التربية الاسلامية وتحسين السلوك الجنسي
كما أن المشرع ينظم حركة النفس واندفاعها في مجالات النمو الانفعالي، والاجتماعي، واللغوي، والأخلاقي، والحركي، فإنه أيضاً اتخذ خطواته الدقيقة لضبط الميل الجنسي عند الفرد. ونظراً لأهميّة هذا الميل الفطري في سلوك الشخصيّة العبادية، وأثر انعكاساته عليها، نجد المشرع الإسلامي يتشدد كثيراً في ضبطه، وربما يعود ذلك إلى ارتباط النشاط الجنسي بالعفاف والحياء الفكري في التركيبة الآدميّة.
إنّ المشرع في ضبطه لهذا النشاط خلال فترة الطفولة المتأخرة يتشدد كثيراً فيمنع كل إثارة جنسية أمام الطفل حتى الكلام، والنَفَس اللذان يصاحبان العملية الجنسيّة نفسها بين الزوجين، وهذا يمثل جزءاً من خطته الأساسيّة في عملية التحسين البيئي للسلوك الجنسي التي يبدأ المربي المسلم بتنفيذها قبل أن يولد الطفل أحياناً، وذلك عن طريق تغيير نظرة الكبار للمسألة الجنسية، وأثر انعكاسات هذه النظرة على انحراف أو استقامة الطفل من هذه النّاحية.
ومما لاشك فيه أنّ عملية تحسين السلوك الجنسي لا ينفذها المشرع الإسلامي في عالم الصغار وحدهم، بل في حياة الكبار بالدرجة الأولى، لأن المربي المسلم إذا نجح في تنظيم النشاط الجنسي لدى الكبار انعكس ذلك على التربية الجنسية للصغار، حيث يقوم الكبار وبخاصة الوالدين بعملية تدريب الصغار على المواقف الجنسيّة السليمة، فإذا كانت الثقافة الجنسيّة الإسلاميّة غائبة عن وعي الفئة التي أنيطت بها مهمة التربية، ترتب عن ذلك فشل ذريع في اكتساب الصغار للعادات الجنسية المطلوبة حسب وجهة نظر المشرع، ولكن سوف تكون مهمة التربية الجنسية للصغار أكثر سهولة حينما يتمتع الكبار بثقافة جنسيّة إسلاميّة، وبالأحكام الفقهيّة المتعلقة بها.
وعلى كل حال تكون مسئولية الكبار وبخاصة الوالدين _مزدوجة _ تجاه أنفسهم، وتجاه صغارهم سواءً كانوا أطفالاً مميزين أو الناشئة الأحداث، أو حتى من المراهقين الذين بلغوا فعلاً الحُلم وفق المعايير الشرعية المحددة.
مفهوم تحسين السلوك الجنسي:
ويقصد به ببساطة، مجموعة الخطوات، والإجراءات، والقواعد، والأفكار الوقائية والعلاجيّة التي يتبعها المربي المسلم في تربية أجيال مسلمة جديدة خالية بفعل التعديل الإسلامي المستمر من كافة الاستعدادات الوراثية للانحراف الجنسي، أو قادرة بفعل تدخل البيئة الإسلاميّة على تحقيق العفّة الجنسيّة والتكيف السليم في المواقف الجنسيّة في فترات البلوغ وما قبلها، وما بعدها.
حاجتنا لتحسين السلوك الجنسي:
لما كانت مجموعات كبيرة من أطفال هذه الأمة، وأحداثها، ومراهقيها تكتوي بوهج نار الانحرافات الجنسيّة، فإنّها بحاجة شديدة إلى هذه العملية السلوكية الحضارية للقضاء على هذه الإنحرافات الخطيرة، وإزالة آثارها عن واقع ومستقبل الأمة، وتعطيل طاقاتها عن أداء مسئولياتها في حمل المبادىء الإسلاميّة للآخرين، ولكنّ الأمة لا تستطيع أن تضطلع بهذه الأمانة التاريخية إلاّ بتدمير عناصر الفساد في بنية مؤسساتها الداخليّة، وبخاصة عوامل الانحراف في هذا المجال، لأنّ المشكلة الجنسيّة ليست سوى أحد هذه العناصر التي تعوق أجيال الأمّة عن الفعل الحضاري الحاسم.
ومن هنا لا تتجلى لنا أهميّة عملية التحسين الوراثي والبيئي للسلوك الجنسي بتكوين جيل نقي من عوامل الانحراف الجنسي فحسب، وإنما تتضح حاجتنا إلى هذه الخطوة الكبيرة في مختلف مجالات المعرفة، والتربيّة، لأن خطورة المشكلة الجنسية على الناشئة والمراهقين والشباب تمتد بآثارها السيئة إلى مدى أبعد مما نتصور، فقد صوّر المشرع الإسلامي حتى النظرة الجنسيّة المحرّمة، كسهم من ساهم إبليس تدليلاً على قوة تأثيرها، وبالتالي تؤثر هذه المشكلة كما تؤكد وقائع الحياة وشواهدها على اتجاهات هذه الفئات واهتماماتها بوجه أخص، لذلك لا يريد المشرع من خلال هذه العملية أن يصنع عفّة في ضبط النفس عن كل شهوة جنسيّة محرمة فحسب، بل يستهدف تحقيق استقرار نفسي لأفراد المجتمع المسلم، وهو دونما شك جسر حيوي يساعد هذه الفئات على ضخ نفسيّات أفرادها بموانع داخلية تصد عن ارتكاب المعاصي في مجالات السلوك بما فيها مجال السلوك الجنسي.
عملية تحسين سلوكنا الجنسي.. مهمة عبادية:
والأهم من ذلك كلّه أن يكون قيام المربين وتعاونهم على انجاز هذه المهمة الحضاريّة عملاً تعبديّاً، فالتربية الجنسية تصون جانباً من الشخصيّة المسلمة، وتحفظ بتعاليمها التوازن الداخلي للفرد المسلم إزاء مظاهر النشاط الجنسي، إنّه بأمر المشرع الإسلامي يتعلم من هذه التربية الحلال والحرام، ويتعرّف على النجاسات وأحكام التطهر منها، ويسهم بقدر كبير في تكوين أجيال للأمّة متصلة بالله عز وجل حتى في الأمور التي تسلب وعي الإنسان لقوة تأثيرها.
إن عملية الانتقاء الزوجي، واختيار المرضع، وفهم آداب العلاقة الجنسية، وتجنب الحالات المسببة للإنحراف الجنسي والتقيد بالحالات الأخرى المؤدية للعفاف الأخلاقي، واضفاء الطابع الروحي على العلاقة الجنسية، والقيام بتدريب الناشئة على القواعد الإسلامية المنظمة للسلوك الجنسي، والتوجيه الإسلامي المستمر وتبليغ الأحكام الخاصة بذلك لهم، وتعاون المجتمع أفراداً ومؤسسات لإنجاز هذا المشروع الحيوي، يعكس جانباً من الوظيفة العبادية التي كلّف _بإنجازها _ الفرد المسلم، ولن يتمكن من تحقيق هذا المشروع بغير تفهم النظرة الإسلاميّة لهذا الشأن، وهي نظرة موجودة في القرآن والسنّة.
هكذا ليست عملية تحسين السلوك الجنسي وسيلة لتحقيق العفة فحسب، بل هي جانباً حيوياً يراه المشرع الإسلامي لإنجاز الوظيفة العباديّة، والبحث عن التقدير الإلهي، وينبغي أن يتعلّم الطفل المميز، والمراهق، وجميع البالغين أنّ قمة التوافق النفسي لا تكون بتحقيق العفة، وضبط النفس عن الشهوة الحرام فحسب، وإنما بحسن التكيف مع الموقف الشرعي في كل قضايا السلوك.
المنهج الإسلامي والتربية الجنسيّة للكبار:
كما أن المشرع الإسلامي يدعو في كثير من النصوص والروايات على ضرورة أداء مسؤولية التربية الجنسية للطفل المميز، والمراهق تمهيداً لمواجهة تغيرات المرحلة الجنسية، كذلك يدعو إلى البدء بالتربية الجنسية للأباء والأمهات، والمعلمين، والتربويين أولاً، لأنهم وسيلة المشرع للقيام بأعباء التربية الجنسية للصغار، لذلك نجد هذه النصوص والروايات تحث باستمرار على ضرورة تنظيم السلوك الجنسي بين الزوجين، وبينهما وبين الأبناء، فالعائلة كيان واحد يؤثر بعضه على بعض، ومن المؤكد أن حسن أو سوء تنظيم العلاقة الجنسيّة بين الأبوين يترك أثره على شخصية الأبناء.
وبحكم أن الأباء والأمهات وغيرهم من فئات الكبار، لهم تأثير مباشر ودائم _أحياناً _ على صغارهم، حرص المشرع الإسلامي على التأكيد على مسألة استيعاب هؤلاء لوجهة النظر الإسلاميّة في المسألة الجنسيّة من الناحيتين النظرية والعملية، حتى يعينهم ذلك على القيام بأعباء التربية الجنسيّة تجاه أنفسهم، وتجاه أبنائهم ذكوراً وإناثاً.
وبالرغم من أنّ البرنامج الإسلامي للتنظيم الجنسي بين الزوجين متكامل، بل ومتفرد في بعض خصائصه، إلاّ أن المشرع كعادته لا يمانع أبداً أن يتضمن برنامجه في تربية الكبار جنسياً، أية اجتهادات صحيحة من قبل العلماء، ولا يرفض بالتأكيد الحقائق العلمية، التي توصل إليها علم التشريع، وعلم الحياة، وعلم النفس، والصحة الجنسية، والفروق الفردية بين الجنسين، وبين الكبار والصغار، والقواعد الأخلاقية والاجتماعية التي أدركها العقل البشري بفطنته الفكرية، وبحياء وجدانه الأخلاقي النقي، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها.
ويتم البرنامج الإسلامي في التربية الجنسيّة للكبار وبالذات "الأبوين" عن طريقين هامين هما:
أولاً _ تغيير نظرة الكبار للسلوك الجنسي:
يحدّد المشرع الإسلامي نظاماً مُتكاملاً للتربية الجنسيّة لدى الكبار، حتى يقدم هؤلاء جيلاً نقياً من الناحية الجنسيّة، ونظيفاً من عوامل الانحراف قدر المستطاع، لكن هذا النظام لم يستوعبه الكثير من أفراد المجتمع المسلم أو لم يترب عليه البعض منهم لسبب ما، وبخاصة في القرون المتأخرة التي شهدت انحطاطاً عاماً خطيراً في تفكير الأمة، وابتعد وجدان أفرادها عن المفهوم الإسلامي في أغلب مجالات التربية الأخلاقية والعائلية، خاصة في مجال التربية الجنسيّة التي تعتبر من أخفى الأمور وأصعبها حساسيّة لدى العائلة المسلمة.
ولقد حشد المشرع في القرآن والسنّة والفقه الإسلامي نصوصاً تشكل منهاجاً متكاملاً للتربية الجنسية عند الكبار، وبقيت هذه النصوص حتى الآن السياج القوي الذي يحفظ العائلة المسلمة في أستر جزء من حياتها، ولأن هذا الجزء مستور، وذو حساسيّة أخلاقية معقدة، تساهل الناس _مع الأسف _ في التعرف على الرؤية الإسلاميّة في موضوع العلاقة الجنسيّة بين الزوجين، وبينهما وبين أبنائهما، وأدى ذلك التهاون إلى غموض وجهة نظر المشرع إزاءه عند البعض منا، وجهل البعض الآخر التام به، وقد ظل الحال على ما هو عليه حتى بدأت موجات الغزو الثقافي الغربي تتخذ لها مواقع السيطرة على النفس المسلمة المعاصرة، واكتشف الغربيون أن تزمت النظرة الجنسية عند الفرد المسلم يمكن أن تكون مدخلاً واسعاً لتذويب الطابع المتميّز للشخصيّة المسلمة.
ثانياً _ الطابع الروحي للعلاقة الجنسية:
تمتاز العلاقة الجنسية في وجهة نظر المشرع الإسلامي بطابعها الروحي، إذ تقترن هذه العمليّة بمجموعة من المظاهر الروحيّة التي تؤكد في معانيها على الطهارة، والعفة، والتقوى الأخلاقيّة للمسلم، ولمّا كانت هذه العملية تتحدد كما يرى المشرع بأوامره ونواهيه، فإنّها وسيلة مشروعة لإنجاز المهمة العبادية، فإن أتمّها على النحو المطلوب أجر العبد عليها، وإن تأخر عن ذلك تمّت مساءلته بين يديه عزّ وجل، ومما لا شك فيه أنّ ارتباط هذه العمليّة بالوظيفة العبادية، يطبعها بالنزعة الروحانيّة، إذ يبدأ الفرد المسلم وقت الشروع بها، بذكر الله والتسمية، والوضوء، والصلاة أحياناً، والأدعية، وسوف نشير إلى بعض النصوص التي تقرن العملية الجنسية بطابعها العبادي الروحاني.
