بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مأجورين يا شيعة على مصاب السجاد عليه السلام .
ولد الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو يحمل في تركيبه الروحي والمعنوي أكبر الإمكانيات وأعظم الطاقات من هذه السلسلة المقدسة.. وهكذا كان الإمام السجاد (عليه السلام) النموذج المتكامل القادر على تحمل الآلام والصعاب حفاظاً على جوهر الرسالة المحمدية بعد واقعة كربلاء من الأخطار التي تواجهها من قبل أعدائها وتلك الوجهة المتميزة لإمامنا زين العابدين (عليه السلام) ونحن نستذكر تلك المناقب والمزايا في عالم نحتاج فيه إلى تلك الشعلة التي لا تنطفئ، لقد ولدت مناقب الإمام مع ولادته، لتحمل إلينا نبراس الثورة الحسينية تلك المعركة الخالدة ..الطف... تلك القيم والمبادئ.. ولد الإمام زين العابدين (عليه السلام) وهو يحمل جميع المناقب التي كان يحملها أهل بيت النبوة من مبادئ إسلامية سامية.
ولد الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) بالمدينة سنة 38 للهجرة في أيام جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). وعاش في عصر يسود فيه القلق والاضطراب فكان عليه أن يحضر المأساة في معركة الحسين (عليه السلام) وأصحابه البررة يوم عاشوراء ليستكمل منهج الله ورسوله وأوليائه الصالحين.
أمه: شاه زنان بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس، وقيل أن اسمها شهربانويه.
كنيته: أبو محمد أو (أبو الحسن)
هيبته ومنزلته
اجتمعت في شخصيته (عليه السلام) جميع صفات أهل البيت (عليهم السلام) فكان مثالاً للعلم والفقه ونموذجاً للأخلاق والكرم ومثالاً للسخاء والشجاعة وللصبر وكظم الغيظ وكان من أحسن الناس وجهاً وأكثرهم ألقاً، لقد كان عالماً عابداً وثقة لدى الجميع. فكان ذو منزلة بين الناس حتى أن هذه المنزلة العظيمة جعلت الأمراء والحكام يحسدونه عليها، والتاريخ يذكر لنا على ذلك شواهد كثيرة منها:
لما حجّ هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة اجتهد أن يستلم الحجر الأسود فلم يمكنه ذلك، وجاء علي بن الحسين (عليه السلام) فتوقف له الناس، وتنحّوا حتى استلم الحجر، فقال جماعة لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه (مع أنه كان يعرفه أنه علي بن الحسين) فسمعه الفرزدق، فقال: لكن هذا علي بن الحسين زين العابدين وراح ينشد هذه الأبيات:
هذا الذي تعرف البطحاء وطـأته***والبيت يعـــــرفه والـــــحلّ والحرمُ
هذا ابن خير عبــــــاد الله كلــّهم***هذا التــــقي النــــــقي الطاهر العلمُ
يكاد يمســــــكه عــــرفان راحته***ركن الحـــــطيم إذا مـــا جاء يستلمُ
يُغضي حياء ويُغضى من مهابته***فما يكــــــلّم إلا حــــــين يبتـــــــسمُ
إذا رأته قــــــريش قـــــال قائلها***إلى مكـــــــارم هــــــذا ينتهي الكرمُ
إن عُدَّ أهل التـــقى كانوا أئمتهم***أو قيل من خير أهل الأرض قيل همُ
هذا أبن فاطمة إن كــــنت جاهله***بجــــــدّه أنبــــــــــياء الله قد خُتموا
وليس قولك من هذا بضـــــائره***العـــــرب تعرف مـن أنكرت والعجمُ
إلى آخر القصيدة التي حفظتها الأمة...
وقد ثقل ذلك على هشام فأمر بحبسه، فحبسوه بين مكة والمدينة، ثم أخرج من الحبس فوجّه إليه علي بن الحسين (عليه السلام) عشرة آلاف درهم وقال: (اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به) فردّها الفرزدق وقال: ما قلت ما كان إلا لله، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) (قد رأى الله مكانك فشكرك، ولكنّا أهل بيت إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه) وأقسم عليه فقبلها.
