السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخواني المؤمنين
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولهِ الأمين وآله الطيبين الطاهرين الذين جعل الله محبتهم محبة له
وجعلها عنواناً لصحيفة المؤمن وجوازاً على الصراط المستقيم.
نرسل مختصراً لخطبة الجمعة من داخل مسجد براثا بكلام سماحة الشيخ جلال الدين الصغير (دام توفيقه) ولكم الشكر ..
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولهِ الأمين وآله الطيبين الطاهرين الذين جعل الله محبتهم محبة له
وجعلها عنواناً لصحيفة المؤمن وجوازاً على الصراط المستقيم.
نرسل مختصراً لخطبة الجمعة من داخل مسجد براثا بكلام سماحة الشيخ جلال الدين الصغير (دام توفيقه) ولكم الشكر ..
حيث بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله والأئمة الميامين من آله الطاهرين.
إبتدأ سماحة الشيخ الصغير خطبته الأولى بالدعوة الى تقوى الله سبحانه وتعالى مؤكداً على أن رايات المنايا تخفق عند الروؤس ونذر الانتقال الى الآخرة تُرى رأي العين ، وأصوات الصاعدين الى عالم البرزخ الى حيث روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران على مسمع من الجميع. داعياً المؤمنين الى أن يستمعوا الى من يَعِضَهم والى من يدّلهم على طريق الله سبحانه وتعالى بعد أن تنكرت الدنيا لنا بما لم تتنكر لأي جهةٍ أخرى وبعد أن أنشب الدهر الخؤون مخالبه في جميع اوضاعنا بالشكل الذي لايمكن أن يسمي نفسه عاقلاً من يثق بهذه الدنيا مهما أوتي من قدرات وأمكانيات.
ثم اخذ سماحته يتحدث عن التناغم بين ما تم الأنتهاء اليه من ابحاث الامامة وبين مناسبات عديدة في شهر ذي الحجة حيث نزلت سورة براءة في الاول من هذا الشهر وفي نفس هذ اليوم انتدب تحت لافتة ((لايبلغ عنّي إلا أنا أو رجل مني)) امير المؤمنين (ع) ليبلغ سورة براءة ولكي يضع النقاط على حروف آية الأعراف التي تحدثت عن مؤذن يوم القيامة ولكي تظهر من هو هذا المؤذن في عالم الدنيا حيث ذهب الأمير (ع) ليبلغ عن الله ورسوله. وفي يوم الخامس من ذي الحجة نزلت آية ((يا ايها الرسول بلّغ ما انزل اليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته، والله يعصمك من الناس)) وفي يوم الثامن عشر من ذي الحجة نزلت آية ((اليوم أكملت لكم دينكم)) وفي يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة نزلت آية المباهلة ((قل تعالوا ندع ُأبناءنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم)) وفي نفس هذا اليوم نزلت آية التطهير (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً )) وفي الخامس والعشرين نزلت آيات سورة ((هل أتى على الأنسان حينٌ من الدهر)).
إذن مناسبات عديدة أسست في هذا الشهر الشريف وكل واحدة منها تتحدث عن علي بن أبي طالب (عليه السلام). وبعد أن رأينا القرآن يتحدث عن مرجعية بمواصفات خاصة ومحددة ذهبنا نقرأ سنّة الرسول(ص) فوجدنا أن المسلمين باجمعهم يتحدثون عن أن الأمامة في قريش وأن عدد الأئمة اثني عشر ، وتفاوت كلمات المحدثين ولكنها لم تختلف في كون المستخلف من بعد رسول الله (ص) اثني عشر، حيث أجمع الرواة من السنة والشيعة على أن الرسول (ص) قال: (الأئمة من بعدي اثني عشر ، كلهم من قريش ))وتحدث نفس هؤلاء الرواة بلفظين مختلفين يؤديان نفس المعنى كما هو الحال مارواه البخاري ومسلم من أن بعد رسول الله (ص) ثمة اثني عشر خليفة او اثني عشر امير ومن حق الرسول (ص) أن يسائل الانسان المسلم بعد أن قرأ هذه الروايات وأطلع عليها عن هؤلاء الائمة الاثني عشر ومن هم ؟ وحتى لايقال لرسول الله (ص) إنك حدثتنا بذلك ولكن لم تحدثنا عن طبيعة هويات الائمة الاثني عشر وشخصياتهم ، وسط كل هذه الأكاذيب التي تملأ متون الكتب ووسط كل هذه الأحقاد التي سلطت على مدرسة الاستنان بسنّة رسول الله (ص) والتي أفظت الى ان يمنع التحديث عن الرسول (ص) مدّة طويلة بعد رسول الله (ص) ويمنع تدوين الحديث طوال ثمانين سنة بعد الرسول ، في مثل هذا الحال لابد من ان ينتبه الانسان المسلم إن كان حريصاً على ارضاء الرسول(ص) وأن كان حريصاً على اقدامه ان لاتزل يوم القيامة ، اذا لابد لهذا الانسان من أن يقف بين يدي القرآن الكريم وبين يدي الأحاديث الشريفة ليفتش عن اولئكم الاثني عشر الذين تحدث عنهم الرسول (ص) فحديث الرسول ليس كحديث أحدنا ، بل هو حديث من لاينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى.
