إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

المسلمون في الغرب بين تناقضات الواقع وتحديات المستقبل - 1

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسلمون في الغرب بين تناقضات الواقع وتحديات المستقبل - 1

    المسلمون في الغرب بين تناقضات الواقع وتحديات المستقبل - 1

    كتابات - التجاني بولعوالي *



    توطئة



    في الحقيقة يحاول هذا المقال إثارة العديد من الإشكاليات التي تقف وراء سوء وتردي التمثيل الإسلامي في الغرب، رغم أن الجالية الإسلامية التي تعيش هنالك تقدر، لا نقول بالآلاف وإنما بالملايين، ورغم أن الدين الإسلامي كما أرساه الرسول صلى الله عليه وسلم، يملك كل الإمكانيات والأخلاقيات التي بتحققها سواء في الفرد أم المجتمع يتحقق حسن الظن والقبول بذلك الدين من قبل الغير. لكن الرياح تهب بما لا تشتهيه السفن، والوضع في الغرب يحبل بما لا ترتضيه الصحوة الإسلامية الهادفة والمنفتحة التي تحاول جاهدة إيصال الوجه النقي والحقيقي للإسلام إلى الغرب، لكن وأسفتاه! هذا الوجه لا يصل إلا مشوها ومزيفا من جراء مجموعة من الأسباب والأوضاع ذات الملابسات والتركيبات المختلفة؛ منها ما لا نملك زمامه بأيدينا، كتلك الأسباب الدولية التي تشكلها وتنسقها السياسة الغربية بدعم من الترسانة الإعلامية الضخمة التي لا شأن لها إلا تشويه وجه الإسلام ونعته بشتى مصطلحات وصفات العنف والإرهاب، ويمضي في هذا المنحى مجموعة من العرابين وسماسرة السياسة المحسوبين على الإسلام. و من الأسباب ما يمكن أن نتحكم فيه بشكل أو بآخر، وبذلك يتسنى لنا توضيح الوجه الحقيقي للإسلام، بغض النظر عن دور العلماء والإعلام الإسلامي الموجه إلى الغرب، يمكن الإشارة إلى دور المسلمين المقيمين بالغرب الذين بإمكانهم تمثيل الإسلام خير تمثيل، عن طريق نشر مكارم أخلاقهم من احترام للآخر، واحترام للمواعيد، والصدق في القول والعمل، والتشبث بتعاليم دينهم مع الانفتاح الإيجابي على ثقافة الغرب، خصوصا على تلك الجوانب التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، والدعوة إلى الإسلام التي تبدأ من الدعوة إلى كأس شاي وإفشاء التحية وغير ذلك من الأمور التي تبدو حقيرة لكنها ذات تأثير لا حدود له.



    لكن المتمعن في حال المسلمين اليوم في الغرب، يلاحظ أن مثل هذه الجوانب السمحة للإسلام تكاد تنعدم لتحل محلها سلوكيات مذمومة كالسرقة، والتزوير، والعداء لكل ما هو غربي، واستغلال عواطف الأجنبيات من أجل تحقيق الوضعية القانونية، ونحو ذلك من الأخلاق المنحرفة التي لا تمت بصلة إلى الإسلام. لذلك يبدو لنا أن أكبر سبب مسؤول عن تراجع شأن الإسلام في عيون الغربيين، وتراجع قيمة المسلمين في المجتمع الغربي، يكمن في ذلك الجانب الذاتي الذي إن غيره الإنسان وتنازل عن كبره وغروره، تغيرت معه الجوانب الواقعية التي تحكم علاقة المسلمين بأنفسهم وبالآخرين، ولا أحد يخفى عنه قول الله تعالى:{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}؛ آية كريمة تتردد على ألسنة المسلمين ليل نهار، لكن ما أرادوا بعد إدراك مغزاها. إذن فالخلل الكبير الذي ينيخ بكلكله على المسلمين عامة، يتجلى في تلك النفس التي لا تريد أن تتغير من السئ إلى الحسن أو من الأسوأ إلى الأحسن.



    على هذا المضمار،إذن، يتشكل هذا المقال تارة محاولا التساؤل بجرأة حول تناقضاتنا الرهيبة التي لا يقبلها عقل إنسان عاقل وبالأحرى يقبلها عقل مسلم عاقل، وتارة أخرى مشيرا إلى الأخطار المحدقة بنا وبأجيالنا القادمة ونحن نواجهها بأيد مكتوفة وببرودة دم.



    كبرياء الغرب وانخداع المسلمين



    بالرغم من أن العالم الغربي عموما والمنظومة الأوروبية بخاصة، تعتبر نفسها قد قطعت أشواطا جد طويلة على درب حقوق الإنسان، من مساواة وحق التعبير وحرية التدين وتوفير العيش الكريم لكل أفراد المجتمع وما إلى ذلك من الحقوق المفقودة في العالم الثالثي بما فيه العالم الإسلامي والعربي. بالرغم إذن من هذه المكاسب التي تزيد من درجة صلف الغرب وكبريائه، فإن ثمة أمورا خفية يندى لها الجبين، ويتجمد لمجرد سماعها الدم في العروق، بل وتنهار قيمة وكبرياء هذا الأقنوم في أعين العقلاء. وهي في الحقيقة أمور لا يعلمها إلا من يعيش داخل هذا الغرب ويعايش تحولاته وتبدلا ته الاجتماعية والثقافية والأخلاقية وما إلى ذلك. أما من يعاين هذا الغرب من الخارج فلا تبدو له إلا الأشياء الجميلة والخلابة التي تستهوي القلب وتأسر اللب، وحتى لو أنك وصفت له الجانب السلبي والرهيب من هذا العالم فلا يصدق روايتك ولا يولي اهتماما لكلامك. وحتى لو أنه يرى بأم العين ما تفعل أيدي الغرب في العراق وغير العراق، الذي تخبط فيه الجنود الأمريكية والمتأمركة خبط عشواء، لا تهمها حقوق الإنسان التي ُيتبجح بها في المحافل العالمية، وُتعد لها المؤتمرات تلو المؤتمرات بمال فقراء الجنوب وبنفط العرب والمسلمين الذين يرسلون أبناءهم قهرا وقسرا نحو هذا الغرب لينظفوا مراحيضه ودورات مياهه، حتى ينالوا لقمة العيش التي فقدوها في ديارهم.



