إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

لبنان يفاجئ نفسه

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لبنان يفاجئ نفسه

    لبنان يفاجئ نفسه
    جوزف سماحة




    كان يوم أمس نوعاً من الأيام الذي تتأسس فيه الأوطان أو تخرب. لحظات مفصلية هي تلك التي يمر بها لبنان. نذهب نحو ابتداع التسوية أو نذهب نحو الانتحار. لم يكن يوازي الحشد الهائل في ساحة رياض الصلح وحولها إلا نضج الكلمات التي قالها حسن نصر الله: واضحة، قاطعة، حوارية، مبدئية، مسؤولة. إنها السياسة بالمعنى النبيل للكلمة، المعنى الذي يخشى المرء ألا تلتقطه قوى سياسية واهمة، خفيفة، تراءى لها أن أخذ لبنان إلى حيث تريد كناية عن نزهة في أرض خلاء، أي عن قرار يتخذ بعد حوار يتم إجراؤه مع النفس.
    إن اجتماع مئات الآلاف، وهذا اعتراف، هو محط استغراب فعلي. من أين أتى هؤلاء كلهم بعد ركام الأخطاء التي ارتكبت ضدهم؟ لقد أدت سياسات معينة إلى تجويف البلد، وإضعاف مناعته، وقذف الآلاف من أبناء شعبه إلى اليأس، والإحباط، والاعتراض، والهجرة. لكن الحس الشعبي أحسن التمييز بين ما يتوجب الوقوف ضده وما يتوجب الدفاع عنه. كان شعب لبنان، أمس،
    مفاجأة لنفسه. أدرك أن ما يستهدفه يتلطى وراء الغلط ولكنه ينوي محاسبته على أفضل ما دافع عنه: على الحسم في هوية الوطن، وعلى السلم الأهلي، وعلى الاختيار الإقليمي الاستراتيجي، وعلى العداء لإسرائيل، وعلى رفض الغزوة الكولونيالية المتقدمة وراء شعارات برّاقة كررها جورج بوش أمس.
    وإذا كان من استدراك واجب فهو ذلك الذي يعترف بأن شعب لبنان لم يكن كله على الموعد أمس. هذا واقع. ولكن هذه هي التعددية الحقيقية والديموقراطية الحقيقية. ويمكن حتى المغامرة بالقول إنه لا أحد يعرف أين تقف الأكثرية، وإن وظيفة الانتخابات حسم الأمر. غير أنه ما من شك في أن الوضع اللبناني يمر في سيولة ملحوظة. ثمة تبادل محتمل للأكثرية والأقلية. ان ما بعد ساعات وأيام من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليس هو، بالضرورة، ما هو بعد ساعات من إطلاق الوعد بإعادة إيقاف العلاقات السورية اللبنانية على رجليها، والرهان على إمكان تنقيتها من الشوائب وقيادتها نحو أن تكون مميزة فعلاً. ويفترض أن يكون وضع ما بعد أمس غير ما كان قبل أيام.
    المهم أن الوحدة الوطنية هي، في هذه اللحظة، وحدة العلم والنشيد، لا وحدة المشاعر والوجدان والأهداف، ولا وحدة الانخراط في مشروع واحد يضع الثوابت جانباً ويتناقش في الباقي. ولقد كان مطلوباً جمع هذا الحشد الاستثنائي من أجل امتلاك شجاعة القول إن إصرار بعض المعارضة على أن الوحدة تحققت فوق أرض إيديولوجية سياسية، إن هذا الإصرار هو في أحسن الأحوال تزوير للحقيقة وفي أسوأ الأحوال تعبير عن رغبة دفينة في إلغاء الآخر.
    خطاب حسن نصر الله ينطلق من فرضية أن التباين موجود. لذا فهو مشبع بالدعوة إلى الحوار، وبالتعامل مع الظرف الراهن وكأنه ظرف تأسيسي، وباقتراح مبادئ عامة من أجل تجديد التعاقد الوطني وحمايته. وتكاد الرغبة في السجال تأخذ إلى الزعم بأن عدداً من زعماء المعارضة كان سيقول كلاماً أعلى نبرة بعشرات المرات لو كان أمام جمهور أقل من جمهور أمس بمئات المرات. إلا أن هذه الرغبة السجالية حول حالة افتراضية تحققت أمس إذ أن بعض الخطباء كانوا، عملياً، في صف من ينتقص من أهمية التظاهرة لا في صف من يضيف إليها.