والعجب كل العجب من أولئك الذين منعوا الناس من أن يحكّموا القرآن الكريم بسنّة رسول الله (ص) حتى وصل بهم المقام ان يقولوا بأن حديث (ما عارض كتاب الله فهو زخرف)) وان حديث الرسول يجب أن يعرض على القرآن فما وافق به القرآن فخذوه والا فيضرب به عرض الجدار. وصلوا الى درجة إنهم قالوا أن من يعتقد بهذا الأمر فهو زنديق !!!
فالعجيب –ولاعجب من طبيعة جرأتهم على كتاب الله إن كان أمر الحديث بهذه الأهمية بحيث أنه حتى لو خالف كتاب الله فلا ينظر لمخالفته !! بل ذهب بعضهم الى أن السنّة ناسخة للأيات!!. اي أن حديث الرسول (ص) يمكن له أن ينسخ القرآن !!! فالعجيب هو إن كان لديكم كل هذا الحرص على حديث النبي(ص) ! إذن أين أنتم من هذه الأحاديث ؟ ولماذا لم تقدّموا للامة مايمكن ان يروي عطشها لكي تتعرف على هؤلاء الاثني عشر ؟!
إذن بعيداً عن الأسماء لنقف بين يدي هذه الآيات التي نزلت في هذا الشهر الشريف ولنراهاً ماذا تتحدث ، فالخالق سبحانه وتعالى ينّزل سورة ارعبت الجميع ، فبعد أن اعتاد المسلمون من أن تتنزل السور القرآنية بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) نجد أن الوحي المقدّس ياتي هذه المرة الى الرسول الأكرم (ص) ولايحدّثه برحمة الرحمن الرحيم وإنما مباشرة يريد أن يقول بأن لارحمة بعد هذه السورة ، ولايكتفي بهذا القدر بل يأتي بقول هو الأشدّ على السامع (براءةً من الله) إذن على الأنسان المسلم أن يقف عند هذه السورة وأن لايمر بها مرور الكرام ، ومع أن الأشراك ذنب عظيم ولكن القرآن تحدّث قبل ذلك عن المشركين وقال ان الله سبحانه وتعالى برءي منهم ، لكن لماذا في السنوات الأخيرة من حياة النبي (ص) لماذا يتحدث القرآن بهذه الطريقة؟ ولماذا نلاحظ ان سورة التوبة إنطوت على خطاب عجيبٍ ولايتعلق بالمشركين فقط ؟ لأننا لو أنتهيت من هذه الآيات لطالعنا صورة هي الأعجب في القرآن لأنها تتحدث عن طبيعة المجتمع الذي يحيط برسول الله بعد أن انهى الحديث عن المشركين راح يتحدّث عن الذين مع رسول الله حيث تكرر القول ((ومنهم ..ومنهم .. ومنهم)) وهو يعدد اصنافاً من الجماعات المحيطة برسول الله (ص) ويتحدث بطريقة لاتبقي ولا تذر الله اللهم الا من عصم الله سبحانه وتعالى . عندئذ لابد وأن تشدّنا هذه الآيات ، فبعد أن نزلت هذه الآية يطلب رسول الله (ص) فلاناً ويأمره ان يذهب ليبلّغ بها في مكة، وربما أن الرسول (ص) افعاله وطلباته بوحي من الله سبحانه وتعالى، إذن تكليفه(ص) لفلان لابد وأن يكون مبتنياً على إرادة ربّانية، وكأنما يريد الله سبحانه وتعالى أن يقدّم للأمة وسيلة ايضاح عن طبيعة المبلّغ من بعد رسول الله (ص). وبعد ان ركب فلان ناقته متجهاً الى مكة ليبلّغ براءةً من الله ورسوله من المشركين ومن والاهم حينئذ يحدث أمراً عجيباً، وهو أن يرسل الرسول (ص) الى علي (عليه السلام) ويأمره أن يأخذ الكتاب من فلان ليبلغ به هو في مكة حيث قال له : (أن جبرئيل يبلغني عن الرب الجليل أنه لايبلّغ عني إلا أنا أو رجلٍ منّي) –وهذا الحديث بأختلاف الألفاظ التي وردت فيه يمثل تواتراً في علم حديث رسول الله (ص) .