عبادته
كان (عليه السلام) كثير العبادة، وكان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه، أي غشي لونه كأنه يرى الله كيف لا وهو وريث الأنبياء، وكيف لا تكون حياته قطعة نور مشرقة، وهو يصلي كما يقول نجله الإمام الباقر (عليه السلام) في اليوم والليلة ألف ركعة، فكان يقول أن العبد لا تقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه بقلبه.
سيرته
ويوم كان علي بن الحسين الذي بقي صامداً كالجبل الأشم وهو ينتظر بقلبه الصبور صمود الشهادة وتدور رحى معركة كربلاء وتطحن سيوف بني أمية تلك النخبة الطاهرة الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأنصاره. لقد توهم الطغاة إيقاف حركة الإمامة وولاية العصمة الطاهرة بشهادة الإمام الحسين (عليه السلام). لكن هيهات لأن الله متمٌّ نوره ولو كره الكافرون.. فكيف استنكر زين العابدين (عليه السلام) وقد شارف على قصر بن زياد وقد أزدحم الناس حول السبايا وضجوا بالبكاء يومئذ قال لهم (عليه السلام): أتنوحون وتبكون فمن ذا الذي قتلنا؟).
وبقي جرح علي بن الحسين (عليه السلام) لما يندمل بعد حتى فارق الحياة عام 95هـ.
فكيف كانت سيرته (عليه السلام) وحياته؟
لقد كانت حياته (عليه السلام) لوحة إيمانية نقية ولكل سلوك قصة ومن مواقفه:
أنه كان عنده ضيوف فاستعجل خادم له بشواء كان في التنور فأقبل به الخادم فسقط السفود على رأس لعلي بن الحسين تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال علي للغلام وقد تحير الغلام واضطرب: (أنت حر فأنك لم تعتمده وأخذ في جهاز ابنه ودفنه)(1).
وفي موقف آخر كان الإمام (عليه السلام) خارجاً فلقيه رجل فسبه، فثارت إليه العبيد والموالي، فقال لهم: مهلاً، ثم أقبل على ذلك الرجل وقال: ما ستر عليكم من أمرنا أكثر! ألك حاجة نعينك عليها!!
فاستحى الرجل، فالقى إليه خميصة (وهو كساء أسود) كانت عليه، وأمر له بألف درهم. فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسل(2)
ـ كان بينه وبين ابن عمه الحسن بن الحسن شيء من المنافرة، فجاء الحسن إلى علي وهو في المسجد مع أصحابه، فما ترك شيئاً إلا قاله من الأذى وهو ساكت، ثم انصرف الحسن، فلما كان الليل أتاه في منزله، قرع عليه الباب، فخرج الحسن إليه، فقال له علي: يا أخي إن كنت صادقاً فيما قلت لي فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك، والسلام عليك ورحمة الله، ثم ولى فاتبعه الحسن والتزمه من خلفه، وبكى حتى رق له، ثم قال: والله لا عدت إلى أمر تكرهه(3).
لما خرج بنو أمية من المدينة إلى الشام في واقعة الحرة آوى إليه ثقل مروان بن الحكم، وامرأته عائشه بنت عثمان بن عفان، وقد كان مروان بن الحكم لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد على المدينة كلم عبد الله بن عمر أن يغيب أهله عنده، فأبى ابن عمر أن يفعل، وكلم مروان علي بن الحسين وقال: إن لي رحماً، وحرمي تكون مع حرمك.
قال: افعل
فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم بينبع بالبغيضية .. وهذا منتهى مكارم الأخلاق، والمجازاة على الإساءة بالإحسان(4).
إحسانه وكرمه
كان الإمام يتّبع منهجاً فريداً في زرع القيم حيث يشتري العبيد ويعتقهم بعد أن يوفر لهم كل مستلزمات الآمان والاطمئنان فكانوا يرون السعادة والحياة مع الإمام (عليه السلام).