    على أن الملاحظة الأخيرة لا يفترض أن تقود إلى الاستنتاج الذي توصلت إليه المعارضة والقائم على <<مناورة>> الاعتراف بتمثيلية <<حزب الله>> من أجل <<تحقير>> كل من يدافع عن <<فكرة ما>> عن لبنان وموقعه الإقليمي. وإذا كان هناك من استبق الاحتشاد بتبهيت قيمته، وبتعداد غير اللبنانيين فيه، وبالادعاء أن الحدود اللبنانية السورية فتحت من أجل استيراد المتظاهرين، إذا كان هناك من ارتضى هذا الابتذال حجة فإن ذلك حصل في سياق محدد يقول إن النصاب اللبناني تؤمنه المعارضة فما على <<الأحزاب الشيعية>> سوى الالتحاق والتخلي عن صفة <<الطائفة المارقة>>.
    <<حزب الله>> حزب تمثيلي بالطبع. وكذلك حركة <<أمل>>. غير أن خطاب نصر الله يخاطب، إلى حد بعيد، تياراً عريضاً في لبنان، وجمهوراً يفيض عن حاصل الجمع العددي للقوى الداعية إلى التظاهرة. يمكن لأي وطني لبناني أن يتماهى معه، وكذلك لأي عروبي، أو يساري، أو ديموقراطي، أو علماني، أو حتى لكثيرين ممن قيل لهم إن <<الأحمر والأبيض>> هما لونا الوطنية الجديدة.
    إن مضمون الوطنية اللبنانية، الذي عبّر عنه نصر الله أمس، يتقاطع ويختلف مع مضمون الوطنية الذي عبّر عنه كثيرون من متظاهري ومعتصمي ساحة الشهداء. لذا يمكن الرهان على أن التلاقي ممكن كما يمكن التحذير من إضاعة فرصة قد لا تتكرر.
    لقد مرّ التاريخ في ساحة رياض الصلح أمس. والقيادات الحقيقية تقاس بقدرتها على التقاط اللحظة، وعلى عدم تفويت الفرصة، وعلى استكشاف المشترك والبناء عليه، وعلى الحكمة في تقدير الظروف، إلخ...
    وعندما نقول <<مرّ التاريخ>> فهذا يعني أن خيارات مصيرية فعلاً مطروحة على اللبنانيين. لقد سقط خيار <<النفيين>> عندما ثبت أنهما لا يصنعان وطناً، ولم تكن مقنعة محاولة الأسابيع الأخيرة لابتناء أسطورة مؤسسة على قاعدة <<نفي>> واحد. إن العقد الوطني الجديد لا بد أن يستلهم <<اتفاق الطائف>> من أجل تطبيقه، وتحكيمه، مع ترك الحرية لمن يريد تجاوزه أن يفعل شرط أن يكون مدركاً أن كل تجاوز ارتدادي يهدد النسيج الوطني اللبناني.
    شهدت سياسة <<اليد الممدودة>> ترجمة أمينة أمس. حصل ذلك أمام مئات آلاف اللبنانيين. وحصل بعد قرار الانسحاب السوري. والأهم أنه حصل مرفقاً بصدقية من يمد اليد ومن هو قادر، إذا أراد، على لجم المحاولات الإدارية أو الأمنية لتحويل هذا الشعار إلى مجرد مناورة.
    إلا أن التقدير الواقعي يفرض ملاحظة أن ما جرى أمس لم يكن دعوة فحسب إلى حوار وطني واستعراض لجدول الأعمال. إن أي معارض نزيه، وتوحيدي، ووطني، لا بد له من الخلوص إلى أن ثمة بنوداً يصعب أن تجد مكاناً لها في جدول الأعمال. إنها تلك البنود المتضمنة في القرار 1559 والتي ثبت، بالدليل الملموس، أنها عنصر تفجير لأي توافق.
    إذا سلمنا أن وظيفة التظاهرات التعبير عن نبض. وأنه لا وجود لتظاهرات تضم جميع الموافقين على شعاراتها. إذا سلمنا بذلك جاز القول إن حجم ما شهدته بيروت أمس هو أكثر بكثير من مجرد إعادة التوازن، وأكثر من مجرد تثبيت التعددية. إنه، سياسياً، صياغة لمواضيع الحوار إدراجاً وحذفاً.
      
    يمكن الافتراض أن ملايين العرب كانوا شهوداً أمس على الحدث اللبناني. كما أن الملايين، أيضاً، كانوا شهوداً على التظاهرة التي أسقطت الحكومة. قيل في الثانية إنها رسالة بيروت الديموقراطية إلى العرب. حسناً. هناك قدر كبير من الصحة في هذه الملاحظة. ماذا يقال عن رسالة أمس؟ إنها رسالة لبنانية إلى العرب بأن البلد باق في خط الممانعة، وفي خط مقاومة الغزوة الكولونيالية المعطوفة على التوسعية الإسرائيلية، وإن هذا البقاء قابل لحماية ديموقراطية ولانحياز طوعي... وذلك برغم كل ما حصل. ربما كان من الواجب شكر الشعب اللبناني والاعتذار منه. لقد ذهب كثيرون منه إلى حيث الصواب، وهذه مفاجأة طيبة.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
ردود 2
9 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X