ومع أن الرسول (ص) لاينطق عن الهوى وأن افعاله لايمكن أن تكون الا لأجل هدف رسالي إذن لماذا يأتي الوحي ليبلغهُ بخلاف مافعل في المرّة الأولى ؟ وفي ذلك اشارة واضحة على أن الرسول (ص) إنما أراد أن يبيّن لهذه الأمة ان مسألة الأبلاغ عن الله سبحانه وتعالى ورسوله لاتعطى لأي كان وإنما تعطى بامر من الله ورسوله ، ولهذا نفس هذا الأمر يكفي لحدف الأسماء التي تصدّت للتحدث نيابة عن الرسول (ص).
وبعد ذلك ذهب الأمير (ع) ليؤذن في الناس ((أن الله برءي من المشركين ورسوله)) حيث سمّي هذا الفعل بالآذان، ولأجل الاستفادة من هذه القضية في عملية السعي لفهم القرآن الكريم، علينا أن نطالع سورة الأعراف لنجد أن المؤذن في يوم القيامة هو نفس هذا المؤذن في الدنيا ((فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين)) وهذا هو نفس المعنى الذي ورد في سورة البراءة.
وبناءً على ما مرّ فأن ذلك يفيد بان لابد من وجود نصّ لما بعد رسول الله (ص) وهذا هو مقتضى كلامه (ص) : ((إلا أنا او رجل مني)).
اذا تقدمّت بنا الآيام ورأينا ماجاء في الآية التي نزلت في يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة فأننا سنكتشف أن القرآن يريد أن يتحّدث من خلال هذه الآية عن قضية عجيبة في آخر ايام الرسول (ص) بعد أن أّنزل عليه غالبية القرآن ولم يتبق من آيات القرآن والا كعدد الأصابع لم ينـزل بعد، وان الرسول (ص) قاتل وجاهد وبنى الدولة وبلّغ الناس بكل أمرٍ، بدليل أنه (ص) وفي خطبة الوداع التي ستحصل بعد أربعة ايام كان يحدّثهم ((الا قد بلّغت قالوا بلى يارسول الله .قال اللهم اشهد إني بلّغت )) ، إذن فالرسول بلّغ، ولكن آية (يا ايها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك ،وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته، والله سيعصمك من الناس)) أرادت ان تتحدث عن أمر في غاية الأهمية وهو مايجب أن يثير فينا كل الأنتباه لكي نتّعرف على طبيعة المغزى وراء هذه الشدّه في حدث القرآن الكريم..