    ما هي يا ترى تلكم الأمور الخفية؟ وكيف يمكن لهذا الغرب الذي صرف دهورا متتالية في بناء صرح حضارته، أن تمسخه تلك الأمور وتنال من صلفه وكبريائه؟ وكيف نزن هذه الأمور بميزان قد لا يناسب شكل ومحتوى هذه الموزونات نحن المبهورين بمكتسبات ومخترعات الغرب منذ الوهلة الأولى؟ ألسنا نعيش في عمق التناقض مع ذواتنا وأفكارنا؛ فتارة نتماهى مع الآخر، وتارة أخرى نجعله مرمى لألسنتنا اللاذعة فنصوب إليه هجاءنا أو شتائمنا لما نريد البكاء على أطلالنا أو حظنا أو هزائمنا الميدانية أو إحباطاتنا النفسية؟



    هذه التساؤلات وغيرها ذات الطابع الوجودي والمنحى المصيري تحيل بشكل أو بآخر على ما هو حضاري في سياق جدلي متداخل ومتعدي؛ فالأمور التي تبدو واقعية ويومية روتينية تساهم في بناء ما هو ثقافي وتشكيل قسمات كل حضارة إنسانية في زمان ومكان معينين. فإذا كانت ثلة من رجال الفكر تعتقد أن العد العكسي للحضارة الغربية قد بدأ، فإن الإنسان العادي الذي يقارن بين ما وصل إليه الغرب الذي هاجر إليه، وبين ما يتخبط فيه وطنه من تقهقر وتخلف ومشاكل، يرى أن رأي المفكرين مجرد هراء في هراء، لأنه لا يؤمن إلا بالملموس والمشاهد، أما ما تشير إليه التنبؤات والاستقراءات فهو من باب الأحلام وأضغاثها. ليس هذا هو حال الإنسان العادي فقط، لكنه أيضا هو حال الحاكمين والأجهزة المسيرة لأغلب دول الجنوب؛ فهذه نتيجة منطقية تعبر عن درجة وعي المجتمع برمته حيث الحاكم حصيلة لأداء واختيار المجتمع ومكوناته البشرية والمؤسسية.



    هكذا نجد أنفسنا أمام ثنائية ضدية؛ نقبل الذهاب إلى الغرب وننفر من أفكاره، نحلم بثرواته ومادياته ونرفض سلوكاته وقيمه، نتسول عبر أرجاء عواصمه ونتلقى عطاياه وهباته وفي نفس الوقت نتحداه بالقيل والقال والشعارات ولا نعترف بالجميل، إننا حقا أمام ازدواجية عويصة في أفكارنا وتصرفاتنا، تجعل منا مخلوقا ذا وجهين أو شخصيتين؛ ترانا ألسنا بدأنا نخرق الشرعة التي وضعها وسنها لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فنعامل الآخر على أساس من البغض والشحناء، فنسئ ليس لذلك الآخر وإنما لأنفسنا وهويتنا وديننا الذي يصير في أعين الآخرين مجرد أداة عنف واستغلال وما إلى ذلك؟ ألسنا بدأنا ندخل في دائرة النفاق الذي نهانا عنه الإسلام فنعامل غير المسلم بحقارة وحطة ونحن نعيش من ماله ومساعداته بل وفي دياره؟ ألم نقبل بالقوانين الغربية عندما قبلنا الاستقرار عنده والتجنس بجنسيته، والآن نربي أجيالنا على بغض هذا المضيف الذي فتح لنا باب دولته وأكرمنا وأحسن ضيافتنا؟ ألم نتعلم بعد التعامل بسماحة الإسلام وتسامح نبيه صلى الله عليه وسلم، حتى نتمكن من إيصال الجانب السمح من الإسلام، كما فعل التجار المسلمون الأوائل الذين تمكنوا بسماحة الإسلام وقيمه النبيلة من أن يجذبوا إلى الإسلام أقواما عديدة ما زالت تتوارث الإسلام وتذود عنه وتحفظ حماه؟



    أعود وأقول إن هذا الخطاب ليس موجه إلى الآخر بقدر ما هو موجه إلينا وإلى ذواتنا، قصد تحقيق ولو أدنى درجة من نقد الذات. وهو كذلك لا يسعى إلى الإعلاء من شأن الغرب أو التخفيض من شأننا أو العكس، بل يروم الكشف عن حقيقة ما يجري في علاقتنا مع الآخر ولا نعي ذلك إلا بعد فوات الأوان. كما أنه يحاول فهم حقيقة التناقض والتضاد الذي بدأ يعتري قيمنا وهويتنا، فصرنا نسلم كل التسليم بأمور لا يقبلها الدين ولا يستسيغها العرف.



    * شاعر وكاتب مغربي مقيم بهولندا

    tijanib@yahoo.com

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X