قال الإمام الباقر (عليه السلام) واصفاً أباه (عليه السلام): كان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى، والاضراء، والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، ومن كان منهم له عيال حمل له إلى عياله من طعامه، وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله(5).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): كان علي بن الحسين يعجب بالعنب، فدخل منه إلى المدينة شيء حسن، فاشترت منه أم ولده شيئاً واتته به عند إفطاره فاعجبه، فقبل أن يمد يده وقف بالباب سائل فقال لها: أحمليه.
قالت: يا مولاي بعضه يكفيه.
قال: لا والله، وأرسله إليه كله، فاشترت له من غد واتت به، فوقف السائل ففعل مثل ذلك. فارسلت فاشترت له وأتت في الليلة الثالثة، ولم يأت سائل فأكل وقال: ما فاتنا منه شيء والحمد لله (6).
دخل عليه محمد بن أسامه بن زيد في مرضه، فجعل محمد يبكي. فقال له الإمام علي (عليه السلام)، ما شأنك؟
قال: عليّ دين.
فقال له: كم هو؟
فقال خمسة عشر ألف دينار.
فقال علي بن الحسين (عليه السلام): هو عليّ، فالتزمه عنه(7).
أجوبته وحكمه
سئل (عليه السلام) عن العصبية؟
فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن العصبية أن يعين قومه على الظلم(8).
قال (عليه السلام): كم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بحسن الستر عليه، وكم من مستدرج بالإحسان إليه)(9).
وقال (عليه السلام): (ثلاث منجاة للمؤمن: كف لسانه عن الناس باغتيابهم، واشتغاله بنفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته.
وقال (عليه السلام): (استحي من الله لقربه منك)(10).
وقيل له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟
فقال (عليه السلام): أصبحت مطلوباً بثمان: الله تعالى يطلبني بالفرائض، والنبي وآله بالسنة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتباعه، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب(11).
آخر أيامه ووفاته
استمرت ذكريات كربلاء وتلك النكبات والخطوب في قلب الإمام السجاد (عليه السلام) لكنه بقي صابراً، لأنه اتخذ من الدعاء رمزاً وموقفاً لدفع كيد الأعداء ورد ظلمهم، فكان لذلك أكبر الأثر في الصبر والمواجهة ولم يكن يلزم نفسه بذلك فقط بل كان يوصي الآخرين من أهل بيته (عليهم السلام). وهكذا لقد بقي الإمام زين العابدين (عليه السلام) في قلوب الآخرين وأنغمس ذكره في عواطفهم وأحاسيسهم، لم لا وهو المعصوم الذي أوصى به جده الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله) كما أوصى بباقي العترة الطاهرة... لقد تحدث الناس بإعجاب عن ذلك العالم والفقيه فكان سعيداً من تشرف بمقابلته.
لكن ذلك شق كثيراً على الأمويين، فكان الوليد بن عبد الملك من أكثر الحاقدين والمتآمرين عليه حتى روي عن الزهري قول الوليد بن عبد الملك: (لا راحة لي وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا) لذا صمم على اغتياله فأرسل من يدس السم إليه. وبقي الإمام يشكو ويناجي ربه ولما تزاحم الناس حوله راح يثني على ربه لما رزقه الشهادة والانتقال إلى جوار جده وهكذا انتقلت روحه المقدسة الطاهرة فجرى له تشييع حافل يجلله ذلك الخشوع وذلك الإحساس العميق بفقدان تلك الروح الطاهرة وازدحم أهالي يثرب على جنازته (عليه السلام) وبقي الإمام الباقر حاملاً وصية أبيه وقد هرع الناس يعزونه بذلك المصاب الأليم.
الهوامش
1 ـ الإمام السجاد قدوة وأسوة. محمد تقي المدرسي. ص63.
2 ـ إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار 208.
3 ـ صفة الصفوة 2/53.
4 ـ الإمام زين العابدين، أحمد فهمي محمد، ص49.
5 ـ أعيان الشيعة 4 ق1/448.
6 ـ بحار الأنوار 11/20.
7 ـ كشف الغمة / 200.
8 ـ المدخل إلى موسوعة العتبات المقدسة.
9 ـ فضائل الإمام زين العابدين (عليه السلام)، علي مغنية 219.
10 ـ الإمام زين العابدين للمقرم 201 ـ 220.