فقوله تعالى (( وأن لم تفعل فما بلّغت رسالته)) يشير بوضوح الى أن ثمة أمرٍ يعادل الرسالة يجب على الرسول تبليغه ، وأكثر من ذلك فأن هذا الأمر أن لم يبُّلغ فكأن الرسالة لم تبّلغ. اذن فالأنسان الحريص على دينه والمحب لرسول (ص) عليه أن يجلس بين يدي القرآن الكريم ليجد أن هنالك نقصاً حاصل وأن الرسول (ص) مطالب بلغة التهديد بأن يبّلغ هذا الأمر الذي تتم فيه الرسالة. وأكثر من ذلك أن القرآن الكريم والله سبحانه وتعالى يحدّث الرسول بوجود عصابة تحاول ان تمنع وتحاول أن تزّيف وأن الله سيعصم النبي من هذه العصابة ((والله يعصمك من الناس)) ومن قال بأن الرسول (ص) -بعد ان أن اخرج اليهود من المدينة وبعد أن أرغم النصارى على دفع الجزية عن يدٍ وهم صاغرون – من قال بأن الرسول بات ليلتهُ تلك وهو يخشى الغيلة من الناس وهذا هو سبب نزول هذه الآية !! فأن قوله هذا مردود ، لأنه من الحق أن يصورّ أعظم الرسل بهذه الطريقة وهو من عبر عنه الأمير (ع) بقوله: ((كنّا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله)) ومثل هذا الرسول من يخاف الغيلة وهو بأن الموت إنما هي نقلة الى جوار الرحمن الرحيم ونقلة الى الحور العين وجنات الخلد !!
على أية حال لو تتبعنا سورة المائدة لوجدنا آية اخرى مغايرة تماماً لما أشارت اليه آية ((يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك)) ، فبعد هذه الأشارة الواضحة على النقص الموجود في الرسالة جاءت آية ((اليوم يئس الذين كفروا من دينكم، اليوم اكملت لكم دينكم واتـممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا)) وهذا مايؤكد بأن ثمة أمرٍ قد حصل ليجعل القرآن يتحدّت عن إكمال الرسالة بعد أن تحدّث عن نقيضتها. وهنا لايلتفت الى كون الآية الثانية جاءت في سورة المائدة قبل الآية الأولى فكيف يفسرّ المتقدّم المتاخر، وذلك لأن الآيات القرآنية خضعت في ترتيبها الى أمر رسول الله (ص) بدليل إننا نجد في سورة واحدة هنالك آيات مكية ومدنية..
ولو نظرنا الى صحاح المسلمين لوجدنا ان الرسول (ص) بعد ايام قليلة من نزول آية ((اليوم أكملت لكم دينكم)) يجمع الناس ليخطب فيهم خطبة الوداع ، وبعد أن أمر الرسول بأن يخرج الجميع الى الحج هنا يقف (ص) ليبيّن للناس أنه لم يجمعهم ليبلغهم بأمر الأحكام الشرعية لأنه (ص) يبتدأ خطبته بالقول : (( ألا بلغتكم .. الا حدثتكم بالأمر الفلاني .. الا قلت لكم .. الا ...الا .. )) وكانوا يقولون له ((بلا يارسول الله)) وفي ذلك ثمة مانع يمنع العاقل من أن يقول بأن خطبة الوداع تتعلق بتبليغ الأحكام الشرعية.
وبعد ذلك يقف الرسول (ص) ليقدم أمراً يشد فيه انتباه جميع الناس وهو قوله (ص): ((ايها الناس إني أوشك أن ادعى فأُجيب )) وبذلك لايمكن لأي مسلم أن يبقى دون أن يهتز قلبه لهذا القول والرسول ينعى نفسه، وهنا يقدّم الرسول (ص) هذا القول ليبين لهم بأنه سيحدثهم بأمرٍ مهم جداً يلخص وصيته (ص) ليقف ويقول ((ايها الناس إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليََّ الحوض)) وهذا مايحدد طبيعة من يبلّغ بعده (ص) ((لايبلغ عنّي إلا انا أو رجل منّي)) وهنا علينا أن نتسائل لماذا كل هذا الضلال في هذه الأمة. ولماذا كل هذه الفرقة ؟ ولماذا كل هذ الشحناء ؟ ولماذا غدا البعض يقتل الآخر؟ ولماذا لاتمر بعد الرسول (ص) الا خمسين عاماً حتى نرى حرائره تسبى ؟
ولو لاحظنا قوله (ص) ((لن يفترقا حتى يردى عليََّ الحوض)) لعلمنا أن في ذلك أشارة واضحة على عصمة العترة الطاهرة لأن القرآن معصوم عن الزلل ، وهذا مايعيدنا الى قوله (ص) بداية الحديث: ((أن الأئمة من بعدي اثني عشر إماماً وكلهم من قريش))..
