إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

معرفةُ الله بين العقل والنقل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معرفةُ الله بين العقل والنقل

    معرفةُ الله بين العقل والنقل

    بسم الله الرحمن الرحيم

    1. أغنى الغنى العقل

    إِنَّ أَغْنَى الْغِنَى الْعَقْلُ(1): كلمةٌ قالها إمامُ الكلمة، مولى الموحدين عليُّ بن أبي طالبٍ (عليه السلام) تختصر كثيراً من الكلام، وتُشَكِّلُ مع حديث النبي (صلى الله عليه وآله) جناحاً آخر يطير به الإنسان في سماء المعرفة، حينما قال (صلى الله عليه وآله): مَا قَسَمَ الله لِلْعِبَادِ شَيْئاً أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْل‏(2).

    لقد سبق المؤمنون سائرَ الناس في إدراك أهميّة العقل، إذ اجتمع عندهم أمران:

    أوّلهما: إدراك العقل بنفسه ما له من دورٍ في المعرفة والهداية، وما له من تأثير في حياة الإنسان، فإن الناس يتفاوتون بتفاوت عقولهم، فيتسامى أحدهم أو يتسافل بمقدار عقله وإعماله له.
    ثانيهما: أنهم آمنوا بربٍّ رحيم زوّدهم بهذا العقل، ثم أتبع ذلك بمن يُنَبِّهُ هذا العقل عند غفلته، ويرشده في مواطن جهله، وهم أنبياء الله ورسله (عليهم السلام).

    لقد صدّق هؤلاء كلام إمامهم (عليه السلام) حينما قال: قَدْ تَكْذِبُ الْعُيُونُ أَهْلَهَا، وَلَا يَغُشُّ الْعَقْلُ مَنِ اسْتَنْصَحَه‏(3)، فاعتمدوا على عقلهم الصادق الصدوق، فأرشدهم إلى خالقِهم ومُدبِّرهم، وقد بيّن صادق العترة (عليه السلام) بأرقى بيانٍ دور العقلِ وأهميّته فقال (عليه السلام): إنَّ أَوَّلَ الْأُمُورِ وَمَبْدَأَهَا وَقُوَّتَهَا وَعِمَارَتَهَا الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْ‏ءٍ إِلَّا بِهِ: الْعَقْلُ الَّذِي جَعَلَهُ الله زِينَةً لِخَلْقِهِ وَنُوراً لَهُمْ.
    فَبِالْعَقْلِ عَرَفَ الْعِبَادُ خَالِقَهُمْ، وَأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ، وَأَنَّهُ المدَبِّرُ لَهُمْ وَأَنَّهُمُ المدَبَّرُونَ، وَأَنَّهُ الْبَاقِي وَهُمُ الْفَانُونَ(4)..

    نعم بالعقل عرَفَ العبادُ خالقهم، إذ لم يكونوا فكانوا، فلا بُدَّ من موجدٍ لهم ولكلّ ما في الوجود، فالصدفة أو العبثية أو اللَّغوية لا تنسجم مع بناء هذا الكون بما فيه من دقّة متناهية وعلومٍ لا تزالُ تُلاعِبُ العلماء جيلاً بعد جيل، يتوهم كلُّ فريقٍ منهم أنه بلغ الغاية والمنتهى إذا ما فُتِحَ له بابٌ من العلوم غاب عمّن سواه، ليرى من كلّ بابٍ أبواباً مغلقةً فيُدرك كم هو بعيد عن جوهر العلوم، ويقرّ بخالق عظيم حكيمٍ مُدبِّرٍ غنيّ غير محتاج كاحتياج الخلق..

    ولولا ذلك، للزم القول بوجود المُسبَّبِ دون سببٍ.. ونقضُ قانون السببية هو نقضٌ لعروة العقل، وتضييعٌ لرأس مال الإنسان، إذ حينها يمكن أن يتولّد كلّ شيء من كلِّ شيء بلا أي سبب، ويلزم أن يحصلَ التأثر في المخلوقات دون مؤثِّرٍ.