"ومما له دلالة بالغة في آداب هذا الفعل اعتبار ذكر الله سبحانه وتعالى كمقدمة للفعل الجنسي، فقد ورد في الحديث أنه يستحب أن يكون على وضوء خاصة إذا أراد تكرار الجماع مرة أخرى، وإذا كان الدخول في ليلة الزفاف، فإنه يستحب أن يضع يده على ناصيتها (جبهتها) ويدعو الله أن يرزقه الله ولداً صالحاً لا سلطان للشيطان عليه، وأن يبدأ الفعل الجنسي بالتسمية، هذه الآداب وأمثالها تهدف إلى إضافة لون من ألوان الروحانية على الفعل الجنسي بما هو نعمة من نعم الله تعالى، ينبغي شكره عليها وذكره بها، وفيها إزالة للصفة الحيوانية والآلية البحتة ليكون عملاً إنسانياً إرادياً واعياً، فهو جزء من التوجه التربوي العام الرامي إلى مزج المادة بالروح في شؤون المسلم المادية، كي لا يقسو قلبه ويعتاد على الاغراق في المادة ولو في الأمور المحلَّلة.
يمتد الطابع الروحي للعلاقة الجنسية إلى أكثر مما سبق ذكره، حيث أكدت النصوص الشريفة حرمة، وكراهة ممارسة الفعل الجنسي مع الزوجة في ظروف وحالات معينة، مثل حرمة استقبال القبلة واستدبارها وقت المجامعة. وكراهة الجماع بين الأذان والإقامة، والمجامعة من رجل احتلم ولم يغتسل من احتلامه أولاً، ويكره الوقاع من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشفق، وحين اصفرار الشمس، وتحت الشجر المثمر، وأمام صبي غير مميز ينظر لهما، وعلى سقوف البنيان المكشوفة.
وبمعاينة بعض الحالات التي تطبع الفعل الجنسي بمسحة روحانية، نجد تأكيداتها واضحة على العلاقة بين الدعاء _كمظهر روحاني _ وبين حالة التقوى، فهذه الحالة النفسانية والأخلاقيّة تتضمن مجموعة من السمات الإيمانية متوفرة في الشخصية التقيّة، كالأمانة، وحسن الخلق، وعفة البطن، والفرج، والتواضع، وهذه السمات الشخصية _للتقي _ لا سيما "عفة الفرج" ضمان من الانحراف، وعوامل مساعدة على تحسين السلوك الجنسي.
إن الذكاء، والتقوى، والسواء عناصر أساسيّة لنجاح عملية تحسين السلوك الجنسي، فبواسطة العقل والإدراك يكتسب الفرد المسلم الثقافة الإسلاميّة في موضوع الجنس، وبالتقوى تتحكم إرادة الفرد في الأهواء، وتسيطر على الشهوات بما فيها الشهوة الجنسية وعن طريق الجسم السليم تنمو خلاياه، وتفرز هرموناته بصورة طبيعيّة تمكنه من الفعل الجنسي السليم، وتبعده عن كافة الأمراض، والقابليات الوراثية المساعدة على الانحراف، وبخاصة في الناحيّة الجنسيّة، فالشخص السوي يتمتع بالتكيف الحسن مع المواقف الجنسيّة فيطبع بتقواه الفعل الجنسي بطابع روحاني، ويجاهد نفسه عن الاستجابة للمثيرات الجنسية الشاذة.
خطوات تحسين السلوك الجنسي:
يولي الشرع الإسلامي عنايته البالغة بالطفل قبل أن يولد، وخلال الحمل، والرضاع، والمراحل النمائية الأخرى، باعتبار أن النمو النفسي بأكمله يتأثر بالظروف المصاحبة، ومما لا ريب فيه أنّ هذه العناية لا تهدف لتربية مواطن صالح كما تؤكد على ذلك المناهج الوضعية، فالمشروع همّه إعداد وتربية الإنسان المسلم الذي يتجاوز بنظرته كل الحدود التي وضعها الإنسان لتثبيت عصبيته ونوازعه العرقية، إنه يريد إعداد الإنسان الرسالي الذي حمل على عاتقه عبء مسئولية التبليغ والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لهذا كانت عنايته من الجذور، ويوجه اهتمامه _للإنسان _ في كل جانب، ويرسم خطواته بدقة لضمان تكوين أجيال من الإنسانيّة قادرة على تحمل مسئولية انجاز الوظيفة العباديّة.
أولاً _ خطوات التحسين الوراثي وتشمل ثلاثة مداخل:
أـ عملية الانتقاء الزوجي:
أمر المشرع بعملية الانتقاء الزوجي لأهميتها في تكوين العائلة المسلمة، وأثرها في تحديد سمات الشخصية، لأن المولد يتأثر بالصفات المزاجيّة، والعقليّة، والجسميّة للوالدين، ولأقاربهما، ومن هنا حرص المشرع على ألاّ تكون هذه الخطوة عملاً ارتجالياً، غير متقن، يخضع لنزعات شهوانية بعيدة عن التعقل.
ويقصد من هذه العمليّة أن يختار الزوجان بعضهما وفق المحددات الإيمانيّة، وخاصة قاعدة أن "المؤمن كفؤ المؤمنة"، وقد صرّحت النصوص الإسلامية إلى ذلك أكثر من مرّة، قال الرسول الكريم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" وأمر كذلك أولياء الأمور بضرورة اختيار الزوج الصالح، "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه".
وبالتأكيد فإنّ المشرع نهى بشدة من المتزوج بخضراء الدمن، أو زواج المرأة لرجل سيء الخلق، يخرج من ذنب فيدخل في ذنب آخر، كما نهى بوجه أخص من اختيار البغي، والمجنونة وآكلة لحم الخنزير. وشارب الخمر، كزوجات، وبالعكس، لأنّ هؤلاء الأفراد جميعاً ينقلون سماتهم إلى الأبناء عن الوراثة البيولوجيّة، جاء في المرويات: "تخيروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس".
ومن أجل تحسين السلوك الجنسي نهى المشرع من الزواج بالبغي، والمرأة المستعلنة بالزنا أو الرجل الذي يعيش في أجواء هذا الانحراف الجنسي، والسبب في ذلك رغبة المشرع في تجنيب المولود أية استعدادات وراثية للانحراف الجنسي.
ب_ ملابسات الجماع:
أولاً: بتجنب الحالات المسببة للانحراف الجنسي وقت الجماع، حتى لو كانت الزوجة صالحة. ثانياً: بالحرص على التقيد بالحالات الجنسيّة المساعدة على العفاف في هذه الناحيّة وغيرها، كما أكد. ثالثاً: على الطابع الروحي للجماع.
ج_ الرِّضاعة:
إن عملية الرضاعة لها الدور الكبير في نقل الخصال السيئة من الناحية الجنسية، فإن لها أيضاً أثرها الواضح في اكتساب الطفل خصالاً طيبة تعينه في مستقبل حياته على ضبط نفسه، وتمده بأسباب العفاف وتمنحه فرصاً كبيرة للسيطرة على نوازعه الجنسيّة وغير الجنسيّة منذ نعومة أظفاره، وخلال دورة العمر التي يحياها بإذنه تعالى.
ثانياً_ خطوات التحسين البيئي للسلوك الجنسي:
يتابع المربي المسلم جهده التربوي لتقوية جذور العفة الجنسية عند فئتي الأطفال المميزين، والمراهقين، بمجموعة من الخطوات العمليّة المتتابعة، وهناك ملاحظات عامة على هذه القواعد.
1_ أول هذه الملاحظات، أن هذه القواعد _صالحة دائماً _ للتطبيق خلال فترات ما قبل التكليف _وبخاصة الطفولة المتأخرة _ ولما بعد البلوغ التي يسمها المشرع بالأوامر، والنواهي، ويمكن للمربي تغير بعض النظرات الشرعيّة والعلمية بمنأى على التغيرات الجديدة، المصاحبة لكل مرحلة على حدة.
2_ أنّ هذه القواعد صالحة في نظر المربي المسلم لدور التربية الوقائية والعلاجيّة، فهي الطريق الصحيح لحماية الشباب المسلم من مفاجآت التغيرات الحيوية التي تتميز بها مرحلة البلوغ المبكر، وهي في الوقت نفسه أسلوب المربي المسلم في علاج مشكلة الانحراف الجنسي عند هذه الفئة، وإعادة تربية الفرد المسلم من الناحيّة الجنسيّة، وفي أية مرحلة من العمر، بحذف ما لا يناسب وتثبيت ما يناسب أية فئة عمريّة.
3_ أنه لا تصلح أن تأتي هذه القواعد التربوية الجنسيّة بحصاد إيجابي في بنية العائلة والمجتمع الا إذا تضافرت جهود الجميع في تطبيقها على حياة الصغار منذ البداية، ولكنه عندما تتخلى بعض المؤسسات عن أداء مسئولياتها في التربية الجنسية بمفهومها الإسلامي، فلا عذر _أبداً _ لغيرها في التحلل من أداء واجبها، بدعوى أنّ ما تبنيه مؤسسة تهدمه أخرى، بل إن مسئولية المؤسسة البناءة تتضاعف، ويكبر حجم الواجب الملقى على عاتق القائمين عليها، فتتصدى للتخريب من جهة، وتحاول من جهة أخرى عزل الناشئة قدر الإمكان _عن الاتجاهات التخريبية للمؤسسات.
4_ يلاحظ كذلك أنّ المشرع يتشدد خلال هذه المرحلة بمنع كل إثارة جنسية، ليضمن تكوين جيل عفيف يؤسس نشاطه الجنسي على القرآن والسنة، وقد يضطر المربي المسلم بعد استنفاذ كل أساليب النصح والإرشاد إلى استعمال الحزم، والعقوبة، خاصة مع طفل مميز يعقل الأمور ويعاند.
يقول أحد الباحثين المسلمين: "إن المشرع _على سبيل المثال _ يشدد بنحو بالغ المدى في المنع من أي تعامل جنسي حتى في نطاق الظل أو الرائحة التي تنُّمُ عن ذلك، إنه يمنع الأطفال من ممارسة التقبيل مثلاً، حتى مع بداية المرحلة التي يتجاوزون بها السابعة من العمر.
يقول (ع): الغلام لا يقبل المرأة: إذا جاز سبع سنين.
أكثر من ذلك، يمنع المشرع حتى مجرّد التجاور في المضاجع، فيما بين الصبية أو الصبيات أو هما، يقول (ع): الصبي والصبي، والصبي والصبية، والصبية والصبية، يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين.
5_ إن تطبيق هذه القواعد يخضع لمبدأ الفروق الفرديّة، وبخاصة أن هذه الفروق حقيقة لا بين الفتى والفتاة، بل بين كل فرد وآخر من جنسه، فمثلاً أوصت الروايات بتفرقة المضاجع في سنين مختلفة، فبعضها أشار إلى أن السادسة صالحة لهذا الفصل، وأخرى أكدت على سن السابعة، وغيرها في الثامنة أو العاشرة، وعلى المربي أن يكتشف الفارقية بين الأطفال في نموهم العقلي، والانتباه إلى سن الإدراك والتمييز لديهم حتى إذا يبادر إلى تثبيت هذه القاعدة أو تلك بناءً على فارقية سن التمييز بين الأطفال.
قواعد إحتياطية للتربية الجنسية للطفل:
1_ تثقيف الطفل جنسياً وفقهياً:
إنّ الطفل بحاجة منذ بدء تعقله، وتمييزه للأمور إلى إمداده بالمعلومات الجنسية التي تلائم سنه، وتعليمه بمختلف الأحكام الفقهية شيئاً فشيئاً، خاصة ما يحتاج إليها من آداب التربية الجنسية، كتدريبه على كيفية الاستنجاء، والاستبراء إن كان ذكراً، وضرورة إدارة وجهه _وقت التخلي _ عن القبلة استقبالاً واستدباراً، وكيفية تطهير ملابسه من البول والغائط، وغسل بقع الدم من جسمه أو ثيابه حين وقت الصلاة أو غيرها.