11 ـ أعيان الشيعة 4 ق1/ 543.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مأجورين يا شيعة على مصاب السجاد عليه السلام .
ولد الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو يحمل في تركيبه الروحي والمعنوي أكبر الإمكانيات وأعظم الطاقات من هذه السلسلة المقدسة.. وهكذا كان الإمام السجاد (عليه السلام) النموذج المتكامل القادر على تحمل الآلام والصعاب حفاظاً على جوهر الرسالة المحمدية بعد واقعة كربلاء من الأخطار التي تواجهها من قبل أعدائها وتلك الوجهة المتميزة لإمامنا زين العابدين (عليه السلام) ونحن نستذكر تلك المناقب والمزايا في عالم نحتاج فيه إلى تلك الشعلة التي لا تنطفئ، لقد ولدت مناقب الإمام مع ولادته، لتحمل إلينا نبراس الثورة الحسينية تلك المعركة الخالدة ..الطف... تلك القيم والمبادئ.. ولد الإمام زين العابدين (عليه السلام) وهو يحمل جميع المناقب التي كان يحملها أهل بيت النبوة من مبادئ إسلامية سامية.
ولد الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) بالمدينة سنة 38 للهجرة في أيام جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). وعاش في عصر يسود فيه القلق والاضطراب فكان عليه أن يحضر المأساة في معركة الحسين (عليه السلام) وأصحابه البررة يوم عاشوراء ليستكمل منهج الله ورسوله وأوليائه الصالحين.
أمه: شاه زنان بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس، وقيل أن اسمها شهربانويه.
كنيته: أبو محمد أو (أبو الحسن)
هيبته ومنزلته
اجتمعت في شخصيته (عليه السلام) جميع صفات أهل البيت (عليهم السلام) فكان مثالاً للعلم والفقه ونموذجاً للأخلاق والكرم ومثالاً للسخاء والشجاعة وللصبر وكظم الغيظ وكان من أحسن الناس وجهاً وأكثرهم ألقاً، لقد كان عالماً عابداً وثقة لدى الجميع. فكان ذو منزلة بين الناس حتى أن هذه المنزلة العظيمة جعلت الأمراء والحكام يحسدونه عليها، والتاريخ يذكر لنا على ذلك شواهد كثيرة منها:
لما حجّ هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة اجتهد أن يستلم الحجر الأسود فلم يمكنه ذلك، وجاء علي بن الحسين (عليه السلام) فتوقف له الناس، وتنحّوا حتى استلم الحجر، فقال جماعة لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه (مع أنه كان يعرفه أنه علي بن الحسين) فسمعه الفرزدق، فقال: لكن هذا علي بن الحسين زين العابدين وراح ينشد هذه الأبيات:
هذا الذي تعرف البطحاء وطـأته***والبيت يعـــــرفه والـــــحلّ والحرمُ
هذا ابن خير عبــــــاد الله كلــّهم***هذا التــــقي النــــــقي الطاهر العلمُ
يكاد يمســــــكه عــــرفان راحته***ركن الحـــــطيم إذا مـــا جاء يستلمُ
يُغضي حياء ويُغضى من مهابته***فما يكــــــلّم إلا حــــــين يبتـــــــسمُ
إذا رأته قــــــريش قـــــال قائلها***إلى مكـــــــارم هــــــذا ينتهي الكرمُ
إن عُدَّ أهل التـــقى كانوا أئمتهم***أو قيل من خير أهل الأرض قيل همُ
هذا أبن فاطمة إن كــــنت جاهله***بجــــــدّه أنبــــــــــياء الله قد خُتموا
وليس قولك من هذا بضـــــائره***العـــــرب تعرف مـن أنكرت والعجمُ
إلى آخر القصيدة التي حفظتها الأمة...
وقد ثقل ذلك على هشام فأمر بحبسه، فحبسوه بين مكة والمدينة، ثم أخرج من الحبس فوجّه إليه علي بن الحسين (عليه السلام) عشرة آلاف درهم وقال: (اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به) فردّها الفرزدق وقال: ما قلت ما كان إلا لله، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) (قد رأى الله مكانك فشكرك، ولكنّا أهل بيت إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه) وأقسم عليه فقبلها.