    ولا يكاد يرى عاقلٌ في مثلِ هذا القول إلا نوعاً من الهرطقة، فإن زعم زاعمٌ أن عقلَه يقرّ بذلك، سرعان ما نراه يكذّب نفسه بنفسه حين يستنكر وجود آلةٍ متطورة كالسيارة والطائرة أو جهازٍ الكتروني من دون صانع، أو إنسان أو حيوانٍ من دون أبوين، أو نبات من دون أرضٍ يغرس فيها، وهلمّ جراً مما لا شبهة فيه، فيثبت بما لا يقبل النقاش قانون السببية، حيثُ أن لكلّ حدَثٍ سببٌ عند العقلاء(5).

    2. أين عقل المنكرين لله؟

    لكن.. إذا كان العقل لا يغشّ من استنصحه، وكان العقل دليلاً على الله تعالى، فلماذا لم يؤمن كثيرٌ من الناس به عزّ وجلّ؟ فهل خصّ الله تعالى بالعقل قوماً وحجبه عن سواهم؟ وهل كلّ من أنكر الله عز وجلّ كان فاقداً للعقل؟ وما تفسير ما نراه اليوم من إبداعات بشرية علميّة يشترك فيها المؤمن والكافر بالله؟

    إنّ تَعامُلَ العقل مع ما يواجهه من قضايا يختَلِفٌ بين قضيّة وأخرى، فليس مستوى إدراكه واحداً في كلّ المسائل، ولا هو سواء بين كافة الناس..
    ويُدرِكُ الإنسان بعقله جملةً من الأمور الجوهرية، ويستعين بمن يرشده إن غاب عنه شيء منها، ومما يدركه هذا العقل:

    أولاً: انّ إدراك العقل للحقائق موقوفٌ على إعطائه الحريّة في التفكير لئلا يكون تفكيراً مجتزءاً موجّهاً إلى اتجاه معين فيوصل إلى نتيجة محدّدة سلفاً، ويكون فاقداً لفاعليته وقدراته.
    إننا نرى المحقق في أي جريمةٍ ناجحاً كلّما تجرّد عن أهوائه وأتاح لنفسه التحقيق في كلّ الاحتمالات، ولم يستبعد بعضَها ويرجّح بعضها الآخر بحسب ميوله، أما إن وضع رغباته في خضمّ عمله تضاءل احتمال ادراكه للحقائق، وقد يصاب بخيبة أملٍ وفشلٍ كبيرين..
    كذلك العقل، لا يتمكّن من الإدراك إن كان مقيّداً بسلاسل الهوى، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى وَسَلِمَ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا(6). فالعقل وإن كان شاهداً ومرشداً وطريقاً ونوراً، وهو حجّة فيما يتوصل إليه، إلا أنه لمّا لم يكن معصوماً، كان لا بدّ من توفّر شروط خاصّة ليكون إدراكه حجّة ومصيباً للواقع، ومن هذه الشروط ما ذكره الإمام (عليه السلام) في هذا الحديث الشريف.

    ثانياً: ان العقل يدرك جزءً من القضايا في كلّ ظرف، فيما يكون إدراكه لجزءٍ آخر موقوفاً على مُقدَّماتٍ تؤهله لعبور سُلَّم العلم والمعرفة، فلا يتصوّر عاقلٌ أن الإنسان قادرٌ على إدراك كل العلوم دفعةً واحدة، إذ بعضها يتوقف على بعض، وبعضها يتوقّف على تعليمِ مُعلِّم..
    وهكذا المُدرَكات العقلية قد يكون بعضها واضحاً، وقد يحتاج بعضها إلى مُرشِدٍ ينبّه العقل الغافل عنها، فكان أن استدعت حكمَةُ الله تعالى ورحمته بالخلق أن: بَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُول‏(7).
    إنّ استخراج دفائن العقول وإثارتها هو دور الأنبياء والمرسلين، فيما يحتاج العقلُ فيه إلى مرشدٍ ومساعدٍ ليكون حُكمُه تاماً صحيحاً.
    ولا تزال البشريّة اليوم تؤكّد في كلّ تجربةٍ بعد أخرى وكلّ امتحانٍ تلوَ آخر أنها أبعد ما تكون عن الكمال المطلق، وعن المدينة الفاضلة، وأنها أحوج ما تكون اليوم إلى تعاليم السماء التي أتى بها الرُّسل، لتثير دفائن العقول، وتذكّر الناس بنعم الله المنسيّة، علّها تحافظ على جوهر الإنسانية نقيّاً غير ملوّث.