وسيتم البحث في الأيام القادمة أن كتب الله لنا عمراً .
والحمد لله أولاً وآخراً وصلاته وسلامه على رسوله وآله أبداً..
إبتدأ سماحة الشيخ الصغير خطبته الأولى بالدعوة الى تقوى الله سبحانه وتعالى مؤكداً على أن رايات المنايا تخفق عند الروؤس ونذر الانتقال الى الآخرة تُرى رأي العين ، وأصوات الصاعدين الى عالم البرزخ الى حيث روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران على مسمع من الجميع. داعياً المؤمنين الى أن يستمعوا الى من يَعِضَهم والى من يدّلهم على طريق الله سبحانه وتعالى بعد أن تنكرت الدنيا لنا بما لم تتنكر لأي جهةٍ أخرى وبعد أن أنشب الدهر الخؤون مخالبه في جميع اوضاعنا بالشكل الذي لايمكن أن يسمي نفسه عاقلاً من يثق بهذه الدنيا مهما أوتي من قدرات وأمكانيات.
ثم اخذ سماحته يتحدث عن التناغم بين ما تم الأنتهاء اليه من ابحاث الامامة وبين مناسبات عديدة في شهر ذي الحجة حيث نزلت سورة براءة في الاول من هذا الشهر وفي نفس هذ اليوم انتدب تحت لافتة ((لايبلغ عنّي إلا أنا أو رجل مني)) امير المؤمنين (ع) ليبلغ سورة براءة ولكي يضع النقاط على حروف آية الأعراف التي تحدثت عن مؤذن يوم القيامة ولكي تظهر من هو هذا المؤذن في عالم الدنيا حيث ذهب الأمير (ع) ليبلغ عن الله ورسوله. وفي يوم الخامس من ذي الحجة نزلت آية ((يا ايها الرسول بلّغ ما انزل اليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته، والله يعصمك من الناس)) وفي يوم الثامن عشر من ذي الحجة نزلت آية ((اليوم أكملت لكم دينكم)) وفي يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة نزلت آية المباهلة ((قل تعالوا ندع ُأبناءنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم)) وفي نفس هذا اليوم نزلت آية التطهير (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً )) وفي الخامس والعشرين نزلت آيات سورة ((هل أتى على الأنسان حينٌ من الدهر)).
إذن مناسبات عديدة أسست في هذا الشهر الشريف وكل واحدة منها تتحدث عن علي بن أبي طالب (عليه السلام). وبعد أن رأينا القرآن يتحدث عن مرجعية بمواصفات خاصة ومحددة ذهبنا نقرأ سنّة الرسول(ص) فوجدنا أن المسلمين باجمعهم يتحدثون عن أن الأمامة في قريش وأن عدد الأئمة اثني عشر ، وتفاوت كلمات المحدثين ولكنها لم تختلف في كون المستخلف من بعد رسول الله (ص) اثني عشر، حيث أجمع الرواة من السنة والشيعة على أن الرسول (ص) قال: (الأئمة من بعدي اثني عشر ، كلهم من قريش ))وتحدث نفس هؤلاء الرواة بلفظين مختلفين يؤديان نفس المعنى كما هو الحال مارواه البخاري ومسلم من أن بعد رسول الله (ص) ثمة اثني عشر خليفة او اثني عشر امير ومن حق الرسول (ص) أن يسائل الانسان المسلم بعد أن قرأ هذه الروايات وأطلع عليها عن هؤلاء الائمة الاثني عشر ومن هم ؟ وحتى لايقال لرسول الله (ص) إنك حدثتنا بذلك ولكن لم تحدثنا عن طبيعة هويات الائمة الاثني عشر وشخصياتهم ، وسط كل هذه الأكاذيب التي تملأ متون الكتب ووسط كل هذه الأحقاد التي سلطت على مدرسة الاستنان بسنّة رسول الله (ص) والتي أفظت الى ان يمنع التحديث عن الرسول (ص) مدّة طويلة بعد رسول الله (ص) ويمنع تدوين الحديث طوال ثمانين سنة بعد الرسول ، في مثل هذا الحال لابد من ان ينتبه الانسان المسلم إن كان حريصاً على ارضاء الرسول(ص) وأن كان حريصاً على اقدامه ان لاتزل يوم القيامة ، اذا لابد لهذا الانسان من أن يقف بين يدي القرآن الكريم وبين يدي الأحاديث الشريفة ليفتش عن اولئكم الاثني عشر الذين تحدث عنهم الرسول (ص) فحديث الرسول ليس كحديث أحدنا ، بل هو حديث من لاينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى.