إن هذا الإعداد المبكر يوفر قدرة أفضل للطفل المميز للتكيف السليم مع المواقف الجنسيّة، ويحميه من حرج شديد قد يتعرض له مستقبلاً، وبخاصة في فترة البلوغ.
2_الاستئذان:
شدّد المشرع الإسلامي على أدب الاستئذان منذ الصغر، باعتباره مدخلاً لقاعدة الاحتشام، وقد نصت الآيتان رقم 58 _ 59 من سورة النور على هذا المبدأن، وقد آن الآوان أن يعود إلى البيوت المسلمة بعد غياب طويل، تعرضت فيه هذه البيوت إلى تجاوزات ضد أحكام العورة وآداب العلاقة الزوجيّة بأسرها.
وبمعاينة الآيتين الشريفتين المذكور نجد المشرع يشير إلى فترتين لتطبيقه، عملاً بمبدأ التدرج في التربية الجنسيّة للطفل، فالفترة الأولى سمح المشرع للأرقاء والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم _خاصة المميزين _ بالدخول على غيرهم، وبالذات الأبوين، ما عدا ثلاثة أوقات هي: قبل صلاة الفجر.. وحين وضع الثياب من الظهيرة.. ومن بعد صلاة العشاء، فهذه الأوقات ثلاثة عورات لا ينبغي لأحد حتى الصغار الذين لم يبلغوا، حق الدخول على غيرهم.
ويظل هذا الأدب هو الصورة الطبيعية بين الآباء وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم، ولكن الأمر يتغيّر بأسره بدخول الطفل فترة البلوغ، والتكليف الشرعي، والإلزام في تطبيق الأوامر والنواهي الإلهيّة، وعندئذ يدخل مبدأ الاستئذان عهداً آخر، ويظل هو نمط العلاقة الأسرية، والاجتماعية في كل حين، فلا يمكن للبالغ أن يدخل على غيره بغير استئذان في مختلف الأوقات، صيانة لأعراض المنازل، وحفاظاً على تماسك الروابط العائلية، بل ترتب عن هذا المبدأ قبل البلوغ وبعد أحكام أخرى تتعلق بالنظر إلى العورة، والعلاقة الجنسية، وأحوال الغير.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم، والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّات، من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ثلاث عورات لكم، ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن، طوّافون عليكم بعضكم على بعض، كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم)، (النور/58).
هذا ما يخص الفترة الأولى، استئذان في ثلاثة أوقات.
أما ما يخص الفترة الثانية فيكون بعد البلوغ، وبداية عهد التكليف، يكون الاستئذان فيه شاملاً لكل الأوقات بمقتضى قوله تعالى: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم، فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم، وكذلك يبين الله لكم آياته، والله عليم حكيم)، (النور/59).
وسر لاستئذان واضح للجميع، فبدونه يتم الاطلاع على العورات فيؤثر ذلك على نفسيّة الطفل المميز، وربما تظل المناظر المثيرة تلاحق ذهنه حتى ما بعد بلوغه، فيحدث له ضرراً بالغاً، يضعه بين براثن الصراعات، والأمراض العصابية، فهل تمحى _مثلاً من ذهنه صورة أمه، وهي بين أحضان أبيه، يقبلها أو يداعبها أو يجامعها؟
3_ تعيين ضوابط النظر والتستر:
تشمل هذه المسألة نقطتين هامتين هما ستر العورة للأبوين عن طفلهما وبخاصة المرأة، والمسألة الثانية نوع الملابس وتأثيرها على نفسيّة الطفل.
فأمّا بالنسبة للمسألة الأولى فيمكن القول بأنه يجب على البالغ المكلف ستر عورته عن نظر الطفل المميز، كما يحرم على البالغ أن ينظر إلى عورة الطفل المميز أو يلمسها بشهوة، لأن الصبي المميز يحسن وصف ما يرى، وأكد الفقهاء بأنه: يجب على كل من الرجل والمرأة ستر عورتهما عن الناظر البالغ، وعن الناظر المميز _غير البالغ، وهو الصبي أو الفتاة الذي يكون على درجة من النباهة والوعي.بحيث يتأثر بالأشياء ويعقلها من دون تحديد للعمر.
لكن "يجوز للبالغ أن ينظر، ويلمس كل شيء من جسد غير البالغ ولو كان مميزاً من دون شهوة سواء مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة أو الاتفاق، وإذا ترتب على النظر إلى غير البالغ المميز فتنة الناظر، فإنه يحرم النظر عند ذلك _على الأحوط _ لزوماً.
هذا بالنسبة للنظر إلى عورة الأجنبي.
لكن المشرع تسامح _أن يرى الطفل المميز _ شعرها، وذراعيها وساقيها، ورقبتها عدا العورة "يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه من النساء بدون شهوة، ويحرم عليه النظر إلى العورة، كذلك يحرم عليه النظر إلى ما بين السرة والركبة من جسدهن على الأحوط سواء مع الشهوة أو بدونها، ويجوز للمرأة أن تنظر إلى جسد محارمها من الرجال من دون شهوة، ويحرم عليها النظر إلى نفس العورة ولو من دون شهوة.
ولهذا يجب أن تخفي المرأة زينتها قدر المستطاع أمام طفلها المميز إلا ما أجازه المشرع مثل كشف شعر الرأس والرقبة والذراع، وإظهار قلادتها، والدملج وما دونه، وما يوضع من أدوات الزينة في اليد والرجل وأعلى الصدر شرط أن يكون التزين غير مبالغ، لئلا يكون سبباً للفت نظر الطفل المميز إلى أمر يضر بمستقبل تربيته الجنسية.
والمسألة الأخرى هي الملابس، باعتبارها عاملاً مسبباً للشهوة أو ضابطاً لها. بالرغم من أن بعض الفقهاء أجازوا صحة التستر بالثياب الضيقة، غير أنهم أوجبوا الستر بنحو لا يوجب بروز العورة إذا كان ذلك سبباً لفتنة الناظر فالأفضل في جميع الحالات أن تكون الثياب غير مجسمة للعورة، ولا مبرزة لمفاتن الجسد، فكلّما كانت الثياب واسعة فضفاضة، كان أكمل وأحسن من الناحيّة الشرعيّة والصحيّة كالإلتزام بقواعد النظافة، والبعد عن المهيجات الجنسيّة.
4_ إبعاد الطفل عن العملية الجنسية:
ينعقد رأي الكثير من المربين على ضرورة إبعاد الطفل _خاصة المميز _ عن رؤية العملية الجنسيّة بين الزوجين، لخطورتها الكبيرة على استقامته مستقبلاً، لهذا ينبغي أن يظل العمل الجنسي بينهما في نطاق السرية والكتمان، وأن تساهلهما إزاءه يسبب مشكلات نفسيّة للأطفال المميزين، والمراهقين، ولعلّ أبرز هذه المشكلات الرغبة في الزنا أو اللواطية أو أي مظهر منحرف للنشاط الجنسي.
ومن هنا فإن رأي المشرع الإسٍلامي يقوم على أساس حكمين، أحدهما كراهة أن ينظر طفل غير مميز للأبوين في أية علاقة جنسيّة بينهما، والآخر حرمة رؤية الطفل المميز لهذه السلوك، لأن الأول لا يحسن الوصف لما يراه، والثاني يميّز فيصف لما يرى.
جاء في بعض الروايات الشريفة عن النبي (ص) قوله: "والذي نفسي بيده لو أن رجلاً غشي امرأته، وفي البيت صبي مستيقظ يراهما، ويسمع كلامهما ونفسَهما ما أفلح أبداً. إن كان غلاماً كان زانياً أو جارية كانت زانية".
5_ التفريق بين الأبناء في المضاجع:
هذا العزل في مضاجع الذكور والإناث، ومضاجع أفراد كل جنس على حدة، يعتبر قاعدة تربوية أخرى لنجاح تربيتنا الجنسية لأطفالنا، فعن طريق _التفريق _ يبعد الأولاد عن غرفة الوالدين، ويتم عزلهم عن نطاق المكان الذي تتم فيه العملية الجنسيّة بينهما، كما أن عزل الذكور عن الإناث، بحيث يكون لأفراد كل جنس غرف خاصة مستقلة، يجنب الأولاد من الجنسين أية احتكاكات بدنية يمكن أن تؤدي إلى بعض المداعبات الجنسيّة الخطرة.
ولا يخفى أن يكون العزل في المضاجع وسيلة تربوية يشعر فيها كل عضو من الأسرة بما يمتلكه، بحيث لا يمكن لغيره استعماله بغير موافقته، فقد يحصل على غرفة مستقلة بأدواتها، وليس من حق أحد أن يتدخل في كيفية تنظيمها، وترتيب أثاثها، واستعمال أدواتها، وبالتالي تمكن الفرد من خلال هذا العزل تنمية شعوره بالاستقلالية، والتفرد الخاص لكيانه.
6_ المسْكن الملائم:
كي يتمكن المربي المسلم من إرساء قواعد التربية الجنسية في شخصية الطفل المميز _خاصة الاستئذان، والتفرقة في المضاجع _ يحتاج إلى دار سكن واسعة، ملائمة صحيّاً، فتوفير المنزل المناسب حق ضمنه المشرع الإسلامي لكل أفراد المجتمع المسلم.
فالبيت الواسع، الملائم يمثل مجالاً كبيراً لتربية أطفالنا المميزين على قواعد التربية الجنسيّة، وبدونه تُعاق قدرة المربي المسلم _وبخاصة الأب والأم _ عن تطبيق دقيق، ومحكم لبعض هذه القواعد، فكيف يدرب طفله على سلوك الاستئذان وهو لا يملك في بيته سوى غرفة نوم واحدة؟ وكيف يتمكن من التفريق بين أبنائهم في المضاجع، وبيته لا يضم سوى غرفتين للنوم، إحداها للأبوين، والأخرى يتكدس فيها الأبناء ذكوراً وإناثاً؟ وهل يمكنه منع الإثارات الجنسيّة، وهو لا يملك الظروف الصحيحة لإبعاد طفله عن هذه الإثارات؟
7_ منع المثيرات الجنسيّة الأخرى:
إن عمليّة التثقيف والتدريب على ضبط النفس عن المثيرات الجنسية، وتعيين ضوابط شرعيّة للنظر والتستر بين الآباء والأبناء، والكبار والصغار، الرجال والنساء، إنما يهدف إلى إبعاد الطفل _خاصة المميز _ عن كل مثير جنسي قد يوحي له بشيء، فيقلده تأسيساً بغيره.
ومع افتراض أنّ المربي المسلم قد أتاحت له الظروف تطبيق هذه القواعد، فإنه لا ينبغي أن يغفل عن بعض المثيرات الجنسيّة الأخرى التي تشكل فعلاً مناخاً للانحراف الجنسي عند الأحداث والمراهقين، ومن هنا أوصى المشرع الإسلامي في تعليماته بالانتباه الجدي لخطر هذه المثيرات على شخصيّة الطفل المميز غير البالغ سواءً في نطاق الحياة العائلية أو في الأماكن العامة، فإنّ مظهراً من هذه الإثارات لها دلالاتها، وإيحاءاتها النفسيّة الخطيرة، بالرغم من أن بعض المثيرات ليس واضحاً لدى الأطفال المميزين بدرجة كافية.
وقد صرّحت النصوص الإسلاميّة بخطورة هذه المثيرات، وكشفت عن الموقف المتشدد الذي اتخذه المشرع الإسلامي إزاءها، ومن هذه المثيرات ما يلي:
أ_ التقبيل:
ويتخذ ثلاثة مظاهر على النحو التالي:
أ_ تقبيل الزوجين لبعضهما البعض أمام نظر الطفل المميز؛ وقد نهى المشرع بشدة هذا السلوك ليجنب الصغار مشاكله مستقبلاً، وما دام المشرع قد جعل التقبيل بين الزوجين جزءاً من العمليّة الجنسيّة، فإن عليهما أن يمارساه بسرية دون السماح لغيرهما أن يراقبهما، فيتأسى بسلوكهما.
ب_ تقبيل الآخرين _رجالاً ونساءً _ لبعضهم أمام رؤية الطفل المميز، في الأماكن العامة.
ج_ تقبيل الكبار من الجنسين للصغار: تقع أحياناً بعض حالات التقبيل بين البالغين وغير البالغين من الجنسين للصغار دون صلة رحم، فقد نهى المشرع عن تقبيل المرأة للغلام الذي بلغ سبع سنين خاصة، ولا يجوز للرجل أن يقبل فتاة أو جارية بلغت ست سنين، وليس بينهما صلة رحم، قال الرسول الكريم (ص).