    ثالثاً: ان العقل رغم أهميّته هذه يدرِكُ عجزَه عن معرفة الكثير من المسائل، ومنها معظم أحكام الشرع الحنيف، فضلاً عن معظم الغيبيّات التي لا يتفطّن لها لولا دلالة النص عليها.
    بل تُدركُ عقول كلّ العلماء في كل اختصاصٍ ومجالٍ علميٍّ أن ما تمّ التوصل إليه رغم كلّ التطوّر الهائل لا يزيد عن كونه ظهوراً لطلائع العلوم التي تنفتح أبوابها يوماً بعد يوم، وأنّ ما لا نعرفه يفوق بكثيرٍ ما نعرفه اليوم، فإذا كان هذا حال الأرض وما حوَت فما بالُكَ بخبر السماء؟!

    لقد قيل لإمامنا الصادق (عليه السلام): فَهَلْ يَكْتَفِي الْعِبَادُ بِالْعَقْلِ دُونَ غَيْرِهِ؟
    قَالَ: إِنَّ الْعَاقِلَ لِدَلَالَةِ عَقْلِهِ الَّذِي جَعَلَهُ الله قِوَامَهُ وَزِينَتَهُ وَهِدَايَتَهُ عَلِمَ أَنَّ الله هُوَ الحقُّ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّهُ، وَعَلِمَ أَنَّ لِخَالِقِهِ مَحَبَّةً وَأَنَّ لَهُ كَرَاهِيَةً، وَأَنَّ لَهُ طَاعَةً وَأَنَّ لَهُ مَعْصِيَةً فَلَمْ يَجِدْ عَقْلَهُ يَدُلُّهُ عَلَى ذَلِكَ.
    وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَطَلَبِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِعَقْلِهِ إِنْ لَمْ يُصِبْ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ، فَوَجَبَ عَلَى الْعَاقِلِ طَلَبُ الْعِلْمِ والْأَدَبِ الَّذِي لَا قِوَامَ لَهُ إِلَّا بِهِ(8).

    3. تعدد الحجج الإلهية

    هوَ إذاً تَنَوُّعٌ في الحُجج الإلهية، ظاهرةً وباطنة، فالبداية من الباطنة وهي العقل، حيث يرشدُ الإنسانَ إلى الله تعالى وإلى أنبيائه ورسله، ثم يُسلِّمهم دفّة المسيرة كما قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم‏﴾(9).

    وإذا كان العقلُ قد يخطئ أحياناً لِسَبقِ شبهةٍ فلا يتوصّل إلى حقيقة وجود الله تعالى وتوحيده، فيحتاج إلى مُرشدٍ من رُسُلِ الله تعالى، كذلك قد يشتبه عقلُ المؤمن بالله تعالى في فهم بعض صفات الله تعالى، فيجعل لربّه شبيهاً أو مثيلاً، أو يظنّ أنه أحاط بعلوم ربه وبكنه حقيقته، أو يتوهم أن الله تعالى يحلّ في المكان كمخلوقاته، أو أنه يتّحد معها، أو يظن أن وجود المخلوقات هو عين وجود الله، وسواها من الأخطاء التي وقع فيها المقرّون بوجوده تعالى، فاحتاجوا أيضاً للأنبياء لتصحيح المسيرة العَقَدية والفكرية في أمّهات أبوابها.

