بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف خلقه سيدنا محمد واله الطاهرين, لاسيما بقية الله في الارضين المهدي المنتظر عجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من انصاره والمجاهدين في سبيل الله بين يديه وتحت رايته.
(الامام المهدي (عليه السلام) والتكامل الانساني)
تمهيد:
من المعلوم عند أهل البصائر أن العقيدة ليست أمراً هامشياً في حياة الانسان ,بل لها الدور المحوري في تشكيل الرؤية الفكرية والابستومولوجية عنده والمعبر عنها بالاصطلاح الكلامي (الرؤية الكونية) وهي التي تشكل المعالم النظرية لكل سلوك أو منهج أو طقوس أو غير ذلك, أي هي التي تحدد حركة الانسان ونظرته للمحاور الثلاثة الاساسية في حياة الانسان أي (الله) و(العالم) و(الانسان).
فالإنسان لا زال متفكراً في هذه الموجودات الثلاثة ويعتبر الموقف منها اساس العقيدة أو الرؤية الكونية المعرفية. ثم يتفرع على هذه الامور الثلاثة الاسئلة المحورية في حياة الانسان بحسب علم الانتربولوجيا وهي: أنه من اين؟ والى اين؟ ولماذا خلق؟
وسوف يختلف الجواب عن هذه الاسئلة باختلاف تحديد الموقف من المحاور الثلاثة السابقة, فهل يوجد خالق لهذا الكون أم لا وانما وجد صدفة محضة؟ وما هو دور الانسان في هذا الوجود, هل له امتياز عن بقية الموجودات ام هو كغيره من الموجودات؟ وهل الوجود الذي يحيط بالإنسان مادي صرف, أم يوجد وراء هذه المادة موجودات غير مادية؟ ومن أين جاء الانسان, ولماذا جاء, والى اين يكون؟
هنا تتحدد قيمة الانسان ومقامه في الوجود. وهنا يكون الوجود بكل موجوداته اما أمرا عبثيا لا هدفية له أو يكون له هدف وغاية وجد لأجلها؟ يكون الانسان فيها محور هذا الوجود باعتباره سيد الموجودات وان كل الموجودات الاخرى سخرت له اما بشكل مباشر أو غير مباشر.
مبدأ الغائية في الوجود:
هناك سؤال جوهري يطرح نفسه على ضوء ما قدمنا وهو هل ان الانسان خلق لأجل غاية وهدف أم خلق صدفة وعبث؟
الجواب: لا شك باننا لو قلنا بان لهذا العالم خالق عليم حكيم, وان من المستحيل وجود كل هذه الموجودات صدفة بدليل العقل والفطرة والتجربة.
قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ سورة ص آية (٢٧)
اذن لابد لهذا الوجود من خالق, ويجب ان يكون لهذا الخالق هدف وغاية في خلقه لهذه الموجودات.
واذا أردنا ان نترك شأن بقية الموجودات ونركز الكلام على الانسان فحسب لأنه محور هذا العالم كما اسلفنا, فمن المؤكد انه داخل تحت نظام الغائية, لأنه مبدأ لا يمكن رفع اليد عنه بأي حال من الاحوال. وهنا نريد ان نسأل عن غاية وجود الانسان ما هي؟
الجواب: إن غاية وجود الانسان ترتبط بالتكامل الوجودي بحيث يتدرج في مدراج الوجود حتى يصبح انسانا كاملا ينطبق عليه قوله عز وجل: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ سورة البقرة [٣٠] وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ سورة النجم آية [٩], وهو ما وصل اليه الوجود المقدس لسيد الخلق محمد المصطفى
(صلى الله عليه واله), وهو المعبر عنه بلسان العرفاء بـ (الانسان الكامل). قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ سورة التين آية[٤]. فوصول الانسان الى مرحلة الانسان الكامل هو نهاية الحركة التكاملية في عالم الوجود لان تلك المرتبة هي اعلى مراتب الوجود الامكاني.