والعجب كل العجب من أولئك الذين منعوا الناس من أن يحكّموا القرآن الكريم بسنّة رسول الله (ص) حتى وصل بهم المقام ان يقولوا بأن حديث (ما عارض كتاب الله فهو زخرف)) وان حديث الرسول يجب أن يعرض على القرآن فما وافق به القرآن فخذوه والا فيضرب به عرض الجدار. وصلوا الى درجة إنهم قالوا أن من يعتقد بهذا الأمر فهو زنديق !!!
فالعجيب –ولاعجب من طبيعة جرأتهم على كتاب الله إن كان أمر الحديث بهذه الأهمية بحيث أنه حتى لو خالف كتاب الله فلا ينظر لمخالفته !! بل ذهب بعضهم الى أن السنّة ناسخة للأيات!!. اي أن حديث الرسول (ص) يمكن له أن ينسخ القرآن !!! فالعجيب هو إن كان لديكم كل هذا الحرص على حديث النبي(ص) ! إذن أين أنتم من هذه الأحاديث ؟ ولماذا لم تقدّموا للامة مايمكن ان يروي عطشها لكي تتعرف على هؤلاء الاثني عشر ؟!
إذن بعيداً عن الأسماء لنقف بين يدي هذه الآيات التي نزلت في هذا الشهر الشريف ولنراهاً ماذا تتحدث ، فالخالق سبحانه وتعالى ينّزل سورة ارعبت الجميع ، فبعد أن اعتاد المسلمون من أن تتنزل السور القرآنية بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) نجد أن الوحي المقدّس ياتي هذه المرة الى الرسول الأكرم (ص) ولايحدّثه برحمة الرحمن الرحيم وإنما مباشرة يريد أن يقول بأن لارحمة بعد هذه السورة ، ولايكتفي بهذا القدر بل يأتي بقول هو الأشدّ على السامع (براءةً من الله) إذن على الأنسان المسلم أن يقف عند هذه السورة وأن لايمر بها مرور الكرام ، ومع أن الأشراك ذنب عظيم ولكن القرآن تحدّث قبل ذلك عن المشركين وقال ان الله سبحانه وتعالى برءي منهم ، لكن لماذا في السنوات الأخيرة من حياة النبي (ص) لماذا يتحدث القرآن بهذه الطريقة؟ ولماذا نلاحظ ان سورة التوبة إنطوت على خطاب عجيبٍ ولايتعلق بالمشركين فقط ؟ لأننا لو أنتهيت من هذه الآيات لطالعنا صورة هي الأعجب في القرآن لأنها تتحدث عن طبيعة المجتمع الذي يحيط برسول الله بعد أن انهى الحديث عن المشركين راح يتحدّث عن الذين مع رسول الله حيث تكرر القول ((ومنهم ..ومنهم .. ومنهم)) وهو يعدد اصنافاً من الجماعات المحيطة برسول الله (ص) ويتحدث بطريقة لاتبقي ولا تذر الله اللهم الا من عصم الله سبحانه وتعالى . عندئذ لابد وأن تشدّنا هذه الآيات ، فبعد أن نزلت هذه الآية يطلب رسول الله (ص) فلاناً ويأمره ان يذهب ليبلّغ بها في مكة، وربما أن الرسول (ص) افعاله وطلباته بوحي من الله سبحانه وتعالى، إذن تكليفه(ص) لفلان لابد وأن يكون مبتنياً على إرادة ربّانية، وكأنما يريد الله سبحانه وتعالى أن يقدّم للأمة وسيلة ايضاح عن طبيعة المبلّغ من بعد رسول الله (ص). وبعد ان ركب فلان ناقته متجهاً الى مكة ليبلّغ براءةً من الله ورسوله من المشركين ومن والاهم حينئذ يحدث أمراً عجيباً، وهو أن يرسل الرسول (ص) الى علي (عليه السلام) ويأمره أن يأخذ الكتاب من فلان ليبلغ به هو في مكة حيث قال له : (أن جبرئيل يبلغني عن الرب الجليل أنه لايبلّغ عني إلا أنا أو رجلٍ منّي) –وهذا الحديث بأختلاف الألفاظ التي وردت فيه يمثل تواتراً في علم حديث رسول الله (ص) .