    فالعقل وإن كان رأس المال الذي ينطلق منه الإنسان في مسيرته المعرفية والإدراكية، إلا أنه به وبالأنبياء من بعده تمّت حجة الله على العباد، قال إمامنا الصادق (عليه السلام): حُجَّةُ الله عَلَى الْعِبَادِ النَّبِيُّ، وَالْحُجَّةُ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ وَبَيْنَ الله الْعَقْلُ(10).

    ولذا ساغَ لنا أن نحتّج فيما يأتي من أبحاثٍ بالعقلِ القطعيِّ البعيد عن الأهواء، وبإرشاد المعصوم (عليه السلام) المنزّه عن كلّ نقصٍ وعيبٍ وخطأٍ وزلل إلى ما قد يغفل عنه العقل أو تطيح به الأهواء.
    وقد روي في الحديث الشريف ما قد نتلمّسه في كلّ مفصلٍ من مفاصل حياتنا، أنّ: مَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ، وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ، فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ، وَيَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَةٍ.
    قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ، وَأَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَهُ، وَوَلِهَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ، فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا وَلِمَنْ فِي يَدَيْهِ شَيْ‏ءٌ مِنْهَا(11).

    لَم يُعدَمِ الإنسان سُبُلَ المعرفةٍ إذاً، لكنّ هذه المعرفة موقوفة على شروط خاصة، أهمها سلامة العقل والقلب مما يأسرهما من هوىً أو حُبٍّ للدنيا، ومن عصبيّة تذر صاحبها في مصاف أعراب الجاهليّة.

    إذا تبيّنتَ ذلك، عرفتَ مقدار الوهم الذي غرق فيه من خالف آل محمد من المتصوّفة، ومقدار اختراق الشهوات عقولهم، حتى قال إمامهم الأكبر ابن عربي:
    التوحيد المدرك بالدليل العقلي لا يعول عليه(12).

    واتضح عندك الوجه في قوله:
    فصاحب العقل ينشد:
    وفي كل شي‏ء له آية تدل على أنه واحد
    وصاحب التجلي ينشد قولنا في ذلك:
    وفي كل شي‏ء له آية تدل على أنه عينه‏(13)

    فقد أوقف هؤلاء دور العقل في معرفة التوحيد! وجعلوا الله عين الأشياء، فزاغوا عن الصراط المستقيم..
    فالحمد لله على نعمة العقل والتعقُّل والإيمان والهداية.

    (1) نهج البلاغة ص475.
    (2) الكافي ج1 ص12.
    (3) نهج البلاغة ص525.
    (4) الكافي ج1 ص29.
    (5) لنا مناقشة مع هؤلاء الذين يؤول كلامهم إلى إنكار السببية في كتاب تحت عنوان: الإلحاد في مهبِّ الريح.
    (6) نهج البلاغة ص365.
    (7) أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة ص43.
    (8) الكافي ج1 ص29.
    (9) النساء 59.
    (10) الكافي ج1 ص25.
    (11) نهج البلاغة ص160.
    (12) مجموعة رسائل ابن عربي ج1، رسالة (لا يعول عليه) ص12.
    (13) الفتوحات المكية ج1 ص272، دار الصادر، بيروت، الطبعة الأولى، (أربع مجلدات)، وسائر الشواهد في كتابنا من (الفتوحات المكية) ترجع لهذه النسخة.

    من كتاب عرفان آل محمد ص23

    شعيب العاملي

  • #2
    كتابات في الميزان / معرفةُ الله بين العقل والنقل http://kitabat.info/subject.php?id=132576

    تعليق


    • #3
      احسنتم
      مشاركة رائعه بارك الله فيكم

      عن اميرالمؤمنين عليه السلام الأدب والدين نتيجة العقل )

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة مروان1400, 15-03-2024, 06:34 AM
      ردود 2
      21 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة مروان1400
      بواسطة مروان1400
       
      يعمل...
      X