والانسان الكامل هذا يتصف بانه: (قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ وَأَمَاتَ نَفْسَهُ حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ وَلَطُفَ غَلِيظُهُ وَبَرَقَ لَهُ لَامِعٌ كَثِيرُ الْبَرْقِ فَأَبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ وَسَلَكَ بِهِ السَّبِيلَ) – نهج البلاغة –خ ٢١٨. فهو الكامل من حيث الادراك والعقل, والكامل من حيث تهذيب النفس والسيطرة عليها من جميع القوى. وهو الكامل من حيث بذل الجهد في القرب من كمال الوجود المطلق حتى أصبح يتشبه به كما قال (صلى الله عليه واله): (تخلقوا بأخلاق الله) بحار الانوار ٥٨/١٢٩.
ومن الجدير بالذكر ان نقول: بان الغائية تنقسم الى قسمين:
الاولى هي: الغائية الفردية, والاخرى هي: الغائية العامة الاجتماعية (النوعية).
اما الغائية الاولى, فقد عرفت أن الانسان كفرد خلق لأجل الوصول الى حالة النضوج الانساني الكامل على جميع المستويات, من خلال السير والسلوك الى الله تعالى, وتطبيق الاوامر الالهية سواء بالعبادات او المعاملات, وهو الانقياد الكامل وتمحض العبودية لله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُنِ﴾ سورة الذاريات آية [٥٦]. فالإنسان من خلال ذلك يصبح مظهرا لأسماء الله تعالى ومحلا لتجلياته, وكلما ازداد علما وعملا ارتفعت درجته الوجودية حتى يبلغ الدرجة الاقصى.
الغاية الاجتماعية (النوعية):
واما القسم الثاني وهي الغائية الاجتماعية النوعية فهي تتعلق بالأمة والنوع البشري ككل وليس بالفرد بالخصوص, كما في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ سورة ال عمران [١٠٤] وقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ سورة البقرة آية [١٤٣], وقوله: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ سورة الانبياء آية [٩٢].
فهذه الغاية لا ترتبط بالفرد بما هو فرد وانما بالأمة والنوع أجمع,أي ان الله تعالى يريد من النوع بما هو نوع ان يصل الى مرتبة الكمال النوعي او قل المجتمع الكامل. فكما عندنا فرد كامل لابد ان يكون عندنا مجتمع كامل.
ثم هناك اختلاف في عوامل وعناصر كل واحد من الفرد والنوع.
فلابد من توفير كل المستلزمات لتكامل المجتمع البشري وفق القوانين الالهية والسنن الربانية التي هي بمثابة العلل الفاعلية لتحقق ذلك التكامل المنشود.
ان المشروع الالهي في ارسال الرسل وانزال الكتب والتعاليم الالهية لم يقتصر على الغائية الفردية, وانما عمل على تحقيق وبناء الغائية النوعية بشكل متواز تماما, لوجود الترابط الصميمي بين الفرد والمجتمع. كما قال (صلى الله عليه واله) (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى) صحيح البخاري ح ٦٠١١.
وهذا التربط الصميمي بين الفرد والمجتمع يجعل الانسان في موضع المسؤولية عن بقية الافراد في كل المجالات.
قال صلى الله عليه واله: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ) بحار الانوار: ٧٢/٣٨ ولذا نجد ان الشريعة الاسلامية اولت اهتماما كبيرا لمسألة مراعاة المجتمع واوجبت اهتمام الافراد بأبناء النوع البشري ككل من دون استثناء, لانهم صنفان: (اما اخٌ لك في الدين واما نظير لك في الخلق) - نهج البلاغة.
اذن التكامل والرفاه, والتطور الاجتماعي لجميع النوع البشري غاية اساسية من غايات الدين, واحد علل بعثة الانبياء كما يؤكد ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ سورة الانبياء [١٠٧], وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سورة سبأ [٢٨], فمقتضى الرحمة للعالمين والبشرى لهم بالنعيم والانذار لهم بالعذاب والجحيم يقتضي كون غاية الرسالة الالهية اصلاح المجتمع وايصاله الى مرحلة النضوج والتكامل من جميع الجهات.
الامام المهدي(عجل الله فرجه) والتكامل البشري
يتبع ................