ومع أن الرسول (ص) لاينطق عن الهوى وأن افعاله لايمكن أن تكون الا لأجل هدف رسالي إذن لماذا يأتي الوحي ليبلغهُ بخلاف مافعل في المرّة الأولى ؟ وفي ذلك اشارة واضحة على أن الرسول (ص) إنما أراد أن يبيّن لهذه الأمة ان مسألة الأبلاغ عن الله سبحانه وتعالى ورسوله لاتعطى لأي كان وإنما تعطى بامر من الله ورسوله ، ولهذا نفس هذا الأمر يكفي لحدف الأسماء التي تصدّت للتحدث نيابة عن الرسول (ص).
وبعد ذلك ذهب الأمير (ع) ليؤذن في الناس ((أن الله برءي من المشركين ورسوله)) حيث سمّي هذا الفعل بالآذان، ولأجل الاستفادة من هذه القضية في عملية السعي لفهم القرآن الكريم، علينا أن نطالع سورة الأعراف لنجد أن المؤذن في يوم القيامة هو نفس هذا المؤذن في الدنيا ((فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين)) وهذا هو نفس المعنى الذي ورد في سورة البراءة.
وبناءً على ما مرّ فأن ذلك يفيد بان لابد من وجود نصّ لما بعد رسول الله (ص) وهذا هو مقتضى كلامه (ص) : ((إلا أنا او رجل مني)).
اذا تقدمّت بنا الآيام ورأينا ماجاء في الآية التي نزلت في يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة فأننا سنكتشف أن القرآن يريد أن يتحّدث من خلال هذه الآية عن قضية عجيبة في آخر ايام الرسول (ص) بعد أن أّنزل عليه غالبية القرآن ولم يتبق من آيات القرآن والا كعدد الأصابع لم ينـزل بعد، وان الرسول (ص) قاتل وجاهد وبنى الدولة وبلّغ الناس بكل أمرٍ، بدليل أنه (ص) وفي خطبة الوداع التي ستحصل بعد أربعة ايام كان يحدّثهم ((الا قد بلّغت قالوا بلى يارسول الله .قال اللهم اشهد إني بلّغت )) ، إذن فالرسول بلّغ، ولكن آية (يا ايها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك ،وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته، والله سيعصمك من الناس)) أرادت ان تتحدث عن أمر في غاية الأهمية وهو مايجب أن يثير فينا كل الأنتباه لكي نتّعرف على طبيعة المغزى وراء هذه الشدّه في حدث القرآن الكريم..
فقوله تعالى (( وأن لم تفعل فما بلّغت رسالته)) يشير بوضوح الى أن ثمة أمرٍ يعادل الرسالة يجب على الرسول تبليغه ، وأكثر من ذلك فأن هذا الأمر أن لم يبُّلغ فكأن الرسالة لم تبّلغ. اذن فالأنسان الحريص على دينه والمحب لرسول (ص) عليه أن يجلس بين يدي القرآن الكريم ليجد أن هنالك نقصاً حاصل وأن الرسول (ص) مطالب بلغة التهديد بأن يبّلغ هذا الأمر الذي تتم فيه الرسالة. وأكثر من ذلك أن القرآن الكريم والله سبحانه وتعالى يحدّث الرسول بوجود عصابة تحاول ان تمنع وتحاول أن تزّيف وأن الله سيعصم النبي من هذه العصابة ((والله يعصمك من الناس)) ومن قال بأن الرسول (ص) -بعد ان أن اخرج اليهود من المدينة وبعد أن أرغم النصارى على دفع الجزية عن يدٍ وهم صاغرون – من قال بأن الرسول بات ليلتهُ تلك وهو يخشى الغيلة من الناس وهذا هو سبب نزول هذه الآية !! فأن قوله هذا مردود ، لأنه من الحق أن يصورّ أعظم الرسل بهذه الطريقة وهو من عبر عنه الأمير (ع) بقوله: ((كنّا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله)) ومثل هذا الرسول من يخاف الغيلة وهو بأن الموت إنما هي نقلة الى جوار الرحمن الرحيم ونقلة الى الحور العين وجنات الخلد !!