"إذا بلغت الجارية ست سنين، فلا يقبلها الغلام، والغلام لا تقبله المرأة إذا جاوز سبع سنين".
ب_ وضع الفتاة في حجر الرجل الأجنبي (غير المحرم):
هذه حالة تحدث كثيراً في البيوت المسلمة، والمشرع ينهي الرجل الأجنبي (غير المحرم) أن يضع في حجرة فتاة لها صلة رحم بينه وبينها، وقد بلغت من العمر ست سنوات، وهي فترة قريبة من النضج الجنسي خاصة في الحالات النادرة جداً، فجلوسها في حجر رجل أجنبي أمر غير مرغوب فيه كما نصّت على ذلك الروايات وقد يكون هذا الجلوس ملامسة بين عضوي رجل وفتاة لا صلة رحم بينهما أو تجنباً لتعود الفتاة على الجلوس في أحضان الغير، وقد اقتربت من سنين بلوغها من الناحية الجنسيّة.
ج_ النوم تحت لحاف واحد:
نهى المشرع الإسلامي عن نوم الصغار مع آبائهم وأمهاتهم تحت لحاف واحد، إلاّ إذا كان طفلاً غير مميز، وبالرغم من ذلك فقد نصح المشرع المؤمنين والمؤمنات بالالتزام بضوابط عملية التفريق في المضاجع، قال النبي (ص): "لا ينام الرجلان في لحاف واحد إلاّ أن يضطر، فينام كل واحد منهما في إزاره، ويكون اللحاف بعداً واحداً، والمرأتان جميعاً كذلك" ثم أضاف (ص): "ولا تنام إبنة الرجل معه في لحاف ولا أمه".
8_ مراقبة حالات النضج الجنسي المبكر:
قلنا مراراً باحتمال حدوث حالات نادرة للنضج الجنسي المبكر الذي يحدث للفتى، والفتاة قبل الأوان المعروف للبلوغ، ولو أخفق المربي المسلم في مراقبة هذه الحالات واكتشافها قبل أن تحدث، اضطربت الحياة الجنسيّة عند البالغين مبكراً، حيث لم يستعد المربي والناضجون جنسياً مبكراً للتغيرات الجنسيّة، وبالتالي تحدث مشكلات تضر بمسألة العفاف الجنسي والأخلاقي.
أمّا المراقبة فتعني فهماً لحالة النضج الجنسي المبكر وللعوامل التي أدّت إليها، وإدراكاً للتغيُّرات المصاحبة، وهذا كله يتطلب من المربي أن يبكر في عملية الاعداد الجنسي للصبي المميز، وللصبية المميزة لتفادي المشكلات التي يحتمل بروزها على أثر النضج الجنسي المبكر.
9_توجيه الطفل المميّز لاستثمار وقته:
الطفل في عالمنا المسلم يعيش _للأسف _ أكثر وقته في العبث، بل هو أتعس فئات المجتمع المسلم من هذه الناحية، فلا يشعر حتى أبواه، ويوفرا له فرصاً مناسبة لاستثمار وقته، ويشعر من خلالها بالانتاج الملموس، والابداع في استعمال قدراته الذاتية الخاصة.
ورأي المشرع حاسم إزاء قضية الوقت، فيلح على استثماره في الخير، وتفجير الطاقات الإنسانيّة، والواقع أنّ الآباء والأمهات ليسوا مسئولين فقط عن إضاعة أوقاتهم الخاصة بهم، بل هم يُسألون عن كيفية استثمار أوقات أطفالهم أو إضاعتها، ولهم أو عليهم أجر أو وزر تدريب أطفالهم على الانتفاع بالوقت أو إضاعته.
إن المشرع الإسلامي يأمر _للمربي المسلم _ بضرورة توجيه الأبناء الصغار نحو الخير واستثمار وقت الصغير في الأنشطة الترويحية المفيدة، والمباحة شرعاً، بل إنه يسعى إلى ربط عملية التوجيه للأطفال في النواحي الجنسية، والترويحية وغيرها، بالوظيفة العباديّة، وتعميق هذه النظرة في ذهن الطفل، فليس التوجيه نحو المناشط الترويحية والمطالعة والألعاب، والتمارين الرياضية، وتنمية المهارات الحركية غاية في ذاتها، بل هي جميعاً وسيلة المربي لتقوية علاقة الناشئة بالله عز وجل.
والتوجيه التربوية لاستثمار الوقت تبدو أهميته في النواحي التالية:
1_ صرف نظر الطفل _والمميز خصوصاً _ عن الإنشغال بالمناظر المهيجة لنشاطه الجنسي.
2_ تدريب جسمه على مهارات أساسيّة يحتاجها في حاضر أيامه ومستقبلها كالمهارات الحركية مثل السباحة والرومي، والسباق، والتمارين الرياضية الأخرى.
3_ تشغيل عقله في مناشط ترويحية تحتاج لتفكير، وتثقيفه عن طريق المطالعة المستمرة، وممارسة هوايات الرسم المباح وغيره من المباحات.
4_ إشغال الطفل المميز بمناشط ترويحية كالسفر أو الرحلات الجماعية التي تقوم بها المساجد، والمؤسسات الإسلاميّة الأخرى.
5_ تعميق روح المؤاخاة والصداقة بين الأطفال، وتأكيد الروابط الاجتماعيّة بينه وبين أقرانه، باعتباره عضواً نشطاً منتمياً لجماعة صالحة.
6_ تدريبه على احترام الوقت، والانتفاع به في إبراز كافة مواهبه الإبداعيّة.
10_ تعيين الحلال والحرام في برامج أجهزة الأعلام:
لا يستطيع الطفل المميز التمييز بين المباح والمحرّم في برامج أجهزة الإعلام وبخاصة الشاشة الصغيرة التي يتعامل معها الجميع يومياً، فينبغي للكبار _أباً وأماً وأختاً وأخاً _ توجيه الطفل دائماً إزاء هذه البرامج، فيشجعونه على التفاعل مع بعضها، والنفور من أخرى، وذلك وفقاً للمحددات الشرعيّة.
ومراقبة الصغار في هذه المسألة تحتاج لمتابعة خلال فترة الطفولة كلّها، وإذا احتاج الأمر إلى الاستمرار في التوجيه خاصة في الأيام الأولى من فترة البلوغ، والمراهقة، فإن على المربي المسلم متابعة جهده دون كلل أو ملل حتى يشعر بالاطمئنان من انضباط المتعلم واستقامته الأخلاقية سواءً في النواحي الجنسية أو في سائر النواحي الأخرى، غير الجنسية.
11_ العقوبة الجنسية:
وتبدو العقوبة ضد المخالفات الجنسيّة أمر نشاز لا يحبذه كثير من رجال التربية المعاصرين، وذلك بسبب ما يترتب عليها من نتائج عكسيّة لعملية التربية، فهذه العملية تقوم على أساس فكرة الاقتناع الداخلي بالأفكار والعادات وليس على الخوف، والقهر، والعنف الذي يؤدي في النهاية إلى نشوء أمراض عصابيّة لدى الصغار، والمراهقين، وفئة الشباب.
وبالرغم من إدراك المشرع الإسلامي لمخاطر استعمال العقوبة لا في مجال التربية الجنسية للطفل وتأديبه على السلوك العفيف فحسب، بل في كل مظاهر النشاط الذي يصدر عن الفرد، ومع ذلك فإن العقوبة أمر لا مناص منه في الحالات التي يتعذر فيها نجاح أسلوب النصح والإرشاد وفي ضبط السلوك الجنسي عند الطفل، لأنّ بعض _الأطفال _ يحبون العناد ويأنسون باهتياج المربي، ولا يرتدعون عن المخالفة الجنسيّة، فإذا أثبت أسلوب النصح عدم جدواه في التأديب، فلا يملك المربي سوى هذا الحلَّ، ولفترة محدودة، لأن المشرع وإن دعا إلى ضرورة استعمال العقوبة أحياناً، إلاّ أنّه ينصح بعدم استعماله كثيراً، خشية مردوداته السلبيّة على الناشئة، والمراهقين.
ومن المؤكد أن العقوبة البدنية التي دعا إليها المشرع لتأديب الأطفال المميزين المخالفين للضوابط الإسلامية في مجال الشهوة الجنسية، لا تكون هي آخر خطوات العقاب، فيمكن للمربي المسلم أن يتدرج في تطبيق العقوبة، كحرمان الطفل من بعض الامتيازات العائلية، أو بعض حقوقه الماليّة، أو المقاطعة لفترة قصيرة، لإشعاره بعدم رضاه عمّا بدر منه، وتكون العقوبة البدنية هي المحطة الأخيرة، وهي وفقاً للمعايير الإسلاميّة تتراوح عادة بين ثلاثة وعشرة أسواط يقدرها الوالي (الحاكم الشرعي أو وكيله، أو بالأب نيابة عنهما).
وقد أثبت تاريخ التربية في المجتمع المسلم أنّ المربي لا يحتاج إلاّ نادراً لتنفيذ العقوبة ضد مخالفة الطفل الجنسية، لأن الآباء في مثل هذه الحالات لا يتأخرون عن اعتماد النصح والتوجيه هذا من جهة، ولا يجدون في بيئتهم مُثيرات مهيجة للشهوة الجنسية بعنف كما نجد ذلك في هذه الأيام، وعلى كل حال فكما يؤدب الطفل المميز _بالضرب _ على تساهله إزاء الصلاة أو الوضوء، كذلك يضرب بعد النصح والإرشاد إذا صدرت عنه مخالفة جنسيّة فاضحة تنذر بإشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم.
12_ الزواج المبكر:
وهذه الخطوة الوقائية، ربّما تكون حلاًّ عملياً لمشكلة عدم انضباط الفرد جنسياً، وتتم دائماً بعد بلوغه _الحلم _ مباشرة، إذ يلجأ إليه المربي المسلم بعد فشل التربية الجنسية للطفل خلال فترة الإعداد والتأديب، وحين يشعر الأب بعدم الاطمئنان على مستقبل استقامة ابنه وعفته الجنسية.. إنه يحاول قبل أن يفلت الأمر من يده، لضمان عفته وتجنيبه نقطة من الانحراف لا عودة إليها.
وقد اقترح علماء النفس، والتربيّة، والجنس باعتماد هذا الحل إذا لم تنفع في تربيته جنسياً كل أساليب التربية، لأن الزواج المبكر حل مشروع يسمح للبالغ المراهق الذي لم يقدر على ضبط شهوته الجنسية، أن يشبعها دون تعرضه لمخالفات قانونيّة أو نقد اجتماعي، وضغط عائلي أو قلق نفسي، فالزواج المبكر يزيح التوتر من داخل النفس المراهقة، بل ويحقق له انسجاماً نفسياً، وتقديراً اجتماعياً من الآخرين.
فطالما غير مسموح للبالغ المراهق بتفريغ الشحنة الانفعالية لشهوته كرجل، وهو عاجز عن ضبط اندفاعات هذه الشهوة وإلحاحها الحيواني، فإنه يواجه حينئذ حالة شديدة من الصراع النفسي بسبب تعارض دافعين أحدهما يدفعه في طريق الشهوة، وآخر يصده عن الإشباع، وإذا لم يتمكن المربي المسلم من إزاحة ألم هذا الصراع، فلا مناص من وقوعه في براثن المرض النفسي، ويظل بعد ذلك وقوداً للانحراف الجنسي، يطحنه ألم الضمير، وقسوة قانون الغيب الاجتماعي.
لهذا قرّر بعض خبراء التربية الاعتماد على الزواج المبكر كخطوة وقائية وعلاجية في آن واحد، وقائية ضد عوامل الانحراف المرتقبة، وعلاجيّة للتمرد الذي عاشه قبيل المراهقة ضد القيم التربوية.
وكان الزواج المبكر أسلوباً تربوياً سائداً في البيئة المسلمة طوال التاريخ، لحل المشكلة الجنسية، ونجح في السيطرة عليها، بالرغم من المشكلات المتعلقة أساساً بالنظام العام للزواج في المجتمع، كتزويج الأقارب، وبدون رضا الفتاة مثلاً.
والمشرع إجمالاً لا يفرض هذا الحل، لكنّه يدعو إليه خاصة في الحالات التي يترتب وضع شاذ إذا بقيت دونما زواج، ولهذا ترك المشرع للمربي المسلم حرية اعتماد هذا الحل لمواجهة المشكلة الجنسية أو اتباع طرق أخرى مناسبة.
.................................................. ...............