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف خلقه سيدنا محمد واله الطاهرين, لاسيما بقية الله في الارضين المهدي المنتظر عجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من انصاره والمجاهدين في سبيل الله بين يديه وتحت رايته.
(الامام المهدي (عليه السلام) والتكامل الانساني)
تمهيد:
من المعلوم عند أهل البصائر أن العقيدة ليست أمراً هامشياً في حياة الانسان ,بل لها الدور المحوري في تشكيل الرؤية الفكرية والابستومولوجية عنده والمعبر عنها بالاصطلاح الكلامي (الرؤية الكونية) وهي التي تشكل المعالم النظرية لكل سلوك أو منهج أو طقوس أو غير ذلك, أي هي التي تحدد حركة الانسان ونظرته للمحاور الثلاثة الاساسية في حياة الانسان أي (الله) و(العالم) و(الانسان).
فالإنسان لا زال متفكراً في هذه الموجودات الثلاثة ويعتبر الموقف منها اساس العقيدة أو الرؤية الكونية المعرفية. ثم يتفرع على هذه الامور الثلاثة الاسئلة المحورية في حياة الانسان بحسب علم الانتربولوجيا وهي: أنه من اين؟ والى اين؟ ولماذا خلق؟
وسوف يختلف الجواب عن هذه الاسئلة باختلاف تحديد الموقف من المحاور الثلاثة السابقة, فهل يوجد خالق لهذا الكون أم لا وانما وجد صدفة محضة؟ وما هو دور الانسان في هذا الوجود, هل له امتياز عن بقية الموجودات ام هو كغيره من الموجودات؟ وهل الوجود الذي يحيط بالإنسان مادي صرف, أم يوجد وراء هذه المادة موجودات غير مادية؟ ومن أين جاء الانسان, ولماذا جاء, والى اين يكون؟
هنا تتحدد قيمة الانسان ومقامه في الوجود. وهنا يكون الوجود بكل موجوداته اما أمرا عبثيا لا هدفية له أو يكون له هدف وغاية وجد لأجلها؟ يكون الانسان فيها محور هذا الوجود باعتباره سيد الموجودات وان كل الموجودات الاخرى سخرت له اما بشكل مباشر أو غير مباشر.
مبدأ الغائية في الوجود:
هناك سؤال جوهري يطرح نفسه على ضوء ما قدمنا وهو هل ان الانسان خلق لأجل غاية وهدف أم خلق صدفة وعبث؟
الجواب: لا شك باننا لو قلنا بان لهذا العالم خالق عليم حكيم, وان من المستحيل وجود كل هذه الموجودات صدفة بدليل العقل والفطرة والتجربة.
قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ سورة ص آية (٢٧)
اذن لابد لهذا الوجود من خالق, ويجب ان يكون لهذا الخالق هدف وغاية في خلقه لهذه الموجودات.
واذا أردنا ان نترك شأن بقية الموجودات ونركز الكلام على الانسان فحسب لأنه محور هذا العالم كما اسلفنا, فمن المؤكد انه داخل تحت نظام الغائية, لأنه مبدأ لا يمكن رفع اليد عنه بأي حال من الاحوال. وهنا نريد ان نسأل عن غاية وجود الانسان ما هي؟
الجواب: إن غاية وجود الانسان ترتبط بالتكامل الوجودي بحيث يتدرج في مدراج الوجود حتى يصبح انسانا كاملا ينطبق عليه قوله عز وجل: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ سورة البقرة [٣٠] وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ سورة النجم آية [٩], وهو ما وصل اليه الوجود المقدس لسيد الخلق محمد المصطفى
(صلى الله عليه واله), وهو المعبر عنه بلسان العرفاء بـ (الانسان الكامل). قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ سورة التين آية[٤]. فوصول الانسان الى مرحلة الانسان الكامل هو نهاية الحركة التكاملية في عالم الوجود لان تلك المرتبة هي اعلى مراتب الوجود الامكاني.