عبادته
كان (عليه السلام) كثير العبادة، وكان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه، أي غشي لونه كأنه يرى الله كيف لا وهو وريث الأنبياء، وكيف لا تكون حياته قطعة نور مشرقة، وهو يصلي كما يقول نجله الإمام الباقر (عليه السلام) في اليوم والليلة ألف ركعة، فكان يقول أن العبد لا تقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه بقلبه.
سيرته
ويوم كان علي بن الحسين الذي بقي صامداً كالجبل الأشم وهو ينتظر بقلبه الصبور صمود الشهادة وتدور رحى معركة كربلاء وتطحن سيوف بني أمية تلك النخبة الطاهرة الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأنصاره. لقد توهم الطغاة إيقاف حركة الإمامة وولاية العصمة الطاهرة بشهادة الإمام الحسين (عليه السلام). لكن هيهات لأن الله متمٌّ نوره ولو كره الكافرون.. فكيف استنكر زين العابدين (عليه السلام) وقد شارف على قصر بن زياد وقد أزدحم الناس حول السبايا وضجوا بالبكاء يومئذ قال لهم (عليه السلام): أتنوحون وتبكون فمن ذا الذي قتلنا؟).
وبقي جرح علي بن الحسين (عليه السلام) لما يندمل بعد حتى فارق الحياة عام 95هـ.
فكيف كانت سيرته (عليه السلام) وحياته؟
لقد كانت حياته (عليه السلام) لوحة إيمانية نقية ولكل سلوك قصة ومن مواقفه:
أنه كان عنده ضيوف فاستعجل خادم له بشواء كان في التنور فأقبل به الخادم فسقط السفود على رأس لعلي بن الحسين تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال علي للغلام وقد تحير الغلام واضطرب: (أنت حر فأنك لم تعتمده وأخذ في جهاز ابنه ودفنه)(1).
وفي موقف آخر كان الإمام (عليه السلام) خارجاً فلقيه رجل فسبه، فثارت إليه العبيد والموالي، فقال لهم: مهلاً، ثم أقبل على ذلك الرجل وقال: ما ستر عليكم من أمرنا أكثر! ألك حاجة نعينك عليها!!
فاستحى الرجل، فالقى إليه خميصة (وهو كساء أسود) كانت عليه، وأمر له بألف درهم. فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسل(2)
ـ كان بينه وبين ابن عمه الحسن بن الحسن شيء من المنافرة، فجاء الحسن إلى علي وهو في المسجد مع أصحابه، فما ترك شيئاً إلا قاله من الأذى وهو ساكت، ثم انصرف الحسن، فلما كان الليل أتاه في منزله، قرع عليه الباب، فخرج الحسن إليه، فقال له علي: يا أخي إن كنت صادقاً فيما قلت لي فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك، والسلام عليك ورحمة الله، ثم ولى فاتبعه الحسن والتزمه من خلفه، وبكى حتى رق له، ثم قال: والله لا عدت إلى أمر تكرهه(3).
لما خرج بنو أمية من المدينة إلى الشام في واقعة الحرة آوى إليه ثقل مروان بن الحكم، وامرأته عائشه بنت عثمان بن عفان، وقد كان مروان بن الحكم لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد على المدينة كلم عبد الله بن عمر أن يغيب أهله عنده، فأبى ابن عمر أن يفعل، وكلم مروان علي بن الحسين وقال: إن لي رحماً، وحرمي تكون مع حرمك.
قال: افعل
فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم بينبع بالبغيضية .. وهذا منتهى مكارم الأخلاق، والمجازاة على الإساءة بالإحسان(4).
إحسانه وكرمه
كان الإمام يتّبع منهجاً فريداً في زرع القيم حيث يشتري العبيد ويعتقهم بعد أن يوفر لهم كل مستلزمات الآمان والاطمئنان فكانوا يرون السعادة والحياة مع الإمام (عليه السلام).
