فإذا كان هو سبحانه يدنو إلى من دنا منه ، ويدعو إلى نفسه من أدبر عنه ، فكيف بمن أقبل إليه ، وقرع بابه؟!..

      وكفاك قول سيد العابدين في دعاء السحر: وإن الراحل إليك قريب المسافة ، وإنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الآمال دونك ، أو تحجبهم الأعمال السيئة .. في بعض النسخ.

      فيا أيها الأخ الطالب للإقبال على الله !.. والمتمني لهذه المرتبة السنيّة ، استمع مني مقالة ناصحٍ لك ، مقتبسة من مشكاة أهل البيت عليهم السلام لا سواهم ، لأن من شذّ عنهم شذّ إلى النار وهي:

      إنك بعد أن علمت أن المطلوب من العبد التخلّق بالأخلاق الكريمة التي بشرفها نسبت إلى الرب ، رب العزة ، فقد ورد عنهم : تخلّقوا بأخلاق الله. شرح الاسماء الحسنى للسبزواري : 2/41
      وهي أخلاق محمد (ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وشيعتهم.

      واعلم أنّ قوام ذلك المعنى ونظامه إنما هو الجلوس على بساط الاستقامة ، ومجانبة الإفراط والتفريط ، فتقرّب إلى الله تعالى بما تيسّر لك من الطاعات ، واجتناب ما يكرهه من السيئات.

      واجعل بناء أمرك على عدم المسامحة والمماهلة في جزئي ولا كلي ، فكل ما تعلمه راجحاً من الأمور المعلومة الرجحان اجعل همك في فعله ، ولو كان جزئياً حقيراً في نظرك ، وكل ما تعلمه بعدم الرجحان من الأمور فاجعل همك في تركه واجتنابه، وإن كان جزئياً حقيراً في نظرك.

      ولا تجعل بناء أمرك على التسامح والتساهل لا في جزئي ولا كلي ، بل ليكن أمرك مبنياً على الضبط والاتقان.

      وإياك أن تتعلق بالإكثار من الأعمال من دون ملاحظة الضبط والإتقان ، فإن ّأمراً واحداً تتقنه وتضبطه وتوقعه على وجهه على وفق الوضع المراد ، ينتج نتيجه الألوف من الأعمال الحسنة ، لا على وجه الضبط والإتقان، بل الآلاف الكثيرة من الأعمال الحسنة غير المتقنة ، لا تنتج نتيجة واحدة من الأعمال المتقنة المضبوطة ،
      بل لا نسبة بينها عند أهل المعرفة والحكمة.(4)
      --------------------------------------------------------------------------------
      (4) هذه صورةٌ من الواقعية والمنطقية في منهج المؤلف .. فإنه يحاول أن يرفع بمستوى السالك إلى مرتبة الربط دائماً بين الأسباب والنتائج ، وإنّ الفعل لا ينبغي أن يقوم به العبد مبتورة عن الهدف الذي يسعى إليه ، ألا وهو تحقيق العبودية الشاملة لله رب العالمين .. فالفعل الكثير الذي لا يحقق الهدف لا قيمة له ، كما لو كان رياءً ، أو مزاحماً لواجب أهم ، أو موجباً للغرور والعجب ، أو داعياً لنفرة النفس من أصل الطريق .....( المحقق )
      --------------------------------------------------------------------------------
      لا أقول لك: لا يقع منك الإخلال بجزئي ولا بكلي ، حتى تستعظم هذا المعنى وتقول: إنى لي به ، وأنا أنا.

      بل أقول لك: لا تجعل بناء أمرك على الإخلال بجزئي مسامحة ومساهلة ، فأما إذا وقع منك الإخلال بأمرٍ لغلبة الهوى ، ومخادعة النفس والشيطان، فذلك أمر آخر ، وذلك من شأن غير المعصوم ، فمقصودنا توطين النفس على عدم المسامحة والمساهلة.

      فهذه الجزئيات من الشرع عند المواظبة عليها ، وترك التسامح والتساهل فيها ، تفيد الترقّي والوصول إلى المقامات الرفيعة العالية ، فإن الله سبحانه قد جعلها بإذنه مفاتيح تلك الخزائن ، ومن قبض مفاتيح الخزائن بيده استغنى وفاز فوزاً عظيماً.

      ولولا خشية الإطناب لأوضحت إيضاحاً شافياً ، وأكثرت الشواهد عليه ، وهو حقيق بذلك ، فإنه أتقن وأضبط باب يفتح منه ألف باب من الحكمة الإلهية ، وعسى أن نزيده بياناً في الأبواب الآتية إن شاء الله


      و الى الملتقى غدا ان شاء الله لمتابعه النشر

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, اليوم, 03:07 AM
      ردود 0
      4 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, اليوم, 03:04 AM
      ردود 0
      3 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      يعمل...
      X