المصدر :التربية الجنسية للاطفال والبالغين . ونسالكم الدعاء وطلب المغفرة لي ولكم
كما أن المشرع ينظم حركة النفس واندفاعها في مجالات النمو الانفعالي، والاجتماعي، واللغوي، والأخلاقي، والحركي، فإنه أيضاً اتخذ خطواته الدقيقة لضبط الميل الجنسي عند الفرد. ونظراً لأهميّة هذا الميل الفطري في سلوك الشخصيّة العبادية، وأثر انعكاساته عليها، نجد المشرع الإسلامي يتشدد كثيراً في ضبطه، وربما يعود ذلك إلى ارتباط النشاط الجنسي بالعفاف والحياء الفكري في التركيبة الآدميّة.
إنّ المشرع في ضبطه لهذا النشاط خلال فترة الطفولة المتأخرة يتشدد كثيراً فيمنع كل إثارة جنسية أمام الطفل حتى الكلام، والنَفَس اللذان يصاحبان العملية الجنسيّة نفسها بين الزوجين، وهذا يمثل جزءاً من خطته الأساسيّة في عملية التحسين البيئي للسلوك الجنسي التي يبدأ المربي المسلم بتنفيذها قبل أن يولد الطفل أحياناً، وذلك عن طريق تغيير نظرة الكبار للمسألة الجنسية، وأثر انعكاسات هذه النظرة على انحراف أو استقامة الطفل من هذه النّاحية.
ومما لاشك فيه أنّ عملية تحسين السلوك الجنسي لا ينفذها المشرع الإسلامي في عالم الصغار وحدهم، بل في حياة الكبار بالدرجة الأولى، لأن المربي المسلم إذا نجح في تنظيم النشاط الجنسي لدى الكبار انعكس ذلك على التربية الجنسية للصغار، حيث يقوم الكبار وبخاصة الوالدين بعملية تدريب الصغار على المواقف الجنسيّة السليمة، فإذا كانت الثقافة الجنسيّة الإسلاميّة غائبة عن وعي الفئة التي أنيطت بها مهمة التربية، ترتب عن ذلك فشل ذريع في اكتساب الصغار للعادات الجنسية المطلوبة حسب وجهة نظر المشرع، ولكن سوف تكون مهمة التربية الجنسية للصغار أكثر سهولة حينما يتمتع الكبار بثقافة جنسيّة إسلاميّة، وبالأحكام الفقهيّة المتعلقة بها.
وعلى كل حال تكون مسئولية الكبار وبخاصة الوالدين _مزدوجة _ تجاه أنفسهم، وتجاه صغارهم سواءً كانوا أطفالاً مميزين أو الناشئة الأحداث، أو حتى من المراهقين الذين بلغوا فعلاً الحُلم وفق المعايير الشرعية المحددة.
مفهوم تحسين السلوك الجنسي:
ويقصد به ببساطة، مجموعة الخطوات، والإجراءات، والقواعد، والأفكار الوقائية والعلاجيّة التي يتبعها المربي المسلم في تربية أجيال مسلمة جديدة خالية بفعل التعديل الإسلامي المستمر من كافة الاستعدادات الوراثية للانحراف الجنسي، أو قادرة بفعل تدخل البيئة الإسلاميّة على تحقيق العفّة الجنسيّة والتكيف السليم في المواقف الجنسيّة في فترات البلوغ وما قبلها، وما بعدها.
حاجتنا لتحسين السلوك الجنسي:
لما كانت مجموعات كبيرة من أطفال هذه الأمة، وأحداثها، ومراهقيها تكتوي بوهج نار الانحرافات الجنسيّة، فإنّها بحاجة شديدة إلى هذه العملية السلوكية الحضارية للقضاء على هذه الإنحرافات الخطيرة، وإزالة آثارها عن واقع ومستقبل الأمة، وتعطيل طاقاتها عن أداء مسئولياتها في حمل المبادىء الإسلاميّة للآخرين، ولكنّ الأمة لا تستطيع أن تضطلع بهذه الأمانة التاريخية إلاّ بتدمير عناصر الفساد في بنية مؤسساتها الداخليّة، وبخاصة عوامل الانحراف في هذا المجال، لأنّ المشكلة الجنسيّة ليست سوى أحد هذه العناصر التي تعوق أجيال الأمّة عن الفعل الحضاري الحاسم.
ومن هنا لا تتجلى لنا أهميّة عملية التحسين الوراثي والبيئي للسلوك الجنسي بتكوين جيل نقي من عوامل الانحراف الجنسي فحسب، وإنما تتضح حاجتنا إلى هذه الخطوة الكبيرة في مختلف مجالات المعرفة، والتربيّة، لأن خطورة المشكلة الجنسية على الناشئة والمراهقين والشباب تمتد بآثارها السيئة إلى مدى أبعد مما نتصور، فقد صوّر المشرع الإسلامي حتى النظرة الجنسيّة المحرّمة، كسهم من ساهم إبليس تدليلاً على قوة تأثيرها، وبالتالي تؤثر هذه المشكلة كما تؤكد وقائع الحياة وشواهدها على اتجاهات هذه الفئات واهتماماتها بوجه أخص، لذلك لا يريد المشرع من خلال هذه العملية أن يصنع عفّة في ضبط النفس عن كل شهوة جنسيّة محرمة فحسب، بل يستهدف تحقيق استقرار نفسي لأفراد المجتمع المسلم، وهو دونما شك جسر حيوي يساعد هذه الفئات على ضخ نفسيّات أفرادها بموانع داخلية تصد عن ارتكاب المعاصي في مجالات السلوك بما فيها مجال السلوك الجنسي.
عملية تحسين سلوكنا الجنسي.. مهمة عبادية:
والأهم من ذلك كلّه أن يكون قيام المربين وتعاونهم على انجاز هذه المهمة الحضاريّة عملاً تعبديّاً، فالتربية الجنسية تصون جانباً من الشخصيّة المسلمة، وتحفظ بتعاليمها التوازن الداخلي للفرد المسلم إزاء مظاهر النشاط الجنسي، إنّه بأمر المشرع الإسلامي يتعلم من هذه التربية الحلال والحرام، ويتعرّف على النجاسات وأحكام التطهر منها، ويسهم بقدر كبير في تكوين أجيال للأمّة متصلة بالله عز وجل حتى في الأمور التي تسلب وعي الإنسان لقوة تأثيرها.
إن عملية الانتقاء الزوجي، واختيار المرضع، وفهم آداب العلاقة الجنسية، وتجنب الحالات المسببة للإنحراف الجنسي والتقيد بالحالات الأخرى المؤدية للعفاف الأخلاقي، واضفاء الطابع الروحي على العلاقة الجنسية، والقيام بتدريب الناشئة على القواعد الإسلامية المنظمة للسلوك الجنسي، والتوجيه الإسلامي المستمر وتبليغ الأحكام الخاصة بذلك لهم، وتعاون المجتمع أفراداً ومؤسسات لإنجاز هذا المشروع الحيوي، يعكس جانباً من الوظيفة العبادية التي كلّف _بإنجازها _ الفرد المسلم، ولن يتمكن من تحقيق هذا المشروع بغير تفهم النظرة الإسلاميّة لهذا الشأن، وهي نظرة موجودة في القرآن والسنّة.
هكذا ليست عملية تحسين السلوك الجنسي وسيلة لتحقيق العفة فحسب، بل هي جانباً حيوياً يراه المشرع الإسلامي لإنجاز الوظيفة العباديّة، والبحث عن التقدير الإلهي، وينبغي أن يتعلّم الطفل المميز، والمراهق، وجميع البالغين أنّ قمة التوافق النفسي لا تكون بتحقيق العفة، وضبط النفس عن الشهوة الحرام فحسب، وإنما بحسن التكيف مع الموقف الشرعي في كل قضايا السلوك.
المنهج الإسلامي والتربية الجنسيّة للكبار:
كما أن المشرع الإسلامي يدعو في كثير من النصوص والروايات على ضرورة أداء مسؤولية التربية الجنسية للطفل المميز، والمراهق تمهيداً لمواجهة تغيرات المرحلة الجنسية، كذلك يدعو إلى البدء بالتربية الجنسية للأباء والأمهات، والمعلمين، والتربويين أولاً، لأنهم وسيلة المشرع للقيام بأعباء التربية الجنسية للصغار، لذلك نجد هذه النصوص والروايات تحث باستمرار على ضرورة تنظيم السلوك الجنسي بين الزوجين، وبينهما وبين الأبناء، فالعائلة كيان واحد يؤثر بعضه على بعض، ومن المؤكد أن حسن أو سوء تنظيم العلاقة الجنسيّة بين الأبوين يترك أثره على شخصية الأبناء.
وبحكم أن الأباء والأمهات وغيرهم من فئات الكبار، لهم تأثير مباشر ودائم _أحياناً _ على صغارهم، حرص المشرع الإسلامي على التأكيد على مسألة استيعاب هؤلاء لوجهة النظر الإسلاميّة في المسألة الجنسيّة من الناحيتين النظرية والعملية، حتى يعينهم ذلك على القيام بأعباء التربية الجنسيّة تجاه أنفسهم، وتجاه أبنائهم ذكوراً وإناثاً.
وبالرغم من أنّ البرنامج الإسلامي للتنظيم الجنسي بين الزوجين متكامل، بل ومتفرد في بعض خصائصه، إلاّ أن المشرع كعادته لا يمانع أبداً أن يتضمن برنامجه في تربية الكبار جنسياً، أية اجتهادات صحيحة من قبل العلماء، ولا يرفض بالتأكيد الحقائق العلمية، التي توصل إليها علم التشريع، وعلم الحياة، وعلم النفس، والصحة الجنسية، والفروق الفردية بين الجنسين، وبين الكبار والصغار، والقواعد الأخلاقية والاجتماعية التي أدركها العقل البشري بفطنته الفكرية، وبحياء وجدانه الأخلاقي النقي، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها.
ويتم البرنامج الإسلامي في التربية الجنسيّة للكبار وبالذات "الأبوين" عن طريقين هامين هما:
أولاً _ تغيير نظرة الكبار للسلوك الجنسي:
يحدّد المشرع الإسلامي نظاماً مُتكاملاً للتربية الجنسيّة لدى الكبار، حتى يقدم هؤلاء جيلاً نقياً من الناحية الجنسيّة، ونظيفاً من عوامل الانحراف قدر المستطاع، لكن هذا النظام لم يستوعبه الكثير من أفراد المجتمع المسلم أو لم يترب عليه البعض منهم لسبب ما، وبخاصة في القرون المتأخرة التي شهدت انحطاطاً عاماً خطيراً في تفكير الأمة، وابتعد وجدان أفرادها عن المفهوم الإسلامي في أغلب مجالات التربية الأخلاقية والعائلية، خاصة في مجال التربية الجنسيّة التي تعتبر من أخفى الأمور وأصعبها حساسيّة لدى العائلة المسلمة.
ولقد حشد المشرع في القرآن والسنّة والفقه الإسلامي نصوصاً تشكل منهاجاً متكاملاً للتربية الجنسية عند الكبار، وبقيت هذه النصوص حتى الآن السياج القوي الذي يحفظ العائلة المسلمة في أستر جزء من حياتها، ولأن هذا الجزء مستور، وذو حساسيّة أخلاقية معقدة، تساهل الناس _مع الأسف _ في التعرف على الرؤية الإسلاميّة في موضوع العلاقة الجنسيّة بين الزوجين، وبينهما وبين أبنائهما، وأدى ذلك التهاون إلى غموض وجهة نظر المشرع إزاءه عند البعض منا، وجهل البعض الآخر التام به، وقد ظل الحال على ما هو عليه حتى بدأت موجات الغزو الثقافي الغربي تتخذ لها مواقع السيطرة على النفس المسلمة المعاصرة، واكتشف الغربيون أن تزمت النظرة الجنسية عند الفرد المسلم يمكن أن تكون مدخلاً واسعاً لتذويب الطابع المتميّز للشخصيّة المسلمة.
ثانياً _ الطابع الروحي للعلاقة الجنسية:
تمتاز العلاقة الجنسية في وجهة نظر المشرع الإسلامي بطابعها الروحي، إذ تقترن هذه العمليّة بمجموعة من المظاهر الروحيّة التي تؤكد في معانيها على الطهارة، والعفة، والتقوى الأخلاقيّة للمسلم، ولمّا كانت هذه العملية تتحدد كما يرى المشرع بأوامره ونواهيه، فإنّها وسيلة مشروعة لإنجاز المهمة العبادية، فإن أتمّها على النحو المطلوب أجر العبد عليها، وإن تأخر عن ذلك تمّت مساءلته بين يديه عزّ وجل، ومما لا شك فيه أنّ ارتباط هذه العمليّة بالوظيفة العبادية، يطبعها بالنزعة الروحانيّة، إذ يبدأ الفرد المسلم وقت الشروع بها، بذكر الله والتسمية، والوضوء، والصلاة أحياناً، والأدعية، وسوف نشير إلى بعض النصوص التي تقرن العملية الجنسية بطابعها العبادي الروحاني.