قال الإمام الباقر (عليه السلام) واصفاً أباه (عليه السلام): كان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى، والاضراء، والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، ومن كان منهم له عيال حمل له إلى عياله من طعامه، وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله(5).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): كان علي بن الحسين يعجب بالعنب، فدخل منه إلى المدينة شيء حسن، فاشترت منه أم ولده شيئاً واتته به عند إفطاره فاعجبه، فقبل أن يمد يده وقف بالباب سائل فقال لها: أحمليه.
قالت: يا مولاي بعضه يكفيه.
قال: لا والله، وأرسله إليه كله، فاشترت له من غد واتت به، فوقف السائل ففعل مثل ذلك. فارسلت فاشترت له وأتت في الليلة الثالثة، ولم يأت سائل فأكل وقال: ما فاتنا منه شيء والحمد لله (6).
دخل عليه محمد بن أسامه بن زيد في مرضه، فجعل محمد يبكي. فقال له الإمام علي (عليه السلام)، ما شأنك؟
قال: عليّ دين.
فقال له: كم هو؟
فقال خمسة عشر ألف دينار.
فقال علي بن الحسين (عليه السلام): هو عليّ، فالتزمه عنه(7).
أجوبته وحكمه
سئل (عليه السلام) عن العصبية؟
فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن العصبية أن يعين قومه على الظلم(8).
قال (عليه السلام): كم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بحسن الستر عليه، وكم من مستدرج بالإحسان إليه)(9).
وقال (عليه السلام): (ثلاث منجاة للمؤمن: كف لسانه عن الناس باغتيابهم، واشتغاله بنفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته.
وقال (عليه السلام): (استحي من الله لقربه منك)(10).
وقيل له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟
فقال (عليه السلام): أصبحت مطلوباً بثمان: الله تعالى يطلبني بالفرائض، والنبي وآله بالسنة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتباعه، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب(11).
آخر أيامه ووفاته
استمرت ذكريات كربلاء وتلك النكبات والخطوب في قلب الإمام السجاد (عليه السلام) لكنه بقي صابراً، لأنه اتخذ من الدعاء رمزاً وموقفاً لدفع كيد الأعداء ورد ظلمهم، فكان لذلك أكبر الأثر في الصبر والمواجهة ولم يكن يلزم نفسه بذلك فقط بل كان يوصي الآخرين من أهل بيته (عليهم السلام). وهكذا لقد بقي الإمام زين العابدين (عليه السلام) في قلوب الآخرين وأنغمس ذكره في عواطفهم وأحاسيسهم، لم لا وهو المعصوم الذي أوصى به جده الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله) كما أوصى بباقي العترة الطاهرة... لقد تحدث الناس بإعجاب عن ذلك العالم والفقيه فكان سعيداً من تشرف بمقابلته.
لكن ذلك شق كثيراً على الأمويين، فكان الوليد بن عبد الملك من أكثر الحاقدين والمتآمرين عليه حتى روي عن الزهري قول الوليد بن عبد الملك: (لا راحة لي وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا) لذا صمم على اغتياله فأرسل من يدس السم إليه. وبقي الإمام يشكو ويناجي ربه ولما تزاحم الناس حوله راح يثني على ربه لما رزقه الشهادة والانتقال إلى جوار جده وهكذا انتقلت روحه المقدسة الطاهرة فجرى له تشييع حافل يجلله ذلك الخشوع وذلك الإحساس العميق بفقدان تلك الروح الطاهرة وازدحم أهالي يثرب على جنازته (عليه السلام) وبقي الإمام الباقر حاملاً وصية أبيه وقد هرع الناس يعزونه بذلك المصاب الأليم.
الهوامش
1 ـ الإمام السجاد قدوة وأسوة. محمد تقي المدرسي. ص63.
2 ـ إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار 208.
3 ـ صفة الصفوة 2/53.
4 ـ الإمام زين العابدين، أحمد فهمي محمد، ص49.
5 ـ أعيان الشيعة 4 ق1/448.
6 ـ بحار الأنوار 11/20.
7 ـ كشف الغمة / 200.
8 ـ المدخل إلى موسوعة العتبات المقدسة.
9 ـ فضائل الإمام زين العابدين (عليه السلام)، علي مغنية 219.
10 ـ الإمام زين العابدين للمقرم 201 ـ 220.
11 ـ أعيان الشيعة 4 ق1/ 543.