والانسان الكامل هذا يتصف بانه: (قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ وَأَمَاتَ نَفْسَهُ حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ وَلَطُفَ غَلِيظُهُ وَبَرَقَ لَهُ لَامِعٌ كَثِيرُ الْبَرْقِ فَأَبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ وَسَلَكَ بِهِ السَّبِيلَ) – نهج البلاغة –خ ٢١٨. فهو الكامل من حيث الادراك والعقل, والكامل من حيث تهذيب النفس والسيطرة عليها من جميع القوى. وهو الكامل من حيث بذل الجهد في القرب من كمال الوجود المطلق حتى أصبح يتشبه به كما قال (صلى الله عليه واله): (تخلقوا بأخلاق الله) بحار الانوار ٥٨/١٢٩.
ومن الجدير بالذكر ان نقول: بان الغائية تنقسم الى قسمين:
الاولى هي: الغائية الفردية, والاخرى هي: الغائية العامة الاجتماعية (النوعية).
اما الغائية الاولى, فقد عرفت أن الانسان كفرد خلق لأجل الوصول الى حالة النضوج الانساني الكامل على جميع المستويات, من خلال السير والسلوك الى الله تعالى, وتطبيق الاوامر الالهية سواء بالعبادات او المعاملات, وهو الانقياد الكامل وتمحض العبودية لله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُنِ﴾ سورة الذاريات آية [٥٦]. فالإنسان من خلال ذلك يصبح مظهرا لأسماء الله تعالى ومحلا لتجلياته, وكلما ازداد علما وعملا ارتفعت درجته الوجودية حتى يبلغ الدرجة الاقصى.
الغاية الاجتماعية (النوعية):
واما القسم الثاني وهي الغائية الاجتماعية النوعية فهي تتعلق بالأمة والنوع البشري ككل وليس بالفرد بالخصوص, كما في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ سورة ال عمران [١٠٤] وقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ سورة البقرة آية [١٤٣], وقوله: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ سورة الانبياء آية [٩٢].
فهذه الغاية لا ترتبط بالفرد بما هو فرد وانما بالأمة والنوع أجمع,أي ان الله تعالى يريد من النوع بما هو نوع ان يصل الى مرتبة الكمال النوعي او قل المجتمع الكامل. فكما عندنا فرد كامل لابد ان يكون عندنا مجتمع كامل.
ثم هناك اختلاف في عوامل وعناصر كل واحد من الفرد والنوع.
فلابد من توفير كل المستلزمات لتكامل المجتمع البشري وفق القوانين الالهية والسنن الربانية التي هي بمثابة العلل الفاعلية لتحقق ذلك التكامل المنشود.
ان المشروع الالهي في ارسال الرسل وانزال الكتب والتعاليم الالهية لم يقتصر على الغائية الفردية, وانما عمل على تحقيق وبناء الغائية النوعية بشكل متواز تماما, لوجود الترابط الصميمي بين الفرد والمجتمع. كما قال (صلى الله عليه واله) (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى) صحيح البخاري ح ٦٠١١.
وهذا التربط الصميمي بين الفرد والمجتمع يجعل الانسان في موضع المسؤولية عن بقية الافراد في كل المجالات.
قال صلى الله عليه واله: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ) بحار الانوار: ٧٢/٣٨ ولذا نجد ان الشريعة الاسلامية اولت اهتماما كبيرا لمسألة مراعاة المجتمع واوجبت اهتمام الافراد بأبناء النوع البشري ككل من دون استثناء, لانهم صنفان: (اما اخٌ لك في الدين واما نظير لك في الخلق) - نهج البلاغة.
اذن التكامل والرفاه, والتطور الاجتماعي لجميع النوع البشري غاية اساسية من غايات الدين, واحد علل بعثة الانبياء كما يؤكد ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ سورة الانبياء [١٠٧], وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سورة سبأ [٢٨], فمقتضى الرحمة للعالمين والبشرى لهم بالنعيم والانذار لهم بالعذاب والجحيم يقتضي كون غاية الرسالة الالهية اصلاح المجتمع وايصاله الى مرحلة النضوج والتكامل من جميع الجهات.
الامام المهدي(عجل الله فرجه) والتكامل البشري
يتبع ................
تعليق