"ومما له دلالة بالغة في آداب هذا الفعل اعتبار ذكر الله سبحانه وتعالى كمقدمة للفعل الجنسي، فقد ورد في الحديث أنه يستحب أن يكون على وضوء خاصة إذا أراد تكرار الجماع مرة أخرى، وإذا كان الدخول في ليلة الزفاف، فإنه يستحب أن يضع يده على ناصيتها (جبهتها) ويدعو الله أن يرزقه الله ولداً صالحاً لا سلطان للشيطان عليه، وأن يبدأ الفعل الجنسي بالتسمية، هذه الآداب وأمثالها تهدف إلى إضافة لون من ألوان الروحانية على الفعل الجنسي بما هو نعمة من نعم الله تعالى، ينبغي شكره عليها وذكره بها، وفيها إزالة للصفة الحيوانية والآلية البحتة ليكون عملاً إنسانياً إرادياً واعياً، فهو جزء من التوجه التربوي العام الرامي إلى مزج المادة بالروح في شؤون المسلم المادية، كي لا يقسو قلبه ويعتاد على الاغراق في المادة ولو في الأمور المحلَّلة.
يمتد الطابع الروحي للعلاقة الجنسية إلى أكثر مما سبق ذكره، حيث أكدت النصوص الشريفة حرمة، وكراهة ممارسة الفعل الجنسي مع الزوجة في ظروف وحالات معينة، مثل حرمة استقبال القبلة واستدبارها وقت المجامعة. وكراهة الجماع بين الأذان والإقامة، والمجامعة من رجل احتلم ولم يغتسل من احتلامه أولاً، ويكره الوقاع من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشفق، وحين اصفرار الشمس، وتحت الشجر المثمر، وأمام صبي غير مميز ينظر لهما، وعلى سقوف البنيان المكشوفة.
وبمعاينة بعض الحالات التي تطبع الفعل الجنسي بمسحة روحانية، نجد تأكيداتها واضحة على العلاقة بين الدعاء _كمظهر روحاني _ وبين حالة التقوى، فهذه الحالة النفسانية والأخلاقيّة تتضمن مجموعة من السمات الإيمانية متوفرة في الشخصية التقيّة، كالأمانة، وحسن الخلق، وعفة البطن، والفرج، والتواضع، وهذه السمات الشخصية _للتقي _ لا سيما "عفة الفرج" ضمان من الانحراف، وعوامل مساعدة على تحسين السلوك الجنسي.
إن الذكاء، والتقوى، والسواء عناصر أساسيّة لنجاح عملية تحسين السلوك الجنسي، فبواسطة العقل والإدراك يكتسب الفرد المسلم الثقافة الإسلاميّة في موضوع الجنس، وبالتقوى تتحكم إرادة الفرد في الأهواء، وتسيطر على الشهوات بما فيها الشهوة الجنسية وعن طريق الجسم السليم تنمو خلاياه، وتفرز هرموناته بصورة طبيعيّة تمكنه من الفعل الجنسي السليم، وتبعده عن كافة الأمراض، والقابليات الوراثية المساعدة على الانحراف، وبخاصة في الناحيّة الجنسيّة، فالشخص السوي يتمتع بالتكيف الحسن مع المواقف الجنسيّة فيطبع بتقواه الفعل الجنسي بطابع روحاني، ويجاهد نفسه عن الاستجابة للمثيرات الجنسية الشاذة.
خطوات تحسين السلوك الجنسي:
يولي الشرع الإسلامي عنايته البالغة بالطفل قبل أن يولد، وخلال الحمل، والرضاع، والمراحل النمائية الأخرى، باعتبار أن النمو النفسي بأكمله يتأثر بالظروف المصاحبة، ومما لا ريب فيه أنّ هذه العناية لا تهدف لتربية مواطن صالح كما تؤكد على ذلك المناهج الوضعية، فالمشروع همّه إعداد وتربية الإنسان المسلم الذي يتجاوز بنظرته كل الحدود التي وضعها الإنسان لتثبيت عصبيته ونوازعه العرقية، إنه يريد إعداد الإنسان الرسالي الذي حمل على عاتقه عبء مسئولية التبليغ والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لهذا كانت عنايته من الجذور، ويوجه اهتمامه _للإنسان _ في كل جانب، ويرسم خطواته بدقة لضمان تكوين أجيال من الإنسانيّة قادرة على تحمل مسئولية انجاز الوظيفة العباديّة.
أولاً _ خطوات التحسين الوراثي وتشمل ثلاثة مداخل:
أـ عملية الانتقاء الزوجي:
أمر المشرع بعملية الانتقاء الزوجي لأهميتها في تكوين العائلة المسلمة، وأثرها في تحديد سمات الشخصية، لأن المولد يتأثر بالصفات المزاجيّة، والعقليّة، والجسميّة للوالدين، ولأقاربهما، ومن هنا حرص المشرع على ألاّ تكون هذه الخطوة عملاً ارتجالياً، غير متقن، يخضع لنزعات شهوانية بعيدة عن التعقل.
ويقصد من هذه العمليّة أن يختار الزوجان بعضهما وفق المحددات الإيمانيّة، وخاصة قاعدة أن "المؤمن كفؤ المؤمنة"، وقد صرّحت النصوص الإسلامية إلى ذلك أكثر من مرّة، قال الرسول الكريم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" وأمر كذلك أولياء الأمور بضرورة اختيار الزوج الصالح، "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه".
وبالتأكيد فإنّ المشرع نهى بشدة من المتزوج بخضراء الدمن، أو زواج المرأة لرجل سيء الخلق، يخرج من ذنب فيدخل في ذنب آخر، كما نهى بوجه أخص من اختيار البغي، والمجنونة وآكلة لحم الخنزير. وشارب الخمر، كزوجات، وبالعكس، لأنّ هؤلاء الأفراد جميعاً ينقلون سماتهم إلى الأبناء عن الوراثة البيولوجيّة، جاء في المرويات: "تخيروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس".
ومن أجل تحسين السلوك الجنسي نهى المشرع من الزواج بالبغي، والمرأة المستعلنة بالزنا أو الرجل الذي يعيش في أجواء هذا الانحراف الجنسي، والسبب في ذلك رغبة المشرع في تجنيب المولود أية استعدادات وراثية للانحراف الجنسي.
ب_ ملابسات الجماع:
أولاً: بتجنب الحالات المسببة للانحراف الجنسي وقت الجماع، حتى لو كانت الزوجة صالحة. ثانياً: بالحرص على التقيد بالحالات الجنسيّة المساعدة على العفاف في هذه الناحيّة وغيرها، كما أكد. ثالثاً: على الطابع الروحي للجماع.
ج_ الرِّضاعة:
إن عملية الرضاعة لها الدور الكبير في نقل الخصال السيئة من الناحية الجنسية، فإن لها أيضاً أثرها الواضح في اكتساب الطفل خصالاً طيبة تعينه في مستقبل حياته على ضبط نفسه، وتمده بأسباب العفاف وتمنحه فرصاً كبيرة للسيطرة على نوازعه الجنسيّة وغير الجنسيّة منذ نعومة أظفاره، وخلال دورة العمر التي يحياها بإذنه تعالى.
ثانياً_ خطوات التحسين البيئي للسلوك الجنسي:
يتابع المربي المسلم جهده التربوي لتقوية جذور العفة الجنسية عند فئتي الأطفال المميزين، والمراهقين، بمجموعة من الخطوات العمليّة المتتابعة، وهناك ملاحظات عامة على هذه القواعد.
1_ أول هذه الملاحظات، أن هذه القواعد _صالحة دائماً _ للتطبيق خلال فترات ما قبل التكليف _وبخاصة الطفولة المتأخرة _ ولما بعد البلوغ التي يسمها المشرع بالأوامر، والنواهي، ويمكن للمربي تغير بعض النظرات الشرعيّة والعلمية بمنأى على التغيرات الجديدة، المصاحبة لكل مرحلة على حدة.
2_ أنّ هذه القواعد صالحة في نظر المربي المسلم لدور التربية الوقائية والعلاجيّة، فهي الطريق الصحيح لحماية الشباب المسلم من مفاجآت التغيرات الحيوية التي تتميز بها مرحلة البلوغ المبكر، وهي في الوقت نفسه أسلوب المربي المسلم في علاج مشكلة الانحراف الجنسي عند هذه الفئة، وإعادة تربية الفرد المسلم من الناحيّة الجنسيّة، وفي أية مرحلة من العمر، بحذف ما لا يناسب وتثبيت ما يناسب أية فئة عمريّة.
3_ أنه لا تصلح أن تأتي هذه القواعد التربوية الجنسيّة بحصاد إيجابي في بنية العائلة والمجتمع الا إذا تضافرت جهود الجميع في تطبيقها على حياة الصغار منذ البداية، ولكنه عندما تتخلى بعض المؤسسات عن أداء مسئولياتها في التربية الجنسية بمفهومها الإسلامي، فلا عذر _أبداً _ لغيرها في التحلل من أداء واجبها، بدعوى أنّ ما تبنيه مؤسسة تهدمه أخرى، بل إن مسئولية المؤسسة البناءة تتضاعف، ويكبر حجم الواجب الملقى على عاتق القائمين عليها، فتتصدى للتخريب من جهة، وتحاول من جهة أخرى عزل الناشئة قدر الإمكان _عن الاتجاهات التخريبية للمؤسسات.
4_ يلاحظ كذلك أنّ المشرع يتشدد خلال هذه المرحلة بمنع كل إثارة جنسية، ليضمن تكوين جيل عفيف يؤسس نشاطه الجنسي على القرآن والسنة، وقد يضطر المربي المسلم بعد استنفاذ كل أساليب النصح والإرشاد إلى استعمال الحزم، والعقوبة، خاصة مع طفل مميز يعقل الأمور ويعاند.
يقول أحد الباحثين المسلمين: "إن المشرع _على سبيل المثال _ يشدد بنحو بالغ المدى في المنع من أي تعامل جنسي حتى في نطاق الظل أو الرائحة التي تنُّمُ عن ذلك، إنه يمنع الأطفال من ممارسة التقبيل مثلاً، حتى مع بداية المرحلة التي يتجاوزون بها السابعة من العمر.
يقول (ع): الغلام لا يقبل المرأة: إذا جاز سبع سنين.
أكثر من ذلك، يمنع المشرع حتى مجرّد التجاور في المضاجع، فيما بين الصبية أو الصبيات أو هما، يقول (ع): الصبي والصبي، والصبي والصبية، والصبية والصبية، يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين.
5_ إن تطبيق هذه القواعد يخضع لمبدأ الفروق الفرديّة، وبخاصة أن هذه الفروق حقيقة لا بين الفتى والفتاة، بل بين كل فرد وآخر من جنسه، فمثلاً أوصت الروايات بتفرقة المضاجع في سنين مختلفة، فبعضها أشار إلى أن السادسة صالحة لهذا الفصل، وأخرى أكدت على سن السابعة، وغيرها في الثامنة أو العاشرة، وعلى المربي أن يكتشف الفارقية بين الأطفال في نموهم العقلي، والانتباه إلى سن الإدراك والتمييز لديهم حتى إذا يبادر إلى تثبيت هذه القاعدة أو تلك بناءً على فارقية سن التمييز بين الأطفال.
قواعد إحتياطية للتربية الجنسية للطفل:
1_ تثقيف الطفل جنسياً وفقهياً:
إنّ الطفل بحاجة منذ بدء تعقله، وتمييزه للأمور إلى إمداده بالمعلومات الجنسية التي تلائم سنه، وتعليمه بمختلف الأحكام الفقهية شيئاً فشيئاً، خاصة ما يحتاج إليها من آداب التربية الجنسية، كتدريبه على كيفية الاستنجاء، والاستبراء إن كان ذكراً، وضرورة إدارة وجهه _وقت التخلي _ عن القبلة استقبالاً واستدباراً، وكيفية تطهير ملابسه من البول والغائط، وغسل بقع الدم من جسمه أو ثيابه حين وقت الصلاة أو غيرها.