على أية حال لو تتبعنا سورة المائدة لوجدنا آية اخرى مغايرة تماماً لما أشارت اليه آية ((يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك)) ، فبعد هذه الأشارة الواضحة على النقص الموجود في الرسالة جاءت آية ((اليوم يئس الذين كفروا من دينكم، اليوم اكملت لكم دينكم واتـممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا)) وهذا مايؤكد بأن ثمة أمرٍ قد حصل ليجعل القرآن يتحدّت عن إكمال الرسالة بعد أن تحدّث عن نقيضتها. وهنا لايلتفت الى كون الآية الثانية جاءت في سورة المائدة قبل الآية الأولى فكيف يفسرّ المتقدّم المتاخر، وذلك لأن الآيات القرآنية خضعت في ترتيبها الى أمر رسول الله (ص) بدليل إننا نجد في سورة واحدة هنالك آيات مكية ومدنية..
ولو نظرنا الى صحاح المسلمين لوجدنا ان الرسول (ص) بعد ايام قليلة من نزول آية ((اليوم أكملت لكم دينكم)) يجمع الناس ليخطب فيهم خطبة الوداع ، وبعد أن أمر الرسول بأن يخرج الجميع الى الحج هنا يقف (ص) ليبيّن للناس أنه لم يجمعهم ليبلغهم بأمر الأحكام الشرعية لأنه (ص) يبتدأ خطبته بالقول : (( ألا بلغتكم .. الا حدثتكم بالأمر الفلاني .. الا قلت لكم .. الا ...الا .. )) وكانوا يقولون له ((بلا يارسول الله)) وفي ذلك ثمة مانع يمنع العاقل من أن يقول بأن خطبة الوداع تتعلق بتبليغ الأحكام الشرعية.
وبعد ذلك يقف الرسول (ص) ليقدم أمراً يشد فيه انتباه جميع الناس وهو قوله (ص): ((ايها الناس إني أوشك أن ادعى فأُجيب )) وبذلك لايمكن لأي مسلم أن يبقى دون أن يهتز قلبه لهذا القول والرسول ينعى نفسه، وهنا يقدّم الرسول (ص) هذا القول ليبين لهم بأنه سيحدثهم بأمرٍ مهم جداً يلخص وصيته (ص) ليقف ويقول ((ايها الناس إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليََّ الحوض)) وهذا مايحدد طبيعة من يبلّغ بعده (ص) ((لايبلغ عنّي إلا انا أو رجل منّي)) وهنا علينا أن نتسائل لماذا كل هذا الضلال في هذه الأمة. ولماذا كل هذه الفرقة ؟ ولماذا كل هذ الشحناء ؟ ولماذا غدا البعض يقتل الآخر؟ ولماذا لاتمر بعد الرسول (ص) الا خمسين عاماً حتى نرى حرائره تسبى ؟
ولو لاحظنا قوله (ص) ((لن يفترقا حتى يردى عليََّ الحوض)) لعلمنا أن في ذلك أشارة واضحة على عصمة العترة الطاهرة لأن القرآن معصوم عن الزلل ، وهذا مايعيدنا الى قوله (ص) بداية الحديث: ((أن الأئمة من بعدي اثني عشر إماماً وكلهم من قريش))..
وسيتم البحث في الأيام القادمة أن كتب الله لنا عمراً .
والحمد لله أولاً وآخراً وصلاته وسلامه على رسوله وآله أبداً..