إن هذا الإعداد المبكر يوفر قدرة أفضل للطفل المميز للتكيف السليم مع المواقف الجنسيّة، ويحميه من حرج شديد قد يتعرض له مستقبلاً، وبخاصة في فترة البلوغ.
2_الاستئذان:
شدّد المشرع الإسلامي على أدب الاستئذان منذ الصغر، باعتباره مدخلاً لقاعدة الاحتشام، وقد نصت الآيتان رقم 58 _ 59 من سورة النور على هذا المبدأن، وقد آن الآوان أن يعود إلى البيوت المسلمة بعد غياب طويل، تعرضت فيه هذه البيوت إلى تجاوزات ضد أحكام العورة وآداب العلاقة الزوجيّة بأسرها.
وبمعاينة الآيتين الشريفتين المذكور نجد المشرع يشير إلى فترتين لتطبيقه، عملاً بمبدأ التدرج في التربية الجنسيّة للطفل، فالفترة الأولى سمح المشرع للأرقاء والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم _خاصة المميزين _ بالدخول على غيرهم، وبالذات الأبوين، ما عدا ثلاثة أوقات هي: قبل صلاة الفجر.. وحين وضع الثياب من الظهيرة.. ومن بعد صلاة العشاء، فهذه الأوقات ثلاثة عورات لا ينبغي لأحد حتى الصغار الذين لم يبلغوا، حق الدخول على غيرهم.
ويظل هذا الأدب هو الصورة الطبيعية بين الآباء وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم، ولكن الأمر يتغيّر بأسره بدخول الطفل فترة البلوغ، والتكليف الشرعي، والإلزام في تطبيق الأوامر والنواهي الإلهيّة، وعندئذ يدخل مبدأ الاستئذان عهداً آخر، ويظل هو نمط العلاقة الأسرية، والاجتماعية في كل حين، فلا يمكن للبالغ أن يدخل على غيره بغير استئذان في مختلف الأوقات، صيانة لأعراض المنازل، وحفاظاً على تماسك الروابط العائلية، بل ترتب عن هذا المبدأ قبل البلوغ وبعد أحكام أخرى تتعلق بالنظر إلى العورة، والعلاقة الجنسية، وأحوال الغير.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم، والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّات، من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ثلاث عورات لكم، ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن، طوّافون عليكم بعضكم على بعض، كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم)، (النور/58).
هذا ما يخص الفترة الأولى، استئذان في ثلاثة أوقات.
أما ما يخص الفترة الثانية فيكون بعد البلوغ، وبداية عهد التكليف، يكون الاستئذان فيه شاملاً لكل الأوقات بمقتضى قوله تعالى: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم، فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم، وكذلك يبين الله لكم آياته، والله عليم حكيم)، (النور/59).
وسر لاستئذان واضح للجميع، فبدونه يتم الاطلاع على العورات فيؤثر ذلك على نفسيّة الطفل المميز، وربما تظل المناظر المثيرة تلاحق ذهنه حتى ما بعد بلوغه، فيحدث له ضرراً بالغاً، يضعه بين براثن الصراعات، والأمراض العصابية، فهل تمحى _مثلاً من ذهنه صورة أمه، وهي بين أحضان أبيه، يقبلها أو يداعبها أو يجامعها؟
3_ تعيين ضوابط النظر والتستر:
تشمل هذه المسألة نقطتين هامتين هما ستر العورة للأبوين عن طفلهما وبخاصة المرأة، والمسألة الثانية نوع الملابس وتأثيرها على نفسيّة الطفل.
فأمّا بالنسبة للمسألة الأولى فيمكن القول بأنه يجب على البالغ المكلف ستر عورته عن نظر الطفل المميز، كما يحرم على البالغ أن ينظر إلى عورة الطفل المميز أو يلمسها بشهوة، لأن الصبي المميز يحسن وصف ما يرى، وأكد الفقهاء بأنه: يجب على كل من الرجل والمرأة ستر عورتهما عن الناظر البالغ، وعن الناظر المميز _غير البالغ، وهو الصبي أو الفتاة الذي يكون على درجة من النباهة والوعي.بحيث يتأثر بالأشياء ويعقلها من دون تحديد للعمر.
لكن "يجوز للبالغ أن ينظر، ويلمس كل شيء من جسد غير البالغ ولو كان مميزاً من دون شهوة سواء مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة أو الاتفاق، وإذا ترتب على النظر إلى غير البالغ المميز فتنة الناظر، فإنه يحرم النظر عند ذلك _على الأحوط _ لزوماً.
هذا بالنسبة للنظر إلى عورة الأجنبي.
لكن المشرع تسامح _أن يرى الطفل المميز _ شعرها، وذراعيها وساقيها، ورقبتها عدا العورة "يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه من النساء بدون شهوة، ويحرم عليه النظر إلى العورة، كذلك يحرم عليه النظر إلى ما بين السرة والركبة من جسدهن على الأحوط سواء مع الشهوة أو بدونها، ويجوز للمرأة أن تنظر إلى جسد محارمها من الرجال من دون شهوة، ويحرم عليها النظر إلى نفس العورة ولو من دون شهوة.
ولهذا يجب أن تخفي المرأة زينتها قدر المستطاع أمام طفلها المميز إلا ما أجازه المشرع مثل كشف شعر الرأس والرقبة والذراع، وإظهار قلادتها، والدملج وما دونه، وما يوضع من أدوات الزينة في اليد والرجل وأعلى الصدر شرط أن يكون التزين غير مبالغ، لئلا يكون سبباً للفت نظر الطفل المميز إلى أمر يضر بمستقبل تربيته الجنسية.
والمسألة الأخرى هي الملابس، باعتبارها عاملاً مسبباً للشهوة أو ضابطاً لها. بالرغم من أن بعض الفقهاء أجازوا صحة التستر بالثياب الضيقة، غير أنهم أوجبوا الستر بنحو لا يوجب بروز العورة إذا كان ذلك سبباً لفتنة الناظر فالأفضل في جميع الحالات أن تكون الثياب غير مجسمة للعورة، ولا مبرزة لمفاتن الجسد، فكلّما كانت الثياب واسعة فضفاضة، كان أكمل وأحسن من الناحيّة الشرعيّة والصحيّة كالإلتزام بقواعد النظافة، والبعد عن المهيجات الجنسيّة.
4_ إبعاد الطفل عن العملية الجنسية:
ينعقد رأي الكثير من المربين على ضرورة إبعاد الطفل _خاصة المميز _ عن رؤية العملية الجنسيّة بين الزوجين، لخطورتها الكبيرة على استقامته مستقبلاً، لهذا ينبغي أن يظل العمل الجنسي بينهما في نطاق السرية والكتمان، وأن تساهلهما إزاءه يسبب مشكلات نفسيّة للأطفال المميزين، والمراهقين، ولعلّ أبرز هذه المشكلات الرغبة في الزنا أو اللواطية أو أي مظهر منحرف للنشاط الجنسي.
ومن هنا فإن رأي المشرع الإسٍلامي يقوم على أساس حكمين، أحدهما كراهة أن ينظر طفل غير مميز للأبوين في أية علاقة جنسيّة بينهما، والآخر حرمة رؤية الطفل المميز لهذه السلوك، لأن الأول لا يحسن الوصف لما يراه، والثاني يميّز فيصف لما يرى.
جاء في بعض الروايات الشريفة عن النبي (ص) قوله: "والذي نفسي بيده لو أن رجلاً غشي امرأته، وفي البيت صبي مستيقظ يراهما، ويسمع كلامهما ونفسَهما ما أفلح أبداً. إن كان غلاماً كان زانياً أو جارية كانت زانية".
5_ التفريق بين الأبناء في المضاجع:
هذا العزل في مضاجع الذكور والإناث، ومضاجع أفراد كل جنس على حدة، يعتبر قاعدة تربوية أخرى لنجاح تربيتنا الجنسية لأطفالنا، فعن طريق _التفريق _ يبعد الأولاد عن غرفة الوالدين، ويتم عزلهم عن نطاق المكان الذي تتم فيه العملية الجنسيّة بينهما، كما أن عزل الذكور عن الإناث، بحيث يكون لأفراد كل جنس غرف خاصة مستقلة، يجنب الأولاد من الجنسين أية احتكاكات بدنية يمكن أن تؤدي إلى بعض المداعبات الجنسيّة الخطرة.
ولا يخفى أن يكون العزل في المضاجع وسيلة تربوية يشعر فيها كل عضو من الأسرة بما يمتلكه، بحيث لا يمكن لغيره استعماله بغير موافقته، فقد يحصل على غرفة مستقلة بأدواتها، وليس من حق أحد أن يتدخل في كيفية تنظيمها، وترتيب أثاثها، واستعمال أدواتها، وبالتالي تمكن الفرد من خلال هذا العزل تنمية شعوره بالاستقلالية، والتفرد الخاص لكيانه.
6_ المسْكن الملائم:
كي يتمكن المربي المسلم من إرساء قواعد التربية الجنسية في شخصية الطفل المميز _خاصة الاستئذان، والتفرقة في المضاجع _ يحتاج إلى دار سكن واسعة، ملائمة صحيّاً، فتوفير المنزل المناسب حق ضمنه المشرع الإسلامي لكل أفراد المجتمع المسلم.
فالبيت الواسع، الملائم يمثل مجالاً كبيراً لتربية أطفالنا المميزين على قواعد التربية الجنسيّة، وبدونه تُعاق قدرة المربي المسلم _وبخاصة الأب والأم _ عن تطبيق دقيق، ومحكم لبعض هذه القواعد، فكيف يدرب طفله على سلوك الاستئذان وهو لا يملك في بيته سوى غرفة نوم واحدة؟ وكيف يتمكن من التفريق بين أبنائهم في المضاجع، وبيته لا يضم سوى غرفتين للنوم، إحداها للأبوين، والأخرى يتكدس فيها الأبناء ذكوراً وإناثاً؟ وهل يمكنه منع الإثارات الجنسيّة، وهو لا يملك الظروف الصحيحة لإبعاد طفله عن هذه الإثارات؟
7_ منع المثيرات الجنسيّة الأخرى:
إن عمليّة التثقيف والتدريب على ضبط النفس عن المثيرات الجنسية، وتعيين ضوابط شرعيّة للنظر والتستر بين الآباء والأبناء، والكبار والصغار، الرجال والنساء، إنما يهدف إلى إبعاد الطفل _خاصة المميز _ عن كل مثير جنسي قد يوحي له بشيء، فيقلده تأسيساً بغيره.
ومع افتراض أنّ المربي المسلم قد أتاحت له الظروف تطبيق هذه القواعد، فإنه لا ينبغي أن يغفل عن بعض المثيرات الجنسيّة الأخرى التي تشكل فعلاً مناخاً للانحراف الجنسي عند الأحداث والمراهقين، ومن هنا أوصى المشرع الإسلامي في تعليماته بالانتباه الجدي لخطر هذه المثيرات على شخصيّة الطفل المميز غير البالغ سواءً في نطاق الحياة العائلية أو في الأماكن العامة، فإنّ مظهراً من هذه الإثارات لها دلالاتها، وإيحاءاتها النفسيّة الخطيرة، بالرغم من أن بعض المثيرات ليس واضحاً لدى الأطفال المميزين بدرجة كافية.
وقد صرّحت النصوص الإسلاميّة بخطورة هذه المثيرات، وكشفت عن الموقف المتشدد الذي اتخذه المشرع الإسلامي إزاءها، ومن هذه المثيرات ما يلي:
أ_ التقبيل:
ويتخذ ثلاثة مظاهر على النحو التالي:
أ_ تقبيل الزوجين لبعضهما البعض أمام نظر الطفل المميز؛ وقد نهى المشرع بشدة هذا السلوك ليجنب الصغار مشاكله مستقبلاً، وما دام المشرع قد جعل التقبيل بين الزوجين جزءاً من العمليّة الجنسيّة، فإن عليهما أن يمارساه بسرية دون السماح لغيرهما أن يراقبهما، فيتأسى بسلوكهما.
ب_ تقبيل الآخرين _رجالاً ونساءً _ لبعضهم أمام رؤية الطفل المميز، في الأماكن العامة.
ج_ تقبيل الكبار من الجنسين للصغار: تقع أحياناً بعض حالات التقبيل بين البالغين وغير البالغين من الجنسين للصغار دون صلة رحم، فقد نهى المشرع عن تقبيل المرأة للغلام الذي بلغ سبع سنين خاصة، ولا يجوز للرجل أن يقبل فتاة أو جارية بلغت ست سنين، وليس بينهما صلة رحم، قال الرسول الكريم (ص).
"إذا بلغت الجارية ست سنين، فلا يقبلها الغلام، والغلام لا تقبله المرأة إذا جاوز سبع سنين".
ب_ وضع الفتاة في حجر الرجل الأجنبي (غير المحرم):
هذه حالة تحدث كثيراً في البيوت المسلمة، والمشرع ينهي الرجل الأجنبي (غير المحرم) أن يضع في حجرة فتاة لها صلة رحم بينه وبينها، وقد بلغت من العمر ست سنوات، وهي فترة قريبة من النضج الجنسي خاصة في الحالات النادرة جداً، فجلوسها في حجر رجل أجنبي أمر غير مرغوب فيه كما نصّت على ذلك الروايات وقد يكون هذا الجلوس ملامسة بين عضوي رجل وفتاة لا صلة رحم بينهما أو تجنباً لتعود الفتاة على الجلوس في أحضان الغير، وقد اقتربت من سنين بلوغها من الناحية الجنسيّة.
ج_ النوم تحت لحاف واحد:
نهى المشرع الإسلامي عن نوم الصغار مع آبائهم وأمهاتهم تحت لحاف واحد، إلاّ إذا كان طفلاً غير مميز، وبالرغم من ذلك فقد نصح المشرع المؤمنين والمؤمنات بالالتزام بضوابط عملية التفريق في المضاجع، قال النبي (ص): "لا ينام الرجلان في لحاف واحد إلاّ أن يضطر، فينام كل واحد منهما في إزاره، ويكون اللحاف بعداً واحداً، والمرأتان جميعاً كذلك" ثم أضاف (ص): "ولا تنام إبنة الرجل معه في لحاف ولا أمه".
8_ مراقبة حالات النضج الجنسي المبكر:
قلنا مراراً باحتمال حدوث حالات نادرة للنضج الجنسي المبكر الذي يحدث للفتى، والفتاة قبل الأوان المعروف للبلوغ، ولو أخفق المربي المسلم في مراقبة هذه الحالات واكتشافها قبل أن تحدث، اضطربت الحياة الجنسيّة عند البالغين مبكراً، حيث لم يستعد المربي والناضجون جنسياً مبكراً للتغيرات الجنسيّة، وبالتالي تحدث مشكلات تضر بمسألة العفاف الجنسي والأخلاقي.
أمّا المراقبة فتعني فهماً لحالة النضج الجنسي المبكر وللعوامل التي أدّت إليها، وإدراكاً للتغيُّرات المصاحبة، وهذا كله يتطلب من المربي أن يبكر في عملية الاعداد الجنسي للصبي المميز، وللصبية المميزة لتفادي المشكلات التي يحتمل بروزها على أثر النضج الجنسي المبكر.
9_توجيه الطفل المميّز لاستثمار وقته:
الطفل في عالمنا المسلم يعيش _للأسف _ أكثر وقته في العبث، بل هو أتعس فئات المجتمع المسلم من هذه الناحية، فلا يشعر حتى أبواه، ويوفرا له فرصاً مناسبة لاستثمار وقته، ويشعر من خلالها بالانتاج الملموس، والابداع في استعمال قدراته الذاتية الخاصة.
ورأي المشرع حاسم إزاء قضية الوقت، فيلح على استثماره في الخير، وتفجير الطاقات الإنسانيّة، والواقع أنّ الآباء والأمهات ليسوا مسئولين فقط عن إضاعة أوقاتهم الخاصة بهم، بل هم يُسألون عن كيفية استثمار أوقات أطفالهم أو إضاعتها، ولهم أو عليهم أجر أو وزر تدريب أطفالهم على الانتفاع بالوقت أو إضاعته.
إن المشرع الإسلامي يأمر _للمربي المسلم _ بضرورة توجيه الأبناء الصغار نحو الخير واستثمار وقت الصغير في الأنشطة الترويحية المفيدة، والمباحة شرعاً، بل إنه يسعى إلى ربط عملية التوجيه للأطفال في النواحي الجنسية، والترويحية وغيرها، بالوظيفة العباديّة، وتعميق هذه النظرة في ذهن الطفل، فليس التوجيه نحو المناشط الترويحية والمطالعة والألعاب، والتمارين الرياضية، وتنمية المهارات الحركية غاية في ذاتها، بل هي جميعاً وسيلة المربي لتقوية علاقة الناشئة بالله عز وجل.
والتوجيه التربوية لاستثمار الوقت تبدو أهميته في النواحي التالية:
1_ صرف نظر الطفل _والمميز خصوصاً _ عن الإنشغال بالمناظر المهيجة لنشاطه الجنسي.
2_ تدريب جسمه على مهارات أساسيّة يحتاجها في حاضر أيامه ومستقبلها كالمهارات الحركية مثل السباحة والرومي، والسباق، والتمارين الرياضية الأخرى.
3_ تشغيل عقله في مناشط ترويحية تحتاج لتفكير، وتثقيفه عن طريق المطالعة المستمرة، وممارسة هوايات الرسم المباح وغيره من المباحات.
4_ إشغال الطفل المميز بمناشط ترويحية كالسفر أو الرحلات الجماعية التي تقوم بها المساجد، والمؤسسات الإسلاميّة الأخرى.
5_ تعميق روح المؤاخاة والصداقة بين الأطفال، وتأكيد الروابط الاجتماعيّة بينه وبين أقرانه، باعتباره عضواً نشطاً منتمياً لجماعة صالحة.
6_ تدريبه على احترام الوقت، والانتفاع به في إبراز كافة مواهبه الإبداعيّة.
10_ تعيين الحلال والحرام في برامج أجهزة الأعلام:
لا يستطيع الطفل المميز التمييز بين المباح والمحرّم في برامج أجهزة الإعلام وبخاصة الشاشة الصغيرة التي يتعامل معها الجميع يومياً، فينبغي للكبار _أباً وأماً وأختاً وأخاً _ توجيه الطفل دائماً إزاء هذه البرامج، فيشجعونه على التفاعل مع بعضها، والنفور من أخرى، وذلك وفقاً للمحددات الشرعيّة.
ومراقبة الصغار في هذه المسألة تحتاج لمتابعة خلال فترة الطفولة كلّها، وإذا احتاج الأمر إلى الاستمرار في التوجيه خاصة في الأيام الأولى من فترة البلوغ، والمراهقة، فإن على المربي المسلم متابعة جهده دون كلل أو ملل حتى يشعر بالاطمئنان من انضباط المتعلم واستقامته الأخلاقية سواءً في النواحي الجنسية أو في سائر النواحي الأخرى، غير الجنسية.
11_ العقوبة الجنسية:
وتبدو العقوبة ضد المخالفات الجنسيّة أمر نشاز لا يحبذه كثير من رجال التربية المعاصرين، وذلك بسبب ما يترتب عليها من نتائج عكسيّة لعملية التربية، فهذه العملية تقوم على أساس فكرة الاقتناع الداخلي بالأفكار والعادات وليس على الخوف، والقهر، والعنف الذي يؤدي في النهاية إلى نشوء أمراض عصابيّة لدى الصغار، والمراهقين، وفئة الشباب.
وبالرغم من إدراك المشرع الإسلامي لمخاطر استعمال العقوبة لا في مجال التربية الجنسية للطفل وتأديبه على السلوك العفيف فحسب، بل في كل مظاهر النشاط الذي يصدر عن الفرد، ومع ذلك فإن العقوبة أمر لا مناص منه في الحالات التي يتعذر فيها نجاح أسلوب النصح والإرشاد وفي ضبط السلوك الجنسي عند الطفل، لأنّ بعض _الأطفال _ يحبون العناد ويأنسون باهتياج المربي، ولا يرتدعون عن المخالفة الجنسيّة، فإذا أثبت أسلوب النصح عدم جدواه في التأديب، فلا يملك المربي سوى هذا الحلَّ، ولفترة محدودة، لأن المشرع وإن دعا إلى ضرورة استعمال العقوبة أحياناً، إلاّ أنّه ينصح بعدم استعماله كثيراً، خشية مردوداته السلبيّة على الناشئة، والمراهقين.
ومن المؤكد أن العقوبة البدنية التي دعا إليها المشرع لتأديب الأطفال المميزين المخالفين للضوابط الإسلامية في مجال الشهوة الجنسية، لا تكون هي آخر خطوات العقاب، فيمكن للمربي المسلم أن يتدرج في تطبيق العقوبة، كحرمان الطفل من بعض الامتيازات العائلية، أو بعض حقوقه الماليّة، أو المقاطعة لفترة قصيرة، لإشعاره بعدم رضاه عمّا بدر منه، وتكون العقوبة البدنية هي المحطة الأخيرة، وهي وفقاً للمعايير الإسلاميّة تتراوح عادة بين ثلاثة وعشرة أسواط يقدرها الوالي (الحاكم الشرعي أو وكيله، أو بالأب نيابة عنهما).
وقد أثبت تاريخ التربية في المجتمع المسلم أنّ المربي لا يحتاج إلاّ نادراً لتنفيذ العقوبة ضد مخالفة الطفل الجنسية، لأن الآباء في مثل هذه الحالات لا يتأخرون عن اعتماد النصح والتوجيه هذا من جهة، ولا يجدون في بيئتهم مُثيرات مهيجة للشهوة الجنسية بعنف كما نجد ذلك في هذه الأيام، وعلى كل حال فكما يؤدب الطفل المميز _بالضرب _ على تساهله إزاء الصلاة أو الوضوء، كذلك يضرب بعد النصح والإرشاد إذا صدرت عنه مخالفة جنسيّة فاضحة تنذر بإشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم.
12_ الزواج المبكر:
وهذه الخطوة الوقائية، ربّما تكون حلاًّ عملياً لمشكلة عدم انضباط الفرد جنسياً، وتتم دائماً بعد بلوغه _الحلم _ مباشرة، إذ يلجأ إليه المربي المسلم بعد فشل التربية الجنسية للطفل خلال فترة الإعداد والتأديب، وحين يشعر الأب بعدم الاطمئنان على مستقبل استقامة ابنه وعفته الجنسية.. إنه يحاول قبل أن يفلت الأمر من يده، لضمان عفته وتجنيبه نقطة من الانحراف لا عودة إليها.
وقد اقترح علماء النفس، والتربيّة، والجنس باعتماد هذا الحل إذا لم تنفع في تربيته جنسياً كل أساليب التربية، لأن الزواج المبكر حل مشروع يسمح للبالغ المراهق الذي لم يقدر على ضبط شهوته الجنسية، أن يشبعها دون تعرضه لمخالفات قانونيّة أو نقد اجتماعي، وضغط عائلي أو قلق نفسي، فالزواج المبكر يزيح التوتر من داخل النفس المراهقة، بل ويحقق له انسجاماً نفسياً، وتقديراً اجتماعياً من الآخرين.
فطالما غير مسموح للبالغ المراهق بتفريغ الشحنة الانفعالية لشهوته كرجل، وهو عاجز عن ضبط اندفاعات هذه الشهوة وإلحاحها الحيواني، فإنه يواجه حينئذ حالة شديدة من الصراع النفسي بسبب تعارض دافعين أحدهما يدفعه في طريق الشهوة، وآخر يصده عن الإشباع، وإذا لم يتمكن المربي المسلم من إزاحة ألم هذا الصراع، فلا مناص من وقوعه في براثن المرض النفسي، ويظل بعد ذلك وقوداً للانحراف الجنسي، يطحنه ألم الضمير، وقسوة قانون الغيب الاجتماعي.
لهذا قرّر بعض خبراء التربية الاعتماد على الزواج المبكر كخطوة وقائية وعلاجية في آن واحد، وقائية ضد عوامل الانحراف المرتقبة، وعلاجيّة للتمرد الذي عاشه قبيل المراهقة ضد القيم التربوية.
وكان الزواج المبكر أسلوباً تربوياً سائداً في البيئة المسلمة طوال التاريخ، لحل المشكلة الجنسية، ونجح في السيطرة عليها، بالرغم من المشكلات المتعلقة أساساً بالنظام العام للزواج في المجتمع، كتزويج الأقارب، وبدون رضا الفتاة مثلاً.
والمشرع إجمالاً لا يفرض هذا الحل، لكنّه يدعو إليه خاصة في الحالات التي يترتب وضع شاذ إذا بقيت دونما زواج، ولهذا ترك المشرع للمربي المسلم حرية اعتماد هذا الحل لمواجهة المشكلة الجنسية أو اتباع طرق أخرى مناسبة.
.................................................. ...............
المصدر :التربية الجنسية للاطفال والبالغين . ونسالكم الدعاء وطلب المغفرة لي ولكم